الدرس الخامس في دورة القاعدة النورانية

الدرس الخامس في دورة القاعدة النورانية[1]

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن لا إله إللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسولُهُ صلى الله عليه وسلم.

وبعد:

أيتها الفُضليات أُحييكن بتحية الإسلام وتحية الإسلام السلام

فالسلام عليكنّ ورحمة الله وبركاته

وحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرَح الله هذه الصدور، وطبتن جميعًا، وطاب لقاؤكن وتبوأتُن من الجنة منزلاً.

وأسأل الله الذي جمعنا في هذه الدُنيا الفانية على هذه الشبكة الصغيرة وفي هذه الغرفة المباركة، أن يجمعنا في الآخرة في جنةٍ عالية قطوفها دانية إخوانًا على سرر متقابلين.

وأذكركن وأذكر نفسي غالياتي بتجديد النية

تحدثنا في المجلسِ الرابع عن النوع الثاني من المدود ألا وهو المد الفرعي، وقُمنا بتعريفهِ، ثمّ قسمنا المد الفرعي إلى قسمين؛ قسم: بسبب الهمز، وهو: (المد المتصل، المد المنفصل، المد البدل)، وتَمَّ شرح هذا القسم بفضل الله تعالى، ثم تم أخذ أمثلة تطبيقية عليه، وذكرنا القسم الآخر ألا وهو قسم بسبب السكون.

اليوم بإذن الله تعالى سنبدأ فيما يتعلق بهذا القسم، وهو قسم بسبب السكون، ويندرج أسفله نوعان؛ هما: (المد العارض، والمد اللازم)، سنتكلم اليوم بإذن الله تعالى عما يُسمى بالمد العارض، وسيتم معرفة الآتي كما أخذنا في المجالس الماضية: (تعريف المد، حكم المد، مقدار المد، سبب تسمية المد بهذا الاسم، ثُم أخذ أمثلة تطبيقية على المد الذي تم شرحه والتهجي به).

المد العارض:

• ينقسم المد العارض إلى قسمين: (المد العارض للسكون، والمد اللين).

أ‌-المد العارض للسكون:

وذكرنا أنه لا بد عند ذكر أي مد أن نعرف الآتي: (التعريف، الحكم، المقدار، سبب التسمية، شروطه):

تعريفه: هو أن يقعَ حرف المد قبل الحرف الأخير مباشرة، وأن نقف على الحرف الأخير بالسكون العارض.

حكمه: الجواز؛ أي جواز قصره أو مده.

مقدارُه: حركتان (قصر)، أو أربع حركات (توسط)، أو ست حركات (إشباع)، فتجوز الأوجه الثلاثة على اختلاف في ذلك بين القراء.

♦ معنى القصر: أي المد بمقدار حركتين فقط.

♦ ومعنى التوسط: أي المد بمقدار أربع حركات.

♦ ومعنى الإشباع: أي المد بمقدار ست حركات.

♦ والفرق بين الوجوب والجواز: الوجوب: هو باتفاق العلماء، بينما الجواز هناك من القراء من قصره إلى حركتين، وهذا هو الفرق بينهما.

سبب التسمية: لأن السكون الذي كان سببًا في المد عارضٌ بسبب الوقف على الكلمة، فإذا وُصِل، صار مدًّا طبيعيًّا.

شروطه:

1- وجود حرف المد.

2- أن يقع حرف المد قبل الحرف الأخير مباشرة.

3- أن نقف على الحرف الأخير بالسكون العارض.

أمثلة تطبيقية على المد العارض للسكون:

• ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]: نون فتحة نَـ ومرققة، سين سكون (نَـسْـ )، تا فتحة تَـ ومرققة (نَسْتَـ )، عين كسرة عِـ ياء مد طبيعي حركتين (نَـسْتَعِيـ )، والنون لها حالتان عند الوصل نون ضمة نُ ومرققة (نَسْتَعِينُ)، وعند الوقف نون ساكنة ويسمى مدًّا عارضًا للسكون، اثنان أو أربع أو ست حركات مع تسكين النون (نَسْتَعِينْ).

• ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 9]: واو فتحة وَ، ميم فتحة مَ ألف مدّ طبيعي حركتين (وَمَـا)، يا فتحة يَـ (وَمَـا يَـ)، شين سكون (يَـشْـ)، عين ضمة عُـ (وَمَـا يَـشْـعُـ)، را ضمة واو مدّ طبيعي حركتين (وَمَا يَشْـعُرُو)، والنون لها حالتان عند الوصلِ نون فتحة نَ ومرققة (وَمَـا يَشْعُرُونَ)، وعند الوقف نون ساكنة ويُسمى مدًّا عارضًا للسكون، اثنان أو أربع أو ست حركات مع تسكين النون (وَمَا يَشْعُرُونْ).

ب‌- المد اللين:

هو أن يقع حرف اللين قبل الحرف الأخير مباشرة، وأن نقف على الحرف الأخير بالسكون العارض.

حكمه: جائز المد.

مقداره: حركتان (قصر) أو أربع حركات (توسط)، أو ست حركات (إشباع).

♦ معـنى القصــر: أي المد بمقدار حركتين فقط.

♦ ومعنى التوسط: أي المد بمقدار أربع حركات.

♦ ومعنى الإشباع: أي المد بمقدار ست حركات.

شروطه:

1- وجود حرف اللين.

2- أن يقع حرف اللين قبل الحرف الأخير مباشرة.

3- أن نقف على الحرف الأخير بالسكون العارض.

ملحوظة هامة:

إذا اجتمع مدان في كلمة نُقدم أقواهما نحو: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ ﴾ [الأعراف: 204]، نلاحظ هنا في كلمة (الْقُرْءَانُ) أتى نوعين من المد في حالة الوصل بالكلمة التي بعدها، يظهر المد البدل، لكن عند الوقف نقدم المد العارض على البدل؛ لأنه أقوى وذلك عند الوقف.

إذًا للمد مراتب:

ذكرنا بطريقة مبسطة أن للمد عدة مراتب من حيث القوة والضعف، وقد جمعها الشيخ العلامة: "إبراهيم شحاته السمنودي"، بارك الله في عمره في (آلئ البيان) في قوله:

أقوى المدود لازمٌ فَما اتصلْ فعارضٌ فذو انفصالٍ فبدلْ وسَبَبَا مدٍّ إذَا ما وُجِدَا فَإِنّ أقوى السَبَبين انفرَدَا

فذكرنا أن أسباب هذا الترتيب يرجع إلى القوة والضعف، وقُمنا بتقسيمهم إلى مراتب من حيث القوة ثم إلى الضعف.

1- اللازم أقوى المدود جميعها، وهو في المرتبة الأولى.

2- المد المتصل في المرتبة الثانية.

3- المد العارض للسكون في المرتبة الثالثة.

4- المد المنفصل في المرتبة الرابعة.

5- المد البدل في المرتبة الخامسة.

6- أما مدُّ اللين، فهو أضعف المدود جميعًا، وهو المرتبة الأخيرة والسادسة.

ملحوظة:

حرف اللين لا يُمدّ إلا إذا وقع بعده حرف ساكن سكونًا عارضًا، ولا يكون ذلك إلا في حالة الوقف، أما في حالة الوصل، فلا يُمدّ اللين أصلًا.

أمثلة تطبيقية على المد اللين:

• ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62]: نلاحظ هنا كلمة (خَوْفٌ) جاءت واو ساكنة ومفتوحًا ما قبلها، لذلك يندرجُ تحت ما يُسمى بالمد اللين، ويكون التهجي فيها بهذه الطريقة: خا فتحة خَـ، عند الوقف واو مد لين جائز، اثنان أو أربع أو ست حركات (خَـوْ)، فا سكون (خَـوْفْ)، ولا ننسى هنا أن حرف الفاء من حروف الهمس، فعند الوقف عليه نحقق الهمس، فاعلمي أن حروف الهمس مجموعة في (فَحَثَهُ شَخْصٌ سَكَتْ).

ما الفرق بين مدّ اللين والمد العارض للسكون:

• اجتماع المد العارض للسكون مع مد اللين عند التلاوة.

مد اللين يمد تشبيهًا بالمد العارض للسكون؛ لأن حرف المد له مزيّة على حرف اللين بمعنى أن حرف المد أقوى من حرف اللين.

سؤال: ما هذه المزية؟

• في كلمتي (يَعْمَلُونَ) و(خَوْفٌ) الواو الأولى مدية والواو الثانية ليَّنة.

نلاحظ أننا نبدأ في ضم الواو في (يَعْمَلُونَ) من بداية ضــم اللام بعكس (خَوْفٌ)، فقد بدأنا ضم الواو بعد الإتيان بحركة الخاء؛ أي: إننا نطقنا صوت الحرف المفتوح قبل حرف الواو، وبسبب هذا النقص يكون زمن الواو أقصر من زمن المد الطبيعي، وهذه هي المزيَّة في حرف المد عن حرف اللين.

بعض الفوائد:

• عندما تكلمنا عن عدد الحركات في اللغةِ العربية، وذكرنا عددها تسعة عشر حركة، وهذا مختص باللغة العربية، بينما ذكرنا أن القرآن الكريم زاد بعض الحركات عليه وذلك بسبب الرسم العثماني فما هو:

الرسم العثماني: هو صورة الخط الذي التزمه كُتَّاب الوحي في كتابة هذا المصحف.

ماذا يحرص المسلمون على كتابة المصحف بالرسم العثماني؟

الأمة الإسلامية ما زالت إلى يومنا هذا تحافظ على الرسم العثماني في كتابة المصحف ونشره، لأن هذا الالتزام سُنة متبعة، لا ينبغي تجاوزها لأسباب منها:

1- الحفاظ على الرسم العثماني ضمان قوي لضمان ولصيانة القرآن الكريم من التغيير والتبديل.

2- تبركًا بما رسمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانعقد عليه إجماع الأمة في عهد الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين.

3- أنه الرسم الذي يحتمل جميع وجوه القراءات.

وقد لخص ابن الجزري - رحمه الله - في المقدمة أنواع المد وأحكامه فقال:

والمد لاَزِمٌ وَوَاجِبٌ أَتَى وَجَاَئزٌ وَهْوَ وَقَصْرٌ ثَبَتَا فَلاَزِمٌ إِن جَاءَ بَعْدَ حَرْفِ مَدْ سَاكِنَ حَالَيْنِ وَبِالطُّولِ يُمَدْ وَوَاجِبٌ إنْ جاءَ قَبْلَ هَمْزَةِ مُتَّصِلاً إِنْ جُمِعَا بِكِلْمَةِ وَجَائزٌ إِذَا أَتَى مُنْفَصِلاَ أَوْعَرَضَ السُّكُونُ وَقْفاٌ مُسْجَلاَ

قراءة تحفة الأطفال من أحكام المد

يقول الشيخ الجمزوري رحمه الله في التحفة

لِلْمَدِّ أَحْكَامٌ ثَلاَثَةٌ تَدُومْ وَهْيَ الْوُجُوبُ وَالْجَوَازُ وَاللُّزُومْ فَوَاجِبٌ إِنْ جَاءَ هَمْزٌ بَعْدَ مَد فِي كِلْمَةٍ وَذَا بِمُتَّصِلٍ يُعَدْ وَجَائِزٌ مَدٌّ وَقَصْرٌ إِنْ فُصِلْ كُلٌّ بِكِلْمَةٍ وَهَذَا المُنْفَصِلْ وَمِثْلُ ذَا إِنْ عَرَضَ السُّكُونُ وَقْفًا كَتَعْلَمُونَ نَسْتَعِينُ أَوْ قُدِّمَ الْهَمْزُ عَلَى المد وَذَا بَدَلْ كَآمَنُوا وَإِيمَانًا خُذَا وَلاَزِمٌ إِنِ السُّكُونُ أُصِّلاَ وَصْلاً وَوَقْفًا بَعْدَ مَدٍّ طُوِّلاَ

وهذا شرح مبسط للكلمات

شرح المفردات:

للمد أحكام ثلاثة: هنا نتكلم عن المد الفرعي؛ لأننا قلنا: إن المد الطبيعي اسمه القصر

وهي الوجوب والجواز واللزوم: عندنا ثلاثة أحكام، فهنا التقسيم من حيث الحكم لا من حيث اسم المد.

فواجب إن جاء همز بعد مد في كلمة: حال اجتماع المد والهمزة في كلمة واحدة فحكمه الوجوب.

وذا: وهذا.

بمتصل: اسمه متصل.

يعد: يعد متصلاً عند علماء التجويد.

وجائز مد وقصر إن فصل: حكمه الجواز بين المد والقصر إن فصل.

كل بكلمة: إذا كان المد في نهاية الكلمة الأولى والهمز في بداية الكلمة الثانية، تحوَّل الحكم من الوجوب إلى الجواز.

وهذا المنفصل: يكون اسمه مدًّا منفصلاً.

ومثل ذا إن عرض السكون: ذا تعود على جواز المد والقصر لما حكمه السكون العارض.

وقفًا: يكون السكون العارض حال الوقف.

مثال: تعلمون، نستعين.

أو قدم الهمز على المد: إذا جاء الهمز سابقًا لحرف المد فذا بدل.

ومثال: ءامنوا وإيمانًا.

بعضهم يضعون البدل مع المد الطبيعي لكونه حركتين، لكن لكونه ذا سبب.

ولازم: الحكم التالي هو المد اللازم.

إن السكون أصلاً: أي كان أصليًّا في الكلمة.

وصلاً ووقفًا: إذا كان السكون أصلي في الكلمة وصلاً ووقفًا، فحكمه اللزوم.

وطولاً: دليل على اتفاق العلماء على إشباعه ست حركات.

إذًا:

للمد الفرعي ثلاثة أحكام دائمًا وأبدًا، وهي (الوجوب، الجواز، اللزوم).

الوجوب: بحيث يجب فيه زيادة حرف المد عن حركتين، وذلك في حالة المد المتصل، وحكمه: الوجوب؛ حيث إن جميع القراء يقومون بمده زيادة عن حركتين، وإن اختلفوا في مقدار المد، مقداره: أربع أو خمس حركات، وقد يمد ستة حركات إذا تطرَّفت الهمزة، ووقفنا عليها، وفي الطريق الذي نقرأ به (حفص عن عاصم من طريق الشاطبية) نمده دومًا أربع حركات.

الجواز: حيث يجوز فيه أن نجعله حركتين كالمد الطبيعي ( نقصره)، ويجوز أن نمده أربع حركات، وهذا النوع من المد نجده في كل من (المد المنفصل، مد البدل، المد العارض للسكون)، وذكرنا أن حكمه: الجواز، ومقداره: أربع أو خمس حركات في الطريق الذي نقرأ به (حفص عن عاصم من طريق الشاطبية)، وحركتين من طريق آخر لعاصم (طريق الطيبة) أيضًا، ونحن سنمده باستمرار أربع حركات.

أُصَّلَا: أي: كان السكون أصليًّا وصلًا ووقفًا.

طُوَّلَا: أي: أُشبع مده لزومًا.

وقُمنا بشرح أقسام المد التي تَمَّ قراءتها من التحفة في هذا المجلس وشرح المفردات ستكون ملحقة في المجلس الرابع.

تم بحمد الله

وبهكذا نكون قد انتهينا من المجلس الرابع من القاعدة النورانية، سائلين الله عزّ وجل أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، والفوز بالجنةِ والنجاة من النار.

بارك الله فيكم

ونفع بكم الإسلام والمسلمين

وأسأل الله عز وجل أن يرزقنا العلم النافع والعمل به، وأن يجعلنا هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يهيئ لهذه الأمة أمر رُشدها، وأن ييسِّر لأبنائها سبيل طلب العلم ونشره بين إخوانهم في بقاع الأرض، وأن يبارك لنا في أوقاتنا، وأن يجعلنا من عباده المتقين.

فأرجو من الله العلي القدير أن أكون قد وُفِّقت فيما طرحته، فإن أصبت، فتوفيق من الله تعالى، وإن أخطأت، فمني ومن الشيطان.