• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم حديث
علامة باركود

خلاصة كلام أهل الفن في الرواية بـ(عن) و(أن)

خلاصة كلام أهل الفن في الرواية بـ(عن) و(أن)
الشيخ د. علي ونيس

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/11/2015 ميلادي - 15/2/1437 هجري

الزيارات: 31272

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحميل ملف الكتاب
(انقر الرابط بالزر الأيمن للفأرة واختر "حفظ الهدف باسم" أو "Save Target As")

 

بحث في أصول الرواية:

خلاصة كلام أهل الفن

في الرواية بـ(عن) و(أن)

كتبه: د. علي ونيس

مدير مكتب الأجهوري


 

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّ الحمدَ لله نحمدُهُ، ونَستعينُه، ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أَنفُسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، من يهدهِ اللهُ فهو المهتد، ومن يُضلِل فلن تَجِدَ له ولياً مرشداً، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله.

 

أمَّا بعدُ..

فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾. [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

إن علم مصطلح الحديث من أهم العلوم التي يجب على طالب العلم الشرعي أن يجمع أطرافها، وأن يدرس أبعادها، وسواء كان الطالب ممن تخصص في علم الحديث، أو كان ممن تخصص في علوم الشريعة الأخرى؛ لأن العلوم لا ينفصل بعضها عن بعض، وذلك من حيث التكامل بين العلوم، والذي يؤدي في النهاية إلى تكوين الملكة العلمية السوية التي تتمكن من فهم الشريعة فهما وسطيا.

 

وعلم الحديث -في خارطة الملكة العلمية- يمثل في أحد أطرافه - جانب التوثيق للروايات، ويعرف هذا العلم بـ(علم الحديث دراية).

 

وهو: علم بقوانين يعرف به أحوال السند والمتن وموضوعه السند والمتن هكذا عرفه الشيخ عز الدين بن جماعة وغيره وقال الحافظ ابن حجر: هو معرفة القواعد المعرفة بحال الراوي والمروي[1].

 

قال الشيخ/ محمد أبو شهبة: "ويمكن أن نعرفه بتعريف أوضح فنقول: هو علم بأصول وقواعد يتوصل بها إلى معرفة الصحيح والحسن والضعيف. وأقسام كل. وما يتصل بذلك من معرفة معنى الرواية وشروطها وأقسامها. وحال الرواةوشروطهم، والجرح والتعديل، وتاريخ الرواة ومواليدهم ووفياتهم، والناسخ والمنسوخ ومختلف الحديث وغريبه إلى غير ذلك من المباحث والأنواع التي تذكر في كتب هذا الفن"[2].

 

ومن المسائل التي يدرسها هذا الفن، ويفردها ببحث مستقل، مسألة نقل الحديث بصيغة (عن) أو (أن)، وغالبا تبحث هذه المسألة في عدة أبواب، ومنها:

1- يذكرون ذلك عادة وهم بصدد الحديث عن شروط الحديث الصحيح، ومراتب الحديث الصحيح، أثناء مقارنتهم بين صحيحي البخاري ومسلم؛ لما سيتبين من خلاف شديد في هذه المسألة، والخلاف في نسبة الكلام فيها إليهما.

 

2- يفرعون الكلام عن الحديث المعنعن أثناء حديثهم عن(المعضل).

 

3- للحديث المعنعن اتصال وثيق بالتدليس، ولذلك ذكروه في مباحثه أيضا.

 

وقد تجمع عندي شيء من هذا أثناء المذاكرة، فجمعتها في سياق واحد مرتب، راجيا بذلك أن تكون مذكرة لي فيما يأتي من الزمان، وأن ينتفع بها من يقرأ ما جمعته فيها من أمهات الأقوال والأدلة.

وكتبه/ د. علي محمد ونيس

مدير/ مكتب الأجهوري للبحث العلمي وتحقيق التراث

 

المبحث الأول: الرواية بـ(عن)

هذه المسألة من أدق وأعوص مسائل علم الحديث وقد أكثر العلماء في نقاشها سواء في مؤلفات مفردة أو مضمنة في مؤلفاتهم؛ وذلك إنما يرجع إلى أنها تحتمل الاتصال، كما تحتمل الانقطاع. وقد اتخذ منها المدلسون وسيلة يتوصلون بها إلى مرادهم، يضاف إلى هذا كثرة الإرسال في الأسانيد المعنعنة، وقبل التعليق على هذه المسألة لا بد أن نقدم بالآتي:

أولا: قال الصنعاني: "الخلاف بين البخاري ومسلم في شرطية اللقاء وعدمه إنما هو في الحديث المعنعنفاكتفى مسلم بإمكان اللقاء وإنه لا يقول الثقة عن فلان إلا وقد لاقاه وإن لم نعلم ملاقاته إياه، والبخاري يقول إنه لا بد من تحقق اللقاء ولو مرة، وقد أورد عليه مسلم إيرادات، وأطال الكلام، ثم لا يعزب عنك أنه قد سبق ترجيح البخاري على مسلم بأنه يشترط اللقاء ومسلم يكتفي بإمكانه، ومشترط التحقيق أولى من مشترط الإمكان"[3].

 

ثانيا: تحرير محل النزاع في هذه المسألة، وهو كما لخصه الدكتور إبراهيم اللاحم في كتابه النافع والمهم "الاتصال والانقطاع"[4]: ((كان مسلم رحمه الله دقيقا جدا حين حرر محل النزاع وأنه في رواية راو توافر فيها عدة شروط:

كونه ثقة، غير مدلس، عاصر من روى عنه، وأمكن له لقاؤه والسماع منه، ولم يثبت ذلك صريحا، ولم يكن هناك دلالة بينة على أنه لم يلقه، أو يسمع منه.

 

وهذه شروط محكمة جدا تضيق دائرة الخلاف بين مسلم ومخالفه، فإذا لم تتوافر الشروط أو بعضها فإن مسلما لا يثبت السماع ولا يحكم بالاتصال)).

 

ثالثا: من المعلوم قطعاً أن البخاري لم يصرح باشتراط اللقاء في حديث المعنعن في شيء من كتبه، وكذلك لم يشترط غيره من أئمة الحديث والنقد شيئا من ذلك، وإنما أخذ العلماء ذلك من تصرفهم وصنيعهم في كتبهم، حيث لاحظوا أن الإمام البخاري وشيخه ابن المديني يعلان الأحاديث كثيراً بعد سماع الراوي عمن عنعن عنه مع كونهما متعاصرين، فاستنبطوا من ذلك أن البخاري وشيخه ابن المديني لا يكتفيان بمجرد المعاصرة بل يشترطان تحقق اللقاء.

 

وأما الإمام مسلم فقد صرح بشرطه في مقدمة صحيحه، فأزال بذلك كل ظن وشك، كما أنه رد على مخالفه في ذلك رداً بليغاً شديداً.

 

رابعا: أن العلماء اختلفوا في شرط البخاري في المعنعن من حيث الإطلاق والتقييد على قولين:

1- أن اللقاء شرط لصحة الحديث المعنعن عند البخاري مطلقا، وأنه هو المعني بكلام مسلم في مقدمة صحيحه، ومعه ابن المديني، وقد قال بهذا جمع من العلماء، ومنهم: ابن رجب الحنبلي[5]، والقاضي عياض (ت 544هـ)[6]، وابن حجر[7]، والسخاوي[8]، وابن رشيد الفهري[9]، والحافظ العلائي[10]، والذهبي[11]، وغيرهم.

 

2- أنه شرط كمال وليس شرط صحة، وممن قال به: ابن كثير[12]، والبلقيني[13]، وتبعهما أبو غُدّة[14]، والألباني[15]، أو أنه شرطٌ له في صحيحه دون غيره من كتبه كما عبر به بعضهم.

 

قال ابن كثير: "وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ عَلِيَّ بْنَ اَلْمَدِينِيِّ، فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ صِحَّةِ اَلْحَدِيثِ، وَأَمَّا اَلْبُخَارِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِطُهُ فِي أَصْلِ اَلصِّحَّةِ، وَلَكِنْ اِلْتَزَمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ (اَلصَّحِيحِ)"[16].

 

ولنشرع الآن في بيان مذاهب العلماء في حكم الحديث المعنعن بتوضيح موجز فنقول: اختلف أهل العلم بالاصطلاح في هذه المسألة على أقوال:

القول الأول: أن المعنعن من قبيل المرسل والمنقطع من حيث عدم الاحتجاج، فلا يحكم باتصاله حتى يجيء من طريق المعنعن نفسه بالتحديث ونحوه. قال العراقي في الألفية:

139- ......................
وقيل كل ما أتانا منه
140- منقطع حتى يبين الوصل
.................

 

وقد ذكر هذا القول ابن الصلاح[17]، ولم يعزه لأحد بل قال مجهِّلا قائله: "عَدَّهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ قَبِيلِ الْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ"، ونقله قبله القاضي أبو محمد الرامهرمزي(ت360 هـ)[18] عن بعض المتأخرين من الفقهاء.

 

قال ابن رشيد: "وَقد نقل أَيْضا هَذَا الْمَذْهَب مُبْهما لقائله أَبُو مُحَمَّد بن خَلاد فِي كتاب (الْفَاصِل)"[19].

 

وقال العراقي: "وذهبَ بعضُهم إلى أنَّ الإسنادَ المعنعنَ من قبيلِ المرسلِ والمنقطعِ، حتى يتبينَ اتصالُهُ بغيرهِ"[20].

 

وقد ذكر بعض العلماء أدلةً لهذا القول، فقال السخاوي: "ووجهه بعضهم بأن (عن) لا إشعار له بشيء من أنواع التحمل، ويصح وقوعها فيما هو منقطع، كما إذا قال الواحد منا مثلا: عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أو عن أنس أو نحوه.

 

ولذلك قال شعبة: كل إسناد ليس فيها (ثنا وأنا) فهو خل وبقل.

وقال أيضا: فلان عن فلان ليس بحديث، ولكن هذا القول- كما قال النووي- مردود بإجماع السلف. انتهى. وفيه من التشديد ما لا يخفى"[21].

 

وقد أفاض الحافظ العلائي[22] في ذكر أدلة هذا المذهب والرد عليه، وكذلك الإمام ابن رشيد الفهري، فقد توسع أيضاً في ذكره والرد عليه.

 

قال ابن رشيد في أدلة هذا القول: "وَهَذَا الْمَذْهَب وَإِن قل الْقَائِل بِهِ بِحَيْثُ لَا يُسمى وَلَا يعلم فَهُوَ الأَصْل الَّذِي كَانَ يَقْتَضِيهِ الِاحْتِيَاط وحجته أَن عَن لَا تَقْتَضِي اتِّصَالًا لَا لُغَة وَلَا عرفا وَإِن توهم متوهم فِيهَا اتِّصَالًا لُغَة فَإِنَّمَا ذَلِك بِمحل الْمُجَاوزَة الْمَأْخُوذ عَنهُ تَقول أَخذ هَذَا عَن فلَان فالأخذ حصل مُتَّصِلا بِالْمحل الْمَأْخُوذ عَنهُ وَلَيْسَ فِيهَا دَلِيل على اتِّصَال الرَّاوِي بالمروي عَنهُ وَمَا علم مِنْهُم أَنهم يأْتونَ بعن فِي مَوضِع الْإِرْسَال والانقطاع يخرم ادِّعَاء الْعرف، وَإِذا أشكل الْأَمر وَجب أَن يحكم بِالْإِرْسَال لِأَنَّهُ أدون الْحَالَات فَكَأَنَّهُ أَخذ بِأَقَلّ مَا يَصح حمل اللَّفْظ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لصَاحب هَذَا الْمَذْهَب أَن لَا يَقُول بِالْإِرْسَال بل بالتوقف حَتَّى يتَبَيَّن لمَكَان الِاحْتِمَال، لَعَلَّ ذَلِك مُرَاده وَهُوَ الَّذِي نَقله مُسلم عَن أهل هَذَا الْمَذْهَب أَنهم يقفون الْخَبَر وَلَا يكون عِنْدهم مَوضِع حجَّة لِإِمْكَان الْإِرْسَال فِيهِ" ثم قال: "إِلَّا أَن هَذَا الْمَذْهَب رفضه جُمْهُور الْمُحدثين بل جَمِيعهم وَهُوَ الَّذِي لَا إِشْكَال فِي أَن أحدا من أَئِمَّة السّلف مِمَّن يسْتَعْمل الْأَخْبَار كَمَا قَالَ مُسلم رَحمَه الله ويتفقد صِحَة الْأَسَانِيد وسقمها مثل أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَابْن عون وَمَالك وَشعْبَة بن الْحجَّاج وَمن سمى مَعَهم لَا يَشْتَرِطه وَلَا يبْحَث عَنهُ وَلَو اشْترط ذَلِك لضاق الْأَمر جدا وَلم يتَحَصَّل من السّنة إِلَّا النزر الْيَسِير فَكَأَن الله تَعَالَى أتاح الْإِجْمَاع عصمَة لذَلِك وتوسعة علينا وَالْحَمْد لله.

 

فَهَذَا الْمَذْهَب الْمَجْهُول قَائِله لَا يعرج عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت اللَّيْث إِلَيْهِ وَقد تولى الإِمَام أَبُو عَمْرو النصري رد هَذَا الْمَذْهَب الَّذِي حَكَاهُ" انتهى[23].

 

وسيأتي بيان الخلاف في حكم المرسل.

القول الثاني: أَنه مُتَّصِل إِذا أمكن لقاؤهما من حيث السن والبلد، مَعَ براءتهما من التَّدْلِيس، فإذا توفرت هذه الشروط كان الحديث متصلاً وإن لم يأت أنهما اجتمعا قط، تحسينا للظن بالثقة، إِلَّا أَن تكون هُنَاكَ دلَالَة بَيِّنَة أَن هَذَا الرَّاوِي لم يلق من روى عَنهُ أَو لم يسمع مِنْهُ شَيْئا فَأَما وَالْأَمر مُبْهَم على الْإِمْكَان، فَالرِّوَايَة على السماع أبدا حَتَّى يثبت ما ذكرنا، وهو الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير الْعلمَاء والمحدثين وَالْفُقَهَاء والأصوليين.

 

واعتمده الإمام مسلم في "مقدمة صحيحه"، وادعى الإجماع عليه، حيث قال: "وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مِمَّنْ يَسْتَعْمِلُ الْأَخْبَارَ، وَيَتَفَقَّدُ صِحَّةَ الْأَسَانِيدِ وَسَقَمَهَا، مِثْلَ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ وَابْنِ عَوْنٍ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَتَّشُوا عَنْ مَوْضِعِ السَّمَاعِ فِي الْأَسَانِيدِ"[24].

 

ووافقه على هذا الحاكم النيسابوري (ت 405هـ) كما نقله عنه العلائي [25]، والبلقيني[26]، ودل عليه اختيار الدكتور/ ربيع المدخلي لأحد النصين الواردين عن الحاكم [27].

 

بل دل بعض كلام الحاكم النيسابوري أيضا على نقل هذا الإجماع على ذلك فقال: "معرفة الأحاديث المعنعنة وليس فيها تدليس: وهي متّصلةٌ بإجماع أئمة أهل النقل، على تورُّع رواتها عن أنواع التدليس"[28].

وهذا إطلاق من الحاكم للإجماع، دون قيدِ العلم باللقاء.

 

وتعقب الحاكمَ ابنُ رُشيدٍ فقال: "لَا يَخْلُو من إِجْمَال إِذْ لَا بُد أَن يكون مُرَاد الْحَاكِم ثُبُوت المعاصرة أَو السماع إِذْ لَا يقبل مُعَنْعَن من لم تصح لَهُ معاصرة فَلَا بُد من قيد وَكَأَنَّهُ اكْتفى عَنهُ بقوله على تورع رُوَاته عَن التَّدْلِيس.

 

وَقد سبق لَهُ فِي كِتَابه هَذَا فِي النَّوْع الرَّابِع مِنْهُ فِي معرفَة المسانيد من الْأَحَادِيث تَقْيِيد ذَلِك بِمَا نَصه والمسند من الحَدِيث أَن يرويهِ الْمُحدث عَن شيخ يظْهر سَمَاعه مِنْهُ بسن مُحْتَملَة وَكَذَلِكَ سَماع شَيْخه من شَيْخه إِلَى أَن يصل الْإِسْنَاد إِلَى صَحَابِيّ مَشْهُور إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

 

إِلَّا أَن هَذَا الْموضع من كتاب الْحَاكِم فِيهِ اضْطِرَاب بَين رُوَاته فَروِيَ كَمَا ذَكرْنَاهُ: (بسن مُحْتَملَة)، وَعند ابْن سعدون: (بسن يحتمله).

 

وَالْمعْنَى وَاحِد أَي أَنه يَكْتَفِي فِي ظُهُور السماع بِكَوْن السن تحْتَمل اللِّقَاء، وَمعنى هَذَا أنه يكْتَفى بالمعاصرة"[29].

 

ورأي مسلم هو ظاهر كلام ابن حبان[30]، والقاضي أبي بكر الباقلاني، وابن حزم [31]، وابن القطان الفاسي، ودل عليه كلام ابن دقيق العيد[32].

 

وكذ ابن تيمية حيث قال ردا على كلام البخاري: "لَا يُعْرَفُ لِسَلَمَةَ سَمَاعٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا لِيَعْقُوبَ سَمَاعٌ مِنْ أَبِيهِ "قال: "وَهَذَا غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْعَمَلِ، بَلِ الْعَنْعَنَةُ مَعَ إِمْكَانِ اللِّقَاءِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الرَّاوِيَ مُدَلِّسٌ"[33].

 

وكذا ابن جماعة [34]، والحافظ المزي، حيث قال في الرد على من اشترط اللقاء: "وقد أحسن مسلم وأجاد في الرد على من ذهب هذا المذهب في مقدمة كتابه بما فيه كفاية، وبالله التوفيق"[35].

 

وكذا الحسين بن عبد الله الطيبي[36]، وابن كثير[37].

 

وَادّعى أَبُو عَمْرو الداني المقرئ (ت 444هـ) إِجْمَاع أهل النَّقْل عَلَيْهِ، قال الزركشي: "قلت: وَأَبُو عَمْرو الداني إِنَّمَا أَخذ ذَلِك من كَلَام الْحَاكِم"[38].

 

وَصرح ابْن عبد الْبر (ت 463هـ) بأنه إِجْمَاع أهل الحَدِيث، فقال: "اعْلَمْ وَفَّقَكَ اللَّهُ أَنِّي تَأَمَّلْتُ أَقَاوِيلَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَنَظَرْتُ فِي كُتُبِ مَنِ اشْتَرَطَ الصَّحِيحَ فِي النَّقْلِ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فَوَجَدْتُهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الْإِسْنَادِ الْمُعَنْعَنِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ في ذلك إذا جمع شروطا ثَلَاثَةً وَهِيَ: عَدَالَةُ الْمُحَدِّثِينَ فِي أَحْوَالِهِمْ وَلِقَاءُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مُجَالَسَةً وَمُشَاهَدَةً وَأَنْ يَكُونُوا بُرَآءً مِنَ التَّدْلِيسِ"[39].

 

وإنما قلت: "صرح ابن عبد البر"؛ لأن بعض أهل العلم قال: "وَكَاد ابْن عبد الْبر أَن يَدعِي إِجْمَاع أهل الحَدِيث عَلَيْهِ"[40].

 

وقد قوبل قوله (كاد) بالرفض فقال بعضهم: "اعترض على قوله: (كاد ابن عبد البر يدعي إجماع أئمة الحديث) وموضع كاد مقاربة اسمها لخبرها مع ان ابن عبد البر جزم بذلك في مقدمة التمهيد"[41].

 

وتعقبه ابن حجربأن: "ابن عبد البر إنما جزم بإجماعهم على قبوله، ولا يلزم منه إجماعهم على أنه من قبيل المتصل"[42].

 

وتعقب ابنَ حجر الصنعانيُّ في "توضيح الأفكار" (1 / 200) بأنه: "إذا كان لا يلزم من القبول الاتصال فلا وجه لكاد بل لا وجه للتأيد بكلام ابن عبد البر على الاتصال على أن في النفس شيئا من قول الحافظ: لا تلازم. فإن غير المتصل لا يقبل لجواز الانقطاع ونحوه، فليتأمل. ثم بعد كَتْبِ هذا رأيت في (حاشية البقاعي) فقال: إنه يلزم من ذلك أي من قبوله أن يكون متصلا كما ذكرناه ولله الحمد".

 

وقد فهم بعض العلماء من كلام ابن عبد البر الذي ذكرناه أنه يشترط اللقاء، وتأوله بعضهم على ما ذكرناه من اكتفائه بالمعاصرة، والأقرب أنه قصد المعنى الثاني؛ لقرائن كثيرة من كلامه في مواطن أخرى؛ ولذا ذكرنا كلامه هنا.

 

وممن قال به من المعاصرين: الشيخ أحمد شاكر "تعليق أحمد شاكر على ألفية السيوطي"، والشيخ الألباني[43]، وعبد الفتاح أبو غدة "تتمات الموقظة" (التتمة الثالثة)، وغيرهم.

 

وقد دافع عن هذا القول وفنده ورجحه وأثبت الإجماع الذي حكاه مسلم، الدكتور/ حاتم العوني[44]، ومن قبله أبو بكر كافي[45].

 

ومما استدلوا به: أن البُخَارِيّ وَمُسلما قد أودعاهُ صَحِيحهمَا وَكَذَلِكَ غَيرهمَا من مشترطي الصَّحِيح الَّذين لَا يَقُولُونَ بالمرسل.

 

قال السخاوي: "ويخدش في دعوى الإجماع قول الحارث المحاسبي- وهو من أئمة الحديث والكلام- ما حاصله: اختلف أهل العلم فيما يثبت به الحديث على ثلاثة أقوال: أولها أنه لا بد أن يقول كل عدل في الإسناد: حدثني أو سمعت، إلى أن ينتهي إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-، فإن لم يقولوا أو بعضهم ذلك فلا، لما عرف من روايتهم بالعنعنة فيما لم يسمعوه.

 

إلا أن يقال: إن الإجماع راجع إلى ما استقر عليه الأمر بعد انقراض الخلاف السابق، فيتخرج على المسألة الأصولية في ثبوت الوفاق بعد الخلاف.

 

ومع ذلك فقد قال القاضي أبو بكر بن الباقلاني: إذا قال الصحابي: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كذا، أو عن رسول الله كذا، أو أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال كذا- لم يكن ذلك صريحا في أنه سمعه من النبي- صلى الله عليه وسلم-، بل هو محتمل لأن يكون قد سمعه منه أو من غيره.

 

أفاده شيخنا، ولا يتم الخدش به إلا إن كان قائلا باستواء الاحتمالين أو ترجيح ثانيهما، أما مع ترجيح أولهما فلا فيما يظهر"[46].

وقال ابن رشيد: "وَمَوْضِع الْإِجْمَاع لَا يُسلَّم لَهُ"[47].

 

القول الثالث: أنه متصل إذا ثبت اللقاء، وبه قال أَبُو بكر الصَّيْرَفِي في "شرح الرسالة"؛ للشافعي، وَقيل إن عَلَيْهِ أكثر أَئِمَّة الحَدِيث كابْن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ.

وممن نسبه إليهم: العلائي[48]، وابن رجب([49])، وابن رشيد[50]، والسخاوي[51]، وابن كثير في "اختصار علوم الحديث" (ص56)، والبلقيني[52]، والسيوطي[53]، وغير هؤلاء كثير.

 

قالَ الإمامُ أبو بكرٍ الصيرفي في شرحهِ (أي على الرسالة): ((لأنَّ فلاناً، عن فلانٍ إذا لقيهُ فهوَ على السماعِ حتى يُعرفَ خلافهُ، وليسَ الناسُ على أنَّ عليهم ديوناً حتى يُعلمَ خلافه، فالشهادةُ تختصُ بأنْ يحتاطَ فيها من هذا الوجهِ))[54].

 

وقال ابن رجب: "وَرَأيُ الْبُخَارِيِّ وَشَيْخِهِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَتَّصِلُ إِلَّا بِصِحَّةِ اللُّقِيِّ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي " الرِّسَالَةِ " وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ رَأْيِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ"[55].

 

وقال السخاوي: "وممن صرح باشتراط ثبوت اللقاء علي بن المديني، والبخاري، وجعلاه شرطا في أصل الصحة، وإن زعم بعضهم أن البخاري إنما التزم ذلك في جامعه فقط، وكذا عزا اللقاء للمحققين النووي، بل هو مقتضى كلام الشافعي، كما قاله شيخنا، واقتضاه ما في شرح الرسالة لأبي بكر الصيرفي"[56].

 

قال ابن الصلاح: "وَالَّذِي صَار إِلَيْهِ مُسلم هُوَ المستنكر وَمَا أنكرهُ قد قيل إِنَّه القَوْل الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّة هَذَا الْعلم عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا"[57].

 

وحكاه النووي واختاره فقال: "وَهَذَا الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ قَدْ أَنْكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالُوا هَذَا الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ ضَعِيفٌ وَالَّذِي رَدَّهُ هو المختار الصحيح الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ هَذَا الْفَنِّ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا"[58].

 

وكذا ابن حجر العسقلاني، فقال: "وزعم (أي الإمام مسلم) أن الذي اشترط اللقي اخترع شيئًا لم يوافقه عليه أحد، وليس كذلك بل هو المتعين"[59].

 

وقال ابن حجر،أيضا: "مذهبه عدم الاكتفاء في الإسناد المعنعن بمجرد إمكان اللقاء"[60].

 

وقال ابن رشيد عن مذهب ابن المديني والبخاري: "وهو رأي كثير من المحدثين"[61].

 

وقال العلائي فيمن اشترط اللقاء لاتصال السند المعنعن: "وهذا هو الذي عليه رأي الحذاق كابن المديني، والإمام البخاري، وأكثر الأئمة"[62].

 

وقال ابن رجب: "وأما جمهور المتقدمين فعلى ما قاله ابن المديني والبخاري، وهو القول الذي أنكره مسلم على من قاله"[63].

 

وقال الحافظ ابن حجر: "وَمِمَّا يرجح بِهِ كتاب البُخَارِيّ اشْتِرَاط اللقي فِي الْإِسْنَاد المعنعن وَهُوَ مَذْهَب عَليّ بن الْمَدِينِيّ شَيْخه وَعَلِيهِ الْعَمَل من الْمُحَقِّقين من أهل الحَدِيث"[64].

 

وقال السخاوي: "هو مقتضى كلام الشافعي، كما قاله شيخنا، واقتضاه ما في شرح (الرسالة) لأبي بكر الصيرفي"[65].


وقال الحافظ ابن رجب: "وما قاله ابن المديني والبخاري هو مقتضى كلام أحمد وأبي زرعة وأبي حاتم وغيرهم من أعيان الحفاظ، بل كلامهم يدل على اشتراط ثبوت السماع كما تقدم عن الشافعي -رضي الله عنه- فإنهم قالوا في جماعة من الأعيان ثبتت لهم الرؤية لبعض الصحابة، وقالوا مع ذلك: لم يثبت لهم السماع منهم فرواياتهم عنهم مرسلة، منهم الأعمش ويحيى بن أبي كثير، وأيوب، وابن عون، وقرة بن خالد، رأوا أنساً ولم يسمعوا منه فرواياتهم عنه مرسله، كذا قاله أبو حاتم، وقاله أبو زرعة أيضاً في يحيى بن أبي كثير"[66].

 

بل ورد عن أحمد بن حنبل ما يدل على اشتراط ثبوت السماع ولا يكتفي بمجرد ثبوت اللقاء، ووافقه على ذلك أبو زرعة وأبو حاتم، وغيرهما.

 

قال ابن رجب: "وقال أحمد في يحيى بن أبي كثير: قد رأى أنساً فلا أدري سمع منه أم لا؟ ولم يجعلوا روايته عنه متصلة بمجرد الرؤية، والرؤية أبلغ من إمكان اللقى، وكذلك كثير من صبيان الصحابة رأوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يصح لهم سماع منه فرواياتهم عنه مرسله كطارق بن شهاب وغيره، وكذلك من علم منه أنه مع اللقاء لم يسمع ممن لقيه إلا شيئاً يسيراً فرواياته عنه زيادة على ذلك مرسلة، كروايات ابن المسيب عن عمر، فإن الأكثرين نفوا سماعه منه، وأثبت أحمد أنه رآه وسمع منه، وقال مع ذلك: إن رواياته عنه مرسلة لأنه إنما سمع منه شيئاً يسيراً، مثل (نعيه) النعمان بن مقرن على المنبر ونحو ذلك، وكذلك سماع الحسن من عثمان وهو على المنبر يأمر بقتل الكلاب وذبح الحمام، ورواياته عنه غير ذلك مرسلة.

 

وقال أحمد: ابن جريج لم يسمع من طاوس ولا حرفاً، ويقول: رأيت طاوساً.

وقال أبو حاتم الرازي أيضاً: الزهري لا يصح سماعه من ابن عمر رآه، ولم يسمع منه، ورأى عبد الله بن جعفر، ولم يسمع منه، وأثبت أيضاً دخول مكحول على واثلة بن الأسقع، ورؤيته له ومشافهته، وأنكر سماعه منه، وقال: لم يصح له منه سماع، وجعل رواياته عنه مرسلة.

 

وقد جاء التصريح بسماع مكحول من واثلة للحديث من وجه فيه نظر، وقد ذكرناه في آخر كتاب الأدب.

 

وقد ذكر الترمذي دخول مكحول على واثلة في ذكر الرواية بالمعنى...." إلخ من الأمثلة من كلام الإمامين كما ساقها ابن رجب[67].

 

ثم قال ابن رجب: "فدل كلام أحمد، وأبي زرعة، وأبي حاتم على أن الاتصال لا يثبت إلا بثبوت التصريح بالسماع، وهذا أضيق من قول ابن المديني والبخاري، فإن المحكي عنهما: أنه يعتبر أحد أمرين: إما السماع وإما اللقاء، وأحمد ومن تبعه عندهم لابد من ثبوت السماع ويدل على أن هذا مرادهم أن أحمد قال: (ابن سيرين لم يج عنه سماع من ابن عباس)"[68].

 

ثم تابع ابن رجب قائلا: "ومما يَستَدِلُّ به أحمد وغيره من الأئمة على عدم السماع، والاتصال أن يروي عن شيخ من غير أهل بلده لم يعلم أنه رحل إلى بلده، ولا أن الشيخ قدم إلى بلد كان الراوي عنه فيه.

 

نقل منها عن أحمد قال: (لم يسمع زرارة بن أوفى من تميم بالشام، وزرارة بصري)"[69].

 

ثم ختم ابن رجب قائلا: "وكلام أحمد، وأبي زرعة، وأبي حاتم في هذا المعنى كثير جدًا يطول الكتاب بذكره. وكله يدور على أن مجرد ثبوت الرؤية لا يكفي في ثبوت السماع، وأن السماع لا يثبت بدون التصريح به"[70].

 

ومن النصوص المنقولة عن الإمام أحمد وتدل على اشتراطه السماع مما لم يذكره ابن رجب، قوله: "عطاء بن أبي رباح قد رأى ابن عمر، ولم يسمع منه"[71].

 

ويُنسب إلى بعض السلف أنهم كانوا يشترطون السماع (وهذا يلزم منه اللقاء) ولا يكتفون بالمعاصرة، قال ابن أبي حاتم: "سئل يحيى: يصح لسعيد بن المسيب سماع من عبد الرحمن بن أبي ليلى؟ قال: (لا. إلا رأيته على المنبر ينعى النعمان بن مقرن"[72].

قلت: وقد تعاصر ابن المسيب مع ابن أبي ليلى.

وقال ابن عساكر: "سئل محمد بن عوف، فقيل له: هل سمع شريح بن عبيد من أبي الدرداء؟ فقال: لا.

قيل له: هل سمع شريح بن عبيد من أبي الدرداء؟ فقال: لا.

فقيل له: فسمع من أحد أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: ما أظن ذلك، وذلك أنه لا يقول في شيء سمعت وهو ثقة"[73].

قلت: وقد عاصر شريح بعض الصحابة.

وينسب هذا المذهب أيضا للبيهقي والدارقطني.

 

قال الدارقطني: "وَسُئِلَ عَنْ حَدِيث سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي خَطْفَةٍ، وَعَنْ كُلِّ ذِي نُهْبَةٍ، وَعَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبْعِ.

 

فَقَالَ: يَرْوِيهِ سُهَيْلٌ بن أَبِي صَالِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ السَّعْدِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، عَنِ الضَّبُعِ، فَقَالَ: شَيْخٌ عِنْدَهُ، حَدَّثَنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَدَّقَهُ سَعِيدٌ.

 

وَرَوَاهُ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو أَيُّوبَ الْأَفْرِيقِيُّ، عَنْ صَفْوَانَ.

قَالَهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْهُ، وَحَدِيثُ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، كَأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَلَا يَثْبُتُ سَمَاعُ سَعِيدِ مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يلتقيا"[74].

 

والملاحظ في نص الدارقطني أنه حكم على السند بعدم الاتصال لعدم ثبوت لقاء سعيد بن المسيب أبا الدرداء، مع وجود المعاصرة.

 

وقال ابن التركماني، معقبًا على قول البيهقي: (علي بن رباح لم يثبت سماعه من ابن مسعود):

"قدمنا أن مسلمًا أنكر في ثبوت الاتصال اشتراط السماع وادعى اتفاق أهل العلم على أنه يكفي إمكان اللقاء والسماع، وعَليٌّ هذا وُلدَ سنة خمسَ عشرةَ، كذا ذكره أبوسعيد بن يونس، فسماعه من ابن مسعود ممكن بلاشك، لأن ابن مسعود توفي سنة اثنتين وثلاثين، وقيل سنة ثلاثوثلاثين"[75].

 

وقال الذهبي: "ثم إن مسلمًا لحدَّةٍ في خُلقِهِ، انحرف أيضًا عن البخاري، ولم يذكر له حديثًا، ولا سماه في "صحيحه"، بل افتتح الكتاب بالحط على من اشترط اللقي لمن روى عنه بصيغة (عن)، وادعى الإجماع في أن المعاصرة كافية، ولا يتوقف في ذلك على العلم بالتقائهما، ووبخ من اشترط ذلك. وإنما يقول ذلك أبوعبد الله البخاري، وشيخه علي بن المديني، وهو الأصوب الأقوى. وليس هذا موضع بسط هذه المسألة"[76].

 

وقال العلائي: "اختيار ابن المديني، والبخاري، وأبي حاتم الرازي، وغيرهم من الأئمة، وهو الراجح كما تقدم دون القول الآخر الذي ذهب إليه مسلم، وغيره من الاكتفاء بالمعاصرة المجردة، وإمكان اللقاء"[77].

 

وذهب بعض العلماء إلى أنه رأي الحاكم النيسابوري أيضا، وقد استفادوه من تعريفه للحديث المسند، وممن استفاده من كلامه ابن رُشيد السبتي (ت 721هـ)، ومن المعاصرين العلامة أبو غدة[78].

 

قال ابن رشيد: "ويروى أَيْضا كَلَام الْحَاكِم: (يظْهر سَمَاعه مِنْهُ لَيْسَ يحْتَملهُ) وَهَكَذَا قرأته بِخَط خلف بن مُدبر فِي أَصله وَذكر فِي صدر كِتَابه أَنه روى الْكتاب عَن الْبَاجِيّ والعذري وَهَذِه الرِّوَايَة عِنْدِي أظهر وَعَلَيْهَا يدل كَلَامه بعد عِنْد التَّمْثِيل وَظَاهر الْكَلَام أَيْضا مشْعر بذلك من حَيْثُ قرينَة الْمُطَابقَة حَيْثُ قَالَ: (يظْهر سَمَاعه) فَهَذَا إِثْبَات لظُهُور السماع ثمَّ أكد ذَلِك بقوله: (لَيْسَ يحْتَملهُ) فنفى أَن يكْتَفى بِمُجَرَّد الِاحْتِمَال من حَيْثُ المعاصرة بل لَا بُد أَن يكون السماع ظَاهرا مَعْلُوما والتمثيل يدل على صِحَة هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ وَمِثَال ذَلِك:

مَا حَدثنَا أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن أَحْمد بن السماك بِبَغْدَاد

 

قَالَ نَا الْحسن بن مكرم قَالَ نَا عُثْمَان بن عمر قَالَ نَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك عَن أَبِيه أَنه تقاضى ابْن أبي حَدْرَد دينا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد فارتفعت أصواتهما حَتَّى سَمعه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج حَتَّى كشف سجف حجرته فَقَالَ يَا كَعْب ضع من دينك هَذَا وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَي الشّطْر قَالَ نعم فقضاه.

 

قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: (وَبَيَان مِثَال مَا ذكرته أَن سَمَاعي من ابْن السماك ظَاهر وسماعه من الْحسن بن مكرم ظَاهر وَكَذَلِكَ سَماع الْحسن بن عُثْمَان بن عمر وَسَمَاع عُثْمَان من يُونُس بن يزِيد وَهُوَ عَال لعُثْمَان وَيُونُس مَعْرُوف بالزهري وَكَذَلِكَ الزُّهْرِيّ ببني كَعْب بن مَالك وَبَنُو كَعْب بأبيهم وَكَعب برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصحبته). انْتهى مَا أردناه من كَلَام الْحَاكِم"[79].

 

وقال الخطيب البغدادي: "وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُحَدِّثِ «حَدَّثَنَا» فُلَانٌ «عَنْ» فُلَانٍ، صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ، إِذَا كَانَ شَيْخُهُ الَّذِي ذَكَرَهُ يُعْرَفُ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ الَّذِي حَدَّثَ عَنْهُ وَلَقِيَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْمُحَدِّثُ مِمَّنْ يُدَلِّسُ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَجِيزُ إِذَا حَدَّثَهُ أَحَدُ شُيُوخِهِ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَدْرَكَهُ حَدِيثًا نَازِلًا، فَسَمَّى بَيْنَهُمَا فِي الْإِسْنَادِ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ، أَنْ يُسْقِطَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى وَيَرْوِيَ الْحَدِيثَ عَالِيًا فَيَقُولُ: «حَدَّثَنَا» فُلَانٌ «عَنْ» فُلَانٍ، أَعْنِي الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الْحَدِيثِ السَّالِمِ رِوَايَةً مِمَّا وَصَفْنَا الِاتِّصَالُ، وَإِنْ كَانَتِ الْعَنْعَنَةُ هِيَ الْغَالِبَةَ عَلَى إِسْنَادِهِ"[80].

 

ثم ساق الخطيب عن الشافعي بإسناده: " قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَاكِيًا عَمَّنْ سَأَلَهُ، فَقَالَ[81]: فَمَا بَالُكَ قَبِلْتَ مِمَّنْ لَا تَعْرِفُهُ بِالتَّدْلِيسِ أَنْ يَقُولَ «عَنْ» وَقَدْ يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَسْمَعْهُ؟ فَقُلْتُ: " الْمُسْلِمُونَ الْعُدُولُ أَصِحَّاءُالْأَمْرِ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَحَالُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ غَيْرُ حَالِهِمْ فِي غَيْرِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنِّي إِذَا عَرَفْتُهُمْ بِالْعَدْلِ فِي أَنْفُسِهِمْ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُمْ، فَإِذَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ لَمْ أَقْبَلْ شَهَادَةَ غَيْرِهِمْ حَتَّى أَعْرِفَ حَالَهُ، وَلَمْ تَكُنْ مَعْرِفَتِي عَدْلَهُمْ مَعْرِفَتِي عَدْلَ مَنْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَتِهِ، وَقَوْلُهُمْ عَنْ خَبَرِ أَنْفُسِهِمْ وَتَسْمِيَتِهِمْ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يُسْتَدَلَّ مِنْ فِعْلِهِمْ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَيُحْتَرَسُ مِنْهُمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي خَالَفَ فِعْلُهُمْ فِيهِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ نَعْرِفْ بِالتَّدْلِيسِ بِبَلَدِنَا فِيمَنْ مَضَى وَلَا مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَّا حَدِيثًا، فَإِنَّ مِنْهُمْ مِنْ قَبِلَهُ عَمَّنْ لَوْ تَرَكَهُ عَلَيْهِ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَكَانَ قَوْلُ الرَّجُلِ: سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ: سَمِعْتُ فُلَانًا، وَقَوْلُهُ «حَدَّثَنِي» فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ ـ سَوَاءً عِنْدَهُمْ، لَا يُحَدِّثُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَمَّنْ لَقِيَ إِلَّا مَا سَمِعَ مِنْهُ، فَمَنْ عَرَفْنَاهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ قَبِلْنَا مِنْهُ «حَدَّثَنِي» فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مُدَلِّسًا[82]، وَمَنْ عَرَفْنَاهُ دَلَّسَ مَرَّةً فَقَدْ أَبَانَ لَنَا عَوْرَتَهُ فِي رِوَايَتِهِ، وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْعَوْرَةُ بِكَذِبٍ فَنَرُدُّ بِهَا حَدِيثَهُ، وَلَا النَّصِيحَةُ فِي الصِّدْقِ فَنَقْبَلُ مِنْهُ مَا قَبِلْنَا مِنْ أَهْلِ النَّصِيحَةِ فِي الصِّدْقِ، فَقُلْنَا: لَا نَقْبَلُ مِنْ مُدَلِّسٍ حَدِيثًا حَتَّى يَقُولَ فِيهِ «حَدَّثَنِي» أَوْ «سَمِعْتُ»"[83].

 

وقد ذكر الزركشي أن مقتضى هذا الكلام للشافعي يخالف ما ذكره مسلم في مقدمة صحيحه من عدم اشتراط اللقاء بين الرواة، لثبوت السماع، فقال الزركشي[84] تعليقا على قول ابن الصلاح: "وأنكر مسلم بن الحجاج في خطبة صحيحه على بعض أهل عصره، حَيْثُ اشْتَرَطَ فِي الْعَنْعَنَةِ ثُبُوتَ اللِّقَاءِ وَالِاجْتِمَاعِ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ لَمْ يُسْبَقْ قَائِلُهُ إِلَيْهِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الشَّائِعَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّهُ يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ كَوْنُهُمَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا أَوْ تَشَافَهَا): "واعلم أن هذا المذهب الذي رده مسلم هو مقتضى كلام الشافعي في الرسالة إذ قال في باب خبر الواحد حكاية عن سائل سأله فقال فما بالك قبلت...."[85].

 

وعلى هذا مشى العراقي في ألفيته فقال:

136- وصححوا وصل معنعن سلم
من دلسة راويه واللقا علم
137- وبعضهم حكى بذا إجماعا
.........................

 

وقد أطلق من نقل هذا المذهب ثبوت اللقيا، وأضاف بعضهم إليها السماع، وهي في الحقيقة تنتهي إلى شرط السماع؛ لأنه يستحيل سماعه ممن لم يلقه، كما لا يلزم من اللقاء أنه سمع ممن لقيه، والظاهر أنهم اعتبروا اللقاء دليلا على السماع ما لم يرد من القرائن ما ينفيه، واعتبروا السماع دليلا على اللقاء ضرورة.

 

قال ابن رشيد: "وَيَنْبَغِي أَن يحمل قَول البُخَارِيّ وَابْن الْمَدِينِيّ على أَنَّهُمَا يُريدَان باللقاء السماع، وَهَذَا الْحَرْف لم نجد عَلَيْهِ تنصيصا يعْتَمد وَإِنَّمَا وجدت ظواهر مُحْتَملَة أَن يحصل الإكتفاء عِنْدهم باللقاء الْمُحَقق وَإِن لم يذكر سَماع وَأَن لَا يحصل الإكتفاء إِلَّا بِالسَّمَاعِ وَأَنه الْأَلْيَق بتحريهما وَالْأَقْرَب إِلَى صوب الصَّوَاب فَيكون مرادهما باللقاء وَالسَّمَاع معنى وَاحِدًا، وَفِي قَول مُسلم حاكيا لِلْقَوْلِ الَّذِي تولى رده مَا يَقْتَضِي الإكتفاء بِمُجَرَّد اللِّقَاء حَيْثُ قَالَ فِي تضاعيف كَلَامه، وَلم نجد فِي شَيْء من الرِّوَايَات أَنَّهُمَا التقيا قطّ أَو تشافها بِحَدِيث الْفَصْل، فَظَاهر هَذَا الْكَلَام أَن أَحدهمَا بدل من الآخر وَأَن (أَو) للتقسيم لَا بِمَعْنى (الْوَاو) وَقد أَتَى بِهِ أَيْضا فِي أثْنَاء كَلَامه بِالْوَاو فَقَالَ: وَإِن لم يَأْتِ فِي خبر قطّ أَنَّهُمَا اجْتمعَا وَلَا تشافها بِكَلَام وكرره أَيْضا بِالْوَاو فَقَالَ ثمَّ أدخلت فِيهِ الشَّرْط فَقلت حَتَّى يعلم أَنَّهُمَا قد كَانَا قد التقيا مرّة فَصَاعِدا وَسمع مِنْهُ شَيْئا، وَهَذَا أبين أَلْفَاظه"[86].

 

وقال ابن رشيد مستدلا لهذا المذهب: "عُلَمَاء الحَدِيث رَأَوْا أن تتبع طلب لفظ صَرِيح فِي الِاتِّصَال يعز وجوده وَأَنه إِذا ثَبت اللِّقَاء ظن مَعَه السماع غَالِبا وَأَن الْأَئِمَّة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعهم فَمن بعدهمْ استغنوا كثيرا بِلَفْظ عَن فِي مَوضِع سَمِعت وَحدثنَا وَغَيرهمَا من الْأَلْفَاظ الصَّرِيحَة فِي الِاتِّصَال اختصارا وَلما عرف من عرفهم الْغَالِب فِي ذَلِك وَأَنه لَا يَضَعهَا فِي مَحل الِانْقِطَاع عَمَّن علم سَمَاعه مِنْهُ لغير ذَلِك الحَدِيث بِقصد الْإِيهَام إِلَّا مُدَلّس يُوهم انه سمع مَا لم يسمع أَنَفَة من النُّزُول أَو لغير ذَلِك من الْأَغْرَاض الَّتِي لَا يَخْلُو أَكْثَرهَا من كَرَاهَة فانتهض ذَلِك مرجحا لقبُول المعنعن عِنْد ثُبُوت اللِّقَاء"[87].

 

وقال السخاوي في الاستدلال له أيضا: "ووجهه فيما يظهر ما علم من تجويز أهل ذاك العصر للإرسال، فلو لم يكن مدلسا وحدث بالعنعنة عن بعض من عاصره لم يدل ذلك على أنه سمع منه؛ لأنه وإن كان غير مدلس فقد يحتمل أن يكون أرسل عنه ؛ لشيوع الإرسال بينهم.

 

فاشترطوا أن يثبت أنه لقيه وسمع منه، لتحمل عنعنته على السماع ؛ لأنه لو لم يحمل حينئذ على السماع لكان مدلسا، والفرض السلامة من التدليس، فبان رجحان اشتراطه.

 

ويؤيده قول أبي حاتم في ترجمة أبي قلابة الجرمي: إنه روى عن جماعة لم يسمع منهم، لكنه عاصرهم، كأبي زيد عمرو بن أخطب، وقال مع ذلك: إنه لا يعرف له تدليس، ولذا قال شيخنا عقب حكايته في ترجمة أبي قلابة من " تهذيبه ": إن هذا مما يقوي من ذهب إلى اشتراط اللقاء غير مكتف بالمعاصرة، على أن مسلما موافق للجماعة فيما إذا عرف استحالة لقاء التابعي لذلك الصحابي في الحكم على ذلك بالانقطاع، وحينئذ فاكتفاؤه بالمعاصرة إنما هو فيما يمكن فيه اللقاء"[88].

 

القول الرابع: أنه متصل بشرط اللقاء وطول الصحبة، فإن كان كذلك ولم يكن مدلساً كانت عنعنته محمولة على الاتصال، وينسب هذا القول إلى أبي المظفر السَّمْعَانِيّ الشافعي(ت 489 هـ).

قال السخاوي: "وفيه تضييق"[89].

 

الخامس: أنه متصل بشرط أن يكون معروفا بالرواية عنه، وبه قال أبو عمرو الداني المقرئ.

قال ابن الصلاح في "صيانة صحيح مسلم" (ص 313): "اشْترط أَبُو عَمْرو الداني المقرىء الْحَافِظ أَن يكون مَعْرُوفا بالرواية عَنهُ، والأمر فيه قريب".

قلت: وهذا شرط بعيد كالذي قبله.

 

السادس: أنه متصل بشرط أن يدركه إدراكا بينا، وبه قال أبو الحسن علي بن محمد بن خلف القابسي المالكي(403 هـ).

ونقل ابن رشيد عن الحافظ أبي عمرو المقرئ نحو كلام القابسي ففي "السنن الأبين" (ص 51): "وقال الحافظ أبو عمرو المقري: وما كان من الأحاديث المعنعنة التي يقول فيها ناقلوها: (عن، عن) فهي أيضاً مسندة متصلة بإجماع أهل النقل، إذا عُرف أن الناقل أدرك المنقول عنه إدراكاً بيناً، ولم يكن ممن عرف بالتدليس، وإن لم يذكر سماعاً".

 

وقد ذكرنا هذا القول والذي قبله مستقلا؛ لأن العلماء اختلفوا في فهمه عنهما، وقد لخص هذا الفهم الدكتو/ خالد الدريس، فقال: "وفيما قاله أبو عمرو المقرئ وأبو الحسن القابسي إجمال يستدعى التساؤل: هل قصدا بقولهما (أن يكون معروفاً بالرواية) و(أن يكون أدرك المنقول عنه إدراكاً بيناً) طول الصحبة كما هو مذهب أبي المظفر بن السمعاني؟ أم أنهما قصدا تحقق اللقاء بدليل يقيني؟ أم أنهما قصدا العلم بالمعاصرة؟.

 

وعندما تأملتُ ذلك وجدت أن قول أبي الحسن القابسي ثابت عنه ولم يقع اختلاف عليه في حكاية مذهبه، فقد ذكر ابن رُشيد قول القابسي بقوله: (وقال الفقيه المحدث أبو الحسن القابسي: "وكذلك ما قالوا فيه: (عن، عن)، فهو أيضاً من المتصل إذا عُرف أن ناقله أدرك المنقول عنه إدراكاً بيناً، ولم يكن ممن عُرف بالتدليس).

 

فقوله هذا يحتمل أحد الأمرين:

1- أن يكون قصد بقوله "الإدراك البين" ثبوت المعاصرة البينة، وإلى هذا مال ابن رشيد (ص 61).

 

2- أن يكون قصده مطلق اللقاء كما هو مذهب الإمام البخاري، وهذاهو الذي أميل إليه ولكن لا أقطع به، فقد ألمح السخاوي إلى هذا الاحتمال بقوله: (قد يحتمل الكناية بذلك عن اللقاء) ويُفهم من صنيع العلائي أنه يُرجح هذا الاحتمال، إذ ذكر قول القابسي ضمن مذهب ابن المديني والبخاري، ولعل مما يقوي هذا الاحتمال أيضاً زيادة كلمة (بيّناً) فلو كان أراد العلم بالمعاصرة لكانت كلمة (أدرك) كافية في الدلالة على مقصودها ذاك.

 

وأما قول أبي عمرو الداني المقرئ، فقد وقع اختلاف في نقل عبارته حول هذا الموضوع فبينما نقل ابن الصلاح عنه أنه قال: (أن يكون معروفاً بالرواية عنه).

 

نجد أن ابن رُشيد نقل قوله في موضعين ليس فيهما نص العبارة التي نقلها ابن الصلاح، قال ابن رشيد: (وقال الحافظ أبو عمرو المقرئ: " وما كان من الأحاديث العنعنة التي يقول فيها ناقلوها: (عن، عن) فهي أيضاً مسندة متصلة بإجماع أهل النقل، إذا عُرف أن الناقل أدرك المنقول عنه إدراكاً بيناً، ولم يكن ممن عرف بالتدليس، وإن لم يذكر سماعاً").

 

وهذا شبيه بكلام القابسي السابق، والموضع الثاني الذي نقل فيه ابن رُشيد قول أبي عمرو المقرئ هو ما جاء في قوله: (قال أبو عمرو المقرئ الداني في جُزيء له وضعه في "بيان المتصل والمرسل والموقوف والمنقطع": "المسند من الآثار الذي لا إشكال في اتصاله: هو ما يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه بسن يحتملها، وكذلك شيخه عن شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى الصحابي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

 

وتعريف المسند هو في حقيقة الأمر ليس لأبي عمرو المقرئ بل هو للحاكم أبي عبد الله ذكره في كتابه "معرفة علوم الحديث".

 

والذي يتحصل من هذين النصين: أنه ليس لأبي عمرو المقرئ رأي مستقل، أو مذهب مغاير للآخرين، فالنص الأول في حقيقة الأمر هو من كلام أبي الحسن القابسي الذي هو أكبر سناً وأقدم وفاة منه، وقد أوضحتُ آنفاً الترجيح الذي أميل إليه في فهم كلام القابسي.

 

والنص الثاني كما رأينا هو أيضاً لأبي عبد الله الحاكم المتوفي سنة (405هـ) وهو أكبر سناً وأقدم وفاة من أبي عمرو المقرئ.

 

ولكن إن كان أبو عمرو بن الصلاح لم يتصرف في عبارة أبي عمرو المقرئ، فإن العبارة تحتمل الأمور التي ذكرتُها سابقاً، ولا تقتضي المعرفة بالرواية عن المنقول عنه السماع، فهذا سعيد بن المسيب كان يسمى (راوية عمر)، والنقاد مختلفون في سماعه من عمر، فالبعض ينفيه، والبعض يثبت سماعه من عمر في قليلٍ مما يرويه لا في كل ما يحدث به عنه.

 

وكذلك سليمان بن بُريدة معروف بالرواية عن أبيه، ورغم ذلك فإن البخاري لم يثبت سماع سليمان من أبيه، وقال في ذلك: (ولم يذكر سليمان سماعاً من أبيه)" انتهى[90].

 

نقول: وخلاصة القول أن قول أبي عمرو المقرئ: (أن يكون معروفاً بالرواية عنه)، وكذلك قول القابسي السابق، فيه إجمال ويحتمل أن يدخل كل منهما تحت أحد الأقوال السابقة، وبالنظر فيما نقلناه يتبين لك ذلك.

 

قال ابن رشيد: "قَوْله: (إدراكا بَينا) فِيهِ إِجْمَال" قال ابن رشيد في "السنن الأبين" (ص 61): "وَأما لفظ الْقَابِسِيّ فَيمكن أَن يُرِيد بِهِ ثُبُوت المعاصرة الْبَيِّنَة وَهُوَ أظهر احتماليه فِيهِ وَيُمكن أَن يُرِيد طول الصُّحْبَة فَيكون مُوَافقا لما ذكره أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ"[91].

 

وقال العراقي: "واشترط أبو الحسنِ القابسيُّ أنْ يُدْرِكَهُ إدراكاً بَيِّنَاً، وهذا داخلٌ فيما تقدّمَ من الشروطِ، وبيانُ الإدراكِ لابدَّ منه"[92].

 

والراجح من هذا - والله أعلم-: هو ما ذهب إليه الإمام مسلم ومن وافقه؛ وذلك لما ذكرناه في موضعه من أدلة، كما أنه مذهب جمهور كبير من أهل العلم، لا سيما وقد ذكر جمع من المحققين أنه لا فرق عند الفحص بين مذهب القائلين باشتراط اللقيا والمكتفين بالمعاصرة؛ لأن القولين جميعا يتفقان على أن الحديث لا يحكم باتصاله إذا ثبت عدم اللقاء أو عدم السماع، وهذا يعني أنهم جميعا يشترطون الاتصال، ويحمل الكلام المنسوب إلى البخاري وابن المديني على الأفضلية كما ذكرنا في صدر البحث.

 

قال الدكتور حاتم العوني: "تعبيرُ بعضِ أهل العلم: ((بأن البخاري يشترط العلم باللقاء أو السماع، وأن مسلمًا لا يشترط العلم بذلك)) تعبيرٌ فيه تجوُّزٌ وتسمُّحٌ، الداعي إليه عند هؤلاء العلماء: الاختصارُ، وعدم خفاء المعنى المقصود لدى السامعين. ذلك أن الشيخين كليهما- في الحقيقة- يشترطان العلم بالسماع، لأن هذا هو مقتضى شرط الاتّصال الذي يتّفقُ الشيخان عليه. وإنما يظهر الفرق بين المذهب المنسوب إلى البخاري ومذهب مسلم في وسيلة العلم بالسماع، لا في العلم بالسماع المتّفق عليه بالاتفاق على اشتراط الاتصال. فالبخاري (في الشرط المنسوب إليه) لا يعلم بالسماع حتى يقف على نصٍّ صريح يدل عليه، ومسلمٌ لا يعلم بالسماع إلا بالشروط الثلاثة المذكورة سابقًا.

 

لذلك فإن الأدقّ أن يقال في التعبير عن شرط الشيخين: إن البخاري (فيما يُنسب إليه) يشترط أن يثبت لديه نصٌّ صريح دالٌّ على اللقاء أو السماع، وأمّا مسلم فلا يشترط ذلك. مع اشتراطهما جميعًا الاتصال، الذي إنما يُتَصَوَّرُ حصوله باللقاء والسماع.

 

وأنبِّه إلى هذا حتى لا يقع في بعض الأذهان أن مسلمًا لا يشترط العلم باللقاء والسماع، بمعنى أنه لا يشترط الاتصال!! ‍‍

ومع هذا التنبيه فلا أجدُ عليَّ من غضاضةٍ إذا ما استخدمتُ العبارة المختصرةَ التي استخدمها العلماءُ من قبل، تجوُّزًا وتسمُّحًا أيضًا‍"[93].

 

وقال أبو بكر كافي: "ليس هناك أدلة قاطعة تثبت أن المعني بالرد في كلام مسلم هو البخاري أو شيخه ابن المديني، وعليه لا نستطيع أن ننصب خلافاً بين مسلم وسائر الأئمة على رأسهم شيخه الإمام البخاري، ولا أستبعد أن يكون مذهب البخاري وابن المديني في هذه المسألة هو مذهب الإمام مسلم، لأن مسلماً حكى في ذلك الإجماع، وأي إجماع يصح وينعقد والمخالف مثل ابن المديني والبخاري، ويكون المعني بالرد في كلام مسلم بعض المتنطعين من منتحلي الحديث في عصره، والله أعلم"[94].

 

 

وقد لخص السيوطي الخلاف في هذه المسألة فقال في الألفية مضيفا إليه حكم ما روي بــ (أن)، وهو المعروف عند المحدثين بــ (المؤنن):

159- وَمَنْ رَوَى بِ"عَنْ"وَ"أَنَّ" فَاحْكُمِ
بِوَصْلِهِ إِنِ اللِّقَاءُ يُعْلَمِ
160- وَلَمْ يَكُنْ مُدَلِّسًا، وَقِيلَ: لا
وَقِيلَ"أَنَّ"اقْطَعْ وَأَمَّا "عَنْ" صِلا
161- وَمُسْلِمٌ يَشْرِطْ تَعَاصُرًا فَقَطْ
وَبَعْضُهُمْ طُولَ صَحَابَةٍ شَرَطْ
162- وَبَعْضُهُمْ عِرْفَانَهُ بِالأَخْذِ عَنْ
وَاسْتُعْمِلا إِجَازَةً فِي ذَا الزَّمَنْ
163- وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ رَوَى
مُتَّصِلٌ، وَغَيْرُهُ قَطْعًا حَوَى.

 

فائدة: قد ترد "عن" ولا يقصد بها الرواية، بل يكون المراد سياق قصة ؛ سواء أدركها أو لم يدركها، ويكون هناك شيء محذوف تقديره عن قصة فلان.

 

ولهذا أمثلة كثيرة من أبينها ما رواه ابن أبي خيثمة في تأريخه: ثنا أبي، ثنا أبو بكر بن عياش، ثنا أبو إسحاق- هو السبيعي- عن أبي الأحوص- يعني عوف بن مالك- أنه خرج عليه خوارج فقتلوه.

 

قال شيخنا: فهذا لم يرد أبو إسحاق بقوله: "عن أبي الأحوص" أنه أخبره به، وإن كان قد لقيه وسمع منه ؛ لأنه يستحيل أن يكون حدثه به بعد قتله، وإنما المراد على حذف مضاف تقديره: عن قصة أبي الأحوص.

 

وقد روى ذلك النسائي في الكنى من طريق يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش، سمعت أبا إسحاق يقول: خرج أبو الأحوص إلى الخوارج فقاتلهم فقتلوه.

 

ولذا قال موسى بن هارون- فيما نقله ابن عبد البر في التمهيد عنه-: كان المشيخة الأولى جائزا عندهم أن يقولوا: عن فلان، ولا يريدون بذلك الرواية، وإنما معناه عن قصة فلان[95].

 

حكم الحديث المؤنن:

المؤنن (المؤنأَن أو المؤنئِن): هو ما روى بـ (أن) من غير بيان التحديث، أو الإخبار، أو السماع كذلك، وهو ما يقال في مسنده: "حدثنا فلان أن فلانا".

 

وظاهر كلام العلماء في الحديث المؤنن من حيث الاتصال والقطع أنه مختلف فيه على ثلاثة أقوال:

القول الأول: جمهور أهل العلم، ومنهم مالك كما حكاه عنهم ابن عبد البر في التمهيد سووا بين (عن) و (أن)، وأنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ، وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع يعني مع السلامة من التدليس، فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحا، كان حديث بعضهم عن بعض بأي لفظ ورد محمولا على الاتصال حتى يتبين فيه الانقطاع، يعني ما لم يعلم استعماله خلافه.

ويتأيد التسوية بين (أن) و (عن) بأن لغة بني تميم إبدال العين من الهمزة.

 

قال ابن رجب: "وقد ذكر الإسماعيلي في صحيحه أن المتقدمين كانوا لا يفرقون بين هاتين العبارتين، وكذلك ذكر أحمد أيضاً أنهم يتساهلون في ذلك...وكان يقع ذلك منهم أحياناً على وجه التسامح وعدم التحرير.

 

قال أحمد في رواية الأثرم في حديث سفيان عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حُذافة في النهي عن صيام أيام التشريق: ومالك قال فيه: عن سليمان بن يسار أن النبي-صلى الله عليه وسلم- بعث عبد الله بن حُذافة.

 

قال أحمد: هو مرسل، سليمان بن يسار لم يدرك عبد الله بن حذافة، قال: وهم كانوا يتساهلون بين (عن عبد الله بن حذافة) وبين (أن النبي- صلى الله عليه وسلم- بعث عبد الله بن حذافة)"[96].

 

وعلى هذا القول من أحمد بن حنبل يُحمل التفصيل الآتي في القول الثالث الذي فرق بين نقل القول ونقل الفعل بــ(أن)، أو أنه لا خلاف من حيث الأصل، وإنما الخلاف في الصورة التي ورد بها المؤنن، إن كانت تحتمل السماع أم لا تحتمله، كما سيأتي.

 

القول الثاني: ذهب أبو بكر البرديجي، إلى أن (أن) محمولة على الانقطاع، حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من طريق آخر أو يأتي ما يدل على أنه قد شهده وسمعه.

وقال الذهبي بعد قول البرديجي: "إنه قوي".

ونسبه ابن الصلاح إلى أحمد بن حنبل، و(يعقوب بن، وما ذكره الزركشي ذكره أيضا الحافظ ابن حجر في النكت عاكفون في المساجد}

ه بعد وجوده.

ل في من تحقق دخوله.

لوجوب في السؤال على عدمشيبة)[97].

 

قال ابن الصلاح: "ووَجدْتُ مِثلَ ما حكاهُ -يعني ابن عبد البر- عَنِ البِرْدِيجيِّ أبي بكرٍ الحافظِ، للحافظِالفَحْلِ[98] يعقوبَ بنِ شيبَةَ في " مسندِهِ " الفحلِ، فإنَّهُ ذكرَ ما رواهُ أبو الزبيرِ عَنِ ابنِ الحنفيَّةِ عَنْ عَمَّارٍ، قالَ: ((أتيتُ النبيَّ- صلى الله عليه وسلم- وهوَ يُصَلِّي فسَلَّمْتُ عليهِ، فردَّ عليَّ السلامَ)) [99] وجعلَهُ مسنداً موصولاً. وذكرَ: روايةَ قيسِ بنِ سَعْدٍ لذلكَ، عنْ عطاءِ بنِ أبي رَباحٍ، عنِ ابنِ الحنفيَّةِ: ((أنَّ عَمَّاراً مرَّ بالنبيِّ- صلى الله عليه وسلم – وهوَيُصَلِّي))، فجعلَهُ مُرسلاً[100] مِنْ حيثُ كونُهُ قالَ: ((أنَّ عمَّاراً فَعَلَ))، ولَمْ يقلْ: ((عَنْ عمَّارٍ))[101]، واللهُ أعلمُ"[102].

 

وقال السخاوي: "قال أبو الحسن الحصار: إن فيها اختلافا، والأولى أن تلحق بالمقطوع ؛ إذ لم يتفقوا على عدها في المسند، ولولا إجماعهم في (عن)، لكان فيه نظر"[103].

 

وقد تقدم ذكر الخلاف في (عن)؛ ولعله يقصد بالإجماع: ما حكيناه من إجماع على القول بالاتصال بشرط المعاصرة وقيوده.

 

قال العراقي: "وما حكاه المصنف - يعني ابن الصلاح - عن أحمد بن حنبل وعن يعقوب بن شيبة من تفرقتهما بين "عن" و "أن" ليس الامر فيه على ما فهمه من كلامهما ولم يفرق أحمد ويعقوب بين عن وأن لصيغة أن ولكن لمعنى آخر أذكره وهو أن يعقوب إنما جعله مرسلا من حيث أن ابن الحنفية لم يسند حكاية القصة إلى عمار وإلا فلو قال ابن الحنفية إن عمارا قال مررت بالنبى صلى الله عليه وسلم لما جعله يعقوب ابن شيبة مرسلا فلما أتى به بلفظ أن عمارا مر كان محمد بن الحنفية هو الحاكى لقصة لم يدركها لأنه لم يدرك مرور عمار بالنبى صلى الله عليه وسلم فكان نقله لذلك مرسلا وهذا أمر واضح ولا فرق بين أن يقول ابن الحنفية إن عمارا مر بالنبى صلى الله عليه وسلم أو أن النبى صلى الله عليه وسلم مر به عمار فكلاهما مرسل بإلاتفاق بخلاف ما إذا قال عن عمار قال مررت أو ان عمارا قال مررت فإن هاتين العبارتين متصلتان لكونهما أسندتا إلى عمار وكذلك ما حكاه المصنف عن أحمد ابن حنبل من تفرقته بين عن وأن فهو على هذا النحو ويوضح لك ذلك حكاية كلام أحمد وقد رواه الخطيب وفي الكفاية بإسناده إلى أبى داود قال سمعت أحمد قيل له أن رجلا قال عروة أن عائشة قالت يا رسول الله وعن عروة عن عائشة سواء قال كيف هذا سواء ليس هذا سواء. انتهى كلام أحمد [104]"[105].

 

قال العراقي في الألفية ملخصا القولين السابقين:

140- ......................
وحكم "أن" حكم "عن" فالجل
141- سووا وللقطع نحا البرديجي
حتى يبين الوصل في التخريج
142- قال ومثله رأى ابن شيبه
كذا له ولم يصوب صوبه.

 

القول الثالث: أن صيغة الأداء "أنَّ" لها حالتان.

أ- إذا قالها الراوي في سند وكان خبرها قولاً لم يتعد لمن لم يدركه التحقت بحكم " عن" بلا خلاف.

مثال ذلك: أن يقول التابعي: إن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت كذا، فهو نظير ما لو قال: عن أبي هريرة أنه قال: سمعتُ كذا.

 

ب- إذا جاءت في سند، وكان خبرها فعلاً، نُظر إن كان الراوي أدرك ذلك التحقت بحكم "عن"، وإن كان لم يدركه لم تلتحق بحكمها.

وقد لخص العراقي هذا التفصيل في قوله: "وجملة القول فيه: أن الراوى إذا روى قصة أو واقعة فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم وبين بعض أصحابه والراوي لذلك صحابي قد أدرك تلك الواقعة حكمنا لها بالاتصال وان لم نعلم أن الصحابي شهد تلك القصة وإن علمنا أنه لم يدرك الواقعة فهو مرسل صحابي وإن كان الراوي كذلك تابعيا كمحمد بن الحنفية مثلا فهي منقطعة وإن روى التابعي عن الصحابي قصة أدرك وقوعها كان متصلا ولو لم يصرح بما يقتضى الاتصال وأسندها إلى الصحابي بلفظ أن فلانا قال أو بلفظ: قال قال فلان، فهي متصلة أيضا كرواية ابن الحنفية الأولى عن عمار بشرط سلامة التابعي من التدليس كما تقدم وإن لم يدركها ولا أسند حكايتها إلى الصحابي فهي منقطعة كرواية ابن الحنفية الثانية فهذا الحقيق القول فيه.

 

وممن حكى اتفاق أهل النقل على ذلك الحافظ أبو عبد الله بن المواق في كتاب (بغية النقاد)"[106].

 

وقد تعقب الحافظُ ابنُ حجر المواقَ في حكاية الاتفاق على ذلك فقال: "لكن في نقل الاتفاق نظر، وقد قال ابن عبد البر - في الكلام على حديث ضمرة عن عبيد الله بن عبد الله قال: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي: ماذا كان يقرأ به النبي- صلى الله عليه وسلم- في الأضحى والفطر... الحديث.

قال: قال قوم: هذا منقطع، لأن عبيد الله لم يلق عمر بن الخطاب ري الله عنه، وقال قوم: بل هو متصل، لأن عبيد الله لقي أبا واقد.

قلت: وهذا وإن كنا لا نسلمه لأبي عمر، فإنه يخدش في نقل الاتفاق"([107]).

 

قلت: ومع التسليم بأن نقل اتفاق أهل النقل على هذا المذهب فيه نظر -كما قرر الحافظ ابن حجر-، إلا أن هذا المذهب هو الذي اختاره أحمد بن حنبل، وغيره من كبار الحفاظ، كأبي زرعة، وأبي حاتم، والدارقطني، وغيرهم من الأئمة، وذهب كبار المحققين إلى ترجيح هذا المذهب واختياره، كالعراقي، وابن رجب، وابن حجر.

 

والذي يُفهم من كلام العراقي، وابن رجب، أن هذا المذهب الثالث هو عين المذهب الأول والثاني، فلا يكون في الصيغة "أن" أي خلاف، فقد قال العراقي: "فما فعله أحمد ويعقوب بن أبي شيبة صواب سواء ليس مخالفاً لقول مالك، ولا لقول غيره، وليس في ذلك خلاف بين أهل النقل"([108]).

 

وهذا يعني: أن العبرة بعدم ثبوت الانقطاع سواء روي بـ (عن) أو (أن) أو غيرهما من صيغ النقل، غير أن بعض صيغ النقل تؤثر عليها القرائن في الحكم بالوصل أو القطع كـ (عن) و (أن).

 

قال العراقي مُصَوِّباً هذه الخلاصة:

143- قلت الصواب أن من أدرك ما
رواه بالشرط الذي تقدما
144- يحكم له بالوصل كيفما روى
ب " قال " أو " عن " أو بأن فسوا
145- وما حكى عن أحمد بن حنبل
وقول يعقوب على ذا نزل.

 

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.



[1]"تدريب الراوي"(ص5). وليس بين التعريفين فرق يذكر، لأن القوانين في تعريف الشيخ عز الدين هي القواعد في تعريف الحافظ ابن حجر، والسند هو الراوي والمتن هو المروي.

[2] "الوسيط" (ص 26).

[3] "توضيح الأفكار" (1 / 301).

[4] (ص 150-151).

[5] "شرح علل الترمذي" (2 / 599 وما بعدها).

[6] "إكمال المعلم" (307- 312)، وهو يشرح مقدّمة مسلم.

[7] "النكت على ابن الصلاح" (1 / 289).

[8] "فتح المغيث" (1 / 203 وما بعدها).

[9] حيث ألف في هذه المسألة كتاب "السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن".

[10] "جامع التحصيل" (120- 121).

[11] "سير أعلام النبلاء" (12 / 573).

[12]"اختصار علوم الحديث"(1/ 169).

[13]"محاسن الاصطلاح"(ص 224).

[14]"تتمات أبي غُدّة" على "الموقظة" (ص 137- 138).

[15]"النصيحة بالتحذير من تخريب ابن عبد المنان لكتب الأئمة الرجيحة"(ص 19- 26).

[16] "الباعث الحثيث" (ص 52).

[17] "النكت" (ص 61).

[18]في "المحدث الفاصل" (ص 450).

[19]"السنن الأبين" (ص 48).

[20]"التذكرة" (1 / 222).

[21]"فتح المغيث" (1 / 207).

[22]في "جامع التحصيل" (ص 136).

[23]"السنن الأبين" (ص 44 ـ 47).

[24]"مقدمة صحيح مسلم" (1 / 32).

[25]"جامع التحصيل" (ص 117).

[26]"محاسن الاصطلاح" (ص 224).

[27] كما في "تحقيق نكت ابن حجر" (1 / 97).

[28]"معرفة علوم الحديث" (ص 34).

[29]"السنن الأبين" (ص 57، 58).

[30]"صحيح ابن حبان" (1/37).

[31]"الإحكام في أصول الأحكام" (1/151).

[32]كما في "نصب الراية" (2/107).

[33]"شرح عمدة الفقه"

[34] "المنهل" (ص48)

[35]"تهذيب الكمال" (1/178).

[36]"الخلاصة في أصول الحديث" (ص50).

[37]"اختصار علوم الحديث" (ص 52).

[38]"النكت" (2 / 24).

[39]مقدمة "التمهيد" (1 / 12).

[40]"المنهل الروي" (ص 48).

[41] "الشذا الفياح" (1 / 160).

[42]"النكت" (2 / 583).

[43]"إرواء الغليل" (8 / 299).

[44]"إجماع المحدثين" (ص 95 -102).

[45] في "منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها" (ص 176، وما بعدها)؛ رسالة ماجستير؛ - جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية - الجزائر- إشراف الدكتور/ حمزة المليباري، وأظن _من خلال مطالعتي للكتابين_ أن الدكتور حاتم العوني استفاد من هذا البحث في مواطن كثيرة.

[46]"فتح المغيث" (1 / 204).

[47] "السنن الأبين" (ص 68).

[48] "جامع التحصيل"(ص134).

[49] "شرح العلل" (ص212).

[50] "السنن الأبين" (ص31).

[51] "فتح المغيث" (1 / 205).

[52]"محاسن الاصطلاح" (ص158).

[53]"التدريب" (1 / 244).

[54] انظر: "النكت الوفية" (1 / 410).

[55] "جامع العلوم والحكم" (1 / 396).

[56] "فتح المغيث" (1 / 205).

[57] "صيانة صحيح مسلم" (ص 131).

[58]"شرح مقدمة مسلم" (1 / 128).

[59]"تغليق التعليق" (5/427).

[60]"النكت" (1 / 383).

[61]"السنن الأبين" (ص 52).

[62] "جامع التحصيل" (ص116).

[63]"شرح علل الترمذي" (2 / 589).

[64] "تغليق التعليق" (5/427).

[65]"فتح المغيث" (1 / 250).

[66] "شرح علل الترمذي" (2 / 590).

[67] "شرح علل الترمذي" (2 / 590).

[68]"شرح علل الترمذي" (2 / 592).

[69] "شرح علل الترمذي" (2 / 592).

[70] "شرح علل الترمذي" (2 / 595).

[71] "المراسيل لابن أبي حاتم" (ص128).

[72]"المراسيل" (ص 65).

[73]"تاريخ دمشق" (23 / 64).

[74]"العلل" (6 / 203).

[75]"الجوهر النقي" المطبوع مع "السنن الكبرى" (1 / 110).

[76]"سير أعلام النبلاء" (12/573).

[77]"جامع التحصيل" (ص 125).

[78]في "تتماته على الموقظة" (ص 125).

[79]"السنن الأبين" (ص 59).

[80]"الكفاية" (ص 290).

[81] "الرسالة"   (ص 370 وما بعدها).

[82] قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي" (2 / 585 وما بعدها):"وقول الشافعي ـ رحمه الله ـ: وأقبل الحديث حدثني فلان عن فلان، إذا لم يكن مدلساً مراده أن تقبل العنعنة عمن عرف منه أنه ليس بمدلس، فإن الربيع نقل عنه أيضاً، قال في كلام له:

لم يعرف التدليس ببلدنا، فيمن مضى، ولا ممن أدركنا من أصحابنا، إلا حديثاً، فإن منهم من قبله عمن لو تركه عليه كان خيراً له. وكان قول الرجل: سمعت فلاناً (يقول: سمعت فلاناً) وقوله: "حدثني فلان عن فلان" سواء عندهم، لا يحدث واحد منهم عمن لقي إلا ما سمع منه، (فمن عرفناه) بهذا الطريق قبلنا منه: حدثني فلان عن فلان، إذا لم يكن مدلساً. وظاهر هذا أنه لا يقبل العنعنة إلا عمن عرف منه أنه لا يدلس، ولا يحدث إلا عمن لقيه بما سمع منه، وهذا قريب من قول من قال: إنه لا يقبل العنعنة إلا عمن ثبت أنه لقيه وفيه زيادة أخرى عليه، وهي أنه اشترط أنه يعرف أنه لا يدلس عمن لقيه أيضاً، ولا يحدث إلا بما سمع".

[83]"الكفاية" (ص 291). وقد نقل البقاعي كلام الشافعي هذا مختصرا في "النكت الوفية" (1 / 436) ثم قال:"وقالَ الإمامُ أبو بكرٍ الصيرفيُّ: ((إذا عُرفَ بالتدليسِ لم يُقبلْ فيهِ حتى يقولَ: ((حدثني)) أو (سمعتُ) وذلكَ أَنَّهُ قد كشفَ عن حالِ بعضِهم، فكانَ إذا أظهرَ مَن سمعهُ كانَ غيرَ ثبتٍ، فيكونُ بينه وبينَ الثقةِ رجلٌ غيرَ ثقةٍ، وهذهِ النكتةُ في ردِّ المرسلِ؛ لأنَّ الواسطةَ بينَ الثقةِ والثقةِ قد يجوزُ أنْ يكونَ غيرَ ثقةٍ، فإنِ اعتلَّ معتلٌ بأصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّهُ يُحدّثُ بعضُهم عن بعضٍ، وما قالَ ابنُ عباسٍ: (ما كلُّ شيءٍ نحدّثُكم سمعناهُ منَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكنْ يحدّثُ بعضُنا بعضاً) (روي هذا الأثر من كلام أنس بن مالك، أخرجه: الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" 1/ 117 (100). وانظر: التمهيد لابن عبد البر 1/ 352، وتهذيب الكمال 1/ 293).

فإنَّ أصحابَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كلَّهم ثقاتٌ لا يُردُّ خبرُ أحدٍ منهم، ولا يكشفُ أحدٌ منهم، ولا يمتحنُ، ثمَّ قالَ: وقالَ قائلٌ: إنَّ مَن حدّثَ بحديثٍ عن مَن لقيَ ما لم يسمعْ منهُ فليسَ بتدليسٍ، وهذا إرسالٌ، قيلَ له: الإرسالُ أنْ يقولَ الرجلُ: قالَ فلانٌ، ومعلومٌ أَنَّهُ لم يلقَ، كقولِ الحسنِ: قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وكقولِ مالكٍ: قالَ سعيدُ بنُ المسيبِ، وإذا لَقِيَ الرجلُ الرجلَ وسمعَ منهُ، فإذا حَكَى عنهُ ما لم يسمعْ فإنما يدرجهُ بـ(عن) ليكونَ في الظاهرِ كأنَّهُ سمعهُ منهُ، ألا ترى أنَّ من عُرِفَ بذلكَ وُقِفَ في حديثهِ، فقيلَ له: سمعتَهُ من فلانٍ؟ فيقولُ: لا، أخبرنيهِ فلانٌ، فربما أحالَ على ثقةٍ، وربما أحالَ على غيرِ ثقةٍ، فهذا الضربُ سُمِّيَ تدليساً، والذي بهِ وقفنا المدلس هوَ الذي رددنا بهِ المرسلَ؛ لأنَّهُ يجوزُ أنْ يكونَ ممن يرغبُ عن الروايةِ عنهُ))".

[84] "النكت" (2 / 41).

[85] وقد تعقب الشريف العوني في "إجماع المحدثين" (ص 114) هذا الفهم من كلام الشافعي، فقال:"فمع أن الحافظ قد نقل كلام الشافعي مستدلاًّ به على أنه يشترط العلم باللقاء، إلا أنّنا سنقف عند كلامه، لنرى هل فيه دلالةٌ على ذلك، أم أنّه على نقيض ما ذكر؟!......أولاً: لا شك أن الشافعي لا يقبل الحديث المعنعن من غير المتعاصرين.

فالسائل إذن يقول للشافعي: ما بالك قبلت من المتعاصرين العنعنة إذا سلموا من التدليس؟

إذن فالسؤال عن مذهب مسلم عينِه.. حرفًا بحرف، ينسبه السائلُ إلى الشافعي.

فلم يقل له الشافعي أخطأتَ في ما نسبتَه إليّ، بل أقرّ ما تضمّنه سؤاله، وأخذ يجيب عن سؤاله مبيّنًا مسوّغات وأسباب ذلك المذهب.

وهذا أوّل ما دلّنا على أن الشافعي على مذهب مسلم في الحديث المعنعن!!!

ثم أخذ الشافعي يُوضّحُ لسائله سبب قبوله للحديث المعنعن بين المتعاصرين من غير المدلسين، قائلاً له: إن المسلم العدل غير المدلّس إذا قال (عن) فلان دلّ ذلك بظاهره على صحّة تلقّيه ممن سمّاه، إلا إذا جاء ما يدل على خلاف هذا الأصل، فيحترس منه في ذلك الإسناد المستثنى.

أمّا قول الشافعي الذي احتج به من نسب إليه اشتراط العلم باللقاء: ((لا يحدث واحدٌ منهم عن من لقي إلا ما سمع منه ممن عناه بهذه الطريق))، فإنما ورد هذا القول في سياق بيان أن (عن) من غير المدلس دالة على اللقاء، فهي دالة على نقيض ما أرادوا.

فهو يقول: [لمّا] كان قول الرجل (سمعت فلانًا يقول سمعت فلانًا) وقولُه (حدثني فلان عن فلان) سواءً عندهم، [بسبب أنه] لا يحدث واحدٌ منهم عن من لقي إلا ما سمع منه، ممن عناه [أي سمّاه] بهذه الطريق: [لذلك] قبلنا منه حدثني فلان عن فلان [أي قبلنا عنعنته] .

ثم انظر إلى استدلال الحافظ كيف قال: ((فذكر أنه إنما قبل العنعنة لما ثبت عنده أن المعنعِنَ غير المدلِّس وإنما يقول (عن) فيما سمع، فأشبه ما ذهب إليه البخاري)) (1) .

فلو حذف الحافظ واو العطف بعد كلمة (غير المدلس)، لكان كلامه موافقًا لكلام الشافعي حقًّا، لكن حينها يكون كلام الشافعي لا يشبه. . بل يناقض ما نُسب إلى البخاري!!

فتأمّلْ ذلك طويلاً!! فقد بنيتُ هذا البحثَ على الاختصار"

[86]"السنن الأبين" (ص 54، 55).

[87] "السنن الأبين" (ص 62).

[88]"فتح المغيث" (1 / 205، 206).

[89]"فتح المغيث" (1 / 206).

[90]"موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراطهما السماع واللقيا" (ص 48، 49).

[91]"السنن الأبين" (ص 51).

[92]"التذكرة" (1 / 221، 222). وينظر للمزيد: "صيانة صحيح مسلم" (ص 131)، "التقريب" (ص 37)؛ للنووي، "المنهل" (ص 37)؛ لابن جماعة، "منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها" (ص 176، وما بعدها)؛ رسالة ماجستير؛ لأبي بكر كافي ـــ جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية ـــ الجزائرـــ إشراف الدكتور/ حمزة المليباري.

[93]"إجماع المحدثين" (ص 27).

[94]"منهج الإمام البخاري" (ص 188). ولهذه المسألة المهمة يراجع: ((معرفة علوم الحديث)) النوع الحادي عشر، ((مقدمة ابن الصلاح)) (ص: 61)، و ((الموقظة)) (ص: 44)، و ((فتح المغيث)) (1/ 203)، و ((تدريب الراوي)) (1/ 244)، و ((تحرير علوم الحديث)) (1/ 166-178)، و ((منهج الإمام أحمد في إعلال الحديث)) لبشير عمر (2/ 603 - 632).

ومن الأبحاث المحررة التي تناولت هذا الموضوع: ((حسم النزاع)) للشيخ طارق عوض الله، و((الاتصال والانقطاع)) ((شرط العلم بالسماع في الإسناد المعنعن)) كلاهما للدكتور إبراهيم اللاحم، و ((الانتفاع بمناقشة الاتصال والانقطاع)) كلاهما للدكتور حاتم العوني، وما سبق ذكره من مراجع في طيات هذا المبحث الهام.

[95]ينظر: "فتح المغيث" (1 / 207، 208).

[96]"شرح علل الترمذي" (2 / 604).

[97]هو الحافظ أبو يوسف يعقوب بن شيبة بن الصلت السدوسي البصري، نزيل بغداد، ت (262 هـ‍). تاريخ بغداد 14/ 281، والمنتظم 5/ 43، وتذكرة الحفاظ 2/ 577.

[98]قال البقاعي: ((ابن الصلاح يصف هذا الرجل بأنه فحل، إشارة إلى أنه قد بلغ العناية من معرفة هذا الفن، ويصف مسنده بالفحولة أيضاً، إشارة إلى أنه في غاية التحرير)). النكت الوفية 132 / أ.

[99]أخرجه أحمد 4/ 463 من طريق أبي الزبير عن محمد بن علي بن الحنفية، عن عمار، قال: أتيت ....

[100] قال البقاعي في "النكت الوفية" (1 / 420): "قوله: (فكانَ نقله لذلكَ مرسلاً)، أي: من حيثُ اللفظُ، وإلاّ فالتحريرُ: أنَّ ما أتى بمثلِ هذهِ الصيغةِ إنْ كانَ لم يأتِ إلا كذلكَ فهو مرسلٌ، وإنْ أتى موصولاً من طريقٍ أخرى بعن أو غيرِها منَ الصيغِ؛ فإنَّ الحكمَ للوصلِ، فيحكمُ على تلكَ الطريقِ المرسلةِ بأنها موصولةٌ نظراً إلى ما بانَ بتلكَ الطريقِ

الأخرى، وهنا قد وصلَ منَ الطريقِ الأولى؛ فيعقوبُ إنما حكمَ على ظاهرِ لفظِ الطريقِ الثانيةِ ليعلمَ منهُ ما شابههُ".

[101]أخرجه من هذه الطريق النسائي في الكبرى (1111) عن عمار: أنه سلم....وانظر: نكت الزركشي 2/ 34، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 286.

[102] "مقدمة ابن الصلاح" (ص 142).

[103]"فتح المغيث" (1 / 209).

[104] قال الزركشي في "النكت" (2 / 31):"وإنما فرّق أحمد بين اللفظين في هذه الصورة؛ لأن عروة في اللفظ الأول لم يسند ذلك إلى عائشة، ولا أدرك القصة فكانت مرسلة، وأما اللفظ الثاني فأسند ذلك إليها بالعنعنة فكانت متصلة".

[105]"التقييد والإيضاح" (ص 85).

[106]"التقييد والإيضاح" (ص 86).

[107]"النكت على ابن الصلاح" (2 / 592).

[108] "التقييد والإيضاح" (ص 86).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرواية والخطر الفكري الخفي
  • الرواية الرومانسية
  • فن الرواية
  • وصلة البداية لمقدمة النهاية في علم الرواية لأبي الجود محمد بن إبراهيم الأنصاري

مختارات من الشبكة

  • كلام في كلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خلاصة الخلاصة في أحكام الحج والعمرة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تحقيق التوفيق بين كلامي أهل الكلام وأهل الطريق(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • وبل الغمام على كلام الملوك ملوك الكلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خلاصة الكلام في أركان الإسلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خلاصة الكلام في الرؤى والأحلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة مثير الغرام وخلاصة الكلام في فضل زيارة سيدنا الخليل عليه السلام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • خلاصة الكلام في إفراد السبت بالصيام: بحث فقهي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خلاصة الكلام عن المال والعقد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خلاصة الكلام على عمدة الأحكام (PDF)(كتاب - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب