• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / أخلاق ودعوة
علامة باركود

التدرج التكليفي

التدرج التكليفي
أ. د. جابر قميحة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/4/2014 ميلادي - 29/6/1435 هجري

الزيارات: 11746

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التدرج التكليفي


التدرُّج سِمة من أبرز سمات الوجود الحي؛ فخَلْق الأحياء يتكامل تدريجيًّا؛ نطفة - علقة - مُضغة - عظام تُكسى لحمًا.. إلخ.


﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14][1].


والكائن الحيُّ بعد أن يرى نورَ الحياة يتدرَّج به الوجود مِن رضيع إلى طفل - إلى شاب - إلى كهلٍ - إلى شيخٍ، وهذا ما عرَضه القرآنُ الكريم في قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5][2].


نعم والأرض هامدة، يحيها الماءُ، ويلقى فيها الحَبُّ الذي ينفلق عن ساق ضعيفة، ثم تنمو وتشتدُّ لتحمِل الأوراقَ والأزهار، ثم الثمار، وإيتاء الأُكُل، ثم تنتهي الدورة لتبدأ دورة إنباتية جديدة، وهكذا.


ودورات التطور الحضاري - ابتداءً من العصر الحجري - لا مكانَ للطفرة فيها، ولكنها اعتمدت على "الجرعات الحضارية المتدرجة" إن صح هذا التعبير، وبين الإنسانِ في العصر الحجري، والإنسان في عصرنا الحاضر: عصر الفضاء والذَّرَّة والتكنولوجيا؛ بين هذا الإنسان الأول والإنسان الحاضر ملايينُ من السنين لم ينقطِعْ فيها العملُ والتَّجارِبُ، والعذاب، والنجاح والإخفاق.


فالتدرُّج إذًا: هو سنَّة جوهرية من سُنن الحياة، وكان الإسلام - وهو دين الفطرة - على حقٍّ حين جعَل التدرُّج والتدريج سمةً منهجيَّةً من أبرز سماته، لا في تربيةِ المسلمين على القِيَم الأخلاقية فحسب، بل في التشريع كله؛ من عباداتٍ، إلى معامَلاتٍ، إلى عقوبات"، وأهمُّ ما حقَّقه الإسلام بهذا "التدرُّج التشريعي" فائدتان:

1- ضمان تنفيذ العمل (فِعلاً أو تركًا):

بعد أن تهيَّأت النفوسُ لذلك خطوة خطوة؛ فالتدرُّج تيسير يوفِّرُ على المسلم الإجهادَ والمشقَّة؛ لذلك كانت "الاستطاعةُ" شرطًا من شروطِ القيام بالتكليف؛ ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286][3]، وعن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كنا إذا بايَعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على السمعِ والطاعة، يقول لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((فيما استطَعْتُم))"[4].


وعن أُميمةَ بنت رفيقة قالت: "أتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في نسوةٍ يُبايِعْنه على الإسلامِ، فقلن: يا رسول الله، نُبايِعُك على ألا نشركَ بالله شيئًا، ولا نسرق ولا نزني، ولا نقتُل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نَفْتريه بين أيدينا وأرجُلِنا، ولا نعصيك في معروفٍ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((فيما استطَعْتُنَّ وأطَقْتُنَّ))[5].


والاستطاعة أو الإطاقةُ مِن أهمِّ مظاهرِ التيسير الإسلامي، بل هي جوهرُ هذا التيسير، وهذا التيسيرُ لا يمكن أن يتحقَّقَ - ومن ثَمَّ يكون العجزُ عن التنفيذ، أو على الأقل يكونُ الإعناتُ والحرَجُ - إذا ما نزلتِ التكاليفُ طفرة بلا تدريج.


2- ترسيخ التكاليف والقِيَم في نفوس المؤمنين:

فتدريج هذه التكاليف وتوزيعُها على مدًى زمني طويل، يثبِّتُ جذورَها في أعمال المؤمن، ويجعله قديرًا على حِفظها والحفاظ عليها، حتى تصبحَ جزءًا من كِيانه ونسيجِه النَّفسي والعقلي والرُّوحي، ولو نزلت هذه التكاليفُ مرةً واحدة، لأنسى بعضُها بعضًا.


ولنا في القرآن المَثَلُ الأعلى: لقد نزَل منجَّمًا على مدى ثلاثة وعشرين عامًا، فحفِظه المسلمون، وحافَظوا عليه، والتفُّوا حوله، وأحبُّوه، واعتزُّوا به، وأخَذوا أنفسهم به أمرًا ونهيًا، وكان منهم مَن يتعمَّدُ - على قدرته في الحِفظ - ألا يحفَظَ آية جديدة إلا بعد أن يأخُذَ نفسَه بالسابقة عليها، ويعمل بها في حياتِه وحياة أسرته.


إن التَّهيؤَ النفسي يجعَلُ النفس تتقبَّلُ التكاليف بقَبول حسن؛ لأن النفس بهذا التهيؤ تكون قد تفتَّحت واستعدت للتلقي، فيمضي الأمر يسري في أعماقِها في سهولة ويُسر سريانَ الدم في العروقِ، والنور في الظلمات.


ولأمرٍ ما لم ينزلِ الوحيُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد سنوات من تحنُّثِه شهرًا كل عام في حراءٍ، ينقطع فيه عن الناسِ، ويعبُدُ ربه، ويتأمل عظمةَ الله في سمائه وأرضه، بعيدًا عن شرورِ الناس وصراعهم ومشكلاتهم[6].


وقبل نزولِ أول آيةٍ من آيات القرآن الكريم، كان محمد صلى الله عليه وسلم ذا نفسٍ نقيَّة، وقلب صافٍ مهيأٍ لتلقي هذا الكتاب العظيم، بعد أن انصقَلَتْ هذه النفسُ العظيمة بهذا التحنُّثِ وبمُهيِّئين آخرين:

الأول: صرف الله له عن موبقاتِ الجاهلية ومفاسدها، وملاهيها وأصنامها، وما خصه الله سبحانه وتعالى به وحماه، حتى في ستره عند بناء الكعبة؛ إذ أخَذ إزاره ليجعَلَه على عاتقه ليحمل عليه الحجارة، وتعرَّى، فسقط إلى الأرض، حتى ردَّ إزاره عليه، فقال له عمه: ما بالُك؟ فقال: إني نُهِيت عن التعرِّي[7].


الثاني: الرؤيا الصادقة؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - أن أولَ ما بُدئ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله كرامتَه ورحمة العباد به .. الرؤيا الصادقة، لا يرى رسول اللهُ صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفَلَق الصبح، قالت: "وحبَّب اللهُ تعالى إليه الخَلوة، فلم يكن شيءٌ أحبَّ إليه من أن يخلوَ وحده"[8].


وبعد هذه التمهيدات والتهييئات الخلقية والنفسية والرُّوحية، كان نزول القرآن؛ حيث التربة مُعدَّة لتلقي البَذرة الخالدة، التي صارت شجرةً شامخة آتت أُكلها ثمارًا دانيةَ القطوف.


والقرآن الكريم - كما أشرنا - لم ينزل في يوم أو يومين، ولم ينزل في عام أو عامين، بل نزل منجَّمًا على مدى ثلاثة وعشرين عامًا، في شكلِ "جرعات" دينية وخُلقية واجتماعية، ترتبط بالأحداثِ والوقائع، فكان كالدواء الذي يؤتي نتائجه الطيبة على المدى الطويل، وبجرعات قليلة تبَعًا لمقتضياتِ الأحوال.


وكانت قاعدةُ التدرُّج التشريعي من أبرزِ سِمات النَّهج الإسلامي في التشريع، وفرض التكاليف، مُراعيًا في كلِّ أولئك قدرةَ الناس واستطاعتهم.


وتركَّزت التكاليف المكية في القرآنِ على الكليات، وأصول العقيدة؛ من توحيد الله، وتركِ عبادة الأصنام، وإخلاص العبادة له وحده، ويذكر الناس بالبعث والجزاء، ويصِفُ مشاهدَ القيامة، ويعرضُ صورَ النفخ في الصُّور، والقيام من القبور، وتوزيع الصحف، ووزن الأعمال، والمرور على الصراط، ودخول المتقين الجنَّة، ودخول الكافرين النَّار[9].


فلما انتقل النبيُّ - عليه السلام - إلى المدينة، ارتفع منسوبُ التكاليف؛ لتلبِّيَ مقتضيات نشأة الدولة الجديدة، وليتمَّ التشريعُ الخالد للناس كافة في كل العصور؛ جاءت سور القرآن طوالاً، بعضُها يتكون من مئات الآيات، وهي تفصِّل قواعد المعاملات، والفرائض، والحدود، والجهاد، والحقوق، والقوانين المدنيَّة، والتِّجارية[10]؛ فالزكاة - مَثلاً - لم تُفرَض في مكة، بل فُرِضت في المدينة بعد الهجرة بعامينِ، وصيام رمضان وكذلك زكاة الفطر لم يُفرَضا إلا بعد الهجرة بقرابة عام ونصف.


والصلاة التي فُرِضت بمكةَ في العام الثاني عشر من البعثة، ليلة الإسراء والمعراج، أتمَّتْ ثنائيتها أربعًا في المدينة؛ فعن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت: فرَض الله الصلاة حين فرضها ركعتينِ في الحضر والسفر، فأُقِرَّت صلاة السفر، وزِيدَ في صلاة الحضَر[11].


ومعنى ذلك أن المسلِمين ظلُّوا قرابة عشر سنوات يصلُّون ويعبُدون الله بغير تحديد، إلى أن فُرِضت الصلاة ثنائيةً قبل الهجرة بعام تقريبًا، ثم صارت الصلاةُ رباعيَّةً في المدينة[12].


وكذلك لم يُشرَع الجهادُ إلا بعد هجرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؛ لذلك نجدُ آيات الجهاد كلها مدنية، واتساقًا مع قاعدة: "التدرج التكليفي" بدأت مشروعية الجهاد بالإذنِ لا "بالفرض"؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39].


أما "فرضية" الجهادِ وإلزامُ المسلمين به لأول مرة، فيتمثل في قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216][13].


وفي المدينة كانت زيادةُ التكاليف أمرًا منطقيًّا يتفق مع واقعينِ:

الأول: هو واقع المسلمين العقائدي؛ فقد مضى على إسلام أغلبِهم أكثرُ من عشر سنوات، وهي مدة كافية لصَقْل نفوسهم، وفَتْح قلوبهم لتقبُّلِ كلِّ جديد من التكاليف.


والثاني: هو واقعُ المسلِمين الاجتماعي والسياسي الجديد؛ فقد أصبَح لهم دولةٌ جديدة لها أُسسها وأركانها ودستورها وقيادتها، وقد صور القرآنُ الكريم الفَرْق الهائل بين حال المسلمين في مكةَ وحالِهم في المدينة في قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الأنفال: 26].


ولكن التدرُّج التشريعي يظهر بأجلى صورة وحكمةٍ في تحريم الخمر؛ لقد كان المجتمع الجاهلي مريضًا بشُرب الخمر، والإقبال عليها، وإدمانها، وكان ذلك من أبرزِ أمراضه الاجتماعية، يصوِّر ذلك ما ذكرناه في الفصل السابق من أشعارِ الجاهليين، وأدلُّ مِن كل أولئك قولُ السيدة عائشة - رضي الله عنها -: "حتى إذا ثاب الناسُ إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أولُ شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندَعُ الخمر أبدًا"[14].


وقد مرَّت مسيرة تحريم الخمر بمراحلَ زمنية، تمثِّلها هذه الآياتُ التي نوردُها بترتيب نزولها:

﴿ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [النحل: 67][15].


﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219].


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ [النساء: 43][16].


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91].


وهذه الآيات الأربع تمثِّلُ موقفَ الإسلام من الخمر، إلى أن وصَل إلى القرار الحاسم بتحريمها تحريمًا قاطعًا؛ أي إنها تمثل أربعَ مراحل تصاعدية في طريق التحريم، هي:

1- التوطئة بالتلميح البعيد.

2- التوطئة بالتصريح المباشر.

3- التحريم الموقوت.

4- التحريم النهائي الحاسم.


وسنحاول أن نعرضَ - في إيجاز - لكل مرحلةٍ من هذه المراحل؛ حتى نقفَ على رُوح الدِّين الإسلاميِّ وعبقريته في هذه السمة؛ سِمة التدرج التشريعي:

1- التوطئة بالتلميح البعيد:

فالآية 67 من سورة النحل - وهي مكِّية بلا خلاف - تشير إلى أن القُرَيشيِّين يستخرجون من البلح والأعناب خمرًا وألوانًا أخرى من الرِّزق الحسَن، وقد ذهب بعضُ المفسِّرين إلى أن في ذلك وجهينِ:

أحدهما: أن تكون منسوخة، وممن قال بنسخِها الشعبيُّ والنَّخَعي.

والثاني: أن يجمع بين العتاب والمنَّة[17].


وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - نزَلَتْ هذه الآية قبل تحريم الخَمر، وأراد بالسَّكَر الخَمر، وبالرِّزق الحَسن جميعَ ما يؤكل ويشرب، حلالاً من هاتين الشجرتين.


وقال ابن العربي: أَسَدُّ هذه الأقوال: قولُ ابن عباس، ويخرُجُ ذلك على أحدِ معنيين: إما أن يكون ذلك قبل تحريم الخمر، وإما أن يكون المعنى: أنعَم اللهُ عليكم بثمراتِ النخيل والأعناب تتَّخِذون منه ما حرَّم اللهُ عليكم؛ اعتداءً منكم، وما أحلَّ لكم؛ اتفاقًا أو قصدًا إلى منفعة أنفسِكم[18].


والأقوال السابقة تضَعُنا أمام ثلاثةِ آراء:

الأول: أن الآية منسوخة.


والثاني: أن في الآية لونًا مِن العتاب الصريح؛ إذ يستخرِجون من الأعنابِ والنخيل شرابًا مُسْكِرًا، زيادة على ما فيها مِن المنِّ عليهم "بالرِّزق الحَسَن".


والثالث: أن في الآية تصويرًا لواقعٍ، فلا نَسْخَ إذًا ولا عتابَ.


والقول بالنسخ لا دليلَ عليه، ولكن الآية تصوير حقيقي لواقعٍ حقيقي، ووراء هذا التصوير قصدٌ رباني كريم؛ فهو لم يقصِدْ إلا إلى الموازنة بين السَّكَر والثَّمرات الأخرى التي يصِفُها بأنها حَسنة، دون أن يصِفَ هذا السَّكَرَ نَفْسَه، وبذلك صار لدى المؤمنين دافعٌ إلى الإحساس ببعض التحرُّج والوسوسة تجاه هذا النوع من الشراب"[19].


والنص يُلمِح إلى أن الرِّزقَ الحَسَنَ غيرُ الخمر، وأن الخمر ليس رزقًا حسنًا، وفي هذا توطئة لِما جاء بعدُ من تحريمها، وإنما كان يصف الواقعَ في ذلك الوقت من اتخاذِهم الخمرَ من ثمرات النخيل والأعناب، وليس فيه نصٌّ بحِلِّها، بل فيه توطئة لتحريمها[20].


وقد يؤيد هذا التخريجَ تذييلُ الآية بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [النحل: 67]، فمِثْل هذا التلميحِ البعيدِ بالموازنة يحتاجُ إلى إعمالِ العقل والحِسِّ البيانيِّ الرفيع لإدراك المقصِدِ الرَّبَّانيِّ من وراء هذه الكلمات.


2- التوطئة بالتصريح المباشر:

ثم كانت آية البقرة: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219].


والبقرة هي أولُ سورة مدنية، ويقال: إن سبب نزول هذه الآية أن عمرَ ومُعاذًا ونفرًا من الصحابة قالوا: يا رسول الله، أفتِنا في الخمر؛ فإنها مَذهَبة للعقل، مَسْلبة للمال، فنزلت هذه الآيةُ، فشرِبها قوم، وتركها آخرون[21].


وهذا السؤالُ يدلُّ على أن المسلمين كانوا - بفطرتهم وبإيحاء آية النحل - يشعُرون بالحرج في شُربها، حتى إنه كان هناك من الجاهليِّين مَن حرمها على نفسه.


كما يدل هذا السؤال على أن المسلمَ كان حريصًا على استكمال مكارمِ الأخلاق، والالتزام بما أتى به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، والخمر كانت سِلعة تِجارية في الجاهلية، والمدينة كانت غاصة بالحانات، وكثير من المسلمين كانوا يشرَبون، بل يدمنون الشرب، ومن هؤلاء: عليُّ بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب الذي وصف نفسه بأنه "كان رجلَ خمر في الجاهلية".


وفي المَيْسر أو القِمار كَسْب، وهو - وإن اشترك مع الخمر في كونه كَسبًا ماديًّا - فإنه يختلف عنه في أن الكسبَ الذي يحققه طرفٌ يعني خَسارةَ الطَّرَف الآخر؛ لذلك كان منطق الآية يمثِّلُ مرحلة قوية جدًّا لتُهيِّئَ النفوس للتحريم القاطع:

أ- فقدَّم الإثم على المنافع.

ب- ووصف الإثم بأنه كبير، وجعل المنافع غُفلاً من الوصفية.

جـ- ثم حسم الموازنة بأن إثمَهما أكبرُ من نفعهما.


ويرى الفخر الرازي أن الآيةَ تحرم الخمر تحريمًا قاطعًا، مستدلاًّ بالأدلة الآتية:

(أ) اشتمال الآية على الإثم، والإثم حرام؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ ﴾ [الأعراف: 33].


فكان مجموع هاتين الآيتين دليلاً على تحريم الخمر.


(ب) أن الإثمَ قد يراد به العقابُ، وقد يراد به ما يستحق به العقاب من الذنوب، وأيهما كان فلا يصحُّ أن يوصف به إلا المحرَّمُ.


(جـ) أنه تعالى قال: ﴿ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219]، صرَّح برجُحان الإثمِ والعقاب؛ وذلك يوجِبُ التحريم[22].


ويرفُضُ القرطبيُّ مذهبَ الفخر الرازي؛ لأن الله لم يسمِّ الخمر إثمًا في هذه الآية، وإنما قال: ﴿ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 219]، ولم يقل: "قُلْ هما إثمٌ كبير ..."، وقد قال قتادة: إنما في هذه الآية ذمُّ الخمر، فأما التحريم فيُعلَم بآية أخرى، وهي آية المائدة، وعلى هذا أكثرُ المفسِّرين[23].


ويمكن أن نؤيدَ مذهب القرطبي والجمهور بدليلين آخرين، هما:

(أ) أن الآيةَ لو كان فيها تحريمٌ قاطع، لكان الصحابة - وبخاصة السائلون - هم أسبقَ الناس إلى هذا الفهم، ولَمَا تطلعوا بالدعاء إلى الله أن "يبينَ لهم في الخمر بيانًا شافيًا".


(ب) كما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يحد أو يعزِّر مسلمًا شرب الخمر بعد نزول هذه الآية، ولكن الآية رجحت جانبَ الإثم على جانب النفع - كما بيَّنَّا؛ لذلك هجَرها كثير من المسلمين، وكانت الآية بذلك تمثِّلُ الخطوة الثانية للتهيؤِ النفسي نحو التحريم القاطع الحاسم.


3- التحريم الموقوت:

بقوله تعالى في سورة النساء: ﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ [النساء: 43].


ومناسبة نزول هذه الآية ما رُوي عن عليِّ بن أبي طالب - كرم الله وجهه - قال: صنَع لنا عبدُالرحمن بن عوف طعامًا، فدعانا وسقانا من الخمرِ، فأخدت الخمر منا، وحضرت الصلاة، فقدَّموني فقرأت: "قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ونحن نعبد ما تعبدون"، فأنزَل الله سبحانه وتعالى قوله: ﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ [النساء: 43][24].


فحرَّمت الآيةُ ونَهَتْ عن أن يأتيَ المسلم صلاتَه وهو سكران، والآية هي آخرُ تمهيد للتحريم القاطع الحاسم؛ فإن من يتقي أن يجيءَ عليه وقت الصلاة وهو سكران، يترك الشربَ عامة النهار وأولَ الليل؛ لانتشار الصلوات الخمس في هذه المدة؛ فالوقت الذي يبقى للسُّكر هو وقتُ النوم من بعد العشاء إلى السَّحر، فيقلُّ الشُّرب فيه لمزاحمته للنوم الذي لا بد منه، وأما أول النهار من صلاة الفجر إلى وقت الظهيرة، فهو وقت العمل والكسب لأكثر الناس، ويقلُّ أن يسكَرَ فيه غير المترفين الذين لا عمل لهم، وقد ورد أنهم كانوا بعد نزولها يشرَبون بعد العشاء فلا يُصبحون إلا وقد زال السُّكر، وصاروا يعلَمون ما يقولون[25].


وأمام هذه الصعوبة العملية في التوفيق بين أوقات الصلاة وفرصة الشُّرب والسكر، هذه الصعوبة التي تكاد ترتفعُ إلى مرتبة الاستحالة، أمام العجزِ أو شِبه العجز عن هذا التوفيق - أقلع أغلبُ المسلمين عن شُرب الخمر؛ لأنهم كانوا حريصينَ على حضورِ صلاة الجماعة مع النبي عليه السلام، وأصبح التحريم القاطع قابَ قوسين أو أدنى.


4- التحريم النِّهائي القاطع:

بين آية البقرة: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾ [البقرة: 219]، وآية النساء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ [النساء: 43]: قرابة سبع سنين.


وبعد آية النساء بعامٍ أو بعضِ عام، نزلت آيتا المائدة اللتانِ تحمِلان التحريم الحاسم القاطع، وهذا التوالي بعد هذه الفترة الزمنية القصيرة، يدلُّ على أن النفوس كانت قد تهيَّأت تمامًا لتلقِّي هذا التحريمِ الحاسم في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91]، وكانت إجابات المسلمين: "انتهينا، انتهينا".


قال أنسُ بن مالك: "إني لقائم على الحي على عمومتي أسقيهم من فَضيخ لهم، وأنا أصغرُهم سنًّا، فجاء رجلٌ فقال: إنها قد حُرِّمت الخمرُ، فقالوا: اكْفَأْها يا أنس، فكفَأْتُها".


وزِيدَ في رواية أخرى: "فما راجعوها، وما سألوا عنها بعد خبرِ الرَّجُل"[26].


قال أبو ميسرةَ: نزلت بسببِ عمرَ بن الخطاب، فإنه ذكَر للنبي صلى الله عليه وسلم عيوبَ الخمر، وما ينزل بالناس من أجلِها، ودعا اللهَ في تحريمها، وقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت هذه الآيات[27].


وقال سعدُ بن أبي وقاص: نزلت فيَّ آياتٌ من القرآن: أتيتُ على نفر من الأنصار، فقالوا: تعالَ نُطعِمْكَ ونسقِك خمرًا - وذلك قبل أن تُحرَّمَ الخمرُ - قال: فأتيتُهم في حشٍّ (بستان)، فإذا رأسُ جَزور مشوي عندهم، وزق من خمرٍ، قال: فأكَلْتُ وشرِبْتُ معهم، قال: فذكَرْتُ الأنصار والمهاجرين عندهم، فقلت: المهاجرون خيرٌ من الأنصار، قال: فأخَذ رجل لَحْيَيِ الرأس فضربني به، فجرح بأنفي، فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فنزل قولُه تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ [المائدة: 90] ... إلخ.


وقيل: إنما نزَل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائلِ الأنصار، شرِبوا، فلما ثمل القومُ عبث بعضهم ببعض، فلما صحَوْا، جعل الرجلُ يرى الأثر في وجهه ورأسه ولحيتِه، فيقول: صنَع بي هذا أخي فلان - وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائنُ - فيقول: والله لو كان بي رؤوفًا رحيمًا، ما صنَع بي هذا حتى وقعتِ الضغائنُ في قلوبهم، فأنزَل الله قوله: ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ [المائدة: 90]... إلخ.


وليس هناك ما يمنَعُ من أن تكون كلُّ هذه الوقائع صحيحةً، وأن تكون كلُّها قد تتابعت وتوالت لتصنع سببًا أو أسبابًا لنزول آيتيِ التحريم القاطع؛ فهي جميعًا متوافقة، ولا تعارُضَ بينها؛ إذ تلتقي جميعًا في إبرازِ الآثار السيئة للخمر نفسيًّا وعقليًّا واجتماعيًّا.


وجاءت الأحاديثُ النبوية مؤيدةً لهذا التحريم القاطع، ولَعَن النبيُّ عاصِرَها ومعتصرها وشاربها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيَها وبائعها، وآكِل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له، كما حرَّم الإسلامُ أن تُتَّخذَ دواءً؛ فقد رُوي أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله أنزَل الداءَ والدواءَ، وجعَل لكل داءٍ دواءً، فتداوَوْا، ولا تتداوَوْا بالمحرَّم))، وقد سُئِل عليه السلام عن الخمرِ في الدواء، فقال: ((إنها داءٌ، وليست بالدواءِ))، ويروى عنه أنه قال: ((مَن تداوى بالخمرِ فلا شفاه الله))[28].


يقول ابن القيم: المعالجة بالمحرَّماتِ قبيحةٌ عقلاً وشرعًا؛ أما الشرعُ فما ذُكِر في الأحاديث وغيرِها، وأما العقل فهو أن اللهَ سبحانه وتعالى إنما حرَّمه لِخُبْثه؛ فإنه لم يحرِّمْ على هذه الأمة طيبًا عقوبة لها كما حرَّمه على بني إسرائيل بقوله: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾ [النساء: 160].


وإنما حرَّم على هذه الأمة ما حرَّم؛ لخُبثه، وتحريمه له؛ حمية لهم وصيانة عن تناوله، فلا يناسب أن يُطلَب به الشفاءُ من الأسقام والعِلل، فإنه وإن أثر في إزالتها، لكنه يعقب سقمًا أعظمَ منه في القلب بقوَّةِ الخُبث الذي فيه، فيكون المداوَى به قد سعى في إزالةِ سُقم البدن بسُقم القلوب.


وأيضًا فإن تحريمَه يقتضي تجنُّبَه والبعد عنه، وأيضًا فإنه داءٌ؛ كما نصَّ صاحب الشريعة، فلا يجوز أن يُتَّخَذ دواءً، وأيضًا فإن إباحة التداوي به - ولا سيما إذا كانت النفوس تميلُ إليه - ذريعةٌ إلى تناولِه للشهوة واللذة[29].


وإذا ما عُدْنا إلى آيتي المائدة وجَدْنا أن الله سبحانه وتعالى - في مناقشة قضيَّة الخمر وتحريمها - قد قطَع قطعًا حاسمًا في هذا التحريم، مخاطبًا عقولَ المكلفين وحِسَّهم الإيمانيَّ في بيان قوي واضح:

(أ) فوجَّه الخطاب للذين آمنوا، والإيمانُ هو أعلى درجاتِ الاعتقاد؛ فالمؤمنين أقدَرُ مِن غيرهم على تقديرِ أوامر الله ونواهيه.


(ب) قرَن الخمر بالأنصاب، وهي الأصنام التي تُعبَد مِن دون الله، وبالمَيْسِر وهو مَضْيعة للمال، وبالأزلام واتِّباعُها يُلغي الرأيَ والعقل، وربطُ الخمر بكل أولئك يشوِّه صورتها، ويجعل النفس تصد عنها.


(جـ) وصَف الخمر بأنه رِجْس، والرِّجس هو النَّجاسة الذي تحرص كلُّ نفسٍ شريفةٍ على أن تتطهَّرَ منه.


(د) وجعَل هذا الرجس من عمل الشيطان ومكرِه وتزيينِه.


(هـ) ودعا إلى اجتنابه، والاجتناب يعطي معنى الابتعاد والاعتزال[30]، ومادة الاجتناب لم تُستخدَمْ في القرآن إلا مع كلِّ مُحرَّم خبيث:

﴿ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12].


ويُلاحَظ أن الكلمةَ في الاستعمال القرآني لا تتوقفُ عند دلالتها الوضعية فحسب، وهي الابتعادُ والانصراف، بل إن لها دلالتَها النفسية، وانعكاسَها الشعوريَّ كذلك، ويتلخَّصُ في أن هذا الانصرافَ والابتعادَ يجب أن يكون مصحوبًا بالكراهيةِ والاقتناع.


من هنا كانت الكلمةُ في مكانها من السياق أقوى وأعمق تأثيرًا من مادة (الترك) التي لم تُستخدَمْ في القرآن أبدًا للنَّهي عن المحرَّمات.


(و) وبيَّنت الآية بعد ذلك أن كلَّ أولئك يهيئُ الإنسانَ للفلاحِ والنَّجاح.


(ز) وتقدِّم الآيةُ الثانية حيثياتِ الأمر بالاجتناب؛ فمن شرور الخَمرِ والميسر:

• غرس العداوة والبغضاء بسبب التشاحنِ؛ كما حدَث فِعلاً في الوقائع التي كانت سببًا في نزولِ الآية.

• الصدُّ عن ذِكر الله بعامَّة، وعن الصلاةِ بخاصة.


(ح) ثم كان الاستفهامُ التحضيضي أو التهديدي في النهاية: ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]؟!


وقد كانت إجابةُ المسلمين بلسانِ المقال: "انتهينا"، وبلسان الحال أيضًا: "انتهينا انتهينا"، فكسروا الدِّنان، وأراقوا ما عندهم من خمرٍ، ولم يبكِ أحدٌ عليها؛ لأن نفوسهم قد هُيِّئت لذلك تمامًا على مدى عشر سنوات من الإعداد النفسي.


مرَضٌ عُضال استشرى في نفوسِ المسلمين وأعصابهم، حتى المشاهير منهم - كما رأينا - مِن أمثال: علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، استطاع الإسلامُ بالترويضِ التربوي التَّدريجي أن يستلَّ مِن أعماقهم جذورَ هذا الداء عن رضاءٍ واقتناع وتسليم، والفضلُ في ذلك لطريقةِ العلاج المُثلَى.


وتظهرُ قيمةُ الأسلوب الإسلامي في إبطالِ الخمر وتحريمها: عصرًا وشُربًا وحَملاً وتجارةً وعلاجًا.


إذا ما نظَرْنا إلى محاولةٍ مشهورة لتحريمِ الخمر في أمريكا، وقد أخفَقَتْ إخفاقًا ذريعًا، على الرغم من الجهودِ الجبَّارة التي بذلَتْها الدولة في هذا المجال: فقبل أن يدخلَ التعديلُ الثامن عشر على الدستور الأمريكي أقيمت في البلاد دعايةٌ واسعةُ النِّطاق ضد الخمر، وبقِيَت الرابطة المحاربة لوجود الحانات Anti Saloon League تسعى وتجتهدُ في ترغيبِ الأمريكيين عن الخمر، وتثبيتِ مضارِّها بإلقاء الخُطَب، وتأليف الرسائل والكُتُب، وعَرْض المسرحيات وأفلام السينما، وأفْنَتْ في سبيل هذا التبليغ عشراتِ السنين، وبذَلت الأموال، حتى قُدِّر أن نشرات النشر والإذاعة بلَغَتْ تكاليفُها من لَدُنْ بَدْءِ الحركة إلى سنة 1925 مبلغ 65 مليون دولار، وأنه بلغ عددُ الصفحات التي سُوِّد بياضُها لبيان مساوئ الخمر، والزَّجر عنها: 9 آلاف مليون صفحة، ذلك قبل بَدْءِ التَّجرِبة.


وأما ما تحمَّلته الأُمَّة الأمريكية في الأربعة عشر عامًا الماضية من النَّفقات الباهظة، فقُدِّر مجموعها بأربعة ملايين ونصف مليون.


وتدلُّ الإحصائيات التي أذاعها ديوانُ القضاء الأمريكي للفترة الواقعة بين يناير 1920 وأكتوبر 1933، أنه قُتِل في سبيل تنفيذِ هذا القانون 200 نسمة، وسُجِن نصف مليون، وغرم الجناة ما يربو على مليون ونصف مليون جنيه، وصُودِر من الأملاك ما يساوي 400 مليون جنيه[31].


وكانت النتيجة - بعد هذه الإجراءات القوية المتواصلة، وبعد هذه المعاناة الطويلة، لا شيءَ، مما اضطرَّتْ معه الدولةُ إلى إلغاءِ القانون إلغاءً نهائيًّا، وإباحة الخمر للناس بلا قيود.


وبالموازنة السريعة بَيْن التشريع الإسلامي والقانون الأمريكي في تحريم الخمر يتبيَّنُ لنا عبقريةُ الإسلام التشريعية؛ إذ راعى حدودَ القدرة الإنسانية والطاقةِ البشرية في تحمُّل ما تُدعَى إليه النفسُ تدريجيًّا، وعجزِها عن تحمُّل ما يُفرَض عليها طفرة، ولا عجَبَ؛ فاللهُ هو خالقُ الإنسان، وهو أعلَمُ بطبيعتِه؛ لذلك أفلح التشريعُ الإلهي، وأخفق القانون الأمريكي الوضعي.


كانت هذه هي السمةَ الأولى من سمات "القِيَم الإسلامية"، وهي التدرج التشريعي، وسنعرِضُ لسِمةٍ أخرى جوهرية من سِمات هذه القِيَم، وأعني بها سمة: (الوسطية العادلة).


المدخل إلى القيم الإسلامية
أ.د. جابر قميحة


[1] سلالة: خلاصة، قرار مَكين: الرَّحم، علقة: دمًا متجمدًا، مضغة: قطعة لحم قدر ما يُمضَغ، تبارَك: تعالى.

[2] مخلَّقة: مستبينة الخَلق مصوَّرة، لتبلغوا أشُدَّكم: كمال قوَّتكم وعقلكم، أرذل العُمر: أخسه؛ أي: الخَرَف والهَرَم، هامدة: يابسة قاحلة، رَبَتْ: ازدادَتْ وانتفخَتْ، زوج بهيج: صِنف حَسَن نَضير.

[3] وسعها: طاقتها وما تقدِرُ عليه.

[4] مالك: الموطأ 608 (كتاب البَيعة).

[5] السابق: نفس الصفحة.

[6] انظر: ابن هشام 1/ 242، 243.

[7] الشفا 1/ 730.

[8] ابن هشام 1/ 240، وانظر البخاري 1/ 3 (باب بدء الوحي)، وانظر 7/ 214 (كتاب التفسير).

[9] انظر عبدالله شحاته: علوم القرآن والتفسير، ص 62، وانظره كذلك من ص 69 إلى ص 74.

[10] انظر السابق، 75 - 81.

[11] البخاري 1/ 99، (كتاب الصلاة)، وانظر كذلك ابن هشام 2/ 12.

[12] كان الإسراء والمعراج ليلة الاثنين 27 من رجب قبل الهجرة بعام تقريبًا (621م)، ثم كانت هجرتُه ووصوله إلى المدينة في يوم الاثنين 12 من ربيع الأول، وهو يوافق الثامن والعشرين من يونيو 622م؛ (انظر المقريزي: إمتاع الأسماع 50).

[13] انظر زاد المعاد 2/ 58؛ حيث ردَّ ابن القيم بحجج دامغة على مَن ذهب إلى أن آية الإذن بالقتال مكية، وكذلك سورة الحج.

ولكن يجب أن ننبهَ إلى أن سورة البقرة هي أولُ السور المدينة نزولاً، أما سورة الحج فهي السابعة عشرة في الترتيب النزولي بالمدينة، وهذا الترتيبُ النزولي يقتضي - في الظاهر - أن فرضيةَ القتال جاءت قبل الإذنِ به، وهذا يناقض طبيعةَ الإسلام، ومنهج التشريعي في التدريج؛ لذلك نُرجِّح - مع تسليمنا - بمدنيَّةِ السورتين: أن آية الحج في الإذن بالقتال والآيتين التاليتين لها (40، 41) نزَلَتْ على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريقِه من مكةَ إلى المدينة مهاجرًا، أو بعد استقراره بالمدينة قبيل نزول سورة البقرة.

[14] البخاري 6/ 42 (كتاب فضائل القرآن).

[15] سَكَرًا - بفتح الأول والثاني -: شرابًا مُسكِرًا.

[16] وقد ذهب الأستاذ/ عودة في كتابه: التشريع الجنائي الإسلامي: القسم العام ص 50 والقسم الخاص ص 498 مذهَبَ مَن يرى أن آية النساء نزلت قبل آية البقرة، وهذا غيرُ صحيح؛ لأن البقرة كانت أولَ سورةٍ نزلت بالمدينة بعد الهجرة، ونزلت النساءُ في السنة السابعة بعد الحُدَيبيَة، أما المائدة فنزلت في السنةِ الثامنة بعد فتح مكَّةَ، وقد ألمح الشيخ محمد عبده (المنار 7/ 50) إلى هذا الرأي وإنْ لم يأخذ به، فهو يتَّفقُ مع طبيعة التدرُّج التشريعي في الإسلام.

[17] الكشاف 2/ 417.

[18] القرطبي 5/ 3744.

[19] دراز: دستور الأخلاق في القرآن (83).

[20] قطب: في ظلال القرآن 4/ 2181.

[21] الفخر الرازي 2/ 217.

[22] الفخر الرازي 2/ 219.

[23] القرطبي 1/ 868.

[24] السيوطي: أسباب النزول 52.

[25] المنار: 5/ 114.

[26] مسلم 4/ 664 (كتاب الأشربة).

[27] القرطبي 3/ 3283.

[28] ابن القيم: زاد المعاد 3/ 115.

[29] السابق، نفس الصفحة.

[30] القاموس المحيط، مادة: جنب، (الجزء الأول).

[31] المودودي: نحن والحضارة العربية 53.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بحث (منهج القرآن الكريم في التدرج وأثره في التغيير) للدكتور أحمد فريد صالح أبو هزيم
  • نقض فكرة مداهنة الديموقراطية بدعوى التدرج في تطبيق الشريعة
  • حكمة النسخ في القرآن
  • التدرج سنة إلهية في جميع الرسالات السماوية
  • التدرج سنة ربانية ( تمهيد وتقديم )
  • الدعوة بالحكمة
  • التدرج من واقعية الإسلام
  • التدرج التكليفي من سمات القيم الإسلامية
  • أثر التدرج في التشريع
  • التدرج التربوي

مختارات من الشبكة

  • أثر التدرج في انتشار الإسلام وترسيخ القيم الإسلامية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحكم التكليفي والحكم الوضعي والفرق بينهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في الدراسة: مقارنة وتحليل(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • فائدة في التدرج في الدعوة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم التدرج في تطبيق الأحكام الشرعية، البدائل الإسلامية للمعاملات المصرفية نموذجا(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • البدائل الإسلامية للمعاملات المصرفية بين التدرج والتحايل(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • من سنن الله تعالى في خلقه (10) التدرج في الأمر والنهي(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • مظاهر اليسر في الصوم (1): التدرج في فرض الصيام (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • ضابط التدرج في دفع الصائل على العرض (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التدرج في الدعوة إلى الله تعالى(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب