• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

القرآن وأمية بن أبي الصلت .. أيهما أخذ من الآخر ؟!

د. إبراهيم عوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/3/2014 ميلادي - 8/5/1435 هجري

الزيارات: 220827

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بين المسيح والنبي محمد في القرآن والإنجيل (18)

حقائق الإسلام الدامغة وشبهات خصومه الفارغة

الرد على ضلالات زكريا بطرس

القرآن وأمية بن أبي الصلت: أيهما أخذ من الآخر؟


أمية بن أبي الصلت شاعر مخضَرم من قبيلة ثقيف، التي كانت تسكُن الطائف، وكان أبوه أيضًا شاعرًا، كما كانت له أخت تسمَّى: "الفارعة"، وبنتان وعدة أبناء بعضهم شعراء، وأخٌ اسمه: "هذيل" أُسِر وقتِل مشرِكًا في حصار الطائف، وهو من الحنفاء الذين ثاروا على عبادة الأصنام وآمنوا بالله الواحد واليوم الآخر، وأزعجَهم التردِّي الخُلقي الذي كان شائعًا في الجزيرة العربية، وتطلَّعوا إلى نبي يبعث من بين العرب، بل إنه هو بالذات كان يرجو أن يكون ذلك النبي، وكان أمية يخالِط رجال الدين، ويقرأ كتبَهم، ويقتبِس منها في أشعاره، وكان رجل أسفار وتجارة، كما كان يمدَح بعض كبار القوم؛ كعبدالله بن جدْعان، وينال عطاياهم وينادِمهم على الخمر، وإن قيل: إنه قد حرَّمها بعد ذلك على نفسه، وتُجمِع المصادر على أنه مات كافرًا حسدًا منه وبَغيًا؛ إذ ما إن بلَغه مبعَث النبي محمد حتى ترَك الطائف فارًّا إلى اليمن ومعه بنتاه اللتان تركهما هناك، وأخذ يجول في أرجاء الجزيرة ما بين اليمن والبحرين ومكة والشام والمدينة والطائف، وتذكُر لنا الروايات مع ذلك أنه وفَد على النبي ذات مرة وهو لا يزال في أم القرى واستمَع منه إلى سورة "يس" وأبدى تصديقه به مؤكِّدًا لمن سأله من المشركين أنه على الحق، بيد أن حقده الدفين منَعه من أن يُعلِن دخوله في الإسلام رسميًّا وبصورة نهائية، رُغم أنه - كما جاء في إحدى الروايات - كان قد اعتزَم أن يذهب إلى المدينة للقاء الرسول مرة أخرى وإعلان دخوله في الدين الجديد، لكن الكفار خذَلوه وأثاروا نار حقده على محمد من خلال تذكيره بأنه قتَل أقاربه في بدر ورماهم في القليب، فما كان منه إلا أن عاد أدراجه بعد أن شقَّ هدومه وبكى وعقر ناقته مثلما يصنع الجاهليون، ثم لم يكتفِ بهذا، بل رثى هؤلاء القتلى وأخذ يحرِّض المشركين على الثأر لهم منضمًّا بذلك إلى جبهة الشرك والوثنية ضد الإسلام، وظلَّ هكذا حتى لقِي حتفَه، على خلاف في السَّنة التي مات فيها ما بين الثانية للهجرة إلى التاسعة منها قبل فتْح النبي الطائف بقليل، وهو الأرجح؛ (شعراء النصرانية قبل الإسلام/ ط2/ دار المشرق/ بيروت/ 219 وما بعدها، ود. جواد علي/ المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام/ ط2/ دار العلم للملايين/ 1978م/ 6/478 - 500، وبهجة عبدالغفور الحديثي/ أُميَّة بن أبي الصلت - حياته وشعره/ مطبوعات وزارة الإعلام/ بغداد/ 1975م/ 46 فصاعدًا، وله تراجُم في "طبقات الشعراء"، و"الشعر والشعراء"، و"الأغاني" وغيرها).


ولأمية ديوان شعر يختلِط فيه الشعر الصحيح النِّسبة له، بالشعر المنسوب له ولغيره، بالشعر الذي لا يبعَث على الاطمئنان إلى أنه من نَظْمه، وهذا القسم الأخير هو الغالب، وأكثر شعر الديوان في المسائل الدينية: تأمُّلاً في الكون ودلالته على ربوبية الله، ووصفًا للملائكة وعكوفهم على تسبيح ربهم والعمل على مرضاته، وإخبارًا عن اليوم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب، وحكاية لقصص الأنبياء مع أقوامهم، إلى جانب أشعاره في مدْح عبدالله بن جدعان والفخر بنفسه وقبيلته وما إلى ذلك، ومن الشعر الديني المنسوب إليه ما يقترِب اقترابًا شديدًا من القرآن الكريم معنًى ولفظًا، وكأننا بإزاء شاعر وضَع القرآن بين يديه وجَهَد في نَظْم آياته شعرًا، ومن هذه الأشعار الشواهد التالية:

لك الحمد والنَّعماء والمُلك ربنا
فلا شيء أعلى منك جَدًّا وأمجدُ
مَليك على عرش السماء مهيمن
لعزَّته تَعنو الجِباه وتسجدُ
مليك السموات الشِّداد وأرضها
وليس بشيء فوقنا يتأوَّد
تسبِّحه الطير الكوامن في الخفا
وإذ هي في جوِّ السماء تَصَعَّد
ومن خوف ربي سبَّح الرعد حمَده
وسبَّحه الأشجار والوحش أُبَّدُ
من الحقد نيران العداوة بيننا
لأنْ قال ربي للملائكة: اسجُدوا
لآدم لما كمَّل الله خلْقَه
فخرُّوا له طوعًا سجودًا وكدَّدوا
وقال عدوُّ الله للكِبر والشقا:
لطين على نار السموم فسوَّدوا
فأخرَجه العِصيان من خير منزلٍ
فذاك الذي في سالف الدهر يحقِدُ

••••

ويوم موعدهم أن يُحشروا زُمَرًا
يوم التغابن إذ لا ينفع الحذَرُ
مستوسِقين مع الداعي كأنهم
رِجْل الجراد زفَّته الريح تَنتشِر
وأبرزوا بصعيد مستوٍ جُرُز
وأنزل العرش والميزان والزبر
وحوسِبوا بالذي لم يُحصِه أحد
منهم، وفي مِثل ذاك اليوم معتبَر
فمنهمو فرِحٌ راضٍ بمبعَثه
وآخرون عصَوا، مأواهم السَّقرُ
يقول خُزَّانها: ما كان عندكمُ؟
ألم يكن جاءكم من ربكم نُذُرُ؟
قالوا: بلى، فأطعنا سادةً بَطِروا
وغرَّنا طولُ هذا العيش والعُمُرُ
قالوا: امكُثوا في عذاب الله، ما لكمُ
إلا السلاسل والأغلال والسُّعَر
فذاك محبسهم لا يبرَحون به
طول المقام، وإن ضجُّوا وإن صَبروا
وآخرون على الأعراف قد طمعوا
بجنة حفَّها الرُّمان والخُضَرُ
يُسقَون فيها بكأس لذَّة أُنُف
صفراء لا ثرقبٌ فيها ولا سَكَرُ
مِزاجها سلسبيل ماؤها غَدِقٌ
عذبُ المذاقة لا مِلح ولا كَدَرُ
وليس ذو العلم بالتقوى كجاهِلها
ولا البصير كأعمى ما له بَصرُ
فاستخبِر الناس عما أنت جاهلُهُ
إذا عَميت، فقد يجلو العَمَى الخبرُ
كأين خلت فيهمو من أمة ظَلَمت
قد كان جاءهمُ من قبلهم نُذُر
فصدِّقوا بلقاء الله ربكمُ
ولا يصدَّنكم عن ذكْره البطرُ

••••

قال: ربي، إني دعوتك في الف
جر، فأصلح عليَّ اعتمالي
إنني زارد الحديد على النا
س دروعًا سوابغ الأذيال
لا أرى من يُعينني في حياتي
غير نفسي إلا بني إسرال

 

وقد ظنَّت طوائف المبشِّرين ممن فقَدوا رُشدهم وحياءهم أن بمستطاعهم الإجلاب على الإسلام ورسوله وكتابه بالباطل، فأخذوا يزعمون أن القرآن مسروق من شعر أمية بن أبي الصلت لهذه المشابهات، والواقع أن عددًا من كِبار دارسي الأدب الجاهلي، من المستشرقين قبل العرب والمسلمين، قد رأوا عكس هذا الذي يزعمه المبشرون، إذ قالوا بأن هذه الأشعار التي تُنسَب لأمية مما يتشابه مع ما ورد في القرآن عن خلْق الكون والسموات والأرض، وعن العالم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب وجنة ونار، وعن الأنبياء السابقين وأقوامهم وما إلى ذلك، هي أشعار منحولة عليه، قال ذلك - على سبيل المثال - تور أندريه وبروكلمان وبراو من المستشرقين، و د. طه حسين والشيخ محمد عرفة ود. عمر فروخ ود. شوقي ضيف ود. جواد علي وبهجة الحديثي من العلماء العرب، وإن كان من المستشرقين مع ذلك مَن يدَّعي أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قد أخذ بعض قرآنه من شعر هذا المتحنِّف؛ كالمستشرق الفرنسي كليمان هوار، ومنهم من قال: إن الرسول وورقة قد استمدَّا كلاهما من مصدر واحد.


وإلى القارئ تفصيلاً بهذا: فالمستشرِق الألماني كارل بروكلمان يؤكِّد أن أكثر ما يُروى من شعر أمية هو في الواقع منحول عليه، ما عدا مرثيَّته في قتلى المشركين ببدر، وأنه إذا كان كليمن هوار المستشرق الفرنسي قد زعم أن شعره كان مصدرًا من مصادر القرآن، فإن الحق ما قال تور أندريه من أن الأشعار التي نظَر إليها هوار في اتِّهامه هذا إنما هي نَظْمٌ جَمَع القصاص فيه ما استخرَجه المفسِّرون من مواد القصص القرآني، وأن هذه الأشعار لا بدَّ أن تكون قد نُحلت لأمية منذ عهد مبكِّر لا يتجاوز القرن الأول للهجرة، فقد سماه الأصمعي: "شاعر الآخرة"، كما أراد محمد بن داود الأنطاكي أن يفتتح القسم الثاني في الدينيات من كتابه: "الزهرة بأشعار أمية" (كارل بروكلمان/ تاريخ الأدب العربي/ ترجمة د. عبدالحليم النجار/ ط4/ دار المعارف/ 1/113)، يريد بروكلمان أن يقول: لولا أنه كان هناك شعر يدور حول الموضوعات الدينية التي ذكرناها قبلاً منسوب لأمية منذ ذلك الوقت المبكر لما أطلَق عليه الأصمعي هذه التسمية، ولما فكَّر الأنطاكي أن يورِد له أشعارًا دينية في كتابه المذكور، ويقول المستشرق براو كاتب مادة "أمية بن أبي الصلت" ب: الطبعة الأولى من "دائرة المعارف الإسلامية"، تعليقًا على اتِّهام هوار للقرآن بأنه قد استمدَّ بعض مواده من أشعار أمية: إن صحة القصائد المنسوبة لهذا الشاعر أمرٌ مشكوك فيه، شأنها شأن أشعار الجاهليين بوجه عام، وإن القول بأن محمدًا قد اقتبَس شيئًا من قصائد أمية هو زعم بعيد الاحتمال لسبب بسيط، هو أن أمية كان على معرفة أوسَع بالأساطير التي نحن بصددها، كما كانت أساطيره تختلف في تفصيلاتها عما ورد في القرآن، ثم أضاف أنه - وإن استبعَد أن يكون أمية قد اقتبَس شيئًا من القرآن - لا يرى ذلك أمرًا مستحيلاً، وهو يعلِّل التشابُه بين أشعار أمية وما جاء في القرآن الكريم بالقول بأنه قد انتشَرت في أيام البعثة وقبلها بقليل نزعاتٌ فكرية شبيهة بآراء الحنفاء استهوت الكثيرين من أهل المدن؛ كمكة والطائف، وغذتها ونشَّطتها كل من تفاسير اليهود للتوراة وأساطير المسلمين، ثم يخبِرنا براو بما توصَّل إليه تور أندريه من أنه ليس في قصائد أمية الدينية ما هو صحيح النسبة إليه، وأن هذا اللون من شعره هو من انتحال المفسِّرين (دائرة المعارف الإسلامية/ الترجمة العربية/ 4/463 - 464)، وعند طه حسين أن "هذا الشعر الذي يُضاف إلى أمية بن أبي الصلت وإلى غيره من المتحنِّفين الذين عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - وجاؤوا قبله إنما نُحل نحلاً، نحله المسلمون ليُثبِتوا أن للإسلام قُدْمةً وسابقة في البلاد"؛ (في الأدب الجاهلي، دار المعارف، 1958م، 145)، ويرى الشيخ محمد عرفة أنه لو كانت هناك مشابهةٌ فعلاً بين شعر أمية والقرآن الكريم لقال المشركون، الذين تحدَّاهم الرسول بأن يأتوا بآية من مثله: إن أمَيَّة قد سبَق أن قال في شعره ما أورده هو في القرآن زاعمًا أنه من لدن الله، لكنهم لم يقولوا هذا، بل اتَّهموه بأنه إنما يعلِّمه عبد أعجمي في مكة، كذلك يؤكِّد أن شعر أمية لا يُشبه في نسيجه شعر الجاهلية القوي المحكَم؛ إذ هو شعر بيِّن الصَّنعة والضَّعف على غِرار شعر المولدين، ومن هنا كان هذا الشعر المنسوب لذلك المتحنِّف الطائفي هو شعر منحول عليه ومنسوب زورًا إليه (من تعليق الشيخ محمد عرفة على مادة "أمية بن أبي الصلت" في "دائرة المعارف الإسلامية: / 4/465).


أما د. عمر فروخ فيؤكِّد أن القِسم الأوفر من شعر أمية قد ضاع، وأنه لم يثبُت له على سبيل القطع سوى قصيدته في رثاء قتلى بدر من المشركين.


وبالمِثل نراه يؤكِّد أن كثيرًا من الشعر الديني المنسوب لذلك الشاعر هو شعر ضعيف النَّسج لا رونق له؛ (د. عمر فروخ، تاريخ الأدب العربي، ط (5)، دار العلم للملايين، 1948م/ 1/217 - 218)، ويرى د. شوقي ضيف أن المعاني التي يتضمَّنها شعر أمية مستمدَّة من القرآن بصورة واضحة، إلا أنه لا يرتِّب على ذلك أن يكون أمية قد تأثَّر بالقرآن، بل يؤكِّد أن الشعر الذي يحمِل اسمه هو شعر ركِيك مصنوع، نَظَمه بعض القصَّاص والوعاظ في عصور متأخِّرة عن الجاهلية، وردًّا على دعوى هوار بأن القرآن قد استمدَّ بعض مادته من أشعار أمية يقول الأستاذ الدكتور: إن ذلك المستشرِق لا عِلم له بالعربية وأساليب الجاهليين، وإلا لتبيَّن له أنها أشعار منحولة بيِّنة النحل، ولما وقَع في هذا الحكم الخاطئ؛ (د. شوقي ضيف، العصر الجاهلي: ط10، دار المعارف، 395 - 396).


ويؤكِّد د. جواد علي في كتابه "المفصَّل في تاريخ العرب" أن بعض أشعار أمية الدينية مدسوسة عليه، ومن ثم لا يمكن أن يكون أمية قد اقتبَس شيئًا من القرآن، وإلا لقام النبي - عليه الصلاة والسلام - والمسلمون بفضحه، وعلى هذا فهو أيضًا يرى أن شعره الذي يوافِق فيه القرآن إنما صُنع بعد الإسلام صُنعًا؛ لأنه ليس موجودًا في التوراة ولا في الإنجيل ولا غيرهما من الكتب الدينية، اللهم إلا القرآن الكريم، وأن أكثَرَه قد وُضع في عهد الحجاج تقرُّبًا إليه، وبخاصة أن شعره الديني يختلف عن شعره المدحي والرثائي وغيره، إذ يقترِب من أسلوب الفقهاء والمتصوِّفة ونُسَّاك النصارى، كما تكرَّرت إشارات الرواة إلى أن هذا الشعر أو ذاك مما يُعزى له قد نُسِب لغيره من الشعراء، ثم إنه قد مدَح الرسول - عليه السلام - كما أن في الشعر المنسوب له ما يدل على أنه قد آمن به، فكيف يتَّسِق هذا مع رثائه لقتلى بدر من المشركين؟ (المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام: 6/491 - 496)، أما بهجة عبدالغفور الحديثي فإنه يقسِّم شعر أمية الديني إلى قسمين: قِسم يظهر عليه أثرُ الحنيفيَّة وكتُب اليهود والنصارى، وقِسم يظهر عليه أثر القرآن، وهو يميل إلى أن يكون القسم الأول له؛ كما يظهَر من أسلوبه ومعانيه، أما الثاني فمنحول عليه؛ بدليل ما يبدو عليه من ركَاكة لغته وضعْف صياغته، ومن أسلوبه المستمدِّ من القرآن؛ (أمية بن أبي الصلت - حياته وشعره/ 127).


وقد بحثت عن طريق المشباك (النت) في كتب الأحاديث النبوية الشريفة عن روايات تذكر شيئًا من شعر أمية فلم أجد إلا ثلاثة أبيات له في مسند أحمد يتحدَّث فيها عن الشمس وعرش الله بما لم يأتِ شيء منه في القرآن، وأن الرسول - عليه السلام - قد صدَّقه فيها، وهذا نصها:

رجُل وثور تحت رجل يَمينه
والنسر لليسرى، وليثٌ مُرصَد
والشمس تطلُع كل آخر ليلة
حمراء يُصبِح لونها يتورَّد
تأبى فلا تبدو لنا في رَسْلها
إلا مُعذَّبة وإلا تُجلدُ

 

كما جاء أيضًا في مسندي ابن ماجه وأحمد أن الشريد بن الصامت قد أنَشد النبي ذات مرة مائة بيت من شعر أمية، وكان كلما انتهى من إنشاد بيت قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((هيه))، يستحثُّه على الاستمرار في الإنشاد، ثم عقَّب - صلى الله عليه وسلم - في النهاية قائلاً: ((كاد أن يُسلِم))، وفي رواية أخرى في مسند أحمد أن النبي لم يعلِّق في نهاية الإنشاد بشيء، بل سكَت فسكت الشريد بدوره، وهذا كل ما هنالك، فلم نعرف من الحديث ما هي الأبيات التي أنشدها الصحابي الكريم على مسامع رسول الله، ولا مدى مشابهتها للقرآن، على أن ها هنا نقطة لا بدَّ من تَجْلِيتها قبل الانتقال إلى شيء آخر؛ إذ لا أظن الصحابي الجليل قد قصَد عدد المائة تحديدًا، فليس من المعقول أنه كان يعدُّ الأبيات التي كان يُنشِدها على مسامع النبي أولاً بأول وهو يتلوها، ذلك أمر غير متخيَّل، والأرجح بل الصواب الذي لا أستطيع أن أفكِّر في غيره أنه أراد الإشارة إلى أنه قد أَنشَد سيد الأنبياء عددًا غير قليل من الأبيات.


• كذلك رجعتُ إلى تخريجات القصائد المشابهة للقرآن الكريم التي قام بها بهجة الحديثي في رسالته عن أمية، فلفت انتباهي أن هذه القصائد، أو على الأقل الأبيات التي يوجد فيها ذلك التشابه، لم ترِد في أي من كتب الأدب واللغة والتاريخ والتفسير المعتبَرة؛ ككتاب "جمهرة أشعار العرب" لأبي زيد القرشي، أو "طبقات الشعراء" لابن سلام، أو "الشعر والشعراء" لابن قتيبة، أو "الأغاني" للأصفهاني، أو "تاريخ الرسل والملوك" أو "جامع البيان في تفسير القرآن" للطبري مثلاً، بل إن كثيرًا من هذه الأشعار لم ترِد في طبعة الديوان الأولى، فضلاً عن أن بعضها قد نُسب في ذات الوقت إلى غيره من الشعراء، ونقطة أخرى مهمَّة جدًّا: لماذا لم يُثِر علماؤنا المتقدِّمون قضية التشابه بين شعر أمية والقرآن الكريم باستثناء محمد بن داود الأنطاكي، الذي كان يَردُّ - فيما يبدو - على من اتَّهم القرآن بالأخذ عن أمية بأن ذلك غير صحيح؛ لأنه - عليه السلام - لا يمكن أن يستعين في كتابه بشعر رجل أقرَّ بنبوَّته وصدَّق بدعوته، وأنه لو كان صحيحًا رغم ذلك لسارَع أمية إلى اتهام الرسول بالسرقة من شعره، وبذلك تسقُط دعوته - صلى الله عليه وسلم - بأيسر مجهود وأقلِّه؟ (الزهرة/ تحقيق د. إبراهيم السامرائي ود. نور حمود القيسي، ط2، مكتبة المنار، الزرقاء، 1406ه - 1985م/ 2/503)، لقد كان ابن داود الأنطاكي من أهل القرن الثالث الهجري، في حين أن صاحب "الأغاني" قد جاء بعده بقرن، فكيف اطمأن المتقدِّم وشكَّ المتأخر، أو فلنقل: كيف أورد المتقدِّمُ الشعر المنسوب لأمية، بينما لم يورِده الأصفهاني، الذي جاء بعده بقرن كما قلنا؟ والأحرى أن يكون الوضع بالعكس؛ حيث يكون المتقدِّم أقرب زمنًا إلى صاحب الشعر فيستطيع من ثم أن يَحسِم الحكم في مسألة نِسْبة الشعر إليه، على الأقل قبل تراكُم الروايات وازدياد صعوبة غرْبلتها وإصدار حُكْم بشأنها، بيد أن مِثل هذا الوضع لا غرابة فيه، فعندنا مثلاً ابن إسحاق وابن هشام اللذان اشتركا في كتابة " سيرة رسول الله": تأليفًا بالنسبة لابن إسحاق، ومراجعةً وتعليقًا وتنقية بالنسبة لابن هشام، وجاء الأول قبل الثاني بزمن غير قصير كما هو معروف، ومع هذا لم يمنعِ ابنَ هشام تأخُّرُ زمنه عن النظر في السيرة التي كتبها سلفُه، وإجالة قلمه فيما يرى أنه لا بدَّ من تغييره أو تصحيحه أو التعليق عليه بما يرى أنه الصواب أو الأقرب للحق، مثلما فعَل عندما أنكَر على ابن إسحاق مثلاً إيراد أشعار لآدم وثمود والجن، بل لأفراد من قريش ذاتها ممن قال: إن أهل العلم لا يعرفون لهم شعرًا أصلاً، أو ينكرون ما يُنسَب إليهم من شعر، والمسألة بعدُ هي مسألة اختلاف في شخصية الباحث ما بين مطمئن يقبَل ما يروى له، ومدقِّق لا يقبل إلا بعد تمحيص وتقليب، وهكذا، ومعروف أن ابن سلام وابن قتيبة وأبا الفرج الأصفهاني هم من النُّقاد ومؤرِّخي الأدب القدماء المشهود لهم بالتمحيص والتنقيب وعدم قَبُول أي شيء على عِلَّاته، بينما لا يَزيد ما فعَله ابن داود الأنطاكي في كتابه" الزهرة" عن جمْع الأشعار وتنسيقها، إلا حين يعلِّق بكلمة هنا أو هناك تدور عادةً على شرح لفظة صعبة أو تحليل جانب من جوانب عاطفة الحب التي ألَّف كتابه عنها، إن هذا كله من شأنه أن يعضِّد القول الذي سمعنا كبار دارسي الأدب العربي من مستشرقين وعرب يردِّدونه من أن القصائد التي تتشابه مع القرآن من الشعر المنسوب لأمية هي في الواقع قصائد منحولة، ولقد نبَّهني هذا الاكتشاف إلى ما أحسَستُ به عند مراجعتي لديوان أمية مؤخَّرًا من أني لا أستطيع أن أتذكَّر قراءتي لأي من هذه الأشعار في الكتب التي أومأتُ إليها لتوِّي، وهذا هو السبب في أنني قد استبدَّ بي الاستغراب أثناء مُطالعتي لذلك النوع من قصائد أمية حين فكَّرتُ في الكتابة عن هذه القضية بالرغم من كثرة ما قرأتُ عن الرجل من قبل في "الأغاني" و"طبقات الشعراء" و"الشعر والشعراء" مثلاً، وكذلك في كتب تاريخ الأدب العربي التي ألَّفها باحثون معاصرون ممن تكلَّموا في هذه القضية، لكنهم لم يوردوا شيئًا من الأشعار محل الخلاف والمناقشة مكتفين بالكلام النظري فيها، وبالمِثل كان الانطباع الذي شعرتُ به بمجرَّد قراءة تلك الأشعار هو أنها أقرب إلى النَّظم الذي وضَع صاحبُه أمام عينيه آيات القرآن الكريم، وأخذ يجتهِد في تضمينها ما يَنظِم من أبيات: فالكلام مهلهل وغير مستوٍ، وفيه فجوات يملؤها الناظم بما يكمِّل البيت بأي طريقة والسلام، على عكس شعر أمية في رثاء قتلى المشركين ببدر مثلاً، أو مدائحه لعبدالله بن جدْعان، وغنيٌّ عن القول ألا وجْه لمقارنة هذا الشعر بأسلوب القرآن، وما يتَّسِم به من فُحولة وجلال وشدة أَسْر وسحر ينفُذ إلى القلوب نفوذًا غلابًا قاهرًا، وهو ما يجعل القول بتأثُّر شعر أمية بالقرآن لا العكس هو ما يُمليه المنطق، وتهَشُّ له العقول والضمائر إذا صحَّت نسبة هذه الأشعار له، ومع ذلك كله فلسوف أسلُك الطريق الصعب، فأفترِض أن تلك الأشعار محَل الخلاف هي أشعار صحيحة قالها أمية فعلاً، وأن الأحداث التي رافقت نَظْم هذه القصائد هي بالتالي أحداث صحيحة وقعت هي أيضًا.


• والآن لو تتبَّعنا أهم الأحداث في حياة المصطفى وأميَّةَ مما يتِّصِل بهذه القضية، فماذا نجد؟ أول كل شيء أن شاعرنا كان - كما جاء في الروايات التي تحدَّثت عنه - يتوقَّع أن يكون هو النبي المنتظَر، وأنه حين علِم أن النبوة تجاوزتْه لم يستطع صبرًا على المقام بالطائف على مقربة من الرجل الذي كان حُكم القدر أن ينزِل عليه وحي السماء، فأخذ ابنتَيه، وهرب إلى اليمن، ومعنى ذلك أنه هو الذي كان مشغولاً بمحمد لا العكس، وهذا أحرى أن يجعله متنبِّهًا لكل ما يتعلَّق بمحمد، وعلى رأسه القرآن، الذي كان يتمنَّى بخلع الضرس بل بفَقْء العين أن يكون هو النبي الذي يتلقَّاه ويُبلِّغه للناس، حرصًا منه على الشهرة والسمعة والمكانة بين قومه، جاهلاً في غمرة حماقته وحسَده الأسود العقيم أنَّ اللهَ - سبحانه وتعالى -: ﴿ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]، ومن المنطقي جدًّا - كما أومأنا - القول بأنه لم يستطِع أن يتجاهَل الرسول رُغم غيظه، بل قل: بسبب غيظه من عدم اختياره هو نبيًّا للعرب، وأنه كان يتصيَّد الآيات والسور التي تنزِل على الرسول، ويضَعها نُصْب عينَيه وهو يَنظِم شعره، جريًا على المَثل الشعبي القائل: "إن فاتك الميري تَمرَّغ في ترابه"، إنه" عبده مشتاق" الجاهلي، الذي يمكن أن نرى فيه رائدًا لنظيره في كاريكاتير جريدة "الأخبار" القاهرية، مع بعض التلوينات المختلفة هنا وهناك تبِعًا لاختلاف طبيعة الدور الذي يريد كل من هذين العبدَين أن يؤدِّيه والظروف التي يتحرَّك في نِطاقها! ولقد فاتته النبوَّة، فليُضمِّن نصوص وحيها إذًا شعره، فهذه أفضل من أن "يخرج من المولد بلا حمّص"! وهو حين يصنع هذا إنما كان يجري على عادته قبل سطوع بدر الإسلام من العكوف على الكتب الدينية السابقة والاقتباس منها فيما يَنظِم من أشعار، فهو إذًا لا يفترع طريقًا جديدًا حين يقتبِس من القرآن، بل يستمر في سبيله القديم، والطبع غلاب كما يقولون! ولا أدري في الواقع لماذا، بدلاً من هذا الهروب غير المُجدي من الطائف، لم يواجِه محمدًا، ويقول له في وجهه: إنه قد سبَقه في شعره إلى ما يقوله هو في قرآنه، وإن هذا دليل على أنه ليس نبيًّا حقيقيًّا، ومن ثم فهو أفضل منه، على الأقل من ناحية العلم والحكمة، ألم يكن هذا هو ما يقتضيه المنطق لو كان عند أمية ذلك الدليل القاهر الذي يلوِّح به بعض المستشرقين ويُتابِعهم عليه، في غباء لا يَليق بمن عنده مسكة من عقل، مبشِّرو آخر الزمان، ومن خلْفهم ذيول المسلمين الذين فقدوا كل معنى من معاني الكرامة والرجولة؟ ومن الواضح أن الرجل كان يحب الظهور بمظهر العالم الحكيم، هذا الوصف الذي وصَفه به خطأً بعضُ من ترَجموا له من القدماء؛ إذ لو كانت الحكمة من صفاته حقَّا لما ترك الحسد يُطوِّحه ويُقلقِله في بلاد العرب جنوبًا وشمالاً وشرقًا وغربًا كراهية أن يكون على مَقربة من الرجل الذي آثرتْه السماء عليه في مسألة النبوَّة (وإن ذكرتْ بعضُ الروايات، حسبما رأينا، أنه وفد عليه في مكة واستمَع إلى ما تلاه عليه من قرآن وقال كلامًا طيبًا في حقِّه)، ولأقبَلَ بدلاً من ذلك عليه يجمع قلبه وإخلاصه ما دام يرى أنه على الحق، كما يُشير إلى ذلك الشعر الذي يتحدَّث فيه قبل البعثة النبوية، عن حاجة البلاد لنبي يأخذ بيدها في طريق الهداية، وكذلك القصيدة التي قالها في مدحه - عليه الصلاة والسلام - والدِّين الذي أتى به، بيد أنه - لحظِّه التعيس - لم يحزِم أمره، وظل متردِّدًا يقترب بقلبه حينًا بعد حين من الدِّين الجديد، لكنه سَرعان ما تثور به عقارب الحقد فيبتعِد عنه إلى أن أقبَل أخيرًا في نوبة قوية بعض الشيء من نوبات يقظته الخُلُقية والروحية ليُعلِن إسلامه رسميًّا، فوقفت قريش في طريقه، وأخبرتْه بأن المسلمين قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة وغيرهما من رجالات الطائف ممن كانوا يمتُّون إليه بواشجة القرابة، فما كان منه إلا أن لوى عِنان فرسه مبتعِدًا عن طريق النور والسعادة، حاكمًا بذلك على نفسه ببؤس المصير إلى الأبد، وهو ما يدل بأجلى بيان على أنه لم يحزم أمره يومًا، وهذه هي مشكلته المزمنة مع نفسه، فأين الحكمة هنا إذًا؟ أما العلم فإن نصيبه منه لا يخرج، فيما هو واضح، عن نقل النصوص والقصص من كتب الأمم السابقة إلى شعره دون الانتفاع الحق بها، فهو إذًا كالحمار يحمل أسفارًا، وإلا فلماذا لم يستفد بها في اتِّباع الحق الذي كان يؤمن به في أعماق قلبه، وفضَّل عليه الانحياز إلى الوثنية ممثَّلة في أقاربه الذين رثاهم ومجَّدهم حين سقطوا وهم يحاربون تحت رايتها ضد التوحيد، وزاد فشقَّ جيوبه عليهم وبكى وجدَع أنف ناقته كما كان يفعل أهل الجاهلية الجهلاء - حسبما ذكرت كتب السيرة وتاريخ الأدب؛ (د. جواد علي، المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 6/479)، وهو الذي طالما صدَّع أدمغتنا من قبل بالحديث عن الحنيفيَّة؟ ولنُقارن بين موقفه هذا وموقف النبي - عليه السلام - حين أسلَم وحشي قاتِل عمه الغالي وأخيه من الرَّضاع حمزة بن عبدالمطلب، وكذلك هندٌ آكلة الأكباد ومدبِّرة مقتله المأساوي - رضي الله عنه - لقد قَبِلهما النبي في دينه، وكأن شيئًا لم يكن، رُغم الجُرْح الغائر الذي خلَّفه موت سيد الشهداء في قلبه، وذلك نزولاً على مبدئه العظيم القائل بأن ((الإسلام يجُبُّ ما قبله))، أو لماذا لم يقُمْ هو بالدعوة إلى ما كان يؤمن به (حسبما نقرأ في الشعر المنسوب إليه)، ولو في أضيق نطاق بين قومه في الطائف فقط ما دام ادِّعاء النبوة سهلاً إلى هذا الحد كما فعَل محمد، الذي لم يكن قارئًا كاتبًا مثله؟ فانظر وقارن يتبيَّن لك الفرق بين النبوة والحسد الذي يأكل قلب صاحبه أكلاً فلا يتركه يهنأ بحياته أبدًا!


أما المحطة الثانية التي نحب أن نقف عندها فهي ذَهاب رسول الله إلى الطائف حين شعر أن مكة تستعصي على دعوته بغباء غريب ما عدا القليلين الذين دخلوا في دعوته رُغم التضييق والعَنَت الشديد والأذى المتواصِل، فحسب أن الطائف قد تكون أحسن استقبالاً للدين الجديد، لكن أهلها للأسف لم يكونوا أفضل حالاً من قومه في مكة، ترى لو كان أميَّةُ قد سبَق القرآن إلى تناول الموضوعات التي نقرؤها في ذلك الكتاب بنفس الألفاظ والعبارات في كثير من الأحيان، ومن ثم أخذ محمد بعض قرآنه من شعره، أكان يفكر مجرد تفكير في السفر إلى بلد ذلك الشاعر معرِّضًا نفسه للسخرية والاتهام من جانب أهلها بدلاً من إقبالهم عليه ودخولهم في دينه؟ إنه إذًا لـ: "كالمستجير من الرمضاء بالنار" كما جاء في أمثال العرب، أو كمن "جاء يكحلها فأعماها" كما يقول المثل الشعبي! ولم يكن الرسول يومًا بالشخص الذي يمكن أن يقع في مِثل هذا التصرف الأخرق العجيب، بل لم يتَّهِمه أحد من أعدى أعدائه بشيء من ذلك قط! ثم فلنفترِض بعد هذا أنه قد ارتكَب هذا التصرف الأحمق (وأستغفِر الله العظيم على هذا التعبير الذي اقترفتُه لأكون في غاية السماحة مع "الأنعام" الذين لهم قلوب لكن لا يعقلون بها، ولهم أعين لكن لا يُبصِرون بها، ولهم آذان لكن لا يسمعون بها!)، فكيف فات الطائفيين الأمر فلم يُجابِهوه ويجبهوه بهذه السرقة التي كانت كفيلة بقصم ظهر الدعوة التي أتى بها بدلاً من إغرائهم صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم بمطاردته بالحجارة في شوارع المدينة حتى أخرجوه منها منتهكِين بتصرُّفهم الوحشي هذا ما توجِبه التقاليد العربية الراسخة القاضية بإكرام الضيف الوافد، واضطرُّوه إلى اللجوء إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة حيث قابَل هناك خادمهما عداس، الذي قدَّم له قطفًا من العنب يتقوَّت به، ويُزيل عن نفسه التعب، ثم أقبَل عليه في حب وإجلال حين رآه يسمِّي الله قبل الطعام وعرَف شيئًا عن دينه على ما هو معروف لقارئي السيرة النبوية؟


ثم هناك قدوم أمية على النبي ومدحه إياه بقصيدة يقِرُّه فيها على دعوته ويُثني عليه، ويصدِّق به، ويبدو أن ذلك كان بتأثير الأسئلة التي من المؤكَّد أنها كانت توجَّه له ممن حوله؛ إذ لا بد أن يثورَ في أذهانهم التساؤل عن السبب - يا ترى - الذي يمنعه من الإيمان بمحمد ما دام يردِّد ما يقوله تقريبًا، ويضمِّن شعره بعض ما جاء في قرآنه! أقول هذا رُغم أن في نفسي من صحة هذه القصيدة شيئًا للأسباب التي سأذكُرها من فوري، لكنني قلتُه على الشرط الذي وضعتُه حين بيَّنتُ أنه لكي نقبَل أشعار أمية التي تُشابه القرآن الكريم لا بدَّ أن نقبل معها الأحداث التي صاحبتها حسبما أوردتها الروايات، على أية حال هأنذا أورد جُلَّ أبيات القصيدة أولاً، ثم ننظر فيها بعد ذلك:

لك الحمد والمنُّ رب العبا
دِ أنت المليك وأنت الحَكَمْ
ودِنْ دين ربك حتى التُّقى
واجتنبنَّ الهوى والضَّجَمْ
محمدًا ارْسَله بالهدى
فعاش غنيًّا ولم يُهتضَمْ
عَطاءٌ من الله أُعطيتَه
وخصَّ به الله أهل الحرمْ
وقد علِموا أنه خيرهم
وفي بيتهم ذي الندى والكرمْ
نبيُّ هدًى صادق طيِّب
رحيم رؤوف بوصْل الرَّحمْ
به ختَم الله مَن قبله
ومَن بعده من نبي ختَمْ
يموت كما مات مَن قد مضى
يُردُّ إلى الله باري النَّسمْ
مع الانبياء في جنان الخلو
د، همُ أهلها غير حِلِّ القَسمْ
وقُدِّس فينا بحب الصلاة
جميعًا، وعلَّم خط القلمْ
كتابًا من الله نقرا به
فمن يعتريه فقَدْمًا أَثِمْ

أمية بن أبي الصلت - حياته وشعره " لبهجة عبدالغفور الحديثي/ 260 - 264).

 

وقد رفَض د. جواد علي هذه القصيدة على أساس أن ما فيها من إيمان قوي بالنبي ودينه يتناقَض مع ما نعرفه من تردُّد أمية بالنسبة للإسلام وافتقار قلبه إلى الإيمان العميق، وأنه يُشير فيها إلى وفاة الرسول التي لم تقع إلا بعد موت أمية أولاً (المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام: 6/497 - 498).


لكن بهجة الحديثي لا يشكُّ في القصيدة، بل يرى أنها تمثِّل خَطْرة من الخَطَرات التي كانت تنتاب أمية؛ فالمعروف أنه لم يكفُر بالرسول تكذيبًا بل حسدًا؛ إذ كان في دخيلة نفسه مصدِّقًا بما جاء به، بل همَّ أن يعلِن إسلامه فعلاً، كما أن الأنطاكي، الذي كان يعيش في القرن الثالث الهجري، قد أكَّد أنها موجودة في شعره ومفهومه عند أهل الخبرة به؛ (أمية بن أبي الصلت/ 78 - 79)، والحق أن الحُجَّة الأخيرة تكاد تكون العقبة الوحيدة التي تمنعني من القطع بزيف هذه القصيدة رغم ما فيها مما يُدابِر المنطق: فهي تتحدَّث عن اختتام النبوة بمحمد - عليه السلام - وهي قضية لم تكن قد طرحت بعد؛ لأن القصيدة لا بدَّ أن تكون قد سبقت غزوة بدر على آخر تقدير حيث حسَم أمية أمره بعد تلك الغزوة وشقَّ جيوبه، وعقَر ناقته، وتراجَع نهائيًّا عن الدخول في الإسلام، على حين أن الإشارة إلى أن نبوَّة محمد هي خاتمة النبوات قد وردت في سورة "الأحزاب"، التي نزلت بعد ذلك بزمن طويل على ما هو معروف، أما ما جاء في القصيدة من ذكْر موت النبي فلا يعني بالضرورة أنه قد مات فعلاً، إذ الكلام يحتمل هذا، كما يحتمِل أنه سيموت كسائر البشر حسبما جاء في قوله -تعالى-: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]؛ إذ أتى الفعلُ الدال على الموت في القصيدة في صيغة المضارع لا الماضي كما لا بدَّ أن يكون القارئ قد لاحظ، رغم أن في ذكْر الموت في حد ذاته في هذا السياق كثيرًا من الغرابة والخروج على مقتضيات المديح، كذلك فوصْف الرسول بأنه "رحيم رؤوف" هو صدًى لوصفه في القرآن في الآية قبل الأخيرة من سورة "التوبة" بهاتين الصفتين، وإن جاءنا في القصيدتين بعكس ترتيبهما في السورة، والآية المذكورة تنتمي لمرحلة زمنيَّة متأخِّرة عن تاريخ نظْم القصيدة، كذلك ففي القصيدة صدًى لقول رسول الله في حديث أبي هريرة: ((لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلَّة القَسَم))، والمقصود الإشارة إلى قوله -تعالى- في الآية 71 من سورة "مريم": ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 71]، ومعروف أن أبا هريرة إنما أسلَم في المدينة في السنة السابعة للهجرة، أي بعد نظْم أمية قصيدته بأعوام، فكيف يمكن أن يتأثَّر أمية بحديث كهذا لم يكن قد قيل إلا بعد ذلك ببضع سنوات؟ وأنا هنا، كما يلاحظ القارئ، أنطلِق من أن القصيدة هي التي تأثَّرت بالقرآن لا العكس، ما دام أمية قالها في مدح النبي والتصديق بدعوته؛ إذ معنى هذا أنه لم يكن يرى في القرآن أي أثر لشعره، وإلا ما فكَّر في مدحه - عليه السلام - بتاتًا، بل في هجائه وفضحه، ثم إن في النظْم هنَات لا يقعُ فيها جاهلي عادة: فقد جاءت كل من كلمتي "أرسَله" و"الأنبياء" في القصيدة بهمزة، وهو ما يُحدِث اضطرابًا في موسيقا البيتين اللذين وردت الكلمتان فيهما، إلا إذا حذفنا الهمزتين كما فعلت أنا هنا، فعندئذ نشعر على الفور أننا بإزاء شعر إسلامي صوفي مما يصعُب انتماؤه للعصر الأموي أو حتى بدايات العباسي، لكن هل يمكن أن يكون هذا قد فات ابن داود الأنطاكي؟ تلك هي المعضلة، إلا أننا لو استحضرنا في المقابل أن كِبار مؤرخي الأدب ونقَّاده في تلك الفترة، وهم العلماء الذين شغلتْهم قضية الانتحال في الشعر الجاهلي والمخضرم؛ كابن سلام وابن قتيبة والجاحظ وأبي الفرج وابن هشام، لم يرَوُوا شيئًا من هذا الشعر لأمية - لوجدنا أنها ليست بالمعضِلة التي تستعصي على الحل، وأيًّا ما يكن الأمر فكما قلت: إن مَن يريد منا أن نقبَل نِسبة الأشعار محل الدراسة لأمية فلا بد أن يقبَل معها الأحداث المصاحبة لها في الروايات التي أوردتها لنا.


ومما تقوله الروايات عن النبي وأمية أيضًا ذلك اللقاء الذي تمَّ بينه - صلى الله عليه وسلم - وفارعة أخت الشاعر حينما جاءته عند دخوله الطائف في السنة التاسعة للهجرة، وحكَت له قصة أخيها، وأَنشدتْه من شعره بناءً على طلبه، وما عقَّب به - عليه السلام - قائلاً: ((يا فارعة، إن مَثل أخيك كمَثل من آتاه الله آياته فانسلَخ منها))؛ (ابن حجر، الإصابة في معرفة الصحابة، مطبعة مصطفى محمد، القاهرة، 1939م، 4/363، والاستيعاب في معرفة الأصحاب، مطبعة مصطفى محمد، القاهرة، 1939م/ 4/379)، هل يُعقَل أنه - صلى الله عليه وسلم - يسعى إلى فتح ملف أمية ويقول فيه هذه الكلمة القارصة، وعلى مسمَع من أخته، وفي أشدِّ اللحظات على أهل الطائف وطأة؛ لأنها لحظة انكسار وانهِزام، لو كان قد استمدَّ شيئًا من قرآنه من شِعر الرجل؟ إنه في هذه الحالة كمَن يمد يده في جحر الثعابين والعقارب معرِّضًا نفسه لخطر الهلاك الوحِي دونما أدنى داعٍ، ومعاذ الذكاء المحمدي أن يَفوته - عليه السلام - ما ينتظِره من الخطر فيُقدِم على التصرف بمِثل هذا التهور! ونفس الشيء نقوله عن موقفه من الشريد بن الصامت، إذ لماذا يشجِّعه - صلى الله عليه وسلم - على الاستمرار في إنشاد الشعر الذي من شأنه أن يفضح دعواه لو كان أمية قد قاله فعلاً قبل القرآن، واستمدَّ هو قرآنه منه؟ بل لماذا يُنشِد سويد أمامه شعر أمية أصلاً لو كان مُتطابِقًا مع القرآن هذا التطابق الذي يدلُّ على استمداده منه؟ بل كيف لم يتنبَّه لهذا التشابه ولم يختلِج على الأقل ضميره بالشكوك والوساوس؟ ولنفترض بعد ذلك كله أنه - صلى الله عليه وسلم - قد أقدَم على هذا التصرف الخاطئ في الحالين، فكيف لم يصدُر عن الطرف الآخر أيُّ شيء يُلمح إلى أسبقية شعر أمية على القرآن أو حتى إلى مجرَّد المشابهة بين النصين ولو على سبيل فلتات اللسان؟


وعندنا من الثقفيين، غير فارعة أخت شاعرنا، كنانة بن عبدياليل، وكان رئيس ثقيف في زمانه، واشترَك مع أبي عامر الراهب العدو اللدود للإسلام في التآمر على الدين الجديد وصاحبه، ولم يتركا سبيلاً إلا وسلكاه لبلوغ هذه الغاية، حتى إنهما ذهبا إلى قيصر للاستعانة به ضد الإسلام، ولما فشلا بقي أبو عامر في الشام، وعاد ابن عبدياليل بعد تَطواف هنا وهناك وأعلَن إسلامه، ويقال: إنه كان من بين المرتدين، ثم رجع إلى الإسلام مرة أخرى، والسؤال الذي يتبادَر إلى الذهن لو كان الرسول قد أخذ شيئًا من شعر أمية - هو: كيف سكت مثل كنانة فلم يتخذ من هذا الأمر سلاحًا يوجِّهه إلى قلب الإسلام في مقتل فيريح نفسه وقومه والعرب جميعًا من هذا البلاء الذي أرَّقهم وأزعجهم بدلاً من الضرب في الآفاق والاستعانة بمن يساوي ومن لا يساوي؟ أليس هذا هو ما كان ينبغي أن يُمليه المنطق على مِثل ذلك الزعيم القَبلي؟ لكنه لم يفعل، فعلامَ يدلُّ هذا؟ أيُعقل أن يكون بيده ذلك السلاح الحاسم ولا يفكِّر في استخدامه على طول ما حارَب الإسلام وكثرة ما تآمَر ضده؟ (ابن حجر، الإصابة في معرفة الصحابة، 2/496، و3/ 305).


وكان عروة بن مسعود الثقفي قد بكَّر بالدخول في الإسلام قبل قومه بزمن، فأراد من حُبه لهم أن يهديهم الله على يديه، فاستأذن الرسول - عليه السلام - أن يأتيهم فيدعوهم إلى الدخول في دين التوحيد، لكنه - صلى الله عليه وسلم - حذَّره من أنهم سيقتلونه، إلا أنه لم يكن يتصوَّر أنهم يمكن أن يُعادوه ويتأبَّوا عليه؛ اعتقادًا منه أنهم يحبونه ويُكرمونه أشد الإكرام، فعاود الاستئذان، والرسول يحذِّره، ثم أذن له في الثالثة ليذهب إليهم ويَلقى المصير الذي حاول الرسول أن يجنِّبه إياه؛ إذ ما إن بدأ يدعوهم إلى الإسلام حتى اجتمَعوا إليه من كل جانب ورمَوه بالنَّبل فقتلوه - رضي الله عنه؛ (أبو نعيم الأصفهاني، دلائل النبوة، ط2، حيدر أباد الدكن، 1950م/ 467)، أوَلو كان الرسول قد أخذ قرآنه من أمية ابن الطائف التي طال استعصاؤها على الإسلام إلى وقت متأخر، أكان عروة يدخُلُ في دينه مخالِفًا قومه بهذه البساطة؟ بل أكان الرسول يرضى أن يذهب إليهم هذا المندفِع الذي لا يفكِّر في العواقب، ومعروف أن أول ما سيجيبونه به هو: أوَقد نسيتَ أن الرسول الذي تدعونا إلى الإيمان بدينه ليس سوى سارق لشعر شاعرنا، أخذه وزعم أنه قرآن يوحى إليه من السماء؟ وحتى لو لم يفكِّر أي منهما في تلك النتيجة التي لا يمكن أن يتَّجه الذهن إلى أي شيء غيرها، أكانت ثقيف تدَعُ تلك الفرصة السانحة دون أن تتهكَّم بعروة على غفلته وتحمُّسه لدين يقومُ على هبْش النصوص الشعرية من الشعراء الآخرين والزعم بأنه وحي من عند رب العالمين؟


وهناك أيضًا من مشاهير الثقفيِّين الشاعر أبو مِحجن، الذي كان مدمِنًا للشراب، وكان يتأرْجَح بين عشقه المتوله للخمر وتحرُّجه الديني، وإن كان للعشق الغَلَبة في بداية أمره حتى لقد حُدَّ فيها مرارًا، ونفاه عمر إلى إحدى الجزر، إلى أن جاءت حرب القادسية، وقصَّته فيها معروفة؛ إذ كان ساعتها في القيد في بيت سعد بن أبي وقاص (قائد المسلمين في تلك المعركة) بسبب الخمر انتظارًا لإيقاع الحد عليه، فأخذ يُلح على امرأة سعد من وراء زوجها أن تَحُلَّ وَثاقه كي يستطيع المشاركة في الجهاد في سبيل الله، ولها عليه عهْد الله أن يعود من تلقاء نفسه بعد المعركة فيضع رجليه في القيد كَرَّة ثانية، حتى نجح في إقناعها فأطلقتْه فحارَبَ وأبلى في الحرب بلاء حسنًا وانتصَر المسلمون، فكان عند كلمته وعاد فوضَع رجليه في القيد، ثم أعلَن توبته النهائية عن أم الخبائث بعد أن أبدى سعدٌ إعجابه به ووعده أنه لن يَحدَّه أبدًا، إذ صرَّح قائلاً: إنه يستطيع الآن أن يُقلِع عنها دون الخوف من أن يقول أحد عنه: إنه ترَكها خَشية العقاب، ولا يزال ديوانه يمتلئ بالأشعار التي يتغزَّل فيها في بنت الكَرْمِ متمرِّدًا على تحريمها في دين محمد، بل إنه كان أحد الذين دافَعوا عن الطائف أثناء حصار المسلمين لها عقِب فتح مكة، وأصاب سهمه فيها ابنًا لأبي بكر؛ (الزركلي/ الأعلام/ ط3/ 5/243، ودائرة المعارف الإسلامية، الترجمة العربية، 2/597 - 598، وديوان الشاعر، وبهجة عبدالغفور الحديثي، أمية بن أبي الصلت/ 42 - 43).


والسؤال هنا أيضًا: كيف لم يتحدَّث مِثل هذا الشاعر عن استعانة الرسول بشعر ابن قبيلته ولو في نوبة من نوبات تهتُّكه وتمرُّده على تحريم الإسلام الصارم لأم الخبائث، أو في شعره قبل دخوله في الإسلام؟


ثم لدينا من الثقفيين أيضًا الحَجَّاج بن يوسف، الذي كان معلِّمًا للقرآن في بداية حياته كأبيه، لا يبتغي بذلك مالاً، بل احتسابًا عند الله، ثم أصبح فيما بعد أحد عمَّال بني أمية الكبار، وهو الذي أدخَل على نظام الكتابة العربية المزيد من الإتقان والضبط؛ إذ عهد إلى نصر بن عاصم بإعجام الخط، أي وضَع النقاط للتمييز بين الأحرف المتشابهة؛ كالباء والتاء والثاء، والجيم والحاء والخاء، طلبًا لمزيد من الدقة والتسهيل في قراءة القرآن، الذي يدَّعي بعض الرقعاء أنه مقتَبَس في بعض مواضِعه من شعر أمية، كما كان - رغم كل ما قيل عن قسوته أيام ولايته على العراق - من المداومين على قراءة القرآن، وكذلك كان يشجِّع بكل وسيلة على حفْظه، ويُدني منه حُفاظه (أحمد صدقي العمد، الحجاج بن يوسف الثقفي - حياته وآراؤه السياسية، دار الثقافة، بيروت، 1975م/ 86 - 87، 96، 474، 477، 478، وهزاع بن عيد الشمري/ الحجاج بن يوسف الثقفي - وجه حضاري في تاريخ الإسلام، دار أمية، الرياض/ 44)، والآن ألا يَحِقُّ لنا أن نتساءل: ما الذي جعل الحجاج يتحمَّس لدين محمد كل هذا التحمُّس لو كان هناك ولو ذرة واحدة من الشك تحوم حول مصدر هذا الكتاب، وبخاصة أن المصدر في هذه الحالة لن يكون شيئًا آخر غير شعر ابن القبيلة التي يعتَزِي هو إليها؟ لا ليس ابن قبيلته فقط، بل هو ابن خالة جده الرابع لأمه: معتب بن مالك؛ (انظر في نَسبه "الحجاج بن يوسف الثقفي - وجه حضاري في تاريخ الإسلام"؛ لهزاع بن عيد الشمري/15)، ولا يظننَّ أحد أن شعر أمية لم يكن يهمُّ الحجاج لانشغاله بالسياسة وما يتَّصِل بها، فقد روي عنه قوله: ذهب قوم يعرفون شعر أمية، وكذلك اندراس الكلام (د. جواد علي/ المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/483)، أي إن نصوص الشعر والأدب إنما تضيع بذَهاب من يحفظونها، وههنا نقطة مهمَّة جدًّا، ألا وهي أن شعر أمية قد ضاع، على أقل تقدير، جانبٌ كبير منه قبل الحجاج، فكيف وصَلَنا إذًا كل هذا الشعر الذي يُشابِه القرآن إذا كان واحد من أقرب من تَصِله به رابطة الدم يشكو من ضياعه على هذا النحو؟


وأهم من ذلك كله دَلالة على ما نريد من أن القضية التي يُثيرها الفارغون الجهَّال من المبشرين، ومن لفَّ لفَّهم من أبناء المسلمين الذين ختَم الله على قلوبهم وعقولهم وأعينهم، فهم لا يفكِّرون ولا يستمعون إلا لكل مغرِض ممن يريد أن يقضي عليهم وعلى أمتهم، إنما هي زوبعة في كُستُبان لا أكثر - أنَّ الفارعةَ أخت أمية، وأبناءه القاسم وأمية وربيعة ووهبًا، قد دخلوا مع ثقيف كلها في الإسلام، وكان القاسم وأمية وربيعة يقولون الشعر، ولم يُؤثَر عن أي منهم ولا من غيرهم ممن كان يمتُّ بِصلة نَسب إلى أمية أية كلمة تُومئ مجرَّد إيماء إلى أن الرسول يمكن (يمكن فقط) أن يكون قد استفاد من شعر ذلك الشاعر على أي نحو من الأنحاء، ودَعْك من أن مجرَّد اعتناقهم الإسلام هو في حد ذاته برهانٌ على تكذيبهم بأبيهم وانحيازهم إلى محمد، وهو ما ينقُض ما يهرِف به الأغبياء المحترِقون حقدًا على دين محمد من أن القرآن هو في بعض جوانبه اقتباس من شعر متحنِّف الطائف، كما أن كثيرًا من العرب قد ارتدَّ بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - وكان لكل قبيلة تَعلاتها السخيفة التي تحاول أن تسوِّغ بها هذه الردة، لكننا لم نسمع قط أن أحدًا ممن ارتدَّ قد فتح هذا الموضوع، بل إن قبيلة ثقيف قد همَّت بالارتداد، لولا أن عثمان بن العاص كرَّه إليهم الإقدامَ على مِثل ذلك التصرُّف الذي لا يَليق، فما كان منهم إلا أن فاؤوا إلى رُشْدهم ولم يعودوا إليها، بل كان منهم كثيرون حارَبوا المرتدِّين بكل إخلاص، وهنا أيضًا لم نسمع أية نأمة حول الاستفادة المحمدية المزعومة من شعر أمية! ليس ذلك فحسب، فهناك - كما أشار د. جواد علي (في كتابه: "المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام"/ 6/493) - يوحنا الدمشقي مثلاً، وهو مِن أوائل مَن كتب مِن النصارى مهاجِمًا الإسلام، وكان معاصرًا لدولة بني أمية، أفلو كان لهذه الشُّبهة أي ظل من الحقيقة مهما ضؤل، أكان هذا الراهب المتعصِّب على الإسلام، والذي يريد أن يهدِمه على رؤوس أصحابه، ويُثبِت بكل وسيلة أن محمدًا لم يكن نبيًّا صادقًا، يُفلت تلك السانحة الغالية، ويسكُت فلا يستخدم هذه الورقة الجاهزة والرابحة بكل يقين؟


بهذا تكون القضية قد ظهَرت على وجهها الحقيقي: فلا أُميَّة ولا أي واحد من أبنائه أو أقاربه أو قبيلته أو حتى من العرب، بل ولا من النصارى واليهود الذين عاصَروا النبي أو جاؤوا بعده بقليل، قد أثار هذا الأمر على أي وضْع، أليس لنا الحق بعدئذ في أن نصف من يفتح هذا الموضوع الآن بالرقاعة والوقاحة؟ إن ذلك بمثابة رفْع دعوى من غير ذي صفة، بل من شخص لا يستنِد إلى أي توكيل من أي من أصحاب الشأن رُغم أن الظروف كلها من شأنها أن تدفَع أصحاب الشأن هؤلاء إلى الكلام لو كان لتلك المزاعم أساسٌ أي أساس!


خلاصة القول:

إنه ليس أمامنا في هذه المسألة إلا أمران: فإما قلنا بزَيْف نِسبة هذه الأشعار إلى أمية، وإما قلنا: إنه قد نظَمها تقليدًا لما جاء في القرآن، لكن د. جواد علي يرفُض الاحتمال الثاني، ولا يرى إلا احتمالاً واحدًا هو زيف الأشعار المعزوَّة إلى أمية، ومن بين ما اعتمَد عليه في هذا الرأي أن النبي - عليه السلام -لم يتَّهِم أمية بالأخذ منه (المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 6/491)، وأنا - وإن كنت أَميل إلى رأى الأستاذ الدكتور - لا أستطيع أن أنبِذ الرأي الآخر مائة في المائة؛ لعدم توفُّر دليل قاطع على صحته، ولكيلا أترُك فرصة لأي جعجاع يريد أن يجلِب على القرآن والرسول، فكان لا بدَّ أن أسُدَّ هذه الثغرة، ومن هنا فإني أُجيب على الحُجَّة التي ساقها د. جواد بالقول: إن النبي - عليه السلام - أكبر من أن يقف عند هذه الأشياء، وبخاصة أنه قد نزَل عليه القرآن كي يفيد منه الناسُ أيًّا كان نوع تلك الإفادة لا ليَشمَخ به عليهم، ثم إن القرآن ليس مِلكًا للرسول، بل هو كتاب الله، فماذا كان يمكن للرسول أن يقول لأميَّة في هذه الحالة، وبالذات إذا علِمنا أن أمية لم يواجِهه بل اكتفى بالازورار؟ وحتى هذا الازورار لم يكن كاملاً، فقد جاء في بعض الروايات أنه وفد عليه ذات مرة، واستمَع منه إلى سورة "يس"، وشهِد له بالحق، وأنه، عند عودته من الشام، قد أخذ طريقه إلى المدينة ليُعلِن الدخول في دين محمد لولا تحريض المشركين له بإثارة نقمته على الرسول جرَّاء مقتل بعض أقاربه على يد المسلمين في بدر حسبما جاء في "الإصابة"؛ لابن حجر و"مجمع البيان"؛ للطبرسي، وغيرهما (د. جواد علي/ المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام: 6/486)، أما إذا كان لا بدَّ من أن يرُدَّ عليه النبي رغم ذلك كله، أفلا يكفينا ما رُوي عنه - صلى الله عليه وسلم - من قوله فيه: ((آمن شعره، وكفَر قلبه، أو آمن لسانه، وكفَر قلبه))؛ من كتاب "الشعر"، وقد أورده الدكتور جواد نفسه في (المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام/485)؟ إذ معنى "آمن شعره أو لسانه" أنه كان يأخذ ما جاء في القرآن ويردِّده في شعره ترديد المؤمن به، لكن حسده له - عليه السلام - قد منَعه أن يعلِن ذلك بصفة رسمية ونهائية، وهذا معنى كُفران قلبه، أما الاحتمال الثالث الذي طرحه بعض المستشرقين، كالمستشرق الألماني شولتس ناشر ديوان أمية، من أن النبي وأميَّة قد استقيا كلاهما من مصدر ثالث مشترك، فهو احتمال ليس له رِجلان يمشي عليهما؛ إذ أين ذلك المصدر المشترك؟ ولِمَ لَمْ يظهر طوال كل هاتيك القرون؟ وكيف وقع كل منهما عليه، وبينهما كل هذا البعد المكاني والنفسي؟ ثم لماذا هما وحدهما بالذات من دون العرب كلهم بل من دون العالم أجمَع؟





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بين السيد المسيح والنبي محمد في القرآن والإنجيل (تعقيب على مقالة 4)
  • آية الله ( بين المسيح والخميني )
  • أبيات لأمية بن أبي الصلت في طلب حاجة له وتقريع ابنه
  • الحكايات الشعرية لدى أمية بن أبي الصلت
  • الأسطورة والسرد وجمالية الشعر: دراسة في قصيدة لأمية بن أبي الصلت

مختارات من الشبكة

  • كلمات وصفت القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • واجبنا نحو القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الكشاف عن حقائق التنزيل ( تفسير القرآن الكريم من سورة ( ص ) الى آخر القرآن )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الشيخ: عبدالرحمن بن عبدالله الهذلول في محاضرة بعنوان ( مسيرة جمعية تحفيظ القرآن في تحفيظ القرآن الكريم )(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • التربية في القرآن الكريم: ملامح تربوية لبعض آيات القرآن الكريم - الجزء الثاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الرابعة: رد دعوى الطاعنين بالقول بنقص القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الثالثة: أصول وقواعد في الدفاع القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الأولى: تعريف القرآن عند أهل السنة والجماعة(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • رحلتي مع القران (76) وعاء القرآن(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • رحلتي مع القران (69): (مثل من القرآن)(مقالة - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
2- مجلة لقمان
eclectiqueman - algerie 23-01-2016 12:44 AM

السلام عليكم شيخنا و دكتورنا الفاضل
هل بإمكانك التكرم علي بمساهمة منك على تبيان القصة
أو السرد التاريخي لمجلة لقمان التي كانت تدور في مكة وشبه الجزيرة العربية قبل الإسلام وما محتواها إن امكن
تقبل مني جزيل الشكر والاحترام

1- القرآن وأمية بن ابى الصلت
جمال الدين عثمان - مصر 08-08-2014 01:48 PM

أستاذ الفاضل
دائما تبهرنى بملكة النقد والتحليل الواعي الدارس وقدرتك على استخدام العقل وتحفيز عقلية القارئ أشكرك وأقدرك

 

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب