• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

عدالة أهل السنة وإنصافهم مع المخالفين

عدالة أهل السنة وإنصافهم مع المخالفين
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/1/2022 ميلادي - 26/6/1443 هجري

الزيارات: 11184

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عدالة أهل السنة وإنصافهم مع المخالفين

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أمَّا بعد:

أمر الله تعالى بالعدل والإنصاف مع جميع الناس، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8] والمعنى: (كما تشهدون لوليِّكم، فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوِّكم فاشهدوا له، ولو كان كافراً أو مُبتدِعاً، فإنه يجب العدلُ فيه، وقبول ما يأتي به من الحقِّ؛ لأنه حق، لا لأنه قاله، ولا يُرَدُّ الحقُّ لأجل قوله، فإنَّ هذا ظلمٌ للحق)[1].

 

والمُخَالف - لأهل السُّنة والجماعة - ينقسم إلى قسمين؛ الأول: المُخَالف في العقيدة من المشركين والكافرين، والثاني: المُخَالف من أهل البدع. وسنتناول هذين القسمين على النحو التالي:

أولاً: أهل الكفر والشرك:

حَرِصَ النبي صلى الله عليه وسلم على العدل ولو مع الكفار، فالعدل قِيمةٌ إسلامية سامية، تُطلب لذاتها لا فرق في تطبيقها بين المسلم وغير المسلم، فها هو صلى الله عليه وسلم يأمر بإنصاف أهل الذمة والمستأمنين وينهى عن ظلمهم في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن ْقَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)[2].

 

وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمضي على خُطى النبي صلى الله عليه وسلم ويُوصي بأهل الذمة قائلاً للناس: (أُوصِيكُمْ بِذِمَّةِ[3] اللَّهِ، فَإِنَّهُ ذِمَّةُ نَبِيِّكُمْ، وَرِزْقُ[4] عِيَالِكُمْ)[5]. قال المُهَلَّب رحمه الله: (فيه الحضُّ على الوفاء بالذِّمَّة، وما عُوقِدوا عليه من قبض الأيدى عن أنفسهم وأموالهم غير الجزية، وقد ذمَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ إذا عاهَدَ غَدَر، وجعل ذلك من أخلاق النِّفاق)[6].

 

أهل السنة وتطبيقهم العدل مع الكفار:

التاريخ الإسلامي مليء بالعدل بالصفحات المشرقة والمواقف الخالدة التي أعلى فيها المسلمون قيمة العدل، وقدَّموا فيها أعظم النماذج وأروع الأمثلة في إنصاف غير المسلمين، ومن ذلك:

1- عليُّ بنُ أبي طالبٍ - رضي الله عنه - وعدله وإنصافه لليهودي:

عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه قال: (وجدَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي الله عنه درعاً له عند يهودي التقطها، فعرفها، فقال: دِرعي سقطت عن جَمل لي أَوْرَق[7]. فقال اليهودي: درعي وفي يدي، ثم قال له اليهودي: بيني وبينك قاضي المسلمين، فأتوا شُريحاً، فقال شريحٌ: ما تشاء يا أمير المؤمنين؟ قال: درعي سقطت عن جَملٍ لي أَورق والتقطها هذا اليهودي. فقال شريح: ما تقول يا يهودي؟ قال: درعي وفي يدي. فقال شريح: صدقتَ واللهِ يا أمير المؤمنين أنها لدرعك، ولكن لا بد من شاهدين، فدعا قنبراً مولاه، والحسنَ بنَ عليٍّ رضي الله عنه وشَهِدا أنها لدرعه. فقال شريح: أمَّا شهادة مولاك فقد أجزناها، وأمَّا شهادة ابنِك لكَ فلا نُجيزها. فقال عليٌّ رضي الله عنه: ثكلتك أمُّك، أما سمعتَ عمرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ؛ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ)[8].

 

قال: اللَّهم نعم، قال عليٌّ رضي الله عنه: أفلا تجيز شهادة سيد شباب أهل الجنة؟ فرفض شريح ذلك؛ لأنه لا يجوز قبول شهادة الولد لوالده، فقال عليٌّ رضي الله عنه لليهودي: خذ الدرع، فقال اليهودي: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى عليه ورضي، صدقتَ واللهِ يا أميرَ المؤمنين إنها لدرعك سقطت عن جَملٍ لك فالتقطتها، أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأن محمداً رسولُ الله، فوهبها له عليٌّ رضي الله عنه، وأجازه بتسعمائة، وقُتِلَ معه يومَ صِفِّين)[9].

 

2- عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - وعدله وإنصافه للنصارى:

قال ابن كثير رحمه الله: (سَأَلَتِ النَّصَارَى فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَعْقِدَ لَهُمْ مَجْلِسًا فِي شَأْنِ مَا كَانَ أَخَذَهُ الْوَلِيدُ مِنْهُمْ، وَكَانَ عُمَرُ عَادِلاً، فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ أَخَذَهُ الْوَلِيدُ مِنْهُمْ، فَأَدْخَلَهُ فِي الْجَامِعِ، ثُمَّ حَقَّقَ عُمَرُ الْقَضِيَّةَ، ثُمَّ نَظَرَ فَإِذَا الْكَنَائِسُ الَّتِي هِيَ خَارِجُ الْبَلَدِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُمُ الصَّحَابَةُ; مِثْلَ كَنِيسَةِ دَيْرِ مُرَّانَ، وَكَنِيسَةِ الرَّاهِبِ، وَكَنِيسَةِ تُومَا، خَارِجَ بَابِ تُومَا، وَسَائِرِ الْكَنَائِسِ الَّتِي بِقُرَى الْحَوَاجِزِ.

 

فَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ رَدِّ مَا سَأَلُوهُ، وَتَخْرِيبِ هَذِهِ الْكَنَائِسِ كُلِّهَا، أَوْ تَبْقَى تِلْكَ الْكَنَائِسُ وَيَطِيبُوا نَفْسًا لِلْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الْبُقْعَةِ، فَاتَّفَقَتْ آرَاؤُهُمْ بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى إِبْقَاءِ تِلْكَ الْكَنَائِسِ، وَيَكْتُبُ لَهُمْ كِتَابَ أَمَانٍ بِهَا، وَيَطِيبُوا نَفْسًا بِهَذِهِ الْبُقْعَةِ، فَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابَ أَمَانٍ بِهَا)[10].

 

3- عدل عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - وإنصافه مع أهل الذمة:

(قَدِمَ ذِمِّي من أهل حمص على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز في دمشق، فقال: يا أمير المؤمنين! أسألك كتابَ الله، قال: ما ذاك؟ قال: إنَّ العباس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني أرضي، والعباس جالس. فقال له عمر: يا عباس ما تقول؟ قال: نعم! أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد وكتب لي بها سجلا، فقال عمر: ما تقول يا ذمي؟ قال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله تعالى. فقال عمر: نعم! كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد، قم فاردد عليه ضيعته يا عباس، فردَّها عليه)[11].

 

4- تفضيل أهل الذمة قضاء المسلمين على المحاكم الكَنَسية:

بلغ من عدل أهلِ السنة وعدالةِ قضائهم الإسلامي أنْ فضَّل أهل الذمة الرجوع إلى قضاة الدولة الإسلامية دون زعمائهم؛ لأن معاملة القضاة المسلمين لهم كانت أكثر نزاهة وإنصافاً وعدلاً وأفضل من القانون المفروض عليهم في المحاكم الكنيسة، وهو أمر ليس بمستغربٍ إذا عَلِمْنا أنَّ أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان يسأل البريدَ عن أحوال أهل الذمة[12].

 

وكان يطلب من عمَّاله مراجعة السجلات والدواوين المُتعلِّقة بأهل الذمة، وأنْ يُزيلوا عنهم كلَّ ظلم وقع عليهم، ومن مراسلاته لبعض ولاته: ما جاء عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: (كتب إليَّ عمرُ بنُ عبد العزيز أنْ استبرئ الدَّواوين فانظر إلى كلِّ جورٍ جاره مَنْ قبلي من حقِّ مسلمٍ أو معاهدٍ فردَّه عليه، فإن كان أهلُ تلك المظلمة قد ماتوا فادفعه إلى ورثتهم)[13].

 

ومن عدالة أهل السنة وإنصافهم في القضاء أنَّ أهل الذِّمة كانوا يفضِّلون القضاء الإسلامي على قضائهم؛ ومن الشواهد في ذلك:

أ‌- عن ابن إدريس قَالَ: (رأيتُ ابنَ شُبْرُمَةَ يختصم إليه النصارى في الخَمْرِ فيحكم بينهم)[14].

 

ب‌- عَن مَعْمَر، عَن ابن شُبْرُمَةَ قَالَ: (رأيتُ الشعبي جَلَدَ يهودياً في المسجد حَدًّا)[15].

 

ت‌- عَن ابن سيرين، عَن كعب بْن سور: (أنه استحلفَ رجلاً من أهل الكتاب، فقال: اذهبوا به إِلَى البيعة، واجمعوا التوراة في حِجْرِه، والإنجيلَ على رأسه، واستحلفوه بالله)[16].

 

ث‌- عن شولة بْن الحكم قال: (كان أَبُو يوسف رُبَّما وجَّهَنِي مع الذِّمِّي إِلَى البيعة والكنيسة أستحلفه فيها)[17].

 

ثانياً: المخالف من أهل البدع[18]:

من القواعد المهمة في عدل أهل السنة والجماعة وإنصافهم مع المخالفين من أهل البدع ما يلي:

القاعدة الأُولى: أهل البدع غير المُكفِّرة خيرٌ من اليهود والنصارى:

يقول ابن تيمية رحمه الله: (كُلُّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ مَنْ كَفَرَ بِهِ؛ وَإِنْ كَانَ فِي الْمُؤْمِنِ بِذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْبِدْعَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِدْعَةَ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ أَوْ غَيْرِهِمْ؛ فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كُفَّارٌ كُفْرًا مَعْلُومًا بِالاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الإسْلامِ. وَالْمُبْتَدِعُ إذَا كَانَ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لاَ مُخَالِفٌ لَهُ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا بِهِ؛ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ يَكْفُرُ فَلَيْسَ كُفْرُهُ مِثْلَ كُفْرِ مَنْ كَذَّبَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم)[19].

 

وهنا لا بد أن يُحمل كلام ابن تيمية رحمه الله على المَحمل الحَسَن؛ فلا يفهمنَّ أحدٌ من كلامه الاستهانة بالبدع وأهلها وخطورتها، فربما كان تأثير بعض المبتدعة أكثر من اليهود والنصارى؛ لوضوح شأنهم عند المسلمين، أمَّا المبتدع المُلبِّس على الناس دِينَهم فأمره خفيٌ لا يعلمه كثير من الناس، وهو يتكلَّم باسم الإسلام، ومن هنا جاء تحذير أهل السنة والجماعة من البدع والمبتدعة.

 

القاعدة الثانية: وجود الإيمان والتقوى عند المبتدعةِ، مع ظُلمهم وجهلِهم:

وها هو ابن تيمية رحمه الله يُنْصِفُ المبتدعة بقوله: (وَمِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مَنْ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، لَكِنْ فِيهِ جَهْلٌ وَظُلْمٌ حَتَّى أَخْطَأَ مَا أَخْطَأَ مِنْ السُّنَّةِ؛ فَهَذَا لَيْسَ بِكَافِرِ وَلا مُنَافِقٍ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ مِنْهُ عُدْوَانٌ وَظُلْمٌ يَكُونُ بِهِ فَاسِقًا أَوْ عَاصِيًا، وَقَدْ يَكُونُ مُخْطِئًا مُتَأَوِّلاً مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ مَعَهُ مِنْ الإيمَانِ وَالتَّقْوَى مَا يَكُونُ مَعَهُ مِنْ وِلايَةِ اللَّهِ بِقَدْرِ إيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ)[20].

 

القاعدة الثالثة: الحُكْم على مَنْ خالف السُّنة بالعدل:

يقول ابن تيمية رحمه الله - حاكماً على التصوُّف بعدلٍ وإنصافٍ في القرون الماضية: (فَطَائِفَةٌ ذَمَّتْ "الصُّوفِيَّةَ وَالتَّصَوُّفَ"، وَقَالُوا: إنَّهُمْ مُبْتَدِعُونَ خَارِجُونَ عَنْ السُّنَّةِ... وَطَائِفَةٌ غَلَتْ فِيهِمْ وَادَّعَوْا: أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ بَعْدَ الأنْبِيَاءِ. وَكِلاَ طَرَفَيْ هَذِهِ الأُمُورِ ذَمِيمٌ.

 

وَالصَّوَابُ: أَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ كَمَا اجْتَهَدَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ، فَفِيهِمْ السَّابِقُ الْمُقَرَّبُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ، وَفِيهِمْ الْمُقْتَصِدُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الصِّنْفَيْنِ مَنْ قَدْ يَجْتَهِدُ فَيُخْطِئُ، وَفِيهِمْ مَنْ يُذْنِبُ فَيَتُوبُ أَوْ لاَ يَتُوبُ. وَمِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِمْ مَنْ هُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ عَاصٍ لِرَبِّهِ. وَقَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالزَّنْدَقَةِ؛ وَلَكِنْ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ لَيْسُوا مِنْهُمْ: كَالْحَلاَّجِ)[21].

 

القاعدة الرابعة: التماس العُذْر لِمَنْ كانت له مَسَاعٍ مشكورة:

وهنا يلتمس ابن تيمية رحمه الله العذر لأبي ذرٍ الهروي ـ الذي أدخل علم الكلام إلى أهل المغرب ـ وأيضاً يلتمس العذر لأبي الوليد الباجي وأمثاله، إذ يقول: (ثم إنه ما من هؤلاء إلاَّ مَنْ له في الإسلام مَسَاعٍ مشكورةٌ، وحسناتٌ مبرورةٌ، وله في الردِّ على كثيرٍ من أهل الإلحادِ والبدعِ والانتصارِ لكثيرٍ من أهل السنة والدِّين ما لا يخفى على مَنْ عَرَفَ أحوالهم، وتكلَّم فيهم بعلمٍ وصدقٍ، وعدلٍ وإنصاف، لكن لَمَّا التبَسَ عليهم هذا الأصلُ المأخوذُ ابتداءً عن المعتزلة، وهم فضلاءُ عقلاءُ احتاجوا إلى طردِه والتزامِ لوازمه، فَلَزِمَهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدِّين، وصار الناسُ بسبب ذلك؛ منهم مَنْ يُعَظِّمُهم لِمَا لهم من المحاسن والفضائل، ومنهم مَنْ يَذُمُّهم لِمَا وقع في كلامهم من البدع والباطل. وخيارُ الأمورِ أوساطُها)[22].

 

أهل السنة وتطبيقهم العدل مع المبتدعة:

إنَّ من أروعِ وأعظمِ ما يُستدلُّ به على إنصاف أهل السنة للمخالفين من أهل البدع هو قبول روايتهم؛ فأهل الحديث قَبِلوا رواية المبتدعة؛ إذا ثبت لديهم حِفْظُهم وضبطُهم وصِدقُهم، سواء كانوا دعاةً إلى هذه البدع أم لا؛ وذلك لأنَّ تديُّنَهم وصِدْقَ لَهجتِهم تمنعهم من الكذب، وهو مذهب كثير من السلف الصالح أهل الحديث؛ كالبخاري، ومسلم، وعلي بن المديني، ويحيى بن القطان، وابن خزيمة وغيرهم[23].

 

ومن ذلك ما جاء في "صحيح ابن خزيمة" مثلاً قوله: (نا عباد بن يعقوب - المُتَّهم في رأيه، الثِّقة في حديثه)[24].

 

وفي الوقت ذاته ردُّوا روايةَ مَنْ ينتسب إلى أهل السنة إنْ لم تثبت عدالته، وكُتب الرجال، وكُتب الحديث مليئةٌ بالأمثلة والنماذج الدالة على ذلك، بل إنَّ صحيح البخاري ومسلم فيهما ما روي عن بعض أهل البدع ولم يقدح ذلك في كتابيهما، بل إنهما من أصحِّ كتب الحديث عند النقاد.

 

قال الذهبي رحمه الله: (القدريُّ والمعتزليُّ والجَهميُّ والرافضيُّ، إذا عُلِمَ صِدقُه في الحديث وتقواه، ولم يكن داعياً إلى بدعته؛ فالذي عليه أكثرُ العلماء قبول روايته والعمل بحديثه، وتَردَّدوا في الداعية، هل يؤخذ عنه؟ فذهب كثيرٌ من الحُفَّاظ إلى تجنُّب حديثِه وهُجرانه، وقال بعضهم: إذا عَلِمْنَا صِدقَه، وكان داعيةً، ووجدنا عنده سُنَّةً تفرَّد بها، فكيف يسوغ لنا ترك تلك السُّنَّة؟ فجميعُ تصرُّفاتِ أئمة الحديث تُؤذِن بأنَّ المبتدع إذا لم تُبِحْ بِدعتُه خروجَه من دائرة الإسلام، ولم تُبِحْ دمَه؛ فإنَّ قبول ما رواه سائغ)[25].

 

وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: (والعِبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته، والثقة بدِينه وخُلُقِه، والمتتبِّع لأحوال الرواة يرى كثيراً من أهل البدع موضعاً للثقة والاطمئنان، وإنْ رووا ما يُوافق رأيهم)[26].

 



[1] تفسير السعدي، (1/ 224).

[2] رواه البخاري، (3/ 1155)، (ح2995).

[3] الذِّمَّةُ: هي الْعَهْدُ.

[4] وَرِزْقُ عِيَالِكُمْ: هو ما يؤخذ منهم من الجِزية والخراج. انظر: فتح الباري، (6/ 267).

[5] رواه البخاري، (2/ 617)، (رقم3198).

[6] شرح صحيح البخاري، لابن بطال (5/ 338).

[7] الأورق من الإبل: هو الذي في لونه بياض إلى سواد، وقيل: هو الذي يُضرب لونه إلى الخضرة. انظر: الصحاح في اللغة، للجوهري (4/ 1565).

[8] رواه الترمذي، (2/ 959)، (ح4139)؛ وابن ماجه، (1/ 21)، (ح123). وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي)، (3/ 537)، (ح3768).

[9] رواه الأصبهاني في (حلية الأولياء)، (4/ 139، 140)؛ والسياق له، ووكيع في (أخبار القضاة)، (2/ 200)؛ والسيوطي في (تاريخ الخلفاء)، (ص157). وقد ذكر ابن الأثير في (الكامل)، (3/ 401)؛ وابن كثير في (البداية والنهاية)، (8/ 4، 5)؛ وأبو الفداء في (المختصر في أخبار البشر)، (1/ 126) أن الرجل في القصة المذكورة كان نصرانياً.

[10] البداية والنهاية، (12/ 582).

[11] انظر: صفة الصفوة، (2/ 155)؛ سيرة عمر بن عبد العزيز، لابن الجوزي (ص43)؛ البداية والنهاية، (9/ 213).

[12] انظر: سيرة عمر بن عبد العزيز، (ص155).

[13] رواه ابن سعد في (الطبقات الكبرى)، (5/ 342).

[14] رواه وكيع في (أخبار القضاة)، (3/ 88).

[15] رواه وكيع في (أخبار القضاة)، (3/ 69).

[16] رواه وكيع في (أخبار القضاة)، (1/ 278).

[17] رواه وكيع في (أخبار القضاة)، (3/ 259).

[18] انظر: أهل السنة والجماعة، (ص351).

[19] مجموع الفتاوى، (35/ 201).

[20] مجموع الفتاوى، (3/ 353، 354).

[21] مجموع الفتاوى، (11/ 17، 18).

[22] درء تعارض العقل والنقل، (2/ 102).

[23] انظر: مقدمة ابن الصلاح، (ص114).

[24] صحيح ابن خزيمة، (2/ 376)، (ح1497).

[25] سير أعلام النبلاء، (7/ 154).

[26] الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، (ص95).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرجاء والخوف عند أهل السنة
  • موقف أهل السنة من الصحابة
  • عقيدة أهل السنة في الصحابة
  • الكرامات عند أهل السنة
  • وسطية أهل السنة في المزاح وممارسة الرياضة
  • صور من زهد أهل السنة

مختارات من الشبكة

  • أهل السنة والجماعة - المحاضرة الثامنة: أسماء وصفات وخصائص أهل السنة والجماعة(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أهل السنة والجماعة - المحاضرة السابعة: (تعريف مصطلح أهل السنة والجماعة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أهل السنة والجماعة - المحاضرة السادسة (التعريف بأهل السنة والجماعة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • وسطية أهل السنة مع بعض أهل التأويل(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • موقف الفرق المعطلة والمشبهة من صفات الرب جل في علاه(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أهل السنة هم أهل العدل والإنصاف(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • أهل السنة والجماعة - المحاضرة الخامسة (حجية السنة) الجزء الثالث(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أهل السنة والجماعة - المحاضرة الرابعة (حجية السنة) الجزء الثاني(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أهل السنة والجماعة - المحاضرة الثالثة (حجية السنة) الجزء الأول(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أهل السنة والجماعة - المحاضرة الثانية (مفهوم السنة في اللغة والاصطلاح)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب