التيمم ( من المرتع المشبع ) (2)

مواضع الطهارة.. الموضع الثامن عشر

التيمم (من المرتع المشبع) (2)

((يجب التيمم بتراب، فلا يجوز برمل وجص ونحيت الحجارة ونحوها..))

المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع

قوله: (ويجب التيمم بتراب فلا يجوز برمل وجص ونحيت الحجارة ونحوها)[1].

قال في " الإفصاح ": اختلفوا في الصعيد الطيب نفسه:

فقال أبو حنيفة[2] ومالك[3]: يجوز بسائر أجناس الأرض مما لا ينطبع كالنورة [4] والجص والزرنيخ، وزاد مالك فجوز مما اتصل بالأرض كالنبات.

وقال الشافعي[5] وأحمد[6]: لا يجوز التيمم بغير التراب، وهو موافق لقول أهل اللغة [7][27أ].

" وأجمعوا [8] على أن ما ينطبع كالحديد والنحاس والرصاص لا يسمى صعيدًا ولا يجوز التيمم به " [9].

وقال ابن رشد: " اتفقوا[10] على جواز هذه الطهارة بتراب الحرث الطيب، واختلفوا في جواز فعلها بما عدا التراب من أجزاء الأرض المتولدة عنها كالحجارة:

فذهب الشافعي[11] إلى أنه لا يجوز التيمم إلا بالتراب الخالص.

وذهب مالك وأصحابه[12]: إلى أنه يجوز التيمم بكل ما صعد على وجه الأرض من أجزائها في المشهور عنه كالحصى والرمل والتراب.

وزاد أبو حنيفة[13] فقال: وبكل ما يتولد من الأرض من الحجارة، مثل: النورة، والزرنيخ، والجص، والطين، والرخام.

ومنهم من شرط أن يكون التراب على وجه الأرض، وهم الجمهور.

وقال أحمد بن حنبل[14]: يتيمم بغبار الثوب واللبد.

والسبب في اختلافهم شيئان:

أحدهما اشتراك اسم الصعيد في لسان العرب، فإنه مرة يطلق على التراب الخالص، ومرة يطلق على جميع أجزاء الأرض الظاهرة، حتى إن مالكا وأصحابه[15] حملهم دلالة اشتقاق هذا الاسم - أعني: الصعيد - أن يجيزوا - في إحدى الروايات عنهم - التيمم على الحشيش وعلى الثلج، قالوا: لأنه يسمى صعيدا في أصل التسمية - أعني: من جهة صعوده على الأرض - وهذا ضعيف.

والسبب الثاني: إطلاق اسم الأرض في جواز التيمم بها في بعض روايات الحديث المشهور وتقييدها بالتراب في بعضها، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا "[16]، فإن في بعض رواياته: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا "، وفي بعضها: جعلت لي الأرض مسجدا، وجعلت لي تربتها طهورا " [17][27ب].

وقد اختلف أهل الكلام الفقهي: هل يقضى بالمطلق على المقيد أو بالمقيد على المطلق؟ والمشهور عندهم: أنه يقضى بالمقيد على المطلق، وفيه نظر!

ومذهب أبي محمد ابن حزم: أن يقضى بالمطلق على المقيد[18]؛ لأن المطلق فيه زيادة معنى، فمن كان رأيه القضاء بالمقيد على المطلق وحمل اسم الصعيد الطيب على التراب لم يجز التيمم إلا بالتراب، ومن قضى بالمطلق على المقيد وحمل اسم الصعيد على كل ما علا وجه الأرض من أجزائها أجاز التيمم بالرمل والحصى.

وأما إجازة التيمم بما يتولد منها: فضعيف؛ إذ كان لا يتناوله اسم الصعيد، فإن أعم دلالة اسم الصعيد أن يدل على ما تدل عليه الأرض لا أن يدل على الزرنيخ والنورة ولا على الثلج والحشيش. والله الموفق للصواب.

والاشتراك الذي في اسم الطيب أيضا من دواعي الخلاف "[19].

وقال البخاري: " باب: الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء، وقال الحسن: يجزئه التيمم ما لم يحدث، وأم ابن عباس وهو متيمم، وقال يحيى بن سعيد: لا بأس بالصلاة على السبخة والتيمم بها.

وساق حديث عمران بن حصين الطويل، وفيه: فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، قال: " ما منعك - يا فلان - أن تصلي مع القوم؟ " قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: " عليك بالصعيد فإنه يكفيك "[20].

قال الحافظ: قوله: (باب: الصعيد الطيب وضوء المسلم) هذه الترجمة لفظ حديث، ولفظه: " أن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين " [21][28أ]... إلى أن قال: واحتج ابن خزيمة لجواز التيمم بالسبخة بحديث عائشة في شأن الهجرة: أنه قال صلى الله عليه وسلم: " أُريت دار هجرتكم: سَبَخَة ذات نخل "[22] يعني: المدينة، قال: وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة: طيبة، فدل على أن السبخة داخلة في الطيب، ولم يخالف في ذلك إلا إسحاق بن راهويه "[23].

وقال في " الاختيارات ": " ويجوز التيمم بغير التراب من أجزاء الأرض، إذا لم يجد ترابا، وهو رواية [عن أحمد] "[24].

إلى أن قال: "ولا يستحب حمل التراب معه للتيمم، قاله طائفة من العلماء خلافا لما نقل عن أحمد[25] " [26].