• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

{ورفعنا فوقكم الطور}

{ورفعنا فوقكم الطور}
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/6/2023 ميلادي - 29/11/1444 هجري

الزيارات: 7724

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ﴾

 

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 63 - 67].

 

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ﴾ الميثاق: العهد الثقيل المؤكد باليمين، وسمي بذلك من الوَثاق؛ وهو الحبل الذي يُشد به المأسور؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ﴾ [محمد: 4]، وهذا هو الإنعام العاشر؛ لأنه إنما أخذ ميثاقهم لمصلحتهم، والميثاق المراد به الشريعة حيث وعدهم بالعمل بها، وقد سمته كتبهم «عهدًا» فهو العهد منهم ليعملنَّ بما في التوراة، فلما جاء موسى قرءوا ما فيها من التثقيل فامتنعوا من أخذها، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [البقرة: 83].

 

قال القفال: قال: ﴿ ميثاقكم ﴾ ولم يقل: مواثيقكم؛ لأنه أراد ميثاق كل واحد منكم؛ كقوله: ﴿ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ﴾ [الحج: 5]، أو لأن ما أخذه على واحد منهم أخذه على غيره، فكان ميثاقًا واحدًا، ولو جمع لاحتمل التغايُر.

 

﴿ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ﴾ الجبل الذي ناجى الله تعالى عليه موسى عليه السلام ببرية سيناء، أوضحه بقوله: ﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ﴾ [الأعراف: 171].

 

وسبب رفعه امتناعهم من دخول الأرض المقدَّسة، أو من السجود، أو من أخذ التوراة والتزامها.. أقوال ثلاثة.

 

روي أن موسى لما جاء إلى بني إسرائيل من عند الله بالألواح فيها التوراة قال لهم: "خذوها والتزموها"، فقالوا: لا، إلا أن يكلمنا الله بها كما كَلَّمَك، فصعقوا ثم أحيوا، فقال لهم: خذوها، فقالوا: لا، فأمر الله تعالى الملائكة فاقتلعت جبلًا من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله، وكذلك كان عسكرهم، فجعل عليهم مثل الظلة، وأخرج الله تعالى البحر من ورائهم، وأضرم نارًا بين أيديهم، فاحتاط بهم غضبه، فقيل لهم: خذوها وعليكم الميثاق ألَّا تضيِّعوها، وإلا سقط عليكم الجبل، وأغرقكم البحر، وأحرقتكم النار، فسجدوا توبةً لله، وأخذوا التوراة بالميثاق، وسجدوا على شق؛ لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفًا، فلما رحمهم الله قالوا: لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها الله ورحم بها، فأَمَرُّوا سجودَهم على شِقٍّ واحدٍ.

 

﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ ﴾ قائلين لهم خذوا، وذلك هو الذي أخذ الميثاق عليه. والأخذ مجاز عن التلقي والتفهم.

 

ولم يبين هنا هذا الذي أتاهم ما هو، ولكنه بيَّن في موضع آخر أنه الكتاب الفارق بين الحق والباطل، وذلك في قوله: ﴿ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 53].

 

﴿ بِقُوَّةٍ ﴾ بإتقان التلقي وجدٍّ واجتهاد وعزيمة، والباء للمصاحبة؛ أي: أخذًا مصحوبًا بقوة، فلا تهملوا شيئًا منه ﴿ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ﴾؛ أي: اذكروا كل ما فيه، واعملوا به؛ لأن ﴿ مَا ﴾ اسم موصول يفيد العموم. والمعنى: احفظوا ما فيه ولا تنسوه، وادرسوا ألفاظه، وتدبَّرُوا معانيه، وطبِّقُوه في حياتكم.

 

﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ علة للأمر بقوله: ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ﴾ ولذلك فصلت بدون عطف.

 

فالأخذ بهذا الميثاق الذي آتاهم الله تعالى على وجه القوة، وذكر ما فيه وتطبيقه يوجب التقوى؛ لأن الطاعات يجر بعضها بعضًا، كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، فالطاعات يجر بعضها بعضًا؛ لأن الطاعة إذا ذاق الإنسان طعمها نشط، وابتغى طاعة أخرى، ويتغذى قلبه، وكلما تغذَّى من هذه الطاعة رغب في طاعة أخرى، وبالعكس المعاصي: فإنها توجب وحشة بين العبد وبين الله عزَّ وجلَّ، ونفورًا، والمعاصي يجُرُّ بعضُها بعضًا، وسبق قوله تعالى: ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 61].

 

والذي يفهم من سياق الكلام أنهم امتثلوا الأمر وفعلوا مقتضاه، يدل على ذلك ﴿ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾؛ أي: أعرضتم عن الميثاق والعمل بما فيه، وأصل التولِّي: أن يكون بالجسم، ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان.

 

وقد عُلِم أنهم بعدما قبلوا التوراة، تولَّوا عنها بأمور، فحرَّفوها، وتركوا العمل بها، وقتلوا الأنبياء، وكفروا بالله، وعصوا أمره، ومن ذلك ما اختصَّ به بعضهم، وما عمله أوائلهم، وما عمله أواخرهم.

 

ولم يزالوا في التيه، مع مشاهدتهم الأعاجيب، يخالفون موسى، ويظاهرون بالمعاصي في عسكرهم، حتى خسف ببعضهم، وأحرقت النار بعضهم، وعوقبوا بالطاعون، وكل هذا مذكور في تراجم التوراة التي يقرءون بها، ثم فعل ساحروهم ما لا خفاء به، حتى عوقبوا بتخريب بيت المقدس، وكفروا بالمسيح وهَمُّوا بقتله.

 

وقيل: لم يؤمنوا إلا حين رفع فوقهم الطور كأنه ظلة، وظنوا أنه واقع بهم، فحينئذٍ آمنوا، وهذا الإيمان في الحقيقة يشبه إيمان المكره الذي قيل له: إما أن تؤمن أو تُقْتَل، وفيه لؤم بني إسرائيل؛ لأنهم بعد أن رجع الجبل إلى مكانه تولَّوا.

 

﴿ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾ الفضل: قبول التوبة، والرحمة: العفو عن الزلة.

 

﴿ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ الخسران: هو النقصان، ومعناه من الهالكين في الدنيا والأخرى؛ أي: الذين خسروا الدنيا والآخرة، فلم يربحوا منهما بشيء؛ لأن أخسر الناس هم الكفار؛ فلا هم استفادوا من دنياهم، ولا من آخرتهم.

 

وفيه أن الإنسان لا يستقل بنفسه في التوفيق.

 

﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ﴾ الخطاب لبني إسرائيل؛ أي: علمتم عِلْم اليقين، وعرفتم معرفة تامة.

 

وإنما خالف في حكاية هاته القصة أسلوب حكاية ما تقدمها وما تلاها من ذكر ﴿ إذ ﴾ المؤذنة بزمن القصة، والمشعرة بتحقق وقوعها، إلى قوله هنا: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ﴾ لمعنى بديع هو من وجوه إعجاز القرآن، وذلك أن هذه القصة المشار إليها بهذه الآية ليست من القصص التي تضمنتها كتب التوراة مثل القصص الأخرى المأتي في حكايتها بكلمة "إذ"؛ لأنها متواترة عندهم بل هذه القصة وقعت في زمن داود عليه السلام، فكانت غير مسطورة في الأسفار القديمة، وكانت معروفة لعلمائهم وأحبارهم، فأطلع الله تعالى نبيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها، وتلك معجزة غيبية، وأوحى إليه في لفظها ما يؤذن بأن العلم بها أخفى من العلم بالقصص الأخرى، فأسند الأمر فيها لعلمهم إذ قال: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ﴾.

 

﴿ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ ﴾ وغلب إطلاق الاعتداء على مخالفة الحق وظلم الناس، والمراد هنا «الاعتداء على الأمر الشرعي»؛ لأن الأمر الشرعي يشبه بالحد في أنه يؤخذ بما شمله ولا يؤخذ بما وراءه، والاعتداء الواقع منهم هو الاعتداء على أمر الله تعالى إياهم من عهد موسى بأن يحافظوا على حكم السبت وعدم الاكتساب فيه؛ ليتفرغوا فيه للعبادة بقلب خالص من الشغل بالدنيا، فكانت طائفة من سكان أيلة [بلدة على خليج صغير من البحر الأحمر في أطراف مشارف الشام وتعرف اليوم بالعقبة، وهي غير إيلياء الذي هو اسم بيت المقدس] على البحر رأوا تكاثر الحيتان يوم السبت بالشاطئ؛ لأنها إذا لم تر سفن الصيادين وشباكهم أمنت فتقدمت إلى الشاطئ تفتح أفواهها في الماء لابتلاع ما يكون على الشواطئ من آثار الطعام ومن صغير الحيتان وغيرها، فقالوا: "لو حفرنا لها حياضًا وشرعنا إليها جداول يوم الجمعة فتمسك الحياض الحوت إلى يوم الأحد فنصطادها"، وفعلوا ذلك فغضب الله تعالى عليهم؛ لأنهم تحيلوا على اعتياض العمل في السبت، مع ما اقترن به من الاستخفاف واعتقادهم أنهم علموا ما لم تهتدِ إليه شريعتُهم؛ فعاقبهم الله تعالى بما ذكره هنا.

 

﴿ فِي السَّبْتِ ﴾ تجاوزوا الحدَّ فيه حيث حرم عليهم الصيد فيه فصادوا.. أجمل قصتهم هنا وفصلها في سورة "الأعراف"، في قوله: ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ﴾ [الأعراف: 163].

 

﴿ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً ﴾ بتصيير أجسامهم أجسام قردة مع بقاء الإدراك الإنساني، وهذا قول جمهور العلماء والمفسرين.

 

ومعنى كونهم قردة أنهم لما لم يتلقوا الشريعة بفهم مقاصدها ومعانيها، وأخذوا بصورة الألفاظ فقد أشبهوا العجماوات في وقوفها عند المحسوسات فلم يتميزوا عن العجماوات إلا بالشكل الإنساني، وهذه القردة تشاركهم في هذا الشبه، وهذا معنى قول مجاهد: "هو مسخ قلوب لا مسخ ذوات".

 

ثم إن القائلين بوقوع المسخ في الأجسام اتفقوا أو كادوا على أن الممسوخ لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام، وأنه لا يتناسل، ففي صحيح مسلم قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ هِيَ مِمَّا مُسِخَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا، وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ))؛ أي: قبل مسخ بني إسرائيل، فدلَّ على أنها ليست من المسخ.

 

أما ما رواه مسلم في «بَاب فِي الْفَأْرِ وَأَنَّهُ مَسْخٌ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ، وَلَا أُرَاهَا إِلَّا الْفَأْرَ، أَلَا تَرَوْنَهَا إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الْإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْهُ، وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْهُ)) قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ كَعْبًا، فَقَالَ: آنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ ذَلِكَ مِرَارًا قُلْتُ: أَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟!

 

أي: هل أنا أقرأ التوراة حتى أنقل منها؟ استفهام استنكاري، ومعناه: ما أعلم ولا عندي شيء إلا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أنقل عن التوراة ولا غيرها من كتب الأوائل شيئًا، بخلاف كعب الأحبار وغيره ممن له علم بعلم أهل الكتاب؛ أي: لا أقول إلا ما سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

وقد تأوَّل الحديث ابن عطية وابن رشد في البيان وغير واحد من العلماء بأن هذا قاله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اجتهاد قبل أن يوقفه الله على أن الممسوخ لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام، ولا يتناسل، كما هو في صحيح مسلم.

 

ويؤيد هذا أنه قاله عن اجتهاد قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ولا أراها))، ولا شك أن هاته الأنواع من الحيوان موجودة قبل المسخ، وأن المسخ إليها دليل على وجودها ومعرفة الناس بها.

 

﴿ خَاسِئِينَ ﴾ مبعدين ذليلين.. روي في بعض قصصهم: أن الواحد منهم كان يأتيه الشخص من أقاربه الذين نهوهم فيقول له: ألم أنهك؟ فيقول له برأسه: بلى، وتسيل دموعه على خده، ولم يتعرض في هذا المسخ شيء منهم خنازير.

 

قال ابن عاشور: وهذا الأمر التكويني كان لأجل العقوبة على ما اجترءوا من الاستخفاف بالأمر الإلهي حتى تحيلوا عليه، وفي ذلك دليل على أن الله تعالى لا يرضى بالحيل على تجاوز أوامره ونواهيه، فإن شرائع الله تعالى مشروعة لمصالح وحكم، فالتحيل على خرق تلك الحكم بإجراء الأفعال على صور مشروعة مع تحقق تعطيل الحكمة منها جراءة على الله تعالى، ولا حجة لمن ينتحل جواز الحيل بقوله تعالى في قصة أيوب: ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ﴾ [ص: 44]؛ لأن تلك فتوى من الله تعالى لنبي، لتجنب الحنث الذي قد يتفادى عنه بالكفَّارة، ولكن الله لم يرض أصل الحنث لنبيه؛ لأنه خلاف الأولى، فأفتاه بما قاله، وذلك مما يعين على حكمة اجتناب الحنث؛ لأن فيه محافظة على تعظيم اسم الله تعالى فلا فوات للحكمة في ذلك.

 

وقال ابن عثيمين: وفيها تحريم الحيل، وأن المتحيل على المحارم لا يخرج عن العدوان؛ لقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ﴾ [البقرة: 65]؛ بل الحيل على فعل محرم أعظم إثمًا من إتيان المحرم على وجه صريح؛ لأنه جمع بين المعصية، والخداع؛ ولهذا كان المنافقون أشد جرمًا وعداوةً للمؤمنين من الكُفَّار الصرحاء؛ قال أيوب السختياني رحمه الله في المتحيلين: "إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان؛ ولو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون".

 

﴿ فَجَعَلْنَاهَا ﴾؛ أي: فجعلنا عقوبة كينونتهم قردة خاسئين ﴿ نَكَالًا ﴾ عبرة، وَالنَّكَالُ: الْعِقَابُ الشَّدِيدُ الَّذِي يَرْدَعُ الْمُعَاقَبَ عَنِ الْعَوْدِ لِلْجِنَايَةِ، وَيَرْدَعُ غَيْرَهُ عَنِ ارْتِكَابِ مِثْلِهَا، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ نَكَلَ إِذَا امْتَنَعَ، وَيُقَالُ: نَكَّلَ بِهِ تنكيلًا ونكالًا بمعنى عَاقَبَهُ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْعَوْدِ.

 

﴿ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ﴾ من حضرها من الناجين أو لما حولها من القرى، وما خلفها ممن يجيء بعدهم، ويكون "الخَلْف" هنا بمعنى الأمام، كما جاء "الوراء" بمعنى الأمام في قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ [الكهف: 79].

 

﴿ وَمَوْعِظَةً ﴾ الموعظة ما به الوعظ، وهو الترهيب من الشر ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ يتعظون بها فلا يقدمون على معاصي الله عز وجل. خص المتقين؛ لأنهم الذين ينتفعون بالعظة والتذكير، قال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55] ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ﴾ [النازعات: 45].

 

وفيه أن المواعظ قسمان: كونية، وشرعية؛ فالموعظة هنا كونية قدرية؛ لأن الله أحل بهم العقوبة التي تكون نكالًا لما بين يديها، وما خلفها، وموعظة للمتقين، وأما الشرعية فمثل قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، والمواعظ الكونية أشدُّ تأثيرًا لأصحاب القلوب القاسية، أمَّا المواعظ الشرعية فهي أعظم تأثيرًا في قلوب العارفين بالله اللينة قلوبهم؛ لأن انتفاع المؤمن بالشرائع أعظم من انتفاعه بالمقدورات.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة)
  • تفسير: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور)
  • تفسير: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة)
  • تفسير: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة)
  • تفسير: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور)
  • تفسير قوله تعالى: { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور... }
  • تفسير قوله تعالى: { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة...}

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • { ورفعنا لك ذكرك } خطبة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {ورفعنا لك ذكرك}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ورفعنا لك ذكرك(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • من خصائص التكريم: ورفعنا لك ذكرك(مقالة - ملفات خاصة)
  • ورفعنا لك ذكرك(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • ورفعنا لك ذكرك(كتاب - موقع مثنى الزيدي)
  • رفع اليدين في الصلاة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • علامات الرفع في اللغة العربية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تفسير: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب