منهج ابن كثير في الدعوة إلى الإيمان بالكتب

منهج ابن كثير في الدعوة إلى الإيمان بالكتب

من أركان الإيمان الستة الإيمانُ بالكتب، وهي الكتب المنزَّلة من الله تعالى على أنبيائه ورسله؛ رحمةً للعباد وهداية لهم؛ لتوصِّلَهم إلى سعادة الدارين: الدنيا والآخرة.

وقد أكد ابن كثير رحمه الله على وجوب الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله سبحانه على أنبيائه ورسله؛ فالتوراة أنزلها الله على موسى، والإنجيل على عيسى، والزَّبور على داود، فقال رحمه الله عند تفسير الآية: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ [آل عمران: 3، 4]: "يعني نزَّل عليكم القرآن يا محمد ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ أي: لا شك فيه ولا ريب، بل منزَّل من عند الله عز وجل... وقوله: ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾؛ أي من الكتب المنزلة قبله من السماء على عباد الله الأنبياء، فهي تصدِّقه بما أخبَرتْ به وبشَّرت في قديم الزمان، وهو يصدِّقها؛ لأنه طابق ما أخبَرتْ به وبشَّرت من الوعد من الله بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القران العظيم، وقوله: ﴿ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ ﴾؛ أي: على موسى بن عمران، ﴿ وَالْإِنْجِيلَ ﴾؛ أي: على عيسى بن مريم، ﴿ مِنْ قَبْلُ ﴾؛ أي: من قبل هذا القرآن، ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ ﴾؛ أي: في زمانهما، ﴿ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ وهو الفارق بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والغي والرشاد؛ بما يذكُره الله تعالى من الحُجَج والبينِّات، والدلائل الواضحات، والبراهين القاطعات، ويبيِّنه ويوضِّحه، ويفسِّره ويقرِّره، ويرشد إليه وينبِّه عليه من ذلك"[1].

والزبور هو الذي أنزله على داود عليه السلام، كما قال سبحانه: ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [النساء: 163]، قال ابن كثير: "والزبور: اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلام"[2].

وقد خُتمت الكتب المنزَّلة بالقرآن الكريم؛ يقول ابن كثير: "والكتاب وهو اسم جنس يشمل الكتب المنزَّلة من السماء على الأنبياء، حتى خُتمت بأشرفها، وهو القرآن، المهيمن على ما قبله من الكتب، الذي انتهى إليه كلُّ خير، واشتمل على كلِّ سعادة في الدنيا والآخرة، ونسخ به كل ما سواه من الكتب قبله، وآمَنَ بأنبياء الله كلِّهم من أولهم إلى خاتمهم محمد، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين"[3].

وقد أشار رحمه الله إلى أن جميع الكتب المنزَّلة - غير القرآن - قد دخَلَها التحريفُ والتبديل، والزيادة والنقصان، فقال عند تفسير الآية: ﴿ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 78]: "وقال وهب بن منبه: إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله لم يغيَّر منهما حرف، ولكن يضلُّون بالتحريف والتأويل، وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم ﴿ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾، فأما كتب الله فإنها محفوظة لا تحول.... فإنْ عَنى وهبٌ ما بأيديهم من ذلك، فلا شك أنه قد دخَلَها التبديل والتحريف، والزيادة والنقص، وأما تعريب ذلك المشاهد بالعربية، ففيه خطأ كبير، وزيادات كثيرة، ونقصان ووهم فاحش، وهو من باب تفسير المعبَّر المعرَّب، وفَهْم كثير منهم بل أكثرهم بل جميعهم فاسدٌ، وأما إنْ عنى كتب الله التي هي كتبه عنده، فتلك كما قال محفوظة لم يدخلها شيء"[4].

فابن كثير رحمه الله من خلال المنهج الحسي يستدل على ما حصل في الكتب السماوية من التحريف والتبديل والتغيير؛ لأن هناك اختلافًا وتباينًا بين نسخها الموجودة بين الناس، مما يدل على أنه دخَلَها التحريف والتغيير، والزيادة والنقصان، بخلاف القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ لأن الله تكفَّل بحفظه، كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9][5].

وأما ما يُخبِر به أهل الكتاب مما لا يُعلَم صدقه ولا كذبه، فقد قال ابن كثير عند تفسير الآية: ﴿ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ [العنكبوت: 46]:"يعني إذا أخبَروا بما لا يُعلم صدقه ولا كذبه، فهذا لا نُقدِم على تكذيبه؛ لأنه قد يكون حقًّا، ولا تصديقِه؛ فلعله أن يكون باطلًا، ولكن نؤمن به إيمانًا مجملًا معلَّقًا على شرط، وهو أن يكون منزَّلًا، لا مبدَّلًا ولا مؤوَّلًا"[6].

وينبغي أن يتخصص دعاةٌ من المسلمين في معرفة مواطن التحريف والتبديل الذي حصل في الكتب المقدسة؛ ليتمكَّنوا من مناظرة ومجادلة المنصِّرين والقساوسة، وكشف زيفهم وضلالهم، كما فعل الداعية أحمد ديدات[7] رحمه الله.