مخارج الحروف

مخارج الحروف

اعلم أن هذا الباب من أهم أبواب التجويد، فيجب أن يعتني بإتقانه كل من أراد أن يقرأ القرآن المجيد! قال الشمس ابن الجزري في مقدمته.

إذا وجب عليهم محتم قبل الشروع أولًا أن يعلموا مخارج الحروف والصفات لينطقوا بأفصح اللغات

فمن أتقن مخارج الحروف والصفات، نطق بأفصح اللغات، وهي لغة العرب العرباء، التي نزل القرآن بها، ولغة سيد ولد عدنان.

تعريف المخرج:

المخرج في اللغة: اسم لموضع خروج الحرف، وفي الاصطلاح: محل خروج الحرف؛ أي: ظهوره الذي ينقطع عنده صوت النطق به، فيتميز به عن غيره.

وإذا أراد أحد أن يعرف مخرج الحرف، فعليه أن يسكنه بعد همزة الوصل أو يشدده، فإذا انقطع صوته، كان مخرجه المحقق؛ مثل: (أق - أك - أف)، وحيث انقطع الصوت في الجملة كان مخرجه المقدر؛ مثل: حروف المد الثلاثة، فإن مخرجها معذر لا تعتمد لها في شيء من أجزاء الفهم؛ حيث ينقطع عند ذلك الجزء، ولهذا قبلت الزيادة على مقدار المد الطبيعي كما سيأتي - إن شاء الله.

والمراد بالحرف، الحروف الهجائية، وإنما سُمِّي حرفًا؛ لأنه غاية الطرف وغاية كل شيء حرفه، ثم اعلم أن الحروف الهجائية قسمان: (أصلية، وفرعية).

أما الأصلية فهي تسعة وعشرون حرفًا على ما هو المشهور[1].

وهي حروف (أ ب ت ث ج) ..إلخ، وشهرتها تغني عن ذكرها.

وأما الحروف الفرعية:

فهي التي تخرج من مخرجين، وتتردد بين حرفين[2].

ثم اعلم أن مخارج الحروف نوعان:

الأول: المخارج العامة.

الثاني: المخارج الخاصة.

• أما المخارج العامة، فهي ما اشتمل الواحد منها على مخرج واحد فأكثر.

• وأما المخارج الخاصة، فهي ما اشتمل الواحد منها على مخرج واحد فقط، وقد يخرج منه حرف واحد أو حرفان أو ثلاثة، ولا أكثر من ذلك.

اختلاف علماء القراءة في عدد المخارج على ثلاثة مذاهب:

الأول: مذهب سيبويه ومن تبعه؛ كالإمام الشاطبي وابن بري - رضي الله عنهما - فالمخارج عندهم ستة عشر مخرجًا.

فقد أسقط مخرج الجوف الذي هو مخرج حروف المد الثلاثة، ووزعوا حروفه على مخارج الحلق واللسان والشفتين، فجعلوا مخرج الألف من أقصى الحلق مع الهمزة والياء من وسط اللسان، مع الياء المتحركة أو الساكنة بعد فتح، والواو من الشفتين مع الواو المتحركة أو الساكنة بعد فتح كذلك.

الثاني: مذهب الفراء وقطرب ومن تبعهم، وعدد المخارج عندهم أربعة عشر مخرجًا، فقد أسقطوا مخرج الجوف، ووزعوا حروفه كما تقدم في مذهب سيبويه وموافقيه، ثم جعلوا مخرج اللام والنون والراء مخرجًا واحدًا وهو طرف اللسان، مع ما يحازيه من الحنك الأعلى.

ويعم المخارج على هذين المذهبين أربعة مخارج عامة، وهي الحلق واللسان والشفتين والخيشوم، ففي الحلق ثلاثة مخارج، وفي اللسان عشرة على المذهب الأول، وثمانية على المذاهب الثاني، وفي الشفتين مخرجان.

الثالث: مذهب الخليل بن أحمد ومن وافقه؛ كالحافظ ابن الجزري، وغيره.

وعدد المخارج على هذا المذهب سبعة عشر مخرجًا، فقد أثبتوا مخرج الجوف في مكانه، وكذلك أثبتوا لكل من اللام والنون والراء مخرجًا سيأتي بيان كل منها في محله من الباب.

والمختار من هذه المذاهب الثلاثة، هو مذهب الخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو الذي عليه الجمهور، واختاره الحافظ ابن الجزري، وإليه أشار في المقدمة الجزرية بقوله - رحمه الله -:

مخارج الحروف سبعة عشر على الذي يختاره من اختير

هذا: وتنحصر المخارج على هذا المذهب في خمسة مخارج عامة، وهي:

الجوف والحلق واللسان والشفتين والخيشوم.

فيخرج من الجوف مخرج واحد، ومن الحلق ثلاثة، ومن اللسان عشرة، ومن الشفتين اثنان، ومن الخيشوم واحد.

ثم إن حصر المخارج فيما تقدم ذكره، إنما هو على وجه التقريب، وإلا فالتحقيق أن لكل حرف مخرجًا خاصًّا به يخالف مخرج الآخر، وإلا كان إياه.

وإلى هذا المعنى يقول العلامة ابن عبدالرزاق في تذكرة القراء ص6:

والحصر تقريب وبالحقيقة لكل حرف بقعة دقيقة إذ قال جمهور الورى ما نصه لكل حرف مخرج يخصه

تفصيل المخارج المختارة:

أولًا: الجوف: أي جوف الحلق والفم، وهو الخلاء الداخل فيهما، ويخرج منه حروف المد الثلاثة، وسميت حروف مد، لاتساع مخرجها ومخرجها جوف الحلق والفم.

وقد أشار إلى هذا المخرج الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية.

فألف الجوف واختاها وهي حروف مد للهواء تنتهي

ثانيًا: الحلق: وفيه ثلاثة مخارج:

1- أقصى الحلق يعني مما يلي الصدر الهمزة والهاء.

2- وسط الحلق                     العين والحاء.

3- أدنى الحلق أقربه مما يلي الفم             الغين والخاء.

وقد أشار إلى مخارج الحلق الثلاثة الحافظ ابن الجزري في مقدمته الجزرية بقوله:

ثم لأقصى الحلق همز هاء ثم لوسطه فعين حاء أدناه غين خاؤها ...........................

ثالثًا: اللسان: وهو أعظم أعضاء النطق، ولهذا جعل اللسان مرادفًا للغة، فيقال: اللسان العربي.

قال تعالى: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ وفيه عشرة مخارج لثمانية عشر حرفًا.

1- ما بين أقصى اللسان مما يلي الحلق - القاف.

2- من أسفل أقصى اللسان تحت مخرج القاف - الكاف.

3- من وسط اللسان - الجيم والشيم والياء غير المدية - ويقال لها: شجرية لخروجها من شجر الفم.

4- من أول حافتي اللسان إلى ما يلي الأضراس من الجانبين أو من إحداهما - الضاد.

5- من أول حافتي اللسان إلى منتهى حرفه - اللام.

6- من طرف اللسان ويجعل تحت مخرج اللام قليلًا - النون.

7- من طرف اللسان من ظهره أدخل من النون - الراء.

8- من طرف اللسان ومن أصول الثنايا العليا - الطاء والدال والتاء، ويقال لها: حروف نطعية لخروجها من نطع أي جلد غار الحنك الأعلى وهو سقفه.

9- من طرف اللسان ومن فوق الثنايا السفلى - الصاد والزاي والسين.

وتسمى هذه الحروف أسيلة لخروجها من أسلة اللسان، وتسمى حروف الصفير.

10- من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا أي رؤوسها - الظاء والذال والثاء - وهذه الأحرف الثلاث هي التي درت عادة المعلمين لكتاب الله النصح بإخراج اللسان عند النطق بها.

وإلى هنا انتهى كلامنا على مخارج اللسان العشرة وتسمى كلها لسانية، وقد أشار إلى مخارج اللسان العشرة الحافظ ابن الجزري في مقدمته الجزرية بقوله:

رابعًا: الشفتان: وفيهما مخرجان:

1- بطن الشفة السفلى مع أطراف الثنايا العليا - الفاء.

2- الشفتين                                         واو باء ميم.

الواو غير المدية ويقال لهذا الحروف الثلاثة شفوية لخروجها من الشفتين.

خامسًا: الخيشوم: وهو خرق الأنف المنجذب إلى داخل الفم، ويخرج منه الغنة، وهي النون الساكنة والتنوين حال إدغامهما بغنة، أو إخفائهما أو قلبهما، والنون والميم المشددتان، والميم إذا أدغمت في مثلها أو أخفيت عند الباء، فإن النون والميم يتحولان في تلك الأحوال عن مخرجهما الأصلي الذي هو رأس اللسان في الأول، وما بين الشفتين في الثاني إلى الخيشوم.

وقد أشار إلى مخرجي الشفتين ومخرج الخيشوم الجافظ ابن الجوزي في المقدمة الجزرية بقوله:

.... ومن بطن الشفة فالفا مع أطراف الثنايا المشرفة للشفتين الواو باء ميم وغنة مخرجها الخيشوم

وإلى هنا انتهى الكلام على مخارج الحروف مع بسط الكلام عليها بما ذكره وأوضحه أهل التحقيق في كتبهم، فعليك أيها الطالب لتجويد القرآن بحفظها وإحكامها، فإنه لا سبيل إلى التجويد إلا بعد إتقانها؛ ا .هـ[3].