الابتداء في تلاوة القرآن

الابتداء في تلاوة القرآن

تعريفه:

هو الشروع في القراءة بعد وقف أو قطع إن انصرف عنها، فإذا كان استئنافُ القراءة بعد قطع، فعلى القارئِ أن يراعيَ أحكام البسملة والاستعاذة السابق ذكرها.

أما إذا كان الاستئنافُ بعد وقف، فلا داعيَ إلى مراعاة أحكام الاستعاذة والبسملة؛ وذلك لأن الوقفَ - عادة - يكون للاستراحةِ ولأخذ النَّفَس فقط.

أنواعه:

الابتداء نوعان:

1- ابتداء حَسَن: يجوز الابتداءُ به.

2- ابتداء قبيح: لا يجوز الابتداءُ به.

1- الابتداء الحَسَن:

هو الابتداء بكلام مستقلٍّ يوضِّح معنًى أراده اللهُ ولا يخالفُه، وهذا النوع من الابتداء يجوزُ الابتداء به.

أقسامه:

ينقسم الابتداءُ الحَسَنُ إلى:

• ابتداء تام: كالابتداء بقوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴾ [الكهف: 107]؛ وذلك لأنه غيرُ متعلِّقٍ بما قبله لفظًا أو معنًى.

• ابتداء كافٍ: كالابتداء بقوله - تعالى -: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ [البقرة: 7]؛ وذلك لأنه متعلِّقٌ بما قبله في المعنى فقط.

• ابتداء حَسَن: كالابتداء بقوله - تعالى -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا ﴾ [البقرة: 8]؛ وذلك لأنَّه متعلِّقٌ بما قبله لفظًا ومعنًى.

2- الابتداء القبيح:

هو الابتداء بكلام فاسد المعنى ويوهم خلاف المعنى الذي يريده اللهُ، وهذا الابتداء غير جائز، وذلك مثل الابتداء بقوله - تعالى -: ﴿ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [المسد: 1]؛ لأنه لم يُفهَمْ منه معنًى.

والقباحة في الابتداء هنا متفاوتة، فهناك ابتداء قبيح؛ كالابتداء بالمفعول به، أو الحال، أو التمييز، وهناك ابتداء أقبح؛ كالابتداء بقوله - تعالى -: ﴿ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾ [البقرة: 116]، وقوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ﴾ [آل عمران: 181]، وقوله - تعالى -: ﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ [المائدة: 64]، وقوله - تعالى -: ﴿ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 30]، وقوله - تعالى -: ﴿ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 30]، وكالابتداء بقوله - تعالى -: ﴿ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ﴾، وقوله - تعالى -: ﴿ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا ﴾، فكل هذه الابتداءات شديدةُ القبح غير جائزة.

مواضع يتعين الابتداءُ بها:

هناك مواضع يلزم القارئَ الابتداءُ بها، وهي:

1- ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ بالبقرة والأنعام.

2- ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة: 275].

3- ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ﴾ [التوبة: 20].

4- ﴿ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 34].

5- ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ﴾ [غافر: 7].

الأسئلة:

1- عرِّفِ الابتداء، واذكُرْ أنواعه؟

2- عرِّفِ الابتداء الحَسَن، واذكر أقسامه مع ذكر أمثلة لكل قسم؟

3- اذكر حُكم الابتداء بكل من:

• قوله - تعالى -: ﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ [المائدة: 64].

• قوله - تعالى -:﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ ﴾ [البقرة: 8].

• قوله - تعالى -: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ [البقرة: 7].

• قوله - تعالى -: ﴿ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾ [البقرة: 116].

ما يُراعَى لحفص:

على القارئ إذا أراد أن يقرأَ القرآن برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية، فعليه أن يُراعيَ الآتي في قراءته، حتى توافق قراءتُه قراءةَ حفص عن عاصم:

1- المدُّ المنفصل يجوز فيه أربع أو خمس حركات، أما المد المتصل فيجب مدُّه أربع حركات، ويجوز مدُّه خمسَ حركات، مع مراعاة توحيد المد في جميع القراءة.

2- كلمة (مجراها) من قوله - تعالى -: ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾ [هود: 41] تُقرَأ بالإمالة، أي: بتقريب الفتحةِ نحو الكسرة، والألف نحو الياء.

3- كلمة (يبصط) من قوله - تعالى -: ﴿ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصطُ ﴾ [البقرة: 245] تُقرَأ بالسين الخالصة.

4- كلمة (بصطة) من قوله - تعالى -: ﴿ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ﴾ [الأعراف: 69] تُقرَأ بالسين الخالصة.

5- (المسيطرون) من قوله - تعالى -: ﴿ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ﴾[الطور: 37] تُقرَأ بالصاد أو السين، والنطق بالصاد أشهر.

6- كلمة (بمصيطر) من قوله - تعالى -: ﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 22] تقرأ بالصاد الخالصة.

7- كلمة (ضعف) من قوله - تعالى -: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾ [الروم: 54] فتُقرَأ في المواضع الثلاثة بفتح الضاد وضمها، والفتح هو المقدَّم في الأداء.

8- كلمة (ءاتان) من قوله - تعالى -: ﴿ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ ﴾ [النمل: 36] تُقرَأُ بفتح الياء وصلاً، وأما في الوقف ففيها وجهان: الوجه الأول: إثبات الياء، والوجه الثاني: حذف الياء.

9- كلمة (أأعجمي) من قوله - تعالى -: ﴿ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ﴾ [فصلت: 44]: تُقرَأ بالتسهيل، أي: بتسهيل الهمزة الثانية بينها وبين الألف، وجهًا واحدًا فقط، لا يجوزُ لحفصٍ غيرُه.

10- كلمة (تأمنّا) من قوله - تعالى -: ﴿ مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا ﴾ [يوسف: 11] تُقرَأ بالإشمام أو الرَّوْم، ويعبِّر عنه بعضُهم بالاختلاس.

11- كلمة (سلاسلا) من قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ ﴾ [الإنسان: 4] تُقرَأ وصلاً بفتح اللامِ من غير تنوين، وفي الوقفِ تُقرَأ بوجهين: الوجه الأول بالألف، والوجه الثاني بإسكان اللام، والوجهانِ صحيحان مقروءٌ بهما.

12- كلمة (الاسم) من قوله - تعالى -: ﴿ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ﴾ [الحجرات: 11] فيها وجهانِ عند الابتداء بها، أحدهما: البدء بهمزةٍ مفتوحة مع كسر اللام، والآخر: حذف همزة الوصل، والبدء بلامٍ مكسورة فسين ساكنة.

13- كلمة (نخلقكم) من قوله - تعالى -: ﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾ [المرسلات: 20] فيها وجهان صحيحان، الوجه الأول: إدغام القاف في الكاف إدغامًا كاملاً، والوجه الثاني: إدغامُها في الكاف إدغامًا ناقصًا، ومعنى الإدغام الكامل: أن تُدخِل القافَ في الكافِ إدخالاً كاملاً، بحيث لا يظهر منها شيءُ، ومعنى الإدغام الناقص: أن تبقى صفةُ الاستعلاء، وتزول صفة القلقلة عن حرف القاف، والإدغام الكامل أولى ومقدَّمٌ في الأداء على الإدغام الناقص كما ذكر ابن الجزري في كتاب التمهيد.

14- كلمة (أَرْجِهْ) بالأعراف والشعراء، وكذا (فَأَلْقِهْ) بالنمل تقرأانِ بإسكانِ هاء الكناية.

15- كلمة (يَرْضَهُلَكُمْ) في سورة الزمرتُقرَأ بضم الهاء من غير صلةٍ.

16- كلمة (وَيَتَّقِهِ) في سورة النور تُقرأ لحفص بإسكان القافِ وكسرِ الهاء من غير صلةٍ.

17- كلمة (فيه) من قوله - تعالى -: ﴿ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ [الفرقان: 69] بسورة الفرقان، قرأها حفصٌ بالصلةِ؛ أي: بإشباعِ حركة الهاء بمقدار حركتين، فتُقرَأ هكذا (فِيهِي).

18- كلمة ﴿ آلذَّكَرَيْنِ ﴾ في موضعيها بسورة الأنعام، وكلمة: ﴿ الْآنَ ﴾ في موضعيها بسورة يونس، وكلمة ﴿ اللَّهُ ﴾ في موضعيها بسورتي يونس والنمل، هذه الكلماتُ الثلاثُ تُقرَأ بالمد الطويل ست حركات، أو التسهيل بين بين، ووجه الإبدال مع المد الطويل أَولى وأرجح.

19- كلمة (كهيعص) أول مريم، وكلمة (عسق) أول الشورى يجوزُ في عينِ كلٍّ منهما التوسطُ أربع حركات، والمد الطويل ست حركات وهو الأفضل.

20- كلمة (وليكونًا) من قوله - تعالى -: ﴿ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ [يوسف: 32]، وكلمة (لنسفعًا) من قوله - تعالى -: ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ﴾ [العلق: 15]، وكلمة (وإذًا( من قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 76]، هذه الكلماتُ الثلاث في مواضعها المذكورة تُقرَأ لحفص بالنون في حالة الوصل، وبالألف في حالة الوقف.

21- الألف الواقعة في الألفاظ الآتية تُحذَف وصلاً وتثبُتُ وقفًا: (أنا) حيث وقع في القرآن؛ نحو قوله - تعالى -: ﴿ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ﴾ [يوسف: 45] ، (لكنَّا) من قوله - تعالى -: ﴿ لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ﴾ [الكهف: 38]، (الظُّنُونَا) من قوله - تعالى -: ﴿ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴾ [الأحزاب: 10]، (الرَّسُولاَ) من قوله - تعالى -: ﴿ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴾ [الأحزاب: 66]، (السَّبِيلاَ) من قوله - تعالى -: ﴿ فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴾ [الأحزاب: 67]  ، (قَوَارِيرَا) بالموضع الأول من قوله - تعالى -: ﴿ كَانَتْ قَوَارِيرَا ﴾ [الإنسان: 15] ؛ هذه الكلماتُ كلُّها تُقرَأ بحذف الألفِ وصلاً، وإثباتها وقفًا، تبعًا للرسم، وأما ( قواريرا) في الموضع الثاني من قوله - تعالى -: ﴿ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ﴾ [الإنسان: 16] فمحذوفةُ الألف وصلاً ووقفًا.

22- السكتات الواجبة لحفصٍ، والتي انفرد بها عن جميع القراء، أربعةُ مواضع، وهي:

1- ألف ﴿ عِوَجًا ﴾ بالكهف، وحكمة السكت هنا أن الوصل من غير سكتٍ يوهم أن (قيِّمًا) صفة لـ: (عِوَجًا)، ولا يستقيم أن يكون القيِّمُ صفةً للمعوج.

2- ألف ﴿ مَرْقَدِنَا ﴾، وحكمة السكت أن الوصل من غير سكت يوهم أن قولَه - تعالى -: (هَذَا) من مَقُول المشركين المنكِرين للبعث.

3- نون ﴿ مَنْ رَاقٍ ﴾ [القيامة: 27] بالقيامة.

4- لام ﴿ بَلْ رَانَ ﴾ [المطففين: 14] بالمطففين، وحكمة السكت في هذين الموضوعين أن الوصل فيهما من غيرِ سكت يوهم أن كلاًّ منهما كلمة واحدة، بل هما كلمتان.

وأما السكتات الجائزة ففي موضعين:

الموضع الأول: بين الأنفال والتوبة.

الموضع الثاني: هاء (مَالِيَهْ) من قوله - تعالى -: ﴿ مَالِيَهْ * هَلَكَ ﴾ [الحاقة: 28، 29] بالحاقة، والسكت فيها هو المقدَّم في الأداء.

23- إظهار النون عند الواو في كل من:﴿ يس ﴾ [يس: 1]، ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم: 1].

24- إدغام الثاء في الذال في قوله - تعالى -: ﴿ يَلْهَثْ ذَلِكَ ﴾ [الأعراف: 176]، وإدغام الباء في الميم في قوله - تعالى -: ﴿ ارْكَبْ مَعَنَا ﴾ [هود: 42] إدغامًا كاملاً للتجانُسِ الذي بينهما.

25- إدغامُ الطاءِ في التاء في كل من: (بسطت) بالمائدة، (أحطت) بالنمل، إدغامًا ناقصًا مع بقاء صفة الإطباق؛ للتقارب الذي بينهما.

وإلى هنا نكتفي بما ذكرناه، ونقتصر على ما بيناه، ففي هذا القدر غنًى وكفاية، وأرجو الله أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وينفع به كل من أحب تلاوة كتاب الله العظيم، فهو الكافي في كل مهمة، والعدة في كل مُلمَّة.

المصادر والمراجع:

♦ القرآن الكريم.

♦ صحيح البخاري.

♦ صحيح مسلم.

♦ غاية المريد في علم التجويد - تأليف: عطية قابل نصر - ط6: دار التقوى.

♦ تيسير الرَّحمن في تجويد القرآن - تأليف: د. سعاد عبدالحميد - دار التقوى.

♦ الوقف اللازم والممنوع في القرآن المجيد - تأليف: د. محمد المختار محمد المهدي.

♦ منار الهدى في الوقف والابتدا - الشيخ أحمد محمد عبدالكريم الأشموني - طبعة عيسى الحلبي.

♦ قرَّاء الإسلام الأوائل - ابن فضل الله العمري - تحقيق ربيع الزواوي - ط: دار الفاروق.

♦ الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع - تأليف: الشيخ عبدالفتاح القاضي.

♦ أخلاق أهل القرآن للآجُرِّي.

♦ فضائل القرآن للنَّسائي.