• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

هل كان فرويد يهوديا أو ملحدا؟

هل كان فرويد يهوديا أو ملحدا؟
عبدالقادر عقاب


تاريخ الإضافة: 2/12/2014 ميلادي - 9/2/1436 هجري

الزيارات: 37012

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هل كان فرويد يهوديًّا أو ملحدًا؟


يقول فرويد عن نفسه: "وُلدتُ من والدين يهوديين، وبقيتُ أنا كذلك" [1].

 

ويقول أيضًا: "لستُ متأكِّدًا من صحَّة نظرتِك إلى التحليل النفسي بوصفه نتاجًا مباشرًا للعقل اليهودي، ولكن إن كان كذلك، فلن أشعر بالخجل، فعلى الرغم من أنني اغتربتُ عن دين أسلافي لزمن طويل، فإنني لم أفقد تضامني مع شعبي" [2]، ويقول أيضًا: "اعتقد رانك[3] (Rank) أن اليهود وحدهم قادرون على إيجاد حل جِذْري للاضطراب العصبي، وشعر أن اليهود بالعاطفة السامية التي يحملونها بوصفهم مضطهدين، ينبغي أن يقودوا الطريق إلى تحقيق العدالة البشرية كلها... "[4]

 

وكان فرويد يفتخر دائمًا بيهوديته وبانتمائه لليهود[5]؛ فهو يرى أنَّ الشّعبَ اليهوديَّ له فضْلٌ كبير على العالم كُلِّه؛ إذ استمدَّ منه السَّلام والأمن والتَّنوير المعرفيَّ، وكلُّ هذه الفضائل ومظاهر الرُّقي الإنساني قد وردتْ في التوراة، وأنَّ الديانةَ اليهوديةَ كانت ولا تزال مصدرًا علميًّا ومعرفيًّا كان له الأثرُ البالغُ في تطوُّر الكثير من الدول والمجتمعات، وقد اعترف في عديد من المرَّات بأنه معتزٌّ بانتمائه لشعبه، يقول: "ولم أتظاهر بأنني شيء آخر: يهودي من مورافيا، جاء أبواه من غاليسيا" [6].

 

وعندما سأله صديقُه عمَّا إذا كان واجبًا على اليهود أن يوجِّهوا أبناءَهم لاعتناق المسيحية - وهو أمر كان شائعًا بين اليهود آنذاك - أجاب قائلاً: "اليهودية مصدر طاقة لا يمكن أن تعوَّض بأي شيء آخر، فاليهودي عليه كيهودي أن يُكافح، ومن الواجب أن ينمِّي في نفسه كلَّ هذا الكفاح؛ فلا تحرمه من هذه الميزة " [7].

 

وكان فرويد منخرِطًا في جماعة بناي بريث [8] التي انضمَّ إليها سنة (1895م)، وقد ألقى فيها محاضرته الأولى عن تفسير الأحلام، وفي عام (1926م) أقامت الجمعيَّة حفلاً خاصًّا بمناسبة بلوغه السبعين من عمره، فلم يحضر الحفل ولكنَّه وكَّل طبيبه الخاص؛ لكي يقرأ رسالته على الحضور، ورد فيها: "... إنَّ كونكم يهودًا لأمر يوافقني كل الموافقة؛ لأنَّني أنا نفسي يهودي؛ فقد بدا لي دائمًا إنكار هذه الحقيقة ليس فقط أمرًا غير خليق بصاحبه، بل هو عمل فيه حماقة أكيدة، إنَّني لتربطُني باليهودية أمورٌ كثيرةٌ تجعلُ إغراء اليهودية واليهود أمرًا لا سبيل إلى مقاومته قوى انفعالية غامضة كثيرة، كُلَّما زادت قوتُها تَعذَّر التعبيرُ عنها في كلمات، بالإضافة إلى شعور واضح بالذاتية الداخلية، الخلوة الآمنة لتركيب عقلي مشترك، ثم بعد هذا كله كان إدراكي أنني مدين بالفضل لطبيعتي اليهودية فيما أملك من صفتين مميزتين لم يكن في وسعي الغناء عنهما خلال حياتي الشاقة: فلأني يهودي وجدتُ نفسي خلوًا من التحيُّزات التي أضلَّت غيري دون استخدام ملكاتهم الذهنية، وكيهودي كنتُ مستعدًّا للانضمام إلى المعارضة، وللتصرُّف دون موافقة الأغلبية السَّاحقة، وهكذا وجدتُ نفسي واحدًا منكم أقوم بدوري في اهتماماتكم الإنسانية والقومية، واكتسبتُ أصدقاء من بينكم، وحثثتُ الأصدقاء القليلين الذين تبقَّوْا على الانضمام إليكم" [9].


ثم بعد خمسة أعوام تنكشف آراؤه الحقيقية المخفيَّة تجاه اليهود؛ حيثُ كتَبَ رسالةً إلى حاخام فيينا الذي هنَّأه بمناسبة عيد ميلاده الخامس والسبعين، فردَّ فرويد عليه قائلاً: "في مكان ما في أعماق روحي أَشعُر أنِّي يهوديٌّ متعصِّبٌ، وأني شديدُ الدَّهشة أن أكتشفَ نفسي هكذا، رغم كل جهودي للوصول للموضوعيَّة، ولإنكار التحيُّز" [10]، ففي الخطاب السابق الذكر نجده يُنكر تحيُّزه الذي أضلَّ غيره كما قال، بينما يُظهرُ التحيزَ اليهوديَّ جليًّا في هذا الخطاب، والسببُ في هذا التغاير البيِّن، نوعية الناس المخاطَبين، والشَّخصيَّة اليهودية أغلبُها تسيرُ على هذا الفعل، فمن طبيعتها التلونُ والمداهنة، فالخطاب العامُّ ليس كالخطاب الموجَّه إلى جهة خاصَّة، لا سيَّما إذا كان حاخامًا من حاخامات اليهود.


وحينما أوشكتْ إحدى تلميذاته من العاملات بالتحليل النفسي أن تضع مولودًا، كتبَ إليها رسالةً يقول فيها: "... أَودُّ لو خرج الطفلُ ذَكَرًا أن يصير صهيونيًّا متعصبًا.. إننا يهود، وسنظل يهودًا.. وسيبقى الآخرون، على استغلالهم لنا، دون أن يفهمونا، أو يقدِّرونا حقَّ التقدير(الخطاب مؤرَّخ في أغسطس (1913)، ولكنَّه لم يُنشَر إلا في عام (1982)، وكان فرويد عضوًا في مجلس أمناء الجامعة العبرية بالقدس، وكان يفتخر بذلك ويقول عنها: جامعتنا " [11].


ولقد كان محافظًا على انتمائه لليهود إلى آخر أيام حياته، وهذا ملاحَظٌ في كلمته التي ألقاها على منظَّمة (بناي بريث) عندما بلغ السبعين من عمره يقول فيها: "لقد حدثَ أن وقعت عام 1895 وفي الوقت نفسه تحت تأثيرين قويين، فمن ناحية ألقيت نظراتي الأولى على أعماق الحياة الغريزية للإنسان، ورأيت أشياء من شأنها أن توقظني أو تخيفني، ومن ناحية أخرى أدى نشر اكتشافاتي غير المحبَّبة إلى انقطاع الجزء الأكبر من صلاتي الإنسانية، لقد شعرتُ كما لو أنني بتُّ ممقوتًا ومرفوضًا لدى الجميع، وفي تلك العزلة تملَّكني الحنينُ إلى مجموعة من الرجال المنتقَيْنَ من ذوي الشخصية الرفيعة الذين يمكنهم أن يستقبلوني بروح من الصداقة على الرغم من تهوُّري، وقد جاء من أشار إلى جمعيتكم بوصفها المكان الذي يمُكن العثورُ فيه على أولئك الرجال" [12].


وهذا يُبيِّنُ لنا بيانًا واضحًا لا لَبْس فيه أنَّ فرويد لا يستطيعُ أن يتخلَّى عن أصله ومجتمعه اليهودي الذي ترعرع بين أحضانه.


ولكن يا تُرى، هل هذه العلاقةُ الاجتماعيَّة التي تربطه بأفراد مجتمعه يمكن لها أن تؤثِّر على مشروعه الفكري؟ ونظريَّته في التحليل النفسي التي قدَّمها للعالم؟

يبدو أن الآراء متضاربةٌ في هذا الشأن، فبينما نرى بعضَ المفكِّرين الإسلاميين الذين درسوا أفكار فرويد، وقالوا: إنَّه ليس هناك علاقة بين أطروحاته، وبين ما يدين به، وإنما هو كغيره من الباحثين الذين تأثَّروا بالتنوير الأوروبي الذي كان مُفرطًا في تقديس العلم والمعرفة، وإن كانت نظرياتُه تهَدم الدين والمبادئ والقيم الإنسانية، نرى في المقابل رأيًا آخرَ على العكس من ذلك؛ حيثُ يشيرُ هذا الرأيُ إلى أنَّ فرويد يصدر عن نفس يهوديَّة حاقدة اتخذت من التحليل النفسي وسيلةً لنشر أفكارها ومعتقداتها الهدَّامة.


يذهب عبدالوهاب المسيري إلى أنَّ فرويد ينتمي بشكل كامل إلى الحضارة الغربية التي هيمن عليها نموذج العلمانية الشاملة، ولا يمكن فَهْم أفكاره إلا في إطارها؛ حيث يرى أن المنظومة الفرويدية هي في الحقيقة ليست إلا منظومة علمانية شاملة، وأنَّ عناصرها اليهودية الصَّميمة تُشبه بُنيويًّا عناصر داخل المنظومة العلمانية الشاملة بسبب الإطار الحلولي الكموني[13] الذي يجمع بينهما، وعلى الرغم من تأثير هذا العامل المهمِّ، إلا أنَّ المسيري يستبعدُ المؤثِّرَ اليهوديَّ؛ إذ يطرح سؤال الانتماء اليهودي وأثره على ما يسمِّيه بالمنظومة الفرويدية، ويقرِّر قضية البعد اليهودي في المنظومة الفرويدية التي هَيْمن عليها نموذج العلمانية الشاملة، والتي كانت قد بدأت تَدخُل مرحلة السُّيولة واللاعقلانية الماديَّة كما يقول، ويصنِّفُ المسيري فرويد ضمن أهم مفكري هذه الحضارة ومنظِّريها، ولا يُمكنُ لنا أن نفْهم أفكارَه إلا في إطار الحضارة الغربية الحديثة، ويبيِّن أنه لم يكن يتَّسمُ بالوضوح في طرحه لعديد من القضايا، فموقفُه كان مبهمًا ومعتمًا؛ إذ توجدُ ازدواجيةٌ ظاهرةٌ بين الانتماء الكامل لليهودية، بل والصهيونية، وتأكيد أهمية هذا الانتماء والتباهي به من جهة، والإنكار الكامل، وتأكيد الانتماء للحضارة الغربية الحديثة ولنماذجها التفسيرية المادية، من جهة أخرى.


يقول عبدالوهاب المسيري: "ولعلَّ خطابه للراعي أوسكار فيستر يُعبِّر عن هذه الازدواجية؛ فقد سأله ساخرًا: وبالمناسبة ما بال التحليل النفسي لم يبتدعه واحد من المؤمنين الأتقياء، وكان عليه أن ينتظر ليقوم بذلك يهودي لا إله له (أيْ: ملحد)؟، ففرويد هنا ليس يهوديًّا وحسب؛ وإنما ملحدٌ أيضًا"[14].


وقد أوضح هذا الرأيَ في العنوان الذي وضعه داخل موسوعته (فرويد يهودي غير يهودي)؛ إذ يقول أيضًا: "ولعلَّ هذه الازدواجية تزول حين نضع أيدينا على عنصرين أساسيين، وهما: أن فرويد كان يهوديًّا غير يهودي، بمعنى: أن إثنيته اليهودية كانت قشرة لا تؤثِّر في اللبِّ؛ فهي مجرَّد ادعاء؛ إذ إن انتماءه الثقافي الحقيقي كان للحضارة الغربية الحديثة"، ثم يستمر قائلاً: "... فإن فرويد في واقع الأمر ينتمي للمنظومة العلمانية الشاملة، رغم كل التباهي بانتمائه اليهودي، ورغم كل ديباجته اليهودية" [15].

 

فالمسيري لا يُنكر هذا الانتماء؛ إذ يُقرِّر أنَّ فرويد كان يربطُ بين التَّحليل النَّفسي ودينه اليهودي، ويعتبر أنَّ المقاومةَ التي لاقاها التحليل النفسي كانت على حدِّ اعتباره جزءًا من رفض الحضارة الغربيَّة لكل ما هو يهودي، والتحليل النَّفسي في تَصوُّره كان من إبداعه لمدة عشر سنوات: "كنتُ أنا الشخص الوحيد الذي انشغل به، ولا أحد يعرف أكثر منِّي ما هو التحليل النفسي" [16].


هذا هو مجملُ قراءة عبدالوهاب المسيري لشخصية فرويد وانتمائه الديني، وما مدى قوة تأثيرهما في أطروحاته وآرائه التي عالجت مختلف جوانب حياة الإنسان، خاصة مجال التحليل النفسي، الذي أحدث ثورة فيما يتعلق بعلم النّفس في ذلك الوقت.


لكن هناك بعض المفكرين الذين عارضوا هذا التحليل [17]، وإن كانوا يوافقون ما خَلَص إليه المسيري في انتماء سيجموند إلى الحضارة الأوروبية التنويرية العلمانية، إلا أنهم أكّدوا على أنّ الموروثَ الدينيّ اليهودي كان المؤثّر الوحيد بلا منازع في طبيعة استنتاجاته وأبحاثه ونظرياته، التي غرضها الأساس إخراج اليهود من المعزل الذي أُبعدوا فيه ردحًا من الزمن رغم وجودهم داخل المجتمع الأوروبي المسيحي المتحضر ومحاولة تفكيكه؛ إذ كان يسعى دائمًا إلى إبعاده عن سُلّم الصُّعود والارتقاء في مجال العلم والحضارة والثقافة الإنسانية، وقد اتّخذ من علم النفس التحليلي قاعدةً مهمةً في إرساء أفكاره الهدّامة، التي من أهدافها الإلحاد بالله، وإنكار الغيبيات، واعتبار الإنسان ظاهرة ماديةً فقط، بما فيه من فكر ونفْس، وحياة، إضافةً إلى نشر الإباحية الجنسية، وحَثّ الإنسان على ممارسة رغباته الجنسية بحرية تامّة، لا تقف أمامها قيود دينية، أو أخلاقية، أو عادات وتقاليد اجتماعية، أو أيّ ضغوط من أية جهة كانت.


يرى المفكر السعودي سعد البازعي[18] - أستاذ الأدب الإنجليزي والمقارن، الذي له إسهامات عديدة في مجال دراسة الثقافة الغربية - في كتابه الذي أبرز فيه دور الجماعات اليهودية في تاريخ الحضارة الغربية: أنَّ قراءة المسيري على ما فيها من عُمق، إلا أنها يَنقُصها بعضُ الأبعاد التي تدخل ضمن أطروحته المعروفة، ومفادُها يتعلَّق بنشأة الحضارة الغربية وطبيعتها الكمونية بشكل عام؛ إذ إنَّ تعميم هذه الأطروحة البنيوية الشمولية يؤدِّي إلى إهمال كثير من التفاصيل والروابط الخاصَّة التي تُميز تجربةً عن أخرى، وهذه هي الحلقة المفقودة في كبرى الأطروحات والنظريات التفسيرية، وحَصَرَ المسيري البعدَ اليهودي فيما يقوله فرويد عن نفسه، وما يوضِّح سيرةَ حياته وعلاقته باليهود، والصَّهاينة والتراث الصوفي، وعلاقة فرويد بالقبالة [19]، وهذه الأبعاد ليست كافية على حسب رأي البازعي رغم أهميتها؛ فيجب حينئذٍ إضافة خصائص أخرى تُكمِّلها، أو إعادة صياغتها، أو قولبتها في إطار يشمل كلَّ الروابط والمكونات الأساسية، أو حصرها في مقولة تربط كل حلقة بأختها.

 

ولعلَّ الارتباطَ الجماعيَّ اليهوديَّ الذي يُشْعر الإحساسَ بالتضامن - ولو كان هذا الارتباطُ صادرًا عن غير الدين - هو المكَمِّل لهذه الأطروحة، وهو المؤثِّر المفقود من الحلقة - حسب رأي البازعي - وإن كان ضمن السبعة عشر الذين التفُّوا حولَ فرويد من استبدل بدينه اليهودي الدين النَّصراني البروتستانتي، كما هو الشأن عند أدلر [20]، أو الكاثوليكي كما عند "رانك"، إلا أنَّ هذا الاختلافَ الثقافيَّ لدى الجماعات اليهودية لم يُؤثِّر في قوة الارتباط بين جماعة التحليل النفسي، بل جعلَه يُورث الشعورَ بالتميُّز عن الآخرين، الأمر الذي أدَّى إلى زيادة العمل الثقافي والإبداعي من منطلق عرقي، وهو شعور يهودي قديم.

 

من خلال هذا التحيُّز الواضح، يتبيَّن لنا أنَّ "فرويد" لم يلتزم بالنَّزاهة والموضعية العلْمية، ولم يَكُن باحثًا متجرِّدًا عن انتمائه الديني، بل كانت دوافعُه القضاءَ على الدين، وتجريم القيم الأخلاقية، وطمس معالم الارتقاء الإنساني الحضاري، وذلك عن طريق دراساته التي ترمي إلى زعزعة كل ما يمتُّ إلى الدين والأخلاق بصلة؛ حيثُ اتخذ من مشروعه العلمي المزعوم صرحًا فكريًّا متنوِّعًا، يُوهمُ به صحَّةَ أساسَيْه الفاسدينِ الموضوعين في خطة تضليل العالم منذ البداية.

 

وإنَّ من أفضل الدراسات التي تناولت شخصية فرويد: دراسة صبري جرجس [21]، وقد اعتمد عليها المسيري كثيرًا في موسوعته، إلا أنه قد خالفه في استنتاجاته؛ فقد أثبتت دراسةُ جرجس أنَّ فرويد يهوديٌّ متعصِّبٌ ليهوديته، وأنه صديق حميم لليهودي "تيودور هرتزل" مؤسِّس الصهونية الحديثة، وأنَّ التحليلات النفسية التي أبرزها تحت ستار الدراسة العلمية المتجرِّدة، إنما صاغها على الوجه الذي قدَّمها به؛ ليَخدُم القضيةَ اليهوديةَ الصهيونيةَ في العالم، وأمَّا عن إلحاده الظاهري الذي أبرزه للعالم، فلم يكن إلا زيفًا يخدع به المنتمين إلى غير دين اليهودية؛ حتَّى يتخلَّوْا عن أديانهم فيكونوا ملحدين، وهو في حقيقة الأمر لم يتخلَّ في يوم من الأيام عن يهوديَّته، بل الذي يلاحظ دراساته ويتأمَّلها يجد التعصُّب ظاهرًا، وخاصَّة في الأبحاث التي وصل إليها في آخر حياته، وهذا يدلُّنا على انتمائه الصِّهْيَوْني الذي يجعله يقدِّم له خدْمات قيِّمة في مجال البحث العلمي المتجرِّد المزعوم الذي يخدم الصهيونية.

 

وأوضح جرجس أنَّ هذا غرض فرويد في كثير من دراساته وأبحاثه؛ ما يجعلها تتَّسم بالشك والريبة، أو الجزم بأنها إنما وضعها لخدمة أغراض اليهودية العالمية، ولم يضعها على أساس دراسات علمية متجرِّدة، ثم حملَت الدعايات اليهودية العالمية آراءه، وروَّجتْ لها في جميع الأوساط العلمية والثقافية، ثم وَضَعَ اليهودُ كلَّ ثقلهم الكيدي في العالم لجعل آراء " فرويد " معارف علمية تُدرَّسُ في كافَّة الجامعات العالميَّة، على أنّها فتحٌ عظيمٌ في ميادين العلم، وذلك ضمن الخطط اليهودية المرسومة ضد شعوب العالم، ولمصلحة الشعب اليهودي فقط.


تقول (شويزي) - وهي محلِّلة نفسية من خاصة "فرويد"، وذات معرفة به وصلة وثيقة -: "إن إلحاد فرويد لم يكن إلا إلحادًا زائفًا؛ لأنه تركه بعد ذلك، متشبِّثًا باليهودية الصهيونية، وفيًّا لها، سائرًا في طريقها، منفِّذًا لمخططاتها" [22].

 

من خلال هذا العرض والتحليل البسيطين تتجلى لنا ديانة فرويد اليهودية بوضوح؛ حيث استطاع من خلالها التَّأثير في عقول الكثير من الجماهير العالمية، وخاصَّة المثقَّفة منها، وذلك بواسطة أفكاره ومشروعه الحضاريين المزعومين، ولم يَسْلم منها حتَّى مجتمعنا الإسلامي، الذي لم يزل يتلقَّى جسدُه الضربات الموجِعة، والهجمات العنيفة، التي تحاول إسقاطه وجعله في الحضيض، وقد بدَتْ مظاهرُ التأثير الفرويدي واضحةً في المجتمعات الإسلامية، تمثَّلت في محاولة طمْس العقائد، وإنكار الدين والغيبيَّات، والتشكيك في الأصول والثوابت الدينية، والمناداة بالحرية التَّامة، وتشجيع الإلحاد، وجعل المادة هي الحقيقة المطلقة، بالإضافة إلى تسخيف المبادئ والقيم، وجرِّ المجتمع المسلم إلى الفوضى الأخلاقية التي تجعله لا يختلف عن المجتمعات الحيوانية؛ فمظاهر التَّفسُّخ والفساد استشرت، وثقافة الجنس والعري انتشرت، واتخذ العلمانيون وأصحاب الأهواء والعاملون على شاكلتهم من الفكر الفرويدي جسرًا يصلون به إلى مآربهم، ويحقِّقون به طموحاتهم؛ حيث احتلُّوا أماكن هامَّة، ووصلوا إلى مراكز حسَّاسة في المجتمع وأضْحَوا هم المؤثِّرين، وأصحاب القرار والنُّفوذ، والذي يتحمَّل كل هذه التبعات والأخطار هي الأجيال الصَّاعدة المعوَّل عليها في انتشال الأمة الإسلامية من دركات الانحلال والتخلُّف والفساد، وهذا ما يُلاحظ في مناهجنا التعليمية المستوردة التي يتربَّى عليها أبناؤنا، وهذا يُنبئ بخطر عظيم، وهولٍ جسيم، إن لم تتداركه سواعد المصلحين من هذه الأمة.



[1] حياتي والتحليل النفسي، سيجموند فرويد ص20.

[2] من رسائل فرويد إلى إنريكومورسيلي عام 1926

Letters of Sigmund Freud(1873 1939)ed, Ernest L Freud, tr Tania and James Stern (England The Hogarth press 1961)p.366

[3] أوتو رانك 1884 - 1939: من المشتغلين بالتحليل الفرويدي، استخدمه فرويد كسكرتير له، وعيَّنه رئيس تحرير مجلة إيماجو للتحليل النفسي، والمجلة الدولية للتحليل النفسي، وكان مرشَّحًا ليخلف فرويد في كل شيء إلا أنه نشر كتابه (صدمة الميلاد) فكان صدمة للجميع؛ لأنه كان بكل المقاييس ضد كل المفاهيم التي دعا إليها فرويد / ينظر: التحليل النفسي والاتجاهات الفرويدية، د. فيصل عباس، ط1 دار الفكر العربي تاريخ النشر 1996، ص 98

[4] Letters of Sigmund Freud (1873 1939) ed, Ernest L Freud, tr Tania and James Stern . (England The Hogarth press 1961)p.366

[5] ينتمي فرويد إلى فرقة اليهود الحيسيديم التي ظهرت في القرن 18 في الغرب، وتضمنَّت كثيرًا من الجوانب النفسيَّة / موسوعة اليهود والصهيونية المسيري (3 /608).

[6] موسوعة الثقافة اليهودية، نقلاً عن المكون اليهودي في الحضارة الغربية سعد البازعي ص 277.

Encyclopedia of Modern Jewish Culture ed. Glenda Abramson

(London & New York: Routledge, 2005) vol. 2,p 610

[7] موسوعة اليهود والصهيونية للمسيري (3 /640).

[8] بناي بريث: من أكبر وأخطر المنظمات اليهودية، أُسست عام 1843، وهدف تأسيسها توحيد اليهود من أجل خدمة مصالحهم العليا، وخدمتها موجهة أساسًا لدعم الصهيونية في العالم، والتقاط الأخبار واحتلال مراكز حساسة في الدول، ولهذه الجمعية فروع منتشرة في جميع أنحاء العالم، وهي مكلفة بدراسة نفسية كل قائد أو سياسي أو زعيم أو أي شخصية عامة للاستفادة من جوانب الضعف فيها، وقد نمت هذه المنظَّمة بشكل سريع؛ حيث أصبح لها فروعٌ عديدة في 45 دولة، وتضم 500عضوًا. موسوعة اليهود واليهودية، عبدالوهاب المسيري (3/ 142).

[9] التراث اليهودي الصهيوني والفكر الفرويدي: صبري جرجس ص239 - 240.

[10] موسوعة اليهود والصهيونية للمسيري (3/ 642).

[11] التراث اليهودي الصهيوني والفكر الفرويدي: صبري جرجس ص249.

[12] freud The origins of psycho - Analysis:Letters to wilhelmfliessed Marie (1)Bonaparte,Anna(1) freudand Ernest Jonse (New York: Basic Book,1954)

[13] الحلولي الكموني: الحلولية: حلَّ المكانَ وبه، بمعنى: نزل، وحل البيتَ بمعنى: سكنه، واصطلاحًا هو: "اتحاد الجسمين اتحادًا تامًّا يذوب به كل منهما في الآخر؛ بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر"، ويعني مصطلح الحلولية: أنَّ الله والعالم ممتزجان، وأن الإله والقوة الداخلة في العالم الدافعة للمادة الكامنة فيها هما شيء واحد.

الكمون: تقابلها في الإنجليزية كلمة إمنانس immanence بمعنى حالّ في، من الفعل اللاتيني إيمانيري بمعنى يبقى في، وفي اللغة العربية "كمن" بمعنى توارى، وهو ما ينطوي عليه الشيء بصفة دائمة وإن كانت غير واضحة، وهو وصف ينطبق على جوهر الأشياء، وحينما يُقال: إن "الله كامن في الكون" فهذا يعني أن الإله والكون كيان (جوهر) واحد، وحينما يُقال: إن قوانين الكون كامنة فيه؛ فهذا يعني أن من يريد أن يفهم هذا الكون عليه أن يدرس القوانين الكامنة فيه لا يتجاوزها / يُنظر في الحلول والكمون، موسوعة اليهود والصهيونية للمسيري (1 /192 - 194).

[14] موسوعة اليهود والصهيونية، للمسيري (3 /649).

[15] المصدر السابق (3 /650).

[16] حياتي والتحليل النفسي، سيجموند فرويد ص 33.

[17] من المفكرين الإسلاميين الذين درسوا أفكار فرويد: محمد قطب في (المادية والإسلام) و(مذاهب فكرية معاصرة)، وسفر الحوالي في (العلمانية)، وسعد البازعي في (المكون الحضاري في الحضارة الغربية)، وتعتبر دراسة صبري جرجس في كتابه (التراث الصهيوني اليهودي في الفكر اليهودي) من أهم الدراسات في هذه القضية.

[18] المكون اليهودي في الحضارة الغربية: سعد البازعي، الناشر: المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء المغرب، بيروت لبنان، ط1 2007ص 289 - 292.

[19] هو مذهب في تفسير الكتاب المقدس عند اليهود، يقوم على افتراض أن لكل كلمة ولكل حرف فيه معنى خفيًّا، ونشأ المذهب في القرن السابع، واستمر حتى القرن 18م / قاموس الكتاب المقدس جماعة من اللاهوتيين د. بطرس عبدالملك جون الكسانوطمس، إبراهيم مطر، ط6، منشورات مكتبة المشعل بإشراف رابطة الكنائس الإنجليزية في الشرق الأوسط عام 1981.

[20] ألفيرد أدلر 1870 - 1937: نمساوي مؤسِّس علم النفس الفردي، بدأ يكتب في علم النفس ويكون ملامح نظريته عندما قرأ كتاب فرويد تفسير الأحلام، وحاول أن يضمَّه إلى حركة التحليل النفسي، لكن لم يدم معه طويلاً، انفصل عن فرويد سنة 1911، وأعلن عن مذهبه الذي أطلق عليه علم النفس الفردي / يُنظر ترجمته في التحليل النفسي والاتجاهات الفرويدية، د. فيصل عباس ص81.

[21] التراث اليهودي الصهيوني في الفكر الفرويدي.

[22] المكون الحضاري "التقويض الفرويدي" سعد البازعي ص 289.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • الخلل المنهجي لدى فرويد في تأصيل الإباحية باسم العلم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأنا ونظرية فرويد في التحليل النفسي(استشارة - الاستشارات)
  • المدرسة السيريالية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • افتتاح جناح للنساء المسلمات بمركز كرويدون الإسلامي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • رويدك(مقالة - حضارة الكلمة)
  • رويداً صواحب يوسف(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • رويدك يا هذا!!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رويدك أنجشة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مؤسسة إسلامية تدعم مئات المتضررين من فيروس كورونا جنوب لندن(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أركان العملية التعليمية التعلمية عند الإمام الماوردي رحمه الله(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب