• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

من أحكام التصوير

من أحكام التصوير
د. علاء شعبان الزعفراني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/2/2016 ميلادي - 27/4/1437 هجري

الزيارات: 71112

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من أحكام التصوير

 

أولاً: صناعة التماثيل[1]:

إن قضية صنع التماثيل لا تتوقف على كونها قضية فقهية، بل تتعداها إلى أبواب الاعتقاد، وذلك أن الله تعالى اختص بتصوير خلقه وإبداعهم على أحسن صورة، فكان التصوير مضاهاة لخلق الله تعالى، وكذا يتعلق الأمر في باب الاعتقاد من حيث اتخاذ هذه الأصنام آلهة تُعبد من دون الله عز وجل.

 

ومما يدل على أنّ من أفعاله تعالى التصوير ما يلي:

قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [2]


وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا ﴾ [3].

 

وقال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [4].

 

وقال تعالى: ﴿ اأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [5].

 

فهذه الآيات تقرر عقيدة لا شك فيها أن تصوير الخلق هو من قِبل ربهم وخالقهم ومصورهم، فلا يحل لأحد أن يتعدى على ربه تعالى فيضاهي الله في خلقه وتصويره.

 

وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»[6].

 

قال الحافظ ابن حجر: "وفي الحديث دليل على تحريم التصوير"[7].

 

وقال النووي: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام هذا حكم نفس التصوير"[8].

 

• وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الحَسَنِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ  - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً، فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا» فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ، فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ، كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ[9].

 

• وعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ»[10].

 

وعن عبد الله بن عمر  - رضي الله عنهما  - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ"[11].

 

• و عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي دَارِ مَرْوَانَ فَرَأَى فِيهَا تَصَاوِيرَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَالَ اللهُ عز وجل: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي؟ فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً»[12].

 

قال النووي:

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فليخلقوا ذرة أو حبة أو شعيرة": فالذرَّة بفتح الذال وتشديد الراء، ومعناه: فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كهذه الذرة التي هي خلق الله تعالى وكذلك فليخلقوا حبة حنطة أو شعير، أي: ليخلقوا حبة فيها طعم تؤكل وتزرع وتنبت ويوجد فيها ما يوجد في حبة الحنطة والشعير ونحوهما من الحب الذي يخلقه الله تعالى وهذا أمر تعجيز كما سبق"[13]. إذ لا يقدر على إنشاء النبات الحيّ من العدم إلا الله عز وجل.

 

• وعَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى عَبْدًا حَجَّامًا، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ وَثَمَنِ الدَّمِ، وَنَهَى عَنِ الوَاشِمَةِ وَالمَوْشُومَةِ، وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ، وَلَعَنَ المُصَوِّرَ»[14].

 

وقد جاءت الشريعة بهدم الأصنام وتحطيمها لا بصنعها وترميمها، ومما يدل على ذلك:

• وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، وَحَوْلَ الكَعْبَةِ ثَلاَثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: "﴿ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ ﴾ [الإسراء: 81]" الآيَةَ[15].


• و عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ «أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ»[16].

 

قال ابن القيم: "والتماثيل جمع تمثال وهو الصور الممثلة"[17].

 

وقال ابن تيمية: "فأمره بمحو التمثالين الصورة الممثلة على صورة الميت والتمثال الشاخص المشرف فوق قبره فإن الشرك يحصل بهذا و بهذا"[18].

 

وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الصور أن يدخلها في بيته، ورتب على ذلك آثامًا وحرمانًا للخير، ومما يدل على ذلك:

• عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ»[19].


• وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ  - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى البَابِ، فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟» قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ القِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» وَقَالَ: «إِنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ»[20]. وفي رواية قالت عائشة: "فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ"[21].

 

واتخاذ الصور وسيلة للوقوع في الشرك، لأن بداية الوقوع فيه التعظيم لصاحب الصورة، وخاصة مع قلة العلم أو انعدامه، ويدل على هذا:

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي العَرَبِ بَعْدُ أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ، عِنْدَ سَبَإٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلاَعِ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ، أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ»[22].

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأيضًا فإن اللات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك"[23].

 

وقال: "وهذه العلة  - أي: التعظيم - التي لأجلها نهى الشارع هي التي أوقعت كثيرًا من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك"[24].

 

وقال ابن القيم  - رحمه الله - في بيان تلاعب الشيطان بالنصارى:

"وتلاعب بهم في تصوير الصور في الكنائس وعبادتها، فلا تجد كنيسة من كنائسهم تخلو عن صورة مريم، والمسيح، وجرجس، وبطرس، وغيرهم من القديسين عندهم، والشهداء.

 

وأكثرهم يسجدون للصور، ويدعونها من دون الله تعالى.

 

حتى لقد كتب بِطْريقُ الإسكندرية إلى ملك الروم كتابًا يحتج فيه للسجود للصور: بأن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يُصَوِّر في قُبّة الزمان صورة الساروس، وبأن سليمان بن داود لما عمل الهيكل عمل صورة الساروس من ذهب، ونصبها داخل الهيكل.

 

ثم قال في كتابه: وإنما مثال هذا مثال الملك يكتب إلى بعض عماله كتابًا، فيأخذه العامل ويقبله ويضعه على عينيه، ويقوم له، لا تعظيما للقِرطاس والمداد، بل تعظيمًا للملك، كذلك السجود للصور تعظيمٌ لاسم ذلك المصور لا للأصباغ والألوان.

 

وبهذا المثال بعينه عبدت الأصنام[25].

وقال: وغالب شرك الأمم كان من جهة الصور والقبور[26].

 

فما سبق من الآيات والأحاديث يدل على أن علة تحريم الصور ثلاثة أمور:

الأول: المضاهاة لخلق الله.

والثاني: أنه مشابهة للكفار.

والثالث: أنه وسيلة للتعظيم والوقوع في الشرك.

 

مسألة: الصحابة رضي الله عنهم تركوا التماثيل في البلدان التي فتحوها، مثل تمثال أبي الهول، فلماذا تقولون أنها حرام؟

 

الجواب: بداية ما يتعلق بتمثال أبي الهول هذا لم يكن موجودًا، بل مغمورًا ثم وُجد بعد ذلك، فلا يصح أن يستدل بمثل هذه الحادثة على سبيل التعيين.

 

ولكن قد يوجد حوادث كثيرة جدًا مقترنة بمثل هذه الصورة وذلك بوجود تماثيل ضخمة بجبال منحوتة وأضرابها، فهذه توجد في المواضع فهذه على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: في أماكن نائية: فقد تكون تلك الأصنام في أماكن نائية لم يصل إليها الصحابة، فإن فتح الصحابة ‏لمصر مثلاً لا يعني وصولهم إلى كل أرض فيها. ‏

 

النوع الثاني: غير ظاهرة: أن تكون تلك الأصنام غير ظاهرة، بل داخل منازل الفراعنة وغيرهم، وقد كان ‏هدي النبي صلى الله عليه وسلم الإسراع عند المرور على ديار الظلمة والمعذبين، بل جاء ‏نهيه عن دخول تلك الأماكن.

 

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ  - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ المُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لاَ يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ»[27] قال ذلك صلى الله عليه وسلم عند مروره على أصحاب الحجر، في ديار ثمود ‏قوم صالح عليه السلام.‏

 

والظن بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إن رأوا معبدًا أو منزلاً لهؤلاء أن لا ‏يدخلوه، وأن لا يطلعوا على ما فيه.‏

 

فكثير من هذه الأصنام الظاهرة اليوم كان مغمورًا مطمورًا، أو اكتشف حديثًا، ‏أو جيء به من أماكن نائية لم يصل إليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.‏

 

فقد سئل الزركلي عن الأهرام وأبي الهول ونحوها: هل رآها الصحابة الذين دخلوا مصر؟

‏فقال: "كان أكثرها مغمورًا بالرمال، ولاسيما أبا الهول"[28].

ثم يقال لو قدر وجود تمثال ظاهر غير مطمور، فلابد من ثبوت أن الصحابة رأوه، وأنهم ‏كانوا قادرين على هدمه. ‏

 

والواقع يشهد أن بعض هذه التماثيل يعجز الصحابة رضي الله عنهم عن هدمها، فقد ‏استغرق هدم بعض هذه التماثيل عشرين يومًا، مع وجود الآلات والأدوات والمتفجرات والإمكانيات التي لم ‏تتوفر للصحابة قطعًا.‏

 

ومما يدل على ذلك ما ذكره ابن خلدون: "أن الخليفة الرشيد عزم ‏على هدم إيوان كسرى، فشرع في ذلك وجمع الأيدي، واتخذ الفؤوس، وحَمَّاه بالنار، ‏وصب عليه الخل، حتى أدركه العجز وأن الخليفة المأمون أراد أن يهدم الأهرام في مصر ‏فجمع الفعلة ولم يقدر[29].‏

 

مع أن بقاء الأهرام لا شيء فيه لأنها ليست صور فهي من أمور السعة، لذا ما كان مما لا يقدر عليه فلا ينبغي الاستشهاد بها.

 

وأما التعلل بكون هذه التماثيل من التراث الإنساني، فهذا كلام لا يلتفت إليه، فإن ‏اللات والعزى وهبل ومناة وغيرها من الأصنام كانت تراثًا لمن يعبدها في قريش والجزيرة.‏

 

وهو تراث، لكنه تراث محرم يجب إزالته، وإذا جاء أمر الله ورسوله فالمؤمن يبادر إلى الامتثال ولا يرد أمر الله ورسوله بمثل هذه الحجج الواهية، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [30].

 

النوع الثالث: مقدور عليه:

عموم الأدلة في المقدور عليه من التماثيل والصور عمل الصحابة رضي الله عنهم أخذًا بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى وصيته  - كما في أثر علي المتقدم - فهل الوصية على إطلاقها؟

 

ظاهر العمل أن وصية النبي صلى الله عليه وسلم مطلقة، لكن نجد أنه في عمل الصحابة أنهم أدركوا من وصية النبي صلى الله عليه وسلم مرتبتين:

المرتبة الأولى: أن ثمة تماثيل معبودة من دون الله، فعمدوا إلى إزالتها، كما أزال النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام التي كانت عند الكعبة.

 

المرتبة الثانية: ما لم يكن معبودًا من دون الله عز وجل وصنعه غيرهم، فهذا الحكم فيه أخف وذلك لأن العلة الأولى هي دفعٌ لوثن يُعبد من دون الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: "أزل عنك هذا الوثن" فلما كان معبودًا عظم أمره ولو لم يكن صورة، وأما إذا كان صورة ولم يكن معبودًا الغالب في ذلك أن الإثم يتعلق بفاعله لا يتعلق بغيره، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم ينظرون إلى الصور والتماثيل التي لا تعبد من دون الله صورة مخففة تختلف عن عن الصورة الأولى، وبهذا نعلم أن من الصحابة رضي الله عنهم من ترك أمثال هذه الأشياء باعتبار أنهم وجدوها وما وجدوها تعبد من دون الله فكان الأمر عندهم أخف لأنهم ليسوا هم من أنشأها وإنما أنشأها غيرهم، فاختلف بذلك الحكم، أما الأصنام التي تعبد من دون الله فكانوا يكسرونها بلا خلاف.

 

والواجب على المسلم أن يراعي المصالح والمفاسد، وينظر في عواقب الأمور، ولا يتصرف تصرفًا يُضعف الإسلام وأهله، قال ابن حجر - رحمه الله - في مسألة حمل الواحد على العدد الكثير: "متى كان مجرد تهور فممنوع، لاسيما إن ترتب على ذلك وهن المسلمين"[31].

 

فالنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَرَعَ لِأُمَّتِهِ إيجَابَ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ لِيَحْصُلَ بِإِنْكَارِهِ مِنْ الْمَعْرُوفِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَإِذَا كَانَ إنْكَارُ الْمُنْكَرِ يَسْتَلْزِمُ مَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ وَأَبْغَضُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسُوغُ إنْكَارُهُ[32].

 

ثانيًا: القول بالتناقض في حكم التصوير عند المعاصرين:

البعض يردد أن بعض العلماء المعاصرين قد تناقضت أقوالهم في حكم التصوير الآلي، لذا نحتاج إلى أن نفرق بين أمرين في موضوع التصوير:

الأمر الأول: حكم التصوير، ونعني به هنا تصوير ذوات الأرواح بالرسم أو النحت ونحوها من الصور المجسمة، فهذا هو محل البحث والنظر، ونعني به أيضًا الصور غير المجسمة المرسومة باليد.

 

وقد دلت السنة الصحيحة على تحريم هذا النوع من الصور، سواء كان في لوحة، أو ورقة، أو ثوب، أو حائط، لما فيه من مضاهاة خلق الله.

 

قال النووي  - رحمه الله -: "قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ تَصْوِيرُ صُورَةِ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ، وَسَوَاءٌ صَنَعَهُ بِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ بِغَيْرِهِ: فَصَنْعَتُهُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ، لِأَنَّ فِيهِ مُضَاهَاةً لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَوَاءٌ مَا كَانَ فى ثوب أو بساط أودرهم أَوْ دِينَارٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ إِنَاءٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهَا.

 

وَأَمَّا تَصْوِيرُ صُورَةِ الشَّجَرِ وَرِحَالِ الْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ فَلَيْسَ بِحِرَامٍ، هَذَا حُكْمُ نَفْسِ التَّصْوِيرِ.

 

ولا فرق في هذا كله بين ماله ظل ومالا ظل لَهُ.

 

هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَبِمَعْنَاهُ قَالَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ.

 

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ إِنَّمَا يَنْهَى عَمَّا كَانَ له ظل، ولا بأس بِالصُّوَرِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا ظِلٌّ. وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ السِّتْرَ الَّذِي أَنْكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصُّورَةَ فِيهِ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ مَذْمُومٌ، وَلَيْسَ لِصُورَتِهِ ظِلٌّ مَعَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي كُلِّ صُورَةٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ النَّهْيُ فِي الصُّورَةِ عَلَى الْعُمُومِ."[33].

 

وهذا أمر لا نعلم أن الفتوى تغيرت بشأنه، أو أن من كان يرى أن التصوير حرام، عاد وقال بإباحته، أو أن غالب رأي المفتين كان على التحريم، ثم أصبح الآن على الإباحة، وإذا قدر أن شيئا من ذلك التغيير قد حصل: فهو قليل جدًا، أو شاذ نادر، لا يقاس عليه.

 

الأمر الثاني: هل ينطبق حكم التصوير على أنواع معينة من الصور؛ كالصورة الفوتوغرافية، مثلا؟ وإذا كان يشملها: فهل هذا التحريم خاص بالصورة الكاملة، أو يشمل الصورة النصفية أيضًا، ونحو ذلك من المسائل التي محل نظر الفقيه والمفتي فيها هو النظر في انطباق الحكم السابق، على النازلة المعينة.

 

وهذا هو الذي اختلف أهل العلم فيه اختلافًا معتبرًا مشهورًا؛ والمراد الآن بيان أن هناك فرقًا بين الاختلاف في الحكم، والاختلاف في تحقيق مناط الحكم في الواقعة المعينة.

 

وحينئذ؛ فليس من الغريب أن يتغير اجتهاد العالم أو المفتي في مثل هذه النوازل؛ فقد يبني اجتهاده في وقت ما على أن هذا التصوير كان يتطلب تصرفًا بشريًا في الصورة بوجه ما، وهذا هو نفس عمل المصور، فلأجل ذلك أفتى بتحريمه، ثم تغير الأمر وتطورت الأجهزة، ولم يعد هناك حاجة إلى التدخل البشري.

 

بل إن الأمر أظهر من هذا المثال التقريبي؛ فتغير اجتهاد العالم من وقت إلى وقت آخر، وفي نفس المسألة ليس أمرًا جديدًا، بل هو معروف ومقرر. ومذهبا الشافعي: الجديد والقديم شاهد على ذلك، والروايات عن الإمام أحمد وغيره في المسألة الواحدة معروفة.

 

والأمثلة على ذلك معروفة مشهورة، وليس العبرة بالقال والقيل، وإنما العبرة في كل أمر بما وافقه الدليل.

 

مما سبق يتبين تحريم عمل التماثيل، سواء كان ذلك لمسلم أو لكافر، وأن من فعل ذلك فقد ضاهى الله في خلقه، واستحق اللعنة، وأما التصوير الآلي، فهذا محل الخلاف وهو محل مسألتنا الثالثة.

 

ثالثًا: التصوير الآلي "الكاميرا":

التصوير الآلي لم يكن موجودًا، ولا معروفًا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن الصحابة الأبرار رضي الله عنهم، وفي عهد ازدهار المدارس الفقهية، وإنما اكتشف بعد ذلك بعقود وكل يوم يتطور تطورًا كبيرًا، وعليه فلا يمكن الحصول على رأي للعلماء المتقدمين في حكم هذا النوع من التصوير نصًا، وإنما يمكن استنباطًا، وإنما تكلم على ذلك نصًا العلماء المعاصرون.

 

وقد اختلفوا في حكم هذا النوع من التصوير على قولين:

القول الأول: تحريم التصوير بالكاميرات الحديثة بأنواعها كسائر أنواع التصوير اليدوي، مع إباحة ما تدعو إليه الضرورة، أو تقتضية المصلحة العامة، وذلك من الصور لأجل البطاقة الشخصية، ومكافحة الجرائم ونحوها.

 

وهذا قول: الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ[34]، والشيخ عبد العزيز بن باز[35]، والشيخ الألباني[36]، وغيرهم، وهو ما مشت عليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية[37]، كما هو رأي أكثر علماء الهند[38].

 

وقد استدلوا بالأدلة الآتية:

الدليل الأول: أن التصوير بالكاميرا لا يخرج عن كونه نوعًا من أنواع التصوير الأخرى، الذي ينقش باليد، ولذلك فإنه يسمى تصويرًا لغة وشرعًا وعرفًا[39].

 

فأما كونه تصويرًا لغة: فلأن الصورة في اللغة هي "الشكل"[40]، وهذا يصدق على سائر أنواع التصوير والصور بما في ذلك التصوير الفوتوغرافي.

 

وأما كونه يُسمى تصويرًا شرعيًا فلأن النصوص الشرعية التي وردت بشأن الصور والتصوير وردت عامة مُطلقة، ولم تُخص، أو تستثن نوعًا من أنواع التصوير من العموم إلا ما ورد الدليل الشرعي باستثنائه كلعب البنات، والصور الممتهنة من حيثُ الاستعمال لا من حيثُ الصناعة في الأخير.

 

أما كونه يُسمى تصويرًا عرفًا: فلأن هذا ما تعارف عليه سائر أنواع الناس، وأصنافهم، على مختلف طبقاتهم، ومستوياتهم، وثقافاتهم، وبلدانهم، فالكل يطلق عليه ويسميه تصويرًا[41].

 

ويناقش: بأن التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية ليس بتصوير في الحقيقة، وذلك لأن التصوير المنهي عنه إنما هو رسم صورة ذوات الروح بيده ليظهر للناس: أنه أبدع خلقًا، واخترعه بخبرته، ومهارته، وأما المصوِّر بالآلة الفوتوغرافية فلم يكن في فعله تخطيط، وتشكيل، واختراع للصورة، وإنما التقط حقيقة خلق الله تعالى الذي هو موجود في الخارج بواسطة تلك الآلة، دون فعل منه من تخطيط، وتشكيل،. إلخ.

 

وإذًا: فلا يصدق على هذا العمل بأنه تصوير بالمعنى الذي جاءت النصوص النبوية بالنهي عنه، والوعيد على من فعله[42].

 

الدليل الثاني: التصوير الفوتوغرافي وكاميرات الجوال تطور لمهنة التصوير اليدوي، كما تطورت سائر المهن والصناعات.

 

فكما أن كثيرًا من المصنوعات كانت تصنع  - جميع أجزائها قديمًا - باليد مباشرة، ثم أصبحت الآن تصنع، وتنتج بواسطة الآلات المتطورة، أو كان باليد المباشرة.

 

فكذلك الأمر بالنسبة للصورة الآلية تكون صورتها كالصورة اليدوية، والآلة تطور لحرفة التصوير فقط[43].

 

ويناقش: بأن الصورة المحبوسة ما هي إلا كالمرآة للشخص تمامًا، ويظهرها الحاسب وغيره كما كانت عند التقاطها، وذلك كله خلق الله تعالى وصنعه وتصويره، والمصور لم يصنع شيئًا سوى الحبس والالتقاط، تمامًا كما يكون عند ظهور صورة ما خلق الله تعالى في المرآة، أو عندما تنقل عبر الأقمار الصناعية إلى البلاد البعيدة، فيشاهدها الناس حية على الهواء مباشرة، فكل ذلك لا يدخل في دلالة النصوص، ولا يصح القياس أيضًا لاختلاف العلة.

 

الدليل الثالث: أن أصل الشرك والوثنية الهدامة في الأمم الماضية، إنما كان بسبب الصور، والتصوير، وذلك بداية من قوم نوح عليه السلام إلى يومنا هذا، فإننا لازلنا نسمع عن من يخضعون، وينحنون للصور والتماثيل في أماكن شتى من الأرض، وذلك تخليدًا لذكرى أصحابها، وتعظيمًا لشأنهم[44].

 

ويناقش: بأن صناعة الصور الآلية مختلف عن الرسم باليد والنحت ونحوهما، لأن الأولى كانت لأشخاص يعظمون من دون الله، أما بعد انتشار الإسلام، لم يعد يُخشى في كثير من الأماكن على الناس من عبادة الصور خاصة الآلية، والافتتان بها، كما كان في بداية عهد الإسلام، ومتى وجدت في مكان أو زمان كان الحكم[45].

 

الدليل الرابع: أن الأحاديث وردت بالوعيد الشديد على الذين يضاهون، ويشابهون خلق الله تعالى بصناعتهم صور ذوات الأرواح، وقد تقدم ذكر هذه الأحاديث.

 

ولا يخفى أن العلة التي حُرمَّ التصوير من أجلها موجودة في التصوير الآلي أيضًا[46]، بل إن وجود المضاهاة، وشدة مشابهة خلق الله تعالى في هذا النصف من التصوير أكثر، وأعظم من وجودها في التصوير المنقوش باليد، لشدة مضاهاته، ومطابقته للمصوَّر.

 

ويناقش من وجهين:

الوجه الأول: أن التصوير الآلي لا يوجد فيه علة المضاهاة، ومشابهة الخالق، كما توجد في التصوير اليدوي، إذ التصوير الآلي عبارة عن حبس الظل بالآلة المعروفة، فمرجعها إلى ما أوجده الخالق سبحانه وتعالى، وليس فيها صنع صورة غير موجودة[47].

 

والتصوير المنهي عنه: إنما هو إيجاد صورة، واختراعها لم تكن موجودة من قبل، يضاهي بها صنع الخالق، والآلة الفوتوغرافية ليس فيها هذا المعنى[48].

 

الوجه الثاني: أن الخوف من الوقوع في الشرك، واستفحال الوثنية –بسبب الصورة - إنما كان في بداية الإسلام، وقرب عهد الوثنية الطاغية آنذاك، وأما بعد رسوخ الإسلام في النفوس، واستقرار عقيدة التوحيد فلم يعد يخشى من ذلك[49].

 

الدليل الخامس: أن القول بتعميم تحريم التصوير  - يدويًا أو آليًا - أحوط وأبعد عن الوقوع في المحرم، لأن التصوير الآلي من المتشبهات  - على أقل أحواله - وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ،.»[50].

 

ويناقش: بأن الأصل في الأشياء الإباحة[51]، حتى يثبت الدليل القاطع على نقلها عن أصل الحل إلى التحريم، ولا يوجد دليل قاطع تحريم التصوير الآلي[52].

 

الدليل السادس: أن الاختلاف في وسيلة التصوير، وآلته لايقتضي اختلافًا في الحكم[53].

 

وكذلك لا اثر لاختلاف بذل الجهد في التصوير، صعوبة وسهولة من حيث الحكم، وإنما العبرة في ذلك كله هو وجود الصورة، فحيثما وجدت صور لذوات الروح، كانت محرمة، ما لم يكن لها حاجة ماسة، أو مصلحة عامة معتبرة[54].

 

ويناقش: بأن الأحاديث التي وردت بالنهي عن التصوير، والوعيد على المصورين جاءت بلفظ: "من صور"، ومادة "صور" تقتضي وجود عمل وتخطيط وتشكيل من قبل المصور، وهذا ما لم يحصل من الذي صور بواسطة الآلة، وكل ما في الأمر أنه سلط هذا الجهاز فالتقط صورة خلق الله تعالى، دون أن يحصل من المصور بالآلة تخطيط وتشكيل بيده، والوعيد الوارد على تصوير ذوات الروح إنما يتجه إلى من يصنع الصورة ويخترعها، ويخطط بيده وهذا لا يتناول الآلات الحديثة[55].

 

القول الثاني: إباحة التصوير بالكاميرات الحديثة بأنواعها.

 

وممن ذهب إلى هذا القول عدد من العلماء المعاصرين، منهم:

الشيخ محمد بن صالح العثيمين[56]، والشيخ محمد نجيب المطيعي[57]، والشيخ محمد متولي الشعراوي[58]، والشيخ سيد سابق[59]، وغيرهم وهنا أقتصر فقط على من مات لاحتمال تغير اجتهاد من لا يزال على قيد الحياة.

 

لكن الذين قالوا بهذا القول منهم من اشترط نصًا ألا تشمل الصورة على محرم[60]، وذلك كأن يكون وضع الصورة ينافي الأخلاق والقيم الإسلامية، أو كان الهدف من الصورة التعظيم للمُصور تعظيما دينيًا أو دنيويًا لبعض العلماء أو الزعماء وغير ذلك من الأسباب التي تخرج الصورة عن أصلها وحدها المباح إلى ما سوى ذلك وهو التحريم[61]، وعليه يحمل كلام الآخرين إحسانًا للظن.

 

فهذا يجعلنا نؤكد مرة أخرى أن أي صورة تحوي محرمًا كالعورات ونحوها تكون محرمة اتفاقًا، لكن عند هذا الفريق من العلماء تكون محرمة لعارض خارج عنها.

 

واستدلوا على ذلك بالأدلة الآتية:

الدليل الأول: أن التصوير الآلي ليس تصويرًا بالمعنى الذي جاءت به النصوص النبوية، بالوعيد عليه والنهي عنه[62].

 

فإن التصوير: مصدر، صور، يصور، أي جعل هذا الشيء على صورة معينة، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [63].

 

وقال تعالى: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [64]، فالمادة تقتضي أن يكون هناك فعل في نفس الصورة، لأن "فَعَّل" في اللغة العربية هذا مقتضاه، ومعلوم أن نقل الصورة بالآلة ليس على هذا الوجه[65]، فلم يحصل من المصور أي عمل، أو تخطيط بيده يشابه خلق الله تعالى، غاية ما هنالك: أنه سلط الآلة على المصور فانطبع بالصورة خلق الله تعالى، على الصفة التي خلقها الله عليها[66].

 

كما لو أنه صور شخص كتابة شخص آخر بالآلة، لا يمكن أن يقال: إن الصورة هي الكتابة المصور، وإنما هي كتابه الأول، نقلت بواسطة الآلة إلى ورقة أخرى، بعكس ما لو نقلها الثاني بيده، فإنه يقال: هذه كتابه الثاني، وإن كان الكلام للكاتب الأول، لأنه حصل منه في هذه الحال عمل، وكتابة بيده[67].

 

وأما التصوير بالآلة فليس فيه تشكيل، ولا تخطيط، ولا تفصيل[68]، وإنما هو نقل شكل وتفصيل شكّله الله، والأصل في الأعمال غير التعبدية: الحل، إلا ما أتى الشرع بتحريمه.

 

الدليل الثاني: التصوير الشمسي يقاس على جواز الرقم في الثوب، والذي جاء استثناؤه بالنص، فعَنْ أَبِي طَلْحَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ المَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ» قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ، فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ، رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: «إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ»[69].

 

ويناقش: أن هذا الاستدلال غير صحيح، إذ ليس في الحديث إلا جواز استعمال الصورة فيما يمتهن فقط.

 

أما تصوير الصورة فهذا ما لم يتعرض له الحديث، ولا شك أن استعمال الصورة يختلف في الحكم عن تصويرها وصنعها، ولو كانت ممتهنة، لما في صنعها من المضاهاة والمشابهة[70].

 

وعليه فالاستثناء في الحديث: "إلا رقمًا في ثوب" إنما أريد به الاستثناء من الصور المانعة من دخول الملائكة إلى البيت، وهي الصور الممتهنة، ولا يجوز حمل الاستثناء على الصورة في الثوب المعلق، أو المنصوب على باب، أو جدار، أو نحو ذلك، لأن أحاديث عائشة  - رضي الله عنها - صريحة في المنع من ذلك. كما لا يجوز حمله أيضًا على صناعة الصور من باب أولى وأحرى[71].

 

الدليل الثالث: أن التصوير الآلي شبيه تمامًا بالصورة التي تظهر على المرآة، أو على الماء، أو أي سطح لامع، ولا يستطيع أحد أن يقول: إن ما يظهر على المرآة ونحوها حرام لكونها صورة، وهكذا الصورة الآلية، إلا أن مرآة الآلة تثبت الظل الذي يقع عليها، والمرآة ليست كذلك، وليس هذا في الحقيقة تصويرًا، بل إظهار واستدامة لصورة موجودة، وحبس لها عن الزوال[72].

 

الدليل الرابع: الصورة الآلية فقدت أعضاء كثيرة، فلا تبقى مع فقدها الحياة، بل وفقدت الجرم نفسه الذي هو أم الأعضاء مما تنتفي معه علة المضاهاة بخلق الله تعالى قطعًا[73].

 

ويناقش: هذا الدليل مبني على التسليم بأن المحرم من الصور هو ما له ظل فقط، دون ما لم يكن له ظل، من سائر الصور المنقوشة والمرسومة والمنسوجة.

 

وهذا القول غير مسلم به عند جماهير أهل العلم قاطبة، فلا يصح إلزامهم به، قال الإمام النووي  - رحمه الله - بعد أن نقل القول بعموم تحريم التصوير للمجسم وغيره عند الجمهور: "وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل، ولا بأس بالصورة التي ليس لها ظل، وهذا مذهب باطل، فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم، وليس لصورته ظل، مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة"[74].

 

الدليل الخامس: الأصل في الأشياء الإباحة[75]، حتى يرد الدليل بالمنع[76].

 

ونوقش: أن دليل التحريم وجد كما تقدم في أدلة القول الأول.

ويناقش: أن هذا مخصوص بما رسم باليد، أو نحت لتحقق على المضاهاة فيه.

 

الترجيح:

الذي يظهر لي بعد استعراض أدلة الفريقين أن الراجح هو القول الثاني بعدم تحريم التصوير الآلي، لقوة بعض أدلته وصعوبة مناقشتها، وضعف أدلته القول الأول وإمكانية مناقشتها كما تقدم، فانتفاء علة المضاهاة بخلق الله تعالى هو أقوى المرجحات، لكن تبقى العلة الأخرى وهي احتمالية التعظيم وكون الصورة يمكن أن تعظم، لا يقتضي إطلاق القول بالتحريم، بل يقيّد التحريم بوجود التعظيم، وهو أمر عارض، وقد يوجد في صورة الفيديو أيضًا، وحيث وجد كان ممنوعًا، وهكذا الأمور العارضة الأخرى كالافتتان بالصورة، أو تصوير ما لا يجوز تصويره كتصوير النساء بالفيديو أو تصوير أماكن الفسق والفجور، يعود المنع فيها إلى أمر خارج.

 

ولهذا "يبقى النظر: إذا أراد الإنسان أن يُصوِّر هذا التصوير المباح، فإنه تجري فيه الأحكام الخمسة بحسب القصد، فإذا قصد به شيئا مُحَرَّما فهو حرام، وإن قصد به شيئًا واجبًا كان واجبًا"[77].

 

مسألة (1): حكم الصور على ملابس الأطفال وفراشهم؟

الجواب: يجوز استعمالها عند الحاجة، وذلك لأنها تعتبر ممتهنة، والصور إذا كانت ممتهنة لا يُمنع من استعمالها عند الحاجة، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ  - صور -، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَتَكَهُ وَقَالَ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ» قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ[78].

 

وعليه فما كان ممتهنا فلا حرج فيه، وذلك كالصور على الفرش والبُسط لحديث عائشة، وأما الصور على الملابس ففيها خلاف، وبعضها لا يظهر فيه الامتهان كصور الفنانين واللاعبين فإنها ما وضعت إلا للمحبة والإكرام، وبعضها يظهر فيه الامتهان كالصور على حفاظات الأطفال، وبعضها بين ذلك، والأولى اجتنابه عند الاشتباه في التعظيم أو المضاهاة لخلق الله.

 

مسألة (2): حكم لعب الأطفال المجسمة.

الجواب: حرَّمت الشريعة المطهرة رسم ذوات الأرواح، ونقشها، ونحتها، وجعلت ذلك من كبائر الذنوب، كما تقدم. وقد استثنت الشريعة من ذلك التحريم لعب الأطفال، وذلك لما يترتب على ذلك من مصلحة.

 

"وقد اسْتَثْنَى أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ وَصِنَاعَةِ التَّمَاثِيلِ صِنَاعَةَ لُعَبِ الْبَنَاتِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ جَوَازَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَتَابَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، فَقَالَ: يُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ تَصْوِيرِ مَا لَهُ ظِلٌّ، وَمِنْ اتِّخَاذِهِ لُعَبَ الْبَنَاتِ، لِمَا وَرَدَ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ.

 

وَهَذَا يَعْنِي جَوَازَهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ اللُّعَبُ عَلَى هَيْئَةِ تِمْثَالِ إنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ، مُجَسَّمَةً أَوْ غَيْرَ مُجَسَّمَةٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْحَيَوَانَاتِ أَمْ لا، كَفَرَسٍ لَهُ جَنَاحَانِ.

 

وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ  - رضي الله عنها - قَالَتْ: "كُنْت أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إلَيَّ، فَيَلْعَبْنَ مَعِي"[79]. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: "قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ، وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّتْ رِيحٌ، فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ قَالَتْ: بَنَاتِي. وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهَا جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسَطَهُنَّ؟ قَالَتْ: فَرَسٌ. قَالَ: وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: جَنَاحَانِ. فَقَالَ: فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟ قَالَتْ: أَمَا سَمِعْت أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَأَيْت نَوَاجِذَهُ"[80].

 

وَقَدْ عَلَّلَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ هَذَا الاسْتِثْنَاءَ لِصِنَاعَةِ اللُّعَبِ بِالْحَاجَةِ إلَى تَدْرِيبِهِنَّ عَلَى أَمْرِ تَرْبِيَةِ الأَوْلادِ.

 

وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ كَانَتْ اللُّعَبُ عَلَى هَيْئَةِ إنْسَانٍ، وَلا يَظْهَرُ فِي أَمْرِ الْفَرَسِ الَّذِي لَهُ جَنَاحَانِ، وَلِذَا عَلَّلَ الْحَلِيمِيُّ بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ، وَهَذَا نَصُّ كَلامِهِ، قَالَ: لِلصَّبَايَا فِي ذَلِكَ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا عَاجِلَةٌ وَالأُخْرَى آجِلَةٌ. فَأَمَّا الْعَاجِلَةُ، فَالاسْتِئْنَاسُ الَّذِي فِي الصِّبْيَانِ مِنْ مَعَادِنِ النُّشُوءِ وَالنُّمُوِّ.

 

فَإِنَّ الصَّبِيَّ إنْ كَانَ أَنْعَمَ حَالا وَأَطْيَبَ نَفْسًا وَأَشْرَحَ صَدْرًا كَانَ أَقْوَى وَأَحْسَنَ نُمُوًّا، وَذَلِكَ لأَنَّ السُّرُورَ يُبْسِطُ الْقَلْبَ، وَفِي انْبِسَاطِهِ انْبِسَاطُ الرُّوحِ، وَانْتِشَارُهُ فِي الْبَدَنِ، وَقُوَّةُ أَثَرِهِ فِي الأَعْضَاءِ وَالْجَوَارِحِ. وَأَمَّا الآجِلَةُ فَإِنَّهُنَّ سَيَعْلَمْنَ مِنْ ذَلِكَ مُعَالَجَةَ الصِّبْيَانِ وَحُبَّهُمْ وَالشَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ طَبَائِعَهُنَّ، حَتَّى إذَا كَبَرْنَ وَعَايَنَ لأَنْفُسِهِنَّ مَا كُنَّ تَسَرَّيْنَ بِهِ مِنْ الأَوْلادِ كُنَّ لَهُمْ بِالْحَقِّ كَمَا كُنَّ لِتِلْكَ الأَشْبَاهِ بِالْبَاطِلِ"[81].

 

وعلى هذا، فلا حرج من شراء اللعب المجسمة للأطفال خاصة وأنها تكون غالبًا ممتهنة.



[1] هذا العنصر مستفاد من الفتوى رقم (7222) في موقع الإسلام سؤال وجواب، من باب تتمة الكلام وتوضيح محل النزاع.

[2] سورة آل عمران، من الآية [6].

[3] سورة الأعراف، من الآية [11].

[4] سورة الحشر، الآية [24].

[5] سورة الانفطار، الآيات [6 - 8].

[6] متفق عليه: أخرجه البخاري (417)، ومسلم (528).

[7] فتح الباري (1/ 525).

[8] شرح مسلم (14/ 81).

[9] متفق عليه: أخرجه البخاري (2112)، ومسلم (2110).

[10] متفق عليه: أخرجه البخاري (5606)، ومسلم (2109).

[11] متفق عليه: أخرجه البخاري (5607)، ومسلم (2108).

[12] متفق عليه: أخرجه البخاري (5609)، ومسلم (2111).

[13] شرح مسلم (14/ 90).

[14] أخرجه البخاري (1980).

[15] متفق عليه: أخرجه البخاري (2346)، ومسلم (1781).

[16] أخرجه مسلم (969).

[17] الفوائد (196).

[18] مجموع الفتاوى (17/ 462).

[19] متفق عليه: أخرجه البخاري (3053)، ومسلم (2106).

[20] متفق عليه: أخرجه البخاري (1999)، ومسلم (2107).

[21] أخرجه البخاري (5954).

[22] أخرجه البخاري (4636).

[23] اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 333).

[24] اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 334).

[25] إغاثة اللهفان (2/ 1064 - 1065).

[26] زاد المعاد (3/ 458).

[27] متفق عليه: أخرجه البخاري (433)، ومسلم (2285).

[28] شبه جزيرة العرب (4/ 1188).‏

[29] المقدمة (383).

[30] سورة النور، الآية [51].

[31] فتح الباري (8/ 186).

[32] إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم (3/ 12).

[33] شرح مسلم للنووي (14/ 81).

[34] انظر: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (1/ 183 - 188).

[35] انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1/ 458 - 460)، وفتاوى إسلامية (4/ 361).

[36] انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 800)، وآداب الزفاف (104 - 106).

[37] انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1/ 460).

[38] انظر: مجلة الدعوة الشهرية، الصادرة بمركز الدعوة والإرشاد، بباكستان (ص:49 - 51).

[39] انظر: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (1/ 187)، وتفسير آيات الأحكام للصابوني (2/ 416 - 417)، وتعليقات على كتاب الحلال والحرام للشيخ صالح الفوزان (56)، وحكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية، لصالح بن أحمد الغزالي (380).

[40] انظر: القاموس المحيط (458)، والمعجم الوسيط (528).

[41] انظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (1/ 187)، وتفسير آيات الأحكام، للصابوني (2/ 416  - 417)، وتعليقات على كتاب الحلال والحرام في الإسلام للشيخ الدكتور صالح الفوزان ضمن كتاب "حكم التصوير في الإسلام" (56)، وحكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية، لصالح بن أحمد الغزالي (380)، وشرح مسلم للنووي (14/ 81  - 82، 90 - 91)، ومغني المحتاج (3/ 247 - 248)، والمغني لابن قدامة (7/ 6 - 7)، والجواب المفيد في حكم التصوير لابن باز (10 - 11)، وفتاوى اللجنة الدائمة (1/ 467 - 468).

[42] انظر: المجموع الثمين (2/ 245)، والحلال والحرام في الإسلام (112)، والشريعة الإسلامية والفنون (106)، والرد على فضيلة مفتي الديار السعودية في حكم التصوير الضوئي (46)، والتصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة (138 - 141).

[43] انظر: حكم التصوير للأمين الحاج محمد (8).

[44] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (1/ 321)، وإغاثة اللهفان لابن القيم (2/ 1064 - 1065).

[45] انظر: حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء (6/ 520)، وإحكام الأحكام (2/ 171). ولبسط مسألة تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان ينظر: الأحكام الفقهية لسوق رأس المال، د. علاء شعبان الزعفراني (1/ 58 - 119).

[46] انظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (1/ 186)، وتفسير آيات الأحكام للصابوني (2/ 415)، وآداب الزفاف (104 - 106)، وإعلان النكير (93 - 94).

[47] انظر: الجواب الكافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي لمحمد نجيب المطيعي، مطبوع ضمن أحكام التصوير في الفقه الإسلامي لمحمد الحبش (106 - 111)، والتصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة (145 - 146)، والقول المفيد على كتاب التوحيد لابن عثيمين (3/ 204 - 205).

[48] انظر: الحلال والحرام (112)، والجواب الكافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي لمحمد نجيب المطيعي، مطبوع ضمن أحكام التصوير في الفقه الإسلامي لمحمد الحبش (106 - 111)، والتصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة (146 - 147).

[49] انظر: تعليق أحمد شاكر على المسند (12/ 150 - 151)، والحلال والحرام (111).

[50] متفق عليه: أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599).

[51] انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (133)، وشرح الكوكب المنير (1/ 325) فما بعدها.

[52] انظر: الرد على مفتي الديار السعودية في حكم التصوير الضوئي (19 - 20).

[53] انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 460)، وإعلان النكير (93 - 94)، وتفسير آيات الأحكام للصابوني (2/ 415)، وآداب الزفاف (104 - 106).

[54] انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 460)، وإعلان النكير (93 - 94)، وتفسير آيات الأحكام للصابوني (2/ 415)، وآداب الزفاف (104 - 106).

[55] انظر: المجموع الثمين (2/ 255)، والشرح الممتع (2/ 198 - 199)، وأحكام التصوير في الفقه الإسلامي للحبش (58)، والتصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة (141 - 147).

[56] انظر: المجموع الثمين (1/ 172، 2/ 254 - 256)، والقول المفيد على كتاب التوحيد (3/ 204)، والشرح الممتع (2/ 196 - 203).

[57] انظر: الجواب الشافي، مطبوع ضمن كتاب أحكام التصوير في الفقه الإسلامي للحبش (106 - 111).

[58] انظر: فتاوى الشيخ محمد متولي الشعراوي (1/ 241، 3/ 44 - 152).

[59] انظر: فقه السنة (2/ 55 - 56).

[60] انظر: المجموع الثمين (2/ 256)، والحلال والحرام في الإسلام (113).

[61] انظر: المجموع الثمين (2/ 256)، والحلال والحرام في الإسلام (113)، والشرح الممتع (2/ 200).

[62] انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد (3/ 204)، والشرح الممتع (2/ 198)، والتصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة (145 - 147)، وتفسير آيات الأحكام للصابوني (2/ 415 - 416).

[63] سورة آل عمران، من الآية [6].

[64] سورة التغابن، من الآية [3].

[65] انظر: الشرح الممتع (2/ 198).

[66] انظر: الشرح الممتع (2/ 198)، والمجموع الثمين (2/ 255)، وأحكام التصوير في الشريعة الإسلامية (33).

[67] انظر: المجموع الثمين (1/ 172، 2/ 255)، والقول المفيد على كتاب التوحيد (3/ 204 - 205)، والشرح الممتع (2/ 198 - 199).

[68] انظر: الشريعة الإسلامية والفنون (106)، والمجموع الثمين (2/ 255)، والتصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة (144 - 146).

[69] متفق عليه: أخرجه البخاري (5958)، ومسلم (2106).

[70] انظر: حاشية ابن عابدين (1/ 647 - 650)، وشرح مسلم للنووي (14/ 81).

[71] انظر: شرح مسلم للنووي (14/ 81).

[72] انظر: الشريعة الإسلامية في الفنون (106)، وتفسير آيات الأحكام للصابوني (2/ 415)، والرد على مفتي السعودية في حكم التصوير الضوئي (46 - 50).

[73] انظر: أحكام التصوير في الفقه الإسلامي للحبش (63).

[74] شرح صحيح مسلم للنووي (14/ 82).

[75] انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (133)، وشرح الكوكب المنير (1/ 325) فما بعدها.

[76] انظر: حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية (371 - 372).

[77] الشرح الممتع (2/ 197 - 199).

[78] أخرجه البخاري (5954).

[79] أخرجه البخاري (6130).

[80] أخرجه أبو داود (4932). وحسنه ابن حجر في تخريج المشكاة (3/ 304) بناء على شرطه في المقدمة.

[81] الموسوعة الفقهية الكويتية (12/ 112).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تحريم التصوير
  • التصوير ( خطبة )
  • التصوير في الإسلام
  • العلماء والتصوير!
  • السيلفي النافع والمذياع الصادح
  • حكم لقطة الحرم
  • حكم الإسلام في التصوير والتماثيل
  • همسة للذين يلمزون من يجيزون التصوير الفوتغرافي!
  • حكم التصوير

مختارات من الشبكة

  • أحكام الجنائز: مقدمات الموت - تغسيل الميت - تكفينه - دفنه - تعزية أهله - أحكام أخرى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من أحكام الحج أحكام يوم التشريق(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • أحكام الاعتكاف وليلة القدر وزكاة الفطر وما يتعلق بها من أحكام فقهية وعقدية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • مخطوطة أحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • قاعدة أحكام النساء على النصف من أحكام الرجال(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • الحكم التكليفي والحكم الوضعي والفرق بينهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • زبدة الأحكام من آيات الأحكام: تفسير آيات الأحكام (2) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الوقوف بعرفة وحكم التعريف بالأمصار: أحكام وأسرار(مقالة - ملفات خاصة)
  • مخطوطة إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (النسخة 7)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الأضحية: أحكام وحكم(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب