• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    كيف أكون سعيدة؟
    د. عالية حسن عمر العمودي
  •  
    أوقات إجابة الدعاء والذين يستجاب دعاؤهم
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    موجة الإلحاد الجديد: تحديات وحلول
    محمد ذيشان أحمد القاسمي
  •  
    الأسوة الحسنة ذو المكارم صلى الله عليه وسلم (كان ...
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    من عوفي فليحمد الله (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تخريج حديث: أخبر الناس أنه من استنجى برجيع أو عظم ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    كيف يمكن للشباب التكيف مع ضغوط الدراسة وتحديات ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: ذو الجلال ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الإلحاد والأساس الخرب
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (17)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    وما المفردون؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    وأقيموا الصلاة (خطبة)
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    خطبة: علموا أولادكم أهمية الصلاة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق المظلوم
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    من مائدة الصحابة: الزبير بن العوام رضي الله عنه
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

صفات الطائفة المنصورة

صفات الطائفة المنصورة
حامد شاكر العاني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/8/2014 ميلادي - 25/10/1435 هجري

الزيارات: 49869

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الطائفة المنصورة وصفاتها


لا بد لكل من آتاه الله عز وجل علماً أن يبحث في جميع الروايات التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوص هذه الطائفة، ولا بد من توخي الدقة العلمية، وإتباع سبيل السلف ونهجهم في البحث العلمي، وهذا من باب أولى تحاشياً من الوقوع في الخطأ، فقد اختلف المتأوُّلون في هذه الطائفة، فمنهم من ذهب إلى أن دعاة العقيدة هم الطائفة المنصورة أو الناجية، ومنهم من أوَّلها بالغرباء، ومنهم من قال أنها تتمثل بالمجاهدين والمرابطين على الثغور.. إلى غير ذلك - وكلهم على هدى وخير -، ولكن لابد من عرض أقوالهم وتأويلاتهم حول المقصود بالطائفة المنصورة، وعرض جميع الروايات، والبحث في دقائق ألفاظها ومعانيها.

 

لهذا رأيت من الضروري أن أتتبع أقوال العلماء في شأن هذه الطائفة حرصاً مني للوصول إلى الهدف الذي من أجله أفردت هذه الدراسة.

 

وقد وقع الاختيار على رواية الإمام أحمد [1]، لننطلق من خلالها في معرفة أوجه الاستنباط والمقارنة مع بقية الروايات التي خصت هذه الطائفة، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظاهِرِينَ، لِعَدُوَّهِمْ قَاهِرِينَ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ - إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ - حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ الله وَهُمْ كَذلِكَ)) قالوا يا رسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قالَ: ((بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ)) [2].

 

ففي هذا الحديث إخبار منه صلى الله عليه وسلم أن الأمة الإسلامية باقية ببقاء السموات والأرض ولن تُعْدَمَ من وجود جماعة من المسلمين تتصف بمجموعة من الأوصاف، حتى يتحقق حكم الله على أيدي واحدة منها، بعد أن تتسع رقعتها وتتوحد كلمتها، وهذا لا محالة سيكون بإذن الله تعالى، ويمكن إجمال هذه الصفات بالآتي:

أولاً: الالتزام بشريعة الإسلام: كما في رواية معاوية رضي الله عنه، بقيام تلك الطائفة بأمر الله، ويعني القيام على أصل الدين وأركانه، وهذا لا يكون إلاَّ في بعض الأمة وليس جميعها.

 

قال السندي: (الطائفة: الجماعة من الناس، والتنكير للتقليل، أوالتعظيم لِعظم قدرهم ووفور فضلهم، ويحتمل التكثير أيضاً فإنهم وإن قلوا فهم الكثيرون، فإن الواحد لا يساويه الألف، بل هم الناس كلهم)[3].

 

وهذه الجماعة أو الطائفة تجتمع وتأتلف على منهج واحد، وهذا الذي يفهم من لفظ (عصابة) كما في رواية جابر بن سمرة، وهو التعصب لمنهج واحد وهو الحق.

 

وهذا المعنى الدقيق في قوله صلى الله عليه وسلم ((عِصَابَة)) يؤكده قوله صلى الله عليه وسلم بعده ((عَلَى الْحَقِّ))، أو ((عَلَى أَمْرِ اللهِ)).

 

يعني اجتماعهم على منهج الإسلام الوسطي المعتدل الخالي من التشدد والغلو والتنطع، والذي يجمع ولا يفرق ويوحد ولا يمزق، ويصدق على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾[4]، وبهذا يخرج من مراد الآية طائفة الخوارج الذين أوغلوا في قتل المسلمين وتكفيرهم واستحلوا دمائهم وأموالهم وأعراضهم وذراريهم، فهم بذلك مبتدعون خرجوا على الدين، وعلى خيار المسلمين، وسيأتي تبيان صفة هذه الطائفة الخارجة في معرض الأمور التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ستقع ووقعت فعلاً.

 

أما نوع الحق الذي تتمسك به هذه الجماعة، أو الطائفة، هو دين الإسلام بكل جزئياته وتفاصيله من أصول وفروع.

 

قال السندي: (أي بأمره، أي شريعته ودينه وترويج سنة نبيه، أو بالجهاد مع الكفار)[5].

 

فرواية أبي هريرة، ومعاوية رضي الله عنهما بلفظ: ((عَلَى أمْرِ اللهِ))[6]، إذ فسرت الحق ب (أمر الله)، قال تعالى: ﴿ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾[7]، وأمر الله: أمر الدين من الحلال والحرام وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ورواية أحمد من طريق أبي هريرة رضي الله عنه: ((عَلَى هَذَا الأَمْر))[8]، وطريق معاوية رضي الله عنه: ((وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الأمَّةُ مُسْتَقِيماً حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ))[9] قولاً واحداً، وهو ذاته بقاء أمرهم مستقيماً، والمستقيم طريق الحق الذي ليس فيه زيغ ولا ضلال، كما عليه في سورة الفاتحة: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ﴾ [10]. أي الذين أنعمت عليهم من النبيِّين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذه لا تكون إلاَّ في الأُمَّة القائمة على أمر الله عز وجل، وهذا الحق لا يمكن تجزئته تبعاً لتنوع ما يقوم به أفراد هذه الأمة من أمر هذا الدين في كل من فقه اختصاصه وعمل به في مصالح الأمة.

 

ثانياً: الاستمرار بقهر العدو: وذلك في كل صولة وجولة، سواء أكان ذلك معنوياً أم مادياً، حتى وإن أصاب هذه الفئة ضررٌ ولأواءٌ. أي أن جهادهم في قهر الأعداء مستمر وبشتى أنواعه، ولا يفهم بأن القهر يجب أن يكون بالقوة العسكرية فحسب إنما يتعدد ليشمل كل شيء، فالوسائل متعددة ومتنوعة، وهذا هو الحاصل اليوم بحمد لله وتوفيقه، فالأعداء في كيد مستمر لهذه الأمة بسبب خوفهم المستمر من عودتها.

 

وأما زمانهم ومكانهم: فالزمان: من بداية التشريع حتى يأتي أمر الله، والمكان: فهذه الرواية حددت المكان ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وقال معاذ رضي الله عنه: هم بالشام، وجاء في حديث: ((آخرُهُم ْ بِبيتِ المقْدِسِ))، وفي رواية سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه: ((.. وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤمِنينَ الشَّامُ))[11].

 

وقال ابن حجر: (قلت: ويمكن الجمع بين الأخبار بأن المراد قوم يكونون ببيت المقدس، وهي شامية، ويسقون بالدلو، وتكون لهم قوة في جهاد العدو وحدة، وجد)[12]، بينما تحدد رواية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بأهل الغرب[13]، وهذا تشريف من الله عز وجل للمكان، ومَنْ فيه من المسلمين، أما غيرها من الروايات فلم تحدد مكاناً معيناً، وهذا من منَّة الله سبحانه على عباده أن يحفظ لهم دينهم بتثبيت طائفة من المسلمين على دينه، ومنحها القوة الإيمانية، مما يجعلهم على الدوام ينافحون ويدفعون عن بيضة الإسلام مهما اشتدت الخطوب والمآسي.

 

ولكن هذا التقييد لا شرط أن يكون في أهل الشام لوجود روايات أخرى لم تحدد الجهة كما قلنا سابقاً.

 

وأما تخصيص أهل الشام، فيعود لما يجري على واقع المسلمين في فلسطين من المحن والفتن التي لم تحصل لغيرهم، فقد مر على أهل الشام حوادث قد ذكرها التاريخ، فقتال المغول الوثنيين، وهجمات الصليبيين، وجهاد المسلمين لليهود الذي لا يزال مستمراً، ثم ما سيكون من قتال الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، وما يحدث عليهم اليوم، كل ذلك سبباً في تحديد المكان، والله أعلم في حصول المزية لهم من حيث العموم، ثم جاء الحديث ليؤكد تلك المزية في أوصاف مخصوصة بعينها.

 

ثالثاً: عدم التأثر بخلاف المخالفين، ولا بإرجاف المرجفين: فماهيتها: أنها لا تتأثر بخلاف المخالفين، فقد أختلف أهل العلم في تحديد صفة هذه الطائفة، فالإمام البخاري سماها بأهل العلم، ومستنده بذلك قول معاوية رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: ((مَنْ يُرِدْ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّين، وَإنَّمَا أنَا قَاسِمٌ واللهُ َيُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يأْتِيَ أَمْرُ اللهِ))[14].

 

ويؤيد ذلك قول الكرماني (رحمه الله) في شرحه لصحيح البخاري: (فإن قلت: ليس في الباب ما يدل على أنهم أهل العلم على ما ترجم عليه، قلت: نعم فيه، إذ من جملة الاستقامة أن يكون فيهم الفقيه والمتفقه، ولابد منه لترتبط الأخبار المذكورة بعضها بالبعض)[15].

 

أما الإمام الترمذي (رحمه الله) فقد قال: قال محمد بن إسماعيل البخاري قال: قال علي بن المديني: (هم أصحاب الحديث)[16].

 

وأما الإمام أحمد فيقول: (إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث، فلا أدري من هم)[17].

 

وقد علق على ذلك ابن حجر في فتح الباري بقوله: (وزعم بعض الشرّاح أنه استفاد ذلك من حديث معاوية، لأن فيه ((مَنْ يُرِدْ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ))، وهو غاية البعد)[18].

 

وقال القاضي عياض موضحاً مراد الإمام أحمد: (إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحديث)[19].

 

ويتضح من قول القاضي عياض (رحمه الله) إنه يزيل الإشكال الحاصل في تخصيص أهل الحديث دون غيرهم.

 

وذهب السيوطي: إلى أنهم المجتهدون، فلا يخلو الزمان من مجتهد حتى تأتي أشراط الساعة الكبرى[20].

 

وعلق السدي على كلام السيوطي بقوله: (كأن السيوطي رحمه الله تعالى قصد بذلك التنبيه على صحة دعواه، فإنه رحمه الله كان يدعي الاجتهاد المطلق، وأهل عصره أنكروا، لكن كثيراً ممن جاء بعده سَلَّمَ له بذلك)[21].

 

وقال ابن تيمية: (بل هم الوسط في فرق الأمة. كما أن الأمة هي الوسط في الأمم، فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة، وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية، وفي باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج)[22].

 

وأما الإمام النووي فقد قال معمماً القول: (قلت ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض)[23].

 

(إن الخير سيستمر في هذه الأمة، وأنها لا تخلو من قائم لله بالحجة، ومن ناصر للحق، مستمسك به، حتى تقوم الساعة، وأن هذه الطائفة المنصورة باقية حتى يأتي أمر الله، وإن أصابها من لأواء وأذى، يؤكد هذا ما رواه أبو مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ أَجَارَكُمْ مِنْ ثَلاثِ خِلالٍ، أَلاَّ يَدْعُوَ عَلَيْكُمْ نَبيُّكُمْ فَتَهلَكُوا جَمِيعاً، وَأَلاَّ يَظْهَرَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ، وَأَلاَّ تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلالَةٍ))[24].

 

وما ذهب إليه الإمام النووي (رحمه الله) في أن هذه الطائفة المنصورة مفرقة بين أنواع المؤمنين الصادقين هو المعيار -والله أعلم - الذي يمكن اعتماده في فهم الطائفة من مجموع الروايات، ولا يمكن تخصيصها بنوع واحد كما تقدم، فهذا يجاهد أعداء الله ويذب عن حمى الإسلام، وهذا مُحَّدِّث يذب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يقرأ القرآن ويقرؤه ويعلمه آناء الليل وأطراف النهار، وهذا زاهد يجاهد نفسه ويسعى لتطهيرها من أدران الدنيا، وذاك قائم بأمر الحسبة،... الخ.

 

وكل هؤلاء وغيرهم يشكلون الطائفة المنصورة، ولابد لهذه الأصناف من التفقه في الدين كي يكون عملها موافقاً لما جاء به الكتاب والسنة، أما حصرها بمسميات معينة محددة، فهذا لا ينبغي، إذ لا يستقيم أمر الأمة، ولا يحصل لها الثبات، ولا النصر، ولا الاستخلاف إلاَّ مع الفقه في عموم الدين، كلٌ بحسبه، ومن كمال الفقه في الدين رسوخ الإيمان مع العلم والعمل، فالعلم والعمل بلا إيمان وصدق، فهو محض نفاق، وضعف الإيمان لا يكون معه ثبات عند خذلان الناس، وعلم بلا عمل وجوده وعدمه سواء، بل لا يكون نصر ولا غيره بلا عمل، وهذا كله شامل لكل أنواع الخير التي ذكرها الإمام النووي، إذ الفقه في الدين ليس خاصاً بعلم الفقه الذي هو العلم بالفروع، فالأمة بحاجة إلى طبيب مسلم، ومهندس مسلم، وعالم ذرة مسلم، وزراعي مسلم، وصناعي مسلم، وسياسي مسلم، واقتصادي مسلم.. وهكذا، حتى تكتمل الدائرة، ويكون للمسلمين دور في صناعة الحياة أو تحكيمه ليتحقق الخير والعدل، ومن أحسن من دين الله ديناً.

 

رابعاً: ثباتهم على ذلك حتى تنتهي آجالهم، أو يأتيهم أمر الله عز وجل:

يعني ثباتهم على الحق في مواجهة المحن والفتن والشدائد مهما كان نوعها وشكلها، فلا يؤثر في نفوسهم ما يفعله الكفار والمنافقون والمرجفون والمخذِّلون، ولا يضرهم خلاف من خالفهم، فهم ثابتون راسخون كرسوخ الجبال الراسيات، ولا يخافون في الله عز وجل لومة لائم، لا يخافون إلاَّ الله، بل يزيدهم بالله يقيناً وإصراراً على المواجهة مهما كلف ذلك، فهم في فداء دائم لا ينقطع ولا يفتر، ويبقى حالهم كذلك حتى تنتهي آجالهم، أو يأتي أمر الله، وأمر الله: ريح طيبة لينة، كريح المسك تقبض أرواح المؤمنين، كما في رواية عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللهِ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ))، فقال عبدالله: أَجَلْ، ثُمَّ يَبعَثُ اللهُ رِيحاً كَرِيحِ الْمِسْكِ، مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ، فَلا تَتْرُكُ نَفْساً فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ الإِيمَانِ إِلاَّ قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ))[25]، قال الإمام النووي: (أنهم لا يزالون على الحق حتى تقبضهم هذه الريح اللينة قُرب يوم القيامة وعند تظاهر أشراطها، فأطلق في هذا الحديث بقاءهم إلى قيام الساعة على أشراطها ودنوها المتناهي في القرب، والله أعلم)[26].

 

وقال ابن حجر: (المراد بأمر الله: هبوب تلك الريح، وأن المراد بقيام الساعة: ساعتهم)[27].

 

فيكون ترتيب الحوادث كالآتي: قتال الدجال هو آخر قتال فاصل بين الإسلام والكفر، ثم ينتهي بموت يأجوج ومأجوج طغيان الباطل وظهوره، ثم ظهور عالمي للإسلام، ثم يأتي أمر الله وهو الريح الطيبة، ثم تقوم الساعة على شرار الخلق، والله أعلم.

 

• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ))، وفي رواية ((وَأَمَّكُمْ))، ورواية أخرى ((فَأَمَّكُمْ مِنْكُمْ))، فقلت لابن أبي ذئب: إن الأوزاعي حدثنا عن الزهري، عن نافع، عن أبي هريرة ((وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ))، قال ابن أبي ذئب: (تدري ما أمَّكم منكم؟)، قلت: تخبرني، قال: (فأمَّكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم)[28].

 

وهذا الحديث واضح المعنى والدلالة على أن عيسى عليه السلام سيكون حاكماً بين يدي الساعة بكتاب الله عز وجل وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم صلى الله عليه وسلم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد))[29].

 

قال النووي معلقاً عليه: (((حكماً)) أي ينزل حاكماً بهذه الشريعة، لا ينزل نبياً برسالة مستقلة وشريعة ناسخة بل هو حاكم من حكام هذه الأمة، والمقسط العادل)[30].

 

ودلالة الحديث على أنه في آخر الزمان يكون هذا وبين يدي الساعة، ولكن لابد من تهيئة تدريجية، وظهور أسباب، وبشارات عودة، وأرضية إسلامية، ومقدمات، فعبارة ((ليوشكن أن ينزل فيكم))، وكذلك دلالة الحديث المتقدم ((كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ))، وقد أجزل بعضاً من هذه المقدمات نذكر منها[31]:

أ‌- ظهور الصحوات الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها وعلى أشكال متعددة، مما أقلق أعداء الإسلام فاضطرهم إلى الحملات العسكرية بدعوى القضاء على الإرهاب المفتعل، ليكون لهم ذريعة في غزوها كما حدث للعراق وأفغانستان.

 

ب‌- انهيار الأنظمة الشمولية الواحدة تلو الأخرى، وخصوصاً الشيوعية التي زعمت يوماً بأنها ستغزو العالم، وترث الأديان، ولكن شاء الله أن تنهار وينهار معها نظامها، فبدأ السقوط بالاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية وانتهاء بألبانيا.

 

• عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ زَوَى ليَ الأرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنَ: الأحْمَرَ وَالأَبْيَضَ وَإنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَنْ لا يُهْلِكُهَا بِسَنَةٍ بِعَامَةٍ، وأَنْ لا يُسَلِطُ عَلَيهَا عَدُواً مِنْ سُوى أَنْفُسِهُمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَأَنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُ وَإِنَّي أُعْطِيتُ لأُمَّتِكَ أنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَةٍ وأَنْ لا أُسَلِطُ عَلَيهَا عَدُواً مِنْ سُوى أَنْفُسِهُمْ يَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهِمْ، أَوْ قَالَ مِنْ بَينِ أَقْطَارهَا حَتى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَهْلِكُ بَعْضاً وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضاً))[32].

 

قال الإمام النووي: (أي لا أهلكهم بقحط يعمهم بل إن وقع قحط فيكون في ناحية يسيرة بالنسبة إلى باقي الإسلام فلله الحمد والشكر على جميع نعمه)[33].

 

وقال الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ: (قوله ((فيستبيح بيضتهم)) قال الجوهري: بيضة كل الشيء حوزته، وبيضة القوم ساحتهم، وعلى هذا فيكون معنى الحديث: أن الله تعالى لا يسلط على كافة المسلمين حتى يستبيح جميع ما حازوه من البلاد والأرض، ولو اجتمع عليهم من بأقطار الأرض وهي جوانبها، وقيل: بيضتهم معظمهم وجماعتهم، وإن قلوا)[34].

 

• عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا أَمْرَ دِينِهَا))[35]، وأورد ابن جرير عن أبي منبه الخولاني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته))[36]، وأخرج البيهقي: قال أحمد بن حنبل: إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبراً قلت فيها بقول الشافعي، لأنه ذكر في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقيض في رأس كل مائة سنة من يُعَلِّم الناس السنن، وينفي عن النبي صلى الله عليه وسلم الكذب، فنظرنا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي[37].

 

قال ابن كثير: (وقد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث، والظاهر والله أعلم: أنه يعم حملة العلم من كل طائفة، وكل صنف من أصناف العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء ونحاة ولغويين.. إلى غير ذلك من الأصناف)[38].

 

وقال ابن حجر في الفتح: (ونظير ما نبه عليه ما حمل عليه بعض الأئمة حديث أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكرنا في الطائفة وهو متجه فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد إلاَّ أن يدعي ذلك في عمر بن عبدالعزيز)[39].

 

(وكلمة ((مَنْ)) في الحديث تشمل (المفرد)، كما قالوا عن عمر بن عبدالعزيز، والشافعي، والغزالي، كما تشمل الجمع، كما ذهب إليه بعض الشرَّاح، وهو ما نختاره، فقد يكون المجدد جماعة دعوية أو تربوية أو جهادية)[40].

 

ولو تتبعنا التاريخ لوجدنا أن الله عز وجل قد جدد هذا الدين بكثير ممن ظهروا، سواء أكانوا علماء أم فقهاء أم قادة أم دعاة أم مصلحين، وجدده أيضاً بجماعات إسلامية كثيرة ظهرت على مر الدهور وكر العصور، حملت هذا الدين ونافحت عنه حتى سقط الكثير من أتباعها شهداء في سبيل الله وهم ينافحون عن بيضة الإسلام.

 

• عن نافع بن عتبة أَنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ، فَيَفْتَحَهَا اللهُ، ثُمَّ فَارِسَ، فَيَفْتَحَهَا اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ، فَيَفْتَحَهَا اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَالَ، فَيَفْتَحَهُ اللهُ))، قال نافع: يا جابر: لا نرى الدجال يخرج حتى تُفتح الروم[41].

 

فهذا التتابع في الغزوات ابتداءً من غزوة جزيرة العرب، وحتى ظهور الدجال وقتله، لدليل لا يقبل الشك عن بقاء الإسلام حياً لن يموت حتى وإن أصابه ضعف ووهن ولأواء، وأنه سيبقى في عطاء متجدد رغم كل العاديات والصواعق.

 

وإني لأجزم أن الأعداء أدركوا ذلك ومنذ قيام الإسلام، وقد ملئت عقولهم حنقاً وحقداً عليه، فهم مشغولون بتدميره سراً وجهراً وعلى مختلف الأصعدة فكرياً وعسكرياً وأخلاقياً، ولكنهم - بحمد الله ومنّه - لم يبلغوا ولن يبلغوا هدفهم مهما حاولوا، فهم في كل مرة يغيرون عليه بوسائل جديدة أكثر تفنناً وفتكاً وقوة، فتخيب آمالهم ومكائدهم وخططهم رغم ما يلحقونه بالمسلمين من أذى وهلاك، ولكنه أذىً وقتياً وسرعان ما يشتد عودهم من جديد وتظهر صحوتهم، وهكذا يستمر الكر والفر حتى يأتي وعد الله وهم صاغرون مخذولون مغلوبون، كيف لا وهذا دينه سبحانه، فهو الذي يهيئ لانتصاره أسباب النصر والفوز.

 

• عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ - يعني أَمْرَ الإسْلامِ - مَا بَلَغَ الليلُ والنَّهَارُ وَلا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ هَذّا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذِلِ ذَلِيلٍ، عِزِّاً يَعُزُّ اللهُ بِهِ الإسْلامَ، وَذِلاً يَذُلُ اللهٌ بِهِ الْكُفْرَ))، وفي رواية المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ كَلِمَةَ الإسْلامِ بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذِلِ ذَلِيلٍ))[42]، ومعنى بلوغه ما بلغ الليل والنهار: انتشاره في الأرض كلها، حيث يبلغ الليل والنهار، ودخول هذا الدين الحواضر والبوادي، وإنما ذكر المدر- أي من الحجر - وذكر الوبر- أي الشعر- وهي بيوت البوادي.

 

لهذا كله، فإن رسالة الإسلام ستبلغ الآفاق بوسائل الأعداء المتعددة وبالآلة التي صنعوها وقد بلغت، فدخول مئات الأوربيين والأمريكيين وغيرهم الإسلام خير شاهد نحتج به على ذلك.

 

يقول الدكتور عبدالودود شلبي: (لقد تنبأ المفكر البريطاني برنادشو عن انتشار الإسلام في المائة القادمة، بحيث تجد الحضارة الغريبة نفسها مضطرة إلى معايشته وتقبله)[43].

 

ويقول الدكتور عبدالرشيد: (ودخول مئات الألوف من الناس في أوربا وأمريكا في الإسلام من المبشرات، فالكثرة الغالبة من المثقفين: أطباء ومهندسين وعلماء، ولا نقول: إن أحوال الأمة الإسلامية قد اجتذبتهم إلى الإسلام، فهذه الأحوال أجدر أن تنفرهم وتبعدهم، إنما الذي اجتذبهم هو الإسلام ذاته بما فيه من نصاعة الحق) [44].

 

• عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي: يقول: ((يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً))، فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَقَالَ أَبي: إِنَّهُ قَالَ: ((كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ))، وفي رواية أبي داود ((لا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِماً حَتَّى يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ))، وفي رواية أخرى ((لا تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ مُسْتَقِيماً أمْرُهَا حَتَّى يَمْضيَ مِنْهُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ))، قالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: ((ثُمَّ يَكُونُ الْهَرَجُ)).

 

قال ابن كثير: (ليس المراد من هؤلاء الاثني عشر الذين تتابعت ولايتهم سرداً إلى أثناء دولة بني أمية، لأن حديث سُفينة ((الْخَلافَةُ بَعْدِي ثَلاثُونَ سَنَةٍ)) (أخرجه أبو داود، والترمذي)[45]، وقال الترمذي: حديث حسن يمنع من هذا المسلك، وأن البيهقي قد رجحه، وقد بحثنا معه في كتاب دلائل النبوة من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته، ولله الحمد، ولكن هؤلاء الأئمة الاثنا عشر، وجد منهم الأئمة الأربعة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وابنه الحسن بن علي أيضاً، ومنهم عمر بن عبد العزيز، كما هو عند كثير من الأئمة وجمهور الأمة، ولله الحمد، وكذلك وجد منهم طائفة من بني العباس، وسيوجد بقيتهم فيما يستقبل من الزمان، حتى يكون منهم المهدي المبشر في الأحاديث الواردة فيه)[46]. فهذا التعبير الوافي والحيوي يغني عن الاستزادة في الشرح والله أعلم.

 

• قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء إن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضَّاً، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة))، ثم سكت[47].

 

(والملك العاض، وفي رواية ((العضوض)) هو الذي يصيب الناس فيه عسف وظلم كأنه له أنياباً تعض، أما ملك الجبرية: فهو القائم على الجبروت والطغيان، أشبه بالحكم العسكري المستبد في عصرنا، فهذا الحديث يبشر بانقشاع عهود الاستبداد والظلم والطغيان، وعودة الخلافة الراشدة المتبعة لمنهاج النبوة في إقامة العدل والشورى، ورعاية حدود الله وحقوق العباد).



[1] المجلة الأحمدية: شرح حديث (( لا تزال طائفة من أمتي.....))، إبراهيم عبدالله سلقيني، ص: 13، (بتصرف).

[2] سبق تخريجه.

[3] ينظر: شرح سنن ابن ماجه للسندي: 1/7، المقدمة: باب إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (6).

[4] البقرة: 143.

[5] شرح سنن ابن ماجة: 1/7 المقدمة، باب إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[6] صحيح البخاري: 1/313 في كتاب العلم: باب من برد الله به خيراً يفقهه في الدين، برقم (71)، سنن ابن ماجه: 1/28 المقدمة: باب إتباع النبي صلى الله عليه وسلم برقم (7).

[7] التوبة: 48.

[8] مسند أحمد 2/321، في مسند أبي هريرة من باقي مسند الشاميين برقم (8075).

[9] صحيح البخاري: 17/123 في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا تزال طائفة... )) برقم (7312).

[10] الفاتحة: 6 و7.

[11] سنن النسائي: 6/215 برقم (3561).

[12] ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري: 17/126.

[13] صحيح مسلم: 7/77 برقم (1925).

[14] سبق تخريجه.

[15] صحيح البخاري بشرح الكرماني: 25/58.

[16] سنن الترمذي: 6/432 برقم (2192).

[17] ينظر: معرفة علوم الحديث: الحاكم: ص 3.

[18] ينظر: فتح الباري: 17/124.

[19] ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم: 6/350.

[20] ينظر: الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج: 2/780.

[21] ينظر: شرح سنن ابن ماجه للسندي: 1/7، المقدمة.

[22] ينظر: شرح العقيدة الواسطية: 124. والجهمية: نسبة إلى الجهم بن صفوان، الذين غلوا وأفرطوا في التنزيه حتى نفوا أسماء الله وصفاته حذراً من التشبيه بزعمهم وبذلك سموا معطلة، لأنهم عطلوا الله من أسمائه وصفاته. وأهل التمثيل المشبهة: سموا بذلك لأنهم غلوا وأفرطوا في إثبات الصفات حتى شبهوا الله بخلقه ومثلوا صفاته بصفاتهم. والجبرية: نسبة إلى الجبر، لأنهم يقولون: إن العبد مجبور على فعله، فهم غلوا في إثبات أفعال الله حتى نفوا أفعال العباد وزعموا أنهم لا يفعلون شيئاً وإنما الله هو الفاعل والعبد مجبور على فعله، فحركاته وأفعاله كلها اضطرارية كحركات المرتعش، وإضافة الفعل إلى العبد مجاز. والقدرية: نسبة إلى القـدر، وهؤلاء غلوا في إثبات أفعال العباد، فقالوا: إن العبد يخلق فعل نفسه بدون مشيئة الله وإرادته، فأفعال العباد لا تدخل تحت مشيئة الله وإرادته، فالله لم يقدرها ولم يردها، وإنما فعلوها هم استقلالاَ. والمرجئة: نسبة إلى الإرجاء وهو التأخير، سموا بهذا الاسم، لأنهم أخروا الأعمال عن مسمى الإيمان حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة غير فاسق، وقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فعندهم أن مرتكب الكبيرة كامل الإيمان غير معرض للوعيد، فهم تساهلوا في الحكم على العاصي وأفرطوا في التساهل حتى زعموا أن المعاصي لا تنقص الإيمان ولا يحكم على مرتكب الكبيرة بالفسق، لأن الإيمان عندهم هو تصديق القلب فقط. والوعيدية: هؤلاء قالوا بإنفاذ الوعيد على العاصي وشددوا في ذلك حتى قالوا: إن مرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب فهو مخلد في النار، وحكموا بخروجه من الإيمان في الدنيا. والحرورية: هم الخوارج سموا بذلك نسبة إلى حروري قرية بالعراق اجتمعوا فيها حين خرجوا على علي رضي الله عنه. والمعتزلة: هم أتباع واصل بن عطاء الذي اعتزل مجلس الإمام حسن البصري رحمه الله، وانحاز إليه أتباعه بسبب خلاف وقع بينهما في حكم مرتكب الكبيرة من المسلمين، فقال الحسن رحمه الله عن واصل هذا: إنه قد اعتزلنا، فسموا معتزلة. فمذهب الخوارج والمعتزلة في حكم مرتكب الكبيرة من المسلمين مذهب متشدد حيث حكموا عليه بالخروج من الإسلام، ثم قال المعتزلة: إنه ليس بمسلم ولا كافر، بل هو بالمنزلة بين المنزلتين، وقال الخوارج: إنه كافر وأنه إذا مات فإنه خالد في النار، على خلاف الخوارج والمعتزلة في حكم مرتكب الكبيرة من المسلمين فقد حكموا عليه بالخروج من الإسلام. والرافضة: سموا بذلك، لأنهم قالوا لزيد بن علي بن الحسين تبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر، فأبى وقال معاذ الله فرفضوه فسموا بالرافضة، ومذهبهم أنهم غلوا في علي رضي الله عنه وأهل البيت وفضلوهم على غيرهم ونصبوا العداوة للخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ولبقية الصحابة فلعنوهم وربما كفروهم، أو كفروا بعضهم.

[23] ينظر: شرح صحيح مسلم: 7/77 المقدمة.

[24] المبشرات: 44، والحديث في سنن أبي داود: 2/500 برقم (4253) قال عنه الشيخ الألباني: ضعيف لكن الجملة الثالثة صحيحة.

[25] صحيح مسلم: 7/76، كتاب الإمارة: باب قوله صلى الله عليه وسلم: (( لا تزال طائفة.. )) برقم (1924).

[26] شرح صحيح مسلم للنووي: 1/409.

[27] فتح الباري شرح صحيح البخاري: 17/125.

[28] صحيح البخاري: 3/1273 برقم (3265)، صحيح مسلم: 1/135 برقم 244 و 245 و246 - (155).

[29] شرح صحيح مسلم للنووي: 2/549، والحديث رواه مسلم برقم 242-(155).

[30] المصدر نفسه.

[31] ينظر: المبشرات ص 156.

[32] صحيح مسلم: 4/2215 برقم 19- (2889)، سنن أبي داود: 2/499 برقم (4252)، سنن الترمذي: 4/ 472 برقم (2176)، مسند أحمد: 4/123 برقم (17156) وغيرهم. ومعنى زوى: جمع.

[33] شرح صحيح مسلم: 18/231.

[34] ينظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص 231.

[35] سنن أبي داود: 4/ 512 برقم (4291) وصححه الشيخ الألباني برقم (601).

[36] سنن ابن ماجه: 1/5 برقم (18) قال عنه الشيخ الألباني: حسن.

[37] انظر: الدر المنثور: 1/768، السلسة الصحيحة: 2/148.

[38] النهاية في الفتن والملاحم: 1/27.

[39] ينظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 12/295.

[40] المبشرات: 45.

[41] صحيح مسلم: 4/2225 برقم 38-(2900)، مسند أحمد: 1/178 برقم (1541)، صحيح ابن حبان: 15/61 برقم (6672)، المعجم الأوسط: 4/93 برقم (3691).

[42] مسند أحمد: 4/103 برقم (16998) علق عليه شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، صحيح ابن حبان: 15/91 برقم (66699)، المستدرك للحاكم: 4/476 برقم (8324) علق عليه الذهبي: صحيح على شرط البخاري ومسلم.

[43] إجابات حاسمة إلى الأخت الفرنسية المسلمة ص 11.

[44] لماذا اعتنقنا الإسلام ديناً ص 12 - المقدمة.

[45] صحيح مسلم: 3/1452 برقم 5- (1821)، سنن الترمذي: 4/503 برقم (2226)، صحيح ابن حبان: 15/392 برقم (6943)، المعجم الكبير: 3/24 برقم (136)، ولفظ أبي داود في سننه: 2/622 برقم (4646) ((خلافة النبوة ثلاثون سنة)).

[46] النهاية في الفتن والملاحم: 1/16. ولينتبه القارئ الكريم إلى أن المهدي الذي ذكر في كتب أهل السنة والجماعة ليس هو المهدي الذي ذكر في كتب الشيعة الاثني عشرية.

[47] مسند أحمد: 4/273 برقم (18430) قال شعيب الارنؤوط: إسناده حسن، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 5/189 رواه أحمد والبزار أتم منه، والطبراني ببعضه في الأوسط، ورجاله ثقات.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • في انتظار الطائفة المنصورة
  • دور المماليك في معركة المنصورة
  • الطائفة المنصورة
  • الطائفة الظاهرة أو الطائفة المنصورة

مختارات من الشبكة

  • توحيد الأسماء والصفات واشتماله على توحيد الربوبية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إفراد أحاديث أسماء الله وصفاته - غير صفات الأفعال - في الكتب والسنة (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • العظمة صفة من صفات الله(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • من أجل أوصاف الطائفة المنصورة أنهم ظاهرون على الحق(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • الفرقة الناجية والطائفة المنصورة (س/ج)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أقسام صفات الله عز وجل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة (الجزء الثاني) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة (الجزء الأول) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وجوب لزوم مذهب السلف وهم الفرقة الناجية المنصورة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلمة في المؤتمر السنوي العاشر للإعجاز العلمي بجامعة المنصورة 2018(مادة مرئية - موقع د. محمد السقا عيد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/12/1446هـ - الساعة: 15:8
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب