• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

الذريعة إلى وجوب تطبيق الشريعة

الذريعة إلى وجوب تطبيق الشريعة
أحمد سعد عبدالله

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/9/2014 ميلادي - 13/11/1435 هجري

الزيارات: 14020

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الذريعة إلى وجوب تطبيق الشريعة


قال ابن القيم رحمه الله: (والشريعة مبناها وأساسها يقوم على الحُكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجَور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل)؛ "إعلام الموقعين (3/3)"

 

• • • •

المقدمة:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي لـه، وأشهـد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

قال رب العالمين: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].

 

وقال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

 

فما ابتُليت الأمة في عصرنا بعد الشرك الذي دب في بلادنا خاصة، وبلاد المسلمين عامة؛ من القباب والأوثان، وصرف العبادة التي لا تجب إلا لله - من الدعاء والتوسل، والخوف والرجاء، والاستعانة والاستغاثة، والاستعاذة والذبح والنذر - إلى موتى لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، وأستثني بلاد التوحيد والسنة، حرسها الله، وجعلها شوكة في حلوق أهل الجهالة والبدعة - أقول: ما ابتُليت ببلاء بعده أشدَّ من بلاء تحكيم الدساتير الوضعية والقوانين الوثنية، التي بدلت شرع الله، وحسنتها وزينتها في أعين الدهماء، وصورت لهم الكفر بالطاغوت تخلفًا ورجعية، وما خطَّته أنامل المشركين تقدمًا وحضارة ومدنية، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولست هنا لدكِّ حصونهم؛ فهي أوهى من بيت العنكبوت إذا قوبلت بجند أولياء الرحمن، رافعي راية القرآن والسنة، ولكني أخاف على عوام المسلمين أن يقعوا في الإيمان بالطواغيت من تلك القوانين الوثنية من حيث يشعرون أو لا يشعرون، فيرفضوا شريعة رب العالمين، بدعوى أنها لا تصلح لحال المسلمين اليوم؛ لما دخل عليهم من أمور ومستحدثات، أو أن بعض أحكام الشرعة المطهرة غيرُها من أفكار الملحدين أفضلُ منها، أو يقول قائلهم: إن شريعة الرحمن الرحيم التي نزلت على النبي الأمين سواء بسواء وقوانين الأمم الكافرة؛ فلا حرج في الحكم بأيهما، ومتهوِّك يستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: ((أنتم أعلم بأمور دنياكم))، ويبرر الباطل ويزخرفه.

 

وليس تطبيق الشريعة مختصًّا فقط بالحدود؛ من قطع ورجم وجلد وقصاص، كما يريد العلمانيون إيهام العوام به، بل الشريعة في كل مناحي الحياة للمسلمين، فأردت أن أزيل شبهات، وأبين أمورًا مبهمات، تعرف العامي أن دين رب العالمين أولى وأسلم وأحكم من شريعة إخوان الشياطين: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].

 

وبدأت في تبيان الحدود، مبتدئًا بالسرقة؛ لأنها أكبر شُبه القوم، ينفرون العوام عن دينهم، ويسخطونهم على كلام ربهم، يستغلون الجهل الذي عم وطم، وانشغال القلوب بالدنيا، والسعي في جمعها من حلها وحرامها، مبينًا ذلك من كتاب رب العالمين، وسنة الرسول الأمين، مختصرًا اختصارًا لا يخل، وغير مطيلٍ تطويلًا يمل، مبينًا مدى الرحمة في شرعتنا بحال المسلمين، ومن تحت أيديهم، وما وَلُوا من الذميين أو المعاهَدين والمستأمنين، ولا تجد أكثرهم شاكرين، والحمد لله رب العالمين، ﴿ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾!

 

وجوب التحاكم إلى الكتاب والسنة:

فرض الله تعالى الحكم بشريعته، وأوجب ذلك على عباده، وجعله الغاية من تنزيل الكتاب؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّه ﴾ [النساء: 105].

 

2- اختصاصه سبحانه وتفرده بالحكم؛ قال تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [يوسف: 40]، وقال عز وجل: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 70]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10].

 

 

3- التأكيد على أن الحكم بما أنزل الله من صفات المؤمنين، وأن التحاكم إلى غير ما أنزل الله - وهو حكم الطاغوت والجاهلية - من صفات المنافقين؛ قال سبحانه: ﴿ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 47 - 51].

 

وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ﴾ [النساء: 59 - 62].

 

يقول ابن تيمية عن هذه الآيات: "ذم الله عز وجل المدَّعين الإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة، ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله، كما يصيب ذلك كثيرًا ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم، أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك الترك - يقصد رحمه الله التتر - وغيرهم، وإذا قيل لهم: تعالوا إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا عن ذلك إعراضًا، وإذا أصابتهم مصيبة في عقولهم ودِينهم ودنياهم بالشبهات والشهوات، أو في نفوسهم وأموالهم عقوبة على نفاقهم، قالوا: إنما أردنا أن نحسن بتحقيق العلم بالذوق، ونوفق بين الدلائل الشرعية والقواطع العقلية التي هي في الحقيقة ظنون وشبهات"؛ [الفتاوى 12/339 - 340، بتصرف يسير].

 

ويقول أيضًا: "ومعلوم باتفاق المسلمين أنه يجب تحكيم الرسول في كل ما شجر بين الناس في أمر دِينهم ودنياهم في أصول دِينهم وفروعه، وعليهم كلهم إذا حكم بشيء ألا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما حكم، ويسلموا تسليمًا"؛ [الفتاوى 7/37 - 38].

 

قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]: ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكَم، المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان، الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بَنِيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير".

 

وقال الشيخ أحمد شاكر تعليقًا على هذا الكلام: "وقد نقل الحافظ المؤلف في تاريخه [يعني: البداية والنهاية] أشياء من سخافات هذا "الياسق"، (13/118، 119)، ثم قال: "فمن ترك الشرع المحكَم المنزل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة، كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمه عليه؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين"؛ انتهى.

 

ثم قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:

"أقول: أفيجوز - مع هذا - في شرع الله أن يحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوروبا الوثنية الملحدة؟ بل بتشريع تدخله الأهواء والآراء الباطلة، يغيرونه ويبدلونه كما يشاؤون، لا يبالي واضعه أوافق شرعة الإسلام أم خالفها؟!

 

إن المسلمين لم يُبلَوْا بهذا قط - فيما نعلم من تاريخهم - إلا في ذلك العهد، عهد التتار، وكان من أسوأ عهود الظلم والظلام، ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له، بل غلب الإسلام التتار، ثم مزجهم فأدخلهم في شرعته، وزال أثر ما صنعوا، بثبات المسلمين على دينهم وشرعتهم، وبأن الحكم السيئ الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمم الإسلامية المحكومة، ولم يتعلموه ولم يعلموه أبناءهم، فما أسرع ما زال أثره!

 

أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير - في القرن الثامن الهجري - لذاك القانون الوضعي، الذي صنعه عدو الإسلام جنكيز خان؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر؟ إلا في فرق واحد، أشرنا إليه آنفًا: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام، أتى عليها الزمن سريعًا، فاندمجت في الأمة الإسلامية، وزال أثر ما صنعت.

 

قال الله جل جلاله: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]، قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: (فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق، وإيثار الحق، وهذا حقيقة الفطرة، ومن خرج عن هذا الأصل، فلعارض عرض لفطرته أفسدها...).

 

قلت: وقد كثرت العوارض الداعية إلى نبذ الشريعة في المسلمين ليلحقوا بركب الجهنَّميين من الأمة الغضبية والضالة، وزينها أصحاب عمامات تزيوا بزي الفقهاء، وليسوا من القوم في عير ولا نفير، وصدق القول فيهم:

وسمتُك سمتُ ذي ورع ودين   وفعلُك فعلُ متَّبعٍ هواهُ

 

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما بسندهما إلى أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل مولود يولد على الفطرة..))، راجع شرح ابن القيم لهذا الحديث في كتابه: شفاء العليل (2/775 تحقيق عمر الحفيان، ط/ العبيكان).

 

وعن عياض بن حمار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن ربي علمني أن أعلِّمكم ما جهِلتم مما علمني في هذا اليوم، كل مال نحَلْته عبادي حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم))؛ رواه أحمد ومسلم في صحيحه.

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (16/338): (فالعلم بالحق يدعو صاحبه إلى إتباعه؛ فإن الحق محبوبٌ في الفطرة، وهو أحب إليها، وأجلُّ فيها، وألذُّ عندها من الباطل الذي لا حقيقة له، فإن الفطرة لا تحب ذلك).

 

وإن الفطرة السليمة، ولذة الانقياد للحق يزيدها الشرع تأييدًا وقوة؛ كما قال الله تعالى في سورة هود: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾ [هود: 17].

 

قال الإمام ابن كثير في تفسير آية سورة هود: (وذلك أن المؤمن عنده من الفطرة ما يشهد للشريعة من حيث الجملة، والتفاصيل تؤخذ من الشريعة، والفطرة تصدِّقها وتؤمن بها).

 

وقال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ بالوحي الذي أنزل الله فيه المسائل المهمة، ودلائلها الظاهرة، فيتيقن تلك البينة، ﴿ وَيَتْلُوهُ ﴾؛ أي: يتلو هذه البينةَ والبرهان برهانٌ آخر، ﴿ شَاهِدٌ مِنْهُ ﴾: وهو شاهدُ الفطرة المستقيمة والعقل الصحيح...).

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (10/146): (ولا بد لهذه الفطرة والخِلقة - وهي صحة الخلقة - من قُوتٍ وغذاء، يمدها بنظير ما فيها مما فُطرت عليه علمًا وعملاً؛ ولهذا كان تمام الدين بالفطرة المكملة بالشريعة المنزلة).

 

وقال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (ص423): (...فأولياؤه وخاصته وحزبه لَمَّا شهدت عقولهم وفطرهم أنه أهل أن يعبد وإن لم يرسل إليهم رسولاً، ولم ينزل عليهم كتابًا، ولو لم يخلق جنة أو نارًا، علموا أنه لا شيء في العقول والفطر أحسنُ من عبادته، ولا أقبح من الإعراض عنه، وجاءت الرسل وأنزلت الكتب لتقرير ما استَودع سبحانه في الفطر والعقول من ذلك، وتكميله وتفضيله وزيادته حسنًا إلى حسنه، فاتفقت شريعته وفطرته وتطابقا، وتوافقا، وظهر أنهما من مشكاة واحدة، فعبدوه وأحبوه ومجَّدوه وحمَدوه بداعي الفطرة، وداعي الشرع، وداعي العقل).

 

وتلوثت هذه الفطر بالبعد عن مشكاة النبوة، وترك ما كان عليه السلف؛ قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله في جزئه: مداواة النفوس (ص31): (أفضل نِعَم الله على العبد أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحق وإيثاره).

 

وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله في الجواب الكافي (ص139):

(فإن الكمال الإنساني مدارُه على أصلين: معرفة الحق من الباطل، وإيثاره عليه، وما تفاوتُ منازل الخَلق عند الله تعالى في الدنيا والآخرة إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين، وهما اللذان أثنى الله سبحانه على أنبيائه بهما في قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴾ [ص: 45]؛ فالأيدي: القوة في تنفيذ الحق، والأبصار: البصائر في الدِّين، فوصفهم بكمال إدراك الحق، وكمال تنفيذه.

فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ فأنى تؤفكون؟!

 

حد السرقة وصلاحيتها لإقامتها في كل مكان وزمان:

تمهيد: تعريف السرقة، وحكمها:

وتعريفها في اللغة، وأنها بمعنى أخذ الشيء من الغيرِ خُفيةً؛ أي: على سبيل الاختفاء، ذكر الشوكاني في الدرر البهية: باب حد السرقة: "وأنها أخذ مال محترم من معصوم أو نائبه، موضوع في حرزه على وجه الخفاء، والفرق بينها وبين المنتهب والمختلس أنه يأخذ المال من صاحبه على وجه الغلبة والقهر على مرأى من الناس، فيمكن أن يدفعوا عنه، والاختلاس نوع من الخطف من غير غلبة ولا قهر، وقد اتفق العلماء على عدم قطعهما؛ لِما روى أبو داود: ((ليس على الخائن والمختلس قطع))، وفي رواية: ((ليس على المنتهب قطع))؛ رواه أبو داود في كتاب الحدود، باب القطع في الخلسة والخيانة.

 

وذلك أنها محرمة شرعًا، وهي كبيرة من كبائرَ لُعِن فاعلها وحُدَّ، ولقد دل الكتاب والسنة والإجماع على تحريمها:

أما الدليل من القرآن الكريم فقوله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].

 

وأما السنة ففي فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله يقطع يد السارق في الربع دينار فصاعدًا"، وحديث المخزومية: ((والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها))، وأجمع العلماء على قطع يد السارق إذا ثبتت الشروط وانتفت الموانع، التي سوف نبينها بعد.

 

وقطع يد السارق في الشريعة له شروط شديدة، استنادًا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((ادرؤوا الحدود بالشبهات))، فليس الأمر للتعذيب، ولا للتشفي والانتقام، ولكن ليستريح برٌّ، ويستراح من فاجر، ويأمن الناس في دورهم وبيوتهم.

 

فلا تقطع يد من أخذ شيئًا من مال غيره إلا بضوابط أو بشروط، منها:

(1) أن يكون مكلفًا، فإذا كان صبيًّا أو مجنونًا وأخذ شيئًا من مال غيره خفية لا تقطع يده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن المجنون حتى يُفيق))، وفي لفظ: ((المعتوه حتى يعقل أو يُفيق، وعن الصبي حتى يكبَرَ))، وفي رواية: ((حتى يحتلم)).

 

(2) أن يكون قد سرق مختارًا، لا مكرَهًا، فلا حد على المكره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وضَع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه)).

 

(3) ألا يكون في المال الذي أخذه شبهة ملك:

فإن كانت له فيه شبهة ملك، فإنه لا يعتبر سارقًا في حكم الشرع، ومن ثم لا يحكم بقطع يده؛ ولهذا لا تقطع يد الأب والأم لسرقة مال ابنهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أنت ومالك لأبيك)).

 

(4) أن يكون المسروق مالًا يحل تملُّكه شرعًا:

فلا تقطع يد من سرق خمرًا أو خنزيرًا، وما أشبه ذلك من الأشياء التي يحرم تملكها وبيعها، وأن يكون المسروق مالاً متقوِّمًا، أو ذا قيمة؛ لأن اليد لا تقطع في الشيء التافه، كما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

(5) أن يكون المال المسروق مقدرًا:

أي: يبلغ المسروق نصابًا، والنِّصاب هو ربع دينار، أو ثلاثة دراهم من الفضة، أو ما تساوي قيمته ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، من الأمتعة وغيرها، والدليل على ذلك: ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه قال: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا))، وفي رواية أخرى: قال صلى الله عليه وسلم: ((تقطع يد السارق في ربع دينار)).

 

ويؤيده ما ورد في الصحيحين من حديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مِجَنٍّ ثمنه ثلاثة دراهم).

 

وهذا يدلك على ضيق فهم أعداء الشريعة من العلمانيين ومن تبعهم من عوام المسلمين بظنهم الفاسد: أن كل من سرق دقيقًا أو جليلاً قطعت يده، فصوروا في أذهانهم الإسلام بالوحش الذي لا يهدأ حتى يأكل فريسته، ويدعها هكذا يتناهشها الضباع والنسور، وقديمًا قيل:

ومن يكن الغراب له دليلاً    يمر به على جِيَفِ الكلاب

 

فمن كان العَلْمانيون والمنافقون دليله، فما يكون حاله في الدنيا ومآله في الآخرة عند الله؟!

 

(6) أن يؤخذ المال المسروق من حرزه:

وهو المكان الذي أعد لحفظه وصيانته؛ كالدار وغيرها، وكل شيء له حرز يناسبه، فإذا لم يؤخذ المال من حرز، فلا قطع على من أخذه، ولكن يؤدب.

 

والدليل: ما ذكره عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمعت رجلاً من مُزَينة يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، جئت أسألك عن الضالة من الإبل؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((معها حذاؤها وسقاؤها، تأكل الشجر وترد الماء، فدعها حتى يأتيها باغيها))، قال: الضالة من الغنم؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((لك أو لأخيك أو للذئب، تجمعها حتى يأتيها باغيها))، قال: الحريسة التي توجد في مراتعها؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((فيها ثمنها مرتين، وضرب نكال، وما أخذ من عطنه ففيه القطع، إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن))، قال: يا رسول الله، فالثمار ما أخذ منها في أكمامها؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((من أخذ بفمه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء، ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين، وضرب نكال، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع، إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن)).

 

(7) ألا يكون السارق مضطرًّا لسد جوعه:

حيث لم يجد من الطعام الحلال شيئًا يأكله؛ ولهذا منع عمر بن الخطاب قطع يد السارق في عام المجاعة، وذكر أن كل سارق سرق عام المجاعة لم يقطع عمر بن الخطاب يده قائلاً: أراه مضطرًّا، ولم ينكر أحد من الصحابة - أئمة الأمة - عليه هذا الأمر، وكفاك بعمر وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن القوم بعدهم؟! وهم أدرى بمقاصد الشريعة، وأفهمُ لكلام الرسول ونصوص القرآن المنزل على نبيه، وصدق الله مخاطبًا نبيه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

• متى لا تطبق الشريعة الإسلامية حد القطع؟

لا يطبق حد السرقة عند قيام الشبهة لقاعدة: "الحدود تدرأ بالشبهات".

 

• وما هذه الشبهات التي يمتنع فيها إصدار حكم القطع على السارق؟

(1) إذا سرق العبد شيئًا ينظر: هل يطعمه سيده أم لا؟ فإذا كان لا، غرم سيده ثمن المسروق؛ كما فعل سيدنا عمر - رضي الله عنه - في غلمان ابن حاطب بن أبي بلتعة حين سرقوا ناقة رجل من مُزَينة، فقد أمر بقطع أيديهم، ولكن حين تبين له أن سيدهم يجيعهم درأ عنهم الحد، وغرم سيدهم ضعف ثمن الناقة، تأديبًا له.

 

(2) تكذيب المسروق منه للسارق في إقراره بالسرقة بقوله: لم تسرق مني.

 

(3) تكذيب المسروق منه ببينته بأن يقول: شهد شهودي زورًا.

 

(4) رجوع السارق عن الإقرار، فلا تقطع يده ويضمن المال؛ لأن الرجوع عن الإقرار يقبل في الحدود، ولا يقبل في المال؛ لأنه يورث شبهة في الإقرار، والحد يسقط بالشبهة، ولا يسقط المال.

 

(5) رد السارق المسروق للمسروق منه قبل الحُكم عليه والمرافعة، فيسقط الحد حينئذ، أما بعد المرافعة فلا يسقط الحد؛ لأن الخصومة شرط السرقة الموجبة للقطع، فإذا رد السارق المسروق قبل المرافعة بطَلت الخصومة بخلاف بعد المرافعة؛ لأن الشرط وجوب الخصومة.

 

(6) ملك السارق للمال المسروق قبل رفع الأمر للقضاء، فإذا ملكه قبل رفع الأمر للقضاء فلا يقام عليه الحد، أما إذا وهبه بعد رفع الأمر للقضاء لم يسقط عنه الحد؛ لما جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر في سارق رداء صفوان: أن تقطع يده، فقال صفوان: إني لم أرد هذا، وهو عليه صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهلا قبل أن تأتيني))، قال الشيخ زيد المدخلي حفظه الله في السبل السوية (باب الحدود21/6): "والقول بجواز الشفاعة قبل بلوغها الوالي هو مذهب أحمد والأوزاعي، وقبلهما الزبير وابن عباس، وهو الحق؛ لِما فيه من الترغيب في ستر المسلم"؛ انتهى، وقد تبعه بكلام بديع، فلينظر في السبل السوية.

 

(7) ادعاء ملكية المسروق، فإذا ادعى الجاني ملكية الشيء المسروق، فعندئذ يرى البعض أن الادعاء يسقط القطع.

 

(8) عفو المسروق منه عن السارق يسقط الحد، بشرط أن يكون هذا العفو قبل رفع الأمر إلى ولي الأمر.

 

فانظر وتأمل حكمة الله في تشريعه، وكمال رحمته بعباده، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون.

 

هل على المنتهب وجاحد العارية والمختلس القطع؟

اختلف العلماء في قطع يد المختلس والمنتهب، فمن رأى عدم القطع أرجح ممن رأى القطع؛ استنادًا إلى الحديث الصحيح بشواهده عند أبي داود: ((ليس على خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع))، وكذا الاختلاف واقع في جاحد العارية والوديعة، وهو من أودعت عنده وديعة، أو طلب مالاً، ثم جحد أخذه، والجمهور من العلماء - ومنهم الحنفية والشافعية والمالكية - على أنه ليس عليه قطع؛ إذ إن المودع فرط في وضعه وديعته عند غير مؤتمن، وردوا على من قال بالقطع محتجًّا بحديث المخزومية: أنه ورد في بعض روايات الحديث، وجاء التصريح في الصحيحين، بذكر السرقة، وجاء عند الحاكم وابن ماجه من حديث ابن مسعود: "أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ انتهى بتصرُّف من شرح السبل السوية للشيخ زيد المدخلي حفظه الله، (كتاب الحدود، باب السرقة ج6/صـ85).

 

قال ابن القيم رحمه الله:

(وأما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم، وترك قطع يد المختلس والمنتهب والغاصب، فمن تمام حكمة الشارع؛ فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه، فإنه ينقب الدور، ويهتك الحرز، ويكسر القُفل، ولا يمكن صاحب المتاع الاحتراز بأكثر من ذلك، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضًا، وعظم الضرر، واشتدت المحنة بالسراق، بخلاف المنتهب والمختلس؛ فإن المنتهب هو الذي يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس، فيمكنهم أن يأخذوا على يديه، ويخلصوا حق المظلوم، أو يشهدوا له عند الحاكم، وأما المختلس فإنه إنما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره، فلا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من اختلاسه، وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ يمكنه الاختلاس فليس كالسارق، بل هو بالخائن أشبه)؛ اهـ من إعلام الموقعين.

 

حكم المحاربين (البلطجية):

لم يترك الشرع الحنيف شاردة ولا واردة ولا صغيرة ولا كبيرة من الخير إلا جلبها، ولا مثقال ذرة من الشر إلا دفعها بأحسن بيان وأوضح تبيان، ومن المسائل القديمة الحديثة: قطَّاع الطرق، أو ما يسمون بـ: البلطجية، وتختلف مسمياتهم، إلا أنهم في حكم الشرع محاربون قاطعو طريق بالسلاح على المسلمين، ونزلت فيهم الآية الشافية الكافية: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ﴾ [المائدة: 33]، وهم على أحوال:

1- فمن قتل وأخذ المال جمع له في العقوبة، فجمع له في الحد بين القتل والصلب.

2- من قتل منهم ولم يسرق المال، قُتل فقط.

3- ومن أخذ المال معتديًا بالسلاح، مرهبًا الناس، قُطعت يده ورجله من خلاف.

4- من قطع السبيل وأخاف الناس ولم يقتل أو يسرق، ينفى من الأرض حتى يتحقق منه التوبة النصوح.

 

وهذا أحد القولين، والقول الثاني: يخير ولي الأمر في العقوبات بقدر ما يرى وما يصلح، فإن شاء خير بين القتل، أو الصلب، وقطع الأرجل، والنفي.

 

وباب التوبة مفتوح بعدُ، اللهم تُبْ على عصاة المسلمين.

 

خاتمة:

مما سبق تبين لك أخي - نفعك الله بما قرأت وما علمت - أن السرقة لا يقوم حدها بقطع يد السارق إلا بشروط شديدة، تدل على عظيم رحمة ربنا في شرعته المطهرة المنزلة من لدن حكيم حميد عليم بخلقه ومصالحهم في الدنيا والآخرة، وكذلك القطع ليس لآحاد الناس، وإنما وليُّ الأمر المسلم هو الذي يتولى إقامة الحدود، حتى لا تكون فتنة وفوضى ؛ وذلك بعد أن تثبت الشروط الموجبة لإقامة الحد، وتنتفي الموانع التي يسقط بها حد القطع على السارق، وإنك لو نظرت في حال دعاة شريعة الغرب، بل حال صانعيها، ليهولنك ما لا يخفى على ذي لب، وما هم فيه من كثرة السرقات، وانتهاك الأعراض، واستباحة المحرمات والفواحش، فتجد في بلادهم عدم الأمن على النفس، بل صار المجرم آمنًا مستأمنًا، والضحية هو المغلوب المستوحش، فلا تغتر بكثرة الهالكين المنابذين لشريعة رب العالمين، ولا يوحشنك قلة السالكين على طريق الحق والهدى والدين، ولقد أحببت أن أذكرك بكلام نفيس لابن القيم يصف فيه ما نحن فيه اليوم؛ قال رحمه الله وغفر له:

 

(لما أعرض الناس عن "تحكيم الكتاب والسنة" والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ، عرض لهم من ذلك فساد في فِطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور، وغلبت عليهم حتى ربي فيها الصغير، وهرم عليها الكبير، فلم يرَوها منكَرًا، فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن، والنفس مقام العقل، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى، والمنكَر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور، وأهلها هم المشار إليهم، وكانت قبل ذلك لأضدادها، وكان أهلها هم المشار إليهم، فإذا رأيت دولة هذه الأمور أقبلت، وراياتها قد نصبت، وجيوشها قد ركبت - فبطنُ الأرض خير من ظهرها، وقلل الجبال خير من سهولها، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الإنسان، اقشعرت الأرض، وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات، وقلَّت الخيرات، وهزلت الوجوه، وتكدرت الحياة من فِسق الظلمة، وبكي ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكاتبون والمعقِّبات إلى ربهم من كثرة الفواحش، وغلبة المنكَرات والقبائح، وهذا والله منذِرٌ بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذِنٌ بليل بلاء قد ادلَهَمَّ ظلامه، فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة، وبابها مفتوحٌ، وكأنكم بالباب وقد أغلق، وبالرهن وقد غلق، وبالجناح وقد علق ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227]، فاشتر نفسك اليوم؛ فإن السوق قائمة، والثمن موجود، والبضائع رخيصة، وسيأتي على تلك السوق والبضائعِ يومٌ لا تصل فيه إلى قليل ولا كثير، وذلك يوم التغابن)؛ انتهى كلامه رحمه الله، فهل من عودة إلى كتاب الله وشرعته؟!

 

وأخيرًا، أسأل الله بمنه وفضله أن يرد المسلمين إلى دينهم ردًّا جميلاً.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تطبيق الشريعة والوحدة الوطنية
  • رفع الحرج والتيسير في الشريعة الإسلامية ضوابطه وتطبيقاته
  • ماذا يعني تطبيق الشريعة؟
  • تطبيق الشريعة الإسلامية
  • الشريعة عدل ومساواة وتغيير اجتماعي إيجابي
  • حكم الله صالح لكل زمان

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة الذريعة إلى معرفة الأعداد الواردة في الشريعة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة أحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصفهاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الذريعة إلى مكارم الشريعة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مع الراغب الأصفهاني في كتاب الذريعة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مع الراغب الأصفهاني في كتاب الذريعة (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سد الذريعة بحديث النهي عن شد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • سد الذرائع في الشريعة الإسلامية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 8/7/1432هـ - قاعدة سد الذرائع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فقه الموازنات والترجيح: ما حرم للذريعة يباح للمصلحة الراجحة(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب