• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

احذروا تكفير المسلمين

الشيخ صلاح نجيب الدق

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/4/2016 ميلادي - 26/6/1437 هجري

الزيارات: 71556

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

احذَرُوا تكفيرَ المسلِمين

 

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولهصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا مزيدًا،أما بعد:

فإن تكفير المسلمين من الأمور الخطيرة، التي إذا أساء بعض طلاب العلم فهمها ترتب على ذلك مفاسد كبيرة في الدِّين والدنيا معًا داخل المجتمع المسلم.

 

إن تكفير شخص مسلم بعينه، حكم شرعي لا يقوم به إلا بعض أهل العلم، الذين رزقهم الله تعالى بسطة في فهم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم سلفنا الصالح، مع قدرة عالية في الجمع بين الأدلة الشرعية، مع مراعاة أحوال الشخص المراد إقامة الحجة عليه،فأقول وبالله تعالى التوفيق:

معنى التكفير:

التكفير: هو الحكم على أحد المسلمين بالكفر؛ (معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية جـ 1 صـ 487).


نشأة فتنة تكفير المسلمين:

إن أصل فتنة تكفير المسلمين ونشأتها وبداية ظهورها يرجع إلى الخوارج، الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وكفَّروه هو ومن معه من الصحابة والتابعين، وذلك بعد حادثة التحكيم التي كانت بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين.


قال الإمام ابن حجر العسقلاني (رحمه الله): الخوارج: هم جمع خارجةٍ، أي طائفةٍ، وهم قومٌ مبتدعون، سُمُّوا بذلك لخروجهم عن الدِّين، وخروجهم على خيار المسلمين، وأصل بدعتهم فيما حكاه الرافعي في الشرح الكبير أنهم خرجوا على علي رضي الله عنه؛ حيث اعتقدوا أنه يعرف قتلة عثمان رضي الله عنه، ويقدر عليهم ولا يقتص منهم؛ لرضاه بقتله، أو مواطأته إياهم، كذا قال، وهو خلاف ما أطبق عليه أهل الأخبار؛ فإنه لا نزاع عندهم أن الخوارج لم يطلبوا بدم عثمان، بل كانوا ينكرون عليه أشياء ويتبرؤون منه، وأصل ذلك: أن بعض أهل العراق أنكروا سيرة بعض أقارب عثمان، فطعنوا على عثمان بذلك، وكان يقال لهم: القراء؛ لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة، إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدُّون برأيهم، ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك، فلما قُتل عثمان قاتلوا مع علي، واعتقدوا كفرَ عثمان ومَن تابعه، واعتقدوا إمامة عليٍّ وكفرَ مَن قاتله من أهل الجمل، الذين كان رئيسهم طلحة والزبير؛ فإنهما خرجا إلى مكة بعد أن بايعا عليًّا، فلقيَا عائشة، وكانت حجت تلك السنة، فاتفقوا على طلب قتلة عثمان، وخرجوا إلى البصرة يدعون الناس إلى ذلك، فبلغ عليًّا، فخرج إليهم، فوقعت بينهم وقعة الجمل المشهورة، وانتصر عليٌّ وقُتل طلحة في المعركة، وقُتل الزبير بعد أن انصرف من الوقعة، فهذه الطائفة هي التي كانت تطلب بدم عثمان بالاتفاق، ثم قام معاوية بالشام في مثل ذلك، وكان أمير الشام إذ ذاك، وكان علي أرسل إليه لأن يبايع له أهل الشام، فاعتلَّ بأن عثمان قُتل مظلومًا، وتجب المبادرة إلى الاقتصاص من قتلته، وأنه أقوى الناس على الطلب بذلك، ويلتمس من علي أن يمكنه منهم، ثم يبايع له بعد ذلك، وعلي يقول: ادخل فيما دخل فيه الناس، وحاكمهم إليَّ أحكم فيهم بالحق، فلما طال الأمر خرج علي في أهل العراق طالبًا قتال أهل الشام، فخرج معاوية في أهل الشام قاصدًا إلى قتاله، فالتقيا بصفين، فدامت الحرب بينهما أشهرًا، وكاد أهل الشام أن ينكسروا، فرفعوا المصاحف على الرماح، ونادَوا: ندعوكم إلى كتاب الله تعالى، وكان ذلك بإشارة عمرو بن العاص وهو مع معاوية، فترك جمعٌ كثيرٌ ممن كان مع علي، وخصوصًا القراء، القتال بسبب ذلك؛ تديُّنًا، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ﴾ [آل عمران: 23] الآية، فراسلوا أهل الشام في ذلك، فقالوا: ابعثوا حكمًا منكم وحكمًا منا، ويحضر معهما من لم يباشر القتال، فمن رأوا الحق معه أطاعوه، فأجاب علي ومن معه إلى ذلك، وأنكرت ذلك تلك الطائفة التي صاروا خوارجَ، وكتب عليٌّ بينه وبين معاوية كتاب الحكومة بين أهل العراق والشام، هذا ما قضى عليه أمير المؤمنين على معاوية، فامتنع أهل الشام من ذلك، وقالوا: اكتبوا اسمه واسم أبيه، فأجاب عليٌّ إلى ذلك، فأنكره عليه الخوارج أيضًا، ثم انفصل الفريقان على أن يحضر الحكمان ومن معهما بعد مدةٍ عينوها في مكانٍ وسطٍ بين الشام والعراق، ويرجع العسكران إلى بلادهم إلى أن يقع الحكم، فرجع معاوية إلى الشام، ورجع علي إلى الكوفة، ففارقه الخوارج وهم ثمانية آلافٍ، وقيل: كانوا أكثر من عشرة آلافٍ، وقيل: ستة آلافٍ، ونزلوا مكانًا يقال له: حَرُوراء بفتح المهملة وراءين الأولى مضمومةٌ، ومن ثم قيل لهم: الحَرُورية، وكان كبيرهم عبدالله بن الكواء، فأرسل إليهم عليٌّ ابنَ عباسٍ، فناظرهم، فرجع كثيرٌ منهم معه، ثم خرج إليهم علي فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة، معهم رئيساهم المذكوران، ثم أشاعوا أن عليًّا تاب من الحكومة؛ ولذلك رجعوا معه، فبلغ ذلك عليًّا، فخطب وأنكر ذلك، فتنادَوا من جوانب المسجد: لا حكم إلا لله، فقال: كلمة حق يراد بها باطلٌ، فقال لهم: لكم علينا ثلاثةٌ؛ ألا نمنعكم من المساجد، ولا من رزقكم من الفيء، ولا نبدؤكم بقتالٍ ما لم تحدثوا فسادًا، وخرجوا شيئًا بعد شيءٍ، إلى أن اجتمعوا بالمدائن، فراسلهم في الرجوع، فأصروا على الامتناع حتى يشهد على نفسه بالكفر؛ لرضاه بالتحكيم، ويتوب، ثم راسلهم أيضًا، فأرادوا قتل رسوله، ثم اجتمعوا على أن من لا يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله، وانتقلوا إلى الفعل، فاستعرضوا الناس، فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين، ومر بهم عبدالله بن خباب بن الأرت، وكان واليًا لعليٍّ على بعض تلك البلاد ومعه سُرِّيَّةٌ وهي حاملٌ، فقتلوه، وبقروا بطن سُرِّيَّتِه عن ولدٍ، فبلغ عليًّا، فخرج إليهم في الجيش الذي كان هيأه للخروج إلى الشام، فأوقع بهم بالنهروان، ولم ينجُ منهم إلا دون العشرة، ولا قتل ممن معه إلا نحو العشرة، ثم انضم إلى من بقي منهم من مال إلى رأيهم، فكانوا مختفين في خلافة عليٍّ، حتى كان منهم عبدالرحمن بن ملجمٍ الذي قتل عليًّا بعد أن دخل علي في صلاة الصبح، ثم لما وقع صلح الحسن ومعاوية ثارت منهم طائفةٌ، فأوقع بهم عسكر الشام بمكانٍ يقال له: النجيلة، ثم كانوا منقمعين في إمارة زيادٍ وابنه عبيدالله على العراق طول مدة معاوية وولده يزيد، وظفِر زيادٌ وابنه منهم بجماعةٍ فأبادهم بين قتلٍ وحبسٍ طويلٍ،فلما مات يزيد، ووقع الافتراق ووليَ الخلافة عبدالله بن الزبير، وأطاعه أهل الأمصار إلا بعض أهل الشام - ثار مروان، فادعى الخلافة، وغلب على جميع الشام إلى مصر، فظهر الخوارج حينئذٍ بالعراق مع نافع بن الأزرق، وباليمامة مع نجدة بن عامرٍ، وزاد نجدة على معتقد الخوارج: أن من لم يخرج ويحارب المسلمين فهو كافرٌ، ولو اعتقد معتقدهم، وعظُم البلاء بهم، وتوسَّعوا في معتقدهم الفاسد؛ فأبطلوا رجم المحصن، وقطعوا يد السارق من الإبط، وأوجبوا الصلاة على الحائض في حال حيضها، وكفَّروا مَن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إن كان قادرًا، وإن لم يكن قادرًا فقد ارتكب كبيرةً، وحكم مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر، وكفُّوا عن أموال أهل الذمة وعن التعرض لهم مطلقًا، وفتكوا فيمن ينسب إلى الإسلام بالقتل والسبي والنهب، فمنهم من يفعل ذلك مطلقًا بغير دعوةٍ منهم، ومنهم من يدعو أولًا ثم يفتك، ولم يزل البلاء بهم يزيد إلى أن أمر المهلب بن أبي صفرة على قتالهم، فطاولهم حتى ظفر بهم، وتقلل جمعهم، ثم لم يزل منهم بقايا في طول الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية، ودخلت طائفةٌ منهم المغرب؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 12 صـ 296: صـ 297).


قال البخاري: كان ابن عمر يراهم (أي الخوارج) شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 12 صـ 295).


قال الإمام أبو بكر بن العربي (رحمه الله): الخوارج صنفان: أحدهما يزعم أن عثمان وعليًّا وأصحاب الجمَل وصِفِّين وكل من رضي بالتحكيم كفارٌ، والآخر يزعم أن كل من أتى كبيرةً فهو كافرٌ مخلدٌ في النار أبدًا؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 12 صـ 297).


قال الإمام ابن تيمية (رحمه الله) - وهو يتحدث عن الخوارج والشيعة ـ: وكِلا الطائفتين تطعن بل تكفِّر ولاة المسلمين، وجمهور الخوارج يكفِّرون عثمان وعليًّا ومَن تولاهما، والرافضة يلعنون أبا بكرٍ وعمر وعثمان ومن تولاهم، ولكن الفساد الظاهر كان في الخوارج: مِن سفك الدماء وأخذ الأموال والخروج بالسيف؛ فلهذا جاءت الأحاديث الصحيحة بقتالهم، والأحاديث في ذمهم والأمر بقتالهم كثيرةٌ جدًّا، وهي متواترةٌ عند أهل الحديث، مثل: أحاديث الرؤية، وعذاب القبر وفتنته، وأحاديث الشفاعة والحوض؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 13 صـ 35).


أنواع التكفير:

ينقسم التكفير إلى نوعين، هما: التكفير المطلَق، والتكفير المعيَّن، وسوف نتحدث عن الفرق بينهما بإيجاز:

أولًا: التكفير المطلق:

هو الحُكم بالكفر على القول أو الفعل أو الاعتقاد، الذي ينافي أصل الإسلام ويناقضه، وعلى فاعليها على سبيل الإطلاق، بدون تحديد أحد بعينه.


ثانيًا: التكفير المعيَّن:

هو الحكم على شخص معيَّن بالكفر؛ لإتيانه بأمر يناقض الإسلام بعد استيفاء شروط التكفير فيه، وانتفاء موانعه.


اعلَمْ - أخي الكريم - أن إطلاق حكم التكفير على الفعل شيء، وإطلاقه على الأشخاص المعينين شيء آخر؛ فقد يكون الفعل كفرًا، ولا يكون صاحبه كافرًا؛ لانتفاء أحد شروط التكفير؛ كقيام الحجة مثلًا، أو لوجود شيء من موانع التكفير، كالجهل مثلًا.


مثال:

روى البخاري عن عمر بن الخطاب: أن رجلًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبدالله، وكان يلقَّب حمارًا، وكان يُضحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأُتي به يومًا، فأمَر به فجُلد، فقال رجلٌ من القوم: اللهم العَنْهُ؛ ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعنوه؛ فوالله - ما علمتُ - إنه يحب الله ورسوله))؛ (البخاري حديث 6780).


في هذا الحديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلمعن لعن هذا الرجل، الذي جلده، مع إصراره على شرب الخمر؛ لكونه يحب الله ورسوله، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 3121).


ولكن لعن المطلق (كما في هذا الحديث) لا يستلزم لعن المعين، (كما في حديث جلد شارب الخمر الذي أخرجه البخاري) الذي قام به ما يمنع لحوقَ اللعنة له،وكذلك "التكفير المطلَق" و"الوعيد المطلق"؛ولهذا كان الوعيدُ المطلَق في الكتاب والسنَّة مشروطًا بثبوت شروطٍ وانتفاء موانعَ؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 10 صـ 329: صـ 330).


التحذير من تكفير المسلمين:

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال الرجل لأخيه: يا كافرُ، فقد باء به أحدهما))؛ (البخاري حديث 6103).


روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يرمي رجلٌ رجلًا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدَّتْ عليه، إن لم يكُنْ صاحبه كذلك))؛ (البخاري حديث 6045).


قال ابن حجر العسقلاني (رحمه الله): إن الحديث سِيقَ لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم، وذلك قبل وجود فِرقة الخوارج وغيرهم؛ (فتح الباري جـ 10 صـ 481).


قال الشوكاني (رحمه الله):

إن الحُكم على الرجل بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر، لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُقدِمَ عليه إلا ببرهان أوضحَ من شمس النهار؛ فإنه قد ثبَت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة: أنَّ ((مَن قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما))، هكذا في الصحيح، وفي لفظ آخرَ في الصحيحين وغيرهما: ((مَن دعا رجلًا بالكفر أو قال: عدو الله، وليس كذلك، إلا حار عليه))؛أي: رجع، وفي لفظ في الصحيح: ((فقد كفر أحدهما))، ففي هذه الأحاديثِ وما ورد موردها أعظمُ زاجرًا وأكبر واعظًا عن السِّراع في التكفير، وقد قال عز وجل: ﴿ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ﴾ [النحل: 106]، فلا بد من شرح الصدر بالكفر، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه، فلا اعتبار بما يقع من طوارقِ عقائد الشرك، لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقةِ الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعلٍ كفري لم يُرِدْ به فاعلُه الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر، ولا اعتبار بلفظ يلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه؛ (السيل الجرار للشوكاني جـ 4 صـ 578).


أقوال أهل العلم في تكفير المعيَّن:

سوف نذكر بعض أقوال أهل العلم في مسألة تكفير أشخاص بأعيانهم:

1 - الإمام مالك بن أنس:

سُئل مالك بن أنس عن رجل نادى رجلًا باسمه، فقال: لبيك اللهم لبيك، أعليه شيء؟ قال مالك: إن كان جاهلًا أو على وجه السَّفَه، فلا شيء عليه؛ (البيان والتحصيل لابن رشد جـ 16 صـ 370).


2 - الإمام الطحاوي:

قال الطحاوي - رحمه الله - عند حديثه عن أهل القبلة وتقريره لعقيدة السلف الصالح: "لا نشهَد عليهم بالكفر ولا بشِرك ولا بنفاق، ما لم يظهر شيءٌ من ذلك، ونذَر سرائرهم إلى الله تعالى"؛ (شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ج2 ص131).


3 - القاضي عياض:

قال القاضي عياض وهو يتحدث عن فضائل الصحابة:

أما الحروب التي جرَتْ، فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب نفسها، بسببها، وكلهم عدول رضي الله عنهم أجمعين، ومتأوِّلون في حروبهم وغيرها، ولم يُخرِجْ شيءٌ من ذلك أحدًا منهم عن العدالة؛ لأنهم مجتهدون، اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد، كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل الدماء وغيرها، ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم؛ (معارج القبول لحافظ حكمي جـ 2 صـ 505: صـ 506).


4- الإمام ابن حزم - رحمه الله -: مَن تأول من أهل الإسلام فأخطأ، فإن كان لم تقُمْ عليه الحجة، ولا تبيَّن له الحق، فهو معذور مأجور أجرًا واحدًا؛ لطلبِه الحق وقصده إليه، مغفور له خطؤه؛ إذ لم يتعمَّدْه؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [الأحزاب: 5]، وإن كان مصيبًا فله أجران، أجر لإصابته، وأجر آخر لطلبه إياه، وإن كان قد قامت الحجة عليه، وتبيَّن له الحق، فعَنَدَ عن الحق، غيرَ معارض له تعالى ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم، فهو فاسق؛ لجراءته على الله تعالى، بإصراره على الأمر الحرام، فإن عَنَدَ عن الحق معارضًا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتدٌّ حلالُ الدم والمال، لا فرق في هذه الأحكام بين الخطأ في الاعتقاد في أي شيء كان من الشريعة وبين الخطأ في الفتيا في أي شيء كان على ما بيَّنا قبلُ؛ (الفصل في الملل والأهواء لابن حزم جـ 3 صـ 144).


5 - الإمام ابن تيمية:

قال أحمد ابن تيمية - رحمه الله -: ليس لأحد أن يكفِّرَ أحدًا من المسلمين، وإن أخطأ وغلِط، حتى تقام عليه الحجة وتُبيَّنَ له المحجة، ومَن ثبت إسلامه بيقين لم يزُلْ ذلك عنه بالشكِّ، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 12 صـ 466).


وقال رحمه الله أيضًا:

لا يكفَّر الشخصُ المعيَّن حتى تقوم عليه الحجة، كما تقدم، كمَن جحد وجوب الصلاة،والزكاة، واستحل الخمر والزِّنا؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 7 صـ 619).


وقال رحمه الله أيضًا:

ومَن جالسني يعلم ذلك مني: أني مِن أعظم الناس نهيًا عن أن يُنسَبَ معيَّنٌ إلى تكفيرٍ وتفسيقٍ ومعصيةٍ، إلا إذا عُلم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية، التي من خالفها كان كافرًا تارةً، وفاسقًا أخرى، وعاصيًا أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعمُّ الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 3 صـ 229).


وقال رحمه الله:

إن الإيجاب والتحريم والثواب والعقاب والتكفير والتفسيق هو إلى الله ورسوله، ليس لأحدٍ في هذا حُكمٌ، وإنما على الناس إيجاب ما أوجبه الله ورسوله، وتحريم ما حرَّمه الله ورسوله، وتصديق ما أخبر اللهُ به ورسوله؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 5 صـ 554).


6 - الإمام ابن كثير:

قال ابن كثير - رحمه الله - في ترجمة معاويةَ بن أبي سفيان رضي الله عنهما: ثم كان ما كان بينه وبين عليٍّ بعد قتل عثمان، على سبيل الاجتهاد والرأي، فجرى بينهما قتال عظيم، كما قدمنا، وكان الحق والصواب مع علي، ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلَفًا وخلَفًا، وقد شهِدت الأحاديث الصحيحة بالإسلام للفريقين من الطرفين - أهل العراق وأهل الشام - كما ثبت في الحديث الصحيح: ((تمرُقُ مارقةٌ على حينِ فُرْقةٍ مِن المسلمين، فيقتلها أدنى الطائفتين إلى الحق))؛ (مسلم - الزكاة حديث 150)، فكانت المارقةُ الخوارجَ، وقتَلهم عليٌّ وأصحابُه؛ (البداية والنهاية لابن كثير جـ 8 صـ 129).


شروط تكفير المعيَّن:

إن طلاق كلمة الكفر على شخص بعينه مسألة خطيرة؛ ولذا يجب على أهل العلم التأكد أولًا من كفر الشخص كفرًا صريحًا يخرجه عن دائرة الإسلام، وذلك قبل إطلاق لفظ الكفر عليه، ويشترط لتكفير شخص بعينه شرطان، وسوف نتحدث عنهما بإيجاز شديد:

الشرط الأول: أن يقصد الشخص بقوله الكفرَ صراحة:

من المعلوم عند أهل العلم باللغة العربية: أن بعض الألفاظ لها معانٍ متعددة، فربما قال الإنسان كلمة وقصد معنى غير المعنى الكفري لها، أو قال قولًا يستلزم أمورًا مكفِّرة لم يقصدها ولم يلتزمها، فمثل هذا الشخص لا يجوز إطلاق كلمة الكفر عليه؛فالنيةُ لها أثر كبير في مسألة تكفير شخص بعينه.


روى البخاريُّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى))؛ (البخاري حديث 1).


قال الإمام ابن تيمية: ليس كل من تكلم بالكفر يكفُرُ، حتى تقوم عليه الحجة المثبتة لكفره، فإذا قامت عليه الحجة كفَر حينئذٍ.


وقال أيضًا: كثيرٌ من الناس ينفُون ألفاظًا أو يثبتونها، بل ينفُون معانيَ أو يثبتونها، ويكون ذلك مستلزمًا لأمور هي كفرٌ، وهم لا يعلمون بالملازمة، بل يتناقضون، وما أكثرَ تناقُضَ الناس! لا سيما في هذا الباب، وليس التناقض كفرًا؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 5 صـ 306).


مثال:

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 104].


قال الإمام البغوي (رحمه الله): كان المسلمون يقولون: راعِنا يا رسول الله، من المراعاة؛ أي: أَرْعِنا سمعك؛ أي فَرِّغْ سمعك لكلامنا، وكانت هذه اللفظة سبًّا قبيحًا بلغة اليهود، قيل: كان معناها عندهم: اسمَعْ لا سمِعتَ،وقيل: هي من الرعونة، فكانوا إذا أرادوا إطلاق الحمق على أحد قالوا: راعِنا، فنهى اللهُ المسلمين من إطلاق هذه الكلمة؛ حتى لا يتخذها اليهود وسيلةً لسبِّ النبي صلى الله عليه وسلمجِهارًا؛ (تفسير البغوي جـ 1 صـ 102).


الشرط الثاني: قيام الحجة الواضحة:

المقصود بقيام الحجة على الشخص المسلم المراد تكفيره: هو إخباره بما جاء في القرآن الكريم، وبما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلمفي سنَّته الشريفة، بفهم سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين.


ويجب أن نراعيَ اختلاف أحوال الناس، من حيث قُربُ عهدهم بالإسلام أو قِدَمهم فيه، ومن حيث انتشارُ العلم في الأماكن التي يسكنون فيها، أو قصوره عنها، كما يجب أن نراعيَ كذلك حال السنَّة التي جحدها الجاحد من حيث ظهورُها وخَفاؤها،فإن كانت السنَّة خافية، أو كان المكان الذي يسكنون فيه ينتشر فيه الجهل، أو كان الشخص قريبَ عهدٍ بإسلام أو لم يبلغه العلمُ بالسنَّة - اشترط قيام الحجة، في هذه الحالة.


ويشترط في قيام الحجة أن توضَّح إيضاحًا تامًّا؛ حتى تظهر معاندةُ مَن خالفها بعد ذلك لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا تكون لهذا الشخص الذي قامت عليه الحجةُ حجَّةٌ بعد ذلك.


ويُشترط أيضًا عند قيام الحجَّةِ على شخص معيَّن، إن كان صاحبَ شُبهةٍ: إزالةُ هذه الشُّبهةِ عنه.


قال الإمام ابن تيمية:

ليس لأحد أن يكفِّرَ أحدًا من المسلمين، وإن أخطأ وغلِط، حتى تقام عليه الحجة، وتُبيَّن له المحجَّةُ، ومَن ثبت إسلامه بيقين لم يزُلْ ذلك عنه بالشكِّ، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجَّةِ وإزالة الشُّبهة؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 12 صـ 466).


موانعُ تكفير شخص بعينِه:

موانع تكفير شخص بعينه أربعة، سوف نتحدث عنها بإيجاز:

أولًا: الخطأ:

إن الخطأ الذي يقع فيه المسلم يعتبر أحدَ الأعذار التي تمنع إطلاق لفظ الكفر عليه.


روى مسلم عن ابن عباسٍ قال: لَمَّا نزلت هذه الآية: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 284]، قال: دخَل قلوبهم منها شيءٌ لم يدخل قلوبهم من شيءٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قولوا: سمِعْنا وأطعنا وسلَّمنا))، قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286]، قال: قد فعلتُ، ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ﴾ [البقرة: 286]، قال: قد فعلتُ، ﴿ وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا ﴾ [البقرة: 286] قال: قد فعلتُ؛ (مسلم حديث 126).


روى ابن ماجه، عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه))؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 1664).


إن الخطأ غيرَ المعتمَّد الذي يقع فيه المسلم، سواء في مسائل العقيدة أو الأمور الفقهية - خطأٌ مغفور لصاحبه، ما لم تقُمْ عليه الحجة الواضحة.


الخطأ في الاجتهاد:

قال ابن تيمية - رحمه الله -: أجمع الصحابةُ وسائر أئمة المسلمين على أنه ليس كلُّ مَن قال قولًا أخطأ فيه أنه يكفُر بذلك، وإن كان قوله مخالفًا للسنَّة؛ فتكفيرُ كل مخطئٍ خلافُ الإجماع؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 7 صـ 685).


إن خطأَ العالم المجتهد، الذي لا يُعاقَب على خطئه، وله أجرٌ واحد عند الله تعالى، يشترط له ثلاثة شروط، هي:

أولًا: أن قَصْدَه متابعةُ النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: أن يبذل قصارى جهده للوصول إلى الحق والصواب.

ثالثًا: أن يكون متبعًا في اجتهاده دليلًا شرعيًا، إلا أن هذا الدليل تخلَّف فيه شرطُ قَبوله في الاستدلال - والعالم لا يعلم ذلك - كالصحة، وعدم النسخ، وعدم التخصيص، ونحو ذلك، أو أخطأ في فهم المقصود من هذا الدليل؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 20 صـ 30: صـ 31).


ثانيًا: الجهل:

إن الجهل ببعض أمور العقيدة والأحكام الشرعية يعتبر أحد الأعذار التي تمنع تكفير المعيَّن.


قال ابن تيمية: مِن شرط الإيمان وجود العلم التام؛ ولهذا كان الصواب أن الجهل ببعض أسماء الله وصفاتِه لا يكون صاحبه كافرًا، إذا كان مقرًّا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يبلُغْه ما يوجب العلمَ بما جهله على وجهٍ يقتضي كفره؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 7 صـ 538).


قال تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165].


وقال سبحانه: ﴿ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15].


قال ابن تيميَّة - تعليقًا على هذه الآية -: لو أسلم رجلٌ ولم يعلم أن الصلاة واجبةٌ عليه، أو لم يعلم أن الخمر يحرُمُ - لم يكفُرْ بعدم اعتقاد إيجاب هذا وتحريم هذا، بل ولم يعاقب حتى تبلغه الحجة النبويَّة؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 11 صـ 406).


لقد جاءت أحاديث كثيرة في السنة النبوية المطهرة تدل على قبول العذر بالجهل، سواء كان ذلك في مسائل العقيدة أو في الأحكام الشرعية، وقد ذكرنا بعضًا منها عند الحديث عن العذر بالجهل في السنَّة.


ثالثًا: العجز:

إن الشريعةَ الإسلامية الغرَّاء تناسب أحوالَ الناس في كل مكان وزمان، وتراعي اختلافَ قدراتهم البشرية؛ ولذا كانت الأحكامُ الشرعية في حال الضرورة مختلفةً عن الأحكام في حال اليُسرِ والرَّخاء.


قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7]، وقال سبحانه: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286].


ولذا فإن عجز المسلم عن أداء ما شرعه الله تعالى يعتبر من الموانع التي تمنع تكفيرَ شخص بعينه،مثل أن تصِلَ دعوة الإسلام إلى بعض الناس في دار الكفر، فيؤمنوا بها ويدخلوا في دين الله سرًّا، ولم يتمكنوا من ترك بلاد الكفر والهجرة إلى دار الإسلام، ولم يتمكنوا أيضًا من إظهار شعائر الإسلام الظاهرة، وليس عندهم من أهل العلم مَن يعلِّمهم جميع أحكام الشريعة الإسلامية، فمثل هؤلاء يُعذَرون بعجزهم.


قال الإمام ابن تيمية: مَن ترك بعض الإيمان الواجب لعجزِه عنه، إما لعدم تمكُّنه من العلم، مثل ألا تبلغه الرسالة، أو لعدم تمكُّنه من العمل - لم يكن مأمورًا بما يعجِز عنه، ولم يكُنْ ذلك من الإيمان والدِّين الواجب في حقه، وإن كان من الدِّين والإيمان الواجب في الأصل، بمنزلة صلاة المريض والخائف والمستحاضة، وسائر أهل الأعذار الذين يعجِزون عن إتمام الصلاة؛ فإن صلاتهم صحيحةٌ بحسب ما قدَروا عليه، وبه أمروا إذ ذاك، وإن كانت صلاة القادر على الإتمام أكملَ وأفضلَ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ))؛ (مسلم حديث 2664)، (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 12 صـ 478: صـ 479).


الأدلة على أن العجز من موانع تكفير المعيَّن:

1 - قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 97 - 99].


2 - وقال سبحانه: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 75].


قال ابن تيمية - رحمه الله - عن هذه الآية: أولئك كانوا عاجزين عن إقامة دِينهم، فقد سقَط عنهم ما عجَزوا عنه؛ (فتاوى ابن تيمية جـ 19 صـ 220).


3 - لما هاجر بعض الصحابة إلى الحبشة وقابلوا النجاشيَّ الذي كان يَدِين هو وقومُه بالنصرانية، وقرؤوا عليه القرآن - أسلَم، وعرض على قومه الدخول في الإسلام فرفَضوا، إلا عددًا قليلًا منهم،عجز النجاشي ومن معه من المسلمين عن إظهار شعائر الإسلام بين قومهم، ومع ذلك لم يكفِّرْه اللهُ تعالى، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلمأن يصلى على النجاشي لما مات صلاة الجنازة؛ لأنه مات بين قوم غير مسلمين ولم يصلِّ عليه أحد.


روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نعى لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النجاشي صاحب الحبشة يوم الذي مات فيه فقال: ((استغفروا لأخيكم))؛ (البخاري حديث 1327 / مسلم حديث 951).


روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه النجاشي، ثم تقدم، فصفُّوا خلفه، فكبَّر أربعًا؛ (البخاري حديث 1318).


قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [آل عمران: 199].


روى ابن جرير عن قتادة قال: نزلت هذه الآية في النجاشي، وفي ناس مِن أصحابه آمنوا بنبي الله صلى الله عليه وسلم وصدَّقوا به؛ (تفسير الطبري جـ 6 صـ 218: صـ 219).


رابعًا: الإكراه:

الإكراه: كل ما أدَّى بشخص، لو لم يفعل المأمور به، إلى ضرب، أو أخذ مال، أو قطع رزقه يستحقه، ونحو ذلك، والإكراه يعتبر من موانع تكفير المعيَّن.


قال تعالى: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النحل: 106].


قال الإمام القرطبي (رحمه الله): أجمع أهلُ العلم على أن مَن أُكرِهَ على الكفر حتى خَشِيَ على نفسه القتل، أنه لا إثمَ عليه إن كفَر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تَبِينُ منه زوجته، ولا يُحكَمُ عليه بحُكم الكفر؛ (تفسير القرطبي جـ 10 صـ 190).


وقال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: اتفق العلماء على أنه يجوز أن يوالَى المُكرَهُ على الكفر (أي الذي أُكْرِهَ على الكفر)، إبقاءً لمُهجته، ويجوز له أن يستقتل (أي: يطلب من الذي يريد أن يجعله يكفُرُ أن يقتله)، كما كان بلالٌ رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون به الأفاعيل، حتى إنهم لَيضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر، ويأمرونه أن يُشرِكَ بالله، فيأبى عليهم وهو يقول: أحد، أحد،ويقول: والله لو أعلم كلمةً هي أغيظُ لكم منها لقلتها، رضي الله عنه وأرضاه،وكذلك حبيب بن زيدٍ الأنصاري لما قال له مسيلِمة الكذَّاب: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ فيقول: نعم،فيقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول: لا أسمع،فلم يزل يقطعه إِرْبًا إِرْبًا وهو ثابتٌ على ذلك؛ (تفسير ابن كثير جـ 8 صـ 359).


شروط الإكراه:

شروط الإكراه أربعة، وهي:

الأول: أن يكون فاعله قادرًا على إيقاع ما يهدِّدُ به، والمأمور عاجزًا عن الدَّفع، ولو بالفرار.

الثاني: أن يغلِبَ على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك.


الثالث: أن يكون ما هدَّده به فوريًّا، فلو قال: إن لم تفعل كذا ضربتك غدًا، لا يُعَدُّ مكرَهًا، ويستثنى ما إذا ذكر زمنًا قريبًا جدًّا، أو جرَتِ العادة بأنه لا يخلف.


الرابع: ألا يظهَرَ مِن المأمور ما يدلُّ على اختياره، ويستثنى من الفعل ما هو محرَّمٌ على التأبيد؛ كقتلِ النفس بغير حق؛ (فتح الباري جـ 12 صـ 326).


التوبة تمحو الكفرَ بعد ثبوته على المعيَّن:

أجمع أهل العِلم على أن التوبةَ النَّصُوحَ هي المانع الوحيد الذي يمنَع تكفير المعيَّنِ إذا رجع عن الكفر الذي قد ثبت عليه.


قال الإمام ابن حزم: اتفق العلماء على أن التوبة مِن الكفر مقبولةٌ؛ (مراتب الإجماع ـ لابن حزم ـ صـ 272).


قال الله تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].


وقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 73، 74].


وقال جلَّ شأنُه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [البروج: 10].


وقال سبحانه: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38].


أسأل اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم،وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالَمين.

 

وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تكفير المسلمين (1)
  • تكفير المسلمين (3)
  • تكفير المسلمين (2)
  • تكفير المسلمين بغير حجة ولا برهان
  • كن على حذر في كل ما تأتي وما تذر

مختارات من الشبكة

  • خطبة: احذروا أيها الآباء لا تخسروا أولادكم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذروا من الشهرة.. (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذروا الورع الكاذب والتدين المغشوش (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: احذروا من هذه المرأة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذروا العين فإن العين حق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذروا العطلة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)
  • احذروا التساهل بالدين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذروا أهل الهذيان والبهتان الذين تركوا صحيح السنة وزعموا أنهم يأخذون بالقرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذروا من العين فإنها حق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذروا الربا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب