• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (3) (أخلاقه وسيرته بعد البعثة)

من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (3) (أخلاقه وسيرته بعد البعثة)
أ.د. علي حسن الروبي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/5/2022 ميلادي - 28/10/1443 هجري

الزيارات: 4440

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم

الحلقة الثالثة (أخلاقه وسيرته بعد البعثة)


تكلَّمْنا في المقالة الأولى عن أخلاقِ النبي صلى الله عليه وسلم وسيرتِه قبلَ البَعْثةِ ودعوى النبوَّةِ، وكيف أن المتبصِّرَ فيها بإنصاف سيعلم يقينًا أن تلك الأخلاقَ لا بُدَّ أن تحجِز صاحبَها عن الكذب، ولا سيما في كذبة كبرى كافتراء النبوَّة، ونتكلَّم في هذه المقالة عن أخلاقِه وسيرتِه المنقولةِ لنا بعد بَعْثَتِه، وهل يمكن أن يكون صاحبُ تلك الأخلاقِ قد كذب في ادِّعاء النبوة، واستمرَّ على كذبته تلك حتى وفاتِه كما يقوله الخُصُوم؟

 

إننا لنحاول هنا أنْ نلفت الانتباهَ إلى أهمية تلكُم الصرامةِ الأخلاقيةِ المتكاملةِ التي كان عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حياتِه وسيرتِه والتي استمرَّ على استعمالها مع الصديق والعدوِّ، ومع القريب والغريب، ومع الضعيف ومع القوي، وفي داخل بيته وخارجه، وفي حَضَره وسَفَره، وفي صحَّتِه ومَرَضِه... وإلى أيِّ مدى تدُلُّ على صِدْقه في دعوى النبوَّة.

 

وإننا لنقطع أنَّ مثل تِلكُم الصرامةِ الأخلاقيةِ وذلكُم الكمالِ الأخلاقيِ يستحيل أن يكتسبهما كذابٌ مُفْترٍ، كما يستحيل أن يقتدر صاحبُهما على ضمِّ الكذب إليهما؛ فيكون الجميعُ من جملة أخلاقِه وصفاتِه.

 

ذلك أننا نعلم أن الإنسانَ الكاذبَ لا بد أن تُخالِفَ أقوالَه أفعالُه؛ فنجده يدعو غيره إلى الجُود، لكن مَنْ يعامله يكتشف أنه بخيلٌ، أو يدعو غيرَه إلى العِفَّة والطهارة ومَن يخالطه ويُداخله يجد فيه تهتُّكًا وانحلالًا، أو يدعو الناس إلى الزهادة في الدنيا والتقلُّل منها ومَن يطلع على خاصة شأنه سيجده يكنِز الأموال ويسعى في طِلابها، أو يدعو إلى الرحمة بالناس وإعطائهم حقوقَهم ومن يعامله في تجارة أو إجارة ونحوها يجده ظالمًا للناس آكلًا لأموالهم بالباطل... وكل هذه الألوان من أطياف الكاذبين المتاجرين بالقيم والفضيلة لا يخلو منهم زمانٌ ولا مكانٌ.

 

بيد أننا لم نسمع قط ولن نسمع أبدًا بكاذبٍ تسير أفعالُه مع أقوالِه حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّة، ويتسق ما يدعو إليه غاية الاتساق مع ما يقوم به.

 

ولهذا فإن استمرار محمد صلى الله عليه وسلم على ما كان معهودًا عنده من فضائل الأخلاق ومكارمها، بل وترسُّخها فيه ووصوله إلى بلوغ غايتها وذُرْوة سَنامِها ينسِفُ افتراضَ كذبِه في دعوى النبوَّة.

 

وإنَّ كُلَّ ذي مَسْحةٍ من العقل لَيَعْلَم يقينًا أن استمرار شخصٍ ما في الكذب في ادِّعاء النبوة مدةَ ثلاثةٍ وعشرينَ عامًا، والافتراء على الله ونَحْل ما يقوله إليه، وأنه وحيٌ من عند الله لا من قِبَل شخصه، مع استمراره في نفس الوقت على الكمال الأخلاقي بين أصحابه ومَن حوله من الناس وتفرُّده عنهم في ذلك، لا سيما خُلُق الصدق، لهو ضَرْبٌ من المُحالات التي لا وجود لها في دنيا الناس، واجتماع الحوت والضَّبِّ، والثُّريَّا وسُهَيل، لهو أولى بالقَبُول والتصديق من اجتماع هذين الأمرين (الكمالِ الأخلاقي والكذبِ) في شخصٍ واحدٍ في زمانٍ واحدٍ.

 

هل يمكن لرجلٍ كاذبٍ طاوعَه ضميرُه الفاسدُ أن يختلق كذبةً في غاية الخِسَّة والدناءة الأخلاقية، ويعيش بقيةَ حياتِه مخادعًا للناس بها مفتريًا على الله فيها، ثم نفس هذا الرجل- هو هو- يقضي بقيةَ حياته كذلك يتحاشى الكذب على الناس من حوله، العدوِّ منهم قبل الصديق، والخَصْمِ قبل الحبيب، والبعيدِ قبل القريبِ، والصغيرِ قبل الكبيرِ؟!

 

هل يستطيع عاقلٌ أن يُصدِّق أنَّ الشخص الذي يكذب على الله وعلى الناس يوميًّا، هو نفس الشخص الذي يتحاشى الكذب ويتحاماه في سائر أموره وشئونه حتى في المِزاح، ويُنزِّه نفسَه عنه، ويستعمل المعاريضَ من الكلام؛ اجتنابًا للوقوع في صورة الكذب، ويقول: أنا أمزَح ولكن لا أقول إلا حقًّا؟!

 

كيف يجوز أن يكونَ الرجلُ المستهجِنُ للكذب قولًا وفعلًا، المُشنِّعُ على الكاذبين، الذامُّ لهم، المُقيمُ على الصدق في مجريات حياته وسائر شؤونه مع الناس مع حوله- هو ذات الرجل المُقيم والمُصرِّ على الكذب على الله وعلى الناس بادِّعاء النبوة وتنزُّلِ الوحيِ عليه بين الفَيْنةِ والفَيْنةِ؟

 

تأمَّل- أيُّها القارئ- وأنْعِم النظرَ جيدًا في حال هذا الرجل الذي ترصُد عيونُ مَن حوله كلَّ حركة من حركاته وكلَّ بِنْتِ شَفَةٍ ينطِق بها، هذا الرجلُ الذي نُقِل من تفاصيل حياتِه وأحوالِه ودقائقِ شئونِه الشخصيةِ وأقوالِه وأفعالِه ما لم يُنقَل مثلُه عن أيِّ إنسانٍ آخر في العالم كُلِّه قبله ولا بعده.

 

أيجوز أن يتمكَّن هذا الرجلُ المفترَض أنه مستمرٌّ في جريمة الكذب على الله وعلى الناس- من الإفلات من كل ( كاميرات) الرصد والمراقبة المتمثلة في عيون الأصحاب والمرافقين الذين يعتقدون نبوَّتَه، ويرصُدون كلَّ حركاته وسكناته وينقلونها إلى غيرهم؟

 

كيف استمرَّ على الصدق، بل وأعلى درجات الصدق في شئونه اليومية والحياتية مع مَن حوله مع تقلُّب الأيام وتبدُّل الأحوال، وهو الذي يفترض الخصوم فيه أنه شخص في حضيض الحقارة الإنسانية مُتوشِّح بالكذب على الله وخِداع الناس في ادِّعاء النبوة؟!

 

هل في مقدور كاذب مفطور على الكذب بل أقبح درجات الكذب أن يعيش حياته اليومية مع الناس ملتزمًا بأعلى درجات الصدق في الحديث جِدًّا وهَزْلًا، حَرْبًا وسَلْمًا، غضبًا ورِضًا، خوفًا وأمْنًا، غِنًى وفَقْرًا؟!

 

إنه يمكنك أن تتكلَّف خُلق الصدق أو الكرم أو الشجاعة أو العفو أو غيرها من أمهات الفضائل الأخلاقية مرة أو مرَّتين أو حتى مرات معدودة، وإنْ كان طبعك بضدِّ ذلك، لكن لا يمكنك أن تتكلَّفَها في جميع الأوقات ما لم تكن من صميم طِباعك؛ فإن الطباع غالبة على التطبُّع، وما أصدق قول أبي الطيب المتنبي:

وأسرعُ مَفْعولٍ فعلْتَ تغيُّرًا
تكلُّفُ شيءٍ في طِباعكَ ضِدُّه

لا جرمَ أنه ليس بمقدور محمد صلوات الله عليه أن يعيش حياتَه اليومية على الصدق والذُّرْوة الرفيعة منه، إنْ لم يكن الصدقُ طبعَه وخلقَه الأصيلَ وسجيَّتَه الفطريةَ.

 

فإن قال قائل لا يحترم عقلَه ولا عقولَ الناس: إن الذي نقل إلينا ما نُقل من أخلاق محمد صلوات الله عليه هم المسلمون المتَّبِعون له، فنقلوا لنا صورةً جميلةً، ولا مانع أن يكون الواقع بضدِّها في نفس الأمر.

 

والجواب:

إنه مع غضِّ الطَّرْف عن طريقة نقل الأخبار عند المسلمين وتوثيقها ووجود علمٍ كاملٍ أنشأه المسلمون خِصِّيصَى لغربلة الأخبار وفرزها وهو ما لم يوجد عند أمة غيرهم، مع غض الطرف عن ذلك إلا أننا نقول: لو كانت هناك وقائعُ وحوادثُ تدلُّ على وجود الكذب أو غيره من مساوي الأخلاق في الشخصية المحمدية، لنقلَتْها الرواياتُ لنا كما نقلت لنا بعض ما يشوش به الخصوم ويعتبرونه مطاعنَ على الإسلام ورسوله، ولذلك أمثلة منتشرة مشتهرة، وهي الشُّبهات التي يستغلُّها أعداءُ المسلمين ضدَّهم في التنفير من الإسلام والتشكيك فيه، ولولا وجود روايات تدل عليها، لما كان لتلك الشُّبهات وجودٌ أصلًا.

 

هذا جانبٌ، والجانب الآخر أن ذلك الافتراض يغفُل تأثيرَ وجودِ الكذبِ ونحوه من رذائل الأخلاق في المحيطين بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلو كان الانحراف الأخلاقي المفترض موجودًا، لكان داعيًا لنفور مَن يدخلون في الإسلام إذا اقتربوا من محمد صلى الله عليه وسلم، وعاينوا أخلاقه ورأوا المفارقة والمنافرة بين ما يدعوهم إليه وما يمارسه هو على الجانب الشخصي من حياته.

 

أيعقل أن يكون جميع أولئك الذين أحاطوا واقتربوا منه وصَحِبوه ولازَموه، لم يكن لدى بعضهم من التمييز ما يلاحظون الانفصام في شخصيته بين أقواله وأفعاله، وبين دعوته وواقعه؟!

 

أم تراهم كانوا جميعًا على درجة من الانتهازية و(البراجماتية)، بحيث إنهم يغضُّون الطرف عن ذلك؛ ابتغاء المصالح الشخصية في صحبة محمد صلى الله عليه وسلم؟! ثم أين هي تلك المصالح، وأكثرهم تغيَّرت حياتُه بإيمانه بمحمدٍ واتِّباعِه له والتحاقه به، من الخوف إلى الأمن، ومن الثراء إلى الفقر، ومن الوطن إلى الاغتراب؟!

 

ثم كيف يكون ذلك مقبولًا وأصحابُه كانوا مختلفي النزعات النفسية والسلوك الشخصي، وفيهم مَنْ شخصيتُه جريئةٌ صريحةٌ لا تقبل التلوُّن، ولا تعرف المحاباة، ولا ترضى بالمهادنة والملاينة إذا ظهر أمامها ما تعتقد خطأه وقُبحه، كشخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذلكم الرجل الجسور على الإنكار والاعتراض لما يراه خطأً، ولقد نقلت لنا كتبُ السِّيَر والأخبار اعتراضَه على بعض الأمور التي لم يظهر له وجهُ صحَّتِها.

 

فشخصيةٌ عملاقةٌ جريئةٌ مُهابةٌ كعمر، هل كان يقبل الاستمرار في اتِّباع محمد صلى الله عليه وسلم إنْ كان عنده تناقضٌ بين ما يدعو إليه الناس وبين ما يُمارسه في حياته اليومية؟!

 

ما الذي يدعو شخصيةً زاهدةً في الدنيا بل مُبالغة في الزهد والتقشُّف إلى درجة تكاد تقترب من الغلو كأبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه وأمثاله من زُهَّاد الصحابة المُنْزَوِيْنَ عن الدنيا ونَعِيمِها إلى مصاحبة رجلٍ يفعل في حياته اليومية ومعاملاته الشخصية خلافَ ما يدعوهم إليه ويحضُّهم عليه؟! وتِلْكُم شخصيات ما كانت تتطلع لشيء من الدنيا أصلًا، ولم يحصُل لها من المال أو المنصب طول حياتِها قليلٌ ولا كثيرٌ؛ ليقول القائل: إنها كانت تصحَب محمدًا وتسكُت عن الازدواجية التي تراها فيه؛ ابتغاء حَظِّها من الدنيا.

 

بل إننا نجد أولئك الذين آمنوا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم قد بهرهم قربُهم منه، وزادهم حبًّا له، وتعلُّقًا به، بعد معاينتهم لكماله الأخلاقي، وقد جرت العادةُ أن اقتراب الجماهير المُحبَّة من الحياة الشخصية لمن يُعظمِّونهم من الأعْلامِ والرُّوَّاد، يُزهِّدُهم في أولئك العظماء؛ نظرًا لما يكشفه القربُ من الحياة الشخصية من النقص البشري عند أولئك المُعَظَّمين، بينما الذي نجدُه في حالة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو العكس، وأنَّ الحُبَّ الكبير والافتتان العظيم بشخصيته ناتجٌ عن الاقتراب الشديد من شخصيته وليس عن مجرد الصورة الكمالية المتناقلة عن شخصيته.

 

ثم إننا نعود ونقول في لازم الأخلاق الأخرى للشخصية المحمدية مثل ما قلناه في خُلُق الصدق فيها، وأنَّ من يعيش حياته واصلًا إلى الغاية الرفيعة من الكرم والجود والإيثار على النفس، ويبقى على حالةٍ واحدةٍ في تِلْكُم الشمائل مهما تقلَّبت عليه الدنيا من سَعةٍ أو ضيق، لا يمكن أن تكون نفسُه منطويةً مع تلكم الشمائل النبيلة على رذيلة الكذب على الله وخِداع الناس.

 

وأنَّ مَن كانت أخلاقُه في الذُّرْوة من العفو عن الناس، والصفح عنهم، والتسامح معهم، والرحمة بهم، والشفقة عليهم، والحرص على إيصال الخير لهم، مستعملًا تلك الشمائل مع أعدائه قبل أحبابه، ومع الغرباء عنه، ومع أهله سواءً بسواءٍ، لا يمكن أن يكون قلبه الحائز على تلكم الطهارة قد اشتملت جوانبُه على رذيلة الكذب على الناس والافتراء على رب الناس.

 

وأنَّ من يُضرب به المثل في الوفاء بالذمة وحفظ العهد للصديق والعدو والأقرب والأبعد، لا يمكن أن يكون هو هو ذلك الشخص الذي تستبطن نفسُه غايةَ الخيانة والخديعة بادعاء النبوة كذبًا.

 

وأنَّ مَن ثبَت- بالمعاينة لمعاصريه وبالتواتُر لمن لم يعاصره- كمالُ زُهْدِه في الدنيا، وانصرافُه عن مُغْرياتها، وانزواؤه عنها، وعدمُ اكتراثه بملذَّاتِها، وأنه قد عاش حياته يجوع يومًا ويشبع يومًا، وأنه بقي على تلكم الحال كُلَّ حياته حتى فارق الدنيا، وهو الذي كان يُوزِّع أموال الغنائم على الناس، ولا يكتنِز شيئًا من الأموال لا لنفسه ولا لورثته، ولا يبني القصور الفخمة، ولا يستعمل المواكب الملكية المهيبة، ولا يحيا حياة الملوك ولا الأمراء ولا حتى رؤساء القبائل والعشائر... أقول: أيكون ذلكم الذي اكتمل فيه الزهد في بهارج الدنيا وزخارفها وأموالها ورياستها وطلب العلو فيها- هو نفس الشخص الذي ادَّعى النبوة كذبًا على الله وخداعًا للناس؟!

 

ألا يسأل سائلٌ من خصوم محمد صلى الله عليه وسلم نفسَه: لماذا ادَّعى محمدٌ النبوة كاذبًا (حاشاه)؟ ومن أجل ماذا خادع الناسَ وافترى على رب الناس، إنْ كان سيحيا طول عمره زاهدًا قانعًا في الدنيا مُعرِضًا عنها؟!

 

هل يقبل العقلُ السليمُ التصديقَ بإقدام شخصٍ على تلكم الشناعة والجريمة النكراء- ادِّعاء النبوة- بلا أهدافٍ ولا دوافعَ ولا مآرب ولا مصالح مالية ولا رئاسية يستمتع بها في حياته ويلتذُّ بحصولها في مُقامه في الدنيا؟ أم يبلُغ الهزل بالعقل مَداه فيفترض الخَصْم أنه (حاشاه) تبرَّع بتلك الكذبة مجانًا بلا أغراضٍ ولا مآرب!

 

فإن قال ذلك القائل: بل حصل له غرضه وهو أن يدعوه الناس بالنبي والرسول. وهذه رياسة أيَّما رياسة!

 

قلنا: مدعي النبوة كذبًا ابتغاء نيل الجاه عند الناس والتعظيم له منهم- إنسانٌ مريضٌ بداء النقص في الشخصية، وإنما يحاول تعويض نقص نفسه بحصول التعظيم والثناء عن طريق اختلاقه تلك الكذبة العريضة؛ ولذلك فمثل هذه الشخصية المريضة لا يمكن أن تصبر على عدم حصول مقصودها من الثناء والتعظيم والجاه عند الناس؛ لأنها به تدفَع شعورها الذاتي بالنقص والمهانة، فإذا حصل مقصودُها من التعظيم والمدح والجاه، حصل لها الرِّضا عن النفس والسكون، وإذا لم يحصل لها مقصودُها تعذَّبَتْ وتألَّمَتْ.

 

وإننا إذا نظرنا في حال محمدٍ صلى الله عليه وسلم سنجده ظلَّ مدةَ ثلاثةَ عشرَ عامًا بمكةَ لا يدعوه بالرسول والنبيِّ إلا طائفةٌ صغيرةٌ مستضعَفةٌ من الناس، بينما عمومُ الناس ووجهاؤهم يدعونه بالكذَّاب، والمجنون، والساحر.

 

فهل يمكن أن تَقنَع الشخصيةُ المريضةُ الانتهازيةُ بمثل هذا، وتكتفي به، وتقبل أن تُلاقي في سبيله كلَّ ما لاقاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم من اضطهاد وعناء؟!

 

هل يَقنَع الشخصُ المريضُ بحبِّ الجاه والرياسة أن يكون المُصدِّقون له في ادعاء النبوة شِرْذِمةً أكثرُها من العبيد والضعفاء ممن لا يُؤبَه بهم، وأن يكون المكذِّبون له والمُتِّهمون له بالجنون والخبل هم أصحاب الجاه وأرباب الرياسة والسُّلْطة؟

 

هل يمكن للشخصية الانتهازية المريضة أن تصبر- ولسنوات طويلة- على تقديم التضحيات الكبرى؛ من تعريض النفس للأذى والقتل، فضلًا عن فقدان الجاه الاجتماعي في مكة، ومعاداة ساداتها وسائر أهلها وسائر العرب من حولها، وأن يتحوَّل الإنسانُ ذو الهيبة والمنزلة والوجاهة الذي كان يُدعى بالأمس بالصادق الأمين، إلى ذلك الإنسان الذي يُدعى بالكذَّاب والمجنون والساحر، والذي يتضاحك الناسُ ويتغامزون عندما يمُرُّ بهم؛ استهزاءً به وسخريةً منه، والذي يصل به الحال أن يذهب إلى (الطائف) داعيًا أهلها، فيكون من شأنه حين يخرُج منها أن يصطفَّ صبيان وسفهاء (الطائف) على جانبي الطريق يقذفونه بالحجارة وهو يُسرِع في الهرب منهم كما يفعلون بالمجانين؟!

 

أبمثل هذا تكون الشخصيةُ الانتهازيةُ المريضةُ المهووسةُ بحب الثناء وحصول الجاه والتعظيم قد حققت غرضها، ووصلت إلى مآربها؟!

 

إن طريق محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن مفروشًا بالورد، بل كان مليئًا بالأشواك الغليظة التي لا يقدر على احتمالها إلا صادقٌ واثقٌ من نُبْل ما يقوم به وسمُوِّه فوق جميع الأهداف الدنيوية الصغيرة، وأنه لا يستنكف أن تذهب هيبتُه ووجاهتُه ومنزلتُه الاجتماعية ومالُه بل وروحُه في سبيل إيصال دعوته إلى الناس، غير مبالٍ بما يقدمه من تضحيات، ولا بما يُلاقيه من مخاطر وأهوال.

 

والحقُّ الذي لا ريبَ فيه أن مخاطر وأهوال الطريق الذي سلكه النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانت من الشدة والقوة، بحيث يكون من العبث والاستهزاء بعقول الناس افتراضُ وجودِ غرضٍ ماليٍّ أو سياسيٍّ هو المُحرِّك له لاقتحام تلك الأهوال والمخاطر والصبر عليها.

 

وبعد:

فأخلاقُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وسيرتُه بعد البَعْثة كما هي قبلها لا تدُلُّ إلا على صِدْقه، وهي أخلاقٌ يستحيل على كاذب أن يبلُغَها؛ استحالةَ العَدْوِ على الأشلّ، واستحالةَ الكلام على الأبْكَم، واستحالةَ السَّمْع على الأصَمّ، كلا! إنها أخلاقٌ لا يبلُغُها إلا نبيٌّ صادقٌ من خِيرة الأنبياء، بل لا يبلُغُها إلا خِيرتُهم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (1) أخلاقه وسيرته قبل البعثة
  • من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (2) (الدوافع والأسباب المفترضة وراء ادعاء النبوة)
  • من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (4) (مكانته ومنزلته في رسالته)
  • من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (5) (حادثة الإفك وصدق النبوة)
  • من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (6) (التشريعات الإسلامية ودلالتها على صدق النبوة)
  • وما المرء إلا بأخلاقه (قصيدة)
  • من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (8) (تعبدات النبي صلوات الله عليه ودلالتها على صدقه في دعوى النبوة)

مختارات من الشبكة

  • من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (7) المضامين القرآنية ودلالتها على صدق النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأدلة العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصدق المنافي للكذب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصدق وفضله(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • تفسير: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق (تصميم)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • صدق الله فصدقه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصدق: فضائل وثمرات ومجالات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مجالات الصدق في الأقوال والأعمال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحري الصدق(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب