تحقيق تخريج مسألة ( رأيت رسول الله إذا كبر حاذى إبهامه أذنيه )

تحقيق تخريج مسألة ( رأيت رسول الله إذا كبَّر حاذى إبهامه أذنيه )

للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي

قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسألت أبي عن حديث رواه عباس[1] بن محمد الدوري، عن العلاء بن إسماعيل العطار[2]، عن حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبّر حاذى إبهامه أذنيه، ثم ركع حتى استقر كل مفصل منه في موضعه، ثم انحط بالتكبير، فسبقت ركبتاه يديه[3].

فقال أبي: هذا حديث منكر.

رجال الإسناد:

• عباس بن محمد بن حاتم الدوري، أبو الفضل البغدادي (ت 271).

ثقة حافظ، متفق على توثيقه.

تهذيب الكمال 14/245، السير 12/522، التهذيب 5/129، التقريب (3189).

• العلاء بن إسماعيل العطار.

ذكره الحافظ ابن حجر في اللسان، قال: أخرج له الحاكم في المستدرك وسكت عنه الذهبي في تلخيصه. وقال ابن القيم: مجهول. وسئل أبو حاتم عن الحديث الذي رواه - يعني حديثنا هذا - فقال: منكر. وقد أخرجه الدارقطني، وقال تفرد به العلاء، وخالفه عمر بن حفص بن غياث، وهو من أثبت الناس في أبيه.... انتهى.

قلت: وعليه فهو ضعيف، والله أعلم.

انظر لسان الميزان 4/182.

• حفص بن غياث بن طَلْق بن معاوية النخعي، أبو عمر الكوفي (ت 194).

ثقة ثبت، من أثبت الناس في الأعمش، وقال أبو داود: كان حفص بأخرة، دخله نسيان، وكان يحفظ، قال ابن حجر: ثقة فقيه، تغير حفظه قليلاً في الآخر.

تهذيب الكمال 7/56، السير 9/22، التهذيب 2/415، التقريب (1430).

• عاصم بن سليمان الأحول، أبو عبدالرحمن البصري (ت 142).

ثقة متفق على توثيقه. وثقه عدد من الأئمة، وعده الثوري من حفاظ البصرة. وقال ابن سعد: ثقة، وكان يتولى الولايات. ولكن قال يحيى بن سعيد عنه: لم يكن بالحافظ.

قال ابن حجر: ثقة، لم يتكلم فيه إلا القطان، فكأنه بسبب دخوله في الولاية.

انظر تهذيب الكمال 13/485، السير 6/13، التهذيب 5/42، التقريب (3060).

• أنس بن مالك الأنصاري، صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 502.

تخريج الحديث:

روى حفص بن غياث، هذا الحديث، واختلف عليه:

1- فرواه العلاء بن إسماعيل العطار، عن حفص، عن عاصم الأحول، عن أنس.

2- ورواه عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، والأسود، عن عمر، موقوفاً عليه.

وتابع حفص بن غياث على هذا الوجه: يعلى بن عبيد.

الوجه الأول:

أخرجه الحاكم[4] 1/226 - وعنه البيهقي في الكبرى 2/99 -، من طريق الدوري.

والدارقطني 1/345 - ومن طريقه الضياء المقدسي في المختارة 6/293، رقم 2310، وابن الجوزي في التحقيق 1/388، رقم 519، والحازمي في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار (ص 122) - كلهم من طريق الدارقطني، عن إسماعيل الصفار.

وابن حزم في المحلى 4/129، من طريق أحمد بن زهير بن حرب.

ثلاثتهم (الدوري، والصفار، وأحمد بن زهير) عن العلاء بن إسماعيل العطار، عن حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، عن أنس، نحوه.

وقال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ولا أعلم له علة، ولم يخرجاه.

ووافقه الذهبي.

وقال الدارقطني، والبيهقي: تفرد به العلاء بن إسماعيل، عن حفص بهذا الإسناد.

الوجه الثاني:

أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/256، عن فهد بن سليمان، عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش، حدثني إبراهيم، عن أصحاب عبدالله: علقمة والأسود، فقالا: حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه، كما يخر البعير، ووضع ركبتيه قبل يديه.

وذكر هذا الوجه ابن حجر في لسان الميزان 4/183، من رواية عمر بن حفص به.

وقال: وهذا هو المحفوظ.

وتوبع حفص بن غياث:

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/263، وابن المنذر في الأوسط 3/165، رقم 1431.

من طريق يعلى بن عبيد، ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر، نحوه.

ولكن خولف عمر بن حفص، ويعلى:

فقد أخرجه ابن أبي شيبة 1/163، عن وكيع.

وعبدالرزاق 2/176، رقم 2955، عن الثوري، ومعمر.

كلهم عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عمر، نحوه.

قلت: ومن رواه على هذا الوجه الثاني أكثر، مع ثقتهم، ولكن في الوجه الأول حفص ابن غياث وهو من أثبت الناس في الأعمش، ولعل الوجهين محفوظان عن إبراهيم، إذ هو معروف بكثرة الإرسال، فلعله يذكر الواسطة مرة، ويسقطها أخرى، والله أعلم.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أن حفص بن غياث روى هذا الحديث، واختلف عليه:

1- فرواه العلاء بن إسماعيل العطار، عن حفص، عن عاصم الأحول، عن أنس.

2- ورواه عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، والأسود، عن عمر، موقوفاً عليه.

وتابع حفص بن غياث على هذا الوجه: يعلى بن عبيد.

والعلاء تقدم أنه ضعيف، ومن ثَمَّ لا يقوى على مخالفة عمر بن حفص، لكونه ثقة، ومن أوثق الناس في أبيه، عليه فروايته هي الراجحة، ويؤيده قول الحافظ في اللسان 4/183 بأنه المحفوظ. خلافاً لما مشى عليه الحاكم، والضياء في المختارة من تصحيح الحديث من الوجه الأول، وهو المرفوع، كما تقدم.

وعلى هذا يكون ما ذهب اليه أبو حاتم من قوله: هذا حديث منكر، هو الراجح، لمخالفة روايه لمن هو أقوى منه، كما تقدم، والله أعلم.

كما اختلف على الأعمش، وتقدم بيان ذلك مفصلاً أثناء التخريج.

وإسناد الحديث من وجهه الراجح إلى عمر صحيح، فرجاله ثقات، وقد صرح الأعمش فيه بالتحديث.

وقد ورد الحديث مرفوعاً من حديث وائل بن حجر، وإسناده ضعيف، ولكنه لا يقوي الموقوف، لورود خلافه من حديث مرفوع، عن أبي هريرة: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)).أخرجه أبو داود، والنسائي، وغيرهما.

وهو حديث أصح من وائل بن حجر، كما ذكر الألباني، وأحمد شاكر، وغيرهم.

انظر في ذلك (السلسلة الضعيفة 2/328- 332). وتعليق الشيخ أحمد شاكر على سنن الترمذي 2/58، 59، والله أعلم.