• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / الجامع لروائع البيان في تفسير آيات القرآن
علامة باركود

تفسير سورة النحل: من الآية 111 - 128

تفسير سورة النحل: من الآية 111 - 128
سيد مبارك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/7/2019 ميلادي - 14/11/1440 هجري

الزيارات: 23154

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الربع الثامن والأخير من الجزء الرابع عشر

تفسير سورة النحل:

من الآية 111 - 128

 

﴿ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [النحل: 111].

روائع البيان والتفسير:

﴿ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾؛ قال البغوي رحمه الله في بيانها: ﴿ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ ﴾ تخاصم وتحتج ﴿ عَنْ نَفْسِهَا ﴾ بما أسلفت من خير وشر، مشتغلًا بها لا تتفرغ إلى غيرها ﴿ وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾؛ ا.هـ[1].

 

وزاد أبو جعفر الطبري رحمه الله في تفسيرها، فقال: ﴿ وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَت ﴾ في الدنيا من طاعة ومعصية، ﴿ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾: يقول: وهم لا يفعل بهم إلا ما يستحقونه ويستوجبونه بما قدَّموه من خير أو شرٍّ، فلا يجزى المحسن إلا بالإحسان ولا المسيء إلا بالذي أسلف من الإساءة، لا يعاقب محسن ولا يبخس جزاء إحسانه، ولا يثاب مسيء إلا ثواب عمله؛ ا.هـ [2].

 

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

روائع البيان والتفسير:

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾؛ قال السعدي رحمه الله في بيانها: وهذه القرية هي مكة المشرفة التي كانت آمنة مطمئنة لا يهاج فيها أحدٌ، وتحترمها الجاهلية الجهلاء، حتى إن أحدهم يجد قاتل أبيه وأخيه، فلا يهيجه مع شدة الحمية فيهم، والنعرة العربية، فحصل لها من الأمن التام ما لم يحصل لسواها، وكذلك الرزق الواسع.

 

كانت بلدة ليس فيها زرع ولا شجر، ولكن يسَّر الله لها الرزق يأتيها من كل مكان، فجاءهم رسول منهم يعرفون أمانته وصدقه، يدعوهم إلى أكمل الأمور، وينهاهم عن الأمور السيئة، فكذبوه وكفروا بنعمة الله عليهم، فأذاقهم الله ضدَّ ما كانوا فيه، وألبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد، والخوف الذي هو ضد الأمن، وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم، ﴿ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾؛ ا.هـ [3].

 

وأضاف ابن كثير رحمه الله في بيانه لقوله تعالى: ﴿ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ﴾، فقال: أي: ألبَسها وأذاقها الجوع بعد أن كان يُجبى إليهم ثمراتُ كلِّ شيء، ويأتيها رزقها رغدًا من كل مكان، وذلك لما استعصوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوا إلا خلافه، فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف، فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء لهم، فأكلوا العِلْهِزَ وهو وبر البعير يُجعل بدمه إذا نحروه.

 

وقوله: ﴿ وَالْخَوْفِ ﴾، وذلك بأنهم بدلوا بأمنهم خوفًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين هاجروا إلى المدينة من سطوة سراياه وجيوشه، وجعلوا كل ما لهم في سفال ودمار، حتى فتحها الله عليهم، وذلك بسبب صنيعهم وبغيهم، وتكذيبهم الرسول الذي بعثه الله فيهم منهم، وامتن به عليهم في قوله: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [آل عمران: 164]، وقال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [الطلاق: 10، 11]؛ ا.هـ[4].

 

﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [النحل: 113].

روائع البيان والتفسير:

﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾، قال أبو جعفر الطبري في بيانها إجمالًا: يقول تعالى ذكره: ولقد جاء أهل هذه القرية التي وصف الله صفتها في هذه الآية التي قبل هذه الآية ﴿ رَسُولٌ مِنْهُمْ ﴾، يقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، يقول: من أنفسهم يعرفونه، ويعرفون نسبه وصدق لَهجته، يدعوهم إلى الحق، وإلى طريق مستقيم، ﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ ولم يقبلوا ما جاءهم به من عند الله، ﴿ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ ﴾، وذلك لباس الجوع والخوف مكان الأمن والطمأنينة والرزق الواسع الذي كان قبل ذلك يرزقونه، وقتل بالسيف ﴿ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾؛ يقول: وهم مشركون، وذلك أنه قتل عظماؤهم يوم بدر بالسيف على الشرك؛ ا.هـ [5].

 

﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114].

روائع البيان والتفسير:

﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾؛ قال السعدي رحمه الله في تفسيرها: يأمر تعالى عباده بأكل ما رزَقهم الله من الحيوانات والحبوب والثمار وغيرها، ﴿ حَلالًا طَيِّبًا ﴾؛ أي: حالة كونها متصفة بهذين الوصفين؛ بحيث لا تكون مما حرَّم الله، أو أثرًا عن غصب ونحوه، فتمتعوا بما خلق الله لكم من غير إسراف ولا تَعَدٍّ، ﴿ وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ﴾ بالاعتراف بها بالقلب والثناء على الله بها، وصرفها في طاعة الله، ﴿ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾؛ أي إن كنتم مخلصين له العبادة، فلا تشكروا إلا إياه، ولا تنسوا المنعم؛ ا.هـ[6].

 

﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 115].

روائع البيان والتفسير:

﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾؛ قال السعدي رحمه الله في بيانها إجمالًا ما نصه: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ﴾: الأشياء المضرة تنزيهًا لكم، وذلك كـ﴿ الْمَيْتَةَ ﴾، ويدخل في ذلك كل ما كان موته على غير ذكاة مشروعة، ويستثنى من ذلك ميتة الجراد والسمك.

 

﴿ وَالدَّمَ ﴾ المسفوح، وأما ما يبقى في العروق واللحم فلا يضر.

﴿ وَلَحْمَ الْخِنزيرِ ﴾ لقذارته وخبثه، وذلك شامل للحمه وشحمه وجميع أجزائه.

﴿ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ كالذي يذبح للأصنام والقبور ونحوها؛ لأنه مقصود به الشرك.

 

﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ ﴾ إلى شيء من المحرمات - بأن حملته الضرورة، وخاف إن لم يأكل أن يهلك - فلا جناح عليه إذا لم يكن باغيًا أو عاديًا؛ أي: إذا لم يرد أكل المحرم وهو غير مضطر، ولا متعد الحلال إلى الحرام، أو متجاوز لما زاد على قدر الضرورة، فهذا الذي حرمه الله من المباحات؛ ا.هـ[7].

 

﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116].

روائع البيان والتفسير:

﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾؛ قال ابن كثير رحمه الله في بيان هذه الجزئية من الآية، فقال: ثم نهى تعالى عن سلوك سبيل المشركين الذين حللوا وحرَّموا بمجرد ما وضعوه، واصطلحوا عليه من الأسماء بآرائهم، من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وغير ذلك مما كان شرعًا لهم ابتدعوه في جاهليتهم، فقال: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾، ويدخل في هذا كل مَن ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيئًا مما حرم الله، أو حرَّم شيئًا مما أباح الله بمجرد رأيه وتشهِّيه؛ ا.ه[8].

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾؛ قال القرطبي رحمه الله في بيانها: قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ ﴾؛ أي: يختلقون، ﴿ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾؛ أي: لا يفوزون ولا يأمنون؛ ا.هـ[9].

 

﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النحل: 117].

روائع البيان والتفسير:

﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾؛ قال أبو جعفر الطبري رحمه الله في بيانها إجمالًا: ﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ﴾ فرفع؛ لأن المعنى الذي هم فيه من هذه الدنيا متاع قليل، أو لهم متاع قليل في الدنيا؛ ا.هـ[10].

 

وأضاف ابن كثير رحمه الله: ما في الدنيا فمتاع قليل، وأما في الآخرة فلهم عذاب أليم؛ كما قال: ﴿ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [لقمان: 24]؛ ا.هـ[11].

 

﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [النحل: 118].

روائع البيان والتفسير:

﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾

فسَّرها ابن كثير رحمه الله إجمالًا، فقال: ما ذكر تعالى أنه إنما حرَّم علينا الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أُهلَّ لغير الله به، وأنه أرخص فيه عند الضرورة - وفي ذلك توسعة لهذه الأمة التي يريد الله بها اليسر ولا يريد بها العسر - ذكر سبحانه وتعالى ما كان حرَّمه على اليهود في شريعتهم قبل أن ينسخها، وما كانوا فيه من الآصار والأغلال والحرج والتضييق، فقال: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ﴾؛ يعني: في "سورة الأنعام" في قوله: ﴿ ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [الأنعام: 146]، ولهذا قال ها هنا: ﴿ وما ظلمناهم ﴾؛ أي: فيما ضيَّقنا عليهم، ﴿ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾؛ أي: فاستحقوا ذلك؛ كما قال: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ [النساء: 160]؛ ا.ه[12].

 

﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 119].

روائع البيان والتفسير:

﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾؛ قال ابن كثير رحمه الله في بيانها: أخبر تعالى تكرمًا وامتنانًا في حق العصاة المؤمنين أن من تاب منهم إليه تاب عليه، فقال: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ﴾ قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل.

 

﴿ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا ﴾؛ أي: أقلعوا عما كانوا فيه من المعاصي، وأقبلوا على فعل الطاعات، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا ﴾؛ أي: تلك الفعلة والذلة ﴿ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾؛ ا.هـ[13].

 

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120].

روائع البيان والتفسير:

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾؛ قال السعدي رحمه الله: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾؛ أي: إمامًا جامعًا لخصال الخير هاديًا مهتديًا، ﴿ قَانِتًا لِلَّهِ ﴾؛ أي: مديمًا لطاعة ربه مخلصًا له الدين، ﴿ حَنِيفًا ﴾ مقبلًا على الله بالمحبة والإنابة والعبودية معرضًا عمن سواه، ﴿ وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ في قوله وعمله، وجميع أحواله؛ لأنه إمام الموحدين الحُنفاء؛ ا.هـ[14].

 

وأضاف أبو جعفر الطبري في تفسيرها: ﴿ وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ يقول: ولم يك يُشرك بالله شيئًا، فيكون من أولياء أهل الشرك به، وهذا إعلام من الله تعالى أهل الشرك به من قريش أن إبراهيم منهم بريء وأنهم منه برآء؛ ا هـ[15].

 

﴿ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 121].

روائع البيان والتفسير:

﴿ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾؛ قال أبو جعفر الطبري رحمه الله في بيانها: ﴿ شَاكِرًا لأنْعُمِهِ ﴾؛ يقول: كان يُخلص الشكر لله فيما أنعم عليه، ولا يجعل معه في شكره في نعمه عليه شريكًا من الآلهة والأنداد وغير ذلك، كما يفعل مشركو قريش ﴿ اجْتَبَاهُ ﴾؛ يقول: اصطفاه واختاره لخُلته، ﴿ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾؛ يقول: وأرشده إلى الطريق المستقيم، وذلك دين الإسلام لا اليهودية ولا النصرانية؛ ا.هـ[16].

 

﴿ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النحل: 122].

روائع البيان والتفسير:

﴿ وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾؛ قال أبو جعفر الطبري رحمه الله في بيانها: يقول تعالى ذكره: وآتينا إبراهيم على قنوته لله، وشكره له على نعمه، وإخلاصه العبادة له في هذه الدنيا ذكرًا حسنًا، وثناءً جميلًا باقيًا على الأيام، ﴿ وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾؛ يقول: وإنه في الدار الآخرة يوم القيامة لممن صلح أمره وشأنه عند الله، وحَسُنت فيها منزلته وكرامتُه؛ ا.هـ[17].

 

وأضاف البغوي رحمه الله في بيانه لقوله تعالى: ﴿ وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾؛ يعني الرسالة والخلة، وقيل: لسان الصدق والثناء والحسن.

 

وقال مقاتل بن حيان: يعني الصلوات في قول هذه الأمة: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وقيل: أولادًا أبرارًا على الكبر، وقيل: القبول العام في جميع الأمم.

 

﴿  وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ مع آبائه الصالحين في الجنة، وفي الآية تقديم وتأخير مجازه: وآتيناه في الدنيا والآخرة حسنة، وإنه لمن الصالحين؛ ا.هـ[18].

 

﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 123].

روائع البيان والتفسير:

﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾؛ قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها ما نصه: وقوله: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾؛ أي: ومن كماله وعظمته وصحة توحيده وطريقه: أنَّا أوحينا إليك يا خاتم الرسل وسيد الأنبياء ﴿ أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين ﴾؛ كما قال في "الأنعام": ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 161]؛ ا.هـ[19].

 

﴿ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [النحل: 124].

روائع البيان والتفسير:

﴿ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾؛ قال السعدي رحمه الله: يقول تعالى: ﴿ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ حين ضلوا عن يوم الجمعة وهم اليهود، فصار اختلافهم سببًا لأن يجب عليهم في السبت احترامه وتعظيمه، وإلا فالفضيلة الحقيقية ليوم الجمعة الذي هدى الله هذه الأمة إليه؛ ا.هـ[20].

 

أضاف القرطبي رحمه الله في بيانها ما مختصره: قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾؛ أي: لم يكن في شرع إبراهيم ولا في دينه، بل كان سمحًا لا تغليظ فيه، وكان السبت تغليظًا على اليهود في رفض الأعمال وترك التبسيط في المعاش بسبب اختلافهم فيه، ثم جاء عيسى عليه السلام بيوم الجمعة، فقال: تفرغوا للعبادة في كل سبعة أيام يومًا واحدًا، فقالوا: لا نريد أن يكون عيدهم بعد عيدنا، فاختاروا الأحد، وقد اختلف العلماء في كيفية ما وقع لهم من الاختلاف.

 

ثم أضاف رحمه الله: وعين الله لهذه الأمة يوم الجمعة من غير أن يكلهم إلى اجتهادهم فضلًا منه ونعمة، فكانت خيرَ الأمم أمةً، روى الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه، فهدانا الله له - قال يوم الجمعة - فاليوم لنا وغدًا لليهود، وبعد غد للنصارى"؛[21].

 

قوله تعالى: ﴿ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾: يريد في يوم الجمعة كما بينَّاه، اختلفوا على نبيهم موسى وعيسى، ووجه الاتصال بما قبله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع الحق، وحذَّر الله الأمة من الاختلاف عليه، فيشدد عليهم كما شدَّد على اليهود؛ ا.هـ[22].

 

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].

روائع البيان والتفسير:

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾؛ قال أبو جعفر الطبري في بيانها إجمالًا ما نصه: قول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ ادْعُ ﴾ يا محمد من أرسلك إليه ربك بالدعاء إلى طاعته﴿ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ﴾؛ يقول: إلى شريعة ربك التي شرعها لخلقه، وهو الإسلام ﴿ بِالْحِكْمَةِ )؛ يقول بوحي الله الذي يوحيه إليك وكتابه الذي ينزله عليك ﴿ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾؛ يقول: وبالعبر الجميلة التي جعلها الله حجةً عليهم في كتابه، وذكَّرهم بها في تنزيله، كالتي عدَّد عليهم في هذه السورة من حججه، وذكَّرهم فيها ما ذكرهم من آلائه، ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾؛ يقول: وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها أن تصفح عما نالوا به عِرضك من الأذى، ولا تَعصه في القيام بالواجب عليك من تبليغهم رسالة ربك؛ ا.هـ[23].

 

وزاد ابن القيم رحمه الله في بيانها مع فائدة جليلة، فقال ما مختصره: جعل الله سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق ولا يأباه، يدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخُّر، يدعى بالموعظة الحسنة، وهي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن، هذا هو الصحيح في معنى هذه الآية، لا ما يزعم أسير منطق اليونان أن الحكمة قياس البرهان، وهي دعوة الخواص، والموعظة الحسنة قياس الخطابة، وهي دعوة العوام، وبالمجادلة بالتي هي أحسن القياس الجدلي، وهو رد شغب المشاغب بقياس جدلي مسلَّم المقدمات، وهذا باطل، وهو مبني على أصول الفلسفة، وهو مناف لأصول المسلمين، وقواعد الدين من وجوه كثيرة، ليس هذا موضع ذكرها؛ ا.هـ[24].

 

﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾؛ قال ابن كثير في تفسيرها: أي: قدم علم الشقي منهم والسعيد، وكتب ذلك عنده وفرَغ منه، فادعهم إلى الله، ولا تذهب نفسك على من ضلَّ منهم حسرات، فإنه ليس عليك هداهم إنما أنت نذير، عليك البلاغ وعلينا الحساب: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ [القصص: 56]، و﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾ [البقرة: 272]؛ ا.هـ[25].

 

وأضاف السعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾، علم أنهم يصلحون للهداية، فهداهم، ثم منَّ عليهم فاجتباهم؛ ا.هـ[26].

 

﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126].

روائع البيان والتفسير:

﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾.

أسباب النزول:

سبب نزول هذه الآية كما جاء في الصحيح المسند من أسباب النزول للشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله: عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: حدثني أُبي بن كعب قال: لما كان يوم أُحد أُصيب من الأنصار أربعة وستون رجلًا، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة، فمثلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يومًا مثل هذا، لنربينَّ عليهم، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله تعالى: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾، فقال رجل: لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "كفوا عن القوم إلا أربعة"، هذا حديث حسن غريب من حديث أُبي بن كعب؛ ا.هـ[27].

 

قال أبو جعفر الطبري رحمه الله في بيانها: قول تعالى ذكره للمؤمنين: وإن عاقبتم أيها المؤمنون من ظلمكم واعتدى عليكم، فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة، ولئن صبرتُم عن عقوبته، واحتسبتُم عند الله ما نالكم به من الظلم، ووكَّلتم أمره إليه، حتى يكون هو المتولي عقوبته، ﴿ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾؛ يقول: للصبر عن عقوبته بذلك خير لأهل الصبر احتسابًا وابتغاء ثواب الله؛ لأن الله يعوِّضه مِنَ الذي أراد أن يناله بانتقامه من ظالمه على ظلمه إياه من لذَّة الانتصار، وهو من قوله ﴿ لَهُوَ ﴾ كناية عن الصبر، وحسن ذلك، وإن لم يكن ذكر قبل ذلك الصبر لدلالة قوله: ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ ﴾ عليه؛ ا.هـ[28].

 

وزاد ابن كثير رحمه الله في تفسيره فائدة، فقال: وهذه الآية الكريمة لها أمثال في القرآن، فإنها مشتملة على مشروعية العدل والندب إلى الفضل؛ كما في قوله: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾ [الشورى: 40]، ثم قال: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]، وقال: ﴿ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ﴾ [المائدة: 45]، ثم قال: ﴿ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ﴾ [المائدة: 45]، وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾، ثم قال: ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]، وقوله: ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ تأكيد للأمر بالصبر، وإخبار بأن ذلك إنما ينال بمشيئة الله وإعانته، وحوله وقوته؛ ا.هـ[29].

 

﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 127، 128].

روائع البيان والتفسير:

﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾؛ قال ابن كثير رحمه الله في بيانها: معنى ﴿ الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾؛ أي: تركوا المحرمات، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾؛ أي: فعلوا الطاعات، فهؤلاء الله يحفظهم ويكلؤهم، وينصرهم ويؤيدهم، ويُظفرهم على أعدائهم ومخالفيهم؛ ا.هـ[30].

 

وزاد السعدي رحمه الله بيانًا، فقال: والله مع المتقين المحسنين بعونه وتوفيقه وتسديده، وهم الذين اتقوا الكفر والمعاصي، وأحسنوا في عبادة الله أن عبدوا الله كأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم، والإحسان إلى الخلق ببذل النفع لهم من كل وجه؛ ا.هـ[31].

 

تم تفسير الجزء الرابع عشر بالكامل ولله الحمد والمنة



[1] انظر معالم التنزيل للبغوي؛ الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (5 / 48 ).

[2] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري؛ تحقيق أحمد محمد شاكر، الناشر، مؤسسة الرسالة (17/ 308 ).

[3] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي؛ الناشر: مؤسسة الرسالة، (ص 451 ).

[4] تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (4 /608 ).

[5] جامع البيان في تأويل القرآن؛ لأبي جعفر الطبري؛ تحقيق أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة (17 / 312 ).

[6] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي، الناشر: مؤسسة الرسالة (ص / 45 ).

[7] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي، مؤسسة الرسالة (ص / 451 ).

[8] تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (4 /609 ).

[9] الجامع لأحكام القرآن؛ للقرطبي، الناشر: دار الكتب المصرية - القاهرة ( 10 /195 ).

[10] جامع البيان في تأويل القرآن؛ لأبي جعفر الطبري؛ تحقيق أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة (17 / 314 ).

[11] تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (4 /609 ).

[12] تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (4 /610 ).

[13] تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (4 /610 ).

[14] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي، الناشر: مؤسسة الرسالة (ص /451 ).

[15] جامع البيان في تأويل القرآن؛ لأبي جعفر الطبري؛ تحقيق أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة (17/ 316).

[16] جامع البيان في تأويل القرآن؛ لأبي جعفر الطبري؛ تحقيق أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة (17 /316).

[17] جامع البيان في تأويل القرآن؛ لأبي جعفر الطبري؛ تحقيق أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة (17 /319).

[18] انظر معالم التنزيل للبغوي، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (5 /51 ).

[19] تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (4 /612 ).

[20] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي، الناشر: مؤسسة الرسالة (ص/ 452 )

[21] أخرجه مسلم برقم/ 855، بَابُ هِدَايَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ.

[22] الجامع لأحكام القرآن؛ للقرطبي، الناشر: دار الكتب المصرية - القاهرة ( 10/ 200 ).

[23] جامع البيان في تأويل القرآن؛ لأبي جعفر الطبري؛ تحقيق أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة (17 /321 ).

[24] تفسير القرآن الكريم؛ لابن القيم (ص/ 359 ).

[25] تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (4 /613 ).

[26] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- مؤسسة الرسالة(ص /452 )

[27] قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله، بتحقيقه، ص (127 )، الطبعة الرابعة، الحديث في مسند أحمد من زوائد عبدالله ج5 ص135، وابن حبان كما في الموارد ص411، والطبراني في الكبير ج3 ص157، والحاكم ج2 ص359 و446، وقال في الموضعين صحيح الإسناد، وأقرَّه الذهبي.

[28] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري ،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (17 / 322 )

[29] تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (4 /615 ).

[30] تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (4 /615 ).

[31] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي، الناشر: مؤسسة الرسالة (ص / 452 ).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة النحل للناشئين (الآيات 1 - 26)
  • تفسير سورة النحل للناشئين (الآيات 27 - 54)
  • تفسير سورة النحل للناشئين (الآيات 55 - 79)
  • تفسير سورة النحل للناشئين (الآيات 80 : 102)
  • تفسير سورة النحل للناشئين (الآيات 103 : 128)
  • تفسير سورة النحل كاملة
  • تفسير سورة النحل: من الآية 30 – 50
  • تفسير سورة النحل: من الآية 90 - 110

مختارات من الشبكة

  • تفسير سور المفصَّل ( 10 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ مالك يوم الدين - إياك نعبد وإياك نستعين ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 9 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ الحمد لله رب العالمين - الرحمن الرحيم ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سورة النحل: من الآية 75 – 89 (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب