فيلدرز وفتنة

فيلدرز وفتنة

وأخيرًا ظهر فيلم (فِتْنَة) للسياسي البرلماني الهولندي رئيس حزب الحرية اليميني "خيرت فيلدرز" على شبكة الإنترنت، يوم 27 من شهر مارس الجاري، وخلال بضع ساعات شاهده ملايين الناس.

هذا الفيلم الذي يندرج تحت مظلة الهجوم الإعلامي المصور الذي بُدئ بفيلم "الخضوع" للمخرج الهولندي "ثيو فان غوخ"، والرسوم الكاريكاتورية في "الدانمارك" ومرَّ بفيلم فتنة، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك ما هو أبشع في الطريق، والأيام القادمة ستكشف عن ذلك، وإنَّ غدًا لناظره قريب.

ولكننا نريد أن نقف عند الفيلم، وبعض ردود الأفعال تجاهه؛ فالفيلم يبدأ بمشهد لرسم كاريكاتيري من الرسوم الدانماركية، وهو رسم لمقطع الرأس بالعمامة، وقد غرزت عبوة ناسفة في العمامة، والنار تشتعل في الفتيل، وتظهر صورة المصحف المفتوح وقراءة بصوت الشيخ "السديس" للآية الستين من سورة الأنفال: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60]، وتظهر ترجمة الآية الكريمة.

وتظهر بعد ذلك صور الهجوم على مبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11 من سبتمبر 2001م، وهلع الناس، وتفجيرات مدريد وضحاياها، ومقاطع لأدعية بعض الخطباء على الكُفَّار، ومن ثمَّ تلاوة للآية 56 من سورة النساء: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 56]، وخطيب يظهر وهو يحمل السيف ويدعو للجهاد ضد اليهود.

وما يلفت النَّظر هو حوار قصير مع فتاة يبدو من لهجتها ولهجة السَّائلة أنها مصرية، هذه الطفلة اسمها بسملة، وعمرها ثلاث سنوات ونصف.

سؤال: هل أنت مسلمة؟

بسملة: نعم

سؤال: هل تعرفين اليهود؟

بسملة: نعم

سؤال: هل تحبينهم؟

بسملة: لا.

سؤال: لماذا؟

بسملة: لأنهم قردة وخنازير.

سؤال: من قال هذا؟

بسملة: ربنا.

سؤال: أين.

بسملة: في القرآن.

ثم تظهر صور بعض الجنود الأمريكيين وهم يُسْحَلون في شوارع مدينة "الفلوجة" العراقية، وصور تفجيرات لندن، وبعد ذلك تلاوة الآية الرابعة من سورة محمد: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 4]، وتظهر بعد ذلك صور المخرج الهولندي "ثيو فان غوخ" الذي اغتيل بسبب فيلمه "الخضوع"، والذي يصور في فيلمه امرأة كاسية عارية مكتوب على جسدها آيات قرآنية.

وصور "محمد بويرة" الهولندي الجنسية والمغربي الأصل -قاتل ذلك المخرج- وصوته وهو يقول: لو أنه أفرج عنه وسنحت له الفرصة سيفعل ما فعله بالضبط، ويقسم بالله على ذلك.

ولقطة للشيخ "عائض القرني"، وهو يتحدث عن الجهاد قائلاً: إن الجهاد الحق هو ضد المحتل، ويُقَدَّم فيه الغالي والرخيص، وهذا هو خط النصر.

وصورة الأمريكي الذي اعتقل من قِبَل جماعة التَّوحيد والجهاد في بلاد الرافدين "القاعدة"، وأعضاء من الجماعة يتلون بيانًا، ومن ثم يطرحونه أرضًا وهم بصدد حز رأسه، وتختفي الصورة، وتلاوة الآية التاسعة والثمانين من سورة النساء: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء: 89].

وما كتب سابقًا في الجرائد الهولنديَّة بالخط العريض على لسان بعض الجهات الإسلاميَّة، وهي تطلب الموت "لسلمان رشدي"، وتهدد البرلمانية الهولندية سابقًا الصومالية الأصل "أيان هرشي علي"، وتهديد رئيس لجنة المرتدين في هولندا "إحسان جامي"، بعد ذلك تلاوة للآية التاسعة والثلاثين من سورة الأنفال: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الأنفال: 39].

وتظهر شخصيَّة شيعيَّة تقول: إن الإسلام رسالة عالمية، ويريد أن يسيطر على العالم، وصور الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" وهو يتحدث قائلاً: إن رسالة الإسلام هي احتواء العالم، والإسلام ليس محددًا بزمان ما أو مكان ما، ويخاطب جمهوره قائلاً: يجب ألا يكون لديكم أدنى شك بأن الإسلام سوف ينتصر - بإذن الله.

كما يبين بشكل لافت للنظر بأن هولندا تسير في طريقها إلى الإسلام، وهو بذلك ينبه على ذلك، ويبين -حسب زعمه- أن خطر أسلمة هولندا قادم إذا لم ينتبهوا، ويركز على صورة امرأة مسلمة وهي مرتدية الخمار.

ويبين من خلال جدول بأن عدد المسلمين في هولندا عام 1959 كان 54 شخصًا، وفي عام 1960 كان عددهم 1.399، وعام 1990 أصبح عددهم 458.000، وعام 2004 أصبح عددهم 944.000 شخص.

كما يبين أن عدد المسلمين في أوربا عام 2007 هو 54.000.000، وبعد ذلك يظهر شخص من أبناء الجالية التركية قائلاً: لو أن أخته أو أمه زنت فسوف يقتلها انتقامًا للشرف.

ولقطة للشيخ "فواز جنيد" إمام مسجد السنة في مدينة "لاهاي"، والمعروف في هولندا بأنه قطب من أقطاب السلفية في هولندا، وهو يقول فيها: إن الإسلام يعتبر الشذوذ الجنسي والزنا جرائم.

وصور لمساجد في هولندا مرفقًا بصوت بعض الأئمة وهم ينادون بالكفر بالديمقراطية والعلمانية، ورجم الزاني المحصن والزانية المحصنة، ويظهر نص مكتوب "هولندا في المستقبل".

وصور لشباب معصوبي الأعين شاذين جنسيًّا - كما يبين النص في أسفل الشاشة - وخلفهم رجال ملثمون مسلمون، يسوقونهم إلى المشانق.

وصور لأطفال وجوههم مغطاة بالدماء، وهو يرمز بذلك إلى ما يفعله بعض الشيعة في بعض مناسباتهم.

كما يبين الفيلم معاناة الأنثى من جراء الختان، ويعيد إظهار بعض عناوين الجرائد عن بعض الأحداث، وبيان النفوذ الإسلامي في أوربا، وعناوين أخرى كثيرة تركز خاصة على فتاوى ظهرت في حينها ضد الشَّاذين جنسيًّا.

وفي آخر لقطة من الفيلم يظهر المصحف مفتوحًا، وتمتد إليه يد ما، وتمسك بورقة منه وتثنيه، وهنا تختفي الصورة، ويسمع صوت تمزيق ورقة من كتاب، ويظهر مباشرة نص مكتوب بأن الصوت المسموع هو لصفحة من كتاب دليل الهاتف.

والأمر ليس خافيًا على القارئ أنه فعل ذلك؛ لكي لا يتعرض لمساءلة قانونية، ونص آخر يقول: إن الأمر متعلق بالمسلمين أن يمزقوا الآيات التي تحمل مضامين الكراهية، وليس بي.

ثم يتابع: المسلمون يريدون منك أن تفسح المجال للإسلام؛ لكن الإسلام لا يفسح المجال لك، والحكومة توجب عليك احترام الإسلام، لكن الإسلام لا يُكِن لك الاحترام؛ كما يريد الإسلام القضاء على حضارتنا الغربيَّة.

♦ انتصرنا عام 1945 على النازية.

♦ وفي عام 1989 انتصرنا على الشيوعية.

♦ والآن يجب أن ننتصر على الأيديولوجية الإسلامية.

♦ أوقفوا المد الإسلامي.

♦ دافعوا عن حريتنا.

كما ينهي الفيلم بالصورة الكاريكاتورية التي بدأ بها فيلمه، وفتيل العبوة المشتعل يصل إلى نهايته إيذانًا بوصول النار إلى البارود لتنفجر العبوة؛ لكن الصورة تختفي مرة أخرى، ويظهر صورة السماء وهي تبرق وترعد وينتهي الفيلم.

فرسالة فيلمه كما يراه هو:

♦ التنبيه على المد الإسلامي في هولندا وأوربا والتحذير منه.

♦ بيان أن الإسلام دين عنف وإرهاب، والقرآن كتاب عنف ومحرض عليه.

♦ الدفاع عن الشذوذ الجنسي.

♦ الدفاع عن المرأة من وجهة نظره.

ولو عبد الخلق جميعًا ربهم وأطاعوه سبحانه وتعالى، ما زاد ذلك في جلاله من شيء، ولو عصى الخلق جميعًا ما نقص ذلك من جلاله سبحانه وتعالى من شيء.

ولكن لا شك أن الإهانة لحقت بالمسلمين من خلال تشويه عقيدتهم والاستهزاء بها، وكان "فيلدرز" قد بيَّن أنه يريد الدخول في نقاش مع مؤيدي ومعارضي فيلمه.

وبالرغم مما جاء في الفيلم، إلا أن المسلمين في هولندا، وفي كثير من دول العالم الإسلامي لم يشعروا بأنهم أصيبوا بصدمة كبيرة؛ لأن الفيلم ظهر بدرجة أقل مما كان متوقعًا.

وكان "فيلدرز" قد أبلغ وزارة الداخليَّة قبل عرض فيلمه بثلاث ساعات، واجتمعت الحكومة بعد عرض الفيلم مباشرة في جلسة طارئة، واعترضوا على مضمونه بوضوح، واجتمعت الأقليَّات الدينية والعرقيَّة في هولندا مباشرة مع ممثلي بعض الوزارات كوزارتي الإسكان والاندماج.

ومن الصعب حصر كل ردود الأفعال المحلية والدولية، إلا أن الأمر لن يتوقف هنا، وربما يأتي ما هو أسوأ؛ وربما يكون في القريب العاجل.