• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / أخلاق ودعوة
علامة باركود

الدعوة بالحكمة

الدعوة بالحكمة
د. أمين الدميري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/7/2014 ميلادي - 18/9/1435 هجري

الزيارات: 25874

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التدرج من الحكمة الدعوية

الدعوة بالحكمة


إن البخار إذا ظل بخارًا كما هو، فقد لا يمكن الاستفادة به؛ لأنه طاقة مبدَّدة، ومادة مبعثرة.

 

أما إذا تمكَّنا من تكثيفِ هذا البخار على سطح بارد نظيف، فيجتمع لنا الماء عذبًا طهورًا، فحينئذٍ يمكن الانتفاع به، ويكون الماء مباركًا بحولِ الله تعالى وتوفيقه.

 

ولهذا ومن هنا، فسوف أجعل هذا المبحث يدور - أو أدور فيه - حول قوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].

 

وبادئ ذي بَدْء، فإن الدعوة أمرُ تكليفٍ من الله - عز وجل - لكل مسلم حسب إمكاناته ومكانته، فعليه أن يدعوَ نفسه ويأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر، كما عليه أن يدعوَ غيره.

 

والدعوة من هذا المنطلق إنما هي عبادة لله عز وجل، وهي من أسمَى وأجلِّ العبادات وأنفعها، ويعود هذا النفع على الداعي والمدعوِّ على السواء، بل يعود النفع الأكبر على الداعي نفسه؛ ولأن الدعوة عبادة فيشترط فيها ما يشترط لكل عبادة، وأهم ذلك في المقام الأول:

الإخلاص لله - عز وجل - والمتابعة؛ أي: الاتباع لما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

والدعوة سبيلُ النبي صلى الله عليه وسلم لمَن أراد أن يقتديَ به ويستَنَّ بسنته، كما أنها - أي الدعوة - ترتكز على علم وفهم وبصيرة، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].

 

والدعوة إنما تكون إلى "سبيل ربك" الذي ربَّاك وأسبغ عليك نعمَه ظاهرةً وباطنةً، فالدعوة كعملٍ يُؤدِّيه العبد إنما هي في حقيقتها شكرٌ وعرفان للرب المُنعِم المتفضِّل، وهذا يعني:

1- أن المُوفِّق للدعوة والمُعِين عليها هو الله تعالى وحدَه.

 

2- ألا يستكثر العبد ما يبذلُه من عمل أو طاعة، ولا يمن على الله، فالعبد الموفَّق هو الذي يشعر دائمًا بالعجز والتقصير، ويعترف به، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ﴾ [المدثر: 6].

 

3- أن يُفنِي الداعي عمره وجهده، وما أُوتِي من طاقات وإمكانات في الدعوة إلى الله؛ لإعلاء كلمة الله عز وجل.

 

4- ألا ينتظر من وراء دعوته أجرًا دنيويًّا، أو جزاءً ماديًّا، أو مقابلاً من أحدٍ إلا من الله تعالى وحده.

 

5- أن يصبر ويتحمل مشاقَّ الدعوة لله تعالى؛ لقوله - عز وجل -: ﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ [المدثر: 7]، وقوله تعالى: ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ [لقمان: 17].

 

6- ألا يتلقَّى أوامر أو تعليمات إلا من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يطيع مَن أطاع الله ورسوله؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].

 

الآية الكريمة تشتمل على أمرين:

الأول: ﴿ ادْعُ ﴾: خطاب من اللهِ تعالى، وأمر مستمر إلى قيام الساعة.

الثاني: ﴿ وَجَادِلْهُمْ ﴾؛ أي: وجادل مَن اعترضك بالحسنى، (وهناك استثناء).

 

وإن حرف "الباء" في الآية الكريمة، في قوله تعالى ﴿ بِالْحِكْمَةِ ﴾ يدل على أمرين حسب ما جاء في المعجم[1]:

الأول: إلصاق الفعل بالمفعول به.

الثاني: الاستعانة.

 

ومن هنا تتبيَّن العَلاقة القوية، والرابطة العضوية بين الدعوة والحكمة، فالدعوة لا تكون إلا بالحكمة، ولا تُفِيد الدعوة ولا تؤتي ثمرتها إلا إذا كانت الحكمة ملازمةً لها وعلى أساسها، فهي عَلاقة غير منفكَّة، كما أن الداعي عليه أن يلتزم بالحكمة، ويستعين بها في منهجه وأسلوب دعوته.

 

وعلى هذا، فالحكمة هي الإطار العامُّ الذي يُحِيط بالعمل الدعوي من كل جوانبه، ومن هنا كانت الحكمةُ هي الزادَ الأول، والأساس الأول في طريقة الدعوة؛ حيث امتلأ بها صدر النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة عصيبة من مراحل الدعوة، وتحوُّل مهم له أهميته في خط سير الدعوة، وكانت هذه المرحلة هي التي حدث فيها الإسراء والمعراج.

 

خرَّج البخاري ومسلم: كان أبو ذرٍّ يُحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فُرِجَ عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل، ففرَج صدري ثم غسَله بماء زمزم، ثم جاء بطَسْتٍ من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانًا فأفرغه في صدري ثم أطبقه))[2].

 

فكان ذلك بمثابةِ إعداد وتهيئة للمهمة، بل المهمات والتكليفات القادمة؛ حيث ستبدأُ مرحلةُ التكاليف الشرعية، وأولها فرض الصلاة.

 

كذلك فكانت معجزة الإسراء والمعراج بمثابة تحويل القيادة إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو من نسل إسماعيل، بعد سلبها من بني إسرائيل، وتسلَّم النبي صلى الله عليه وسلم القيادة في هذه الليلة، وصلى بالأنبياء تشريفًا له وتكريمًا لرسالته الخاتمة.

 

ومن أجل ذلك كانت عملية التجهيز والإعداد الإلهي لصاحب الرسالة بملء صدره حكمةً، وهذه الحكمة نزل بها جبريل من عند الله تعالى الحكيم، فكان نطقه صلى الله عليه وسلم حكمةً، وأفعاله حكمة، ومنهجه حكمة، ودعوته بالحكمة؛ لنعلم أن الداعي لا بد أن يتصف بالحكمة ويدعو بالحكمة، وبيان ذلك ما يلي:

1- الحكمة في الدعوة: وتتجلَّى مظاهر الحكمة في ثلاثة جوانب:

الأول: الحكمة في المناهج الدعوية.

الثاني: الحكمة في الأساليب الدعوية.

الثالث: الحكمة في الوسائل الدعوية.

 

أولاً: الحكمة في المناهج الدعوية

التعريف بكلمة منهج[3]:

والحقيقة أنه منهج أحادي المصدر، فهو منهج رباني بالدرجة الأولى؛ لأنه مستمَدٌّ من كتاب الله تعالى ومن سنة رسول الله صلى الله عيه وسلم وسيرته، فحينما نضع منهجًا للدعوة، ونُحدِّد معالِمَه ليصبح واقعًا عمليًّا، فيجب مراعاة ما يلي:

أولاً: ترتيب الأولويات:

ويتمثل ذلك فيما يلي:

تقديم الأهم على المهم، كأن يُقدِّم أمور العقائد على غيرها من العبادات، وتقديم الفروض على المندوبات والنوافل، والمحرَّمات على المكروهات، والمصالح العامة على المصالح الخاصة عند التعارض، ويقدم الضروريات على الحاجيات والتحسينات[4].

 

كذلك تقديم أولويات العلم قبل العمل، وأولوية الفهم على مجرَّد الحفظ، (وإنما كان العلم مُقدَّمًا على العمل؛ لأنه هو الذي يُميِّز الحق من الباطل في الاعتقادات، والصواب من الخطأ في المقولات، والمسنونَ من المبتدَع في العبادات، والصحيح من الخطأ في المقولات، والصحيح من الفاسد في المعاملات، والحلال من الحرام في التصرفات)[5].

 

وهناك أولوية المقاصد على الظواهر، فمن المعلوم أن للشارع الحكيم أهدافًا في كل ما شرع، أمرًا كان أو نهيًا، وكما تجلَّت حكمته سبحانه في عالَم الخلق، تجلَّت كذلك في عالَم الأمر، وكما قال أولو الألباب: ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ ﴾ [آل عمران: 191].

 

نقول في شرعه وأمره ونهيه: ربَّنا ما شرعت هذا إلا لحكمة، فالمطلوب هو الغوص في مقاصد الشريعة، ومعرفة أسرارها وعللها، وربط بعضها ببعض، ورد فروعها إلى أصولها، وعدم الاكتفاء بالوقوف على الظواهر.

 

ويقول الأستاذ الدكتور القرضاوي:

(وآفة كثير ممن اشتغلوا بعلم الدين أنهم طفوا على السطح، ولم ينزلوا إلى الأعماق؛ لأنهم لم يؤهَّلوا للسباحة فيها، والغوص في قرارها، والتقاط لآلئها، فشغلتهم الظواهر عن الأسرار والمقاصد، وعرَضوا دين الله وأحكام شريعته على عباده تفاريق متناثرة لا يجمعها جامع... فظهرت الشريعة على ألسنتهم وأقلامهم كأنها قاصرة عن تحقيق مصالح الخلق، وإنما القصور في أفهامهم...)[6].

 

أولوية الدراسة والتخطيط واختيار الأنسب، وأهمية ذلك قبل التنفيذ، فلا بد من وضع الخطة المناسبة، ويراعَى فيها أحوال المخاطَبين، وبيئة الدعوة، وطبيعة المرحلة، فقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته سرًّا، واستمرَّ على ذلك ثلاث سنين، وكانت السِّرية ضرورةً وحكمة؛ نظرًا لقلة العدد، وقوة المعاند، وفقد المُعِين، فحالة الضعف هذه فرضَت أن تكون الدعوة سرًّا، فالسرية هنا حكمة، وقد حكى الله - عز وجل - عن أهل الكهف: ﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 19، 20]، وقال تعالى في قصة نوح: ﴿ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴾ [نوح: 9].

 

ثم لَمَّا أسلم عمر رضي الله عنه استجابةً لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، تحوَّلت الدعوة من السر إلى العلانية، فكان من وراء ذلك حكمة، وكان التحوُّل في ذاته حكمة ولحكمة.

 

جاء في السيرة النبوية لابن هشام:

(وأسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان رجلاً ذا شكيمة لا يُرام وراء ظهره، امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبحمزة رضي الله عنه، حتى غلبوا قريشًا، وكان عبدالله بن مسعود يقول: ما كنا نقدِرُ على أن نُصلِّي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتَل قريشًا حتى صلَّيْنا معه)[7].

 

ثانيًا: المرحلية:

لقد أُوذِي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت الهجرة ضرورةً، فرارًا بالدين وهروبًا من الأذى، فكان ذلك من الحكمة، وكانت الهجرةُ في هذا الظرف وتلك الحالة حكمة، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً... ﴾ [النساء: 100]، وقال تعالى: ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ﴾ [العنكبوت: 56].

 

ثم كتب الله تعالى للإسلام أن تكون له دولة، وأمر الله تعالى المسلمين بنشر الدعوة في أرجاء الجزيرة، ثم في مشارق الأرض ومغاربِها، فكان فرضُ الجهاد لإزالة العوائق التي تقفُ في طريق الدعوة، بعد أن أصبح المسلمون قوَّةً ولهم دولة، بعد أن كانوا مستضعَفين، ومن هنا فإن الصبر في زمان الاستضعاف، وتحمل الأذى في سبيل الدعوة لحين استغلاظ نباتها واشتداد عودها، لهو حكمة، كما كان رد العدوان في مرحلة من مراحل الدعوة والاكتفاء بذلك حكمة، وكان البَدْء بقتال المشركين وإنهاء العهود المُبرَمة بين المسلمين وغيرهم في آخر مرحلة واستقرار الأمر على ذلك، هو عين الحكمة، بل حكمة الحكمة، قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ [التوبة: 5]، وكان هذا هو الحكم النهائي.

 

• غير أن الإسلام لا يحب القتل، بل يحاول دائمًا أن يتجنَّب المواجهة، ويتحاشى سفك الدماء، ويأمر بعدم تمني لقاء العدو، ويسعى دومًا إلى السلام والأمان في ظل حكم الإسلام، ولكن كما يقال: لكل مقام مقال، فالإسلام دين الرحمة، ونبيُّه رحمة، لكنه يجمع بين الشدة والرحمة؛ فللشدة مواقف، وللرحمة مواقف، إلا أن الرحمة هي الأصل الغالب، كذلك لما وصف الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].

 

وهو كذلك يدعو بالترغيب تارة، وبالترهيب أخرى، قال تعالى: ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 147]، وقال تعالى: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ [الحجر: 49، 50]، ويلاحظ تقديم الترغيب، وتغليب الرحمة، والحث على الرفق بديلاً عن العنف غالبًا.

 

وإذا كانت الحكمة تعني فيما تعني الإصابةَ ووضع كل شيء في موضعه، واختيار الأنسب ومراعاة الحال، فإن القول بأن الحكمة هي اللِّين والرفق وفقط، وقصر مفهوم الحكمة على هذا المعنى الضيق - ليس من الحكمة، وليس من العدل والإصابة، بل ويتنافَى مع المعنى الشامل والواسع للحكمة، فالحكمة في الدعوة تعني اختيار العمل المناسب في الظرف المناسب، وهذا يعني اختيار المنهج المناسب، وإعطاء الجرعات الدعوية المناسبة تبعًا للوقت وحال المدعوِّين، ومراعاة السن والمستوى العلمي، كما يجب دائمًا تحديد الداء الفكري، وأراه يتمثل في الفكر العلماني والماسوني، فلا بد من تعريتِه وفضحه، كما لا بد من نقده ونقضه، كما يجب علاج الخلل في أمور العقائد؛ كالاستعانة بغير الله، ودعاء غير الله، والتزلف إليهم، سواء كانوا أحياءً أو أمواتًا، مهما كانت مواقفهم ودرجاتهم، أو ظن الناس بهم.

 

إن تصحيح عقيدة الناس يمثل الأساس للبناء، وهذا ما فعَله النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ظلَّ يدعو الناسَ في مكة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإثبات وحدانية الله، وإثبات البعث والرسالة، ثم كان التشريعُ في المدينة بعد استقرار الإيمان في القلوب.

 

ولقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم أهلَه وعشيرتَه بالحكمة التي آتاه الله تعالى إياها، وتمثَّل ذلك في بَدْء الدعوة إلى التوحيد.

 

وتمثَّل كذلك في بَدْء الدعوة لأقربِ الناس إليه؛ ليكون الانطلاقُ من الداخل، والبَدْء بالأقربين، فكانوا سندَ الدعوة والداعي، ثم جمع بطونَ قريش ودعاهم وبلَّغهم، هذه هي الحكمة، فكان التحمُّل والصبر في المرحلة المكية حكمة؛ لأنها كانت تُمثِّل مرحلة التكوين؛ تكوين الجيل الفريد الذي قال الله تعالى فيه: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18]، وقال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].

 

ومن هنا أقول: قد تكون الشدة في موضعٍ ما من الحكمة، ويكون التعنيف أو الضرب في بعض الحالات هو الحكمة، وقد يكون الأفضل في حالات أخرى هو استعمال اللين والرِّفق، ويكون هو الفعل الأمثل.

 

وقد رأينا في قصة إبراهيم عليه السلام أنه بدأ بالرفق واللين مع أبيه وقومه، فكان ذلك - وفي هذه المرحلة - هو الحكمة، ولا ينفع ولا يفيد غير ذلك، ثم في موضع آخر خاطبهم بتهكُّم: ﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴾ [الصافات: 95]، وكان قد توعَّدهم أن يُحطِّم أصنامهم: ﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ [الأنبياء: 57]، ولقد أعطى اللهُ تعالى إبراهيم الحكمةَ ظاهرةً وملازمة لكل مرحلة من مراحل دعوته.

 

وقد يكون السكوتُ حكمةً، ولكن في لحظةٍ ما فإن التزام الصمت لا يُعَد حكمة، وشاهد ذلك مؤمن آل فرعون، لقد سكت طويلاً والتزم الصمت إزاء تهديدات فرعون ورعونته، ولكنه لما رأى فرعون يُهيِّئ الرأيَ العامَّ لقتل موسى - ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26] - عند ذلك خرج عن طور السكوت، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ [غافر: 28].

 

وهناك شاهد آخر، هو موقف أبي بكر رضي الله عنه، وقد حكاه ابن هشام في السيرة النبوية، حينما هَمَّت قريش بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر يدفع عنه، ويقول: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟!

 

يقول: "فبينما هم في ذلك، طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به، يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؟! لما كان يقول من عيب آلهتهم ودينهم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم...))، قال: فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه، قال: فقام أبو بكر رضي الله عنه دونه وهو يبكي ويقول: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟ ثم انصرفوا عنه، يقول عبدالله بن عمرو بن العاص: فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشًا نالوا منه قط"[8].

 

ومن هنا أقول: إنه لا بد من تحديدِ المراحل وتوصيفها؛ ليتسنَّى لنا وضع المنهج المناسب لكل مرحلة.

 

• تحديد المراحل وتوصيفها[9]:

ويمكن تحديد المراحل التي مرَّت بها الدعوة إلى ثلاث مراحل:

1- مرحلة التكوين.

2- مرحلة الاستضعاف.

3- مرحلة التمكين أو الاستخلاف.

 

ولكل مرحلةٍ من تلك المراحل طبيعةٌ خاصَّة، والتزامات معينة، نُوضِّحها فيما يلي:

1- مرحلة التكوين أو النشأة:

وفيها يكون المنهجُ منصبًّا على خطابِ القلوب وتربية الوجدان، وإرساءِ قاعدةٍ علمية شرعية واضحة محدَّدة المعالِم، وهو التأصيل الشرعي للحركة الدعوية؛ وذلك من أجلِ إعداد جيلٍ من الدُّعَاة يكونُ على مستوى المرحلة والأمانة المُلقَاة على عاتقِه، وهذا الجيل مستمرٌّ في أداء مهمَّتِه حتى يُسلِّمَها لجيل آخر، بمعنى أن يكونَ هناك جيل - أو صفٌّ أول، ثم صفٌّ ثانٍ - مُستعدٌّ، أو يُعَدُّ إعدادًا جيدًا لتحمل أمانة الدعوة، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد ربَّى جيلاً فريدًا قائدًا ورائدًا حمل أمانة الدعوة، ونشر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبِعه جيلٌ آخر هم التابعون بإحسان رضي الله عنهم أجمعين، فالهدف في هذه المرحلة هو التربية العقدية والأخلاقية والإيمانية.

 

• يقول صاحب كتاب "من مرتكزات الخطاب الدعوي":

(وفي مرحلة التكوين قد تنقلبُ الأهداف إلى وسائلَ، والوسائل إلى أهداف؛ إذ تُعنَى هذه المرحلةُ بالتعبئة والتربية والتوجيهِ والتعليم، ولا شكَّ أن المسلم يجبُ أن يَعِيَ دورَه في الجهاد الأبدي، الذي لا ينقطع ما دام الصراع بين الحق والباطل، وبين الإسلام والجاهلية، ولكن قد تُصِيبه الفترة، فيغيب مفهومُه وفقهه عن ذهن المسلم، ويضعُفُ تعلُّق قلبه به، فيخشى عند حالاتِ المواجهة القعودَ والتقاعُسَ والانصراف، فيكون لذلك من هدف الدعوة في هذه المرحلة التعبئة للجهاد، والدعوة إليه، بتكوين الروح المتطلِّعة للاستشهاد في سبيل الله)[10].

 

قلت: خصوصًا وأن الدعوة إلى السلام يُرَاد بها منا الاستسلام، كما أن الدعوة إلى التسامح يُراد بها تسامح المغلوب وتنازله عن حقه، وقبول الظلم والاعتداء، دون شجب أو اعتراض، وقد شرع الله تعالى حفظ الدين والأرض والعِرْض، وشرع حماية ذلك بالقوة.

 

ومن سمات هذه المرحلة الأخذ بمنهج التصفية والتربية؛ بمعنى:

1- تصفية العقيدة الإسلامية مما هو غريبٌ عنها؛ كأنواع الشرك، وجحد بعض الصفات الإلهية أو تعطيلها، واستبعاد الخرافاتِ، والتصوُّرات الخاطئة، والتأويلات البعيدة عن العقيدة الصافية.

 

2- تصفية وتنقية الفقهِ الإسلامي من الاجتهادات الخاطئة المخالفة للكتاب والسنة، وتحرير العقول من آصار التقليد، وظلمات التعصُّب.

 

3- تصفية كتب التفسير والحديث من الموضوعات والإسرائيليات ونحوها[11].

 

ثم بعد ذلك تربية الجيل الناشئ تربيةً إسلامية صحيحة منذ نعومة أظافره، وبيان عظمة الإسلام.

 

هذا، وقد كشفتِ الحضارةُ الغربية عن وجهِها القبيح، وظهَرت روحُ التعصُّب الأعمى والحقد الدَّفين في تلك الحرب الشرسة ضدَّ كلِّ ما هو إسلامي، والإسلام لا يعرِفُ التعصُّب، ولا يُحرِّض أتباعَه على بُغْضِ الآخرين، بل يُحِبُّ الخيرَ للبشر جميعًا، ويدعو إلى احترامِ حقوقِ الإنسان، كما لا يُكرِه أحدًا على اعتناقِ عقيدة الإسلام، فالإسلام دعوةٌ إلى الخير، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر؛ من أجل قيام مجتمعٍ طاهرٍ نظيف، تَسُودُه الألفةُ والمحبةُ وروحُ التعاون والمساواة، وهذه ليست شعاراتٍ جوفاءَ؛ وإنما هي حقائقُ أثبتها التاريخ، وشهِد بها العدو قبل الصديق.

 

2- مرحلة الاستضعاف:

وهذه المرحلة هي إحدى مراحل الدعوة المكية؛ حيث كان المسلمون قلَّة، وليست لهم مَنَعة، وقد نالوا من كفَّار قريشٍ الكثيرَ من الأذى؛ فقد كان التعذيب البدني، والحصار الاقتصادي، والاستهزاء والسخرية، ثم محاولة الإخراج من مكة، فكانتِ الهجرةُ إلى الحبشة، ومحاولة الهجرة إلى الطائف، ثم الهجرة إلى المدينة، يقول - عز وجل -: ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 76]، ويقول - عز وجل -: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].

 

وفي ظل هذا الاضطهاد، وتلك الظروف، يُرخَّص للمسلم أن يُخفِي إسلامه ويكتم إيمانه، كما له أن يأخذ بالرخص أو ببعضِها، بهدف ألا يُعرِّض نفسه للبلاء ما لا يُطِيق.

 

فالإسلام يراعي حالة المرحلة، ويعترف بالإكراه عذرًا وسببًا لارتكاب بعض التجاوزات، خصوصًا الظاهرة؛ كالتلفُّظ بكلمة الكفر، مع اطمئنان القلب بالإيمان بالله، قال تعالى: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النحل: 106].

 

والإكراهُ له درجاتٌ وله ضوابطُ:

يقول الرازي - رحمه الله تعالى -: (اعلَم أن للإكراه مراتبَ:

المرتبة الأولى: أن يجبَ الفعلُ المُكرَه عليه؛ مثل ما إذا أكرَهه على شرب الخمر وأكلِ الخنزير، فإذا أكرَهه بالسيفِ، فهنا يجب الأكل؛ وذلك لأن صونَ الروح عن الفوات واجب.

 

المرتبة الثانية: أن يصير ذلك الفعلُ مباحًا، ولا يصير واجبًا، ومثاله ما إذا أكرهه على التلفُّظ بكلمة الكفر، فهنا يباح له ويرخص، ولكنه لا يجب كما قرَّرنا.

 

المرتبة الثالثة: ألا يجبَ ولا يباح بل يحرُم، وهذا مثل ما إذا أكرَهه إنسان على قتل إنسان آخر، أو على قطع عضو من أعضائه، فههنا يبقى الفعل على الحرمة الأصلية)[12].

 

ولهذه المرحلة فقهٌ خاص، والدعوة في هذه المرحلة تحتاجُ إلى حكمةٍ لاختيار الأنسب والأمثل؛ بمعنى هل تكون الدعوةُ إلى الحكم النهائي أو الحكم المرحلي، وذلك حينما ندعو الناس مثلاً إلى تحريم الخمر والامتناع عنها، أو الاقتراب منها؛ حيث إن الخمر قد تم تحريمُها على عدة مراحل، أم تكون الدعوة إلى أصل التوحيد وإثبات الرسالة والبعث، ثم الإعلام بعد ذلك بتكاليف الإسلام، وكيف يكون التدرُّج في التطبيق والتنزيل على الواقع؟

 

في حديث معاذ رضي الله عنه حينما بعَثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمين قال له: ((إنك تأتى قومًا أهل كتاب...))[13]، فهذا بيانٌ من النبي صلى الله عليه وسلم، وتعريف ببيئة الدعوة، إنها بيئة شركٍ وتثليث، فكان لا بد من معالجة هذا النوع من الشرك بالدعوة إلى التوحيد، ونلاحظ قولَه صلى الله عليه وسلم: ((فادعُهم))، فالدعوة إنما تكون إلى التوحيد، وموضوع الدعوة هو العقيدة الصحيحة، فإذا استجاب الناسُ إلى الإيمان بالله ربًّا وإلهًا معبودًا، فإنما يكون السمع والطاعة والانقياد لتكاليف الإسلام؛ ولهذا كان قوله صلى الله عليه وسلم بعد قوله: ((فادعهم))، هو: ((فأعْلِمْهم))؛ أي: بعد قبولهم التوحيدَ.

 

ومن هنا، فإن معرفة بيئة الدعوة وطبيعية المرحلة هي التي ستُحدِّد المنهج المناسب والأسلوب الأمثل للدعوة.

 

والقضية الآن؛ هي:

التدرُّج في العودة إلى الأحكام القرآنية:

وتحت هذا العنوان تحدَّث الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - في حوارٍ له أو مدارَسة مع الأستاذ عمر عبيد حسنة - المشرف على إعداد وتحرير "كتاب الأمة"، سُجِّلت في كتاب "كيف نتعامل مع القرآن؟" - ونظرًا لأهمية هذا الكلام الذي صدر عن فضيلة الشيخ محمد الغزالي في آخرِ عهده بالدنيا وبالدعوة؛ حيث قال - رحمه الله - في التمهيد لهذا الكتاب - حينما أهاب به الأستاذ عمر عبيد حسنة بالكتابة في هذا الموضوع -:

(قلتُ له وأنا محزون: إنني في هذه الأيام أعجز عن الكتابة، وما عراني من مرض قيد حَراكي الأدبي والمادي)[14].

 

والرجل - رحمه الله - عاش يحمل همومَ الدعوة، وكأنه يحمل مصائب الأمة على ظهره وحدَه، وكان يُحزِنُه ويُؤلِمه حالُ المسلمين وما آل إليه أمرُهم من تخلُّف وضعف، بسبب الحالة العلمية والحضارية للمسلمين، والتي أوضعَتْهم في مؤخرة الأمم.

 

كلام الشيخ - رحمه الله - هو خلاصة فهمه وتجرِبته، وعمله الدائب في الدعوة أكثر من نصف قرن، وقد طرح أمامه الأستاذ عمر هذه القضيةَ، وهي تُمثِّل بالنسبة لبحثي هذا هدفًا من أهدافه، وركيزةً هامَّة من ركائزه.

 

القضية: (أن قضية النسخ وتعطيل بعض الأحكام وتقطيع الرؤية الشاملة، وما إلى ذلك، تقودُنا إلى قضية أخرى، وهي: قضية التدرُّج، أو ما يمكن أن نُسمِّيَه: سنة التدرج، والذي نقرؤه عند علمائنا في ذلك هو: الاقتصار على بحث التدرج في التشريع، ويأتون لذلك بمثال عن تحريم الخمر، وتغيب سنة التدرج في العقيدة، والعبادة، والدعوة، وتُهمَل كل المعاني التربوية لسنة التدرج.

 

والقضية المطروحة:

أن الأحكام الفقهية إنما جاءت جوابًا وعلاجًا لمشكلات وحالات كان عليها الناس قبل أن يتهيؤوا وينتقلوا إلى المرحلة التالية، فهل بالإمكان أن تعمَلَ هذه الآيات، وتلك الحلول لمواجهةِ الحالات المماثِلة، على الرغم من استقرار الحكم النهائي؟

 

بمعنى آخر: الحكم المرحلي، كان بالنسبةِ للصحابي يُشكِّل حكمًا نهائيًّا للمرحلة التي كان فيها ضمن المرحلة ذاتِها، حتى يهيأ للمرحلة التالية، أما نحن، فنرى الحكم النهائي؛ حيث استقرَّ المجتمعُ المسلم الأوَّل، فهل يمكن لنا أن نستخدم الحكم المرحلي تربويًّا ودعويًّا، مع استصحابِنا وإيماننا بضرورة الوصول إلى الحكم النهائي في نهاية المطاف؟ أم لا بدَّ من تقرير الحكم النهائي، ولو كانت الحالة تقتضى حكمًا مرحليًّا؟

 

وهل يمكن للمجتمع والفرد الذي ينسلخُ عن الإسلام لفتراتٍ طويلة أن يعود فجأةً؟

 

وهل يمكن أن نُخاطِبَ بالإسلام مجتمعاتٍ غيرَ إسلاميةٍ أصلاً بالحكم النهائي، دون تمريرها بمراحل التهيؤ؟

 

وهل لنا أن نطرحَ اليوم إمكانيةَ التدرُّج في التطبيق والتنزيل على الواقع؛ حيث إننا لا نمتلِك التدرُّج في التشريع؟)؛ انتهي كلام الأستاذ عمر[15].

 

قال الشيخ:

(في الدعوة إلى الله أنا مضطر أن أنظر مواقف الخصوم الذين يواجهونني بمعتقداتهم المضادة لي، أنا لاحظت أن الكنيسة وهي ضد تعدد الزوجات، تسامحت في هذا الموضوع، وهي تعرض المسيحية على زنوج إفريقيا، ورأت بأن حكمها بعدم التعدُّد يمكن أن يتحقق بعد جيل أو جيلين، وتتغاضى الآن عن الجيل القائم؛ بحيث إنها تستدرجهم للمسيحية، ثم تبدأ تعلمهم المسيحية الكاملة، وهو ما يمكن أن يسمى التضحية بشيء من الحاضر في سبيل المستقبل، أو ما سماه بعضهم: سياسة الدعوة.

 

أنا أريد أن أعرض الإسلام، ومن الممكن أن أضغط ابتداءً لأبرز شيئًا واحدًا، وهو التوحيد، ضد التثليث وضد الشرك، إنسانية محمد العظيم صلى الله عليه وسلم الذي افترى عليه الأفاكون بما لا يليق، ونسبوا إليه أكاذيب لا حصر لها.

 

هذان الأمران يمكن أن أعرضهما عرضًا لا هوادة فيه، ممكن أن أتكلم عن الصلوات والزكوات وأنا مطمئن؛ لأن الطهر البدني عندنا هو الفطرة التي يعيش بها هؤلاء أو يريدون الوصول إليها، ولعل أجسامنا - أجسام المؤمنين عندنا - أفضل من أجسامهم من هذه الناحية، لكن مسألة الخلافات التي يحتاج حلُّها إلى وقت، أنا أريد في هذا أن أنظر إلى الفقه عندنا، والأحوال عندهم، ولا ألجأ إلى ما يسمى بالتدرج؛ لأنه لا حاجة لي بذلك، بل إلى حسن الاختيار من الأحكام عندنا بما يلائم الحال، فمثلاً الأئمة الثلاثة عندنا يرون أن المرأة لا تعقِدُ بنفسها على نفسها، وأبو حنيفة وحدَه هو الذي يقول: من حق المرأة أن تعقد زواجها بنفسها، أرى من المصلحة عرضَ مذهبِ الأحناف.

 

آخذ مثلاً برأي مالك في أن الأصل يقتل في فرعه، آخذ بآراء كثيرة؛ مثلاً: العورة وتحديدها، مذهب مالك يرى أن العورة قسمان: عورة مخفَّفة وعورة مغلظة، فما الذي يجعلني التزم بالمذاهب الأخرى، كأسلوب للدعوة؟

 

أي إن هناك أمورًا يمكنني أن أختار الأنسب للبيئة هناك، إني لا أستطيعُ عرضَ الإسلام الآن على أساسِ أن أترك شارب الخمر يشرب، وهو لا يدرى أن هذا الأمر حرام، ليس عندي في القرآن الكريم أي نص بإباحة الخمر، إنما عندي تطبيق للتحريم يمكن أن يتدرج، فإن المقصود بالسؤال هو التدرج في التطبيق وليس الإباحة، فالحكم واضح، الآن أعمل عقوبات تعزيرية، ولا أقيم ما يسمى بحد الخمر؛ لأن الحد نفسه تعزيري، وجاء بطريقة المصالح المرسلة، ولم يجئ بطريقة النص، ففقهي هنا فيه متسعٌ لكثيرٍ مما أرى أنه يصلح للحياة العامة على امتداد الأرض..)[16].

 

فالشيخ رحمه الله لا يرى - حسب استيعابي لكلامه - الأخذ بالحكم المرحلي، وإنما بالحكم النهائي، ولكن في أخف صورة وأيسر درجة، ويهتمُّ باختيار الأنسب للحالة والبيئة، وذلك من باب سياسة الدعوة، ولكنه - جزاه الله خيرًا - لا يتهاون في أمر التوحيد وأهمية البَدْء به، كما يرى أن التدرُّج إنما يكون في التطبيق في الأحكام، كما في حالة عقوبة شارب الخمر؛ حيث قال:

(يكفي أن أعمل غرامات وشيئًا من الإهانة، ولا أُغيِّر الحكم "حكم الحلال والحرام"، وإنما أجتهدُ في عقوبة الشارب، لا بد من الجزم بأن الخمر رذيلة، وأن شربها مُبعَد عن طبيعة الإسلام وطبيعة الطاعة لله، لكن في معاملتي للشاربين، يلزم أن أكون هينًا لينًا، فلا أقول: أتدرج هنا في تطبيق الأحكام كما تدرجت في الأول؛ لأن الحكم في الأول لم يكن فيه ضربٌ كثير، كان الضرب بثوبه، أما ثمانون جلدة، فكان نتيجة لاجتماع مجلس فيه الإمام علي وعدد من الصحابة رضوان الله عليهم، أنا ممكن أن أمشي في العقوبات هنا بالطريقة التي مشى بها الأولون: أخوف أولاً، وأُشدِّد أخيرًا...)[17].

 

ولعلها جرأة مني أن أُعلِّق على كلام الشيخ، فشتَّان ما بين صرحٍ شامخ عملاق مثله، وبين ضئيل صغير مثلي، ولكني أميل إلى كلامِ طارح القضية، وهو الأخذ بالحكم المرحلي، خصوصًا في قضية مثل الخمرِ، ومعلومٌ أن للخمر سيطرةً على العقل، ومدمن الخمر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمتنع عنها مرة واحدة بغير تدريج، ومن أجل ذلك أُقِيمَت مصحَّات ومؤسسات لعلاج الإدمان والمُدمِنين، وذلك بإعطائهم جرعاتٍ متناقصة من نوع المُخدِّر الذي أدمنه المريض، ولا شك أن لكلام الشيخ احترامَه وتقديره، خصوصًا وأنني أحبه حبًّا كثيرًا، وتعلمت منه؛ (حيث كنت ألتقي به منذ أكثر من ثلاثين عامًا حينما كنتُ طالبًا في كلية الصيدلة جامعة القاهرة - مسؤولاً عن النشاط الثقافي - في مكتبِه بوزارة الأوقاف في ساعات الصباح الأولى، وقبل ساعات العمل الرسمية وحضور الموظَّفين، وبعد انتهائه من قراءة ورد القرآن على شيخٍ كان يجلس إليه، فأتكلَّم معه وأسمع منه)، لكن في قضية أخرى مثل فرضِ القتال، هل نأخذ بأول مرحلة من مراحلها أم بالحكم النهائي؟

 

لو قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِث بالسيف، وإنه أُمِر بقتال الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، لقامت الدنيا، وقد قامت ولم تقعد، بل لا بد أن نقول: إنه يجب الصبر على ما نحن عليه، وإنه يجب على المسلمين الأخذ بأسباب القوة والحضارة وبأساليب التقدم العلمي والمادي حتى يكون لهم مكانة بين الأمم، أما مَن نحن، ومَن نقاتل؟ فتلك قضية أخرى.

 

وأستفيد من كلام الشيخ أهمية البَدْء بالتوحيد، وعرضه عرضًا لا هوادةَ فيه، وهذا الأمرُ هو الأساس ولا يقبَلُ التجزِئة، ولا الحلول الوسط، وهو ما اتفقنا عليه؛ لأن من شأنه إعدادَ البيئة لتقبُّل الحكم وقَبول التكاليف، سواء المرحلية أو النهائية.

 

وخلاصة القول:

هو أنني أرى الأخذ بالحكم المرحلي - حسب الظرف والحالة - وصولاً إلى الحكم النهائي، مع مراعاة البدء بالأهم، وهو الإيمان بالله تعالى، ثم فرض التكاليف شيئًا فشيئًا، حسب قانون التدرج.

 

3- مرحلة التمكن أو الاستخلاف:

فهذه أُرجِئ الحديث عنها لحين مجيئِها بإذن الله وقدره.

 

خلاصة القول:

أعود فأقول: إن من مظاهر الحكمة في جانب المناهج الدعوية:

1- ترتيب الأولويات.

2- التدرج في تطبيق الأولويات.

3- مناسبة المنهج للأحوال والأعمار والمستويات[18].

 

ثانيًا: الحكمة في الأساليب الدعوية:

من مظاهر الحكمة في الأساليب الدعوية:

1- اختيار المنهج المناسب لتطبيقه في الوقت المناسب والحالة المناسبة، فقد يصلح لحالةٍ من الأحوال أو لمعالجةِ موقفٍ من المواقف منهجٌ لا يصلح غيره، فلا بدَّ من اختيار المنهج العاطفي للموقف العاطفي، والمنهج العقلي للموقف الجدلي، والمنهج الحسي للموقف التجريبي، وهكذا[19].

 

فعلى سبيل المثال: فحينما نتكلَّم عن التوحيد، فإن معرفة الله تعالى والوقوف على قدرته وعظمته في خلق السموات والأرض وفي خلق الناس - إنما تكون بإعمال العقل، ولَفْت الحس إلى التعرف على المحسوسات للوصول عن طريقها إلى القناعات، كما قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20].

 

وهذا هو المنهج الحسي والمناسب للقضية المطروحة، وهي قضية التوحيد ومعرفة الله عز وجل، وذلك بالتدبر العقلي والنظر في آيات الله الكونية والإنسانية.

 

وكذلك حينما ندعو الأقاربَ مثلاً، فالأسلوب الأنسب هو أسلوب الموعظة الحسنة وإظهار الرفق والرأفة والأدب معهم؛ وذلك كدعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه وتكرار قولِه: ﴿ يَا أَبَتِ... ﴾، فالمنهج المناسب هنا هو المنهج العاطفي، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه، قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23]، والمعنى كما قال الإمام الرازي: إنكم قومي وأحقُّ مَن أجابني وأطاعني، فإذا أبيتم ذلك فاحفَظوا حقَّ القُربَى، ولا تؤذوني لقرابتي منكم[20].

 

2- اختيار الشكل المناسب من أشكال أساليب المنهج المختار، فالحكمة تقتضي اختيارَ الشكل المناسب لكل موقف، فللترغيب مواقف، وللترهيب مواقف أخرى ومناسبات مختلفة، وأحيانًا تكونُ الدعوة الفردية أنسبَ وأفضلَ لشخص يحترم عقله، خصوصًا إذا تم إبعاده عن تأثير العقل الجمعي أو العامِّ؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾ [سبأ: 46].

 

3- اعتماد مراتب الاحتساب، وهي التعريف، ثم الوعظ، ثم التعنيف، كأن يقول: يا جاهلُ، ثم المنع بالقهر بطريقة المباشرة، ككسرِ آلات اللهو وإراقة الخمر، ثم التخويف والتهديد بالضرب، وكما يقول الإمام الغزالي: (وسائر المراتب لا يخفى وجهُ استغنائها عن إذنِ الإمام إلا المرتبة الخامسة (وهي التخويف والتهديد بالضرب)، فإن فيها نظرًا - سيأتي - أما التعريف والوعظ، فكيف يحتاج إلى إذن الإمام؟)[21].

 

4- تحديد الداء، وهو الكفر، المتمثِّل في رفضِ العبودية لله، ووصف العلاج، وهو الإيمان بالله عز وجل، كذلك إزالة الشبهات والرد عليها[22].

 

ثالثًا: الحكمة في الوسائل الدعوية:

ومن مظاهر الحكمة في الوسائل الدعوية:

1- الوسائل المعنوية[23]:

فإن القدوةَ الطيبة، والفعل الحميد أشدُّ تأثيرًا من كثرة الكلام وتَكرار المواعظ، فما أحوج الناس إلى تفعيل القِيَم والمُثُل العليا، وأن يراها الناس واقعًا أمامهم، فهذا أبلغ وأنفع؛ كالوقوف بجانب أصحاب الكوارث والأزمات، فإنه دعوةٌ عملية، وأوقع في النفوس، ومجاملة الناس في المناسبات المختلفة - في الأفراح والأتراح - أدعى للاستجابة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يتودَّدُ إلى الشخص، ويلين له الكلام قبل أن يدعوه، فالتودد إلى الناس دعوة، ومع هذا فإن للشدة مواقفَ، ولكن الرفق دائمًا أفضل.

 

2- في الوسائل المادية:

فعلى الداعي أن يستعملَ كلَّ وسيلة مباحة، ويتجنَّب كل وسيلة محرمة أو مشبوهة[24]؛ لأنه إذا كانت الأهدافُ عندنا مشروعةً - أي: منضبطة بالشرع - فإن الوسائل كذلك لا بد وأن تكون في إطارِ ما سمح به الشرعُ، فالغاية عندنا لا تُبرِّر الوسيلة.

 

ومن الوسائلِ كذلك: الحذر، وأخذ الحيطة، والتحرز، ومباشرة الأسباب لمنع وقوع مكروه، أو لدفع ضرر قبل وقوعه، أو تقليله، وقد أمر بذلك الشرع، قال تعالى: ﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 19، 20]، وقال - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾ [النساء: 71]، ومنها كذلك الاستعانة بأهل الخير والخبرة[25]، كما قال تعالى: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾ [طه: 29 - 32].

 

من كتاب: "خصيصة التدرج في الدعوة إلى الله (فقه التدرج)"



[1] مختار الصحاح، ص 32، باب الباء، مكتبة لبنان.

[2] صحيح مسلم بشرح النووي ص 394، جزء 1، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتح الباري ص 161، جزء 7، باب المعراج.

[3] المنهج والمنهاج معناه: الطريق الواضح، كما جاء في مختار الصحاح.

أما المعنى الاصطلاحي، فهو: الخطة المرسومة، فحينما نقول: مناهج الدعوة، فالمعنى هو: نظم الدعوة وخططها المرسومة لها، كما جاء في كتاب المدخل إلى علم الدعوة 1 ص 46، 195.

[4] انظر: المدخل إلى علم الدعوة، الأستاذ محمد أبو الفتح البيانوني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1999م 1420هـ، ص247.

[5] في فقه الأولويات؛ د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، الطبعة الرابعة 2000م/ 1421هـ، ص 49.

[6] في فقه الأولويات، ص 60، المرجع السابق.

[7] السيرة النبوة؛ لابن هشام، جزء 1، المكتبة التوفيقية، ص 332.

[8] السيرة النبوية؛ لابن هشام، ص 290 جزء 1.

[9] من مرتكزات الخطاب الدعوى؛ عبدالله الزبير عبدالرحمن ص 143.

[10] المرجع السابق ص 144.

[11] فقه الواقع؛ للشيخ ناصر الدين الألباني، دار الجلالين الرياض، طبعة أولى 1992م ص 26.

[12] مفاتيح الغيب ص 643 جزء 9.

[13] صحيح مسلم، المجلد الأول ص 166.

[14] كتاب كيف نتعامل مع القرآن، إصدار المعهد العالي للفكر الإسلامي، دار الوفاء للطباعة والنشر، طبعة خامسة 1997م ص 26.

[15] المرجع السابق ص 96.

[16] المرجع السابق ص 98.

[17] المرجع السابق ص 99.

[18] المدخل إلى علم الدعوة؛ تأليف محمد أبو الفتح البيانوني، مؤسسة الرسالة، طبعة ثالثة، 1999، ص 247.

[19] المرجع السابق، ص 249.

[20] مفاتيح الغيب جزء 14 ص 30.

[21] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ الإمام الغزالي، تحقيق سيد إبراهيم، دار الحديث، القاهرة، ص21.

[22] أصول الدعوة؛ د. عبدالكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، طبعة 9/2001م، ص 421.

[23] المدخل إلى علم الدعوة ص 255.

[24] المرجع السابق.

[25] أصول الدعوة ص 448.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التدرج في التربية والهدف منها
  • العلاقة بين التدرج والتربية
  • التدرج التكليفي
  • التدرج والتطور
  • التدرج في السنة النبوية المطهرة
  • التدرج ومراتب الاحتساب
  • الأثر الدعوي لخصيصة التدرج
  • السيرة الحسنة كتاب مفتوح
  • من نماذج أسلوب الحكمة في الدعوة
  • جريمة من بدّل الحكمة من خلقه
  • الدعوة بالكتابة (وسيلة الكتابة الدعوية)
  • أسلوب التعريض والتلميح والإيحاء في الدعوة
  • مطلب الحكمة
  • الحكمة ضالة المؤمن، هل حاولنا البحث عنها؟!
  • دور التأمل في الوصول إلى الحكمة
  • تطبيقات الدعوة بالقرآن
  • الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة

مختارات من الشبكة

  • من مائدة الحديث: فضل الدعوة إلى الهدى، وخطر الدعوة إلى الضلال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تطبيق مقاصد الشريعة في الدعوة إلى الله (الداعية – موضوع الدعوة – الوسائل والأساليب) أنموذجا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خطبة عن الدعوة وجماعة الدعوة 21-1- 1433هـ(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الدعوة إلى الله .. الدعوة في كوريا أنموذجاً(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • من أهداف الدعوة في الوقت الحالي : الدعوة إلى التوحيد (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أهداف الدعوة في الوقت الحالي : الدعوة إلى التوحيد (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعوة إلى العلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحري الحكمة في الدعوة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • دور الدعم المالي في نجاح الدعوة الإسلامية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب