• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

أدوات ساغان في كتاب: العالم المسكون بالشياطين

أدوات ساغان في كتاب: العالم المسكون بالشياطين
أبو الفداء بن مسعود

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/9/2014 ميلادي - 9/11/1435 هجري

الزيارات: 10160

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أدوات كارل ساغان في كتاب:

العالم المسكون بالشياطين

 

الآن وقد بينَّا - بحول الله – في المقال السابق، ما على العامي من واجبات فيما يأتيه مما يَجهل أمره من الأقوال والأخبار، وليس هو بمتأهِّل لموازنة أدلته العلمية حتى يحسن تصوره والحكم عليه، فلننظر فيما قرره ساغان من أدوات في كتابه المذكور [العالم المسكون بالشياطين: العلم الطبيعي كشمعة في الظلام]، ولنتخللها بالتحقيق والتحليل والدراسة؛ لنضع كلاًّ منها في موضعها الصحيح، ولنبين من الأولى بالخطاب بها في ضوء ما تقدم: العامي أم العالم؟ والله الموفِّق للرشاد.

 

يقول ساغان (ص: 202):

• "حيثما أمكن، يجب أن يكون هناك تأكيد مستقل لما هو موصوف بأنه (حقائق)".

قلت: هذا إطلاق فاسد؛ فقد تقدم أن القطعيات والأصول الكلية الكبرى، الموصوفة بأنها حقائق، إما واقعية أو صناعية (أي: متعلقة بالصَّنعة العلمية نفسها)، لا يجوز أن يفتح الباب لطلب إثباتها، لا من العوام ولا من أهل الاختصاص العلمي، أما إن كان يراد التأكد من طبيعة تلك الحقائق المزعومة - وهو ما يجب استيفاء ما يلزم له من العلم قبل القيام به - لتمييز ما كان منها حقًّا وما كان منها افتراضًا نظريًّا، وما كان منها وهمًا وباطلاً، فهذا بحث ضروري ولا شكَّ.

 

فلا ينبغي إطلاق كلمة (حقائق) في هذا المقام دونما تفصيل!

• "ينبغي تشجيع الجدال والنقاش العلمي حول الأدلة من خلال العلماء المؤهلين المنتمين إلى كل قول من الأقوال أو مذهب من المذاهب".

قلت: هذا جيِّد ولا شك، ولكن أين ما يوصف فيه بأنه أداة العامي لتمييز الباطل من الحجج والأقوال؟ ليس كل عامي يصحُّ أو يَحسُن به أن يتعرض للجدال العلمي بين أهل الاختصاص، وليس في كل حال يصح ذلك؛ أرأيت لو أن رجلاً ذهب إلى طبيب طلبًا للعلاج، فوجده يُجادل طبيبًا من زملائه جدالاً علميًّا في تشخيص حالته، أفيَثِق ذلك المريض في أي علاج يكتبه له أي مِن المتجادلَين في ذلك؟ كلا ولا شك، ما يدريه لعل المُخالف يكون هو المصيب، ومن عالجه هو المخطئ! وهو دون أن يميز أدلة الفريقين على أي حال، فأي خير يرجع على هذا المسكين من شهود ذاك الجدل بين أهل الاختصاص؟ لذلك يرى أهل العلم أن نشر المناظرات العلمية الدقيقة والمتخصِّصة على عوام الناس إنما هو فتنة لا تُستحسَن بحال، وقد عمَّت بها البلوى في هذا الزمان.

 

• "الاستدلال بالسلطة (العلمية) يجب ألا يكون له ثِقل، فإن تلك السلطات قد علمنا أنها تخطئ، وقد أخطأت كثيرًا فيما مضى، وستخطئ مجددًا في المستقبل، ولعله من الأبلغ أن يقال: إنه ليس في العلم سلطة لأحد على أحد، وإنما هناك خبراء لا أكثر".

 

قلت: هذا كلام جيد، وإن كان قوله: "لا يكون له ثقل" قول فيه تلبيس؛ إذ يوحي باختلاط المقام على الرجل فيما يقرره من ذلك؛ فإنه مضطر إلى الشهادة بضرورة التقليد - وهو ضرب من الاستدلال يليق بالجاهل المضطر - وفي نفس الوقت هو يدري أن مثل هذا لا تقوم له قائمة ولا يُعتبر به عند العلماء المجتهدين والباحثين المؤهلين للنظر، فبدون التفريق بين المقامين على النحو الذي قررناه آنفًا، لا نستغرب أن نرى هذا الاختلاط في التقعيد!

 

لذا فإن العلماء في ملتنا يقولون: "يُعرف الرِّجال بالحقِّ، ولا يُعرَف الحقُّ بالرجال"، ولكننا نقيد هذا النفي للسلطة العلمية على عقول الناس بقيدين يغفل عنهما من اتخذ علوم الوحي وراءه ظهريًّا، أولهما: أن يكون الإنسان قادرًا على الاستقلال بالنظر، وحينئذٍ لا يجوز له أن يقلد "السلطة العلمية" الموثوقة عنده مع قدرته على التمييز بين الأقوال، وثانيهما: ألا يتجاوز المجتهد باجتهاده ما أجمع عليه أئمة كل صنعة من أصول راسخات فيها لا يُجيز العقل زوالها، ويدخل في ذلك: حرمة خرق الإجماع في الشريعة، وحرمة الاجتهاد مع النص، وغيرها من كليات أصولية عامة في علوم النظر الفقهي.

 

• "ضعْ أكثر من فرضية واحدة، فإن كان هناك ما يراد تفسيره فلتفكِّر في جميع الطرق المختلفة التي يمكن بها تفسير ذلك الشيء، ثم فكِّر في اختبارات يمكنك من خلالها أن تبطل كلاًّ من تلك التفسيرات الأخرى بصورة منهجية، فما تبقى لك بعد ذلك فإنه يكون أكثر احتمالاً لأن يكون هو الصواب في التفسير المطلوب، مما لو سارعت بقبول أول فكرة أو فرضية تحدثك بها نفسك".

 

قلتُ: هذا كلام جيد بالجُملة، غير أن الباحثين المتخصِّصين هم المخاطَبون به كذلك وليس العوام، أما العوام فيَلجؤون إلى أهل الاختصاص، فكما هو واضح أن التفكير في الاختبارات والطرق العلمية التي يختبر بها صحة الفرضية العلمية هذا لا يكون إلا من باحث مكين، أو هذا الذي يَصِفه صاحبنا بالخبير Expert! ومع هذا فقد يَنتفع العامي بهذا الأسلوب الذي ذكره "ساغان" في ترتيب التفكير في افتراض التفسير السبَبِيِّ لبعض ما يطرأ عليه من عوارض وأحداث في حياته اليومية، فيقوم بسبر الاحتمالات التأويلية لها ثم ينظر فيما تؤدي إليه القرائن وترجحه الدلائل الكلية والفرعية فيما بين يديه، ومثال ذلك أن يرجع إلى بيته ذات يوم فيجد المصباح الكهربي مضاءً، مع أنه معتاد على ألا يَتركه إلا مطفأ، فيشرع في وضع الاحتمالات كالتالي: إما أني كنتُ ساهيًا وغافلاً عنه فتركته، وإما أنَّ هناك خللاً في مفتاح الكهرباء، وإما أن هناك من دخل البيت في غيابي وأضاءه (كلصٍّ أو نحوه)، وإما أن هناك جِنيًّا يعبث بالبيت، فبالتأمل يظهر لهذا الرجل أنه ليس هناك احتمال خامس، وهذه التفسيرات الفرضية تدخل كلها في إطار الممكنات عقلاً كما نرى؛ فكيف يصنع هذا الرجل لترجيح التفسير الأقوى؟

 

سيَستبعد التفسير بعمل الجن غالبًا؛ لأنه لم يظهر له من القرائن ما يوحي بإمكان أن يكون هذا هو السبب، ولعله في الحقيقة لن يطرأ هذا التفسير بباله ابتداءً ما لم يكن قد تعرض من قبل في ذلك البيت لما يوحي بوجود يدٍ عابثة خفيَّة لا مجال لدخولها البيت من بابه ولا مِن شباكه، فسيَبقى احتمالاً ضعيفًا ومهملاً بالمقارنة باحتمال أن يكون قد نسي المصباح مضاءً - مثلاً - وهو يظن أنه أطفأه، لا سيما إن كان يعرف عن نفسه كثرة السهو والنسيان، أو لم يكن تركه للبيت قد وقع في ظلمة الليل؛ حيث يصعب احتمال أن يكون قد خفي عنه - إدراكيًّا - الحال التي تركه عليها من النور أو الظلمة قبل أن ينصرف عنه، وأما احتمال أن يكون قد دخل إلى بيته لصٌّ، فإنه يُمكن اختباره بالبحث في نفائس البيت من أثاث وغيره عما إن كان ثمة شيء قد فقد منها، وبسؤال الجيران إن لزم الأمر، كما ينظر في القرائن المادية الأخرى التي يتعامل مع مثلها خبراء التحليل الإجرامي من البحث عن آثار أقدام أو علامة تدلُّ على أن الشباك قد فتح - مثلاً - في حالة ما إذا كان من الممكن الوصول إليه من الخارج تسلقًا أو قفزًا من مكان قريب، وهكذا.

 

وفي الغالب فإن عامة الناس تكتفي بأقرب تلك الاحتمالات إلى الذهن، ولا تحتاج إلى سبر جميع الاحتمالات المعقولة والقيام بسائر تلك الاختبارات للترجيح فيما بينها في حالة كهذه، وإلا لأصيب هذا الإنسان بداء الوسواس القهري! والقصد على أي حال أن هذا الأسلوب في الترجيح في أمثال تلك العوارض اليومية في حياة الناس، مطروق معروف لا يحتاج إلى تعليم.

 

• "حاول ألا تتعلق بفرضية من الفرضيات لمجرَّد أنها لك ومن تنظيرك، فإن الفرضية ليست إلا محطةً عابرةً من محطات الوصول إلى المعرفة، سل نفسك: لماذا تعجبك تلك الفكرة، وقارنها - بإنصاف - بما سواها من البدائل، انظر فيما إذا كان بوسعك الوقوف على أسباب جيدة لإهمال تلك الفرضية وإسقاطها، فإنك إن لم تفعل هذا بنفسك، فسيفعله غيرك".

 

قلت: هذا كلام جيد أيضًا، ولكنه كسابقه - بل أبلغ - في كونه لا يخاطَب به العامة بوجه من الوجوه، وإنما يوجه للباحثين في مجالات العلوم الطبيعية والتجريبية تحديدًا، وهذا الاختلاط في الخطاب - في الحقيقة - يتَّضح منه بجلاء ما قررناه آنفًا من كون هؤلاء الدعاة، دعاة تطبيق الفكر المتشكِّك وأدوات العلم الإمبريقي Scientific Method على سائر قضايا الحياة، إنما هم غلاة يُلبسون الحق بالباطل؛ تعميةً لما يقوم عليه اعتقادهم الغيبي من فساد عقلي محض تحت أستار المعامل والمعاطف البيضاء، فتراهم يرومون تعبيد الخلق لمعبودهم - المادة أو الطبيعة أو "صانع الساعات الأعمى: الجين الأناني" إله دوكينز! - بإلباس طريقتهم لبوس العلم - العلم الطبيعي وأدوات البحث فيه - وما أكثر ما يُطلقون من حق ثم يريدون به الباطل المحض كما سنرى، مَن هذا الذي سيضع نظرية تفسيرية يطرحها على أقرانه ثم ينظر فيما يأتيه من اعتراضات الباحثين عليها ومناقشتهم له فيها، وفي أي قضية من القضايا وفي أي علم من العلوم يكون هذا؟ قطعًا ليس هذا عمل العوام، وقطعًا ليس هذا من أدوات النظر في دعاوى الغيب المطلق!

 

• "ضعْ فرضياتك في قيم كمية، فإن كان ذلك الشيء الذي تحاول تفسيره - أيًّا كان - له وسيلة ما لقياسه عدديًّا، فسيكون من الأيسر كثيرًا بالنسبة لك - إن فعلت - أن تفاضل بينه وبين غيره من الفرضيات المنافسة، وبالطبع فإن هناك حقائق لا تطلب إلا في القضايا الكيفية التي نضطر لمواجهتها من آن لآخر، ولكن معرفة تلك الحقائق تكون أكثر تحديًا مما لو أمكن القياس الكمي".

قلت: هذا كسابقه، كلام رجل يقف في المعمل ليل نهار، ثم هو يريد أن يعتلي منبرًا يخطب منه في العامة ليُوجِّههم فيما يتعرضون له من المقالات والأخبار! ألا يستحي هؤلاء من إصرارهم على الزعم بأن هذه الطرائق تكفي عامة الناس لمعرفة الحق من الباطل في كل شيء؟ بأي سلطان من دليل عقلي يدعي "ساغان" - مثلاً - أن معرفة الحقائق التي يُسمِّيها بالقضايا الكيفية، أكثر تحديًا بهذا الإطلاق، وأصعب من معرفة الحقائق التي يُسمِّيها بالكمية؟ لعله لو كان أكثر دربة بفلسفة العلم لأدرك أن معاملة المتغيرات والثوابت الكمية في المعادلة الرياضية شيء، والوصول إلى تسمية تلك المتغيرات نفسها ككيانات فزيقية يمكن قياسها شيء آخر بالكلية، وليس هذا الأخير بأيسر في كل حال من النظر في القضايا التي يُسمِّيها بهذه السهولة "بالكيفية"، بل لا يصنفه العقلاء أصلاً إن كانوا فاعلين إلا على أنه من قبيل القضايا العقلية الفلسفية، التي تعدُّ من جنسها تلك القضايا "الكيفية" التي يكرهها أصحاب تلك النحلة التي يروج لها "ساغان"، ويودُّون لو كانت الرياضيات والقياسات "الكمية" تغنيهم عن تكلف النظر فيها بالكلية وتصلح للإجابة عن جميع أسئلة البشر بلا استثناء! إن المشكل في هؤلاء القوم يتمثل في الحقيقة في تسطيحهم الشديد لقضايا المعرفة البشرية، واختزاليتهم المدمرة لبنيان المعرفة نفسه كما سنرى ذلك بجلاء خلال عرضنا لمادة هذا الكتاب، وليس هذا في الغالب من جهل عندهم بفلسفة المعرفة أو بما سوى طريقة العلم الطبيعي في تحرير الأدلة وبناء المعرفة، بقدر ما هو الجحود التام والكفر المحض بمطلق فكرة الغيب (الما ورائيات) ونحوها مما لا يمكنهم مجرد تصور ما يقتضيه في حقهم التسليم بقيمته المعرفية.

 

إنها - وبإيجاز - فكرة الدخول في الأديان والعبودية للواحد الديان، تلك الفكرة التي من بُغضِهم إياها واستكبارهم عليها لم يُبالوا بما في نحلتهم الجديدة من هدم لشطر المعرفة البشرية واختزال للعقل البشري نفسه، والله المستعان.

 

• "إن كانت هناك سلسلة من الحُجج المتراكمة، فإن كل حلقة من حلقات تلك السلسلة ينبغي أن تصح، بما في ذلك المقدمات نفسها، وليس فقط بعض تلك الحلقات أو أكثرها".

 

قلت: جيد، ولكن ما انتفاع العامي بهذه أيضًا؟ هلا ضربت لنا مثالاً واحدًا لا تكلُّف ولا تعقيد فيه من حياة الناس اليومية يا سيد "ساغان"؟ أي سلسلة من الحجج المتراكِمة هذه التي سيُناط بالعامي أن يتفحَّصها، وما طبيعة الأدوات التي سيستعملها في ذلك؟ إن أحلتَنا إلى مناهج فلاسفة التعقُّل Philosophy of reasoning في التحليل النقدي للحجج Arguments والدعاوى المعرفية بمقدماتها ونتائجها تحليلاً منطقيًّا، فيقينًا ليس هذا مما جاءنا به "العلم الطبيعي" وطرائقه، ولا يؤخذ عن عالم من علماء الفلك، أليس كذلك؟ أما إن كنت تقصد تمجيد طريقة الطبيعيين في تحليل حُججهم المتراكمة، والنظر في أدلتها واختبار كل منها في معاملهم ومختبراتهم، فالمنطق الكلي الذي ينتهجه العلماء في النظر في مجموع أدلتهم في كل علم من العلوم يرجع إلى قواعد عقلية كلية واحدة في الاستنباط والاستقراء، لا فضل للعلم الطبيعي في شيء منها على غيره من العلوم أصلاً، بل هو تابع لغيره فيها، مُستصحب لها ضرورةً.

 

• "شفرة أوكام؛ هذه القاعدة النافعة تَحثنا عندما نواجَه بفرضيتين تستويان في معقولية تفسيرهما لجملة من البيانات، على أن نتخير الأيسر والأبسط منهما".

قلت: هذه القاعدة المعروفة بشفرة أوكام تعدُّ من الركائز الأساسية التي يشيد عليها الملاحدة بمختلف أخلاطهم الفكرية عقيدتَهم في الغيب والما ورائيات؛ ولهذا لم يكن ساغان ليفوِّت هذه الفرصة ليضع تلك القاعدة في هذه الأدوات التي يدعو العامة لاستعمالها في الموازنة بين الأقوال والحجج؛ ذلك أن القاعدة مبناها القول بأولوية أو بأرجحية النظرية أو التفسير الذي يقوم على أقل عدد من الفرضيات عند تَساوي أكثر من نظرية في القوة التفسيرية للظاهرة المراد تفسيرها، أو بعبارة أخرى: هي القول بأن "التفسيرات الأيسر مقدَّمة على التفسيرات الأعقد عند التساوي"، والسؤال الذي يحق لنا ها هنا أن نطرحه على السيد "ساغان": ما دليل هذه القاعدة؟ هل دلَّ الاستقراء الطبيعي - مثلاً - على أن التفسيرات الأيسر أو الأبسط - حتى في دائرة البحث الإمبريقي في العلوم الطبيعية - غالبًا ما تكون هي الأحظى بالصواب؟ وهل هناك حدٌّ مُنضبِط يمكن الاتفاق عليه للحكم على تفسير من التفسيرات بأنه "بسيط" وعلى آخر بأنه "معقد"، أو على فرضية ما بأنها معتبرة في سياق النظرية، أو بأنها من قبيل ما يقال له: Ad Hoc hypothesis؟[1]

 

لا شكَّ في أن أفضل الطرق للوصول من نقطة (أ) إلى نقطة (ب) هو الطريق المستقيم، ولكن عن أي طريق نتحدث، وعن أي نقطتين؟ هنا يأتي الخلط عند كثير من فلاسفة العلم الطبيعي ومن تابعهم من علماء الملاحدة! لا شك في أن زيادة الافتراضات postulates الطبيعية في تفسير ظاهرة من الظواهر الطبيعية دون مسوِّغ من القرائن العلمية المعتبَرَة يعدُّ تكلفًا لما لا حامل عليه، ومخالفةً لغاية العلم الطبيعي نفسه، التي هي تيسير الفهم والتصور لظواهر الطبيعة بغية تيسير الانتفاع بها والاستفادة منها، فنحن إنما حملَنا على طلب التفسير الطبيعي للظاهرة الطبيعية من خلال الأسباب الطبيعية، الحرصُ على فهمها بأقل عدد متصور من العلل السببية الظاهرة، بما يُمكننا من الانتفاع بها أو تجنُّب مَخاطرها لتحسين حياة الإنسان، ولكن هذا لا يعني - بالضرورة - أن التفسير الأيسر أو الأقل عددًا في فرضياته ومقدماته - أو فيما يفترضه من أسباب وتعليلات - هو الصواب ولا بد! وحتى مع كوننا قد تمكنا من خلال معرفة القليل من الأسباب الطبيعية المباشرة من التعامل مع ظاهرة من الظواهر الطبيعية لجلب المنفعة منها ودفع الضرر، فإن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن هذه الظاهرة تقتصر أسبابها عند وقوعها على هذه الجملة من الأسباب التي فسَّرها بها أهل الطبيعيات! أليس قد شهد الرياضيون من أصحاب نظرية الفوضى Chaos Theory بأن طيران فراشة في سيبيرا قد يكون من الأسباب المفضية إلى وقوع إعصار في أمريكا، وأن نظام الأسباب الكوني أشد تركيبًا وتعقيدًا من أن نقصر تصوره على الرياضيات الخطية وحدها؟ فإنَّنا نقول: إن كانت غاية التبسيط والتيسير: تسهيل التصور لتسهيل إصابة المقاصد الكلية من العلم الطبيعي، فإن هذه الغاية لا ينبغي أن تتجاوز أو تتقاطع مع غاية الوصول إلى معرفة الحقيقة بتمامها! نعم سنظل - في دائرة العلم الطبيعي - نقدِّم التفسير الأيسر والأقل في عدد الفرضيات حتى يثبت لنا أنه مرجوح بما هو أعقد، فإن هذا الشرط "الإبستمي" في القبول والرد مرجعه في الحقيقة إلى كون الإنسان ناقصًا ضعيفًا، كلما كثرت فرضياته في إطار النظرية التفسيرية الواحدة، قلَّت احتمالية أن تُصيب تلك الفرضيات الحق في مجموعها! هذا هو غاية ما يُمكنني أن أتصوره من مستند عقلي لهذا التحكم المعرفي، ولا أرى بأسًا في القول به، ولكن بشرط ألا يتخذ ذريعة لردِّ ما صح من الأسباب والعلل التي تأتي على خلاف المزاج والهوى!

 

فنقول: إنه يجب ألا تُطلق تلك القاعدة للاعتراض على وجود العامل الغيبي الما ورائي في سلسلة الأسباب، بدعوى أنه افتراض زائد لا داعي له ولا يمكن إثباته! لا داعي له عند مَن؟ ولأي غاية؟ صحيح أنَّه لا يفيد العالم الطبيعي في الوصول إلى الأسباب المادية المباشرة التي يُمكنه من خلال التعامل معها أن يتحكم في الظاهرة محل الدراسة للوصول إلى اكتشاف دواء لمرض أو لتصميم آلة مفيدة أو نحو ذلك من أغراض العلم الطبيعي، ولكن هذا لا يعني أن ذلك العامل الغيبي لا وجود له أو أنه زائد عن الحاجة / surplus redundant! إن العلم الطبيعي قائم على الشهادة بأنه مهما أحصى الباحث من متغيرات ذات تأثير على الظاهرة محل الدراسة، فقام بعزلها وتثبيتها جميعًا لصالح البحث في واحد منها بعينه، فإنه لن يصل يومًا ما إلى إحصاء سائر الأسباب الطبيعية - بمعنى: الداخلة في دائرة الحس والمشاهدة - ذات الصلة، التي يُمكن أن يعبر عنها فيما بعد بمتغيرات جديدة تُضاف إلى المعادلة وإلى العملية التجريبية في دراسة الظاهرة ذاتها! فما وجه هذه المكابَرة عند هؤلاء، وإصرارهم على نفْي العامل الغيبي بدعوى أنه زائد عن الحاجة وأنه لا يخدم التفسير العلمي؟

 

إن حقيقة أن هناك ملائكة في الغيب موكلة بالمطر - مثلاً - لا يلزم منها بطلان ما ثبت من تفسيرات سببية طبيعية لنزول المطر، أصبحْنا بسببها نتمكَّن من استطلاع المطر بنسبة أرجحية واحتمالية جيدة قبل وقوعه، إن ما نراه من الأسباب قد يَكفي لغايات العلم الطبيعي في النظر والبحث، ولكنه لا يُغني عن معرفة ما وراءه إذا ما ثبَت وجوده بدليل صالح للاستِدلال، ولا يبطله مجرد كونه خارجًا عن طرائق العلم الإمبريقي في معرفته والوصول إليه، ينبغي أن يوقف علماء الطبيعيات على حدود صنعتهم وعلى طبيعة أدلتهم وعلى حقيقة المقصد الأشمل لتلك الصَّنعة التي يشتغلون بها، فإن هم خالفوا وأصروا على تسفيه الحق المبين في أمور الغيب استنادًا على ما يشهدون بأنه ليس سبيلاً لإثبات أو نفي وجود تلك الأمور، فإن حقهم - حينئذٍ - التسفيه والتحقير، لا أن يُقام لكلامهم وزن في سوق العلم، ويُقال - كما يقولون -: إن القرن الواحد والعشرين لا مكان فيه للاعتقاد بكذا وكذا مما عند أهل الأديان[2]!

 

ولذا فإننا نقول: إنَّ حشْر ساغان لشَفرة أوكام في هذا المقام مُغالطة واضحة، وفيه من التضليل لعامة القراء ما فيه، وفي جميع الأحوال فلا شأن للعامي بهذه الشفرة؛ لأنه لا يملك من العلم ما به يقارن بين النظريات العلمية ويرجِّح، بناءً على ضوابط صنعة من العلم لا اختصاص له فيها!

 

• "يجب أن تسأل دائمًا عما إذا كانت الفرضية تقبل - على الأقل من حيث المبدأ - أن يتم إبطالها؛ فإن الفرضيات التي لا يمكن اختبارها ولا إبطالها لا تساوي شيئًا، وانظر مثلاً في تلك الفكرة العظيمة القائلة بأن هذا الكون وكل ما فيه ليس إلا جزيئًا صغيرًا - ولنقل: إلكترونًا - في كون آخر أضخم منه بكثير، أليس إن كنا لا نستطيع الوصول إلى أي معلومة من خارج كوننا هذا، فإن هذه الفكرة تبقى غير قابلة للإبطال؟ يجب أن تكون قادرًا على مراجعة تلك الافتراضات والتثبت منها، ويجب أن تُتاح الفرصة للمتشكِّكين لأنْ يتبعوا عمليتك المنطقية، ويكرِّروا تجارِبك بنفس خطواتها؛ ليروا ما إذا كانوا سيصلون إلى النتيجة ذاتها"!

 

قلت: لا يُساورني شك في أن الفرضية العلمية التجريبية أو الطبيعية - أي المحصورة في دائرة العلم الطبيعي - يجب أن تتَّصف بتلك الصفة التي يذكرها ساغان، وهذا هو المجال الصحيح لتطبيق قاعدة بوبر المشهورة في التكذيب على أي حال؛ حيث إن الفرضية العلمية - أو القول العلمي - إن لم يكن من الممكن أن يتحقق إبطاله من خلال أدوات البحث التجريبي والإمبريقي، فإنه لا يصح أن يُقبل بوصفه فرضية من فرضيات العلم الطبيعي؛ فإن مادة العلم الطبيعي إنما هي محصورة في دائرة المحسوس والمشاهد من الموجودات في الواقع، ولا ينبغي أن تتجاوز ذلك.

 

ويلاحظ القارئ أنني أتعمد في هذا الحدِّ لقاعدة بوبر أن أقيِّد العلم ها هنا بالطبيعي؛ لتصحيح مفهوم هذه القاعدة ووضعها في إطارها الصحيح، وإلا فإن تخلف الأدوات الإمبريقية عن إمكان إبطال القول لا يلزم منه بطلان ذلك القول في نفسه معرفيًّا؛ ولهذا فإننا نردُّ على هذا المثال الذي ضربه ساغان والسؤال الذي سأله فيه بشأن ما وراء الكون، ونقول له: إننا نعلم أن هذا الكون "السماء الدنيا" إنما هو حلقة في فلاة بالنسبة إلى سماء أخرى أرحب منها، وهكذا في سبع طبقات متتابعات، ولكن من أين جئنا نحن بهذا العلم عما وراء كوننا المنظور؟ نعم ليس هو قابلاً للإبطال وفق قاعدة بوبر ولا شك، ولا هو مما يمكن وصفه بالعلم الطبيعي أصلاً، ولكن هذا لا يعني أن القائل به لا يقف على دليل صالح للاستدلال كما يظهر من تعميمات هؤلاء ومن هذا المثال نفسه، فلو صدق هذا الرجل لشهد بأن العقل يلزمه قبول الخبر الغيبي بهذا الأمر إن جاء عن طريق رسول ثابتة رسالته من الرب الباري - الذي هو موجود في الغيب بضرورة العقل - وإن لم تكن مادة ذلك الخبر قابلة للدخول تحت الحسِّ أو المشاهدة الإمبريقية في يوم من الأيام - كما هو معنى الغيب نفسه - ولكنه يجحد ذلك كله ويُنكِره اعتقادًا، فلا يجد إلا أن يسد الطريق أمام سائر مصادر المعرفة البشرية الأخرى التي تُفضي إلى إبطال ملته!

 

ثم إنك لا تملك إلا أن تعجب عندما ترى ساغان يقرر أنه لا يقبل هذه الفرضية بشأن الكون، ومع هذا لا تراه يعترض للسبب نفسه على النموذج الدوري للكون Cyclic Model، وهو النظرية القائلة - ضمن عدة نظريات مماثلة - بأن الكون قد مرَّ بعدة مراحل من الانفجار Bang والانكماش Crunch، كانت ولا تزال تتكرر من الأزل وإلى الأبد! ولا تراه يعترض على النظرية القائلة بأن هناك عددًا لا نهائيًّا من الأكوان الموازية لكوننا هذا! مع أن كلا النظريتين لا سبيل لإبطالهما بالطرائق العلمية الطبيعية - من حيث المبدأ - كما هو واضح، بل وإن شئت فيمكنك أن تسحب عليهما شفرة أوكام كذلك! فلماذا لا يعترض مع أن المبدأ واحد؟ السبب - كما هو واضح - أن هذه النظريات تُناسب عقيدته الإلحادية وتخدمها، أما فكرة القول بأن الكون المنظور ليس إلا ذرة في كون آخر أكبر منه، فلا تخدم المعتقد الإلحادي في شيء، وإذًا فهي لا قيمة لها ولا تساوي شيئًا في سوق المعارف؛ لأنها لا يمكن الوقوف على ما يُثبتها بطرائق العلم الطبيعي!

 

إنَّ الاقتصار على العلم الطبيعي والتجريبي وحده لبناء المعرفة البشرية أصلٌ باطل يُغني مجرد ذكره عن تكلُّف إبطاله، ومن العجيب أن الملاحدة يتغافلون عن ذلك التناقض الفجِّ الذي يقعون فيه في كل مرة تراهم يستندون في الانتصار لهذا المعنى وغيره مما بنوا عليه أصولهم العلمية والمعرفية - إلى أقوال فلاسفة (لا علماء طبيعة، ولا باحثين معمليين)، وقد قرأت لأحدهم قوله: "إن التفكير المنطقي والمحاججة العقلية بحد ذاتها ليست دليلاً علميًّا؛ لأن تعقيد الطبيعة أكبر بكثير من تعقيد الحجة!"، وهو يستلهم ذلك المعنى من مقولة فرانسيس بيكون الشهيرة: "المحاججة العقلية لا يمكن أن تكفي لاكتشاف أعمال جديدة؛ نظرًا لأن تعقيد وكمال الطبيعة أعظم بمرات عديدة من تعقيد وكمال الحجة العقلية"، فلعل أول سؤال نوجهه لصاحبنا هذا: كيف تثبت لنا صحة ما قرره بيكون هنا إن كنت فاعلاً؟ ما هو معيار التعقيد أو الكمال في كلامك وفي كلام بيكون، وما حدُّه وما تعريفه؟ وأهم من ذلك كله: كيف تدعي أن بيكون يزعم بذلك إبطال حجية كل ما سوى الحسِّ والمُشاهَدة والتجريب من صنوف الأدلة والبراهين؟ أفيُعقَل أن يقرر الرجل بطلان صنعته العقلية نفسها وجنس الأدلة العقلية التي استعملها من حيث لا يدري، على نحو ما يفهم هؤلاء السفهاء؟ إنما كان بيكون يتكلم عن قدرة العقل البشري على بناء التصورات الرياضية والعقلية لنظم الطبيعة المعقدة، ويقرر أن هذه القدرة محدودة، وأنها لا يمكنها غالبًا أن تبني تصورًا كاملاً خاليًا من الخطأ أو النقص، بخلاف النظام الطبيعي نفسه الذي يقر العقل ويشهد بأنه فائق الدقة والتعقيد والكمال! وبغضِّ النظر عن سبيل الاستدلال على صحة ما ذكره بيكون - الذي لا يَجرؤ أيٌّ من الملاحدة على أن يدَّعي أنه التجريب المعملي المجرد - فكيف يُفهم من هذا الكلام أن الحجاج العقلي الذي لا يستند على برهان تجريبي معملي باطل ولا قيمة له، أو أنه لا يضيف إلى مخزون المعرفة البشرية شيئًا ذا بال؟

 

وبمواصلة القراءة، نرى ساغان يواصل سعيه إلى إقناع القراء بأنه لا سبيل إلى تحصيل المعرفة - أيًّا كانت مادتها - أعلى ولا أولى مما يجري في المعامل تحت راية العلم الطبيعي، وتراه يتغنى بسحر تلك الصنعة وبفنون تصميم التجارب المعملية وما تقوم عليه من قواعد محكمة... إلخ، وكأنَّ الناس ما ضلَّت ولا جهلت إلا لغفلة تلبسوا بها عن أهمية تلك المعارف، أو عن أنها تقوم في الحقيقة على قواعد محكمة في البحث والتجريب وبناء النظريات التفسيرية! وكثيرًا ما تسمع الواحد من هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم يرسم على وجهه ابتسامة صفراء وهو يقول: "ألم تروا كيف وصل العلم الطبيعي بكم إلى القمر؟ ألم تروا كيف عالجَكم من المرض؟ ألم تروا كيف شيَّد لكم البنايات، وصنع لكن السيارات والطائرات، وحملكم في البر والبحر والجو وآتاكم من كل ما سألتموه؟ فما بالكم يا مساكين تستقبلونه في بعض أموركم تطلبون منه الجواب، ثم تستدبرونه في بعضها الآخر وتسألون غيره، تُشركون معه غيره من العلوم؟ العلم الطبيعي هو العلم، لا علم غيره، ولا إله إلا الطبيعة"!

 

وينتقل ساغان بعد ذلك إلى القسم الثاني من "أداة كشف الدجل" هذه، حيث يتكلم فيما "لا يجب فعله"، فيضرب أمثلة لصنوف من الحجج يراها باطلة، من باب تحذير العوام من الوقوع فيها، وكالعادة، نراه يورد أمورًا هي حق في ذاتها ولكنه يُنزلها عند التمثيل على ما يدين به من الباطل، يعمم ما حقه التخصيص، ويخصص ما حقه التعميم، يقدم ما حقه التأخير ويؤخر ما حقه التقديم، ويخلط الغث بالسمين أيما خلط!



[1] Ad Hoc Hypothesis هي كل فرضيَّة إضافية يظهر للناظر أن واضعها إنما أتى بها لإنقاذ نظريته من السقوط بإزاء ما تُقابَل به من اعتراضات وجيهة حقها أن تكفي لإبطال تلك النظرية، ولعلي لا أبالغ إن قلت: إنه ليس في تاريخ العلم الحديث نظرية من النظريات قد غرقت حتى الثمالة في هذا الصنف من الفرضيات كنظرية داروين! إن المتابع لتاريخ نمو وتطور تلك النظرية ليرى بجلاء كيف أنها كانت ولا تزال تزداد تعقيدًا وتشعبًا كما لا يقع في غيرها من نظريات العلم الحديث، دون أن يتطرق إليها احتمال الإبطال أصلاً! فإن لم يكن هذا من قبيل الفرضيات الإنقاذية ad hoc التي يَستنكرها القوم، فليضعوا لنا - إن كانوا يستطيعون - قاعدة عقلية فلسفية محكمة لهذا الصنف من الفرضيات المستنكرة نظريًّا، تسلَم لهم معها نظرية داروين من أن تكون مشحونةً بما يتحقق فيه شرط تلك القاعدة!

دعْنا على سبيل المثال نتأمل في تفسير الدراونة لذاك الذيل البديع الذي يتمتع به الطاوس، فمع أن حُجة المخالفين لهم في مخالفة ذلك الذيل لنظريتهم واضحة؛ من كونه يشكِّل عبئًا على الطائر قد يقلل من فرص بقاء نوعه، إلا أنهم يردون عليها بافتراض أن يكون بقاء ذلك الطير على الرغم من ذلك دليلاً على أن الإناث فضَّلته لقوته وجماله معًا، فانتخبته الطبيعة انتخابًا جنسيًّا، فإلى جانب كون هذا التفسير استدلالاً بمحل النزاع، فما حجة أصحابه في الرد على من يتهم فرضيتهم أو تفسيرهم ذاك بأنه من قبيل ad hoc hypothesis؟ وعلى هذا المنوال: هل من ظاهرة من ظواهر الحياة الطبيعية يمكن أن يعجز الدراونة عن ضرب تفسير لها أصلاً؟ وهل يبقى للنظرية العلمية من قيمة - على شرطهم نفسه - إن كان من غير المتصور أصلاً أن يتمكن أحد من الباحثين من إبطالها بأي مُشاهَدة من المشاهدات في يوم من الأيام؛ لأنها ستجد - وهو ما نراه تحقيقًا - تفسيرًا لديهم من هذا الصنف لا محالة؟

[2] يقول ساغان في مستهل سلسلته التلفزيونية الشهيرة "الكون" Cosmos التي استهدف فيها - بحسب دعواه - أن يعرِّف الناس بقيمة وأهمية العلم الطبيعي في حياتنا المعاصرة: "إن الكون universe هو كل ما كان، وكل ما هو كائن، وكل ما سيكون"، فهل هذه العبارة من عبارات العلم الطبيعي؟ كلا ولا شك! وإنما هي من عبارات الفلسفية الميتافزيقية (الاعتقاد الغيبي)؛ لأنها تقرِّر عقيدة الرجل في أن الكون ليس وراءه شيء، وليس قبله ولا بعده شيء! فهل توصل السيد "ساغان" إلى هذا الاعتقاد بناءً على أدلة علمية إمبريقية، وهل يدَّعي أن علم الفلك قد أوصله إلى هذا الاعتقاد؟ ما ظن هؤلاء بعقولنا؟!

 

من كتاب: آلة الموحِّدين لكشفِ خرافات الطبيعيين - الجزء الأول - من أدوات ساغان





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عالم الجن والشياطين
  • تقرير نقدي لكتاب السر الأكبر لدايفيد إيكيه
  • من أباطيل ساغان
  • من أباطيل كارل ساغان: الاحتجاج بالعواقب غير المرغوبة

مختارات من الشبكة

  • حجم غرفة الإذاعة المدرسية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تسهيل المسالك بشرح كتاب المناسك: شرح كتاب المناسك من كتاب زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أدوات القرآن الكريم وأثرها على المعنى الدلالي، (كم - كأين) نموذجا (دراسة موضوعية) (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • أدوات التقليل والتكثير في العربية - دراسة دلالية نحوية(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • أدوات نصب الفعل المضارع(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أدوات الترجمة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • لا تناقش إلا إذا امتلكت أدوات النقاش(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أدوات الجزم التي تجزم فعلا واحدا(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ألفاظ أدوات العذاب في الدنيا في الآيات القرآنية: دراسة دلالية (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • استخدام أدوات التعلم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب