• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغِيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

المراد الأسمى من القصص الأعلى (4)

المراد الأسمى من القصص الأعلى (4)
محمد صادق عبدالعال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/10/2020 ميلادي - 12/3/1442 هجري

الزيارات: 4931

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المراد الأسمى من القصص الأعلى (4)


تابع من جماليات القصص القرآني:

مِسك الختام قَصصٌ من سيرة الإمام عليه الصلاة والسلام:

وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تربو فوق كونها قصصًا وفقط، بل هي السيرة التي ارتبطت بكل قصص رسل الله وأنبيائه من لدن آدم حتى خاتم الرسل، فلم يكتف القرآن الكريم بقص أنباء القرون الأولى والأمم السابقة حصرًا، بل تَشرَّفت حياة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام بتناول القصص القرآني لكثير منها، فهو القدوة والأُسوة الحسنة، وحياته وتعاملاته منهاج حياة لأمة وأجيال متعاقبة، فكان لازمًا أن يكون هذا النبراس العظيم سجلًا لنا بتذكيرنا بالمثل الأعلى في الصبر والحكمة وفي المعاناة، وكافة الابتلاءات التي يصطبر لها أهل المحن، ولن نطيل في تلك الجزئية إطالة القارئ على من يعرفون ويدركون أكثر منه، فَلَرُبَّ قارئ أوعى من كاتب، ومعنا مثال مشرق، وكل حياة النبي الكريم وقصصه إشراقات تتسم بالعصمة والجود والكرم، حتى لو عاتبه الله في بعض شؤون بيته وحياته؛ كما ورد في سورة التحريم التي آثرت أن تكون بين أيدينا مثلًا لقصص قرآني شريف تَميَّز بروعة السياق.

 

♦ فبداية السورة الكريمة أداة نداء للقريب المقرب والحبيب المصطفى بأحب وأشرف وأرفع الألقاب، فيقول له: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التحريم: 1]، وهنا استهل العزيز الحكيم عتابه بلطف مع رسوله ومصطفاه في حين أن القضية ليست بالسهلة ولا الهيِّنة، فقضية التحريم والتحليل من صفات سلطانه الأعظم، وتلك مراجعة للنبي فيما عزم عليه، وذكر فيما يليها سبب قَسم النبي صلى الله عليه وسلم بالتحريم لا لهوى متبع ولا لحاجة في نفسه، بل هو إرضاءٌ لزوجاته منعًا لظهور ما يعكِّر صفو الحياة الأسرية لآل بيته الكرام، لكن الله الذي أراد لنبيه أن يبلِّغ رسالته دون اتباع لهوى أحد، حتى ولو كانت أمهات المؤمنين أنفسهن، ليؤدبه أحسن تأديب، وأن يعلِّمه خير تعليم، وتشرق في كل آية وحدث في القصة نورانيات الهدى والرشاد، ولم يترك المولى عز وجل محمدًا وحده محل العتاب والمؤاخذة، بل جاء القول الفَصل لأمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بآية شديدة اللهجة عظيمة المفاد: ﴿ وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ [التحريم: 4]، ولم تكتف السورة بعتاب النبي وزوجاته فيما نشب من خلاف ببيت النبوة مدرسة المؤمنين الأولى، بل أراد أن تشرق حياتهن بأمثلة طيبة: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11]، وهي آسيا بنت مزاحم امرأة فرعون الطاغية المستبد الذي استعبد بني إسرائيل كيف آمنت وما صرفها جبروته وسلطانه من تقول: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ﴾.

 

♦ والسيدة العذراء مريم عليها وعلى السيد المسيح السلام: ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ [التحريم: 12].

 

♦ وأيضًا مثالان على النقيض تمامًا كامرأة نوح وامرأة لوط زوجي نبيين من أنبياء الله، كيف وقعتا في شَرك الشقاوة والبطر، فلم تتبعان سبيل المؤمنين؟ وفي تضمين السورة لتلك الأمثلة درسٌ وعظة لكل المؤمنات، وهنا نطرح سريعًا سؤالًا على من يتجنى على قصص القرآن، هل تستطيع أن تأتيَ بمثل تلك البلاغة وإدراج الأمثلة المتشابهة والمتناقضة في آن واحد، بالطبع لا؛ فهذا نبأ عظيم، ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ [التحريم: 10].

 

سؤال: لما لم تبدأ سورة التحريم بقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [التحريم: 3]، وبدأت بعتاب النبي في شأن قضية التحريم؟!

الإجابة والله أعلى وأعلم: إن عناية المولى عز وجل بإنفاذ أحكامه وإتمام كلامه مقدم على كل نص وقَص، فبداية السورة بعتاب النبي وتحريمه ما أحلَّه الله يعد من المخالفات لأمر العقيدة التي عليها تُشيَّد دولة الإسلام العظيمة، فبدأ بها للضرورة القصوى، ثم أَورد القصة بسردها وبعضِ من حوارها عِظةً للمؤمنين والمؤمنات حتى قيام الساعة فيمت بعدُ، فمن الآيات ما يأتي ليكشف عن مكنون قصة، ومن القصص ما يستحق أن يدونه القرآن الكريم في آياته.

 

والقصة الثانية: من بيت النبوة أيضًا، لكنها كانت قاسية على قلب رسول الله وآل بيته الكريم، وهي ما تُعرف بحادثة بالإفك، وما من واحد منا إلا ويعلم تفاصيل القصة لاتخاذها مثلًا قويًّا يساق في رمي المحصنات والافتراء على الأبرياء الأنقياء بما لم يفعلوه، والقصة قد نزلت في سورة النور، وكل آيات السورة؛ كما قال فيها العلماء: نور حتى الكلمات والحروف، وما يعنينا من السورة النورانية تلك هو القصة، وهي (حادثة الإفك)، كما أطلق عليها، والقصة قد ورد ذكرها بعد عدة أحكام رادعة لمرتكبي ومرتكبات فاحشة الزنا، وأيضًا العقاب الأمثل لمن يرمون المحصنات من النساء، ناهيك عن الأزواج أنفسهم الذين يرمون زوجاتهم ببينة أو بدون بينة، ثم تُعرِّج الآيات نحو نص البراءة المرتقب للحصان الرَّزان أم المؤمنين عائشة ورسول الله والمؤمنين جميعًا، ولن ندخل في أعماق القصة المعلومة، لكن ما يعنينا هو الوقوف على جماليات القص القرآني وتناوله لها بصورة أنَّى لمبدع أن يستطيع الوقوف على عتبات بيانه! فمن أول كلمة قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 11].

 

♦ فكلمة (الإفك) وحدها إفادة لبراءة السيدة عائشة رضي الله عنها قبل الاستفاضة في أحاديث الفِرية ومرتكبيها، والقاص الماهر بفن كتابة القصة هو من يستنبط مفاتح التنوير وبيت القصيد في العمل القصصي، وهذا ما اتضح جليًّا في سياق الآيات، فها هي صاحبة القضية تُبرئ من فوق سبع سماوات، وذلك ما كان قد أهَمَّ النبي والمسلمين جميعًا، لِما في تلك الفِرية من تداعيات خطيرة ليست على مستوى بيت النبوة وفقط، بل يمتد لكل أركان الدولة الإسلامية، والتعويل على المثل الأعلى لأمهات المؤمنين في هدم البناء الإسلامي الجديد، وهذا ما كان يسعي إليه رأس النفاق "عبدالله بن سلول" الذي لم يتركه الله يتخفى وراء نفاقه، بل فضحه بكناية بليغة في قوله: ﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.

 

♦ واستخدام المفردة البليغة "عصبة"، ومعلوم أن العصبة هم الجماعة من الناس ما اتَّحدت على هدف ومراد واحد؛ كما جاء مثلًا على لسان إخوة يوسف ((ونحن عصبة))، ففي المرة الأولى قالوا: )ونحن عصبة) لها من القوة والسداد ما يجعل يعقوب يعتز بهم أكثر من يوسف الصغير وأخيه، وحينما أرادوا أن يقنعوا أباهم يعقوب بالمحافظة على يوسف والذود عنه من أيَّةِ مخاطر، كَرروا نفس المفردة "ونحن عصبة"؛ لإقناعه بقوتهم، وأنهم خاسرون متى لحق به من سوء، ونفس المفردة وردت في قصة قارون حينما أراد المولى عز وجل أن يصوِّر لنا ما وصل إليه قارون من غنى وثروة: ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ﴾ [القصص: 76].

 

♦ وعودة لحادثة الإفك تأتي الانفراجة في القصة القرآنية العظيمة، فلم ينسدل الستار فيها عند التبرئة وفقط، بل رسخ الحق عز وجل مبدأً إسلاميًّا عظيمًا وتحذيرًا خطيرًا لمن تسوِّل له نفسه الوقوع في مثل ذلك، فذكر ناهيًا زاجرًا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]، ولك أن تدقِّق كل الدقة في مفردة تربوية عالية وحكيمة لا يدركها كثير من الناس وهي مفردة (يحبون)، وتلك الكلمة مانعة قاطعة لمجرد الخوض أو القول باللسان فيما يفتريه البعض في أعراض المسلمين، ثم لم يتجاهل القرآن الكريم قَسَمَ سيدنا أبي بكر رضي الله عنه المِفضال الكريم بألا يصل ابن خالته "مسطحًا بن أثاثة" الذي خاض مع من خاضوا في عِرض السيدة عائشة أم المؤمنين، بل عاتبه ربه عتاب الحبيب لحبيبه، فتحلل أبو بكر من يمينه الذي أقسمه بألا يبَرَّه بعد ما تكلم فيه.

 

♦ قصة اجتماعية مكتملة المقومات والعناصر، تعالج قضية خطيرة يستلهم منها الخطباء والأدباء كل طيب ومفيد ومهذِب ورادع لسالك مسالك الذي تولى كبرَه، ومن يتبعه ولو من بعيد، شخوصها سيد الخلق وزوجه أم المؤمنين السيدة عائشة الحصان الرزان"، وأبو بكر وما أقسم عليه، وعاقبة ومآل المفترين فضلًا عن ثوابت إطلاق الحكمة من كل قصة يوردها القرآن الكريم، تلك التي يقول عنها رواد القصة الحديثة أنها ليست من مقومات القص!

 

إن هذا القران يهدي ويقص:

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [النمل: 76]، نرى ونُبصر في كلتا الآيتين الكريمتين تطابقًا لفظيًّا ومعنًى حتى الفعل المضارع في الآية الأولى من سورة الإسراء (يهدي)، والفعل المضارع في الآية الثانية من سورة النمل (يقص)، وبمناظرة سريعة لهذا التطابق اللفظي في الجملة من حرف التوكيد والنصب، (إن وكذلك اسم الإشارة (هذا) ولفظة (القرآن) وموقعه الإعرابي بدلًا وصولًا للفعلين المضارعين اللذين يفيدان الاستمرار والتتابع (يهدي - يقص)، نستشرف مراد الحق عز وجل من ذلك، والله أعلى وأعلم أن غاية (القص) كما أوضحنا وأجمع الناس من لدن آدم حتى يومنا هذا، هو الهداية والاعتبار والحذر من مغبة الوقوع فيما وقع فيه أسلافهم والتعلم من أخطاء الغير، واقتفاء آثار الصالحين والتشبه بالكرام من الأنبياء والسلف، والناظر في أسباب نزول الآيات، وخاصة الآية الثانية: ﴿ إن هذا القران يقص ﴾، يجد أن هدف القص فيها هو هداية بني إسرائيل وتبصُّرنهم بالاختلاف الحاصل حول (قصة عزير) الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، وانبهار بني إسرائيل بتلك المعجزة حتى زعموا كذبًا أن عزيرًا ابن الله، فأراد الله أن يحسم القضية، وهي أن الله واحد ماجد فرد صمد، لا شريك له ولا ند ولا ولد.

 

ولا أتفق مع كل من يريد أن يجنب القصص القرآني حين يشرع في كتابة نصوص قصصية، معتبرًا أن متطلبات القص الحديث تتطلب مقومات ومقاصد أخرى، أذكر ما قرأت لأستاذنا توفيق الحكيم رحمه الله وغفر له - حينما شرع في كتابة قصة بعث مصر / - سلسلة كتابك / كهف الحكيم فكتب مقرًّا:

♦ أن فكرة كتابة مسرحية "أهل الكهف" قد توصل إلى فكرتها من سماعه لآيات من الذكر الحكيم لسورة الكهف، وقد أنصت هذه المرة إنصاتًا استرعى واستدعى قرائحه: ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴾ [الكهف: 9]، إلى قوله الحق تعالى: ﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ﴾ [الكهف: 27]، هذه الآيات المباركات من سورة الكهف هي التي أوحت إلى توفيق الحكيم رحمه الله بكتابة مسرحية "أهل الكهف"، حدث ذلك في أحد أيام الجمعة، وهو جالس بمقهى الزجاج بمدينة دمنهور"، وقيل: إن الحكيم قد أنصت للآيات وكأنه يسمعها أول مرة، ليكتشف أن فكرة بعث مصر التي تدور بفكره وخلده وتشغله، قد وجدت ضالتها لإتمام مسيرتها، ونُقل عنه نصًّا: (كنت أشعر دائمًا أنني أعيش خلف قضبان، ولم أدرِ سبب هذا الشعور حتى خرجت من الشعور الخاص بي كفرد إلى الشعور العام بالنسبة للإنسانية كلها، واكتشفت عندئذ أن هذا السجن هو الزمن - وكان هذا هو السبب في أني كتبت أهل الكهف)[1].

 

♦ إن آي القران الكريم التي كشفت للحكيم رحمه الله عن خيوط فكرته أو ضالته التي كان ينشدها، علمت الكاتب كيف يستلهم من أحسن القصص ما يثبِّت فؤاده على فكرة "بعث مصر" على حد قوله، حتى إن اختلفنا مع الكاتب في بعض الرؤية، لكنه أَقرَّ واعترف بعظمة الحق في قص القصة، وليست قصة أصحاب الكهف والرقيم، وحدها بتلك الصورة التي تُعد تسليطًا للضوء على عامل الزمن بصفته عامل قهر للإنسان يصرعه كما صرع العتاة من قوم عاد وثمود وغيرهم ممن ساق القرآن ذكرهم، بل كل قصص القرآن الكريم آيات نتعلم منها البلاغة والبراعة وحسن الكتابة والتقصي.

 

♦ فالمسلم المفكر يوازن ويقدس كلمات وقصص قرآننا العظيم، فلا ينساق خلف الأقلام الكاذبة التي تقول أن قصص القرآن - لا يواكب آلية القص المعاصر، فيخوض خوض المرجفين ويتخذ من فنيات الغرب الحديثة ميزانًا للإبداع القصصي، ولا يجانب القصص القرآني كتاباته، مخافة الإضرار، أو مهابة التَريُّض في يوانع بيانه، فالقرآن قوي بقوة منزله، عزيزٌ بعزة رب العالمين.

 

♦ وبنظرة سريعة في كتاب القرآن والفلسفة للدكتور محمد يوسف موسى، وعذرًا للإطالة، لكنها قد تكون مقنعة ومانعة لمن تسوِّل له نفسه أو تدفعه فكرته غير الطيبة للخوض والقول في كلام الله، وقصص قرآنه العظيم بكل افتراء، وتطاول سوف يرد عليه، ففي هذا الكتاب الطيب ذكر الكاتب د/ محمد يوسف موسى قوله عن السلف والتابعين قوله: "وروح التهيب من البحث في القرآن الكريم نجدها لدى القاسم بن محمد بن أبي بكر، وسالم بن عبدالله بن عمر، وهما من التابعين، وفي هذا يروي الطبري في تفسيره عن عبدالله بن عمر قال: "لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير، ومنهم سالم بن عبدالله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب ونافعِ، كما يروي الإمام الطبري عن سعيد بن المسيب هذا أنه إذا سئل عن تفسير آية قال: أنا لا أقول في القرآن شيئًا، هؤلاء هم أعلام الأمة والتابعون يتهيبون الدخول في التفسير مخافة القول، أو التفسير مخافة الإساءة بدون علم أو قصد لمراد الله من كلامه العظيم، فانظر للفارق بينهم وبين من يتجرؤون اليوم، وبلا حياء ولا خشية على قصص القرآن العظيم، ويقولون فيه كذا وكذا.

 

♦ وهذا لا يدعو لترك النصوص القرآنية بلا تدبر أو تفكُّر، لكنهم كانوا يتهيبون الوقوع في الخطأ أو التفسير بهوى مضل أو كلام مخل يخالف المقصد الأسمى لكلام الله عز وجل، ومن نفس الكتاب الطيب إيراد الكاتب لمقالة الإمام البصري التابعي رحمه الله: (ما أنزل الله من آية إلا ويحب أن يعلم ما أراد بها)، ويذكر الكاتب أن القرآن الكريم كتابٌ موجهٌ إلى الإنسانية كلها الأبيض والأسود والأحمر، وأوضح أن دور الراسخون في العلم قائم بالتوضيح والتفصيل والتفسير، وذكر الكاتب د/ محمد يوسف موسى مقالة الخليفة الصديق رضي الله عنه في وجله وخوفه من القول في كلام بغير حق: ((أي أرض تقلني، وأي سماءِ تظلني إذا قلتُ في القرآن برأيي وبما لا أعلم))[2].

 

♦ وقد يقول قائل: إن هذا الكلام الوارد بخصوص التفسير والتأويل، وتهيُّب السلف الخوض فيه، حتى جاءت الفترة التي استدعت فيه الظروف التأويل مع التدوين حفاظًا على القرآن الكريم، ولم يتعرض لقصصه نقول:

إن المفاد من إيراد تلك الأقوال والمأثور هو التهيب والتقديس والتوقير لكلام الله؛ ردعًا لكل متجانف لنزال هو فيه خاسر لا محالة ومردود عليه إفكه دون شك، فليعتبر المعتبرون، وليراجع المقدمون على أمثال تلك الإشكاليات تراجع المقر بعظمة القَصص القرآني وقدسية كلام الله تباركت أسمائه وصفاته العلا، وإن أردت أن تُمجد نظريات وتجعلها من أولويات القياس على فن القصة لموباسان، تشيكوف، إدجار آلان بو، جوجول، أوسكار وايد، دوديه، هوفمان، وغيرهم، فأنت وشأنك، ولكن تمدن عيناك بالإفك والكذب على كلام ربنا المقدس وقصصه الحق الذي هو أحسن القصص على الإطلاق، وسبحان من له الكبرياء في السماوات والأرض.



[1] سلسلة كتابك / كهف الحكيم / ا/ فتحي العشري، العدد/127/ ص 6 /7، 127، والصادر عن دار المعارف للنشر بمصر في الصفحات 6 / 7.

[2] كتاب القرآن والفلسفة؛ للدكتور محمد يوسف موسى/ مكتبة الدراسات الفلسفية/ دار المعارف / ط/ 4/ صفحات 36 / 37.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المراد الأسمى من القصص الأعلى (1)
  • المراد الأسمى من القصص الأعلى (2)
  • المراد الأسمى من القصص الأعلى (3)

مختارات من الشبكة

  • المراد بصلة الرحم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد حديثية: (المراد بالأصاغر عند الأوائل)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما المراد بـ «عزير ابن الله» في القرآن الکريم: دراسة تحليلية (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مع اللغويين في المراد من كلمتي الحمام واليمام(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المراد من الصدقات وحكم إظهارها في قول الله تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما المراد بالصلاة الوسطى؟(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • ما المراد بيوم القيامة؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أرجوزة فتح الذي قد أعطى في نظم المراد بالصلاة الوسطى للعلامة جلال الدين السيوطي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المراد بقيام رمضان(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • تفسير سور المفصَّل (2) بيان المراد بالمفصَّل(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب