• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

مطارحة حجاجية في إشكالات دهرانية على الأحكام الإسلامية‎‏

صهيب منير العاروري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/11/2015 ميلادي - 28/1/1437 هجري

الزيارات: 9398

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مطارحة حجاجية

في إشكالات دهرانية على الأحكام الإسلامية‎‏


الحمد لمن يسبح كل شيء بحمده، والصلاة والسلام على خاتم رسله، وبعد:

فهذه مطارحة[1] حجاجية مختصرة في بعض إشكاليات رهط[2] من المنكرين لبعض الأحكام الشرعية من بعض المنتسبين للملة، وبعض الخارجين عن جماعة المسلمين من دهرانيين دنيانيين[3]؛ حيث توافقت ألسنة الطرفين، مع فارق أن المنتسب للملة يزيد بالاستدلال بأدلة الشريعة اعتقادًا لا إلزامًا كحال الطرف الآخر إن استدل.

 

♦ وقد صرح بعضهم "مجتهديهم"[4] فقال: "قبل تطبيق الشريعة يجب التخلص[5] من المصائب الفقهية المناقضة لبدهيات القرآن[6]، وفطرة الإنسان، مثل: رجم الزاني، وقتل المرتد، وفقه أهل الذمة، وفقه الرق[7]".

 

وكلمته الكبيرة[8] فيها نظر من وجوه، نذكر منها واحدًا فقط، فنقول:

بعيدًا عن كون المذكورات من قطعيات الدين[9] أولًا، فإن "المجتهدين" المعاصرين سدوا تقريبًا باب البحث فيما قطعوا به، وسفَّهوا أحلام السالفين والتابعين لهم، ولا ريب أن هذا الفعل مذموم حتى بمقاييسهم، فلا يجادل في البدهيات والفطر إلا مَن في عقله خطل.

 

قال الإمام الثاني والعلامة الرباني سعد الملة والدين التفتازاني - قدس الله روحه - في شرح العقائد النسفية: "لكن ينبغي للعاقل أن يتأمل في أمثال هذه المباحث، ولا ينسب إلى الراسخين من علماء الأصول ما يكون استحالته بديهية ظاهرة على من له أدنى تمييز، بل يطلب لكلامهم محملًا صحيحًا يصلح محلًّا لنزاع العلماء، واختلاف العقلاء".

 

وهذه قاعدة ذهبية جليلة الشأن في آداب البحث والمناظرة، تخرق كثيرًا - كغيرها - من القواعد في هذا الزمن.

 

علة اختيارهم هذا المسلك:

♦ وقد تعلل القوم في إنكارهم هذا بتغير الزمان، وبلوغ الإنسان درجة من العقلانية والحداثة والرشد لا يطيق معها أساطير الأولين[10] كلامًا وفقهًا وما بني عليهما ودار في فلكهما[11]، فقسموا الأقوال والمذاهب - بناءً على هذا - إلى أقوال "تراثية" و"حداثية".

 

وكلامهم غير مسلَّم، بل هو عندنا من الأساطير والقسمات البالية، ولنا على هذه القسمة مآخذ، نذكر منها اثنين:

الأول: الحاصل أن الحداثة إما أن تكون:

أ‌) باعتبار الزمان.

ب‌) باعتبار مضمون ومادة الأقوال ونتائجها.

ت‌) باعتبار الآليات الاستدلالية الصورية.

ث‌) باعتبار توظيفها واستثمارها.

 

وعندنا لا اعتبار بمجرد الزمان تقدمًا وتأخرًا، ولا تأثير له في ماهية الأدلة ولوازمها، والأقوال ومآخذها، وأما باعتبار مضمون القول وآليات الاستدلال، فلا نسلِّم أنها جديدة تلك الجدة المزعومة، والجديد المعتبر موافق مكمل، والتوظيف والاستثمار يحتاج لمزيد تفصيل.

 

الثاني: تزعمون أن أحكام الفقهاء كانت:

أ‌) متأثرة بزمانهم واختلاطهم بقوم كسرى وقيصر وغيرهم، سلمنا، وأنتم كذلك أحكامكم متأثرة بأحفاد قوم كسرى وقيصر وغيرهم.

 

ب‌) أنها كانت في عصور الانحطاط، لا نسلمه، بل كانت في زمن عزة ومنعة، وقوة وكرامة، ووفرة في العقل والعلم إجمالًا.

 

سلمنا، فأنتم في زمن أشد انحطاطًا وأكثر بؤسًا؛ فكل مذمة بكم ألصق، وبمنزلتكم أليق، حتى إذا تكور الزمان على هيئته فعاد كما بدأ[12]، عجب اللاحقون من أقوالكم بأكثرَ مما تعجبون من أقوالهم[13]!

 

وقد اخترنا المطارحة بإجمال كلي مقتضب في مسألتين[14] من "الطوام الأربعة"، وهما: الرِّدة والرِّق، وختمنا بخاتمة في نقد مرجعية الأحكام الدهرانية، ولا بد من تقديم مقدمات[15].

 

المقدمات الكلية للمطارحة:

1- تقرر في محله أن الأحكام عقلية وعادية وشرعية[16]، والأحكام الشرعية المقدسة ممكنة عقلًا مطلقًا[17]؛ فلذلك جاز تغيرها وتبدلها وكونها على غير المعهود لو أراد منشئها ذلك[18]، وهي - أي الأحكام الشرعية - مشتملةٌ على مصالح ومفاسد تابعة لها، مترتبة عليها لا باعثة، وقد يكون في الحكم الوضعي البشري أيضًا مصالح ومفاسد تطابق بعض ما ورد في الشرع[19]، وقد يوجد فيها مصالح ومفاسد تقصر عن الشريعة، وبالمجمل فلا تخلو أفعال العقلاء الاختيارية وأحكامهم من شيء منها.

 

2- غاية[20] ما يمكن للعقل بالنظر إلى الأحكام الشرعية العملية وبعض الأحكام الشرعية النظرية الحكم بعدم الاستحالة[21]، ولكن ومع التسليم بأن مرد الحسن والقبح على الحقيقة مرجعه الوضع الإلهي[22] - لا ذات الحكم، ولا اعتبار من اعتباراته - إلا أن العقل بالتأمل والتأييد قد يطابق جملة كبيرة من أحكام الشرع، ومرد ذلك مسلمة التطابق بين الكتاب المنظور والمسطور[23].

 

3- كل ما لم ينافِ الشرع فهو شرعي، ورد فيه نصًّا أو لم يرد؛ فمعيار موافقة حكم ما للشريعة ألا يتنافى معها تضادًّا أو تناقضًا، وهذا بعينه معيار العقلي[24]؛ فكل ما لا ينافي حكم العقل فهو عقلي، ومن طوره[25].

 

4- رغم كون الأحكام الشرعية مبنية على التصديق بالوحي والنبوة المبني على التصديق العقلي[26] بوجوب وجود واجب الوجود الفاعل المختار، فإنه يمكن تقريبها وتوضيحها عقلًا وعرفًا وحسًّا وتجربة لمن لا يسلِّم بذلك، يستوي في ذلك أصولها وفروعها، مهما كان مستواه - أي المخاطَب - المعرفي، وهذه من الأدلة المتممة على النبوة عامة، ونبوة النبي الخاتم خاصة[27]، وعليه فالمسلك المختار عندنا في أمثال هذه المسائل إمكان إثبات[28] جل أحكام الفقه - الثابتة بأدلتها المعتبرة الملائمة لطبيعتها - بأمثال التقريبات[29] التي ذكرها الأئمة الأعاظم؛ كحجة الإسلام الغزالي - في حجاجه للفلاسفة والباطنية[30] وغيرهم - وغيره من الأئمة، وبالاستناد إلى العلوم "الإنسانية"[31]، وإن لم تكن كل قواعدها مسلَّمة عندنا عقلًا ونقلًا رغم تسليمنا بكونية العلوم، وعدم اختصاص أكثرها بقوم دون قوم.


5- الدين الخاتم في القرنين الأخيرين تعارض كلياته وجزئياته وأصوله وفروعه بصورة أشدَّ من القرون الخالية[32]، ونحن قوم نعيش انفصامًا بين قواعد هذا الدين وغيره من الفلسفات، وقد أورث هذا الانشطار شكًّا وضعفًا ماديًّا ومعنويًّا وتشوُّهًا وإشكالات قد تخف وطأتها لو تمحَّض أحد السبيلين.

 

إذا تمهد هذا، فسنطارح في أقوى[33] ما ثبت عندنا إشكاليته، وسنقدم في معارضة بعضها فروضًا لو سلمت وثبتت[34] فقد تكون أجوبة تامة.

 

أولًا: حد الرِّدة:

ادعى الرهط المعاصر أن حد الرِّدة غير معقول، وأقوى حججهم العقلية[35] - فيما رأيت - أول حجتين، والباقي تبرع وجواب لمن قدر غير ما قدرنا أتم وأقوى:

الأولى:حد الرِّدة مقيد للحرية، متنافٍ مع حقوق الإنسان[36].

 

الثانية:التخيير بين القتل والإسلام للمرتد قد يؤدي به إلى اختيار الكفر الباطن والإسلام الظاهر، وهذا هو النفاق بعينه، والنفاق أخطر من الرِّدة في الدنيا، وأشد عقوبة في الآخرة.

 

الثالثة:حد الرِّدة اختراع سياسي، له عواقب شنيعة، وقابل لأن يستغل بأبشع الصور.

 

الرابعة: لا معقولية التمييز بين الكفر الأصلي والاكتفاء بدعوة صاحبه وإعطائه كل حقوقه، والكفر العارض واستتابة وإكراه المتلبس به أو قتله.

 

الخامسة:اختلاف الفقهاء الكبير فيها، وابتداعهم مصطلحًا لا يعرف في عهد النبوة.

 

السادسة:التجارب التاريخية لبعض المرتدين المعاصرين الذين رجعوا إلى الدين دون استتابة[37]، ولو سلكنا معهم المسلك الفقهي بالاستتابة والقتل، لهلكوا كفارًا، فتحققت لهم الخسارتان في الدنيا والعاقبة، وخسرنا جهودهم ودفاعهم عن الدين.

 

السابعة: قوله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256]، وقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29].

 

مطارحة الحجة الأولى: الحرية والحقوق:

نحتاج لتقديم مقدمات:

1- لا شك أن الحرية المطلقة وهم، والكل يسلم تقييدها، والخلاف بين أرباب النظر في المُقيد وحدود التقييد، وفي ترتيب العلاقة بين القيم والحقوق والواجبات.

 

2- نختار[38] أن التوحيد هو أعظم حقوق وواجبات العبيد، وعليه تتفرع سائر التكاليف العملية؛ فبالاعتبار الأول شرع الجهاد؛ لرفع الموانع بين الناس وبين حقها، وبالاعتبار الثاني شرع قتل المرتد؛ عقوبة لمن أخل بأوجب الواجبات عليه بعد أن كان متلبسًا به[39].

 

3- الفعل الإنساني الاختياري يشمل كلًّا من أفعال الجوارح الخارجية والأفعال القلبية.

الأفعال الخارجية (الظاهرية، الجارحية) يراد بها الأفعال الظاهرة الأثر، والملموسة بإحدى الحواس الخمسة؛ فالتكلم والحركة والنظر بالعين إلخ وكل ما نطلق عليه اسم أفعال الجوارح، سواء أكانت باللسان أم بأي عضو آخر من أعضاء الهيكل (الجسم، الجسد، البدن) الإنساني.

 

وأفعال القلب تطلق على ما يكون محله القلب من أفعال الإنسان كنيَّته ومعتقداته.

 

ولا شك أن الأفعال الخارجية - عرفًا وشرعًا - محل مسؤولية ومورد للمدح والذم، وأما القلب فلا شك أنه كذلك شرعًا، ولكونه غيبًا بالنسبة لنا، فلا كلام لنا فيه.

 

وهنا نستطرد فنقول: إن كل الأفعال الإنسانية الظاهرية لو تأملناها لوجدناها فيزيائيًّا عبارة عن مجرد حركات، لا فرق بينها وبين حركة أي جسم جامد، ولا فرق فيها بين طاعة ومعصية من هذه الجهة، ولكنها تتمايز عن حركة الجسم الجامد، وتتمايز فيها الطاعة عن المعصية، والحسَن عن القبيح - مهما كانت مرجعية الحُسن والقبح - بأمور اعتبارية؛ (كالنية والمقصد من الفعل مثلًا)، وهذه الاعتباريات عليها معتمد المدح والذم (مهما كان منشأ هذا المدح والذم شرعيًّا أو عرفيًّا)، ولو تشابهت صور الأفعال حد التطابق[40]، وهذه قاعدة سيالة[41] تحل بها كثير من الإشكالات!


إذا سلم ما ذكرنا فنقول:

منزلة الإنسان الوجودية والغايات من وجوده تختلف عندنا عن غيرنا، فمن جعل الدين عبارة عن اختراع، أو مجرد حاجة إنسانية[42]، وساوى بين الأديان في الحقية والبطلان، لا ريب أنه لا كبير فرق عنده بين أن ينتقل الإنسان من أحدها إلى غيرها دون مشكل يستدعي التهويل؛ فالأمر هين عنده، وسائر الروابط الناظمة بين أفراد أمة، مثل اللغة أو الأرض أو القومية والعرقية والقبلية، وغيرها[43] - أعظم أثرًا، وعليها مدار المدح والذم[44] العرفيين، فلا مجال إذًا لعقوبة [45] على النطق وإعلان الكفر بالله العظيم ورسله الأكرمين ودينه الخاتم المقبول حصرًا، أو فعل ما ينافي التصديق بها، فكل هذه أهون من أن ينظر فيها أو يرتب عليها آثار، وهذا غير مسلَّم، كما ظهر لك من المقدمات.

 

الرِّدة المجردة باللسان والإعلان - ولو لم يقارنها عمل حربي[46] باليد وغيرها - جريمة بحد ذاتها، كما هو المستفاد من عمومات النصوص، وفعل اللسان معتبر لا ينكره أحد، ولو كتم المرتد ردته، فلا سلطان للأمة عليه؛ إذ القلوب غيوب.

 

مطارحة الحجة الثانية: الرِّدة أحسن من النفاق، والنفاق أخطر من الرِّدة:

سلمنا أن المرتد قد يصبح منافقًا، ولكننا لا نسلِّم أن المنافق أكثر خطورة في الدنيا، حتى لو كان أشد حسابًا في الآخرة، وبيان ذلك من وجوه:

1- المرتد أثره أوسع في المكان وأدوم في الزمان من المنافق؛ فالنفاق باطنية وتستر[47]، غالبًا تنتهي بموت صاحبها، وذريته في بلاد الإسلام ولمباشرتها أعمال الإسلام عبادة ومعاملة، تنسى بعد جيل أو اثنين الكفر الباطن، ويبقى لها الإسلام ظاهًرا وباطنًا، وأما المرتد فذريته على ملته متناسلة متكاثرة، وقد رأينا مجازر مروعة على يد النصيرية - مثالًا - وهم فقهيًّا مِن أبناء المرتدين.

 

2- نلحظ أن موقف الإنسان (الفكر) الجديد شديد الحساسية والعداوة من الإنسان (الفكر) القديم[48]، وأنه كبير الحماسة لدعوة أو إفناء الحاملين للفكر القديم، ربما لكرهه ذاته، فيرى في كل حامل لها صورته، وربما لغير ذلك، وعليه فقد لا يسلم عمليًّا وجود مرتد غير محارب في الظاهر[49] أو منتظر للفرصة المناسبة كالمنافق.

 

3- المرتدُّ ولو تاب وقبِلْنا ذلك منه فهو محل شك وحذر لا يزول؛ ولذلك منَعهم الصِّدِّيق الأكبر من الجهاد مطلقًا، ولما احتاج الفاروق العظيم إليهم في معاركِ فارسَ الحاسمة، سمح لهم بالجهاد، ولكنه منعهم من جميع المناصب السياسية والعسكرية، فحجم خطرهم حتى لو كانوا منافقين[50].

 

مطارحة الحجة الثالثة: الاستغلال السياسي:

سنفرد لها في محل آخر؛ حيث إنها لا تختص بهذا المبحث، ولكن نتعرض لجزئية لها علاقة بالحرية والحاكم السياسي، فنقول: إننا لا نقبل عقلًا تأليه[51] الحاكم السياسي، بحيث تكون معارضته موجبة للقتل والتعذيب والنفي، وأن يتحكم في الأرزاق والأذواق، ويشرع ما شاء من الأحكام؛ فجوهر دعوة الإسلام هو ما قاله سيدنا ربعي بن عامر لرستم قبيل القادسية الكبرى[52]: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدِينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله"، ولا شك أنها جامعة مانعة لو اعتُبِرَتْ.

 

مطارحة الحجة الرابعة: لا معقولية التمييز بين الكفر الأصلي والعارض:

نقول بأن ما تمهد في مطارحة الحجة الأولى كافٍ، ونقرب[53] بأن الحقوق المستحقة في أصل النشأة والولادة ليست كالعارضة اللاحقة عرفًا؛ فالمولود مثلًا في بلد يحمل تابعيتها تترتب له حقوق بمجرد الولادة فيها، ويذم عند البلوغ لو خالف أعرافها، وليس له الاحتجاج أنه لم يختَرْ حمل تابعيتها وقد سبق له التمتع بحقوقه منها.

 

والرِّدة بقيد الإعلان[54] خرق لعقد قائم بين الفرد والأمة، يقوم مقام خيانتها عرفًا؛ إذ الأمة قد اختارت أن الرابطة بين أفرادها والأساس المحدد لهويتها هو الدين الخاتم، والأصل تقديمه على كل الهويات الفرعية القبَلية والقومية... إلخ، فكيف تمدح حرية خيانة الهوية العليا، وتذم خيانة الهويات الفرعية الفانية الأخرى؛ فيقبل حتى قتل خائن قومه بالتواطؤ مع عدوهم المغتصب لأرضهم دون الكافر بربهم ودِينهم؟!

 

فإن قيل: يلزم التسوية بين المنتقل إلى دينكم والمنتقل عنه على قياسكم، أجيب: لو سلمت التسوية والتكافؤ بين الدِّينين فنعم، وإلا فلا!

 

مطارحة الحجة الخامسة: خلاف الفقهاء:

لا نشك أن الاستدلال بمجرد الخلاف سفسطة، وندعي أن هذه المسائل الأربعة[55]، بل سائر أبواب الفقه وعناوينه الكلية، محل إجماع[56]، والاختلاف إنما هو في عوارض ولواحق للأصول الثابتة، أو بعبارة أخرى: خلاف في محمولات موضوعات هذه المسائل الكلية، ونزيد فنقول: إن هناك قدرًا معنويًّا مشتركًا وراء هذه الخلافيات المعتبرة.

 

ولو مثلنا بالوضوء من باب الطهارة، فستجد أن الفقهاء بعد الاتفاق على شرعيته وثبوته اختلفوا في أركانه وسننه وشروطه وآدابه إلخ، وهذه المظنونات لا ترجع بالنقض على القطعي المجمع عليه، فيقول قائل: إن الوضوء غير ثابت شرعًا بملاحظة هذه الخلافيات، وعليه فقِسْ واعتبر في سائر أبواب الفقه.

 

ولا شك أنه لو سلَّمنا لهم هذا المسلك، لانتفى الفقه كله، بل المعرفة جميعها، ولا نسلم!

 

بقي مسألة الاصطلاح، إن أريد أنها اختراعات فقهاء كمفاهيم ومضامين فلا نسلم، وإن أريد أن مفهوم الرِّدة حقيقة عرفية خاصة أخص من مفهومه اللغوي العام أو الوارد على لسان النبي عليه الصلاة والسلام، فنسلم ولا إشكال!

 

مطارحة الحجة السادسة: التجارِب التاريخية لمرتدين أسلموا:

لو سلمت هذه الحجة، لامتنع قتل أحد، حتى الكافر الحربي والباغي والصائل المعتدي والقاتل والجاسوس الخائن وغيرهم، فقد تاب بعضهم قبل التمكن منه[57]، بل قد لا يُقَرُّ الإضرارُ والعقاب على أي فعل مذموم؛ إذ قد يندم الفاعل ويتوب، فكيف يعاقب بالسنين المتطاولة على هفوات عابرة قد يقلع عنها؟ ولا شك في تهافُته.

 

على أننا نقول: إن المواقف تبنى على الأغلبي، وتكون تجريدية غالبًا، وعند التنزيل والتطبيق قد تعرض عوارض؛ كحظ وغيره.

 

مطارحة الحجة السابعة: ذم الإكراه وتفويض المشيئة:

عوَّل جمهور الرهط المعاصر على قوله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256] وما شابهه من آيات الإلجاء والإكراه، ولا مستند فيها؛ إذ هي مقررة لحقيقة تكوينية، حاصلها: أن القلوب والضمائر لا سلطان لأحد عليها، ولا يملِكُ تغييرها إلا باريها، ولما تقرر أن عقد الإيمان محله القلب؛ إذ الإيمان هو التصديق القلبي، والأعمال الجارحية الظاهرة مجرد أمارات عليه، وهي غير كافية ولا نافعة، ما لم تَنْبَنِ على الإيمان[58]، فأين وجه الدليل وقد سبق أن المنهي عنه المستوجب للعقاب الدنيوي الشرعي هو إعلان الرِّدة، وأما كتمان الرِّدة فمحل المجازاة عليه في الآخرة؟

 

وأما قوله تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 29]، فأدنى مميِّز يعلم أن في الآية تهديدًا، ولا يفهم منها وجهٌ صالح للحِجاج ها هنا، وهي كقوله تعالى: ﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ﴾ [فصلت: 40].

 

وجوابهم باختصار: أنْ لا مستند لكم في هذه الآية على مَدْعاكم البتة؛ فقد ذهب جملة أهل الإسلام - عدا الجبرية الخالصة المنقرضة، إن كان لها وجود أصلًا - إلى أن الأفعال الإنسانية منقسمة إلى قسمين: اضطرارية واختيارية، والكفر والرِّدة وسائر الجرائم والمعاصي والمنكَرات والقربات والطاعات من قَبيل الأفعال الاختيارية التي لا بد أن تقارنها الإرادة والقدرة الحادثتان، فمن قتل فقد قتل بمشيئته، وهو متحمل لنتائج ومعقبات حرية مشيئته، فكما لا يجوز له الاحتجاج بالجبر على جُرمه، فلا يحتج علينا بحرية مشيئته أيضًا، وليقتل جزاء ما قدمت يداه، وكذلك المرتد والكافر ابتداءً لهما حرية المشيئة في فعلهم الاختياري هذا، وليتحملوا نتائج فعلهم هذا على تفصيله في كتب الكلام والفقه.

 

وسائر استدلالاتهم "الشرعية" كتخصيص بعض العمومات[59] ودعوى التعزير إلخ: تحكُّمٌ ضعيف لا يعتبر[60].

 

ثانيًا: الرِّق:

ندعي فرضية - لا نملك عليها استدلالات قوية إلى الآن - حاصلها مبني على الفرضيات التالية:

1- الاسترقاق بشكل أساسي كان من آثار الحرب.

2- السيطرة على الجيوش الغازية أمر متعذر.

3- الجنس ضرورة بشرية تشتد الحاجة إليها في الحرب.

4- الاغتصاب لازم ضروري شائع في الحروب.

 

إذا سلم هذا، فقد يكون الاسترقاق أفضل للمرأة من اغتصابها[61] نفسيًّا واجتماعيًّا، وبالتالي حقوقيًّا[62].


واسترقاق الرجال عقوبة أهون من معسكرات الاعتقال الشاقة، والعمل بالسخرة، والسجن الطويل، وهي العقوبات الناتجة عن الحروب حتى وقتنا هذا.


مع الأخذ بالاعتبار:

1- تطبيق شروط الشرع فيما يخص المنظومة الحقوقية للرق، ومنها إمكانية التحرر بالمكاتبة ندبًا، والعتق وجوبًا في بعض الأحوال، وإمكانية تبادل الأسرى أو المن والفداء قبل الاسترقاق بحسب المصلحة لا وجوبًا.

 

2- النظر إلى أحوال الرق في العالم الإسلامي نظريًّا (بحسب قواعد الشرع المقررة فقهيًّا)، وعمليًّا (بحسب ما كانت عليه أحوالهم في الواقع؛ إذ مخالفة المكلَّفين لأوامر المولى محتملة) بقطع النظر عن أحوال الرقيق القاتمة الموحشة في العالم الغربي، والتي سادت بسبب قوة الإعلام والتعليم، فلا نسلم تماثل الحال بين الفريقين.

 

خاتمة:

المطارحة في برهان على بطلان حاكمية الإنسان، وكون إرادته مرجع الأحكام، وتعميم إشكال التسلط على طرفي النزاع:

لأن البعض يكثر من التدجيل عن العقل المقدس، وتسلط كهنة الأديان على البشر واستعبادهم لهم، ولأنه يزعم أن الدهرانية هي الحل الذي ينبغي أن نأخذ به تقليدًا لأحفاد القياصرة، نورد دليلًا[63] على ضعف هذا الإطلاق وزيفه، فنقول:

لا يخلو أن يكون الحاكم إما:

1- الله تعالى.

2- الإنسان (عقله / إرادته).

3- خلقًا آخر، فلنسقطه من اعتبارنا؛ لأن كل ما يرد في كلامنا عن الإنسان يرد عليه.

 

وهذا الحاكم لا يخلو إما أن يكون:

أ) مجرد تصور في الأذهان.

ب) متشخصًا في الأعيان.

 

والدهرانيون يقولون بأن المتدين متسلط باسم الرب المقدس، فتعين عند الدهراني حاكمية الإنسان ضرورة بطلان حاكمية الله تعالى[64]، وادعوا أنهم بذلك تجاوزوا آفات كثيرة؛ كالتسلط والتناكر بين البشر اللازم عن تقسيم البشر شيعًا وأحزابًا يتفاضل بعضها على بعض[65]، وغيره من المفاسد المتحققة بين البشر.

 

فنقول لهم: هذا الإنسان الحاكم المدعى لا يخلو إما أن يكون:

1- مفهومًا ذهنيًّا مجردًا، شأنه شأن سائر التجريدات الكلية.

2- موجودًا خارجيًّا جزئيًّا.

3- موجودًا خارجيًّا لكنه كلي[66].

 

وعلى أي التقادير، فكل ما تلزمون به الكاشف عن حكم الله تعالى[67]، فهو وارد عليكم بحذافيره؛ فإن هذا الوثن الذي سميتموه الإنسان وادعيتم حاكميته، لا يخلو عن الاحتمالات الثلاثة التي قلناها، فلو كان كليًّا - ذهنيًّا أو خارجيًّا - فلا بد لنا من كاشف عن مراده، وما ينفعه ويضره[68]؛ ليقتفي الأفراد في أعمالهم وأنظارهم ما يتوافق وهذه المنافع والمضار، والكاشف هو أولئك الدهرانيون "المجتهدون" الناطقون باسم الإنسان[69]، وعليه فالحاكم أفرادٌ "تسلطوا" على البشر بدعوى الناطقية باسم الإنسان، وأما لو كان مرادَهم بالإنسان أفرادُه الخارجيون، فالتسلط وسائر الآفات أشد وضوحًا؛ إذ من المعلوم ببدائه الحس أن الحكام المشرعين مالكي القوة أفرادٌ قليلة!

 

فالخلاصة أن الإنسان مفهوم كلي لا وجود له في الأعيان، وما يوجد في الأعيان إنما هو أفراده المتشخصة، فما يدعيه الدهرانيون الدنيويين من حاكمية الإنسان في مذاهبهم محضُ وهم أو كذب؛ ليتسلط طواغيتهم باسم الإنسان، تمامًا كما يدعون تسلط المتشرعين باسم الله تعالى، سواء أكان الحق تعالى مجرد تصور ذهني كما زعمه البعض، أم كان متعينًا في الخارج كما هو الحق، فما الحاكم إلا أفراد باسم الإنسان!


وبعبارة أوضح: صدَّع الدهرانيون رؤوسنا بدعاوى طويلة، منها: أن المتشرعين متسلطون باسم الله تعالى (سواء سلموا بوجوده أو نفَوْه)، فنقول لهم: وأنتم متسلطون باسم الإنسان؛ فالإنسان الذي هو مفهوم كلي ليس شيئًا متشخصًا ذا إرادة وعلم نعلم منه مراده وما يلائمه وما ينفعه، وما تحقق منه أفراد متكثرة متباينة في مذاهبها، فالحقيقة أنكم لو سلمنا لكم تسلط المتشرعين بالشرائع الإلهية باسم الله تعالى، فإنكم لستم أقل منهم تسلطًا، وأنتم إما إنكم تتوهمون حاكمية الإنسان إن لم تلتفوا لهذه النكتة، وإما إنكم تخادعوننا بشعارات براقة ليست أكثرَ مِن سراب بقيعة حسبناها ماءً، فلما أتيناها لم نجدها شيئًا!


والله تعالى أعلم وأحكم بالحق والصواب، وإليه المرجع والمآب.


ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين!


اللهم اجعلها كلمة باقية في الأعقاب، ونجِّنا بها يوم الحساب من العذاب، وصلِّ وسلِّم على الحبيب المبعوث بالكتاب، والآل والخلفاء وسائر الأصحاب!



[1] طارحه الكلام؛ أي: بادله وناظره وحاوره، والمطارحة نوع من أنواع المصارعة، يحاول فيها أحد الخصمين طرح مقابله من غير أن يلكمه أو يؤذيه، ولشيخ الإشراق السهروردي المقتول كتاب في الفلسفة بعنوان: المشارع والمطارحات، كما أن لميكافيللي كتابًا ترجم بعنوان: المطارحات. وقد أشكل البعض - ممن عرضتُ عليه المطارحة بغرض المشورة والتقويم، وعملًا بمقتضى التواصي بالحق - بإشكالات: الأول: التعالي والتكبر فيها، ومن صور التعالي: أ‌) استخدام ضمير الجمع بغرض التفخيم، وجوابه: 1 أنني استعملتها بملاحظة جمعية تقديرية في الكلام للقطع بوجود الموافق حاضرًا وغائبًا (الغائب ماضيًا ومستقبلًا). 2 تواضعًا أن يكون وجود الصواب في كلامي - إن وجد - حكرًا على فرد واحد يدعي استفادته واستنباطه من كلام جمع لولا كينونتهم ما كان، فهذان هما المصححان لهذا الاستعمال. 3 الشدة في تسفيه الخصوم، وجوابه أن: 1- شدة الوصف في بعض الكلام لا تعم؛ حيث إن الذاهبين إلى مثل هذه الأقوال لا يتساوون خلقًا وعقلًا وقصودًا، وإن عمت بعض المقدمات واللوازم. 2- بعض من كانت صورهم حاضرة في الذهن أثناء المطارحة تجاوزوا الأدب واللياقة؛ فكانت الشِّدة من باب المشاكلة جزاءً وفاقًا. ولو مرر الناقد الفاضل بصره على كامل المطارحة، لوجد فيها ما يرفع الغرور والتكبر بطلب التعاون، وطلب المشورة، والاحتمالية والفرضية حيث وجبا، مع تضييق القطع في الكلام إلى حدوده الدنيا، حيث يجب بتقديرنا، وغير ذلك، والله تعالى أعلم بنفوسنا. الثاني:التعقيد في الكلام، والأحرى التبسيط والتوضيح والسلاسة، وجوابه أن: أ‌) التعقيد اللفظي والمعنوي المحترز عنهما بعلمي النحو والبيان عملت على اجتنابه ما قدرت. ب‌) الوضوح والبساطة نسبية، تقدر بحسب المخاطب انشغالًا وبنية معرفية (حتى لو فاق من يوجه إليه الخطاب مخاطبه معرفة). ج) توخي التحقيق والتدقيق بحسب الطاقة والمبلغ من الفهم له فوائد وعلل كثيرة، منها: 1- فوائد تربوية مستفادة من قصة العبد الصالح مع سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام. 2- علل موضوعية؛ فإن ثقل الدلالات (الألفاظ) انعكاس لثقل المدلولات (المعاني)، فإذا أضيف إليه توخي الإيجاز، زادت الصعوبة على البعض. الثالث:أنني أسير بأطواق طرائق المتقدمين، مع تمني التحرر منها بعد السير عليها رَدَحًا من الزمن، وجوابه: أ) لا تمدح الطرائق ولا تذم لذاتها. ت‌) لا أحب أن تأسرنا بعض الطرائق العصرية، وبالأخص بعض الطرائق الأكاديمية والصحفية، مفضلًا عليها غيرها، مع عدم التقليل من شأنها وفوائدها، بل وجوبها أحيانًا مراعاة للعرف، وتوسيعًا لقاعدة الفهم. ث‌) لا بأس ببعض التنوع بدل القولبة والعولبة التي يذمها الناقد الفاضل. ج‌) لا نتكلف الكتابة بهذه الطريقة، بل هي سجية صقلت وقدرت ودبرت لغاية، لا تقليدًا ولا طلبًا لتفرد وشذوذ على سائد الأعراف. ح‌) أنني متأثر في بعضها بمعاصرين كان للناقد فضل التعريف بهم، فلم يخلُ الزمان. خ‌) في المطارحة إشارة في مفهوم التقليد والاجتهاد بمعناه العام ترفع الإشكال. الرابع: لا راهنية الموضوع، وجوابه منثور في مواضع متعددة، مع اعتبار أن تحديد الراهني اجتهادي إلى حد ما. نسأل الله تعالى أن ينزع سخيمة الصدور وغل القلوب بيننا وبين إخواننا والمسلمين، ويعصمنا من معاصي إبليس اللعين الكبر والحسد، ويفتح لنا المغاليق بفيض علمه ورحمته.
[2] رغم كثرتهم الكبيرة في هذا الزمان، فإنهم كرهط قوم سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
[3] الدنيوية والدهرانية مصطلحان استخدمهما الحكيم العارف طه عبدالرحمن بدلًا من مصطلح العلمانية المتداول، وهو أوفق في تصوير جوهر ملتهم، وأولى بالتداول، وقد أفادني بعض الفضلاء أن الأستاذ العقاد سمى العلمانيين بالدنيويين في كتابه: الإسلام في القرن العشرين.
[4] هنا مسألتان: 1- التقليد - في وهم الرهط المعاصر - يكون ملازمًا للقول المشهور، أو يكون بمحض موافقة الغير، سواء كان الغير قلة أو كان هو الجمهور، ويكون بموافقة أهل الملة ومخالفة غيرهم، والاجتهاد هو مجرد مخالفة الجمهور، والأخذ بالقول المرجوح المرذول وإبرازه من غياهب الكتب إلى منابر الجمع وصفحات الجرائد وتعليقات مواقع التواصل الاجتماعي، أو بموافقة أحفاد القياصرة، ولا شك أن هذه الأقوال محض أوهام متراكمة، ولكنها الآن منتشرة سائدة، ولو كان معيار الاجتهاد والتقليد القلة والكثرة، والخمول والشهرة، فنحن أولى بالاجتهاد؛ إذ من يقول بقولنا مقارنة بمن شاعت أقوالهم قلة قليلة، وكل من يريد دعوى الاجتهاد تمسك بمسائل معدودة، وأرغى فيها وأزبد على وفق "كليشهات" معدة مسبقة، والكلام ذو شجون وله بقايا، سنعقده في مقالة في بيان مفاهيم الخبر والمذهبية والمناظرة والاجتهاد والتجديد والتقليد والثقة موضحين لحقائقها بمقدمات مشتركة إن شاء الله تعالى. قال شيخ الإسلام مصطفى صبري التوقادي رحمه الله في كتابه: موقف البشر تحت سلطان القدر: "على أن أكثر ما رأينا من التجديد فإنما العامل فيه التقليد، وكم فرق بين التقليد والتجديد". 2- تركنا تسمية أشخاص بأعيانهم طلبًا للتعميم، وحسمًا لتحويل النزاع إلى دفاع عن شخوص وطلب لقصودهم، فقدرنا في هذه الحالة الإبهام أفضل من هذه الجهة.
[5] لو أنه قال: تطبيقها مشروط بتربية حقيقية وإنشاء ظروف موضوعية مقبولة ترفع الجهل والعذر، لكان خيرًا له وأقوم قيلًا، على ألا تكون حدود الشروط نفسها تعجيزية ملزومة لإبطال الأحكام الشرعية، وفي هذا السياق فإننا لا نفهم أيضًا دعوة بعضهم إلى تعليق الحدود الشرعية المعطلة المرفوضة من قبل النخب الحاكمة والملأ المتواطئ معهم وأدواتهم من الجند والسحرة، فالدعوة تحصيل لحاصل، ولكنها قد تكون تمهيدًا لأعظم من ذلك؛ فإن تطاول العهد مُورِث للنسيان والاستنكار حتى يصبح أحسن الناس حالًا على مثال المورسكيين، ومثال عمرو بن زيد بن نفيل الذي تحنف على ملة أبينا إبراهيم عليه السلام في الجاهلية لا يعرف شرعًا ولا يدري على أي الوجوه يعبد الله تعالى، وقصة نشوء عبادة الأصنام المروية عن سيدنا حبر الأمة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في صحيح البخاري - عن صنع التماثيل التي لم تعبد، حتى إذا هلك العارفون بعلة صنعها وخلف من بعدهم الأخلاف فعبدوها - نرمز بها اعتبارًا لكل فعل نظري يراد به إفقاد الإرادة على العمل بمقتضى التنزيل - وسيرة المهديين الذين أمرنا بالتأسي بأفعال أعيانهم أو إجماعهم - بعد أن فقدنا القدرة على جلها، فتفكر في هذه النكتة! خلاصة الأمر: أن كلامنا في هذه الحدود الشرعية لا لتعطشنا للدم والتعذيب كما يوهم البعض، ولكنها كيلا ننسى مذكرين مَن تنفعه الذكرى، ومن باب التمثيل على قواعد كلية حاكمة نظريًّا وعمليًّا هذا الزمان، وبيان ما ينافيها مدللًا مقترحًا مسالك أخرى.
[6] حدثنا عالم محقق من آل البيت الشريف من العراقيين أن أحد المغرورين المتعالمين من سفهاء "المجتهدين" زاره في بيته وأخبره أن الحج لا يجب على النساء، وبنص القرآن الكريم البين، وأن جميع الفقهاء والمفسرين جهلوا ذلك، فارتاع السيد وقال له: أين هذه الآية التي غفل عنها فقهاء أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأربعة عشر قرنا مجتهدهم ومقلدهم؟! فقال السفيه: قوله تعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27]، فقال له السيد: أي مشيًا على الأقدام وعلى كل حمار ضامر مثلك، ولنعم ما قاله السيد، جزاءً وفاقًا، وكم من ضامر هزيل نرى؟
[7] اعلم أن المباحثة والمنازعة معهم ليست فقهية، بل كلامية، وجلها في منهجية ومسالك كلية لا تعينات خاصة على الحقيقة، ومقصدنا في هذه المطارحة ليس إثبات الحدود والعقوبات الجنائية في الشرع - كما وهم البعض؛ فألزمنا بعضهم المصادرة على المطلوب، وأثنى عليها البعض مقتصرًا في نظره على الأمثلة التي جعلناها مجرد تطبيق وتوضيح - بل أعم من ذلك.
[8] قال تعالى: ﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [الكهف: 5].
[9] جملة كبيرة من مسائل النزاع قطعية؛ لاقتران إجماع أهل الملة عليها في القرون السابقة قبل نشوء المخالفين المستحدثين، والإجماع قد رفع ظنية بعضها إلى رتبة القطعي، ولكن لتحسس القوم من الإجماع وادعائهم التجديد وفتح آفاق النظر، فسنجيبهم إلى طلبهم!
[10] قال الإمام الشهرستاني - نور الله مرقده - في الملل والنحل: "وكنت برهة من الزمان أتفكر وأقول: من المعلوم الذي لا مرية فيه أن كل شبهة وقعت لبني آدم، فإنما وقعت من إضلال الشيطان الرجيم ووساوسه، ونشأت من شبهاته، وإذا كانت الشبهات محصورة في سبع، عادت كبار البدع والضلالات إلى سبع، ولا يجوز أن تعدو شبهات فرق الزيغ والكفر والضلال هذه الشبهات، وإن اختلفت العبارات وتباينت الطرق فإنها بالنسبة إلى أنواع الضلالات كالبذور، وترجع جملتها إلى إنكار الأمر بعد الاعتراف بالحق، وإلى الجنوح إلى الهوى في مقابلة النص... وكما قررنا أن الشبهات التي وقعت في آخر الزمان هي بعينها تلك الشبهات التي وقعت في أول الزمان كذلك يمكن أن نقرر في زمان كل نبيٍّ ودور صاحب كل ملة وشريعة: أن شبهات أمته في آخر زمانه ناشئة من شبهات خصمائه أول زمانه من الكفار والملحدين، وأكثرها من المنافقين، وإن خفي علينا ذلك في الأمم السالفة لتمادي الزمان، فلم يخفَ في هذه الأمة أن شبهاتها نشأت كلها من شبهات منافقي زمن النبي عليه الصلاة والسلام؛ إذ لم يرضَوْا بحكمه فيما كان يأمر وينهى، وشرعوا فيما لا مسرح للفكر فيه ولا مسرى، وسألوا عما منعوا من الخوض فيه والسؤال عنه، وجادلوا بالباطل فيما لا يجوز الجدال فيه"، وكلامه مما يجدر التأمل فيه.
[11] نعني علم الكلام، وهو بعينه الفلسفة، لكن على قانون الإسلام، والكلام والفقه قطبا رحى الملة الخاتمة، وفي فلكهما تدور سائر علوم المسلمين، ونظرتهم العلمية والعملية للوجود عامة والإنساني خاصة، وقد وصفهما الإمام السرهندي - قدس سره - بجناحي الطائر، ولربما كانا كذلك يطير بهما المكلف للنجاة من النار فوق الصراط، والله تعالى أعلم. ومرادنا هنا يعم العلم من حيث المناهج والمسائل المراد إثباتها والنتائج، فلا يرد علينا إنكار بعض العلماء لعلم الكلام؛ حيث إنهم أنكروا بعض المسالك والأساليب، ولم ينكروا المسائل العظمى التي أثبتت بالكلام من إلهيات ونبوات ومعاد.
[12] قال تعالى: ﴿ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾ [الأعراف: 29]، فأخذنا منها إشارة، أو اقتبسنا محض العبارة.
[13] قال العلامة الدسوقي - رحمه الله تعالى - في حاشية أم البراهين عند قول الشارح: (ويجب على كل مكلف شرعًا): "وعبر بالمضارع الدال على الاستمرار التجددي دون الماضي إشارة إلى أن هذا الوجوب يتجدد بتجدد أفراد المكلفين"؛ انتهى، وفي كلامنا أعلاه فإن المعاصرين يسخرون من المتقدمين لا اللاحقين، ولكننا نرى أن ما كان صحيحًا وثابتًا شرعًا أو عقلًا، فهو كذلك تقدم الزمان أو تأخر، والمعاصر لما سَخِر من الفكر، فسواء كان حامل هذا الفكر متقدمًا أو معاصرًا أو لاحقًا، فهو محل سخريتهم، و"نحن" (ونعني بها حاملي الفكر الذي سخروا منه) منهم ساخرون، فإذا قدر الله تعالى تداول الأيام، فسوف يعلمون لمن تكون عاقبة الدار في الدنيا ودار القرار! وفي إشارتنا إلى تداول الأيام إشارة أخرى إلى خضوعهم للقوة المتمثلة في أحفاد قوم قيصر، وانبخاعهم بهم؛ فعقولهم ونفوسهم مستلبة أسيرة لا حرة، كما يزعمون، ولكننا لا نحب إنشاء حجاج يتمحور حول هذا الأمر، محاولين التجرد بقدر الطاقة، معتبرين فكر خصمنا حرًّا مستحقًّا للنظر، وإن لم يطابق الاعتبار الواقع، على ما سنبينه في المقالة التي وعدنا بها.
[14] مرادنا مجرد التمثيل هنا على المسلك المختار في أمثال هذه المباحث التي بلينا بها في هذا الزمان كما قدمنا.
[15] هذه المقدمات مشتهرة المعنى في كتب الكلام والأصول، مأخوذة من عدة مسائل مذكورة فيهما.
[16] هنا مسألتان: 1 - الأحكام الوضعية البشرية يمكن القول: إنها من الأحكام العادية، باعتبار الأحكام العادية شاملة للوضع الكوني والوضع الإنساني، ويمكن القول: إن الشرع قد تعلَّق بالأحكام الوضعية الإنسانية باعتبارها من متعلَّقات حكمين تكليفيَّن، هما الإباحة والحرمة، 2 - يمكن القول: إن الأحكام مطلقًا إما عقلية وإما جعلية، والجعلية إما شرعية وإما عادية، والتفصيل موكول إلى محله.
[17] بالعقل النظري والعملي، على القول بتلك القسمة.
[18] لا غيره تبارك وتعالى، والمجتهد كاشف عن حكم الله - تقدس وتنزه - ومُظهِر له، لا واضع له، كما يزعم بعض من لا يؤمن بالوحي؛ فالواضع لها هو الحق تعالى وحده، أنزلها في كتبه، وأظهرها على ألسنة رسله.
[19] هذه المطابقة مردها إلى الخبرة الإنسانية المتطاولة، ولبقايا الشرائع الإلهية المندرسة؛ إذ ما من أمة إلا أرسل إليها رسول بلسانها، ولكن قد تقرر في محله أن الشرع لو لم يؤخذ بقيد كونه شرعًا؛ أي بملاحظة المعتقد العامل كونه منزلًا من الحكيم المتعال، ولم يقصد به الامتثال - فلا ينتفع به المكلف في الدار الباقية التي هي محل السعادة العظمى، وإن أفاده في الدار الفانية، وفتح له من الآفاق المتسعة التي تضيق عنها جل العقول الكاسدة. تنبيه: بعض المسالك الدهرانية أخذ الشرائع والعقائد الدينية المنزلة، ثم عمَّى عن مصدرها، وصاغها صياغة إنسانية المنشأ، وهذا المسلك من مصاديق عقلنة الدين عندهم، ولهم فيه مسالك ومآرب أخرى، مثل: مسلك التفريغ وغيره. تنبيه ثانٍ: يقال بأن بعض القوانين الفرنسية ذات منشأ فقهي مالكي، والله تعالى أعلم.
[20] المقدمة الثانية لازمة عن المقدمة الأولى، وبعضها متضمن فيها وفي تعليقاتها، ونذكرها زيادة في الكشف والإيضاح، بل مَن فقه المقدمة الأولى، اكتفى بها وفَهِمَ مستنبطًا ما تلاها.
[21] كل ما ورد في الشرع جائز عقلًا بالمعنى الأعم، القليل منه واجب عقلًا، والأكثر ممكن عقلًا، وكل ما هو جائز بالمعنى الأعم غير محال.
[22] لا التوافق والتواضع الإنساني، كما زعم بعض الدهرانيين، ولا العقلي بمعنى ثبوت هذه الأحكام في نفس الأمر على وجه الحكمة والعدل والرحمة قصرًا كما زعم بعضهم؛ فالحكمة والعدل والرحمة تابعة لأفعال وأحكام مَن له مطلق المالكية والأمر.
[23] حاصلها: أن العالم الفاعل المختار الصانع للكون المنظور والمنزل للكتاب المسطور واحد، فلا يتعارضان، بل يتكاملان، ويكشف كل منهما عن عين ما يكشفه الآخر، أو يلازمه غالبًا، والعقل الذي وهبه منة وتفضلًا آلة لإدراك كليهما، فمن نظر في أحدهما فتح له باب فهم الآخر، إن وفق وتأيد وأعين، أو استدرج.
[24] وبهذا الاعتبار فكل شرعي عقلي، وكل عقلي شرعي، فلو قلنا: انتفى أو ثبت عقلًا، لكفى.
[25] ما يقوله بعض الأكابر من أهل السنة عن طور وراء طور العقل: لا ينافي كلامنا هنا؛ فالجهة غير الجهة، وأما ما يقوله الوجودية فهو الوهم عندنا.
[26] هذا التصديق عندنا تصديق منطقي، أو يلازمه، فليس محض تسليم واختيار يتنافى مع العقل، أو لا يمكن البرهنة عليه بالعقل، كما شاع بين البعض، وعليه بنيت فروع مشكلة كثيرة أساسها هذا الزعم الباطل عندنا.
[27] قال الإمام سعد الدين - لا زالت سحائب الرحمة على قبره تتوالى - في شرح المقاصد: "ما سبق هو العمدة في إثبات النبوة، وإلزام الحجة على المجادل والمعاند، وقد يُذكر وجوهٌ أخرى تقوية له وتتميمًا، وإرشادًا لطالب الحق وتعليمًا... الثاني: أن من نظر فيما اشتملت عليه شريعته مما يتعلق بالاعتقادات، والعبادات، والمعاملات والسياسات، والآداب، وعلم ما فيها من دقائق الحكمة - علم قطعًا أنها ليست إلا وضعًا إلهيًّا، ووحيًا سماويًّا، والمبعوث بها ليس إلا نبيًّا".
[28] هذا المسلك يحتاج لبحث منفصل لتوضيحه، ولكن نعيد ما سبق الإشارة إليه بكون المنازعة مع هؤلاء الرهط كلامية لا فقهية، ونجمل فنقول: إن مقصدنا ليس إثباتها ولا تعليلها التعليلات الفقهية المشهورة ولا تسويغها، بل إثبات كونها عقلية في أكمل أطوار العقلية، كمال يكافئ في أدنى الرتب الأحكام الوضعية الإنسانية المستحدثة، بل يفوقها بمزايا كثيرة، وحاصل الأمر أن منكري النبوات والوحي قديمًا وحديثًا أشكلوا على النبوة أنها إذا أتت بما يدركه العقل ويستقل بمعرفته فعبث، وإن أتت بالمحال فغير مقبول، ونقول: إنها أتت بالممكن الذي لا يستقل العقل بمعرفته أو إدراك الأصلح من مقابلاته، ولكنه لو تأمله العقل قبله وصدقه وفهمه. ولنا في هذا المسلك أن نستعمل العرف المشهور، ونقدر حالة المخاطب وبنيته المعرفية، وندخل معه في نسقه أو ندعوه إلى نسقنا.
[29] لِمَن إذا ذُكِر الله تعالى ورسله اشمأزت قلوبهم، وهذا المسلك أحد أعمدة علم الكلام ووسائله، (وهو غير مسلك التعمية الدهراني، وإن شابهه صورة)، وما يتوهمه البعض بخصوص هذه المسالك النقدية والتقويمية وكونها جدالية خطابية غير علمية مبنية على محض الاعتقاد، وأنها لا ترقى لإنتاج المعرفة، وأنها مجرد أدوات دفاعية تحصينية، بل خداعية تضليلية إلخ من الدعاوى الرائج سوقها - أوهام يطلب تقويمها في موضع آخر.
[30] نظن أن الدعوات المستحدثة المخالفة للشرع استئناف لذلك الطور، وباطنية مستترة بدعوى العلم.
[31] ندعو لبحث هذه المسائل باستعمال العلوم التي اصطلح عليها بالعلوم "الإنسانية" (مثل علم النفس، والاجتماع، والأناسة "إنثروبولوجيا" ... إلخ) انطلاقًا مما ثبت كلامًا وفقهًا عندنا، ولا تهولنا دعاوى التحيز والموضوعية والعلمية وأساطير النهايات والمابعديات وغيرها، مع اعتبار أنا لا نسلِّم بكل ما فيها ولا نستخف، وأنها منطوية على نظرات وجودية غير مسلمة عندنا، وأن منشأ مخالفتنا لهم في هذه النظرات الأصول والفروع المبنية عليها ليس مرجعه تغاير العقول كتغاير الألسنة والقبائل، بل كوننا نعتبر أنظارهم التي أنتجت ما نخالفه خارجة عن طور العقل، وأن الشرعي أعم مما ورد، فمعيار الموافقة عدم التنافي كما أشرنا، وإنا إن شاء الله لمهتدون.
[32] كانت جل النزاعات السابقة مع المخالفين في فلسفة المعرفة والوجود، أما الفلسفة العملية - ومنها أحكام الشرائع - فكان النزاع فيها أقل، وخصوصًا من الفلاسفة المشائين والإشراقيين، والتفصيل والتعليل موكول إلى محل قريب؛ لضيق المقام، ولكنا وضعنا إشارة لعلته في الحاشية 42.
[33] قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى في مناظرات ما وراء النهر: "إنك تنسب الناس إلى الميل إلى أعداء الدين، ولا تعرف أن إبطال شبهات الملحدين بالأجوبة الخسيسة الضعيفة سعيٌ في تقوية شبهاتهم"، وهي قاعدة مفيدة في البحث والمناظرة، غير أنها مقيدة؛ فقد نذكر الوجه الضعيف وليس الأقوى إن ضعف وجه الخصم - والمسترشد - أو ضعف عقله عن الجواب العالي؛ فكلام الإمام ليس على إطلاقه.
[34] إثباتها ليس في مقدورنا الآن؛ لضعف البضاعة في العلوم المصطلح عليها "بالإنسانية"، فلعل مَن له اطلاع ممن عاصرنا أو يلحقنا أن يتفضل بتأكيدها أو نفيها.
[35] ذكروا حججًا كثيرة عقلية ونقلية، حتى وضع بعضهم عليها ثلاثين ملاحظة لعلها من أجمعها، لم نر ما يستحق النظر فيها غير أول حجتين، وهما عقليتان، والباقي تبرعنا بذكره، وقولنا: عقلية وحجج فيه تجوُّز وتسمح كبير، وإلا فهي وهمية شعرية وسفسطية مهيجة للنفوس والمشاعر، ولكن صنيعنا من ضرورات المناظرة، ومقتضى قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ: 24].
[36] نظن أنها حقوق الإنسان الأوربي الأمريكي خصوصًا، وحروق لغيره من البشر، ثم ربما لو تجاوزنا الظواهر لوجدناها حقوق الملأ الأعلى منهم من ذوي الثروة، وعلى أي الأحوال فنحن على هوامش هذه الحقوق.
[37] مثل الدكتور مصطفى محمود والدكتور عبدالوهاب المسيري رحمهم الله تعالى.
[38] ليس في هذا المقام مصادرة على المطلوب كما يتوهم البعض؛ فإن المصادرة على المطلوب وضع الدعوى المطلوب إثباتها مقدمة من مقدمات الدليل الملزوم للنتيجة التي هي عين الدعوى، وليس مرادنا هنا البرهنة على كون التوحيد هو أعظم الحقوق والواجبات عند المسلمين لكي تكون الدعوى عين الدليل.
[39] الجهاد وحدُّ الردة مجرد أمثلة فقط؛ فالنظرة الوجودية عندنا مختلفة، والحرية والاختيار وسائل إلى حد كبير، لا غايات بحد ذاتها، والإرادة الإنسانية تتجلى أهميتها عندهم كونها مستند بناء الأحكام؛ فالأحكام عندهم نابعة من الإنسان، وهو مرجعها، لا خارجة عنه من متعال فوقه، وهذا الكلام غير مسلَّم، ولنا عليه دليل، فانظره في خاتمة عقدناها لنقد هذه الدعوى. قال تعالى: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33].
[40] انظر مثلًا حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
[41] القاعدة الفكرية السيالة، والجواب والمشكل السيال عبارة عن قواعد وأجوبة وأسئلة صالحة صورها بعد التجريد عن بعض خصوص مادياتها للتطبيق في موارد كثيرة، وأقرب مثال معروف يمكن تقريب هذا المفهوم له هو علم القواعد الفقهية بالنسبة إلى علم الفقه وعلم أصول الفقه، فهذه السيالات لا هي من خصوصيات علم معين، ولا هي من القوانين المنطقية المعروفة، وقد ذكرنا في المطارحة عدة سيالات، مثل: التفرقة بين غياب القدرة وتغييب الإرادة في الحاشية الخامسة. وهذه السيالات جديرة أن تدون في علم منفرد، حتى وإن تعذر استقراؤها، وهذا اجتهاد وتجديد نافع، والله تعالى الهادي إلى سبيل الرشاد.
[42] والأديان كلها كافية - بدرجة متقاربة - في تلبية هذه الحاجات النفسية والاجتماعية عند القائلين بذلك. واعلم أن للدهرانية عمومًا مسلكين في النظر إلى الأديان، الأول: الحكم ببطلانها ونفيها بالكلية مع محاولة اجتثاثها سلمًا أو حربًا، والثاني: التسليم بعدم إمكان اجتثاثها وتجاوز سؤال حقيتها وبطلانها، وجعلها ظاهرة للفهم، لوجودها ضرورة في حياة الإنسان، فيدرس علاقاتها بسائر الفروع المعرفية وأثرها على الإنسان وعلاقاته بغيره وكيفية نشأتها وتطورها، وربما محاولة استثمار آثار الدين في سياسات معينة إلخ ما يتعلق بهذا المقام، وهذا المسلك هو الأقرب للطريقة الفلسفية عند المتقدمين، وهو إحدى علل عدم نزاعهم في الأحكام الشرعية العملية في التاريخ الإسلامي.
[43] قال عدونا وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد مرة لامِزًا في الإسلام والجهاد: "إنه لا يفهم إلهًا يطلب من الناس أن تقتل دفاعًا عنه"، ولكنه يفهم القتل والقتال في سبيل مجرد الشهوات وعبودية الذات؛ فهي إلههم الذي اتخذوه، والله تعالى الغني ونحن الفقراء.
[44] قد يصل الذم العرفي - في القانون الوضعي أو الاجتماعي - أيضًا إلى حد العقوبة، وقد تصل العقوبة إلى حد القتل.
[45] وبعضهم تمادى فلم يعتبر نظريات الأديان مناط الجزاء الأخروي أيضًا، قاصرًا له على العمل الصالح، وقد مر أنه لا ينتفع به، ولا يتحقق وصف صلاحه دون قيد الامتثال، بل التسليم بنظريات الدين المنزل الخاتم من جملة العمل الصالح أيضًا، وقد أخلُّوا به.
[46] ويسمي البعض هذه الردة بالردة المغلظة، وفاعلها يقتل فور التمكن منه بلا استتابة عند البعض بخلاف المجردة.
[47] مثال المورسكيين في الأندلس مفيد هنا؛ إذ المسلمون لم يقدروا على الحفاظ على الإسلام المستتر تحت قناع النصرانية لأجيال طويلة، بل نسي تمامًا، وبقيت لهم عادات لا يعرفون أصلها الإسلامي، بل ربما اختلطت بالنصرانية وأصبحت من شعائرها، ولا ريب أن في مثال المورسكيين عِبَرًا عديدة لمن تأمل، وقد نبه البعض أن أجيال المسلمين في بلاد الكفر ستصير مآلًا إلى قطع روابطها بالإسلام، ولكن قد يعترض البعض على مثالنا مستشهدًا بالمسلمين في دول الشيوعية البائدة، وبالشعوبية المجوسية والمانوية في صدر الدولة العباسية؛ إذ أظهروا الإسلام واعتقدوا كفرًا كامنًا امتد لأجيال طويلة، ويلوح بالبال أجوبة عسى أن تكون قريبة.
[48] قسم العلامة العارف بديع الزمان سعيد النورسي - قدس سره - حياته إلى فترتين، سعيد القديم، وسعيد الجديد.
[49] إذا تجاوزنا العدوان اللفظي الكبير، وإهانة الأمة الصادرة منهم، فإن بعضهم يصرِّح ويصرُخ مطالبًا بإبادة المسلمين وإفناء الإسلام في كل فرصة سانحة. ولا أدري أي عقل هذا الذي يطالب بالسماح للمرتد بممارسة حريته التامة وعدم الحجر والتضييق ليتقيأ سخافته على كل منبر متاح، وفي كل فرصة مناسبة، ثم نجد من حمقى "الإنسانيين" مِن ضعفاء العقول مَن يهاجمون مَن يهاجمه، ويطالب بالتخلق في الرد على أفكارهم، والمضحك أنهم - أي هؤلاء الإنسانيين - في الوقت ذاته يطالبون بإفناء الخوارج الدواعش، ومعاقبتهم، حتى لو كان الداعشي (بالقوة لا بالفعل) مؤيد لفظًا، لا مشارك حربًا، وكأن حياتنا وأرضنا أصبحت أعز علينا وأعظم في عقولنا وقلوبنا من مكانة ربنا ورسولنا ودِيننا. قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]. نعيد ونقول: إشكالنا مع المرتد هو في الإعلان، وإعلان الكفر شبيهٌ بالتحريض على الحرب، شبيه بالتحريض على القتل، فاعلها مُعْتَدٍ.
[50] لو اعتبرنا في جحيمنا العربي - بحسب الحال - الذي كان من الممكن أن يكون ربيعًا - نرجوه في المآل - بهذا الموقف الصِّدِّيقي الفاروقي، لربما فوَّتنا على الثورة المضادة مكرًا وكيدًا كثيرًا، والله غالب على أمره.
[51] نصت دساتير بعض الدول العربية - دستور الجمهورية العربية السورية 1973 أنموذجًا - على أن كبار الموكلين المفوضين غير مسؤولين عن أفعالهم وأقوالهم، ولا يمكن فهم عدم مسؤولية من يفترض كونه مسؤولًا - في القانون الشرعي والوضعي البشري على حد سواء - إلا بأحد احتمالين: 1- كونهم مجانين، فيكونون فاقدين للتكليف والأهلية، وبالتالي المحاسبة والشرعية! 2- كونهم آلهة، والإله هو المالك المطلق الذي لا يسأل عما يفعل؛ إذ ليس فوقه آمرٌ ولا ناهٍ، ولا مانع ولا معقب، فيكون رعيتهم عبيدًا حقيقة لا مجازًا فقط (والحال أنهم يتعاملون كذلك)، ويلزم التعدد والشرك، وتنتفي الوحدانية! لا أدري إن كان هذا "بالكفر البواح" الذي عندنا فيه من الله تعالى برهان وسلطان، ولكن بعد الذي رأينا فحتى لو قال: أنا ربكم الأعلى، لتداعى السَّحرة المحرفون المخرفون "للقوَّاد المؤمن" الذي ترقى في مراتب الإيمان حتى دخل في وحدة الشهود، بل وحدة الوجود، فكان هو الحق، والحق هو! فإذا أضفنا لهذا البند الدستوري بندًا آخر ينص على إسلامية الدولة، تأكَّد جرمهم بوضعهم أنفسهم في مرتبة متعالية على الشرع المطهر. للعلامة علي القاري كتاب أسماه: (فر العون ممن يدعي إيمان فرعون)، وفي عنوان كتابه إشارة، بل إشارات! وها هنا ملاحظتان: 1- التنصيص على عدم المسؤولية مع التحكم المطلق في سائر الشؤون أكثر فجورًا من تنصيص دساتير الغرب وأعرافهم على عصمة وعدم مسؤولية ملوكهم الذين لا يحكمون. 2- هؤلاء الموكلون المفوضون ليسوا قادة، بل "قوادون" فعلًا - لا مجرد خطابة وتشنيع - بسمسرتهم على أرزاقنا وأعراضنا وأذواقنا، وتمكين المستخرب الأكبر في الغرب والشرق منا بقوته الخشنة؛ كالعسكر حينًا، والناعمة؛ كالشركات العملاقة والإعلام حينًا آخر. وإن لهم موعدًا لن يُخْلَفوه، فإذا مكَّن الله تعالى أهل الملة منهم، فلا تأخذهم بهم الرأفة في دين الله؛ فجُرمهم أعظم من القذف والزنا، وليستحضر قول أمير المرابطين يوسف بن تاشفين - رضي الله عنه - لما روجع في أمر المعتمد بن عباد: "يقولون: لنرحم الرجل؛ فقد كبر سنه، وذهبت دولته، ولم يعد يملِك من الأمر شيئًا، وما سلَّم حتى قَتل منا نفرًا كثيرًا، وقد لقينا منه ما لم نلقَ من الروميِّ وجيشه، فما بالكم تذكرون آخر الأمر ولا تذكرون أوَّله، وتذكرون العاقبة وتنسون الأسباب، يتشفَّعون لي فيه ويقولون: ارحموا عزيز قوم ذل، وما ذل حتى أذل، وإنما إذلاله إذلال رجل واحد، وكان ذله ذل أمة بأكملها"، والله تعالى وارث الأرض ومَن عليها.
[52] نسأل الحق تعالى قادسية ثانية تذهب عن فارسَ وساوسَ الشيطان.
[53] نلجأ إلى مثال الدولة الحديثة لقربها من الأفهام فقط لشيوعها.
[54] وبإطلاقها كتمانًا أو إعلانًا خرقٌ للعهد والميثاق بين العبد ومولاه.
[55] المصائب الفقهية الأربعة المزعومة في أول المقال، وهي: رجم الزاني، وقتل المرتد، وفقه أهل الذمة، وفقه الرِّق.
[56] عدا ما تفرد به البعض، مثل: بعض أبواب الفقه الشيعي.
[57] والتجارِب التاريخية لأمثالهم أكثر بأدنى تأمل.
[58] وكثرة خرقها بترك مأمورها وارتكاب منهيها قد يضعف الإيمان، وقد يؤدي إلى نزعه بالكلية؛ فهي ليست هينة، ولا مما يُستخَف بها، كما يورد البعض على المذهب المختار.
[59] التخصيص له ضوابط، ولا بد له من مستند من نص أو إجماع أو قياس أو حس أو عقل، ولا يجوز أن يكون فيه خرق لإجماع؛ فمن شروط الاجتهاد: ألا ينافي إجماعًا.
[60] التكميل وإبداع ما يوافق المقرر ممدوح مطلقًا؛ ففوق كل ذي علم عليمٌ، ولم نؤتَ منه إلا قليلًا، وكم ترك الأولون للآخرين، وأما خرقه وتجهيل الأمة وتبديعها - عدا النوابت المستحدثة وأشباهها في القرون الخالية - فغير مقبول عندنا عقلًا. يقول الفيلسوف المغربي حمو النقاري: "لقد استقرت في المجال الأصولي الإسلامي - العربي إقامة تقابل بين "الاجتهاد" و"التقليد"، ونحن نرى أن "الاجتهاد" عند الأصوليين "تجديد"، بل هو "التجديد المشروع"؛ إذ ما كل تجديد يكون تجديدًا نافعًا، إن التعريف الأصولي للاجتهاد تعريف للاجتهاد وكأنه سعي نظري وفكري في مجال الأحكام الشرعية؛ إنه تعريف يُحيل مباشرة إلى مفاهيم "السعي" و"الطَّرْق والنَّهْج" مثله في ذلك مثل تعريف التجديد، وعلى [تعريف الغزالي للاجتهاد في المستصفى] نرى أن ما كتب في الأصول عن "الاجتهاد" وعن مقابله "التقليد" يمكن أن يكون مادة علمية مفيدة ونافعة في درس "التجديد في العلم" بصفة عامة، وذلك من خلال التركيز على أمور ثلاثة: ١ - أمر محلات الاجتهاد والتجديد؛ فما كل الأمور يُجْتَهَدُ فيها ويُجَدَّدُ. ٢ - أمر الأهلية للاجتهاد والتجديد؛ فما كل ناظر بأهل لأن يكون مجتهدًا ومُجَدِّدًا. ٣ - أمر صور الاجتهاد والتجديد التي تكون ترجيحية وتغليبية؛ فليس من شرط قبول الحكم المجتهد فيه أن يتم الانتقال إليه بوجه قطعي وضروري".
[61] اغتَصَبَت القوات اليابانية في إحدى مدن الصين تسعة آلاف امرأة، حتى كانت المرأة الواحدة يتعاقب عليها عدة رجال، ولست خبيرًا بمدى انتشار ظاهرة الاغتصاب في الحروب؛ فلا بد من دراسة إحصائية لذلك، ودراسة نفسية مقارنة بين المرأة المغتصبة والجارية.
[62] كان خمسة وثلاثون خليفة عباسيًّا عراقيًّا من أصل سبعة وثلاثين من أبناء الجواري مثالًا، وعليه فقِسْ مَن هو دونهم وغيرهم من ملوك ووزراء وخاصة وعامة، والمثال قادح لحدوس قوية نعجز عن التعبير عنها الآن.
[63] كتبتها في مناسبة سابقة، ونظن لها فائدة هنا.
[64] للدهرانيين مذاهب في هذا الباب: 1) فمنهم مَن ينفي تعين الحق تعالى خارجًا. 2) ومنهم من ينفي عنه اتصاله (لا أقصد الاتصال والانفصال الحسيين اللازمين عن الجسمية، بل الاتصال المعنوي بالعلم والتدبير؛ فالحق تعالى عند بعضهم غاب عن العالم، وغاب عنه العالم؛ فهو - سبحانه - غافل عن العالم، مُلْتَهٍ بعز جماله، كما الدهراني غافل عنه تعالى بشهواته، مكتفٍ بلذاته)؛ لعدم كونه موصوفًا بصفات الكمال الواجبة له؛ من العلم والقدرة والإرادة. 3) ومنهم من يقول بعجزنا عن فهم مراده؛ لأنه أ) مطلق وغيب إلخ، أو ب) لتنزيهه عن الشر.... إلخ من آرائهم في هذا المبحث الأسنى.
[65] نحن نصور مذهب الدهرانيين على أبهى الصور الممكنة، وإلا فإن منهم من صرح نظريًّا لا عمليًّا فقط، بتفاضل البشر تفاضُلًا مؤذِنًا بحق الفاضل بانتهاك المفضول؛ لدونية القرد الذي تطور منه المفضول مقارنة بالقرد الفاضل!
[66] مع ما في العبارة من تناقض، ولكن لنفرضهم قائلين بما يشبه مثل أفلاطون مثلًا.
[67] ضرورة أننا نقول: إن الحاكم وإن كان على الحقيقة هو الله تعالى، ولكن بحسب نظام التكوين فإن هناك حاكمًا مجازيًّا هو النبي المعصوم، وآخر هو العالم الكاشف لنا عن مراد الحاكم الحقيقي - تقدس وتنزه - والمجازي الذي هو النبي المعصوم - عليه الصلاة والسلام - بحسب وسائل النظر المعتبرة، وبحسب الوُسْع والطاقة؛ إذ الخطاب وإن تعلق بكل المكلفين، ولكن لم يخاطب به كل واحد واحد على حدة، ونعني هنا خطاب التكليف بالكشف؛ إذ الكشف عن الأحكام من فروض الكفاية، وأما وجوب العمل فعلى تفصيله في كتب الفقه، ولا يخفى أن الضروريات خارجة عن محل الكلام؛ إذ الكشف المراد هنا مخصوص بالنظريات، كما تقرر في بعض كتب الأصول.
[68] بوصفه الصورة المثلى الذي نتأسى بأخلاقه وتصوراته وأعماله، وقد رأينا من يقول بهذا الوهم، مقتبسًا إياه من التصور الأرسطي لعلاقة المعلولات بالعلة الأولى، أو من الفلسفة الأفلاطونية في المثل!
[69] الذين يكونون - على وَفْق هذه النظرة - حاكمين على الحقيقة. قال العلامة ابن الأمير في حاشية شرح الجوهرة عند تعريف الشارح الدين بقوله: (وضع إلهي):" خرج الوضع البشري؛ كالكتب التي كان الحكماء يؤلفونها في سياسة الرعية وإصلاح المدن فيحكم بها ملوك من لا شرع لهم؛ فإنه وإن كان الخالق لكل الأفعال هو الله تعالى، إلا أن للبشر في هذه تكسبًا، فإن قلت حينئذ: أحكام الفقه الاجتهادية ليست من الدين، إنما منه ما ورد نصًّا لا خلاف فيه، قلت: هي من الدين قطعًا، وهي موضوع إلهي، غاية الأمر أنه مخفي علينا، والمجتهد يعاني إظهارها والاستدلال عليها بقواعد الشرع، ولا مدخل له في وضعها"؛ انتهى، فهذا الحال قديم لم يتغير، فواضعو القواعد الكلية في الدول الحديثة (ديمقراطيات وديكتاتوريات) حتى اليوم أفراد معدودة من فلاسفة وغيرهم، والله تعالى أعلم.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مكانة السنة في بيان الأحكام الإسلامية
  • أحكام الإسلام يسيجها النقل الصحيح ويسددها العقل الصريح

مختارات من الشبكة

  • إشكالات مقرر الثقافة الإسلامية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إشكالات في ترجمة دلالات الأصوات المشاكلة للمعنى في القرآن الكريم (دراسة نقدية تحليلية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بعض إشكالات الدرس الصرفي في الكتاب المدرسي (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إشكالات فقهية حول الصلاة على الكرسي (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • أخبار الكهان والمنجمين إشكالات وأجوبتها(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • مخطوطة إغاثة المستغيث في حل بعض إشكالات الأحاديث(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • إشكالات في كتاب اللغات في القرآن(استشارة - الاستشارات)
  • إشكالات في العزو لتفسير الطبري الذي حققه آل شاكر(استشارة - الاستشارات)
  • المعضلة الإنسانية .. إحدى إشكالات النظرة الإلحادية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من إشكالات وحدة الأديان(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب