كيفية استعمال الحروف (6)

كيفية استعمال الحروف (6)

الإظهار: في اللغة: البيان.

وفي الاصطلاح: عبارة عن إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة في المظهر. وأما الإِدغام فمعناه في اللغة الإدخال. وفي الاصطلاح عبارة عن اللفظ بحرف ساكن فحرف متحرك بلا فصل من مخرج واحد إذ اللسان يرتفع بهما ارتفاعة واحدة.

وأما القلب فمعناه في اللغة التحويل وفي الاصطلاح عبارة عن جعل حرف مكان آخر.

وأما الإِخفاء فمعناه في اللغة الستر وفي الاصطلاح عبارة عن النطق بحرف عار عن التشديد بحالة بين الإظهار والادغام مع بقاء الغنة في الحرف الأول. ومثلها في ذلك التنوين وهو نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم تثبت لفظًا ووصلا وتفارقه خطًا ووقفًا. ولنتكلم على كل من هذه الأحوال الأربع فنقول:

(الحالة الأولى) الإظهار. وذلك إذا وقع بعد النون الساكنة أو التنوين حرف من حروف الحلق الستة، وهي الهمزة والهاء والعين والحاء المهملتان والغين والخاء المعجمتان؛ سواء كانت تلك الحروف في كلمة منفصلة عنهما أو في كلمة النون. فمثالهما عند الهمزة: ينأون، من آمن، كل آمن. وعند الهاء: منهم، من هاد، جرف هار. وعند العين. أنعمت، من عمل، حقيق على. وعند الحاء: تنحتون، من حكيم، غني حميد، وعند الغين: فسينغضون، من غل، قولا غير، وعند الخاء: المنخنقة، من خزى، يومئذ خاشعة، وسبب إظهارها عند هذه الأحرف بعد مخرجها عن مخرجهن لأنهن من الحلق والنون من طرف اللسان.

والادغام إنما يسوغه التقارب، ثم لما كان التنوين والنون سهلين لا يحتاجان في إخراجهما إلى كلفة وحروف الحلق أشد الحروف كلفة وعلاجًا في الإخراج حصل بينهما وبينهن تباين لم يحسن معه الاخفاء كما لم يحسن الإِدغام إذ هو قريب منه فوجب الإظهار الذي هو الأصل فكلما بعد الحرف كان التبيين أعلى وهو أن تظهر النون الساكنة أو التنوين عند الهمزة والهاء إظهارًا بينًا ويقال له أعلى وعند العين والحاء أوسط وعند الغين والخاء أدنى.

وحقيقة الإظهار أن ينطق بالنون والتنوين على حدهما ثم ينطق بحروف الإظهار من غير فصل بينهما فلا يسكت على النون ولا يقطعها عن حروف الإظهار وتجويد الإظهار إذا نطقت به أن تسكن النون ثم تلفظ بالحرف ولا تقلقل النون بحركة من الحركات ولا تسكنها بثقل ولا ميل إلى غنة ويكون سكونها بلطف.

(الحالة الثانية) الادغام: وذلك إذا وقع بعد النون أو التنوين حرف من الأحرف الستة المجموعة في قول بعضهم: يرملون وهو على ثلاثة أقسام:

(القسم الأول) إدغام النون الساكنة والتنوين بغنة في النون والميم بإجماع القراء، نحو: من نذير، شيء نكر، من ماء، عذاب مقيم، فهو إدغام تام مستكمل التشديد وسببه في النون التماثل وفي الميم التجانس لاشتراكهما في الغنة والجهر والانفتاح والاستفال والكون بين الرخوة والشديدة.

(القسم الثاني) إدغامهما في الواو والياء من كلمتين مع بقاء الغنة عند غير خلف عن حمزة ومع تركها عنده فهو على مذهبه إدغام تام مستكمل التشديد وعلى مذهب الباقين إدغام ناقص غير مستكمل التشديد، ومثاله في الواو: من وال، يومئذ واهية؛ وفي الياء: من يقول، برق يجعلون، وسببه فيهما التجانس في الانفتاح والاستفال والجهر ومضارعتهما النون والتنوين باللين الذي فيهما لأنه شبيه بالغنة حيث يتسع هواء الفم فيهما، والحجة للأكثرين في بقاء الغنة عندهما ما في بقائها من الدلالة على الحرف المدغم ويقوى ذلك أنهم مجمعون على بقاء صوت الاطباق مع الطاء إذا أدغمت في التاء نحو: أحطت وبسطت فبقاء الاطباق مع إدغام الطاء شبيه ببقاء الغنة مع إدغام النون، والحجة لخلف في إذهاب الغنة أن حقيقة الادغام أن ينقلب الحرف الأول من جنس الثاني ويكمل التشديد ولا يبقى للحرف ولا لصفاته أثر.

فإِذا جاءت الياء أو الواو بعد النون الساكنة في كلمة واحدة نحو: الدنيا وبنيان، وقنوان وصنوان ولا خامس لهن فإِنها تظهر خشية الالتباس بالمضاعف وهو ما تكرر أحد أصوله كصنوان ورمان لأنك لو قلت الديا وصوان ألبس ولم يفرق السامع بين ما أصله النون وبين ما أصله التضعيف فلم يعلم أنه من الدنى والصنو أو من الدي والصو.

(القسم الثالث) أنهما يدغمان بلا غنة في اللام والراء فيبدل كل من النون الساكنة والتنوين لامًا ساكنة عند اللام وراء ساكنة عند الراء ويدغم فيما بعده إدغامًا تامًّا لجميع القراء؛ نحو: من لدنه ويومئذ لخبير وعن ربهم ورؤف رحيم. وهذا على ما قرأنا به من أكثر الطرق عن العشرة. وقرئ من بعضها لبعضهم بإدغامهما فيهما مع بقاء الغنة فيكون إدغامًا تامًّا مستكمل التشديد على الثانية، والوجهان صحيحان عن حفص ووجه إدغامهما فيهما قرب مخرجهن لأنهن من حروف طرف اللسان أو كونهن من مخرج واحد على القراءة الأولى وناقصًا غير مستكمل وأيضًا لو لم يدغما فيهما لحصل الثقل لاجتماع المتقاربين أو المتجانسين فبالإدغام تحصل الخفة لأنه يصير في حكم حرف واحد. ووجه حذف الغنة المبالغة في التخفيف لأن بقاءها يورث ثقلا ما. وسبب ذلك قبلهما حرفًا ليس فيه غنة ولا شبيهًا بما فيه غنة.

(الحالة الثالثة) الاقلاب: والمراد به هنا قلب النون الساكنة والتنوين ميما مخفاة قبل الباء الموحدة مع بقاء الغنة الظاهرة بإجماع القراء سواء كانت النون مع الباء في كلمة أو كلمتين والتنوين لا يكون إلا من كلمتين وذلك نحو: أنبئهم وأن بورك وسميع بصير ووجه قلبهما ميما عندها أنه لم يحسن الإظهار لما فيه من الكلفة من أجل الاحتياج إلى إخراج النون والتنوين من مخرجهما على ما يجب لهما من التشديد على رأي القراء وكل منهما يستلزم الادغام التصويت بالغنة فيحتاج الناطق إلى فتور يشبه الوقف وإخراج الباء بعدهما من مخرجها يمنع من التصويت بالغنة من أجل انطباق الشفتين بها ولم يحسن الادغام للتباعد في المخرج والمخالفة في الجنسية حيث كانت النون حرفًا أغن وكذلك التنوين والباء حرف غير أغن.

وإذا لم تدغم الميم في الباء لذهاب غنتها بالإدغام مع كونها من مخرجها فترك إدغام النون فيها مع أنها ليست من مخرجها أولى ولم يحسن الإظهار والادغام لأنه بينهما ولما لم يحسن وجه من هذه الأوجه بدل من الاخفاء كما لو صحب النون والتنوين حرف يؤاخيهما في الغنة والجهر ويؤاخي الباء في المخرج والجهر وهو الميم فأمنت الكلفة الحاصلة من إظهار النون قبل الباء. وليحترز القارئ عند التلفظ به من كز الشفتين على الميم المقلوبة في اللفظ لئلا يتولد من كزهما غنة من الخيشوم ممططة فليسكن الميم بتلطف من غير ثقل ولا تعسف.

(الحالة الرابعة) الاخفاء: والمراد به هنا النطق بالنون الساكنة والتنوين بحالة بين الإظهار والادغام مع بقاء الغنة وذلك عند خمسة عشر حرفًا وهي الباقية بعد الحروف المذكورة في الأحوال الثلاث السابقة وقد جمعها الأستاذ الجمزوري في أوائل كلمات قوله:-

صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما دم طيبًا زد في تقى ضع ظالمًا

فهذه الحروف الخمسة عشر لا خلاف بين القراء في إخفاء النون الساكنة والتنوين بغنة عندها سواء اتصلت النون بهن في كلمة أو انفصلت عنهن في كلمة أخرى فمثاله عند الصاد: ينصركم، أن صدوكم، ريحًا صرصرًا، وعند الذال. منذر، من ذكر، سراعًا ذلك. وعند الثاء منثورا، من ثمره، جميعًا ثم. وعند الكاف. ينكثون، من كل، عادًا كفروا. وعند الجيم، أنجيناكم، إن جاءكم، شيأ جنات، وعند الشين. ينشر لكم؛ لمن شاء، عليم شرع.

(يتبع)

المصدر: مجلة كنوز الفرقان؛ العددان: (السابع والثامن)؛ السنة: (الرابعة)، رمضان وشوال لعام 1370 هـ