• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد / الإلحاد (تعريف، شبهات، ردود)
علامة باركود

الرد على طعن ريتشارد دوكينز في الكتب المنزلة

الرد على طعن ريتشارد دوكينز في الكتب المنزلة
ساعد عمر غازي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/2/2016 ميلادي - 4/5/1437 هجري

الزيارات: 13010

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من سلسلة: إبطال ما جاء في كتاب:"سحر الواقع"

للملحد الشهير ريتشارد دوكينز

الرد على طعنه في الكتب المنزلة، وعلى رأسها القرآن

لخلوها من الكلام على المخترعات الحديثة وعلاج الأمراض الحديثة ونحو ذلك

 

هذه الحلقة الأولى من سلسلة إبطال كتاب "سحر الواقع"، وقد سبق وقدمت بين يدي هذه مقدمة، أو طليعة، للتعرف بالمؤلف والكتاب فلينظرها من شاء.

وشبهة اليوم: هي طعنه في الكتب المنزلة، وعلى رأسها القرآن فيقول في "سحر الحقيقة" (ص/ 100) إن الدين بكتبه المقدسة التي جاءت كما يقول: (من إله كلِّي المعرفة): "فلم تقل لنا شيئاً عن حجم الكون، أو مقدار عمره، لم تخبرنا بطريقة علاج السرطان، لم تشرح سبب الجاذبية، أو آلة الاحتراق الداخلي، أو الكهربية، أو التخدير".

 

الجواب: أولاً: إن دوكينز يصف الله عز وجل بسخرية واستهزاء وتهكم:(من إله كلِّي المعرفة)، وحسبك بملحد، ماذا يقول عن خالقه الذي يجحده؟!! والله عز وجل يخبر عن نفسه: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة:14]، ﴿ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [طه:7]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ﴾ [آل عمران:119]، ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك:14]، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:216]، ﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾ [البقرة:140]، ﴿ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ﴾ [البقرة:255]، ﴿ وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر:67]. إلى غير ذلك من الآيات.

 

ثانياً: يعني بكلامه هذا القرآن في المقام الأول، وعدم ذكر الأمثلة المذكورة وغيرها، لا يطعن في القرآن المنزل من عند الله؛ لأن القرآن الكريم كتاب هداية، وتشريع، ومواعظ وعبر، وبيان للأحكام، وإخبار عن أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، وإخبار عن الغيوب الماضية والمستقبلة، وآية بالغة، ومعجزة باهرة، وحجة دامغة أيد الله بها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء والمرسلين، ولم ينزله سبحانه ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وأنواع المعارف، وإنما القرآن في ذكره للآيات الكونية يهدف إلى ما هو أعظم من ذلك بكثير، وهو هداية ودلالة الخلق للإيمان بالله عز وجل وعبادته وحده لا شريك له، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث هادياً، وداعياً إلى الله، وإلى جنته، ومعرفاً بالله، ومبيناً للخلق جميعاً مواقع رضاه وآمراً لهم بها، ومواقع سخطه وناهياً لهم عنها، ومخبرهم أخبار الأنبياء والرسل وأحوالهم مع أممهم، وأخبار تخليق العالم، وأمر المبدأ والمعاد، وكيفية شقاوة النفوس وسعادتها وأسباب ذلك؛ فلا يلزم التنصيص في القرآن على الأمثلة التي ذكرها دوكينز ولا غيرها، إنما في القرآن قواعد كلية تندرج تحتها فروع كثيرة لا تحصى، وهذا يكفي في تفسير أي ظاهرة تحدث، وهذا من آيات القرآن وأكبر براهينه، أنه لا يمكن أن يحدث علم صحيح ينقض شيئاً منه، فإنه يَرِدُ بما تشهد به العقول جملة وتفصيلاً، أو يَرِدُ بما لا تهتدي إليه العقول. وأما وروده بما تحيله العقول الصحيحة وتمنعه فهذا محال، والحس والتجربة شاهدان بذلك، فإنه مهما توسعت الاختراعات وعظمت الصناعات، وتبحرت المعارف الطبيعية، وظهر للناس في هذه الأوقات ما كانوا يجهلونه قبل ذلك، فإن القرآن -ولله الحمد- لا يخبر بإحالته، بل نجد بعض الآيات فيها إجمال أو إرشادات تدل عليه[1]. وسيأتي ذكر الأدلة على ذلك.

 

الرد على زعمه: ليس في القرآن ولا في غيره من الكتب المنزلة الكلام عن حجم الكون أو مقدار عمرة:

فإذا نظرنا إلى قوله: "فلم تقل لنا شيئاً عن حجم الكون، أو مقدار عمره"، فيقال له: لأن هذا ليس من مقاصد الدين، وقد ذكر الله لعباده ما هو أنفع لهم؛ فذكر: آثاراً من آثار قدرته، وبدائع من بدائع حكمته، ونعماً من آثار رحمته ترشدهم وتهديهم إلى عبادته وحده لا شريك له، ويبين هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله: ﴿ خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [لقمان:10-11]، إلى غير ذلك من الآيات.

 

ثم يعلن هذا الرجل عن جهله فيما يتعلق بنشأة الكون، لما سئل في مقابلة له: فكيف تم إنشاء الكون؟

قال دوكينز: حسناً بواسطة عملية بطيئة جداً.

المحاور: حسناً كيف بدأت هذه العملية؟

دوكينز: لا أحد يعرف كيف بدأت. نعرف أن حدثاً من نوع ما لا بد أنه وقع، نعرف أن حدثاً من نوع ما لا بد أنه حدث، ليصنع أصل الحياة.

المحاور: ماذا كان هذا الأصل؟

دوكينز: هو كان أصل أول جزئية ذاتية الاستنساخ.

المحاور: جميل وكيف حدث ذلك؟

دوكينز: لقد أخبرتك نحن لا نعرف.

المحاور: إذن فأنت لا تملك أي فكرة عن كيفية بدء الحياة.

دوكينز: لا، لا، ولا أي شخص آخر يعرف.

 

فانظر إلى عجزه، وتخبطه، وجهله أو تجاهله عما جاء في القرآن الكريم من قصة الخلق قال تعالى: ﴿ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ * فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [فصلت:9-12].

 

وقال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [الأنبياء:30-33]. وقال تعالى: ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾ [النازعات: 27-32]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة:29]، إلى غير ذلك من الآيات. وفي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قوم من بني تميم، وفيه: جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان، قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء"[2]. وهذا شيء لم يكن يعرفه العرب، ولا غيرهم من أهل الأرض، ودوكينز وأمثاله ليس عندهم ما يرد ما ذكره الله تعالى، ولكن ما جاءوا به حتى الآن في باب خلق الكون الغالب فيه الظنون، بل بعضها هي الأساطير بعينها!! ولكنها المكابرة والجحود.

 

قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- ما مختصره: "وحاصل القول: أن الله تعالى خلق هذه الأرض وهذه السماوات التي فوقنا بالتدريج وما أشهدنا خلقهن، وإنما ذكر لنا ما ذكره للاستدلال على قدرته وحكمته وللامتنان علينا بنعمته، فنؤمن بأنه فعل ذلك لحكم يعلمها، وقد عرض علينا ذلك لنتدبر ونتفكر، فمن أراد أن يزداد علماً فليطلبه من البحث في الكون وعليه بدراسة ما كتب الباحثون فيه من قبل، وما اكتشف المكتشفون من شئونه، وليأخذ من ذلك بما قام عليه الدليل الصحيح، لا بما يتخرص به المتخرصون ويخترعونه من الأوهام والظنون، وحسبه أن الكتاب أرشده إلى ذلك وأباحه له"[3].

 

وهذا كلام جيد يصلح لضبط الموقف من الردود العلمية التجريبية التي كثرت بدعوى الإعجاز العلمي للقرآن؛ فإننا للأسف نجد في بعضها تكلف، أو تذكر على أنها حقائق علمية تفسر بها بعض الآيات، ويهدر بها تفسير الأئمة من الصحابة والتابعين، بحجة أنهم لم يكن عندهم معرفة لمعاني بعض الألفاظ، وهذا الأمر مع تجنيه على هؤلاء الأئمة، نجد أن تفسير هؤلاء الباحثين لبعض الآيات لا يزال مجرد نظريات أو احتمالات، أو أبحاث لم تكتمل بعد، مما ينسب الخطأ إلى النصوص المعصومة، وتفصيل القول في هذا الموضوع ليس هذا موضعه. والله أعلم.

 

الرد على زعمه: خلو القرآن وغيره من الكتب المنزلة من طريقة علاج السرطان:

أما علاج الأمراض: الذي مثل له دوكينز بعلاج السرطان، وعدم وجوده في القرآن، فيقال: إن طب الأبدان: جاء مقصوداً لغيره بحيث إنما يستعمل عند الحاجة إليه، ومع ذلك ذُكر في القرآن قواعد طب الأبدان، ولذا نجد كلاماً نفيساً للإمام ابن القيم -رحمه الله- ذكر فيه هذه القواعد كما بينها الله عز وجل في كتابه الكريم، فقال: "وأصول الطب ثلاثة: الحمية، وحفظ الصحة، واستفراغ المادة المضرة، وقد جمعها الله تعالى له ولأمته في ثلاثة مواضع من كتابه، فحمى المريض من استعمال الماء خشية من الضرر فقال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾ [النساء: 43 والمائدة:6]، فأباح التيمم للمريض حمية له، كما أباحه للعادم، وقال في حفظ الصحة: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184] فأباح للمسافر الفطر في رمضان حفظا لصحته لئلا يجتمع على قوته الصوم ومشقة السفر فيضعف القوة والصحة. وقال في الاستفراغ في حلق الرأس لِلْمُحْرِمِ: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ [البقرة: 196] فأباح للمريض ومن به أذى من رأسه وهو محرم، أن يحلق رأسه ويستفرغ المواد الفاسدة والأبخرة الرديئة التي تولد عليه القمل، كما حصل لكعب بن عجرة أو تولد عليه المرض، وهذه الثلاثة هي قواعد الطب وأصوله، فذكر من كل جنس منها شيئاً وصورة تنبيها بها على نعمته على عباده في أمثالها من حميتهم، وحفظ صحتهم، واستفراغ مواد أذاهم رحمة لعباده، ولطفا بهم ورأفة بهم. وهو الرؤوف الرحيم"[4].


ثم إن هذا الرجل يتجاهل الواقع العلمي من حوله، ففي مجال الطب مثلاً: أين هذا الرجل من الأبحاث العلمية المتقدمة في العلاج بالعسل من أمراض عديدة، كما قال فيه ربنا تبارك وتعالى: ﴿ وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 68-69].

 

فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى، وتمام لطفه بعباده. وهنا نذكر تطبيقاً عملياً عن العلاج بالعسل فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسقه عسلاً"، فسقاه، ثم جاءه فقال: إني سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقاً، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: اسقه عسلاً فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق الله، وكذب بطن أخيك"، فسقاه فبرأ"[5].


قال ابن حجر -رحمه الله-: "وقد اعترض بعض الملاحدة فقال: العسل مسهل فكيف يوصف لمن وقع به الإسهال؟

والجواب: أن ذلك جهل من قائله؛ بل هو كقوله تعالى: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِه ﴾ [يونس:39]، فقد اتفق الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والعادة والزمان والغذاء المألوف والتدبير وقوة الطبيعة وعلى أن الإسهال يحدث من أنواع منها الهيضة التي تنشأ عن تخمة واتفقوا على أن علاجها بترك الطبيعة وفعلها فإن احتاجت إلى مسهل معين أعينت ما دام بالعليل قوة فكأن هذا الرجل كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته، فوصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء لما في العسل من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها وللمعدة خمل كخمل المنشفة فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء الواصل إليها فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط ولا شيء في ذلك مثل العسل لا سيما إن مزج بالماء الحار وإنما لم يفده في أول مرة؛ لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب الداء إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية وإن جاوزه أو هي القوة وأحدث ضررا آخر فكأنه شرب منه أولاً مقداراً لا يفي بمقاومة الداء فأمره بمعاودة سقيه فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء برأ بإذن الله تعالى"[6].

 

قال ابن الجوزي -رحمه الله-:"وقوله: "صدق الله وكذب بطن أخيك" ذكر فيه الخطابي احتمالين:

أحدهما: أن يكون إخباراً عن غيب أطلعه الله عليه، وأعلمه بالوحي أن شفاء ذلك من العسل، فكرر عليه الأمر بسقي العسل ليظهر ما وعد به.

 

والثاني: أن تكون الإشارة إلى قوله تعالى: ﴿ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ ويكون قد علم أن ذلك النوع من المرض يشفيه العسل"[7].

 

وزيادة في إيضاح هذا الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم له هدي في علاج الأمراض المعروف بالطب النبوي، قال ابن القيم -رحمه الله-:"وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء، فإن طب النبي صلى الله عليه وسلم متيقن قطعي إلهي، صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل. وطب غيره أكثره حدس وظنون وتجارب، ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به، وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان، فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور -إن لم يتلق هذا التلقي- لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها، بل لا يزيد المنافقين إلا رجساً إلى رجسهم ومرضاً إلى مرضهم، وأين يقع طب الأبدان منه فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة، كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة والقلوب الحية، فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع، وليس ذلك لقصور في الدواء، ولكن لخبث الطبيعة، وفساد المحل وعدم قبوله، والله الموفق"[8].

 

 

ثم إن دوكينز يقول في "سحر الحقيقة" (ص/ 249) عن صعوبة علاج السرطان الذي استنكر عدم ذكر الدين له في كتبه المقدسة!!:"من الصعوبة بمكان اكتشاف علاج يتسنى له قتل السرطان؛ لأن أي علاج يمكنك التفكر فيه -مثلاً أحد السموم- من المحتمل أيضاً أن تقتل خلايا سليمة".

 

نقول إن علاج السرطان في تطور، وتخرج علينا كل فترة طرق وعقاقير لعلاجه، وكل هذا يدخل تحت حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: "ما أنزل الله داء، إلا قد أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله"[9].

 

هذا الحديث يدفع اليأس عن المريض بأي مرضٍ؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله داءً"، نكرة في سياق النفي تعم جميع الأدواء وجميع الأمراض، حتى السرطان؛ فكثير من الأمراض التي توصل الإنسان إلى معرفة علاجها، لم تكن معروفة العلاج من قبل مثل الكوليرا، والجدري، والطاعون، وغيرها فكان علاجها خافياً على كثيرٍ من الأطباء، حتى علمه غيرهم، وأمر خفاء علاج بعض الأمراض لفترة من الزمن، ثم اكتشاف علاجه بعد ذلك من الأمور المشاهدة، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"علمه من علمه، وجهله من جهله"، قال ابن حجر رحمه الله-:"وفي حديث ابن مسعود الإشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمها كل أحد"[10].

 

ولهذا ننكر على دوكينز، قوله: "من الصعوبة"؛ لأن الله عز وجل قادر على تذليل هذه الصعوبة التي ذكرها دوكينز، وقد يفتح الله على يد بعض خلقه فتحاً ينفع به الله جل وعلا خلقه، وكل ذلك بمشيئته وحكمه كما سبق في علمه. هذا هو ظن المؤمن بربه. والله أعلم.

 

الرد على: عدم ذكر الكهرباء:

أما عن عدم ذكر الكهرباء!!

فالجواب: إن ما توصل إليه الإنسان من استخراج الكهرباء، وغيرها من المخترعات الحديثة الباهرة، داخلاً في قوله تعالى: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق:5]، وقوله تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت:53]، وهذا يدركه العقلاء، قال ابن القيم -رحمه الله-:"فآياته في الآفاق مسموعة معلومة، وآياته في النفس مشهودة مرئية؛ فعياذاً بالله من الخذلان"[11].

 

وقد وقفت على كلام نفيس للشيخ السعدي بعنوان: "في الكهرباء ونتائجها"، ضمن كتابه: "الفتاوى السعدية"، أذكر منه ما يكفي في بيان المراد، فقال: "أليس التنادي الذي ذكره القرآن بين أهل الجنة وأهل النار مع البعد العظيم، كان في ذلك الوقت يراه المنكرون محالاً ممتنعاً، فجاءهم ما لا قِبَلَ لهم بدفعه!"[12].


ويؤكد هذا المعنى الإمام ابن باز -رحمه الله- بقوله: "فبعض الناس كانوا يتساءلون، ويقولون: كيف ينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وأصحاب الجنة في أعلى عليين، وأصحاب النار في أسفل سافلين، بينهم التباعد العظيم، فأراهم الله هذه العجائب، هذا المذياع الذي من أقصى الدنيا، إلى أقصى الدنيا، يسمعون منه الأخبار ويريهم الله منه العبرة، وهذا الهاتف التليفون يتخاطبون به، من بعد إلى بعد، هذه آية وعبرة تدلهم على صحة ما أخبر به الرسل، من كون أهل الجنة ينادون أهل النار، ويسمعون عواءهم وشرهم، إذا أرادوا ذلك، كل هذا من آيات الله، وكذلك رؤيته في التلفاز وغيره، فأهل الجنة يرون أهل النار: ﴿ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴾ [الصفات:55]، مع البعد العظيم، الله أقدره أن يرى أهل النار، هذه من آيات الله، كما أنه يرى الإنسان، يتكلم من محل بعيد، تنقله الأقمار الصناعية في مكان آخر، هذه آيات من آيات الله: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت:53]، وهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، وبكل شيء عليم سبحانه وتعالى، يري عباده العبر ويوضح لهم الآيات، لعلهم يعقلون، ولعلهم يفهمون، لإقامة الحجة، وهذه الأشياء تقرب وتعين على فهم الكتاب والسنة فيما أشكل من هذه الأمور"[13].

 

 

ويعود الشيخ السعدي -رحمه الله- في بيانه فيقول (ص/ 85-86):"أليس إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بإسرائه إلى بيت المقدس، ومعراجه إلى ما فوق السماوات، صار محل فتنة واستبعاد للمنكرين، مع أن آيات الرسل قد تقرر عن الخلق خرقها للعوائد، فهؤلاء ورثة أولئك، فلينكروا نقل الأصوات والأنوار وغيرها من الأقطار الشاسعة. فلو أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت أن الناس سيطيرون في الهواء، ويتخاطبون في مشارق الأرض ومغاربها وغيرها مما ظهر وسيظهر، فهل تظنهم إلا يزدادون له تكذيباً، وبه سخرية.

 

ولهذا من حكمة الله أن الله لم يصرح بذكر هذه الأمور؛ لأن الناس مولعون بعدم التصديق بما لم يروه أو يروا نظيره، فلم يصرح بذكره رحمة بالعباد، ولكنه في غير آية من كتابه ما يدل على ذلك بحيث إذا وقعت هذه الأمور فهم الناس دلالته عليها، فالمؤمن يستفيد غاية الفائدة إذا نظر للمخترعات الحاضرة بنور إيمانه، ودلالتها على المطالب العالية. ولا شك أن فائدة المؤمن من معرفتها أعظم من فائدة من اخترعوها فلم ينتفعوا بها في أمر دينهم، ولا في أمر دنياهم، وإنما كانت وبالاً عليهم، فنسأل الله أن لا يزيغ قلوبنا، وأن يهدينا إلى الصراط المستقيم. وصلى الله على محمد وسلم".

 

وقال أيضاً: عند قوله تعالى: ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل:8]:"قوله: ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ مما يكون بعد نزول القرآن من الأشياء، التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو، ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم، فإنه لم يذكرها بأعيانها؛ لأن الله تعالى لا يذكر في كتابه إلا ما يعرفه العباد، أو يعرفون نظيره، وأما ما ليس له نظير في زمانهم فإنه لو ذكر لم يعرفوه ولم يفهموا المراد منه، فيذكر أصلاً جامعاً يدخل فيه ما يعلمون وما لا يعلمون، كما ذكر نعيم الجنة وسمى منه ما نعلم ونشاهد نظيره، كالنخل والأعناب والرمان، وأجمل ما لا نعرف له نظيراً في قوله:﴿ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَان ﴾ [الرحمن:52]، فكذلك هنا ذكر ما نعرفه من المراكب كالخيل والبغال والحمير والإبل والسفن، وأجمل الباقي في قوله:﴿ وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾"[14].


ويقول الشيخ طاهر بن عاشور -رحمه الله- وهو يتكلم على ما تفنن فيه البشر من صنوف المراكب براً وبحراً وجواً من القطارات والسيارات والطائرات والسفن: "وإلهام الله الناس لاختراعها هو ملحق بخلق الله، فالله هو الذي ألهم المخترعين من البشر بما فطرهم عليه من الذكاء والعلم وبما تدرجوا في سلم الحضارة واقتباس بعضهم من بعض إلى اختراعها، فهي بذلك مخلوقة لله تعالى؛ لأن الكل من نعمته"[15].

 

الرد على: عدم ذكر التخدير:

أما حديث دوكينز عن عدم ذكر التخدير، فأمر عجيب غريب؛ لأن الله ذكر في كتابه آية في تحريم الخمر تحريماً باتاً، وهي قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة90 ]، إلى قوله: ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾[المائدة:91]، قال العلامة الشنقيطي في "أضواء البيان" (2/ 405):"وهذه الآية الكريمة تدل على تحريم الخمر أتم دلالة وأوضحها؛ لأنه تعالى صرح بأنها رجس، وأنها من عمل الشيطان، وأمر باجتنابها أمرا جازما في قوله: فاجتنبوه، واجتناب الشيء: هو التباعد عنه، بأن تكون في غير الجانب الذي هو فيه. وعلق رجاء الفلاح على اجتنابها في قوله: لعلكم تفلحون، ويفهم منه أنه من لم يجتنبها لم يفلح، وهو كذلك. ثم بين بعض مفاسدها بقوله: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ﴾ [المائدة:91]، ثم أكد النهي عنها بأن أورده بصيغة الاستفهام في قوله: ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة:91]، فهو أبلغ في الزجز من صيغة الأمر التي هي (انتهوا)". وقال صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام"[16].

 

وقال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام"[17].

ونقل الإجماع على التحريم فقال ابن المنذر:"وأجمع أهل العلم على تحريم الخمر"[18].

وقال ابن القطان الفاسي: "واتفق أهل القبلة جميعًا على أن الخمر حرام بتحريم الله تعالى إياها"[19].

وللمحافظة على العقل أوجب صلى الله عليه وسلم حد الشارب درءاً للمفسدة عن العقل[20].

 

فيقاس على الخمر كل ما يذهب العقل من المخدرات والحشيش ونحو ذلك، بناءً على مصلحة حفظ العقل التي تضمنها تحريم الخمر.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:"وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب؛ فإن تغييب العقل حرام بإجماع المسلمين"[21].

 

لكن في مواطن يدعي فيها الضرورة، ذهب الفقهاء إلى جواز استعمال المخدر الذي يحصل به تعطيل الإحساس بدون أن يشعر المريض باللذة والطرب لإجراء عملية جراحية، بناء على القاعدة الشرعية: "الضرورات تبيح المحظورات". وما كان في مواطن يدعي فيها الحاجة يعتبر جوازه مخرجاً على القاعدة الشرعية: "الحاجة تنزل منزلة الضرورة العامة كانت أو خاصة".

 

قال النووي: "ولو احتيج في قطع يده المتآكلة إلى تعاطي ما يزيل عقله فوجهان أصحهما جوازه"[22].

 

وقال ابن فرحون:" والظاهر جواز ما يُسْقَى في الْمُرَقِّدِ لقطع عضو ونحوه؛ لأن ضرر الْمُرَقِّدِ مأمون وضرر العضو غير مأمون"[23].

 

وقال الحافظ ابن رجب ما مختصره: "واعلم أن المسكر المزيل للعقل نوعان: أحدهما: ما كان فيه لذة وطرب، فهذا هو الخمر المحرم شربه.

 

والثاني: ما يزيل العقل ويسكر، لا لذة فيه ولا طرب، كالبنج ونحوه، فقال أصحابنا: إن تناوله لحاجة التداوي به، وكان الغالب منه السلامة جاز، وإن تناول ذلك لغير حاجة التداوي، فقال أكثر أصحابنا كالقاضي وابن عقيل، وصاحب "المغني": إنه محرم؛ لأنه تسبب إلى إزالة العقل لغير حاجة"[24].

 

وقال الحافظ ابن حجر: "أما ما يسكر منها فإنه لا يجوز تعاطيه في التداوي إلا في صورة واحدة وهو من اضطر إلى إزالة عقله لقطع عضو من الأكلة والعياذ بالله، فقد أطلق الرافعي تخريجه على الخلاف في التداوي، وصحح النووي هنا الجواز وينبغي أن يكون محله فيما إذا تعين ذاك طريقاً إلى سلامة بقية الأعضاء، ولم يجد مرقداً غيرها"[25].

 

وفي سؤال إلى اللجنة الدائمة: نرجو إفادتنا عن حكم الإسلام في التخدير أثناء العمليات الجراحية؟

الجواب: يجوز استعمال ذلك، لما يقتضيه من المصلحة الراجحة، إذا كان الغالب على المريض السلامة من ذلك[26].

 

فالخلاصة: أن البنج ونحوه مما يزيل العقل يجوز استعماله لإجراء جراحة ما لم يوجد ما يقوم مقامة كما أشار الحافظ ابن حجر بقوله: "ولم يجد مرقداً غيرها"، بشرط عدم تعين الضرر وإلى ذلك أشار الحافظ ابن رجب بقوله: "وكان الغالب منه السلامة جاز"، وقول الحافظ ابن حجر: "وينبغي أن يكون محله فيما إذا تعين ذاك طريقا إلى سلامة بقية الأعضاء".

 

وبهذا يتبين كمال محاسن الشريعة الإسلامية وما فيها من مصالح العباد في المعاش والمعاد. وإن ما ذكره هذا الملحد لا وزن له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:"والرسل بعثوا بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وتقديم خير الخيرين على أدناهما حسب الإمكان، ودفع شر الشرين بخيرهما"[27].

 

وأما عدم شرح سبب الجاذبية، أو آلة الاحتراق الداخلي، فالجواب عليه بما سبق في الأمثلة السالفة الذكر. وفيما ذكرنا كفاية لمن أراد الله له الهداية.

 

والتنبيه على أن هذه الاختراعات الجديدة، والنظريات العلمية في الأوقات الأخيرة، من جملة ما أنعم الله به على بني آدم، مسلمهم وكافرهم، فإنها كلها من تعليم الله للإنسان كما أخبر الله: ﴿ عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق:5]، فالله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وكل ما تعلمه الإنسان فهو من الله، وداخلة أيضاً في تسخير الله الكون لبني آدم كما أخبر الله تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13] فنبه العقول على التفكر فيها، واستخراج أنواع العلوم والفوائد منها[28]



[1] القواعد الحسان لتفسير القرآن (ص/ 35).

[2] أخرجه البخاري (7418).

[3] تفسير المنار (1/ 208).

[4] زاد المعاد (1/ 158).

[5] أخرجه البخاري (5684)، ومسلم (2217).

[6] فتح الباري (10/ 169).

[7] كشف المشكل (3/ 160).

[8] زاد المعاد (4/ 33).

[9] أخرجه أحمد (1/ 377، 413، 453). وصححه الألباني في "الصحيحة" (451).

[10] فتح الباري (10/ 135).

[11] الفوائد (ص/ 189).

[12] الفتاوى السعدية (ص/ 85).

[13] "فتاوى نور على الدرب" عناية الشويعر (4/ 306-307).

[14] تيسير الكريم الرحمن (ص/ 436).

[15] "التحرير والتنوير" (14/ 111).

[16] أخرجه البخاري (4343)، ومسلم (1733) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

[17] أخرجه أبو داود (3681)، والترمذي (1865)، وابن ماجه (3393) من حديث جابر رضي الله عنه. وقال الترمذي: "حسن غريب"، وقال الألباني في "إرواء الغليل" (8/ 43):"وإسناده حسن".

[18] الإشراف (7/ 225) رقم (4665).

[19] الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 327) رقم (1850).

[20] أضواء البيان (3/ 48). تنبيه: خرج علينا من ينعت نفسه بالشيخ الأزهري المفتي في استراليا ويقول: "إن الآيات التي وردت في القرآن لم تحرم الخمر"، أما الأحاديث الواردة في التحريم ضعيفة آحاد (كذا)، فيخالف القرآن والسنة، وإجماع الأمة، ليشكك الناس في أمر دينهم، بردة عن الدين ظاهرة!! وإلى الله المشتكى.

[21] مجموع الفتاوى (34/ 211).

[22] المجموع (3/ 7).

[23] ينظر: "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" للحطاب (1/ 90)، و"شرح مختصر خليل" للخرشي (1/ 84).

[24] جامع العلوم والحكم" (2/ 464-465)

[25] فتح الباري (10/ 80).

[26] "فتاوى اللجنة الدائمة" السؤال (2) من الفتوى رقم (3685).

[27] الجواب الصحيح (2/ 215).

[28] ينظر: القواعد الحسان لتفسير القرآن (ص/ 70).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرد على من طعن في سن زواج عائشة

مختارات من الشبكة

  • الرد على تفسير ريتشارد دوكينز لخلق آدم وإخراجه من الجنة، ومسائل أخرى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرد على إنكار ريتشارد دوكينز لعجائب وبدائع صنع الله وتقديره في خلق الحيوانات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرد على دوكينز في قوله: إن حدوث الأشياء الحسنة والأشياء السيئة بالمصادفة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرد على المخالف عقديا: رد ابن تيمية على أبي حامد الغزالي أنموذجا (WORD)(كتاب - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الرد على المخالف عقديا: رد ابن تيمية على أبي حامد الغزالي أنموذجا (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الرد في المواريث(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • الرد على عدنان إبراهيم لطعنه في معاوية رضي الله عنه(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أهم أسباب انتشار الشبهات حول السنة وبعض الكتب في الرد على المشككين فيها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مورد الرد على الأشاعرة والماتريدية من كتب السنة(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • مصادر السيوطي في كتابه "الرد على من أخلد إلى الأرض"(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
1- دوكينز
يونس بالباهي - المغرب 14-04-2020 05:54 AM

أولا أود أن أشكر الله تعالى على واجب هذه المبادرة الطيبة
خصوصا للاهتمام بالمراجع الإسلامية المهمة على رأسها الوحي
وقد كاد دوكينز  أن يشكل لدي شبهة لا سمح الله تعالى
استمر ونحن معك يا أستاذ

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب