تحقيق تخريج مسألة ( أتاني جبريل وفي يده كهيئة المرآة البيضاء )

تحقيق تخريج مسألة ( أتاني جبريل عليه السلام وفي يده كهيئة المرآة البيضاء )

للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي

قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن سالم بن عبدالله، أنه سمع أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أتاني جبريل عليه السلام وفي يده كهيئة المرآة البيضاء، فيها نكتة سوداء)). مثل حديث أبي اليقظان.[1]

فقلت لأبي: هذا سالم بن عبدالله بن عمر؟

قال: لا، هذا شيخ شامي[2].

رجال الإسناد:

• الوليد بن مسلم القرشي مولاهم، أبو العباس الدمشقي (ت195).

ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية.

قال أبو مُسْهِر: كان الوليد يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذأبين ثم يدلسها عنهم، وقال الدارقطني: الوليد بن مسلم يُرسل، يروي عن الأوزاعي أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي، مثل نافع وعطاء والزهري، فَيُسقط أسماء الضعفاء، ويجعلها عن الأوزاعي عن نافع، وعن الأوزاعي عن عطاء والزهري، يعني مثل عبدالله بن عامر الأسلمي، وإسماعيل بن مسلم.

انظر تهذيب الكمال31/86، التهديب11/151، التقريب (7456).

• عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي، أبو عبدالله الدمشقي الزاهد (ت165). روى عن أبيه، والزهري، وهشام بن عروة، ومنصور بن المعتمر، وغيرهم، روى عنه الوليد بن مسلم، والوليد بن الوليد القلانسي، وعلى بن الجعد، وغيرهم.

قال أبو حاتم: ثقة. وقال في موضع آخر: يشوبه شيء من القدر، وتغير عقله في آخر حياته، وهو مستقيم الحديث. وقال دُحيم: ثقة يُرمى بالقدر.

وقال ابن معين - في رواية -، وابن المديني، والعجلي، وأبو زرعة: ليس به بأس.

وقال يعقوب بن شيبة: كان رجل صادق، لا بأس به، استعمله أبو جعفر والمهدي بعده على بيت المال، وقد حمل الناس عنه.

وقال ابن معين في عدة روايات: ضعيف. ومرة: لا شيء. وقال أحمد: أحاديثه مناكير.

وقال مرة: لم يكن بالقوي في الحديث.وقال النسائي: ضعيف.وفي موضع آخر: ليس بالقوي. وفي آخر: ليس بثقة، وقال ابن خراش: في حديثه لين.

وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وكان رجلًا صالحًا، ويُكتب حديثه على ضعفه.

قال ابن حجر: صدوق يخطئ، ورمي بالقدر، وتغير بأخرة.

انظر تهذيب الكمال17/12، التهذيب6/15.، التقريب (3820).

• سالم بن عبدالله، هو ابن عصمة المحاربي:

فقد ترجم القاضي عبدالجبار الخولاني في تاريخ داريا له، وقال: سالم بن عبدالله بن عصمة المحاربي، من ساكني داريا، ذكره عبدالرحمن بن إبراهيم في كتاب الطبقات.

ثم ساق له أثرًا من رواية الأوزاعي عنه.

ثم ساق له بإسناده حديث المسألة، من روايته عن أنس. ثم قال: قال أبو زرعة: سالم بن عبدالله عداده في قضاة التابعين.

وقد ترجم ابن أبي حاتم لسالم المحاربي، فقال: سالم بن عبدالله المحاربي، أبو عبدالله، قاضي دمشق، روى عن سليمان بن حبيب. روى عنه الأوزاعي، وخالد بن يزيد بن صالح، ثم نقل عن أبيه قوله: صالح الحديث.

وكذا ذكر البخاري أن الأوزاعي روى عنه.

وترجم له ابن حبان في موضعين من الثقات، في طبقة أتباع التابعين، فقال في الموضع الأول: يروي عن مجاهد، روى عنه الأوزاعي. وفي الثاني قال: ولاه عبدالله بن علي قضاء دمشق، يروي عن جماعة من التابعين، روى عنه أهلها.

قلت: وقد يفهم أن الذي ترجم له القاضي غير الذي ترجم له ابن أبي حاتم والبخاري وابن حبان؛ لأن من ترجم لاه القاضي يفهم من كلامه أنه تابعي لقي الصحابة بدليل إيراده الحديث من روايته عن أنس، ونقله قول أبي زرعة أنه من قضاة التابعين. وأما من ترجم له الباقون فهو من تابعي التابعين؛ حيث لم يذكروا له رواية عن صحابي، كما هو ظاهر.

ولكن يشكل عليه أن القاضي أيضًا أورد له أثرًا من رواية الأوزاعي عنه، وتقدم أن الذي ترجم له الباقون أيضًا يروي عنه الأوزاعي.

وعليه فلعل الرجل واحد، ويحمل قول أبي زرعة على أنه من تابعي التابعين؛ لأن لفظ التابعي يطلق عليهم جميعًا، وأما روايته للحديث عن أنس، فسيأتي أنها من وجه ضعيف، وعليه فلا يثبت عنه.

وهذا ما يفهم أيضًا من صنيع الخطيب في المتفق والمفترق 2/1152، حيث اقتصر على ترجمة واحدة لسالم بن عبدالله المحاربي، ولو كان هناك اثنان بهذا الاسم لفرق بينهما، كما هي عادته في كتابه هذا، والله أعلم.

وقال الأوزاعي: حدثني سالم بن عبدالله المحاربي، شامي ثقة.

وقال ابن عساكر: كان من حملة القرآن، وممن يحضر الدراسة في جامع دمشق.

قلت: والرجل ثقة إن شاء الله، لقول الأوزاعي، وهو ممن روى عنه، فيكون من أعلم الناس به، ولقول أبي حاتم مع تشدده: إنه صالح، وذكر ابن حبان له في الثقات، ووصفه من غير واحد بتولي القضاء، دون أن يذكر بقادح، والله أعلم.

الجرح4/185، الثقات 6/407، 408، تاريخ داريا (ص98)، تاريخ دمشق 20/75.

• أنس بن مالك - رضي الله عنه - صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسأله رقم 502.

تخريج الحديث:

روى عبدالرحمن بن ثابت هذا الحديث واختلف عليه، وعلى أحد الرواة عنه:

أولًا: رواه الوليد بن مسلم، واختلف عليه:

1- فرواه هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن سالم بن عبدالله، أنه سمع أنس.

2- ورواه زيد بن عبد ربه، عن الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أنس.

ثانيًا: ورواه الوليد بن الوليد، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن سالم بن عبدالله، أنه سمع أنس.

وفيما يلي تفصيل ذلك:

أولًا: رواه الوليد بن مسلم، واختلف عليه:

1- فرواه هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن سالم بن عبدالله، أنه سمع أنس:

أخرجه الطبراني في الأوسط7/367، رقم6713 - ومن طريقه الذهبي في العلو (ص33)، رقم58 - . عن محمد بن أبي زرعة.

والخولاني في تاريخ داريا (ص98)، من طريق أحمد بن العباس البيروتي.

كلاهما عن هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم، به، نحوه.

وقال الطبراني: لم يروي هذا الحديث عن ابن ثوبان إلا الوليد بن مسلم.

وقال الذهبي: غريب تفرد به الوليد.

قلت: وهشام بن عمار: صدوق كبر فصار يتلقن فحديثه القديم أصح (التقريب 7303) ولم يتبين لي هل الرواة عنه ممن سمع منه قديمًا، أم لا.

2- ورواه يزيد بن عبدربه، عن الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أنس:

أخرجه أبو نعيم في الحلية 3/72، 73، عن الطبراني، عن خير بن عرفة، عن يزيد بن عبدربه الجُرْجُسي[3]، عن الوليد، به، نحوه.

وقال أبو نعيم: غريب من حديث الأوزاعي عن يحيى متصلًا مرفوعًا، لم نكتبه إلا من هذا الوجه. وقيل: إنه تفرد به يزيد.

قلت: ويزيد بن عبدربه: ثقة (التقريب 7745)، وخير بن عرفة أبو الطاهر المصري، قال الذهبي: المحدث الصدوق (السير/ 13/413).

وعليه فلعل الوجه الثاني أرجح عن الوليد، والله أعلم.

ثانيًا: ورواه الوليد بن الوليد القلانسي، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن سالم بن عبدالله، أنه سمع أنس:

أخرجه قوام السنة في الترغيب والترهيب 1/374، رقم 865، عن أبي عمرو عبدالوهاب بن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن أبي سعيد عبدالرحمن بن عمرو بن دحيم الدمشقي عن أبي هشام إسماعيل بن عبدالرحمن الكناني، عن الوليد بن الوليد، به، نحوه.

قلت: والوليد بن الوليد، ويقال: الوليد بن موسى الدمشقي: ضعيف، وضعيف جدًا في عبدالرحمن بن ثابت؛ قال ابن حبان: روى عن ابن ثوبان نسخة أكثرها مقلوب. وقال الحاكم: روى عن عبدالرحمن بن ثابت أحاديث موضوعة (اللسان 6/227، 228).

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أنه اختلف على من دون أنس في هذا الحديث:

1- فرواه الوليد بن مسلم - في وجه مرجوح عنه-، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن سالم بن عبدالله، عن أنس.

2- ورواه الوليد بن الوليد، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن سالم بن عبدالله، عن أنس.

3- ورواه الوليد بن مسلم - في الراجح عنه -، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أنس.

والوجه الثالث أرجح؛ لأن روايته في الوجه الأول مرجوحة عن الوليد بن مسلم، واويه في الوجه الثاني ضعيف جدًا، وخاصة في عبدالرحمن بن ثابت، كما تقدم.

ولم يكن سؤال ابن أبي حاتم لأبيه عن الاختلاف في الحديث، وإنما كان عن أحد رجال الإسناد، وهو سالم بن عبدالله، وهل هو ابن عمر، أم لا.

فقال أبو حاتم: لا، هذا شيخ شامي.

وقد تقدمت ترجمة سالم هذا، ومنها يتضح صحة ما ذهب إليه أبو حاتم بشأنه، والله أعلم.

والحديث من وجهه الراجح إسناده ضعيف، لحال الوليد بن مسلم، كما تقدم ولكنه ورد من طرق أخرى عن أنس يرتقي بها إلى الصحيح لغيره، وقد تقدم ذكرها مفصلة في المسألة رقم 573، والله أعلم.