• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

متن معاصر في العقيدة (القسطاس المستقيم)

متن معاصر في العقيدة (القسطاس المستقيم)
عبدالعزيز بن سعود الصويتي التميمي


تاريخ الإضافة: 17/12/2014 ميلادي - 24/2/1436 هجري

الزيارات: 14120

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

متن معاصر في العقيدة

(القسطاس المستقيم)

 

الحمد لله الذي أرسل رُسُلَه بالهدى ودين الحق والبينات، وأنزل معهم الكتاب والميزان والآيات؛ ليقوم الناس بالقسط، ويحكموا بالعدل، ويميزوا الدلائل الضروريات والنظريات، فلا يجمعوا بين المختلفات، أو يفرقوا بين المتماثلات.

 

أما بعد:

فلما رأيت شدة بأس المشككين، وحِذْقَ آراء المموهين، وكثرة الغالطين من طلبة العلم والمثقفين وعوام المسلمين، عزمت أن أكتب عقيدة ميسرة، في كلمات شاملة مختصرة، تلتَهم أبرز الشبهات المنتشرة، بعنوان: (القسطاس المستقيم)؛ لتكون نبراسًا لأصحاب النهج القويم، مكتفيًا بأعظم الدلائل، ورؤوس المسائل، مبينًا أن المعقولات تؤيد المنقولات؛ لأن الحق واحد، ودلائله تتآلف ولا تتخالف؛ ليزهق باطلُ الكافرين الذين لم يرفعوا رأسًا بالدِّين، وباطلُ من افتعل معركةً بين المعقولات والمنقولات؛ كالفلاسفة الذين جعلوا المعقولات للخاصة، والمنقولات لجمهور المسلمين، وكطوائف المتكلمين الذين قدَّموا المعقول على المنقول بالتشكيك أو التفويض أو التأويل.

 

وأما عامة أهل السنة فيعتقدون أن المعقول يوافق المنقول، ومن ظن منهم تعارضًا بينهما في مسألة معينة قدَّم صحيحَ النقل على ما ظنه من عقل، وبكى على نفسه لضعفِ فهمه، ورثى حاله لِعِظَم وهمه؛ إذ حرَمه الله ووفَّق غيره لعلمه؛ لأن العقل مزكٍّ للنقل، والنقلُ شاهد بالحق، والقَدْحُ في الشاهد قدْحٌ في المُزكِّي.

 

والعقلُ معنًى في الروح، إن أُريد به التدبير فمحله القلب، وله تعلق بالدماغ، وإن أريد به التفكير فمحله الدماغ، وله تعلق بالقلب، وهو يطلق على القوة الغريزية القائمة في النفس، ويطلق على ما يصدر منها من علم وعمل، فظن مفتعلو معركة النقل والعقل أن ما يصدر من غرائز الناس على اختلافها إنما هو عقلٌ واحد لا عقول متعددة، ثم جعلوا مِن لازم إبطال ذلك العقل الواحد إبطالَ الغريزة التي يصدر منها، وإبطال الغريزة يلزم منه إبطال النقل الذي علمناه بها، ومن تأمل هذه الحجة علِم أن رد العقل في مسألة معينة لا يستلزم إبطال الغريزة، وكم يخطئ الإنسان في علمه وعمله ولم يستلزم ذلك إبطال غريزته، فكيف إذا كان ما يصدر من غرائز الناس ليس عقلاً واحدًا أصلاً، وإنما عقول كثيرة مختلفة متناقضة في الغالب؟

 

فصل

وقد جعل الله في بني آدم عقلاً غريزيًّا يفهم به الأدلة الضرورية والنظرية؛ فالضروريات إما عقليات حسابية؛ كالواحد نصف الاثنين، أو أولية طبيعية؛ كالجزء أصغر من الكل، أو أولية قياسية، وإما حسيات ظاهرة؛ كالمسموعات والمرئيات ونحوها، أو باطنة؛ كالوجدانيات؛ كإدراك كلِّ واحد أَلَمَه وجوعَه وشِبعَه وعطشَه وريَّه وحبَّه وبُغضَه وغضبه، وما غرز في فطرته، ونظائر ذلك.

 

والضروريات إما خاصة بطائفة معينة؛ كالمحدِّثين والأطباء والمهندسين؛ إذ يحصل لهم من العلوم الضرورية في تخصصهم ما لا يحصُل لغيرهم، وإما عامة يشترك فيها الناس قاطبة.

 

والنظريات تفتقر في إثباتها إلى استدلالات، ومنها: اليقينيَّات، ومنها: الظنيات، ومنها: الوهميات.

 

وقد غلِط مَن زعم أن أحاديث الآحاد - التي تلقتها الأمة بالقَبول - لا تفيد العلم.

 

والضروريات أصل النظريات؛ فمن ليس عنده ضروريات لا تستقيم له ولا عليه نظريات، والحس أصل العقل؛ فمَن لا حسَّ له ألبتة لا عقل له ألبتة، ومن لا عقل له قد يكون له حس؛ كالحيوانات، وغاية العقل: التحليل والتركيب، والإضافة والتنقيص والتجريد، وأنواع القياسات والحسيات لا تكون إلا جزئيات، أما المعقولات فمنها الجزئيات، ومنها الكليات، والكلي لا يعارض الجزئي في الخارج، كما ظنَّ كثير من الفلاسفة ومَن تأثر بهم؛ لأن الكلي لا وجود له في الخارج، وإنما توجد أعيانه جزئيات؛ فالتعارض يقع في الخارج بين جزئيٍّ وجزئيٍّ.

 

والدليل ليس محصورًا في البرهان، كما يقول أرسطو وأتباعه، ولا محصورًا في الاستقراء، كما يقول جن ستيوارت مِل وأتباعه، بل متى ما وُجد التلازم، فيصح أن يستدل بأحدهما على الآخر؛ إذ التلازم مادةُ الدليل، فمتى كان التلازم حتميًّا فالدليل يقينيٌّ، ومتى كان ظنيًّا فالدليل ظنيٌّ، ومتى كان وهميًّا فالدليل وهميٌّ، ويجب أن يكون الدليل أعم من المدلول، أو مساويًا له، ولا يلزم من انتفاء الدليل المعيَّن انتفاءُ المدلول.

 

وجماع الأدلة أربعة: إما استدلال بمعينٍ على معين؛ كقياس التمثيل، أو كالاستدلال بالقطب على الكعبة، أو بمعينٍ على عام؛ كالاستقراء، أو بعامٍّ على معين؛ كقياس الشمول، أو بعامٍّ على عام؛ كالاستدلال بجنس الكتابة على جنس الكاتب، وفيها تفصيلات يطول بسطُها.

 

فصل

والقياس الصحيح من أعظم الأدلة نفعًا، وأكثرها استعمالًا، وهو نوعان:

1- قياس طردٍ بالجمع بين المتماثلات لانتفاء الفرق المؤثِّر، أو لوجود الجامع بينهما، سواءٌ كان قياس علة، أو قياس دليل علة.

 

2- وقياس عكسٍ بالفرق بين المختلفين؛ لعدم وجود الجامع المشترك المؤثر.

 

والقياس الفاسد بضدِّ ذلك؛ بأن يجمع بين المختلفات، أو يفرق بين المتماثلات، وقد قيل: أولُ مَن قاس إبليسُ، فقال: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، وهو قياس في مقابل النص؛ فهو لا يكون إلا باطلاً مخالفًا للعقل؛ إذ خص الله آدم بالسجود؛ لأنه نفَخ فيه من رُوحه، وخلَقه بيديه تعالى، لا من أجل مادته الطينية، ثم قاس أحدُ ابني آدم نفسَه على أخيه؛ لأنه تُقبِّل من أخيه ولم يُتقبَّلْ منه، وقد بيَّن أخوه فساد قياسه فقال: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، وقاستِ الأمم أنفسَها على أنبيائها و﴿ قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ﴾ [إبراهيم: 10]، فأجابتِ الأنبياءُ ببطلان هذا القياس ﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [إبراهيم: 11]، وقاستِ اليهودُ والمشبهة الخالقَ على المخلوق، وقاستِ المعطِّلة الخالقَ على الجمادات أو المعدومات أو الممتنعات؛ فرارًا من تشبيهِه بالإنسان والحيوانات، أو المخلوقات، وهكذا المعاصرون وقَعوا في قياساتٍ فاسدات يسمُّونها عقلاً أو تشبيهًا أو مساواة، ونحوها من المسميات.

 

وقد تأمَّلتُ عقائد المنحرفين، واتجاهات المبطِلين؛ فوجدت عامتَها يخرج من كوَّة واحدة، وأقيسة فاسدة، فيردُّون الأصول النقلية والعقلية والحسية بأقيسة وهمية أو ظنية، وهو ما حذَّر منه السلف في الشرعيات والعقليات، وفي العقائد والفقهيات؛ إذ ذمُّوا عِلم الكلام؛ لمخالفته ظواهر النصوص، وليس من أجلِ الدلائل العقلية، وذم بعضُهم أهل الرأي من أجل القياس في مقابل النص، لا من أجلِ الدلائل القياسية، وإن كان أئمةُ أهل الرأي معذورين في عدم بلوغ النص إليهم.

 

فإليك فصولاً مما وقَع فيه المعاصرون من أقيسةٍ فاسدة:

فصل

فمنهم من قاس الضروريات على النظريات والمشكوكات والمجهولات؛ كالسفسطائيين والمتكلمين الشكوكيين والديكارتيين، وغيرهم من الفلاسفة المُحْدَثِين؛ فلزمهم بذلك أنواعٌ من الجهالات والحماقات؛ لأن المجاهيل والمشكوكات لا ينتج عنها علمٌ قط، فلجأ ديكارت إلى إثبات يقينية واحدة وهي التفكير، فكان مذهبه أسلمَ من السفسطائيين، ومذهبهم أقيس من مذهبه؛ لأن استثناء يقينية واحدة من سائر اليقينيات الضروريات تحكُّم محض، وقد ظَهَرَ في كتابات رينيه ديكارت نَفَسُ الغزالي في تشكيكه بالمحسوسات فالمعقولات الضروريات حذو القذة بالقذة، ثم انفرَد ديكارت بأن الشك طريقُ اليقين الوحيد، كما أن الطفولة طريق الرجولة الوحيد، وهذا غير صحيح؛ فإن الله خلَق آدم على هيئته، ولم يتدرج به من الطفولة إلى الرجولة، وأما العلم باليقينيات من غير شك سابق، فتقدم الكلام عليها في الضروريات، وقد خالف جملته السابقة، فجعل الشك يقينية لا تقبَل التشكيك، حيث قال: (.. فأخطئ في كل شيء، حتى في أبسط الأمور وأبينها، مثل أن أضلاع المربع أربعة، وأن اثنين وثلاثة تساوي خمسة، ولكني في هذه الحالة من الشك المطلق أجِد شيئًا يقاوم الشك؛ ذلك أني أشك؛ فأنا أستطيع الشك في كل شيء، ما خلا شكِّي، ولما كان الشك تفكيرًا فأنا أفكر)، ومضمون حجته: أن مجرد الشك في التفكير - هل أفكر أم لا؟ - هو قيام بالتفكير؛ أي: إنني في حالة الشك بوجود التفكير وعدمه أفكر في ذلك؛ إذ لا يمكنني الشك في التفكير إلا بتفكير وشك، وإذا كان التفكير موجودا، فالمُفَكِّر موجود أيضًا، وقال: (أنا أفكر أنا موجود)، وهذا الكلام في غاية البطلان؛ لأنه لا يخلو: إما أن يكون الشك هو التفكير أو بعضه أو غيره!


1- فإن كان غيره فباطل؛ لأنه أثبت يقينيتين - وهما الشك والتفكير، وهذا يخالف قاعدته من إثبات يقينية واحدة، ثم يقال: أيهما ثبت وجوده أولاً: الشكُّ أم التفكير؟ وبأيهما قال فلا يمكن إثبات وجود أُولَاهما بالآخر؛ لأن المجهول أو المشكوك فيه لا يثبت بمجهول، أو مشكوك مثله، فهذا ممتنع؛ لأنه يلزم منه أحد نوعي الدور القبلي.

 

2- وإن كان الشك بعض التفكير؛ ففيه إثبات الشيء المشكوك ببعضه - وبعض المشكوك مشكوك مثله - وهذا ممتنع؛ لأن فيه إثبات الشيء بنفسه أو ببعضه، ولو سلَّمنا أن الشكَّ ليس مشكوكًا فيه، فيقال: بمَ علمت ذلك؟ أبضرورة أم بنظر؟ والضرورة ممتنعة عنده، وإن كان عَلِم أن الشك يقيني بالنظر، فهل عَلِمَه بشكٍّ أم بغيره؟ فإن كان بغيره فهذا ممتنع؛ لأن فيه إثبات يقينية أخرى، كما أنه يؤدي إما إلى تسلسل أو دور قبلي، وكلاهما ممتنع، وإن كان عَلِمه بشك، فيؤول إلى القسمة الثالثة التالية، وهي:

 

3- أن التفكير بمعنى الشك، وعليه يكون قد أثبت الشك بشك، فهذا ممتنع؛ لأن فيه إثبات الشيء بنفسه، ولو قدِّر أنهما شكانِ مختلفان، ففيه إثبات يقينيتين لا يقينية واحدة، ولو سلمنا جدلاً أنها واحدة، فيقال: هل عَلِمَ بوجود الشك السابق قبل إعمال الشك اللاحق فيه أو بعده؟

 

فإن كان عَلِمَ به قبل إعمال الشك اللاحق، فهذا دليل على أنه يمكن العلم بالأشياء من غير شك، وهذا يُبطل مذهبه، وغاية الشك اللاحق أن يكون دليلاً آخرَ على وجود الأشياء، وإن كان لم يعلم بالشك السابق إلا بإعمال الشك اللاحق، فباطل أيضًا؛ لأن كليهما مشكوكٌ فيهما، وإدخال مشكوك على مشكوك لا يصيِّرُه معلومًا يقنيًّا، ولو كان يصيِّرُه معلومًا يقنيًّا لم يكن هذا خاصًّا بالتفكير وحده، بل يمكن إثباتُ وجود أشياء أخرى باجتماع أمرين مشكوك في كل واحد منهما، فنثبت وجود زيد، أو وجود تمر، أو حجر، أو ماء، أو ورد، أو غير ذلك، برؤيته وسماع صوته، أو برؤيته ولمسه، أو بلمسِه وسماعه، أو لمسه وشمِّه، ونظائر ذلك، مما يجتمع فيه أمران مشكوك في كل واحد منهما؛ فيكون لدينا يقينيات لا يقينية واحدة! إلى غير ذلك من اللوازم الباطلة.

 

وديكارت بهدمِه حصونَ الضروريات بمعاول الشك، يشبِه من يَعمِدُ إلى ناطحات سحاب وقصور وحيطان.. فيهدمها حجرًا حجرًا؛ ليبنيَها من جديد؛ لأنه شك أن ما يراه سرابٌ لا حقيقة له، فأراد أن يتحقق بهدمها وبنائها من جديد، فهل بعد هذا السَّفهِ من سَفَهٍ؟! ثم هل سيهدمها من جديد إذا طرأ عليها شك آخر، لا سيما وأنها أصبحت مبنية بملاط نظري، وليس بملاط ضروري، فالشك فيها أيسر؟ فكيف إذا كان بناء الضروريات من جديد تفنى دونه الأعمار، ولو وجد الوقت فقد لا يستطيع بناء كثيرٍ منها، بل لن يستطيع أن يقرِّر وجود نفسه من خلال يقينية التفكير وحدها؛ إذ لا بد من إثبات يقينية أخرى، وهي أن التفكير يحتاج إلى مُفَكِّر حتى تستقيم مقُولتُه، ثم إن من القواعد العقلية الجلية أن الظن المرجوح لا يقوى على إسقاط الظن الراجح، فكيف يقوى الشكُّ على إسقاط اليقينيات؟ وقد ذمَّ الله مَن يترك اليقين ويتبع الظنون، فقال تعالى: ﴿ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24]، وبراهين بطلان شكِّه وفساد مقولته كثيرة جدًّا لا يتسع المقام لاستقصائها هنا، ويظهر أنه وأمثاله من الشكوكيين لجؤوا إلى الشك في الضروريات؛ لأنهم وجدوا بعض ما ظنوه ضروريًّا صار وهميًّا، فقاسوا سائر الضروريات عليها، كمن يمتهن فَتْلَ الحبال فلدغته حية، فخاف مِن كل حبل يراه، وتعطلت أعماله بذلك!

 

ولو أنهم إذا ساوَرهم شكٌّ في حصون الضروريات عَمَدُوا إلى التأكد من سلامتها، واختبار صحتها بدل أن يَعمِدُوا إلى هدمها كالسفهاء المجانين لَمَا كان هذا حالَهم.

 

فصل

ومِن أفسدِ الأقيسة وأقبحها أن يُسَاوى بين ما عُلِم بطلانه بالضرورة وما عُلِم أنه حق بالضرورة، أو العكس؛ كقياس الملاحدة الخالقَ على المعدومات والممتنعات، أو قياس المشركين أصنامَهم برب العالمين؛ كقولهم في نار الجحيم - كما في القرآن الكريم - : ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 97، 98]، وكقول كفار قريش: (تعبدُ آلهتَنا سنةً، ونعبدُ إلهك سنةً)، وكقياس المعاصرين دِينَ الإسلام على دِينِ النصارى، أو قياس المساجد على الكنائس والبِيَعِ والمشاهد، ونظائر ذلك، وأصل ذلك أن يقال: لا يخلو: إمِّا أن يُقِرَّ الإنسانُ بوجود الرب أو لا يقر؟ وعدم الإقرار باطل؛ لأن الملاحدة ليس معهم سوى زعم عدم الدليل، وعدم الدليل ليس عِلمًا بالعدم، وغايتهم الجهل، فلم يبقَ سوى الإقرار به، فكيف ودلائل وجوده سبحانه وتعالى الضرورية كثيرة جدًّا - فطرية واضطرارية وتواترية وحسية وعقلية وقدَرية وشرعية - يطول بسطها؟، ومن أقْربِها أن يقال: وجود المخلوقات والمحدَثات يدل ضرورة على وجود المُحدِث خالق الأرض والسموات، كما أن الكتابات تدل على كاتب، والبنايات تدل على بانٍ، والثياب المُفَصَّلة تدل على خائط، والمُقرُّون بالرب: إما مشركون في الربوبية أو موحِّدون؟، وهما ضدانِ لا يجتمعان، وبُطلان الشرك معلوم بالضرورة؛ لأن وجود أكثرَ من ربٍّ يدل على عجزِ كل واحد منهما عن التصرف في الآخر، والعجز ممتنع عن الرب ضرورة، فلم يبقَ سوى التوحيد، وإذا تقرر هذا، فإن العلم بالخالق المالك الآمِرِ القادر المدبر يستلزم ألا يُعبَد غيره، ولا يُدعى سواه، ولا يُشكر الشكر المطلق إلا هو، ولا يُخاف الخوف المطلق إلا هو؛ فإن هذا هو العدل والميزان؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]، والعدلُ: وضعُ الشيء في موضعه، ومَن وضع العبادة والشكر والدعاء في غير موضعه فقد أتى بأعظم الظلم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، وقال: ﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254]، وهذه أمورٌ ضرورية جلية، والنصارى خالَفوا الأوليات الحسابية، فزعموا أن الآلهة ثلاث - الله وعيسى وروح القدس - ثم زعموا أن الإله واحدٌ لا يتبعض!، وهذا تناقض يضحك منه الصبيان! وخالَفوا ضرورة الفطرة والعقل بأن الرب - جل وعلا - كاملٌ بذاتِه وصفاته وأفعاله، ومَن كان كاملاً بنفسه لم يحتَجْ إلى غيره ليكمُلَ به؛ مِن ولدٍ يُعِينه، وصاحبةٍ يقضي وطَرَه منها، وزعم هؤلاء أن الرب خرج من فَرْجِ امرأة مخلوقة، ثم مشى في الأسواق كما يمشون، وأكل الطعام كما يأكلون، وتغوَّط كما يتغوطون، ومات مصلوبًا مقتولاً كما يموتون!

 

ثم تعجَّب مِن تنزيههم لقساوستهم عن الصاحبة والولد!، وغير ذلك من البواطل التي يُعلم فسادُها بالضرورة.

 

فصل

ومن الأقيسة الفاسدة: جعلُ المعتقدات على درجة واحدة، تحت شعارات مجملة، وعبارات مزخرفة؛ كالمساواة، والمواطنة، والتعدد، وقَبول الرأي الآخر، وكلٌّ يعتقد صحةَ دِينه ومذهبه، ومن لوازم ذلك: محاربة حد الردة، ونفي قتال الطلَب، وتولية الكافر، والرضا بالديمقراطية، ونظائر ذلك.

 

ومبنى شبهتِهم هذه على تساوي العقائد، وأن اللهَ لم يبيِّنِ الاعتقادَ الصائب من الفاسد، ولم ينصِبْ للحق براهينَ ضرورية، ودلائل جلية، وهؤلاء لا يخلو:

1- إما أن يساووا بين ما عُلِم أنه حق ضرورةً بما عُلِم أنه باطلٌ ضرورة، فيكون من جنسِ ما سبَق بيانه في الفصل السابق.

 

2- وإما أن يساووا بين ما عُلِم أنه حق بالنظر والاستدلال بما عُلِم أنه باطل بالنظر والاستدلال؛ كمن يساوي في العدد بين سكان مصر وسكان إيران، أو يساوي في القيمة بين الريال السعودي والدولار الأمريكي، أو يساوي بين من يحرِّم العِينةَ ولحوم الحُمُر الأهلية ونكاح المحلِّل ونظائر ذلك مما ثبتت حرمتها بالنظر والدليل، ومن يحرِّم المسح على الجوارب، وصلاة العصر بعد مصير ظل كل شيء مثله، والجمع بين الظهرين وبين العشاءين، ونظائر ذلك مما عُلِم جوازها بالنظر والاستدلال، فقياس هذا على هذا ظُلم بيِّن.

 

3- وإما أن يساووا بين اليقينيات أو بين المظنونات أو بين المشكوكات ونظائر ذلك، بأن يفعل مع كل واحدة ما يفعل مع نظيراتها، فهذا عين القياس، بشرط أن يكون صاحبها أهلاً لذلك إن كانت في دقائقِ علم معين، فلا عبرة بقول جاهل في الطب يُرَجِّح رأي فريق من الأطباء على رأي آخرين، ولا بترجيح جاهل في الهندسة، ولا بترجيح جاهل في الفلَك، ولا بترجيح جاهل في الشريعة من باب أَولى، ومنهم من يورِد شبهةً، مُفادها: أن رأيَ الفقيه إما أن يكون هو رأي الشرع أو غيره، وليس هو رأي الشرع، فهو إذًا رأي غيره، وحينئذ فرأي الفقيه كرأي غيره من المسلمين، ومثل هذا الكلام لا يقبل في سائر الدنيويات، فكيف بالشرعيات؟ فقولهم: الفقيه: جنس يتناول كل فقيه، فقد يكون رأيهم محل إجماع، فهو حجة قاطعة، وإن كان في مسائل النزاع في العلميات، فقد يكون أحد القولين فيه دليل صحيح صريح، فهذا نجزم بأن رأي الفقيه هو الشرع، وقد يكون من المسائل الاجتهادية التي يسُوغ فيها الاجتهاد للفقهاء، فهذا وإن لم نجزم بأن رأي الفقيه المعين هو الشرع، لكن رأيه أقرب من غيره من العوام في الشريعة، كما أن رأي الطبيب المعين أقرب من غيره من العوام في الطب، فكيف وقد حذَّرنا الله من القول عليه بغير علم، ومِن اتخاذ الجهال رؤوسًا؟

 

وفي الجملة: فهؤلاء القائسون لا يقبلون مخالفة الضروريات في شؤونهم الدنيوية بحجة قبول الرأي، فلا يقبلون بمدرس رياضيات ينكر الجمع والطرح والضرب والقسمة، وأن الواحد مع الواحد يساوي اثنين، ولا بمدرس فَلَك ينكر وجود الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار، ولا بمدرس فيزياء ينكر أن النار سببٌ للإحراق، والماء سبب للإغراق، وأن في الأرض جاذبية، أو أن الحديد يتمدد بالحرارة، ولا بمدرس كيمياء ينكر عناصر الطبيعة؛ كعنصر الحديد والذهب والفضة والصوديوم والفلزات، ونظائر ذلك.

 

ومن ينادي ببناء كنائس في بلدان المسلمين بحجة أنهم سمحوا لنا ببناءِ مساجدَ في بلدانهم يشبه دولة كافرة قَبِلَت أدويةً نافعةً لا شكَّ في نفعها من دولةٍ مسلمة، فصنعت تلك الدولةُ الكافرة دواءً فاسدًا بالضرورة، وطالبت الدولة الإسلامية بقبول دوائها كما قَبِلَت هي الدواء!

 

فصل

ومن الأقيسة الفاسدة قياس المتصوفة ونظرائهم الخالقَ على المخلوق في اتخاذ الوسائط من أولياءَ وصالحين، أو جن وشياطين، ويقولون: كما أن ملوك الدنيا يحتاجون إلى وسائط فكذلك ملِك الملوك يحتاج إلى وسائط، وهذا قياس في غاية البطلان؛ لأنه قياس في مقابلة نص الملِك المانع من اتخاذ وسائط، ولأن ملوك الدنيا محتاجون عاجزون، والأولياء لم ينالوا الولاية بالاستشفاع بأولياء آخرين؛ إذ يلزم منه التسلسل الممتنع، وإنما نالوها بعبادة الله مباشرة، وقد دلَّت النصوص الشرعية على أن الميتَ ينقطع عمله إلا من ثلاث، وليس منها الشفاعة لغيره، ودل الحسُّ على أنه ينقطع تصرُّفه عن بدَنِه، فكيف ينفع غيرَه مَن لا يستطيع نفعَ نفسه؟، ولو قُدِّر صحة قياسهم، فينبغي أن يكون الشفعاء أحياءً غير أموات؛ كشفعاء ملوك الدنيا، وأن المستشفِع إنما يلجأ للشفاعة عند ردِّ ملِك الدنيا له، أو عدم قدرته على الوصول إليه والطلب منه، ويلزمهم ألا يلجؤوا للشفعاء إلا عند رد الله لهم، أو عدم قدرتهم لطلب الشفاعة منه، وزعم ذلك يحتاج إلى دليل، وأن يكون الشفعاء معيَّنين معروفين مأذونًا لهم عرفًا أو لفظًا، ولا يعلم ذلك عن أكثر الأولياء إلا بالظن، وأن ملوك الدنيا قد يردون بعض الشفعاء، ويلزمهم أن ملِك الملوك قد يرد بعض مَن يستشفعون بهم فيخسر المستشفعون!، وأن يكون المشفوع له يمكن قَبول الشفاعة فيه، ولو اشترط ملِك الدنيا أن يُطلَبَ منه الغرضُ مباشرة دون شفيع، ومَن استشفع بغيره عاقَبَه، كان هذا القياس أوجَهَ، وغير ذلك.

 

وفي الجملة: لن يستطيع مَن يدعو أحمد البدوي أو السيدة نفيسة أو زينب أو غيرهم، ويطوف بقبورهم: الردَّ على كفار قريش الذين عبدوا الأصنام لِتُقَرِّبَهم إلى الله زلفى؛ لأن كلاًّ من الفريقينِ يدعون ميتًا لا يملِك نفعًا ولا ضرًّا، وليس عندهم دليل صحيح صريح على أن ما يدعونه ويستغيثونه هو واسطة الله الذي أذِن له بالشفاعة وهو ميت!

 

فصل

والديمقراطية هي بنت المساواة، كما قال منظروها، وهي تُستعمل في تشريع الأحكام، وتولية الحكام.

 

فإن مَن استعمل الديمقراطية في تشريع الأحكام، وقال: إنه لا يجب الإلزام بشيء من شريعة الله تعالى مع القدرة على ذلك، فلا يجب على المسلمين إلزامُ الفسَّاق بالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر فروض الشريعة، ولا يجب على المسلمين معاقبة مَن زنى مِن المسلمين، أو سرَق، أو ارتد، أو عقَّ والديه، أو قتل، وغير ذلك، حتى لو وجدت القدرة إذا لم يوافق الأغلبية - فهذا كفرٌ باتفاق المسلمين؛ إذ أنكروا واجب الإلزام بأي شيء من فروض الشريعة المعلوم وجوبه من الإسلام بالضرورة، وقد تتابَع المسلمون بجميع طوائفهم قرونًا طويلة على وجوبِ معاقبة مَن ترك فروض الشريعة، فأجمعوا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأَطْرِ الفسَّاق على الحق أَطْرًا، والنصوص في هذا مشهورةٌ متواترة، وأجمعوا على قتال الطلب لتكونَ كلمة الله هي العليا؛ قال الله تعالى: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29]، فعلَّق وجوب قتالهم على امتناعهم عن الإيمان وملحقاتِه، وامتناعِهم عن إعطاء الجزية، فإن آمنوا أو أعطَوُا الجزية لم يحلَّ قتالهم، وهؤلاء يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله باتفاق المسلمين؛ كموافقةِ غالبية الشعب مسلمين وكافرين، أو يشترطون بداءتهم لنا بالقتال، ونظائر ذلك مما ليس في كتاب ولا سنة، ولا إجماع ولا قياس، وقال الله: ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 191]؛ فقد غايَرت الآية بين القتال عند المسجد الحرام والقتال عند غيره، فإذا كان القتال عند المسجد الحرام قتالَ دفعٍ، لم يبقَ القتال عند غيره إلا قتالَ طلب، وهذا بيِّن، وهو مقتضى العدل والقياس؛ إذ دفعُ الظُّلم البيِّن - كالكفرِ بالله تعالى - وجعلُ الباطل سافلاً، ونشر الحق البيِّن الضروري كالإيمان بالله وجعله عاليًا: واجبٌ باتفاقِ العقلاء.

 

أو يقال: إن الكفرَ عدوان على الخالق، وهو أعظمُ من العدوان على المخلوقين، فإذا كان العدوانُ على المخلوقين موجبًا للقتال، فالعدوان على الخالق موجبٌ للقتال من باب أَولى.

 

وأما استعمالُ الديمقراطية في تولية الحكَّام، ففيها تسويغ للأحزاب العلمانية والبدعية بإظهار برامجها الكُفْرية من غير ضرورة، والبدعية من غير حاجة، وفيها مقامرة سياسية (والقِمار لا يباح إلا للمصلحة الراجحة)، وفيها مشاركةُ الكافرين في القرارات السيادية، صوتية كانت أو فعلية، وفيها تفتيتٌ لِلُحْمةِ المجتمع المسلم، ونظائر ذلك، وقياسُها على ما فعله الصحابة - رضي الله عنه - بعد عمرَ بن الخطاب قياسٌ مع الفارق، وهو حجةٌ عليهم؛ إذ فيه ترشيح ستة أَكْفاءٍ للولاية من غير تصويت، وأَجْرَوُا التصويت من غير أحزاب، ولم تكن هناك مقامرة سياسية؛ إذ أي واحد من الخليفتين - عثمان وعلي - لو ترشَّح كان حقيقًا بها، وإنما يصحُّ القياس لو كان المتنافسون كلهم صالحين أَكْفاءَ أمناء، ثم أُجرِي التصويت بينهم من غير إنشاء أحزاب، لكان هذا قياسًا صحيحًا.

 

فصل

وقد ذهب هؤلاء إلى قياس المرتدين على الكافرين إذا أسلموا، وهذا من أقبحِ الأقيسة؛ إذ المرتدُّ عن الإسلام قد ترك حقًّا معلومًا بالضرورة، فيجب معاقبته باتفاق المسلمين، والداخل في الإسلام تَرَكَ باطلاً معلومًا بالضرورة، يجب عليه تركُه باتفاق المسلمين، فكيف يقاس هذا على هذا؟! وعادةً ما يستدلون بقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29]، وهذه الآية حجَّة عليهم؛ إذ هي خرَجت مخرج التهديد والوعيد، ثم يقال: إن المشيئة هنا لا تخلو: إما أن تكون مشيئةً قدريةً أو مشيئةً شرعيةً!

 

فإن كانت مشيئةً قدرية لم يكُنْ فيها حجة، نظير الأقدار الكونية من إخباره عن إفساد بني إسرائيل في الأرض مرتين، وإخباره بأنه سيحصل اتِّباع لسُنَن اليهود والنصارى، وذكره أن أكثرَ مَن في الأرض كافرون، ونظائر ذلك، وهي محرمة منهيٌّ عنها باتفاق المسلمين!

 

فإن كانت مشيئة شرعية، فهذا يدل على إباحة الكفر، نظير قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الوضوء من لحم الغنم: ((إن شئت))، وعليه لا عقابَ على مَن ارتكب الكفر في الدنيا والآخرة، كما أنه لا عقاب على مَن لم يتوضأ من لحم الغنم في الدنيا والآخرة، وهذا باطلٌ بالضرورة.

 

فصل

ومن الأقيسة الفاسدة: قياسُ الأوامر الشرعية على الأوامر القدرية، أو العكس؛ فجمعوا بين ما فرَّقت بينه الشريعة، فغَلَتْ أكثر الصوفية وأكثر الأشعرية في القدريات، وقاسوا عليها الشرعيات، ونفَوُا المُسبِّبات، وجعلوا القدريات في ذاتها محبوبات، فقالت غلاة الصوفية والجهمية بالجبر، وقاربهم الأشاعرة في حقيقة الأمر، فقدَحوا في الحكمة بغلوِّهم في القدَر، وبإزاء هؤلاء: القدريةُ الذين غلَوْا في الشرعيات، وقاسوا عليها القدريات، ونفَوْا سلطان الله على أفعال البريات، فقدحوا في ربوبية خالقِ الأرض والسموات، وأهلُ السنة وسَطٌ في هذا الباب، فوافقوا كل مذهب في الصواب، فأثبتوا للعبد مشيئة واختيارًا؛ تنزيهًا لله عن الظلم، وهي تحت مشيئة الله وقدره واختياره؛ تنزيهًا لربوبية الخالق من الهضم؛ قال تعالى: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 28، 29].

 

فصل

ومن الأقيسةِ الفاسدة: قياس الأرواح على الأجسام؛ فأنكروا تَلَبُّسَ الجن بالإنس قياسًا على استحالةِ اجتماع جسمين في مكان واحد، وأنكروا صعود الرُّوح إلى السماء مع تعلقها بالبدن قياسًا على استحالة وجود جسم واحد في مكانين، ونظائر ذلك، وهذه أقيسة فاسدة؛ إذ هي قياسٌ بين شيئين مختلفين؛ فالرُّوح لها أحوالٌ تختلف عن الأجسام، وقد وردت آثارٌ كثيرة تدلُّ على أن رُوحَ النائم تصعَد إلى السماء وتلتقي بأرواح الموتى؛ كما نُقِل ذلك عن عمرَ، وعليٍّ، وأبي الدرداء، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم، وهي لم تفارق بدنَ النائم فِراقًا تامًّا؛ إذ لو فارقته مات؛ فهي ليست كالأجسام التي إن انتقلت من مكان إلى آخر شَغَرَ المكان الأول، وقد ثبت أن أرواح الأنبياء في السموات، وهي متعلقة بأجسادهم في القبور، وصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الأقصى، ورآهم في السموات العلا، وأرواح الشهداء في حواصل الطير في الجنة، وهي متعلقة بأجسادهم، ويُشرَع السلام عليهم في قبورهم، وهذا جبريل له ستُّمائة جَناحٍ، ملأ ما بين السماء والأرض، ولم يرَه غيرُ النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، ثم يأتيه بصورة بشرٍ لا يتجاوز طوله المترين، وغير ذلك من أحوال الأرواح النورية أو النارية أو الحيوانية التي يطول بسطُها، فكيف تُقاسُ الأرواح على الأجسام قياسًا مطلقًا؟ وتقرير ذلك يطول.

 

وقد دلَّ الكتاب والسنَّة وإجماع الأمَّة على تلبُّس الجن بالإنس، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة: 275]، ففيها أن آكِلَ الربا يقوم من قبره كما يقوم مَن تلبَّس به الشيطانُ، ولو كان التلبُّس ممتنعًا في الدنيا لكان التشبيه خاطئًا كما لا يخفى.

 

ومنهم مَن يعترض بعدم وجود الدليل العقلي على تلبُّس الجن بالإنس، وهذا باطل؛ لأن عدم العلم ليس عِلمًا بالعدم، ولأن عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول، فليس معهم دليل حسي أو عقلي أو سمعي ينفي التلبُّس أو التعلُّق، أو كون الرُّوح في مكانين سوى قياس مع الفارق، فكيف إذا كان الدليل السمعي والحسي يشهدان بحصول ذلك في الجملة؟!

 

وكثير ممن يشنع عليهم في هذا الزمان هو أحق بالتشنيع، وأَولى بالتبديع؛ إذ هؤلاء يقبَلون في الفيزياء الكمومية بالبروتون الذي يكون في مكانين في نفس الوقت، والبروتون ليس جسمًا - أي: ثلاثي الأبعاد - باصطلاح الفلاسفة الأولين، وإنما جُسيمٌ كما يسميه أكثر الفيزيائيين، فإذا كان بعض الموجودات التي تَمكَّن الإنسان من متابعتها يكون في مكانين كالبروتون، فلا عجب أن يخبرنا الوحي بأن الرُّوح يمكن أن تنتقل وتصعد وتنزل ولا يشغَر منها المكان الأول، وهي أكمل من الأجسام والجُسيمات!

 

فصل

ومِن الأقيسة الفاسدة: قياس (غلاة التكفير) الكفرَ الأصغرَ على الكفر الأكبر، أو حالةَ الاضطرار على حالة الاختيار، أو حالة الضَّعف والعجز على حالة القدرة والتمكين، أو الملك على الخلافة، أو قياس الجاهل على العالم، أو المتأول على غير المتأول، أو المكفِّرات الخفيات على المكفرات الجليات البينات، أو تغليب سوء الظن على حُسن الظن، أو قياس الإمكان الذهني لبلوغ الحجة على الإمكان الخارجي، أو قياس الإمكان الخارجي البعيد على الإمكان القريب، مع أن الأحوطَ عدمُ تكفير المعين إلا بعد القطع بعِلمه بالحكم من غير تأويل، أو قياس جهالة المسلم ببعض أصول الدِّين على الكافرين الأصليين، أو قياس الجاسوس المسلم على المقاتل مع الكافرين على المسلمين، ونظائر ذلك مما جمعوا فيه بين ما فرَّقت بينه الشريعة العادلة؛ إذ عذَر النبي صلى الله عليه وسلم النجاشيَّ - حاكم البلاد - في إخفاء دِينه، وترك الكفر والصلبان والكنائس وصلصلة أجراسها تدوي، وترك أخذ الجزية، وغير ذلك مما فعله مضطرًّا لا مختارًا، ومات في السنة التاسعة فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخرج مسلمٌ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أذِن لمُحمَّد بن مَسلَمَةَ أن يقول فيه كلامًا - أي: ذمًّا - للمصلحة، ولم يستفصل هل يقوله تعريضًا أو كذبًا للمصلحة؟، والإجمال في مقام الاحتمال الظاهر ينزل منزلة العموم في المقال، فقال محمدٌ لكعب الأشراف: (إنَّ هذا الرَّجُلَ قد أرادَ صَدَقةً، وقد عنَّانا)، فقال كعبٌ عنده: (وأيضًا واللهِ لَتَمَلُّنَّهُ)، ولم ينكِرْ عليه، وقد ذكر بعضُ العلماء - كابن المناصف القرطبي - أن هذا كفرٌ ظاهرٌ.

 

ومتى ما وَجَد العالمُ احتمالًا بجهل المسلم الذي ارتكب المكفِّر، فإنه يعذِرُه في الدنيا، وهذا يختلف بحسَب الزمان والمكان والأشخاص، فما يخفى على شخص قد لا يخفى على غيره، وأهل البوادي وحُدَثاء العهد بالإسلام مظنَّةٌ للجهل بالبدهيات الإسلامية أكثرَ مِن غيرهم.

 

وأما قياس الجاسوس على المقاتِل فقياس مع الفارق؛ إذ هو قياسُ ما دلت النصوصُ والإجماع على أنه لا يكفُرُ: بالمقاتِل الذي لم يختلفِ السلفُ في كفره، والمتجسس مُرشِد، والمقاتل مباشر، والمباشر للقتل أعظمُ من المرشد إليه، وليست العبرة بحجم الضرر والخطر؛ إذ خطَر قطَّاع الطُّرق والحكَّام الظَلَمَة أكبرُ في كثير من الأحيان، ولا يكفُرون بذلك، وإنما العبرة بالعملِ الظاهر الذي يتنافى مع الإيمانِ الباطن.

 

فصل

ومِن الأقيسة الفاسدة: قياسُ مرجئة العصرِ العاصيَ المستكبرَ على العاصي المشتهي، وقد يُعلَم ذلك بقرائنَ وأحوال كما يعلم بالأقوال، وقياس حالة الاختيار على حالة الاضطرار، وحالة القدرة والتمكين على حالة العجز المهين، أو قياس المكفرات الجليات على المكفرات الخفيات، أو قياس المقاتل الذي لم يختلفِ السلفُ في كُفره على الجاسوس الذي حُكي الإجماعُ على أنه لا يكفُر، أو قياس النصيحة العامة - التي يقصد بها مصلحة عامة من الدعاء له، أو تأليف الناس حوله، أو حضه أو زجره أو ردع غيره، أو بيان الحق للناس - على النصيحة الخاصة - التي يقصد بها تقويم المنصوح وحده - في وجوب الإسرار بها، وما يلزَم مِن ذلك من تقديم حقوق ولاة المسلمين على النصيحة للدِّين، أو التفريق بين الظاهر والباطن في غير الإكراه والاضطرار، أو التفريق بين الحاكم والمحكوم في التبديع والإكفار، أو قياس الإنكار على المنكَرات علنًا على الدعوة إلى الخروج بالسلاح، وغير ذلك مما جمعوا فيه بين ما فرَّقت بينه الشريعة العادلة.

 

فصل

ومن الأقيسة الفاسدة: إيجاب حب الكافرين قياسًا على وجوب حُسن التعامل مع الكافرين غير الحربيين، أو إيجاب سوء التعامل معهم قياسًا على وجوب بُغضهم، أو قياس الألفاظ المقيَّدة على الألفاظ المطلَقة؛ كقياس مطلَق الإيمان على الإيمان المطلَق، أو جواز إطلاق لفظ العلم على العلوم الطبيعية؛ لورودها في لسان الشرع مقيَّدة، أو جواز إطلاق لفظ الأخوة على الكافرين؛ لورودها في لسان الشرع مقيَّدة بأخوة النسَب والعشيرة، ونظائر ذلك، وهذا الاستدلال لا يصحُّ؛ لأن المدلول أعمُّ من الدليل.

 

والتحقيق في الولاء والبراء هو أن بُغضَ الباطل وأهلِه شيء فطري وشرعي، كما أن حب الحق وأهله شيء فطري وشرعي، والمسلمون هم أهل الحق بالضرورة، والكافرون هم أهل الباطل بالضرورة؛ قال تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾ [آل عمران: 28]، ولفظ الكافرين وصفٌ مشتقٌّ مناسب لتعليق النهيِ عن موالاتهم، وقد اتفق المسلمون على ذلك، وما أكثَرَ مَن يضِل بسبب عدم فقه تعليق الأحكام على الأوصاف المشتقة المناسبة، وهي حجةٌ عند جمهور العلماء، وعليه لا ينبغي أن يقول أحدٌ: أنا أحب الكافر لشخصه، وأكرهه لكفره، فهذه لكنة وعيٌّ في الكلام، أما الكلام عن المعين منهم، فقد يُحَبُّ لقرابتِه أو معروفه، ويُبغَض لكفره، ولا منافاة بين الأمرين، وأما التعامل الحسَن مع غير الحربيين فليس من المولاة في شيء؛ لأن التعاملَ الحسَن لا يلزم منه محبةُ الكفر والكافرين.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • شرح المتن العقدي لزياد بن حمد العامر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • متن أبو شجاع بنظم شرف الدين العمريطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تعريف المتون وأقسامها(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • متن العقيدة الطحاوية - عقيدة أهل السنة والجماعة - للإمام الطحاوي المصري - قراءة الشيخ فهد الحمين(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تحفة الاعتقاد: متن مختصر في صحيح العقيدة وبيان ما يخالفها (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قراءة لمتن العقيدة السفارينية(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • قراءة لمتن العقيدة الطحاوية(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الترجمة الصحيحة للقاضي أبي شجاع أحمد بن الحسن الأصفهاني صاحب متن أبي شجاع (434 - بعد 500)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة متن المنار في أصول الفقه(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب