• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

لا عدوى ولا هامة ولا صفر

لا عدوى ولا هامة ولا صفر
علي محمد سلمان العبيدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/7/2014 ميلادي - 8/9/1435 هجري

الزيارات: 11771

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لا عدوى ولا هامة ولا صفر


قال الجزري في النهاية:

الهامَة: الرأس، واسم طائر، وهو المراد في الحديث؛ وذلك أنهم كانوا يتشاءَمون بها، وهي مِن طير الليل، وقيل: هي البومة.


وقيل: كانت العربُ تزعم أن رُوح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة، فتقول: اسقوني، فإذا أُدرك بثأره طارت.


وقيل: كانوا يزعمون أن عظامَ الميت - وقيل: رُوحه - تصير هامة فتطير، ويسمونه الصدى، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه؛ انتهى.


قال الباجي في شرح الموطأ:

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا صَفَرَ)): قال مالك وغيره: معناه أن العرب كانت في الجاهلية تحرِّم صفَرَ عامًا، وتؤخر إليه المحرم، وكانت تحله عامًا آخر وتقدم المحرم إلى وقته، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال ابن وهب: كان أهل الجاهلية يقولون: إن الصفار التي في الجوف تقتُل صاحبها، وهي التي عدت عليه إذا مات، فرد ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأكذبهم فيه، وقال: لا يموت أحدٌ إلا بأجله، والله أعلم.


(فصل) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا يحل الممرض على المصح)):

الممرض: ذو الماشية المريضة، والمُصح: ذو الماشية الصحيحة.


قال عيسى بن دينار:

معناه: النهي عن أن يأتيَ الرجل بإبله أو غنَمِه الجَرِبة، فيحل بها على ماشية صحيحة، فيؤذيه بذلك، قال: ولكنه عندي منسوخٌ بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى))، قال القاضي أبو الوليد رضي الله عنه: وهذا الذي قاله عيسى بن دينار فيه نظر؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى)) إن كان بمعنى الخبر والتكذيب بقول مَن يعتقد العدوى، فلا يكون ناسخًا، وإن كان بمعنى النهي يُريد: لا تكرَهوا دخول البعير الجرب بين إبلِكم غير الجَرِبة، ولا تمنعوا ذلك، ولا تمتنعوا منه؛ فإنا لا نعلَم أيهما قال أولاً، وإن تعلَّقْنا بالظاهر فقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى)) ورَد في أول الحديث، فمُحال أن يكونَ ناسخًا لِما ورَد بعده، أو لِما لا يُدرَى ورَد قبله أو بعده؛ لأن الناسخَ إنما يكون ناسخًا لحُكم قد ثبت قبله، وقال يحيى بن يحيى في المزنية: سمعت أن تفسيرَه في الرجل يكون به الجذام، فلا ينبغي أن يحلَّ محلَّه الصحيح معه، ولا ينزل عليه يؤذيه؛ لأنه وإن كان لا يعدي، فالنفس تنفِر منه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه أذًى))، فهذا تنبيه أنه إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك للأذى لا للعدوى، وأما الصحيح، فلينزل محلة المريض إن صبر على ذلك واحتملته نفسه، قيل له: ولم يرد بهذا أن يأتي الرجل بإبله، أو غنمه الجربة، فيحل بها الموردة على الصحيح الماشية، قال: لعله قد قيل ذلك، وما سمعته، وإني لأكره له أن يؤذيَه إن كان يجد غنًى عن ذلك المورد، وكذلك الرجل يكون به المرض لا ينبغي أن يحل موردة الأصحاء، إلا أن يكون لا يجد غنًى عنها فيرِدها، وقد روى يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا عدوى))، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يورد ممرِض على مصِح))، قال أبو سلَمة: ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله: ((لا عدوى))، وأقام على أن ((يورد ممرض على مصح))، فقال الحارث بن أبي رئاب وهو ابن أبي هريرة: قد كنت أسمعك تحدثنا مع هذا الحديث حديثًا آخر، تقول: ((لا عدوى))، فأبى أبو هريرة أن يعرف في ذلك مما رواه الحارث في ذلك، حتى غضب أبو هريرة، فرطن له بالحبشية، فقال للحارث: أتدري ماذا قلت؟ قال أبو هريرة: قلت: أتيت، قال أبو سلمة: ولَعَمري، لقد كان أبو هريرة يحدثنا أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا عدوى))، فلا أدري أنسي أبو هريرة، أو نسخ أحد القولين الآخر.


قال القاضي أبو الوليد رضي الله عنه:

وهذا الذي قاله أبو سلَمة يقتضي أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يورد ممرِض على مصح)) ناسخٌ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى))، وهذا على قول من قال: إن قولَه صلى الله عليه وسلم على وجهِ النهي، ويصحُّ على هذا التأويل أن يكون أبو هريرة قد عرَف الأول منهما.


قال القاضي أبو الوليد:

والذي عندي في معنى ذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى))، إنما نفى به أن يكون لمجاورة المريض تأثيرٌ في مرض الصحيح، وأن ذلك مِن فعل الله - عز وجل - ابتداءً، كما فعله في الأول ابتداءً، وأن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يورد ممرض على مصح)) ليس من هذا المعنى، والله أعلم، لكنه يحتمل معنيين:

أحدهما: المنع من ذلك؛ لِما فيه من الأذى على ظاهر الحديث، وهذا الذي يذهب إليه يحيى بن يحيى.

 

والثاني: أن يكون البارئ - تبارك وتعالى - قد أجرى العادةَ بذلك، وإن كان البارئ - عز وجل - هو الخالقَ للمرض والصحة، فنفى بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى)) اعتقادَ مَن يعتقد أن ذلك ليس من فعلِ الله عز وجل، وأنه متولِّد من مجاورة المريض الصحيحَ، وليس هذا بواضح؛ لأنَّا لا نجد ذلك جاريًا على عادة، فقد يجاور المريض الصحيحَ فلا يمرض، وقد رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((وفِرَّ من المجذوم فرارَك من الأسد))، وظاهر هذا يقتضي أنه يستضر به استضرارًا غيرَ التكرُّه لمجاورته؛ لأنه إذا قدَر على الصبر على مجاورته، فلا معنى لنهيِه صلى الله عليه وسلم إلا أن يريدَ بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إنك إذا استضررتَ برائحته وكرهتَ مجاورته، فإنه مباح أن تفرَّ منه فرارَك من الأسد، والله أعلم.


وقد قال يحيى بن يحيى في القومِ يكونون في قريتهم شركاءَ في أرضها ومائِها وجميع أمرها، فيجذم بعضهم، فيرِدون المستقى بآنيتهم، فيتأذَّى بهم أهل القرية، ويريدون منعهم من ذلك: إن كانوا يجِدون عن ذلك الماءِ غنًى من غير ضرر بهم، أو يَقْوَوْنَ على استنباط بئر أو إجراء عين من غير ضررٍ بهم ولا فدح بهم - فأرى أن يؤمَروا بذلك، ولا يضاروا، وإن كان لا يجدون عن ذلك غنًى إلا بما يضرهم، أو يفدحهم، قيل لمن يتأذى بهم ويشتكي ذلك منهم: استنبِطْ لهم بئرًا، أو أجرِ لهم عينًا، أو أقِمْ من يستقي لهم من البئر إن كانوا لا يَقْوَوْنَ على استنباط بئر، أو إجراء، ويُكفَوْن عن الورود عليكم، وإلا فكل امرئٍ أحقُّ بماله، والضرر ممن أراد أن يمنع امرأً من مالِه ولا يقيم له عوضًا منه.


(مسألة): وإذا جُذِمَ الرجلُ، فُرِّق بينه وبين امرأته إن شاءت ذلك، وقال ابن القاسم: يحال بينه وبين وطء رقيقه إن كان في ذلك ضرر، وقال سحنون: لا يحال بينه وبين وطء إمائه، ولم يختلفوا في الزوجة، وجه قول ابن القاسم: أنها امرأة يلحقها الضررُ بوطء المجذوم، فوجَب أن يحال بينه وبينها؛ كالزوجة، وقد قال ابن القاسم: إنما يحال بينه وبين الزوجة إذا حدَث ذلك به؛ لأجل الضرر، ووجه قول سحنون: أن الجذام في الحرِّ لَمَّا منع الزوجية ونقَضها، منَع الوطء المستحَقَّ بها، ولما لم يمنع مِلك اليمين، لم يمنَع الوطء المستحَق به، ووجه ثانٍ: أن هذا عقد يستباح به الوطء، فوجب أن يكون تأثير الجذام في وطئه كتأثيره في عقده؛ كعقد النكاح، والله أعلَم وأحكَم.


(مسألة): وهل يُخرَج المرضى من القرى والحواضر؟ قال مطرف وابن الماجشون في الواضحة: لا يُخرَجون إن كانوا يسيرًا، وإن كثروا رأينا أن يتخذوا لأنفسهم موضعًا، كما صنع مرضى مكة عند التنعيم منزلهم وبه جماعتهم، ولا أرى أن يمنعوا من الأسواق لتجارتهم، والتطرق للمسألة إذا لم يكن إمام عدل يجري عليهم الرزق، وقال أصبغ: ليس على مرضى الحواضر أن يخرجوا منها إلى ناحية بقضاء يحكم به عليهم، ولكن إن أجرى عليهم الإمامُ من الرزق ما يكفيهم، مُنِعوا من مخالطة الناس بلزوم بيوتهم، أو بالسجن إن شاء، وقال ابن حبيب وابن عبدالحكم: يحكَم عليهم بالسجن إذا كثُروا أحبُّ إليَّ، وهذا الذي عليه الناس.


(مسألة): ويمنع المجذوم من المسجد، ولا يمنع من الجمعة، ولا يمنع من غيرها؛ قاله مطرف وابن الماجشون.


حدثنا قتادة، عن أنس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل: الكلمة الطيبة، الكلمة الحسنة))؛ هذا حديث متفق على صحته؛ أخرجه مسلم، هداب بن خالد، عن همام بن يحيى، وأخرجه محمد، عن مسلم بن إبراهيم، عن هشام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتفاءلُ، ولا يتطيَّر، كان يحب الاسمَ الحسَنَ".


وقد روى مسلم في الصحيح: (أن معاوية بن الحَكَم السُّلمي أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: إن رجالاً يتكهَّنون، فنهاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك).


في الصحيح عن عائشة قلت: "يا رسول الله، إن الكهان كانوا يحدِّثونا بالشيء فنجده حقًّا؟! قال: ((تلك الكلمة الحق يخطَفُها الجني، فيقذفُها في أُذن وليِّه، ويزيد فيها مائة كذبة))".


وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفَر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))؛ رواه أبو داود.


وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اقتبس عِلمًا من النجوم، فقد اقتبس شُعبة من السِّحر، زاد ما زاد))؛ رواه أبو داود.


وعن قَطَن بن قبيصة عن أبيه، قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((العِيافة والطِّيَرة والطَّرْق من الجِبْت))؛ أي: من السِّحر، والعيافة: زجر الطير، والتفاؤل والتشاؤم بأسمائها وأصواتها وممرها، والطرق: الخط يُخَط في الأرض، أو الضَّرب بالحصى، وادِّعاء عِلم الغيب.


أخرج الشيخان: ((ليس منا مَن ضرَب الخدودَ، وشقَّ الجيوبَ، ودعا بدَعْوى الجاهلية)).


وأخرجا أيضًا عن أبي موسى الأشعري أنه قال: "أنا بريءٌ ممن برئ منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم برِئ من الصالقة؛ أي: الرافعة صوتَها بالندب والنياحة، والحالقة؛ أي: لرأسِها عند المصيبة، والشاقَّة؛ أي: لثوبها"، وفي رواية للنسائي: "أبرأ إليكم كما برِئ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا مَن حلَق ولا خرَق ولا صلَق))".


وأخرج مسلم: ((اثنتان من الناس هما بهم كفرٌ: الطعن في النَّسَب، والنياحة على الميتِ)).


وابن حبان والحاكم وصححه: ((ثلاثة من الكفر بالله: شقُّ الجَيْب - أي: طوق القميص - والنِّياحة، والطَّعْن في النَّسَب)).


وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لعَن الله مَن ذبح لغير الله))؛ حديث صحيح رواه مسلم.


ومن العبادة: الذَّبح والنذر وتقريب القرابين:

فلا يصحُّ أن يتقرَّب الإنسان بسَفْك الدم، أو بتقريب قربانٍ، أو بنذر، إلا لله وحده، ومن ذبَح لغير الله - كمن يذبح للقبر أو للجِنِّ - فقد عبَد غير الله، واستحقَّ لعنة الله؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].


قال تعالى: ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 1 - 3]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [الأعراف: 29]، وقال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء: 56، 57]، قالت طائفة من السلف: كان أقوامٌ يَدْعون المسيح وعُزَيرًا والملائكة، قال الله تعالى: هؤلاء الذين تَدْعونهم عبادي كما أنتم عبادي، ويرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي، ويتقرَّبون إليَّ كما تتقرَّبون إليَّ.


فإذا كان هذا حالَ مَن يدعو الأنبياء والملائكة، فكيف بمن دونهم؟!

وقال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا ﴾ [الكهف: 102]، وقال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سبأ: 22، 23]، فبيَّن سبحانه أن مَن دُعي مِن دون الله من جميع المخلوقات من الملائكة والبشر وغيرهم أنهم لا يملِكون مثقالَ ذرة في مُلكه، وأنه ليس له شريك في مُلكه، بل هو سبحانه له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأنه ليس له عونٌ يعاونه كما يكون للملِك أعوانٌ وظُهَراء، وأن الشفعاء عنده لا يشفعون إلا لمن ارتضى، فنفى بذلك وجوهَ الشرك؛ وذلك أن مَن يَدْعون من دونه إما أن يكون مالكًا، وإما ألا يكون مالكًا، وإذا لم يكن مالكًا، فإما أن يكون شريكًا، وإما ألا يكون شريكًا، وإذا لم يكن شريكًا، فإما أن يكون معاونًا، وإما أن يكونَ سائلاً طالبًا؛ فالأقسام الأُوَل الثلاثة - وهي المُلك والشَّرِكة والمعاونة - منتفية، وأما الرابع، فلا يكون إلا مِن بعد إذنِه؛ كما قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]، وكما قال تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26]، وقال تعالى: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزمر: 43، 44]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [السجدة: 4]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51]، وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 79، 80]، فإذا جعل مَن اتخذ الملائكة والنبيين أربابًا كافرًا، فكيف مَن اتخذ مِن دونهم من المشايخ وغيرهم أربابًا؟!


وتفصيل القول:

إن مطلوبَ العبد إنْ كان من الأمور التي لا يقدِر عليها إلا اللهُ تعالى، مثل أن يطلب شفاءَ مريضه من الآدميين والبهائم، أو وفاءَ دَينه من غير جهة معينة، أو عافية أهله وما به من بلاء الدنيا والآخرة، وانتصاره على عدوه، وهداية قلبه، وغفران ذَنْبه، أو دخوله الجنة، أو نجاته من النار، أو أن يتعلم العلم والقرآن، أو أن يصلح قلبه ويحسن خُلقه، ويزكي نفسه، وأمثال ذلك - فهذه الأمور كلها لا يجوزُ أن تُطلَب إلا من الله تعالى، ولا يجوز أن يقول لملَكٍ ولا نبي ولا شيخ - سواء كان حيًّا أو ميتًا -: اغفر ذنبي، ولا: انصرني على عدوي، ولا: اشفِ مريضي، ولا: عافِني، أو عافِ أهلي أو دابتي، وما أشبهَ ذلك.


ومن سأل ذلك مخلوقًا كائنًا من كان، فهو مشرك بربِّه، مِن جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل التي يصورونها على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمِّه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة: 116]، وقال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].


وأما ما يقدِرُ عليه العبد، فيجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض؛ فإن مسألةَ المخلوق قد تكون جائزةً، وقد تكون منهيًّا عنها؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8]، وأوصى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ابنَ عباس: ((إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله))، وأوصى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم طائفةً من أصحابه ألا يسأَلوا الناس شيئًا، فكان سوطُ أحدهم يسقُطُ من كفِّه، فلا يقول لأحد: ناوِلْني إياه.


وثبَت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يدخل الجنةَ مِن أمتي سبعون ألفًا بغير حساب، وهم الذين لا يستَرْقُون، ولا يكتوون، ولا يتطيَّرون، وعلى ربِّهم يتوكلون))، والاسترقاء: طلبُ الرُّقية، وهو من أنواع الدعاء، ومع هذا فقد ثبَت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ما مِن رجل يدعو له أخوه بظَهر الغيب دعوةً، إلا وكل اللهُ بها ملَكًا، كلما دعا لأخيه دعوة، قال الملَك: ولك مثل ذلك)).


ومن المشروع في الدعاء دعاء غائب لغائب؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة عليه، وطلبِنا الوسيلة له، وأخبر بما لنا في ذلك من الأجر إذا دعَوْنا بذلك، فقال في الحديث: ((إذا سمعتم المؤذِّن، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ؛ فإن من صلى عليَّ مرَّة، صلى الله عليه عشرًا، ثم اسألوا لي الوسيلة؛ فإنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكونَ أنا ذلك العبدَ؛ فمن سأل اللهَ لي الوسيلة، حلَّت له شفاعتي يوم القيامة)).


عن أم عطية رضي الله عنها قالت: "أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة ألا ننوح، قالت: فما وفت منا امرأةٌ إلا خمس: أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ، وامرأتان، أو ابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ، وامرأة أخرى"؛ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.


وعن أسيد بن أبي أسيد عن امرأة من المبايعات قالت: "كان فيما أخَذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعروفِ الذي أخذ علينا ألا نعصيَه فيه: ألا نخمش وجهًا، ولا ندعو وَيْلاً، ولا نشق جيبًا، ولا ننشر شعرًا"؛ أخرجه أبو داود.


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا مَن لطَم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية))؛ رواه أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن ابن مسعود.


قال المناوي في شرح الجامع الصغير:

(ليس منا مَن لطم)، وفي رواية: ضرب (الخدود) عند المصيبة (وشق الجيوب) جَمَع الخدود والجيوب وإن لم يكن للإنسانِ إلا خدَّان وجيب واحد، باعتبار إرادة الجمع للتغليظ، والمراد بشقِّه إكمال فتحه، وهو علامة التسخُّط، (ودعا بدعوى الجاهلية)؛ أي: نادى بمثل ندائهم؛ واكهفاه، واجبلاه، واسنداه؛ فإنه حرام؛ انتهى.


وقال الحافظ في فتح الباري:

قوله: (لطم الخدود) خص الخد بذلك؛ لكونه الغالب في ذلك، وإلا فضربُ بقية الوجه داخل في ذلك، قوله: (وشق الجيوب) جمع جيب بالجيم والموحدة، وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس، والمراد بشقه: إكمال فتحه إلى آخره، وهو من علامات التسخُّط، قوله: (ودعا بدعوى الجاهلية) في رواية مسلم: (بدَعْوى أهل الجاهلية)؛ أي: من النياحة ونحوها، وكذا الندبة؛ كقولهم: واجبلاه، وكذا الدعاء بالويل والثبور؛ انتهى.


قال ابن عبدالبر في التمهيد:

قد نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن النِّياحة، وحرَّمها، ولعَن النائحة والمستمعة، قالوا: وقد قال الله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، وقال: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ ﴾ [طه: 132]؛ فواجب على كلِّ مسلم أن يعلِّم أهلَه ما بهم الحاجة إليه من أمر دينهم، ويأمرهم به، وواجب عليه أن ينهاهم عن كل ما لا يحل لهم، ويوقفهم عليه، ويمنعهم منه، ويعلِّمهم ذلك كله؛ لقول الله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، قالوا: فإذا علِم الرجلُ المسلم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النياحةِ على الميت، والنهي عنها، والتشديد فيها، ولم يَنْهَ عن ذلك أهلَه، ونِيحَ عليه بعد ذلك، فإنما يعذَّب بما نِيحَ عليه؛ لأنه لم يفعل ما أُمِر به من نهي أهله عن ذلك، وأمره إياهم بالكف عنه، وإذا كان ذلك كذلك، فإنما يعذَّبُ بفعل نفسه وذنبه لا بذنب غيره، وليس في ذلك ما يعارِضُ قولَ الله - عز وجل -: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164]؛ انتهى.


عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموتَ بخمس وهو يقول: ((إني أبرأُ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، وإن الله قد اتَّخَذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً، لاتخذتُ أبا بكر خليلاً، ألا وإن مَن كان قبلكم كانوا يتخذون قبورَ أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألاَ فلا تتخذوا القبورَ مساجدَ، إني أنهاكم عن ذلك))؛ متفق عليه.


وعن شَقيق عن عبدالله قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن مِن شرار الناس مَن تُدرِكه الساعة وهم أحياء، ومَن يتخذ القبورَ مساجد))؛ رواه أحمد.


قال العلماء: إنما نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبرِه وقبر غيره مسجدًا؛ خوفًا من المبالغة في تعظيمِه، والافتتان به، فربما أدَّى ذلك إلى الكفر، كما جرى لكثيرٍ من الأمم الخالية، ولما احتاجت الصحابةُ رضوان الله عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثُر المسلمون، وامتدت الزيادةُ إلى أن دخلت بيوتُ أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرةُ عائشة رضي الله عنها مدفنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بنَوْا على القبر حيطانًا مرتفعة مستديرة حوله؛ لئلا يظهر في المسجد فيُصليَ إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنَوْا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا؛ حتى لا يتمكن أحدٌ من استقبال القبر؛ ولهذا قال في الحديث: ولولا ذلك لأُبرِز قبرُه، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا، والله تعالى أعلمُ بالصواب.


وفي باب النهى عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، قال الإمام مسلم:

عن عائشةَ أن أمَّ حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسةً رأَيْنَها بالحبشة فيها تصاوير، لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أولئك إذا كان فيهم الرجلُ الصالح فمات، بنَوْا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئك شِرار الخَلْق عند الله يوم القيامة)).


وأما الذين جوَّزوا الذبائح والنذور، وأثبتوا فيهما الأجور، فيقال: إن كان الذبح والنذر على اسم فلان وفلان، فهو لغيرِ الله، فيكون باطلاً، وفي التنزيل: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ [الأنعام: 121]، قال أبو جعفر: يعني بقوله - جل ثناؤه -: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾: لا تأكلوا - أيها المؤمنون - مما مات فلم تذبَحوه أنتم، أو يذبحه موحِّد يَدين لله بشرائع شرعها له في كتاب منزل؛ فإنه حرام عليكم، ولا ما أُهِلَّ به لغير الله مما ذبحه المشركون لأوثانهم؛ فإن أكلَ ذلك فِسقٌ، يعني: معصية كُفرٍ.

 

قال الحافظ ابن كثير:

وحمل الشافعي الآية الكريمة: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ [الأنعام: 121] على ما ذُبِح لغير الله؛ كقوله تعالى: ﴿ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ [الأنعام: 145].


وقال ابن جُرَيج، عن عطاء: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ [الأنعام: 121]، قال: ينهى عن ذبائحَ كانت تذبحها قريشٌ عن الأوثان، وينهى عن ذبائح المجوس، وهذا المسلك الذي طرَقه الإمامُ الشافعي - رحمه الله - قويٌّ.


وعن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا نَذْرَ إلا فيما يبتغى به وجه الله، ولا يمين في قطيعةِ رحِم))؛ رواه أبو داود.


وقال تعالى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18].


يُنكِر تعالى على المشركين الذين عبَدوا مع الله غيره، ظانِّين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتُها عند الله، فأخبر تعالى أنها لا تنفع ولا تضر، ولا تملِك شيئًا، ولا يقع شيء مما يزعمون فيها، ولا يكون هذا أبدًا؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [يونس: 18].


وقال ابن جَرير: معناه: أتُخبِرون اللهَ بما لا يكون في السموات ولا في الأرض؟ ثم نزَّه نفسه عن شِرْكهم وكفرهم، فقال: ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18].


وقال: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94].


قال الحافظُ ابن كثير: وقوله: ﴿ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ﴾ [الأنعام: 94]: تقريعٌ لهم، وتوبيخ على ما كانوا اتخذوا في الدار الدنيا من الأنداد والأصنام والأوثان، ظانِّين أن تلك تنفعهم في معاشِهم ومعادهم إن كان ثَمَّ مَعاد، فإذا كان يوم القيامة تقطَّعت الأسباب، وانزاح الضلال، وضلَّ عنهم ما كانوا يفترون، ويناديهم الربُّ - عز وجل - على رؤوس الخلائق: ﴿ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 22]، وقيل لهم: ﴿ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ [الشعراء: 92، 93]؛ ولهذا قال ها هنا: ﴿ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ﴾ [الأنعام: 94]؛ أي: في العبادة، لهم فيكم قسط في استحقاقِ العبادة لهم.


ثم قال تعالى: ﴿ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾ [الأنعام: 94] قُرِئ بالرفع؛ أي شملُكم، وقرئ بالنصب؛ أي: لقد انقطع ما بينكم من الوصلات والأسباب والوسائل، ﴿ وَضَلَّ عَنْكُمْ ﴾ [الأنعام: 94]؛ أي: وذهَب عنكم ﴿ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94] مِن رجاء الأصنام؛ كما قال: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 166، 167]، وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 101]، وقال: ﴿ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 25]، وقال: ﴿ وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴾ [القصص: 64]، وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 22 - 24]، والآيات في هذا كثيرة جدًّا؛ انتهى.


قال تعالى: ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [الشعراء: 221 - 223].


قال - عز وجل -: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ﴾ [الأنعام: 128].


قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].


قال تعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 45 - 47].


وعن مسروق، وعلقمة: أنهما سألا ابنَ مسعود عن الرِّشوة، فقال: هي السحت، قالا: في الحُكم؟ قال: ذاك الكفر! تم تلا هذه الآية: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].


فأما من يقول: إن للأولياء تصرفاتٍ في حياتهم وبعد الممات، فيرده قوله تعالى: ﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ [النمل: 60]، وقوله: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54]، وقوله تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الشورى: 49]، ونحوها من الآيات الدالة على أنه المتفرِّد بالخَلق والتدبير، والتصرُّف والتقدير، ولا شيء لغيره في شيءٍ ما بوجه من الوجوه؛ فالكل تحت مُلكه وقهره؛ تصرُّفًا وملكًا، وإحياءً وإماتةً وخَلقًا، وتمدَّحَ الربُّ تعالى بانفراده بملكه في آيات من كتابه؛ كقوله تعالى: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾[فاطر: 3]، وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 13، 14]، ثم قال: فقوله في الآيات كلها: ﴿ مِنْ دُونِهِ ﴾؛ أي: مِن غيره، فإنه عامٌّ يدخل فيه مَن اعتقدته من ولي وشيطان تستمده، فإن من لم يقدر على نصرِ نفسه، كيف يمد غيره؟! إلى أن قال: إن هذا لقول وخيم، وشرك عظيم، إلى أن قال: وأما القول بالتصرُّف بعد الممات، فهو أشنَعُ وأبدع من القول بالتصرُّف في الحياة؛ قال - جل ذكره -: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]، وقال: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [الزمر: 42]، وقال: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]، وقال: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38]، وفي الحديث: ((إذا مات ابنُ آدَمَ انقطَع عملُه إلا من ثلاث))؛ الحديث.


فجميعُ ذلك وما هو نحوه: دالٌّ على انقطاعِ الحسِّ والحركةِ من الميت، وأن أرواحَهم ممسَكة، وأن أعمالهم منقطعة عن زيادةٍ أو نقصان، فدل ذلك على أنه ليس للميت تصرُّفٌ في ذاته، فضلاً عن غيره، فإذا عجَز عن حركةِ نفسه، فكيف يتصرَّف في غيره؟! فالله سبحانه يخبِر أن الأرواحَ عنده، وهؤلاء الملحِدون يقولون: إن الأرواحَ مطلَقة متصرِّفة؛ ﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 140].


قال: وأما اعتقادُهم أن هذه التصرفات لهم من الكرامات، فهو من المغالطة؛ لأن الكرامةَ شيء من عندِ الله يُكرِم به أولياءَه، لا قصد لهم فيه ولا تحدٍّ، ولا قدرة ولا عِلم، كما في قصة مريم بنت عمران رضي الله عنها، وأسيد بن حضير، وأبي مسلم الخولاني، قال: وأما قولهم: فيُستغاثُ بهم في الشدائد، فهذا أقبحُ مما قبله وأبدَعُ؛ لمصادمتِه قولَه - جل ذكره -: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ [النمل: 62]، وقال: ﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 63، 64].


كتاب: اتباع مناهج أهل السنن والآثار .. شرح سواطع الأنوار لمعرفة عقيدة سيد الأبرار





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرح حديث : " لا عدوى ولا صفر ولا هامة "

مختارات من الشبكة

  • لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • مخطوطة بلوغ المنى والظفر في بيان لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • توجيهات نبوية في القدر في حديث: لا عدوى ولا طيرة ولا صفر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن حديث (لا عدوى ولا طيرة ولا صفر) 19-2-1433هـ(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الهامة والطيرة وصفر والأبراج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن شهر صفر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صفر وما فيه من التشاؤم (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)
  • خطبة: الحذر من التشاؤم بصفر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شهر صفر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة (التشاؤم بصفر)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب