• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

أقسام المقاصد عند الشاطبي

حمزة بن عبدالعزيز المجاطي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/6/2014 ميلادي - 9/8/1435 هجري

الزيارات: 325124

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أقسام المقاصد عند الشاطبي

المفيد في مقاصد الشريعة الإسلامية (2)


قسَّم الشاطبي المقاصد إلى قسمين رئيسين:

1- قصد الشارع، وقد قسمه إلى أقسام كما سيأتي إن شاء الله.

 

2- قصد المكلف، وخلاصته: أن قصد المكلَّف في العمل يجب أن يكون موافقًا لقصد الشارع، وإلا كان باطلاً، وهذا القسم لم يقسمه إلى أقسام؛ وإنما بحَثَه في مسائل، والكلام في المنهج سيكون مركزًا على القسم الأول، فإلى تفاصيله.

 

أقسام قصد الشارع عند الشاطبي: أربعة، وهي:

1- قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداءً لمراعاة مصالح العباد في الدارين.

2- قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام.

3- قصد الشارع في وضع الشريعة للتكليف بمقتضاها.

4- قصد الشارع في وضع الشريعة لدخول المكلف تحتها (أي: لامتثالها).

 

الترابط التسلسلي بين هذه الأقسام الأربعة:

قد يتوهَّم البعض أنه لا ترابطَ بين هذه الأقسام الأربعة التي ذكرها الشاطبي عند كلامه عن قصد الشارع، والحق أن بينها ترابطًا واضحًا للمتأمِّل.

 

فإن النوع الأول: وهو قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداءً، وهو أنه يتمثل في تحقيق مصالح العباد في الدارين، ولكي يتمكن العباد من القيام بهذه التكاليف الشرعية؛ قصد الشارع أن تكون مفهومة لهم، وإلى جانب ذلك، فإن الشارع قصد أن يكون المكلَّفون قادرين على تطبيق هذه التكاليف.

 

وعلى ذلك؛ فإن هذه التكاليف الشرعية قد وُضِعت وَفْقَ مصالح العباد، وهي قد وضعت وَفْق مفهومهم ووَفْق قدرتهم واستطاعتهم، فنتج عن ذلك قصد الشارع إلى أن يدخلوا تحت هذه التكاليف عمليًّا، عبوديةً له سبحانه وامتثالاً لأمره.

 

شرح هذه الأقسام الأربعة:

القسم الأول: قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداءً:

ومعنى ابتداءً؛ أي: بالقصد الذي يعتبر في المرتبة الأولى.

وقصد الشارع في وضع الشريعة بالقصد الأول هو أنها وُضِعت لمصالح العباد في العاجل والآجل معًا.

وهذه القضية مسلَّمة، والأدلة عليها أكثر من أن تحصر.

 

وقد استدل لها الشاطبي بالاستقراء، فقال:

"والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراءً لا ينازع فيه الرازي ولا غيره، فإن الله تعالى يقول في بعثِه الرسلَ - وهو الأصل -: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: 165]، {﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

وقال في أصل الخِلقة: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: 7]، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2].

 

وأما التعاليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسنة، فأكثر من أن تحصى؛ كقوله بعد آية الوضوء: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6].

 

وقال في الصيام: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

 

وفي الصلاة: ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].

 

وقال في القبلة: ﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾ [البقرة: 150].

 

وفي الجهاد: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39].

 

وفي القصاص: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179].

 

وفي التقرير على التوحيد: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 172]، والمقصود التنبيه.

 

وإذا دلَّ الاستقراء على هذا، وكان في مثل هذه القضية مفيدًا للعلم، فنحن نقطع بأن الأمر مستمرٌّ في جميع تفاصيل الشريعة.

 

ومن هذه الجملة ثبت القياس والاجتهاد، فلنجرِ على مقتضاه".

 

مراتب المصالح:

وهذه المصالح المذكورة في هذا القسم على مراتب ثلاث: ضرورية، وحاجية، وتحسينية.

 

يقول الشاطبي: "تكاليف الشريعة ترجعُ إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام: أحدها: أن تكون ضرورية، والثاني: أن تكون حاجية، والثالث: أن تكون تحسينية".

 

القسم الأول: المقاصد الضرورية:

وهي التي تقوم عليها حياة الناس، ويتوقَّف عليها وجودهم في الدنيا، بحيث لو فُقِدت لعمَّت فيهم الفوضى، وتعرَّض وجودهم للخطر والدمار.

 

أو هي - كما قال محمد الطاهر بن عاشور -: "التي تكون الأمة بمجموعها وآحادها في ضرورةٍ إلى تحصيلها، بحيث لا يستقيم النظام باختلالها، بحيث إذا انخرمت تؤول حالةُ الأمة إلى فسادٍ وتلاشٍ".

 

وقد حصرها العلماء في حفظ خمسة أشياء؛ هي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.

 

يقول الإمام الغزالي - رحمه الله -:

"ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يُفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة".

 

ولرعاية هذه المقاصد؛ وضع الشارع طريقين أساسيين:

أولاً: وضع الأحكام الشرعية التي تؤمِّن وجود هذه المصالح، وتقيم أركانها، وتُوفِّر تحقيق المنافع منها، وذلك في حالة وجودها.

 

ثانيًا: وضع الأحكام الشرعية التي تحفظ هذه المصالح، وتصونها من الضياع أو الإخلال بها، وذلك في حالة العدم، لدفع المفاسد عن الناس.

 

1- فحفظ الدين: يكون بأمرين:

أ- مراعاة حفظه من جانب الوجود، بإقامة أركانه وتثبيت قواعده؛ فشرعت لذلك أصول العبادات؛ كالإيمان، والنطق بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج.

 

ب- مراعاة حفظه من جانب العدم بما يدرأ عنه الاختلال الواقع أو المتوقع؛ ولذا شرع الجهاد لمحاربة المعتدين، وحماية المستضعفين، ورفع الظلم عنهم، وشرعت العقوبات غير المقدرة لإيقاف فساد المبتدعة في الدين.

 

2- حفظ النفس: ويكون بأمرين:

أ- حفظها من جانب الوجود، بتناول الطعام والشراب، واتخاذ الملبس والمسكن، مما يتوقف عليه بقاء الحياة وصون الأبدان.

 

ب- حفظها من جانب العدم، بإقامة العقوبات على مَن سوَّلت له نفسه المساس بها؛ ولذا شرع القصاص لقوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ [البقرة: 178].

 

3- حفظ العقل: ويكون بأمرين:

أ- حفظه من جانب الوجود، بتوجيهه إلى النظر والتفكير والاستنتاج؛ لقوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ ﴾، ﴿ أَفَلَا يَعْقِلُون ﴾، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾.

 

ب- حفظه من جانب العدم، بتحريم المُسكِرات وإقامة العقوبة عليها؛ ولذا شرع حد الشرب.

 

4- حفظ النسل: ويكون بأمرين:

أ- حفظه من جانب الوجود، بإباحة ما فُطِرت عليه النفس البشرية من الميل إلى الغريزة الجنسية؛ فشرع النكاح، وأحكام الحضانة، والنفقات، وما إلى ذلك.

 

ب- حفظه من جانب العدم، بمحاربة وعقوبة مَن يساهم في اختلاطه وإضعافه وانحلاله؛ ولذا شرع حد الزنا والقذف، وما إلى ذلك.

 

5- حفظ المال: ويكون بأمرين:

أ- حفظه من جانب الوجود، بتنميتِه تنميةً مشروعة؛ ولذا شرع المولى - عز وجل - طرقًا لكسبه، وإنفاقه، وتنميته.

 

ب- حفظه من جانب العدم، بتحريم السرقة والغش، والرشوة، بل إن الشارع أقام عليها عقوبات مقدرة وغير مقدرة، فقال تعالى في حد السرقة: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38]، وترك العقوبات غير المقدرة للحاكم يتصرف فيها وَفْق ما تقتضيه المصلحة.

 

القسم الثاني: المقاصد الحاجية:

وهي الأمور التي يحتاجها الناس لتأمين شؤون الحياة بيسر وسهولة، وتدفع عنهم المشقة، فإذا فُقِدت هذه الأمور لا يختل نظام حياتهم، ولا يتهدَّد وجودهم، ولكن يلحقهم الحرج والضيق؛ لذلك تأتي الأحكام التي تُحقِّق هذه المصالح الحاجية للناس؛ لتساعدهم على صيانة مصالحهم الضرورية وتأديتها، وهي جارية في العبادات، والعادات، والمعاملات، والجنايات:

• ففي العبادات: شُرِعت الرخص المخففة للمشقة المترتبة على السفر والمرض.

• وفي العادات: أبيح الصيد والتمتُّع بالطيِّبات مما هو حلال مأكلاً ومشربًا وملبسًا ومركبًا، وما إليه.

• وفي المعاملات: شرعت القسامة، وضرب الدِّيَة على العاقلة، وتضمين الصُّنَّاع، وما أشبه ذلك.

 

القسم الثالث: المقاصد التحسينية:

وهي الأمور التي تتطلَّبها المروءة والآداب ومكارم الأخلاق، ويحتاج الناس إليها لتسيير شؤون حياتهم على أكمل وجه، وإذا فقدت لا تختلُّ شؤون الحياة، ولا ينتاب الناسَ الحرجُ والمشقة، ولكن يحسُّون بالخجل وتستنكر عقولهم وتأنف فطرتهم من فقدها.

 

وهي جارية فيما جرى فيه الأُولَيان، وأمثلة ذلك ما يلي:

• ففي العبادات: شُرعت الطهارات كلها، وستر العورة، وأخذ الزينة، والتقرب بنوافل الخيرات... إلخ.

 

• وفي العادات: كآداب الأكل والشرب، ومجانبة المآكل النجسات، والمشارب المستخبثات، والإسراف والإقتار في المتناولات.

 

• وفي المعاملات: كالمنع من بيع النجاسات، وفضل الماء والكلأ، وما أشبه ذلك.

 

• وفي الجهاد: كمنع قتل النساء والصبيان والرهبان، وما إلى ذلك.

 

وكل مرتبة من هذه المراتب الثلاث لها تتمَّة وتكملة، بحيث لو فُقِدت لم يُخِلَّ بحكمتها الأصلية؛ أي إن فقد المكمل والمتمم لا يعود على الأصل بالإبطال.

 

الأحكام المتممة والمكمِّلة للمصالح:

اقتضتِ الحكمةُ الإلهية أن تضع أحكامًا تشريعية إضافية مكمِّلة للأحكام التي شرعت لحفظ كل نوع من أقسام المصالح، لتصبح أمانًا احتياطيًّا، وسياجًا واقيًا؛ لتكون الشريعة تامَّة وكاملة، كما ارتضاها لنا المولى عز وجل.

 

• فشرع الإسلام الصلاةَ لحفظ الدين، وشرع للصلاة أحكامًا تكميلية؛ كالأذان لإعلانها، وصلاة الجمعة في المسجد، وخطبة الجمعة والعيدين لتعليم الناس أمور دينهم.

 

• وشرع القصاص لحفظ النفوس، وشرع لإكماله التماثل في النفس والعضو والجروح.

 

• وشرع النكاح لحفظ النسل والنسب، وشرع لإكمال المقصد منه الإعفاف، والقيام بحقوق الزوجية، وحسن المعاشرة، والسعي لكسب الحلال، والقيام بشؤون البيت.

 

• وحرَّم الإسلام الزنا لحفظ العرض وصَوْن النسل، وشرع لإكماله غضَّ البصر، والاستئذان عند دخول البيت، وحرَّم التبرُّج وإبداء الزينة، وحرَّم الخلوة بالمرأة الأجنبية.

 

• وحرم الإسلام الخمر لحفظ العقل، وشرع لإكماله تحريم القليل منه، ولو لم يُسكِر، كما طلب الشارع التورُّع عن الشبهات.

 

• وشرع الإسلام لتكميل الحاجيات الشروط في العقود، ونهى عن الغرر والجهالة، المفضيات إلى التخاصم والتحاقد.

 

• وفي التحسينات بيَّن الشارع شروط الطهارة، والإنفاق من الكسب الطيب، وأن يحسن المسلم الأضحية والعقيقة، ونهى عن الإسراف والتقتير.

 

وقد شرط الشاطبي في كل تكملة - من حيث هي تكملة - ألا يعود اعتبارُها على الأصل بالإبطال، فإن أفضى اعتبارُها إلى هدم أصلها، فلا يلتفت إليها؛ وذلك لوجهين:

أحدهما: أن في إبطال الأصل إبطال التكملة؛ لأن التكملة مع ما كملتْه كالصفة مع الموصوف.

 

والثاني: لو قدر تقديرًا أن المصلحة التكميلية تحصل مع فوات المصلحة الأصلية، لكان حصول الأصلية أولى؛ لما بينهما من التفاوت.

 

ثم وضع الشاطبي قواعد خمسًا أوضح فيها ما تكون عليه المقاصد الضرورية إذا تعرَّضت للاختلال؛ وهي:

1- أن الضروري أصل لما سواه من الحاجي والتكميلي.

2- أن اختلال الضروري يلزم منه اختلال الباقيينِ بإطلاق (اختلالاً تامًّا).

3- أنه لا يلزم من اختلال الباقيين اختلال الضروري.

4- أنه قد يلزم من اختلال التحسيني بإطلاق أو الحاجي بإطلاق اختلالُ الضروري بوجهٍ ما.

5- أنه ينبغي المحافظة على الحاجي وعلى التحسيني لحفظ الضروري.

 

ومرماه من تقرير هذه القواعد وتوضيحها، الوصول إلى النتيجة التالية:

على المرء أن يعتني بهذه المكملات؛ حتى يأتي بالضروري كاملاً ومتينًا ومحصنًا.

 

يقول الشاطبي:

"الصلاة - مثلاً - إذا تقدَّمتها الطهارة أشعرت بتأهُّب لأمر عظيم، فإذا استقبل القِبْلة أشعر التوجُّه بحضور المتوجَّه إليه، فإذا أحضر نية التعبد أثمر الخضوع والسكون، ثم يدخل فيها على نسقها بزيادة السورة خدمة لفرض أمِّ القرآن؛ لأن الجميع كلام الرب المتوجَّه إليه، وإذا كبَّر وسبَّح وتشهَّد، فذلك كله تنبيه للقلب وإيقاظ له أن يغفل عما هو فيه من مناجاة ربه والوقوف بين يديه، وهكذا إلى آخرها، فلو قدَّم قبلها نافلة كان ذلك تدريجًا للمصلي واستدعاءً للحضور، ولو أتبعها نافلة أيضًا لكان خليقًا باستصحاب الحضور في الفريضة".

 

إلى قوله: "فأنت ترى أن هذه المكملات الدائرة حول حمى الضروري خادمةٌ له ومقوية لجانبه، فلو خلَت عن ذلك أو عن أكثره، لكان خللاً فيها، وعلى هذا الترتيب يجري سائر الضروريات مع مكملاتها لمن اعتبرها".

 

ما يترتب على هذا التقسيم:

تظهر أهمية هذا التقسيم في مسائل الترجيح بين المصالح، وذلك على الترتيب التالي:

1- الضروري.

2- مكمِّل للضروري.

3- الحاجي.

4- مكمِّل للحاجي.

5- التحسيني.

6- مكمِّل للتحسيني.

 

فإذا حصل تعارضٌ بين مصلحتين، نتج عن هذه المراتب الست عدة حالات، نذكر بعضها:

1- أن تكون كلا المصلحتينِ في رتبة الضروري، إلا أن الأولى تتعلق بحفظ الدين، والثانية تتعلق بحفظ النفس وما دونها، فتُرجَّح الأولى على الثانية.

مثال ذلك: قتل أسرى المسلمين الذين تترَّس بهم الكفار ليُداهِموا أرض المسلمين، فيقتلونهم ويفتنون مَن بقي منهم عن دينه؛ لأن في قتلهم كسرًا لشوكة الكفار، وينتج عنه المحافظة على الدين، وهي أقوى من مصلحة المحافظة على النفس، فرجحت عليها.

 

2- أن تكون الأولى في رتبةِ الضروري، والثانية في رتبة المكمِّل له، فترجح الأولى على الثانية.

مثال ذلك: الجهاد وراء الإمام الفاسق؛ لِما جاء في سنن أبي داود: ((الجهاد واجب عليكم مع كل أمير، برًّا كان أو فاجرًا))، فجهاد الكفار من أجل حفظ الدين ضروري، وتوفر العدالة في الإمام الذي نجاهد خلفه مكمِّل لهذا الضروري؛ لذا رجح ما هو في رتبة الضروري على ما هو مكمِّل له، فجاز أن نجاهد وراء الفاسق.

 

3- أن تكون الأولى في رتبة الضروري والثانية في رتبة الحاجي، فترجح الأولى على الثانية.

مثال ذلك: مَن أشرف على الهلاك، ولا يوجد أمامه إلا الحرام كالميتة، فإن ترك الميتةَ أخل بالضروري وأهلك نفسه، وإن تناول الميتة حافظ على الضروري على حساب الحاجي المتمثِّل في تناول الحلال، فيجب عليه أن يتناول الميتة بالقدر الذي يحافظ فيه على حياته.

 

4- أن تكون الأولى حاجية والثانية تحسينية، فترجح الأولى على الثانية.

مثال ذلك: الصلاة خلف الإمام الفاسق؛ لما جاء في الحديث: ((والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم، برًّا كان أو فاجرًا، وإن عمل الكبائر))؛ رواه أبو داود.

 

فصلاة الجماعة من شعائر الإسلام، وهي في رتبة الحاجي، وأداؤها وراء الإمام الصالح من التحسينات، فإذا انعدم الصالح وحلَّ محله الفاسق، تعيَّنت صلاة الجماعة وراءه، إقامة لهذه الشعيرة، ترجيحًا للحاجي على التحسيني.

 

بعض القواعد الفقهية المتعلقة بترجيح المصالح:

وأختم هذه الفقرة - حالة تعارض المصالح - بسرد أهم القواعد الفقهية التي وضعها علماء الفقه والأصول لترجيح أحد الأحكام والمصالح على الآخر، وهي:

1- الضرورات تبيح المحظورات.

2- يتحمَّل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.

3- يختار أهون الشرين.

4- يُرتَكب أخفُّ الضررين لاتقاء أشدهما.

5- المشقة تجلب التيسير.

6- الحاجة تنزل منزلة الضرورة.

7- الحرج مرفوع شرعًا.

8- الضرر يزال شرعًا.

9- الضرر لا يزال بالضرر.

10- دفع المضار مقدَّم على جلب المنافع.

11- درء المفاسد أولى من جلب المصالح.

 

مسألة من المسائل التي ذكرها الشاطبي:

المصالح المجتلبة شرعًا والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تُقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية، أو درء مفاسدها العادية، والدليل على ذلك أمور:

أحدها: أن الشريعة إنما جاءت لتُخرِج المكلَّفين عن دواعي أهوائهم، حتى يكونوا عبادًا لله، وهذا المعنى إذا ثبت لا يجتمع مع فرضِ أن يكون وضعُ الشريعة على وَفْق أهواء النفوس، وطلب منافعها العاجلة كيف كانت.

 

والثاني: أن المنافع الحاصلة للمكلَّف مَشُوبة بالمضارِّ عادةً، كما أن المضار محفوفةٌ ببعض المنافع، كما نقول: إن النفوس محترمة محفوظة ومطلوبةُ الإحياء، بحيث إذا دار الأمر بين إحيائها وإتلاف المال عليها، أو إتلافها وإحياء المال، كان إحياؤها أولى، فإنْ عارَض إحياؤها إماتةَ الدين، كان إحياء الدين أولى وإن أدَّى إلى إماتتها؛ كما جاء في جهاد الكفار، وقتل المرتد، وغير ذلك، وكما إذا عارض إحياء نفس واحدة إماتة نفوس كثيرة في المحارب مثلاً، كان إحياء النفوس الكثيرة أولى، وكذلك إذا قلنا: الأكل والشرب فيه إحياء النفوس، وفيه منفعة ظاهرة، مع أن فيه من المشاق والآلام في تحصيله ابتداءً، وفي استعماله حالاً، وفي لوازمه وتوابعه انتهاءً، كثيرًا.

 

ومع ذلك، فالمعتبر إنما هو الأمر الأعظم، وهو جهة المصلحة التي هي عماد الدين والدنيا، لا من حيث أهواء النفوس، حتى إن العقلاء قد اتَّفقوا على هذا النوع في الجملة، وإن لم يُدرِكوا من تفاصيلها قبل الشرع ما أتى به الشرع، فقد اتفقوا في الجملة على اعتبارِ إقامة الحياة الدنيا لها أو للآخرة؛ بحيث منعوا من اتباع جملة من أهوائهم بسبب ذلك، هذا وإن كانوا بفقد الشرع على غير شيء، فالشرع لَمَّا جاء بيَّن هذا كله، وحمل المكلَّفين عليه طَوْعًا أو كَرْهًا، ليُقِيموا أمر دنياهم لآخرتهم.

 

والثالث: أن المنافع والمضار عامَّتها إضافية لا حقيقية، ومعنى كونها إضافية أنها منافعُ أو مضار في حال دون حال، وبالنسبة إلى شخص دون شخص، أو وقت دون وقت؛ فالأكل والشرب مثلاً منفعة للإنسان ظاهرة، لكن عند وجود داعية الأكل، وكون المتناوَل لذيذًا طيبًا، لا كريهًا ولا مرًّا، وكونه لا يولِّد ضررًا عاجلاً ولا آجلاً، وجهةُ اكتسابه لا يلحقه به ضرر عاجل ولا آجل، ولا يلحق غيره بسببه أيضًا ضرر عاجل ولا آجل.

 

وهذه الأمور قلما تجتمع، فكثير من المنافع تكون ضررًا على قومٍ، لا منافع، أو تكون ضررًا في وقت أو حال، ولا تكون ضررًا في آخر، وهذا كله بيِّن في كون المصالح والمفاسد مشروعة أو ممنوعة لإقامة هذه الحياة، لا لنَيْل الشهوات، ولو كانت موضوعة لذلك لم يحصل ضرر مع متابعة الأهواء، ولكن ذلك لا يكون، فدلَّ على أن المصالح والمفاسد لا تتبع الأهواء.

 

والرابع: أن الأغراض في الأمر الواحد تختلف، بحيث إذا نفذ غرض بعض وهو منتفع به، تضرر آخر لمخالفة غرضه، فحصول الاختلاف في الأكثر يمنع من أن يكون وضعُ الشريعة على وَفْق الأغراض، وإنما يستتب أمرها بوضعها على وَفْق المصالح مطلقًا، وافقت الأغراضَ أو خالفتها.

 

القسم الثاني: قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام:

أي إن الشارع قصد في أحكامه الشرعية أن تكون مفهومة للمكلَّفين؛ كي يتسنَّى لكل مكلَّف فهم المقصود من التكليف، وهذا الفهم إنما يكون إذا سلَّمنا بأمرين اثنين:

الأول: أن هذه الشريعة المباركة جاءت بلسان عربي.

الثاني: أن هذه الأمة المباركة أميَّة.

 

الفكر المقاصدي والتجديد في التشريع الإسلامي

إن الحاجة اليوم إلى تجديد منهج استنباط الأحكام الشرعية ملحَّةٌ؛ ذلك أن الواقع يتطوَّر بنسق سريع، يترك الفقه الإسلامي يعيش فراغاتٍ كبيرةً لا يمكن أن تجد لها حلولاً في آراء القدامى، ولا تستوعبها المدونة الفقهيَّة الموروثة على أهميتها.

 

ولقد مرَّ التشريع الإسلامي بمراحلَ مختلفةٍ، وكان المنهج الأصولي يستجيبُ في كل مرحلة للتحديات الواقعية التي يواجهها المسلمون، فقد انطلق مع اجتهادات الخلفاء، خاصةً عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لكن المحطة الأولى للتدوين والتقعيد كانت مع الإمام الشافعي في كتابه "الرسالة"، الذي يبدو فيه علم أصول الفقه إنتاجًا إسلاميًّا خالصًا، رغم تشتت مباحثه، مما بوَّأ الإمام الشافعي مكانةَ الواضع لعلم أصول الفقه.

 

وتوالت الكتابات بعده، فألف الدبوسي "تأسيس النظر"، والبصري "المعتمد في أصول الفقه"، وابن حزم "الإحكام في أصول الأحكام".

 

وصنف الإمام الجويني "البرهان"، وهو كتاب ضخم بدأ يظهر فيه البناء الرباعي لهذا العلم الجليل، وإمام الحرمين أبو المعالي هو "صاحب الفضل والسبق في التقسيم الثلاثي لمقاصد الشريعة (الضرورات - الحاجيات - التحسينيات)، وهذا التقسيم سيصبح من أسس الكلام في المقاصد"؛ (الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي).

 

ثم جاء تلميذه الإمام الغزالي ومثَّل المحطة الثانية المهمَّة في تاريخ علم أصول الفقه، وبَلْوَر بناءه الرباعي، فكانت شجرة الأصول بفروعها الأربعة: الثمرة، والمثمر، وطرائق الاستثمار، والمستثمِر، وتعني: الحكم، والأدلة، وطرق الاستنباط، والمجتهد.

 

وأضاف الغزالي مقدمةً طويلة عن المنطق لكتابه "المستصفى من علم أصول الفقه"، واشترط المنطق في كل علم، فمن لا منطق له لا ثقة بعلمه، وفي "المستصفى نظم الغزالي المقاصد بشكل أكثر إحكاما وتنقيحا"،، وقد "أصبحت هذه الخطوات التي خطاها الإمام الغزالي، وهذه المبادئ التي نقحها وحررها في مقاصد الشريعة، هي المبتدأ والمنتهى لعامة الأصوليين الذين جاؤوا بعده، حتى نصل إلى الإمام الشاطبي"؛ (الريسوني، نظرية المقاصد).

 

ويرى الشيخ محمد الفاضل بن عاشور وجود مرحلة بين علمي "الأصول والمقاصد"، وهي مرحلة "القواعد" و"الفروق"؛ ذلك أن البحث عن مقاصد الشريعة لا يُنتظر أن يوجد في كتب أصول الفقه؛ وإنما يوجد مبثوثًا في الأوضاع الفقهية الأولى التي كانت تبحث الحكم والعلل والمصالح، وتستند في ذلك إلى القواعد العامة؛ ذلك أن الفقهاء هم الذين اتجهوا إلى البحث عما يسمى حكمة المشروعية، وبحثوا في تحكيم المصالح، ووازنوا بين الأقوال الفقهية وما يكون منها أكثر تحقيقًا للمصالح؛ لذلك برز فن "القواعد" و"الفروق"؛ وقد برز فيه:

من الشافعية العز بن عبدالسلام بكتابه: "قواعد الأحكام في مصالح الأنام".

ومن المالكية شهاب الدين القرافي بكتابه: "أنوار البروق في أنواء الفروق".

 

وهذه الطريقة تكمنُ أهميتها في استخراج العلل، فتسمو بها إلى المراجع الكلية لتصبح قواعد جامعةً، أو فروقًا تبين نشأة الاختلاف بين المسائل، وهذا الفن سماه مالكية المغرب بعلم "الأصول القريبة".

 

ونحن عند البحث عن المقاصد نجد جذورَ تأصيلها في الاجتهادات الفقهية لعمر الفاروق (رضي الله عنه)، غير أن هذا الفن لم يرتفع عن النسق المذهبي، بل ساير النزعة المذهبية؛ لأنه اعتمد الفروع الفقهية داخل المذهب، وبنى منها الكليات لتكون أصولاً للمذهب، وهي طريقة تقترب من المنهج الحنفي الذي لا ينطلق من المعاني النظرية الاستدلالية، ولا يتمسَّك بالأصول المبدئية، منطلقًا للاجتهاد المطلق، وإنما يعتمد الفروع وينطلق منها.

 

وقد امتاز العلامة المغربي أبو عبدالله المقري بجهده في هذا المجال، فسمَا بعلم الأصول القريبة (القواعد)، ليبحث عن مبادئ كلية لا اختلاف فيها بين المذاهب، وفي نفس الإطار تندرج حركة التجديد التي قام بها شيخ الإسلام ابن تيمية، وتبعه في ذلك تلميذه ابن قيم الجوزية في "إعلام الموقعين"، وقد انبنت هذه المحاولات على نقد موضوعي منهجي لعلم الأصول؛ (راجع محاضرات للشيخ محمد الفاضل بن عاشور، بين أصول الفقه ومقاصد الشريعة).

 

وجاء الإمام الشاطبي ليسموَ بأصول الفقه إلى درجةِ الأمر القطعي، من خلال وضعه علمًا جديدًا هو "علم مقاصد الشريعة"، ومثَّل الإمام الشاطبي المحطة الثالثة في هذا العلم، بل يعدُّ مرحلة راقية، وإضافة نوعية في علم أصول الفقه؛ إذ كان تركيز السابقين عنه على المسائل اللُّغوية ومباحث الألفاظ والمعاني والعلل، فارتقى بها الإمام الشاطبي إلى استجلاء مقاصد الشريعة الإسلامية، وليكمل الشطر الثاني من علم أصول الفقه، وهي المقاصد التشريعية، فاهتم بأسرار الشريعة ومقاصدها (من جهة وضع الشريعة ابتداءً، ووضع الشريعة للإفهام، ووضع الشريعة للتكليف، ووضع الشريعة للامتثال)، كما وضع منهجًا لاستقراء طرق معرفة المقاصد، أو طرق الكشف عنها، والاستقراء هو استخلاص القواعد من الأحكام الجزئية.

 

وهو بتعريف الدكتور سعد الدين العثماني: "صياغة قاعدة عامة من تتبع حالات جزئية كثيرة، أو تجميع أدلة جزئية متعددة لا يقوى أي منها على إفادة القطع"؛ (من مقال لمجلة "الفيصل" السعودية عدد 123).

 

وقد ذكر الدكتور عبدالله دراز، في مقدمة كتاب "الموافقات"، أن لاستنباطِ أحكام الشريعة ركنين:

أحدهما: علم لسان العرب.

وثانيهما: علم أسرار الشريعة ومقاصدها.

 

فقال: "وقد وقف هذا الفن منذ القرن الخامس عند حدود ما تكوَّن منه في مباحث الشطر الأول، وما تجدَّد من الكتب بعد ذلك دائرٌ بين تلخيص وشرح ووضع له في قوالب مختلفة، وهكذا بقي علم الأصول فاقدًا قسمًا عظيمًا، هو شطر العلم الباحث عن أحد ركنَيْه، حتى هيَّأ الله - سبحانه وتعالى - أبا إسحاق الشاطبي في القرن الثامن الهجري، لتدارك هذا النقص وإنشاء هذه العمارة الكبرى في هذا الفراغ المترامي الأطراف في نواحي هذا العلم الجليل"؛ (مقدمة الشارح للموافقات).

 

وقد توسَّع الإمام الشاطبي في مقاصد الشريعة بعد أن كانت مغمورة يشار إليها في مباحث العلة في القياس، أو كانت "خبايا في بعض مسائل أصول الفقه، أو في مغمور أبوابها المهجورة... ترسب في أواخر كتب الأصول، ولا يصل إليها المؤلفون إلا عن سآمة... فبقيت ضئيلة ومنسية"؛ (ابن عاشور، مقاصد الشريعة، المقدمة).

 

وقد انتقل بها الإمام الشاطبي من الخبايا والإشارة، إلى الصدارة والعمارة والتأسيس، وأخرج الاجتهاد من مضايق قواعد اللغة و"العلل" الجزئية، إلى متسعات المقاصد الرحبة، بعد أن جمد العلماء على الموروث، متمسكين به، منخرطين في منهجه؛ مما أفرز توجهًا ضيقًا جمد على الفروع والمناحي الفردية، فكان الشاطبي - رحمه الله - علامةً مضيئة في تاريخ الاجتهاد، فمثَّل بجهده التجديدي إضافةً نوعية كانت فتحًا من الفتوحات المهمة في علم أصول الفقه، وقد ارتقى به من الجانب النظري إلى التأسيس "لفقه التنزيل"، خاصة من خلال طرح مسائل تحقيق المناط واعتبار مآلات الأفعال واعتبار المقاصد.

 

يقول الإمام الشاطبي:

"النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا، كانت الأفعالُ موافقةً أو مخالفة؛ وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعلٍ من الأفعال الصادرة عن المكلَّفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك العمل"؛ (الموافقات).

 

ويقول الدكتور حسن حنفي في حديثه عن الشاطبي:

"فإذا ما تَمَّت تنقية مقاصد الوحي، وتحويلها إلى مقاصد المكلف، أمكن أن يصبح الوحي نظامًا مثاليًّا للعلم من خلال فعل المكلَّف، وبالتالي تحقيق خلافة الله في الأرض من خلال المكلف، وعلى هذا النحو يكون علم أصول الفقه هو علم (التنزيل) الذي يستنبط الأحكام الشرعية ويتجه من الله إلى الإنسان، وفي هذه الحالة يكون علم أصول الفقه هو العلم الذي يعطي للمسلمين ما يحتاجون إليه في عالَمِهم هذا وفي عصرهم هذا"؛ (حسن حنفي، دراسات إسلامية).

 

وهكذا كان للإمام الشاطبي أثرٌ ظاهر في التأسيس لعلم المقاصد الشرعية، وكان الرائد الذي سار في طليعة العلماء ومهَّد الطريق؛ ذلك أن كشف القوانين العامة والقواعد، واستجلاء الغوامض - يرتَهِن في كل مرحلة من التاريخ بظهور الأفذاذ، وكان الشاطبي أحدهم.

 

يقول الشيخ محمد الفاضل بن عاشور:

"لقد بنى الشاطبي - حقًّا - بهذا التأليف هرمًا شامخًا للثقافة الإسلامية، استطاع أن يُشرِف منه على مسالكَ وطرقٍ لتحقيق خلود الدين وعصمته، قلَّ مَن اهتدى إليه قبلَه، فأصبح الخائضون في معاني الشريعة وأسرارها عالةً عليه، وظهرت مزية كتابه ظهورًا عجيبًا، لما أشكلت على العالم الإسلامي - عند نهضته من كبوته - أوجهُ الجمع بين أحكام الدين ومستجدات الحياة العصرية، فكان كتاب "الموافقات" للشاطبي هو المفزعَ، وإليه المرجع"؛ (ابن عاشور محمد الفاضل، أعلام الفكر الإسلامي)، وهذا ما دعا الإمام محمد عبده للاهتمام بهذا الكتاب ودعوة الطلاب لمدارسته قبل أن ينتشر الوعي بأهمية هذا المؤلف.

 

ونخلص من خلال كلام ابن عاشور إلى أهمية المقاصد في التجديد والنهوض الحضاري، فالمقاصد الشرعية يمكن أن تستوعب المستجدَّات المعاصرة، وتحقق الاستجابة للتحدِّيات التي تواجه المشروع الإسلامي.

 

واليوم يحتاج التجديدُ إلى فقهِ المقاصد "لتحويل الوحي إلى فعلٍ في العالم، وإلى حركة في التاريخ"، وذلك بتطوير الاجتهاد المقاصدي، وبَلْوَرة فقه الأولويات، وفقه الموازنات، وفقه السنن، وفقه الأقليات، وهذه كلها مما يستوجبها الدرس المقاصدي اليوم لتغطية كل نشاطات الإنسان وكل مجالات الحياة، وتوسيع الكليات، وإبراز كل المقاصد في النفس والتاريخ والاجتماع والمعرفة، وإعادة رسم المقاصد لتكون منظومةً واسعة ومستوعبة لكل التطورات؛ لأن العلم الإسلامي الحقيقي هو العلم الذي لا تتعارض فيه العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية، مع الاستفادة من مناهج هذه العلوم - طبعًا بعد تجريدها من أسسها الفلسفية الوضعية - لتبرزَ المقاصد في التفكير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فالحاجة اليوم هي للتجديد، لا للاختصار والشرح من دون إضافة.

 

ويمثل مشروع الإمام محمد الطاهر بن عاشور في استنباط مقاصد شرعية قطعيةٍ لفضِّ الخلاف المستند إلى الظنيات التي تختلف فيها الأفهام - خطوةً إضافية ونوعية في سبيل الارتقاء بهذا العلم.

 

يقول ابن عاشور:

"فنحن إذا أردنا أن نُدوِّن أصولاً قطعية للتفقُّه في الدين، حقَّ علينا أن نعمِدَ إلى مسائل أصول الفقه المتعارفة، وأن نعيد إذابتها في بوتقة التدوين، ونعيرها بمعيار النظر والنقد، فننفي عنها الأجزاء الغريبة التي علقت بها، ونضع فيها أشرف معادنِ مداركِ الفقه والنظر، ثم نعيد صَوْغ ذلك العلم ونسميه علم مقاصد الشريعة"؛ (ابن عاشور، المقاصد، المقدمة).

 

وكتب - رحمه الله - فصلاً بعنوان: "أدلة الشريعة اللفظية لا تستغني عن معرفة المقاصد الشرعية"، أكَّد فيه على أهمية اعتبار المقاصد التي تدلُّ عليها القرائن والأمارات الخارجة عن النص، وحمل على المتعامِلين مع النصوص بتجريدها من الدلائل التي تهدي إلى مقاصدها ومعانيها الحقيقية.

 

يقول ابن عاشور:

"ومن هنا يقصر بعض العلماء، ويتوحَّل في خضخاض من الأغلاط حين يقصر في استنباط أحكام الشريعة على اعتصار الألفاظ، ويُوجِّه رأيه إلى اللفظ مقتنعًا به، فلا يزال يُقلِّبه ويحلله ويأمل أن يستخرج لبه، ويهمل ما قدمناه من الاستعانة بما يحف بالكلام من حافات القرائن والاصطلاحات والسياق"؛ (ابن عاشور، المقاصد، ص24).

 

وأمام ازدحام الواقع بالأحداث، وتسارع نسق المستجدات في مختلف مجالات تصريف شؤون المجتمع، تصبح الحاجةُ إلى منهجٍ في الاستنباط يمكن أن يستوعب هذا العصر من دون التنكر إلى ثوابت الأصل - مسألةَ ضرورةٍ؛ حتى يستعيد العقلُ الفقهي صلتَه بالواقع، ويحقق للاجتهاد الاستجابة المطلوبة للتحديات الحضارية بكل أبعادها، ويساعد على فهم العصر وتطوير المعرفة الإسلامية في النفس والاجتماع والتاريخ، على أرضية المرجعية الإسلامية، باعتبارها عنوان الانتماء للإسلام، وإلا لَمَا كانت هناك جدوى للحديث عن الاجتهاد إذا كان من خارج دائرة هذه المرجعية، مهما كانت العناوين التي يتدثَّر بها، غيرَ أن فكر المقاصد اليوم لم يتقدَّم كثيرًا عن الدعوة والمناداة بضرورة التجديد وفتح آفاق الاستنباط، ولم ينجز أصحابُه مشاريعَ تطبيقية يمكن أن تكون نموذجًا لدعوات الإمام ابن عاشور، فبقيت هذه المشاريع في طور الإضافات الجزئية والتوضيحات المنهجية داخل الجامعات الإسلامية، خاصة في بلاد المغرب، وبقي كتاب الإمام الشاطبي وابن عاشور في مقاصد الشريعة، كمقدمة ابن خلدون في فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع، ولكن البحث يراكم المعرفة، وبالمراكمة تتحقق الإضافة النوعية ويتحرَّر العقل الإسلامي الفقهي من سجن الماضي؛ لأن السجين - في زنزانته - يشعر بالماضي أكثر من الحاضر، فيُهرَع إلى الذكريات يستعيدها، والإسلام بطبيعته لا يفر من الواقع، بل يسعى إلى أسمى درجات الكمال الإنساني في الروح والمادة والعقل، ضمن منهج الاستخلاف؛ باحث وكاتب من تونس[1].



[1] - مقتطف من جريدة الشرق الأوسط الصادرة بتاريخ يوم الثلاثـاء 19 ربيـع الأول 1432 هـ 22 فبراير 2011 العدد 11774.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حول نظرية المقاصد الشاطبية (1)
  • حول نظرية المقاصد الشاطبية (2)
  • حول نظرية المقاصد الشاطبية (3)
  • مقدمة حول الاجتهاد والتقليد عند الإمام الشاطبي
  • محال الاجتهاد عند الشاطبي
  • معرفة مواضع الخلاف عند الشاطبي
  • أسباب الخلاف بين العلماء عند الشاطبي

مختارات من الشبكة

  • رأي الإمام الشاطبي في أقسام تحقيق المناط في الاجتهاد (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة- الدرس السابع (أقسام التوحيد وأقسام الشرك)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • أقسام التوحيد وأقسام الشرك(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)
  • أقسام التوحيد وتعريفاتها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أقسام الناس في الصلاة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أقسام المجاز وأحكامه وعلامات الحقيقة والمجاز(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تابع أقسام الرخصة (مقالات في الرخصة والعزيمة - 5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أقسام علامات القيامة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أقسام الرخصة (مقالات في الرخصة والعزيمة - 4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أقسام النحو(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
1- ما فهمته من المقاصد
abdelaziz el faghloumi - marroc 05-10-2022 07:30 PM

الحمد لله فهمت أن الضروريات إذا اختل منها شيء كان ذلك سبب في زحزحة للمجتمع على عكس باقي المقاصد

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب