الكفالة

الكفالة

تعريفها:

في اللغة: الالتزام والضم، ومنه قولُه - تعالى -: ﴿ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ [آل عمران: 37]؛ أي: ضمَّها إليه والتزم برعايتها.

شرعًا:

هي ضم ذمَّة الضامن إلى ذمَّة المضمون عنه في التزام الحق؛ أي: في الدَّين، فيثبت في ذمَّتهما جميعًا.

وقيل: هي ضمُّ ذمَّة إلى ذمة في المطالبة مطلقًا؛ أي: مطالبة بنفسٍ أو بدَينٍ أو عين كمغصوب ونحوه، فلا يثبت الدَّين في ذمة الكفيل ولا يسقط عن الأصل.

مشروعيتها:

الكفالة مشروعة في الجملة بالكتاب والسنة والإجماع.

قال - تعالى -: ﴿ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ﴾ [يوسف: 72]، قال ابن عباس: الزعيم: الكفيل.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الزعيم غارم))[1]، وتحمَّل - صلى الله عليه وسلم - عن رجلٍ عشرة دنانير[2].

وأجمع المسلمون على جواز الضمان في الجملة لحاجة الناس إليها، ودفع الضرر عن المَدِين.

الحكمة من تشريعها:

هي التيسير على المسلمين، وتحقيق التعاون فيما بينهم، فقد يشتري إنسانٌ سلعةً هو في حاجةٍ إليها، ولا يجدُ الثمنَ، ولا يطمئن البائع، فلا يرضى بإنظاره به، ولا يتيسر له رهن يضعه به، وقد لا يرضى البائع بالرهن، فيحتاج في هذه الحالة إلى كفيل، وقد يستقرضُ مالاً هو في حاجة إليه ويطلب المقرض كفيلاً.

أسماء الكفالة:

الكفالة لها أسماء؛ هي: كفالة، حَمالة، ضمانة، زعامة.

ويقال للملتزم بها: كفيل، حميل، ضمين، زعيم.

وقال الماوردي: "العُرف جارٍ بأن الضمين مستعمل في الأموال، والحميل في الدِّيات، والزعيم في الأموال العظام، والكفيل في النفوس".

أنواع الكفالة: الكفالة نوعان:

1- الكفالة بالنفس:

وهي أن يتكفل بإحضار مَن لزمه حقٌّ من دينٍ أو غيره - كقصاص - دون أن يتكفَّل بأداء الدَّين.

2- الكفالة بالدَّين:

وهي أن يتكفَّل بدَين ثبت في ذمة إنسان يلتزم الكفيلُ أداءه إذا لم يؤدِّه مَن هو عليه في أجلِه، وتسمَّى الضمان.

أركان الكفالة:

عند الحنفية للكفالة ركن واحد هو الإيجاب والقبول، وعند الجمهور هي خمسة أركان:

1- الكفيل: وهو الضامن.

2- المكفول له: هو صاحب الحق في المطالبة.

3- المكفول عنه: الأصيل وهو المطالب في الأصل.

4- المكفول به: وهو الشيء المطالب به مالاً أو غيره.

5- الصيغة: وهي الإيجاب والقبول.

ولكل منها شروط نبيِّنها فيما يلي:

الركن الأول: الكفيل:

وهو الضامن الذي يلتزم بأداء الحق المضمون أو إحضار الشخص المكفول، ويشترط فيه أن يكون أهلاً للتبرع، بأن يكون عاقلاً بالغًا رشيدًا؛ لأن الكفالة تبرع، فيشترط أن يكون الكفيل أهلاً له، فلا تصح كفالة الصغير والسفيه والمجنون.

الركن الثاني: المكفول له:

يشترط في المكفول له - وهو الدائن - شروط، هي:

1- أن يكون معلومًا؛ يعني: معروفًا لدى الضامن معرفةً عينية؛ أي: يعرف شخصه.

2- أن يكون حاضرًا في مجلس العقد (عند أبي حنيفة).

3- أن يكون المكفول عاقلاً (عند أبي حنيفة).

الركن الثالث: المكفول عنه أو الأصيل:

يشترط في المكفول عنه وهو المطالب بالحق:

1- أن يكون قد ثبت في ذمته حق من دَينٍ أو نحوه مما يصحُّ ضمانه.

2- واشترط الأحناف أن يكون الأصيل معروفًا عند الكفيل.

• ولا يشترط رضا المضمونِ عنه في المال؛ لأن قضاء دَين غيرِه بغير إذنه جائزٌ؛ فالتزامه جائز من باب أولى؛ ولذا صحَّ الضمان عن الميت وإن لم يخلف وفاءً، كما ثبت في الحديث الصحيح لما امتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلِّي على مَن عليه دَين، فقال أبو قتادة: عليَّ دينُه وصلِّ عليه يا رسول الله، فصلَّى عليه[3].

الركن الرابع: المكفول به:

وهو الحق الذي وقع عليه الضمان والكفالة من دَين أو نفس، ويشترط فيه ما يلي:

1- أن يكون المكفول به مقدورَ التسليم، فلا يصحُّ كفالة نفس الغائب الذي لا يُدرَى مكانه.

2- أن يكون المكفول به حقًّا ثابتًا على الأصيل، فلا يصح ضمان ما لم يثبت؛ كنفقة الزوجة المستقبلة، أو ما لم يَجْرِ؛ كضمان ما سيقرضه لفلان.

3- أن يكون الدَّين لازمًا صحيحًا، وهو ما لا يسقط إلا بالأداء أو بالإبراء.

4- أن يكون معلومًا (عند الشافعية)، وقال الجمهور بجواز الكفالة بالمجهول؛ كقوله: كفلتُ عنه بما لك عليه.

الركن الخامس: الصيغة:

وهي الإيجاب من الضامن الكفيل، والقبول من المكفول له، ويكفي في تحقيق الكفالة إيجاب الكفيل، ولا يشترط فيها قبول المكفول له ولا رضاه.

وقال الحنفية: لا تصح بلا قبولِ صاحب الحق.

ويشترط في الصيغة:

1- أن تكون بلفظٍ يدلُّ على الالتزام صريحًا أو كناية؛ كأن يقول: ضمنتُ دَيْنَك على فلان، أو تحمَّلتُه، أو تكفَّلتُ بدَينِ فلان.

2- التنجيز في العقد؛ أي: عدم التعليق على الشرط؛ كأن يقول له: إن قدِم زيد، فأنا كفيل لك بما على فلان.

3- عدم التوقيت في كفالة المال؛ لأن المقصود منه الأداء، فلا يصح بتأقيتِه.

انتهاء الكفالة:

أ- تنتهي الكفالة بالمال بأحد أمرين:

1- بأداء المال إلى الدائن من الكفيل أو من الأصيل.

2- الإبراء وما في معناه كالهِبة وغيرها، فإذا أبرأ الدَّائنُ الكفيلَ أو الأصيل انتهت الكفالة، وكذلك تنتهي بالصلح، وذلك بأن يُصالِح الكفيلُ الدائنَ على بعض المدَّعَى به.

ب- وتنتهي الكفالة بالنفس بما يلي:

1- تسليم النفس إلى المُطالِب بها كأن يحضره إلى مجلس القضاء.

2- الإبراء: أن يبرئ صاحبُ الحق الكفيلَ من الكفالة بالنفس، فتنتهي الكفالة، ولا يبرأ الأصيل في هذه الحالة؛ لأن الإبراء صدر للكفيل دون الأصيل.

3- موت المكفول بنفسه: فإذا مات الأصيل برئ الكفيل بالنفس من الكفالة، وكذلك تنتهي الكفالة إذا مات الكفيل؛ لأنه لم يبقَ قادرًا على تسليم المكفول بنفسه.

أحكام الكفالة:

1- أحكام الكفالة بالنفس:

أ- المضمون في الكفالة بالنفس هو إحضار المكفول؛ فإن اشترط في الكفالة تسليمَه في وقت معيَّنٍ، فالكفيل يُجبَر على إحضاره وتسليمه للمكفول له في الوقت المعيَّن عند طلبه.

ب- والكفالة بالبدن قد تكون كفالة بدن مَن عليه مال، فهذه صحيحة مطلقًا إذا كانت تكفلاً بإحضار مَن عليه مال، أو كفالة ببدنِ مَن عليه عقوبة، وهذه ينظر:

فإن كانت العقوبة حقًّا لآدمي - كقصاص وحد قذف - فإنها صحيحة؛ لأنها كفالة بحق لازمٍ، فأشبهت الكفالة بالمال.

وإن كانت العقوبة حقًّا لله - كحد الخمر والزنا - فلا تصح؛ لأن الحدود مبناها على الدَّرْء والإسقاط طالما أنها حقوق لله - تعالى.

ج- إن لم يُحْضِر الكفيلُ المكفولَ، فللحاكم أن يحبسه حتى يتبيَّنَ له عجزه عن إحضاره.

2- الكفالة بالمال - الضمان -:

1- الكفالة إما أن تكون بأمر المكفول عنه، كأن يقول: تكفَّلْ عني، اضمَنْ عني، أو بدون أمره.

فإن كان بأمره رجع عليه بما أدى؛ لأنه قضى دَيْنه بأمره، وإن كفل بغير إذنه لم يرجع عليه بما يؤدِّيه؛ لأنه متبرِّع بأدائه، وقال المالكية: يرجع عليه في جميع الأحوال.

2- الدَّين إذا كان مؤجلاً على الأصيل، فإنه يتأجَّل على الكفيل، وإن كان حالاًّ وكفَله الكفيلُ كفالةً مؤجَّلة، تأجل على الأصيل، فإنه يتأجَّل على الكفيل، وإن كان حالاًّ وكفله الكفيل كفالة مؤجلة، تأجل على الكفيل والأصيل.

3- إذا كان للدَّين كفلاء متعدِّدون:

فإن كان كل منهم قد كفل بحدته كل الدَّين بعقد مستقل، فإنه يطالب كل واحد بمجموع الدين.

أو يكونون قد كفلوا معًا بعقد واحد، فإنه يطالب كل كفيل بمقدار حصته.

4- الجمهور أن الأصيل لا يبرأ من الدَّين، فإن الدائن بالخيار بين أن يطالب الأصيل أو يطالب الكفيل.

وقال الإمام مالك: ليس للدائن أن يُطالِب الكفيلَ إلا إذا تعذَّر مطالبة المكفول عنه؛ لأن الضمان وثيقة، فلا يستوفى الحق منها إلا إذا تعذَّر استيفاؤه من الأصيل كالرهن.

5- دعوى الضامن قضاء الدَّين:

إذا ادَّعى الكفيل الضامن قضاءَ الدَّين عن الأصيل:

• فإن أقر المكفول له بذلك رجع الضامن بما أداه على الأصيل.

• وإن أنكر المكفول له ذلك ينظر:

فإن كان له بيِّنة على الأداء قضى بها ورجع على المضمون عنه بما أداه.

وإن لم يكن له بينة على الأداء، فالقول قول المكفول له بيمينه.