• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن (1)

د. إبراهيم عوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/12/2012 ميلادي - 17/2/1434 هجري

الزيارات: 10358

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن[1] (1)


ليس هذا هو المجالَ لدراسةِ كتابِ المسلمين المقدَّس من ناحيةِ محتواه الديني، ومن الضروريِّ - عوضًا عن ذلك - أن نستخلصَ السببَ الذي جعَل من هذه الرسالةِ واحدًا من أقوى الآثارِ تمثيلاً لفكرِ العربِ وأساليبِ تعبيرِهم الفني في القرن السابع[2].

 

ولكي نفهمَ هذا الحدثَ الفريدَ الذي يُمثِّله القرآنُ عند ظهورِه داخلَ الحركةِ الثقافيةِ والأدبيةِ لهذا الجزء من العالَم، فمن المهمِّ أن نتذكَّر تأكيدَه بأنه رسالةٌ من عند الله، نَزَل بها مَلَك على النبِيِّ محمد، وأحيانًا ما تُدْعى هذه الرسالة الإلهية "وحيًا"، أو "كتابًا"، وأحيانًا "ذِكْرًا"، أو "قرآنًا".

 

وقد يبدو غريبًا ألا نرى في كتابٍ دينِي سوى عملٍ أدبِيٍّ، إلا أن القرآنَ نفسَه يشجِّعنا على ذلك؛ ففيه نقرأُ:

• ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ ﴾ [البقرة: 23، 24].

 

وانطلاقًا من هذا النصِّ ومن نصَّينِ غيرِه، جعَل علماءُ الكلامِ المسلمونَ مما يُمكِننا تسميتُه بـ "إعجازِ القرآن" عقيدةً قائمةً على أن معجزةَ النبي الحقيقيةَ والوحيدةَ أيضًا هي حَمْلُه على البشرِ رسالةً ذاتَ جمالٍ أدبِي لا يضارَع.

 

مَنْ إذًا هذا الرجلُ الذي نِيطَ به عبءُ حملِ النور إلى عربِ الحجازِ في بداية القرن السابع؟


إن صورةَ محمدٍ في القرآنِ ليست أبدًا صورةَ مَنْ أفردَه اللهُ بمواهبَ تُخرِجه من نطاقِ البشرِ، وهو في نظرِ المشركينَ من قومِه خاضعٌ لما يَخضَعون له من ضروراتِ الحياةِ.

 

ثم إنه قد ردَّد مفاخرًا أنه ليس إلا مخلوقًا فانيًا: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾ [الكهف: 110]، وأنه ليس في وسعِه أبدًا الإتيانُ بمعجزةٍ، لكنه إنما اختير هاديًا ونذيرًا للكافرين.

 

وهكذا فقد كان نجاحُ مهمتِه كلُّه تابعًا لقدرةِ رسالتِه على الإحياءِ، وأسلوبِها المعجِز، ومحمد - مع ذلك - لم يكن خطيبًا ولا شاعرًا.

 

إن السيرةَ النبويةَ لم تَحتَفظْ بأحاديثِه الشخصيةِ سالمةً، ولنا كلُّ الحقِّ في أن نرتابَ في قدرتِه على استخدام السجعِ.

 

كذلك فإنه لم يكن يستطيعُ نظمَ الشعرِ، وعندما كان مشركو مكَّة يدَّعون أنه شاعرٌ، أو يُشِيرون إلى أن رَئِيًّا من الجنِّ يَأتِيه بالوحي - كان الله ينضحُ عنه هذا الاتهامَ: ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [يس: 69، 70].

 

وهكذا أيضًا يقفُ هذا الوحيُ الباهرُ الجمالُ، والقادرُ على كسبِ القلوبِ بخاصتِه الأدبيةِ وحدَها مبتوتَ الصلةِ بالفصاحةِ والشعر.

 

ويَنبَغِي علينا أن نضيفَ كذلك أنه لا تربطُه صلةٌ بالإمكاناتِ البشرية، إن هوَّةً تفصلُ بين الجوهرِ الإلهي لهذه الرسالةِ وبين ضعفِ المخلوقِ الذي كُلِّف بها وحدودِ طاقتِه.

 

ويجدُ الإنسانُ نفسَه هنا أمامَ أمرٍ يجعلُ الفهمَ عملية معقدة.

 

إن أيَّة مقارنةٍ في الواقعِ بين نفسيَّة محمدٍ وبين نفسيَّة الشاعرِ منتفيةٌ؛ فالشاعر - مهما تكن تركيبتُه الفنية والظروفُ التي تصادفُ الإلهامَ عنده - يظلُّ مسيطرًا على أداتِه، ومدركًا لما يَجرِي في داخلِه، وإن كان ذلك بدرجةٍ متغيَّرةٍ، أما محمدٌ فهو - على العكس - مثالٌ "للمُلْهَم"؛ إذ الكلامُ الذي يتلقَّاه آتٍ من الخارجِ، وحين يتلقَّاه تَعتَرِيه حالاتٌ من الذهولِ وَردَ ذكْرُ بعضِها في القرآنِ ذاتِه.

 

ومن هنا تنشأُ مشكلةُ الصلةِ التي تَربِط بين تيارِ الوحي المؤدِّي لحالةِ الذهول هذه، وبين الأعراضِ المتنوِّعة، السمعية منها والبصرية، المصاحبةِ لنزوله على محمد.

 

ومن هنا أيضًا نرانا نتساءلُ - دون الوصول إلى جواب حاسم - عن الظروفِ التي يتمُّ فيها تحوُّل هذه الأعراضِ إلى شكلٍ منطقي مَصُوغٍ في لغةٍ بشريةٍ، هي لغة معاصري هذا "المُلْهَم".

 

إن مجموعَ نصوصِ القرآنِ - وهو ما لا ينبغي أن نغفلَ عنه - هي تعاليمُ بالمعنَى العادي جدًّا للكلمةِ.

 

وهي - على هذا الأساسِ - تُخَاطِب المستمعينَ الذين كان محمدٌ يَهدِف إلى إثارةِ مشاعرِهم أو إقناعِهم أو إدهاشهم.

 

وهذه التعاليمُ التي قد تدورُ حولَ حالاتٍ عامةٍ أو خاصةٍ، والتي قد تكونُ أسبابُها بعيدةً أو مباشرةً، قد اختلفت شكلاً ومضمونًا على مدى دعوةِ الرسول. ولم يضايِق هذا الطابَعُ العارِض للرسالةِ القرآنية في شيءٍ أيًّا من المسلمين لا في عهدِ محمدٍ ولا في أي عصر آخر، بل إنهم - على العكس - قد رَأوْا في هذا الأمرِ دليلاً جديدًا على الحكمة العليا التي استطاعت أن تطوِّع تعاليمَ "رب العالمين" للمطالِب البشرية.

 

ويحاوِل المفسِّر من جهة أخرى مع رغبته في العثور - في جميع أنحاءِ القرآنِ - على أيَّة إشاراتٍ من شأنِها أن تؤكِّد ما وَرَد في سيرةِ محمدٍ، كما كُتِبَت بعد قرن تقريبًا، أن يعيدَ ترتيبَ النصوصِ التي تَبْرُز فيها هذه الإشاراتُ على أساسٍ تاريخيٍّ مزعزعٍ وتحكُّمي في الغالب.

 

ولا ينبغي - مع ذلك - أن يدفعَنا فشلُ هذه المحاولاتِ إلى الكفِّ عن أن نحاولَ ربْطَ نصوصِ الوحيِ ثانيةً بالمراحلِ المختلفةِ لرسالة محمد[3].

 

ومع التنبهِ لوجوهِ النقصِ والتقصيرِ في سيرةِ رسولِ الإسلامِ، فإننا نستطيعُ أن نطمئنَّ من الناحيةِ التاريخية إلى أن محمدًا قد شعر بأنه مكلَّف بالمهمَّةِ النبوية حوالي سنة 612م، على أَبْكَرِ تقديرٍ، وكان قد بَلَغ سنَّ النضجِ آنذاك.

 

وقد مرَّ الطور الأولُ من دعوتِه في مكة، وكان هدفُه جمعَ مشركي هذه المدينةِ على لونٍ من الوحدانية يُدْعَى "الحنيفية".

 

وتبعثُ بعضُ آياتِ القرآنِ على الظنِّ بأن النبي الجديد قد قَبِل - في البدايةِ - التصالحَ مع الديانةِ المحليةِ، ولكنه سرعانَ ما رأى وجوبَ تغييرِ سياستِه أمامَ عداءِ خصومِه المتزايدِ[4].

 

وبعد عدَّة أعوامٍ حين لم تُثمِر جهودُه، قام بمحاولةٍ مع أهل الطائف؛ فلم يُصَادِف حظًّا أفضلَ، ثم اتصلَ ببعضِ سكَّان واحةِ يثربَ في شمالِ مكَّة، ولما وجَد لديهم قبولاً، عزمَ هو وأتباعُه - الذين لم يزيدوا عن مائةٍ - على مغادرةِ مسقطِ رأسِه إلى يثربَ، التي سُميِّت منذئذٍ بـ "المدينة".

 

وتعدُّ هذه الهجرةُ بدايةَ تحولٍ كاملٍ في مهمَّة محمدٍ ودعوتِه، كما تتجرَّد حياتُه منذ ذلك الحينِ من الهالاتِ الأسطوريةِ تمامًا، ويصبحُ متاحًا للمؤرِّخ ما يحتاجُ إليه من تواريخَ ووقائعَ محدَّدة ومعالِمَ سيرةٍ، ليست بالممتدة كثيرًا.

 

ويصيرُ محمدٌ - بعد أن كان نبيًّا يصرخُ في البرِّيَّة - حاكمًا إلهيًّا يتلقَّى أوامرَه من السماءِ، ويَحْكُم باسم اللهِ.

 

وتزداد الجماعةٌ المكيَّة القديمةُ عددًا منذ عام 622م بإسلامِ كثيرٍ من المدنيينَ الذين كان ينضمُّ إليهم - كلما حقَّق الإسلامُ انتصارًا - جماعاتٌ من الأعرابِ الذين ظلَّ إسلامُهم دائمًا موضعَ شكٍّ: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 14].

 

وعلى مدى السنواتِ العشرِ التي قضاها النبي في المدينة، تُصبِح شخصيتُه محورَ اهتمامٍ متزايدٍ من جانب المسلمينَ، فيتنبَّهون لأقوالِه وتعاليمِه وكلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ من أفعاله، ويَعُونَها في ذاكرتِهم، ويضعونَها نصبَ أعينِهم للاحتذاءِ بها، ومن ثَمَّ نشأت البَذْرَةُ الأولى للحديثِ[5].

 

وتُضْحِي المدينةُ في الوقتِ ذاتِه مركزًا سياسيًّا، ويجدُ زعيمُها نفسَه - كما سنرى - مضطرًّا للنزولِ على مقتضياتِ الواقعِ، فيكلِّف بعضَ الشعراءِ بأعمال الدعاية، ويستقبلُ وفودَ القبائلِ، ويعقدُ مع رؤسائِهم صلاتٍ سِفاريَّة[6].

 

وبعد محاولةٍ شبهِ واضحةٍ لاستعادةِ مكةَ، يستولِي عليها في 630م؛ واضعًا بهذا يدَه على الحجازِ، وباسطًا سلطانَه في الوقتِ نفسِه على جزءٍ كبيرٍ من الجزيرةِ العربيةِ.

 

وبعدَ حجَّة أخيرةٍ يعودُ إلى المدينةِ، ثم يموتُ سنة 632م.

 

والملاحَظُ أن الصلاتِ الكثيرةَ التي تَربِطُ بين تطوُّر هذه الرسالةِ والتعاليمِ التي يضمُّها القرآنٌ لا تتَّضحُ أبدًا من القراءةِ الأولى التي تخلِّف - على العكسِ من ذلك - انطباعًا بأن القرآنَ - على حالتِه الراهنةِ - لا يلتزمُ بالسردِ التاريخي للأحداثِ.

 

ولا يعودُ هذا فقط لمضمونِ هذه التعاليمِ التي لا تهتمُّ بالتواريخِ، أو التفاصيلِ الدقيقة، أو الروايةِ الوافية[7]، بل أيضًا - وبالذات - إلى المنهجِ الذي اتُّبِع في كتابةِ المصحفِ والإهمال التامِّ لتصنيفِ نصوصِ الوحي الذي تلقَّاه نبي الإسلام تصنيفًا تاريخيًّا.

 


[1] من كتاب "Histoire de la litterature Arabe "لـ Regis Blachere ( ط. Librairie d' Amerique et d' Orient , Paris , 1964) / ج 2 / من ص 19 فصاعدًا.

[2] المستشرق هنا يتكلم عن القرآن، وكأنه نتاج عربي؛ أي: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو مؤلفه.

ولكل إنسان - بالطبع - الحق في أن يقول ما يشاء، سواء أكان يعتقده فعلاً أم كان العناد والحقد هما اللذين يمليانه عليه.

وقد سبق أن رددت على هذه الشبهة أكثر من مرة في هذا الكتاب، بيد أني أحب هنا أضيف أن ما في القرآن من مبادئ وأفكار وموضوعات، لا يختلف تمامًا عما كان يعرفه العرب، ويدعون إليه ويؤمنون به، ويمارسونه، ويهتمون به فحسب، بل إنه قلب حياتهم رأسًا على عقب.

ثم لو كان محمد - صلى الله عليه وسلم - هو مؤلف القرآن، وصاحب ما فيه من مبادئ وأفكار، أكان يسكت طيلة الأربعين سنةً الأولى من حياته عن الدعوة إليها، ثم ينشط فجأةً بعد الأربعين؟

إن هذا لو صح، لكان شاذّا غريبًا.

والشيء ذاته يقال عن القرآن بوصفه أدبًا؛ فإنه لا وشيجة تربط بينه وبين الأدب الجاهلي، اللهم إلا اللغة التي كتب بها:

فلا الموضوعات هي الموضوعات، ولا الروح هي الروح، ولا الجو الذي يسود سوره هو الجو الذي يسود ذلك الأدب، ولا الصور الفنية فيه في الغالب هي الصور الفنية هناك.

بل إن السجع نفسه - وهو جد مألوف في النثر العربي جاهليه وإسلاميه - يختلف في القرآن عنه في غيره.

ولماذا نذهب بعيدًا، وعندنا أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، الذي يتهمه هؤلاء المستشرقون بتأليف القرآن، وفي ظني أن كثيرًا منهم يكذب ويغالط ضميره؟

إنها مختلفة عن القرآن: أسلوبًا، ومذاقًا، وروحًا، وألفاظًا، وتراكيب، برغم أن الموضوعات والأفكار والمبادئ التي تدور حولها هذه الأحاديث وتدعو إليها، هي نفس ما جاء في القرآن، "انظر أيضًا التعليق [34] على الفصل الذي نحن بصدده".

وقد ظهر لصاحب هذا الكتاب مؤخرًا دراسة في المقارنة بين أسلوب القرآن وأسلوب الحديث، عنوانها: "القرآن والحديث - مقارنة أسلوبية" أثبتت بالدلائل الأسلوبية القاطعة أن الأسلوبين مختلفان تمام الاختلاف.

[3] سلف القول بأن المستشرقين يولون هذه المسألة اهتمامًا شاذًا، ثم إن الأمر ليس بهذه الصعوبة التي يحاولون الإيهام بها، ففي علوم القرآن ما يسمى بـ "أسباب النزول"، وهو ما يؤدي المهمة المطلوبة لمن يريدها.

بل إني أري في ترتيب الآيات داخل السور - على النحو الموجود في المصحف - دليلاً إضافيًا على أن النبي ليس هو مؤلف القرآن، فمادامت النصوص كان يتم تسجيلها أولاً بأول، فقد كان المتوقع - لو أن النبي هو مؤلفها - أن يأمر بترتيبها حسب نزولها، بدلاً من الانتظار فترةً زمنيةً قد تطول أو تقصر، قبل أن تكمل هذه السورة أو تلك، بإضافة مجموعة من الآيات في هذا الموضع أو ذاك منها؛ لأن هذا حينئذ يكون تعقيدًا لا مسوغ له، وتصرفًا شاذًا لا يمكن فهمه، وبخاصة في ضوء شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - البسيطة، التي كانت أبعد ما يكون عن التكلف.

فإذا علمنا بعد ذلك كله أن في بعض السور - رغم أنها لم تؤلف دفعة واحدة ولا حتى على دفعات متتالية - إعجازًا رقميًا لم يكشف عنها إلا في أيامنا هذه.

أفلا ينبغي أن يكون ذلك - عند ذوي البصائر المتفتحة والقلوب المخبتة للحقيقة - دليلاً على أن محمدًا- صلى الله عليه وسلم - ليس هو مؤلف هذا القرآن، بل رسول من عند الله؟

[4] موقف القرآن والنبي من محاولة المشركين التصالح مع الدين الجديد واضح:

• ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * ... إلخ ﴾ [الكافرون: 1، 2].

• ﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ *... إلخ﴾ [القلم: 9 - 11].

ولا ننس قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((والله، لو جعلوا الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر أو أهلك فيه ما تركته))، ورفضه مثلاً لدعوة طعام إلا إذا نطق أصحابه بكلمة التوحيد.

أما قول المؤلف: إن النبي كان "يصرخ في البرية"، فهو مبالغة؛ إذ كيف يقال ذلك، وقد أسلم في أوائل الدعوة: خديجة، وأبو بكر، وعلي، وعثمان، وغيرهم من الذين يساوي الواحد منهم ألوفًا، وبهم نصر الإسلام نصرًا مؤزرًا؟

[5] هل يريد هذا المستشرق أن يقول: إن أقوال النبي - عليه السلام - وأفعاله لم تكن محل اهتمام المسلمين قبل الهجرة مثلاً؟

إن الأحاديث النبوية لتبين بأجلى بيان أنه - عليه أفضل الصلوات والتسليمات - كان دائمًا محل الحب، والاحترام، والاهتمام، والتبجيل من جانب أصحابه طوال فترة الرسالة، قبل وبعد الهجرة؛ لأن هذه المشاعر كانت تنبع من كونه رسولاً من عند ربه - عز وجل - لا من كونه حاكمًا.

ولذلك، فحياته، وكلامه، وتصرفاته قبل الهجرة مسجلة في كتب السنة والسيرة مثلها في ذلك مثل ما كان يفعله، ويقوله بعد الهجرة.

[6] عبارة: "النزول على مقتضيات الواقع"، قد توحي بأن الرسول - عليه أزكي الصلاة وأفضل السلام - قد تخلى عما كان ينبغي التزامه من مثالية.

والحقيقة أنني لا أستطيع أن أعرف وجه العيب في تكليف بعض الشعراء بالقيام بأعمال الدعاية أو في استقبال وفود القبائل... إلخ.

ترى أكان المراد أن ينفصل النبي - عليه السلام - عن تيار الحياة من حوله ويعيش كما يعيش الرهبان؟ أم كان المطلوب أن يقف مكتوف اليدين أمام أعدائه فيقتلوه؟

[7] هذا المستشرق هو وزملاؤه لا يستطيعون أن يتخلصوا من إسار الطريقة التي ألف بها العهد القديم والعهد الجديد، مع أن ثمة فارقًا هائلاً وحاسمًا بين القرآن وهذين الكتابين:

• فالقرآن وحي سماوي خالص لم تتدخل يد بشرية فيه إلا بالتسجيل، أما هما فسيرة لأنبياء بني إسرائيل - عليهم السلام - كتبت بعد انتقالهم إلى ربهم بأزمنة طويلة، واختلط فيها الوحي بالأهواء والروايات البشرية؛ مما فتح الباب على مصراعيه لعملية التحريف المتعمد وغير المتعمد، وبخاصة أن هذين الكتابين لم يبقيا بلغتيهما الأصليتين.

بل إن السيرة النبوية - على رغم كل ما يمكن أن يقال فيها - لهي أقرب كثيرًا إلى الواقع من هذين الكتابين.

• كذلك فالقرآن، إنما هو توجيه إلهي لكل البشر، ودعوة لهم للدخول في طاعة الله، والقيام بواجبات الأخوة الإنسانية، والعدل، والرحمة، والعمل الجاد المثمر، وليس يعقل أن يجعل الله - سبحانه - من قرآنه وثيقةً تاريخيةً يقيد فيها ما يفعله الرسول- صلى الله عليه وسلم - وأتباعه يومًا بيوم، أو سنة بعد سنة.

إن ذلك متوفر في كتب السيرة والأحاديث النبوية، كما أن ترتيب القرآن تاريخيًا لمن يريد ليس بالأمر الصعب، وقد سبق العلماء المسلمون إلى ذلك، ولولا هم لم يكن المستشرقون ليتنبهوا إلى هذه المسألة التي يجعلون منها بالباطل قضية القضايا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المستشرق " سافاري " وحديثه عن القرآن (1)
  • المستشرق " سافاري " وحديثه عن القرآن (2)
  • المستشرق "مونتيه" وحديثه عن القرآن (1)
  • المستشرق "مونتيه" وحديثه عن القرآن (2)
  • المستشرق " بلاشير " وحديثه عن القرآن (1)
  • المستشرق " بلاشير " وحديثه عن القرآن (2)
  • المستشرق " بلاشير " وحديثه عن القرآن (3)
  • المستشرق " بلاشير " وحديثه عن القرآن (4)
  • أبو بكر حمزة وحديثه عن القرآن
  • المستشرق Clement Huart وحديثه عن القرآن
  • المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن (2)
  • المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن (3)
  • المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن (4)
  • المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن (5)

مختارات من الشبكة

  • من أساليب المستشرقين في حروبهم الفكرية: التزهيد في العربية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • المستشرق Regis Blachereوحديثه عن القرآن (6)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دعاوي المستشرقين حول حجية السنة النبوية: آراء المستشرق "جوزيف شاخت" أنموذجا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الاستشراق والرسول صلى الله عليه وسلم (الاستشراق والسيرة)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • السيرة النبوية والاستشراق(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • المستشرق "مونتيه" وحديثه عن مصادر القرآن(مقالة - ملفات خاصة)
  • المستشرق "مونتيه" وحديثه عن المضمون القرآني (2)(مقالة - ملفات خاصة)
  • المستشرق "مونتيه" وحديثه عن المضمون القرآني (1)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خلاصة التجربة الفرنسية في مجال علم أصول الفقه(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • حديث المستشرق الفرنسي Barthelemy عن محمد والقرآن (2)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب