• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

تفسير: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله)

تفسير: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله)
الشيخ محمد حامد الفقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/1/2016 ميلادي - 22/3/1437 هجري

الزيارات: 11591

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير قول الله تعالى

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾


قول الله تعالى ذكره ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [البقرة:83].

 

كان التذكير في الآيات الماضية من أول ندائه تعالى لهم ﴿ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ﴾ إلخ، تذكيراً بنعم الله الكونية من مثل تفضيلهم على العالمين وإنجائهم من فرعون وإغراقه وجنده أمام أعينهم، وإنزال المن والسلوى، وتفجير الحجر بعيون الماء وتظليل الغمام وغير ذلك، ثم توبيخهم على مقابلة تلك النعم بالكفران والكنود. وقد كان واجب العقل ولحكمة يقضي بمقابلتها بالشكر والإحسان في طاعة المنعم بها وعبادته. ثم ما أعقب ذلك من غضب الله عليهم وسخطه لهم، وانتقامه منهم بأنواع العقوبة، وأن ذلك سنته سبحانه في كل كافر بأنعمه، لا تتبدل بتقدم الزمان ولا تأخره، ولا تتغير باختلاف البلدان والأمم والأشخاص، وإن ذلك مقتضى حكمة الله وعدله وعزته.

 

ثم أخذ في هذه الآيات وما بعدها يذكرهم بما أنعم عليهم في التشريع وتعليم الدين وأحكامه في العبادات والمعاملات التي عليها يترتب صلاح حالهم واستقامة أمرهم، وشمول الرحمة والأمن والسلام لهم في الدنيا والآخرة؛ لكنهم أهملوا ذلك الدين، وأعرضوا عن شرائعه واتبعوا أهواءهم، وفسقوا عن أمر ربهم، وحكموا آراءهم وعقولهم بالاستحسان لما تهوى نفوسهم، والاستقباح لما لا يلائم شهواتهم، ولا يتفق مع أهوائهم. ولقد طال الزمن على بني إسرائيل في ذلك الطغيان والفسوق والعصيان حتى اصطبغوا به أيما اصطباغ، وفسدت به فطرهم أشد فساد وأشره مما جعلهم يمقتون أنبياء الله وكل قائم لله بالقسط والحق؛ مقتاً بلغ حد القتل والتنكيل، وجروا على ذلك دهوراً متطاولة؛ وتواصوا به أشد التواصي، مع دعواهم أنهم أفقه الناس للدين، وأعلمهم بما يحب الله ويرضى؛ وأوعاهم لكتاب الله وشرعه وأحفظهم لأحكامه.

 

ولقد كان العرب وكثير من الناس غير العرب يُخدعون بدعاوى اليهود، ويتوهمون أنهم على شيء من العلم والدين، ويغترون بظواهرهم وثيابهم وشقاشق ألسنتهم وتبجحهم بالدعاوى العريضة، فلذلك كله أطنب الله سبحانه وتعالى وأبدى وأعاد في التنديد باليهود والكشف عن مخازيهم، وبيان جهلهم وعداوتهم لشرائع الله ودينه الحق، وأنبيائه الذين أرسلهم هداة للناس ومبشرين ومنذرين. وأكثر الله من التحدث عن ضلالهم – وكفرهم ليحذر من سلوك طريقهم في الغرور بدعوى العلم والدين بمجرد الانتساب أو اللباس والصورة والأسماء وأشباهها مما يتواضع عليه أهل كل عصر وزمان من العلامات والدلائل التي يميزون بها كل طائفة ويخصون بها كل جماعة.

 

هذا وقد تقدم القول في إقام الصلاة وإيتاء الزكاة في العدد الأخير من السنة الأولى في تفسير قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ والقول في معنى العبادة في العدد الأخر من السنة الثانية في تفسير قوله تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ ومعنى "الميثاق" العهد الموثق؛ أي المؤكد والمغلظ المشدد بالإيمان وما أشبهها. وقد تقدم القول في العهد الذي أخذه الله على بني إسرائيل في العدد الأخير من السنة الثالثة في تسير قوله تعالى ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾.

 

والآية صريحة في بيان أصول الدين وشرع الله الذي أوحى به إلى كل الرسل، وأن أساسه الأول هو أن يفردوا الله تعالى وحده بجميع العبادات التي شرعها وأوحى إليهم بها، وأن يكفر بكل معبود سواه، ويتبرأ من تأليه غيره بأي أنواع التأليه والعبادة كائناً من كان من نبي أو ملك أو إنس أو جن أو شجر أو حجر أو حيوان بدعاء لتفريج كرب أو شفاء مرض، أو ليقرب إلى الله أو ليشفع عنده في شيء من ذلك، أو بنذر شيء من المال قليل أو كثير، أو الحلف به أو تعظيمه بأي نوع من أنواع التعظيم الذي لا ينبغي إلا لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين وأوصاهم وأخذ عليهم العهد الموثق أ، يحسنوا بالوالدين إحساناً لائقاً بما سبق لكل مولود من والديه من العطف والبر والإحسان والشفقة والإيثار، وتحمل أنواع المكروه في سبيل راحة مولودهما وهنائه وسروره؛ ومهما بالغ الولد في الإحسان إلى والديه فلن يكافئهما أو يفي بحقهما، فإنهما السابقان بالإحسان، والمتقدمان بالفضل، وإنهما المحسنان محبة وفطرة من قلبهما لمن هو بضعة وجزء منهما، وإحسان الولد تكلف وتعمّل وعنده من الصوارف بحب امرأته وأصدقائه وغير ذلك ما يجعل بر الولد بوالديه والإحسان إليهما نادراً وغريباً خصوصاً في زمننا بالأخص في مصرنا، ومرجع ذلك إلى أن تضييع الحقوق وهمها أصبح سجية وجبلة في الناس، وأن خلق العدل والإنصاف أصبح ممقوتاً في نفوسهم، وأن الرحمة نزعت من قلوبهم. وبالإجمال ماتت روح الكمال الإنسانية فيهم، وقويت الحيوانية والشيطانية فبلغنا أشد القوة والنشاط، فبهما يعيشون ويتعاملون، وعنهما يصدرون وفي حاجاتهما يسعون ويعملون. ونسأل الله العافية.

 

وقد أكد الله الوصية بالإحسان إلى الوالدين في كل الشرائع، وقرنها إلى الأمر بالإخلاص بالعبادة له والنهي عن الشرك به وعبادة غيره، لأن الله هو المنعم الأول بالوجود؛ ثم هما السبب الذي به تمت نعمة الوجود، والله المُسدي لجميع الفضائل، وهما اللذان أجرى الله ذلك الفضل على يديهما، فشكرهما من شكر الله، والإحسان إليها آية حب الله ومعرفة فضله، لذلك كان أحب شيء إلى الله بعد طاعته وعبادته هو بر الوالدين و الإحسان إليهما، وكان أحب شيء إلى الشيطان هو عقوق الوالدين والإساءة إليهما.

 

ولما كان القرآن هو أكمل الكتب المنزلة؛ والإسلام أكمل الشرائع، فقد أبرز الله في القرآن والإسلام محبوباته بصورة واضحة أتم الوضوح، ومدار محبوبات الله على أن ينطبع الإنسان بطابع الإحسان ظاهراً وباطناً وفي الأمور كلها، وعنوان ذلك: الإحسان إلى الوالدين وذوي القربى واليتامى والمساكين. قال الله تعالى في سورة النساء ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء:36]، وقال في سورة الأنعام ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الأنعام:151]، وقال في سورة الإسراء ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء:23-24]، وقال في سورة العنكبوت ﴿ وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ﴾ [العنكبوت:8]، وقال في سورة لقمان ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان:14-15]، وقال في سورة الأحقاف ﴿  وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الاحقاف:15]، و﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف:46]، ﴿ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [لأنفال:28]، وفي السنة ما لا يحصى من الأحاديث في الوصية بالوالدين وبرهما والإحسان إليهما، والتحذير أشد التحذير من عقوقهما والإساءة إليهما.

 

روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين".

 

وروى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه" وروى البخاري ومسلم عن عبدالله ابن عمرو بن العاص قال "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد" وفي رواية لمسلم "قال: فتبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم: قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما" وروى البخاري ومسلم عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ - ثلاثا- قلنا: بلى، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين – الحديث" وحديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فأصبحوا وقد انسد عليهم بصخرة عظيمة لا يستطيعون الخروج، فسألوا الله بصالح أعمالهم؛ وكان منها مبالغة أحدهم في بر والديه، ففرج الله عنهم. والتجارب برهنت على أن بر الوالدين ورضاهما من أهم أسباب الستر وتيسير الأمور في الدنيا والدين. ومن العجب أنك ترى بعد هذا كله أقل الناس هم الذين يبرون والديهم ويحسنون إليهم.

 

والإحسان كلمة جامعة لكل عمل الخير، فليس الإحسان إلى الوالدين بقاصر على إطعامهما وكسوتهما وإسكانهما كلا؛ ويدل على ذلك قول الله ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الاسراء:24]، وهذه وصايا تنطوي على معان لا يفهمها على حقيقتها إلا من فهم الإسلام على حقيقته واصطبغت نفسه بصبغة الإسلام الحقيقية، خوفاً ورجاءً ورغبة ورهبة وحباً لله وخشية، قولاً وعملاً وحالاً وخلقاً وصورة وقلباً؛ وهي محجوبة عن الذين يلبسون الإسلام ثوباً عند اللزوم، ويتخذونه شبكة ومصيدة لما يشتهون، الذين على قلوبهم أكنة من الجهالة والهوى وعبادة الشيطان؛ أولئك عن تلك الوصايا والإحسان مبعدون. وكذلك جعل الله تعالى من قواعد الشرائع المصلحة للإنسانية: صلة الأرحام بذوي القربى، وهم كل من تجمعهم بك وشيجة الرحم مون جهة أبيك وأمك ومرجع الإحسان إليهما في الحقيقة إلى بر الوالدين والإحسان إليهما؛ فإن في الحديث الذي رواه مسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن أبر البر صلة الوالد أهله أبيه" والأحاديث والآيات في صلة الأرحام وبر ذوي القربى لا تكاد تحصى كثرة. ومن ذلك ما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكر قريشاً والعرب بما أنعم الله به عليهم بهذا الرسول والنور الذي جاءهم معه والخير الذي أسداه الله إليهم على يديه، وأنه لا يطلبهم أجراً إلا المودة في القربى، يعني أنه لا يدعوه إلى ملاحقتهم بالدعوة إلى إخلاص العبادة لله والاهتداء بهداية رسوله المختار منهم رغبة في مال ولا حرص على نفع يعود عليه منهم، وإنما هي شفقة ورحمة منه بهم يحمله عليها ما بينهم وبينه من القرابة التي لم يكن بيت من بيوت قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيه قرابة بصهر أو نسب؛ لا كما يتهم الجاهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه طلب الأجر على رسالته تلعقاً بآل بيته وخضوعاً لهم وعبادة من دون الله، فذلك ضلال بعد ضلال، وجاهلية يبرأ منها الله ورسوله وآل بيته الأطهار رضي الله عنهم.

 

ومن أنعم الله عليه بنعمة الإحسان في عبادة الله وحده وفي بر الوالدين وصلة ذوي القربى فهو لا بد محسن إلى اليتيم – وهو الطفل الذي فقد أباه، سمى به لانفراده وانقطاعه عن أبيه – والإحسان إليه بالشفقة عليه والرحمة به؛ ومعاملته معاملة ولدك سواء، حشية أن ينتقم الله منك في ولدك إذا أنت أسأت إلى اليتيم وقسوت عليه. وليس أحد يضمن طول الحياة حتى يكبر بنوه ولا يموت إلا بعد بلوغهم الرشد؛ فإن هو ظن أنه أمن هذه الناحية من التهديد فإن الله يتوعده أشد الوعيد وينذره أعظم الإنذار ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء:9-10]، وما يعذب الله العليم الحكيم ذلك العذاب وينكل ذلك النكال إلا بمن قسى قلبه قسوة حرمته من نفحات الرحمة وأوقدت فيه من نار الخبث والشر والوحشية ما جعله أهلاً لذلك العذاب الشديد، وما ربك بظلام للعبيد.

 

فاحذر أشد الحذر القسوة على اليتيم، واذكر سيد الخلق الذي ساق الله على يده كل الخير والسعادة إليك في الدنيا والآخرة، فقد كان يتيماً. فأكرم اليتيم إكراماً لذلك الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.

 

وكذلك الرحمة بالمسكين والإحسان إليه – وهو الذي ألبسه الفقر أو المرض أو أي سبب من الأسباب ثوب الذلة والضراعة، فنكس رأسه وأخشع بصره، وأضعف صوته وحركته. فالقسوة على هذا منتهى النذالة والسفالة. والرحمة به والإحسان إليه آية الشهامة والمروءة والإنسانية الفاضلة التي يحبها الله من عباده والتي دعاهم إليها بما شرع لهم من هذه الشرائع، وأنزل عليهم من الكتب وبعث إليهم من الرسل التي كلها تدعو إلى هذا الكمال والرفعة والعلو في درجات الإحسان والفضل في الدنيا والآخرة. ولا يأباها ويعرض عنها إلا لئيم خسيس غلبت عليه شقوته. وقد كان أولئك المخاطبون بهذه الآيات ألأم خلق الله وأخسهم درجة وأبعدهم عن الخير والهداية، لذلك أعرضوا عن هذه النعم وتجردوا من هذه الفضائل ونسأل الله العافية وصلاح قلوبنا وأحوالنا.

 

مجلة الهدي النبوي

المجلد الرابع - العدد 58 - 15 ذو القعدة سنة 1359هـ





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)
  • تفسير: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)
  • تفسير: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)
  • تفسير: (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون)
  • تفسير: (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون)
  • تفسير: (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون)
  • تفسير: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة)
  • تفسير: (قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون)
  • تفسير: (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات)
  • تفسير: (فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين)
  • { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل... }
  • تفسير: (فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين)
  • تفسير: (إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا...)
  • تفسير: (ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها)
  • تفسير: (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون)
  • تفسير: (لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن...)

مختارات من الشبكة

  • تفسير قوله تعالى: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب