• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

مدخل إلى علم المقاصد (1 /5)

د. فارس العزاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/6/2009 ميلادي - 10/6/1430 هجري

الزيارات: 51078

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مدخل إلى علم المقاصد (1 /5)

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...

أما بعد:

فقد شغل موضوع المقاصد في الآونة الأخيرة مساحة واسعة في كتابات العلماء والباحثين بشتى اتجاهاتهم العلمية، مما يدل على صحوة علمية في هذا المجال وتجاوز لحالة السبات التي أصابت القرون المتأخرة بسبب سيادة منطق التقليد والتبعية في أخذ الأحكام مجردة عن الدليل.

وهي حالة حرص العلماء من المحققين على علاجها وإعادتها إلى أصولها الصحيحة، والنظر المقاصدي بالرغم من كونه لم ينضج إلا في فترة متأخرة - وهي القرن الثامن الهجري - من خلال كتابات شيخ الإسلام ابن تيمية في جانبها التطبيقي والإمام الشاطبي في جانبها التنظيري، إلا أن كتابات المتقدمين لم تخل من إشارات إلى هذا العلم كما هو الحال في كتابات إمام الحرمين الجويني والغزالي والعز بن عبد السلام - رحم الله الجميع -، كما أن الغالب على كتب الأصوليين بحثها لمقاصد الشريعة في ثنايا كلامهم في باب القياس.

وعلى الرغم من أهمية هذا العلم في جوانب مختلفة وأهمها الكشف عن مقاصد الشارع في وضعه للشريعة، وإعانة العلماء المجتهدين في استنباط الأحكام وبيان عللها، إلا أن الغالب على كتب الأصول بحث مسائل التعليل في باب القياس مقتصرة على النظر التجزيئي، بمعنى معرفة العلة في الأصل الذي انبنى عليه الحكم وتعديته في الفرع عند تحقق هذه العلة فيه، فكان النظر في التعليل جزئياً دون تجاوزه إلى النظر الكلي، بالإضافة إلى انشغال الأصوليين بالمباحث اللفظية والحرفية على حساب النظر المقاصدي، والمنهج الشرعي يقتضي الجمع بين الأخذ بظواهر النصوص واعتبار مقاصدها.

وهذا ما دفع العلماء من المحققين إلى بيان محاسن الشريعة، وإظهار خصائصها، وتجلية الحكم والمصالح التي تسعى إلى تحقيقها، منطلقين في ذلك من النصوص الشرعية المحكمة. وبناء على ما تقدم كان لزاماً على طلبة العلم والدعاة التعرف على مقاصد الشريعة الإسلامية ومنهج العلماء في التصنيف فيها وبيان قواعدها وأقسامها وضوابطها، ولذلك عمدنا إلى وضع (مدخل إلى علم المقاصد) تسهيلاً لهذا العلم وترغيباً فيه - وخاصة لطلبة العلم والدعاة -.

وقد قسمت الموضوع إلى المباحث التالية:

♦ تمهيد في خصائص الشريعة الإسلامية.

♦ في المفاهيم المقاصدية.

♦ ضوابط المقاصد وأقسامها.

♦ بين المقاصد والمصالح المرسلة. 

سائلاً الله القدير أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، وأن ينفع به، وأسأله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، ويجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، مقتدين بمن سلف من هذه الأمة، سائرين على نهجهم وطريقهم، والله من وراء القصد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

تمهيد:

في خصائص الشريعة الإسلامية

تعريف الشريعة:
الشريعة في اللغة: فعيلة بمعنى مفعولة الموضع الذي ينحدر إلى الماء منه، فهي مورد الشاربة التي يشرعها الناس - أي يردها - فيشربون منها ويستقون، قال الليث: وبها سمي ما شرع الله للعباد شريعة من الصوم والصلاة والحج والنكاح وغيره، قال الزبيدي: هي ما شرع الله لعباده كالشرع بالفتح، وحقيقتها وضع ما يتعرف منه العباد أحكام عقائدهم وأفعالهم وأقوالهم وما يترتب عليه صلاحهم[1]، قال ابن عاشور: " والشريعة: الدين والملة المتبعة مشتقة من الشرع وهو: جعل طريق للسير، وسمي النهج شرعاً تسمية بالمصدر. وسميت شريعة الماء الذي يرده الناس شريعة لذلك، قال الراغب: استعير اسم الشريعة للطريقة الإلهية تشبيهاً بشريعة الماء، قلت: ووجه الشبه ما في الماء من المنافع وهي الري والتطهير "[2]. 

أما الشريعة في الاصطلاح فهي: ما شرع الله لعباده من الدين، أي من الأحكام المختلفة. وسميت هذه الأحكام شريعة لاستقامتها ولشبهها بمورد الماء لأن بها حياة النفوس والعقول كما أن في مورد الماء حياة الأبدان. والشريعة الدين والملة بمعنى واحد، وهو ما شرعه الله لعباده من أحكام، ولكن هذه الأحكام تسمى شريعة باعتبار وضعها وبيانها واستقامتها، وتسمى ديناً باعتبار الخضوع لها وعبادة الله بها، وتسمى ملة باعتبار إملائها على الناس[3].

ومنهم من عرفها بقوله: " والشريعة هي النظم التي شرعها الله أو شرع أصولها ليأخذ الإنسان بها نفسه في علاقته بربه، وعلاقته بأخيه المسلم، وعلاقته بأخيه الإنسان، وعلاقته بالكون، وعلاقته بالحياة "[4]، وهو بهذا التعريف يريدها في مقابل العقيدة، والأول أعم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الشرعة هي الشريعة، قال الله تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [5]، وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ﴾ [6]. والمنهاج هو الطريق، قال تعالى: ﴿ وَأَلَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [7]. فالشرعة بمنزلة الشريعة للنهر، والمنهاج هو الطريق الذي سلك فيه، والغاية المقصودة هي حقيقة الدين "[8].

وقال معترضاً على من يقصر الشريعة على الأحكام الفقهية العملية دون الأمور العقدية: " والتحقيق أن الشريعة التي بعث الله بها محمداً صلى الله عليه وسلم جامعة لمصالح الدنيا والآخرة.. لكن قد يغير أيضاً لفظ الشريعة عند أكثر الناس، فالملوك والعامة عندهم أن الشرع والشريعة اسم لحكم الحاكم، ومعلوم أن القضاء فرع من فروع الشريعة، وإلا فإن فالشريعة جامعة لكل ولاية وعمل فيه صلاح الدين والدنيا، والشريعة إنما هي كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه سلف الأمة في العقائد والأصول والعبادات والأعمال والسياسات والأحكام، والولايات والعطيات "[9]. 

أما الشريعة الإسلامية فهي: الأحكام التي شرعها الله تعالى وأنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم ليبلغها للناس جميعاً، سواء كانت هذه الأحكام في القرآن أو في السنة، باعتبارهما وحياً من عند الله تعالى[10].

أهمية الشريعة:
قال تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [11]، قال ابن عاشور: " قد بلغت هذه الجملة من الإيجاز مبلغاً عظيماً إذ أفادت أن شريعة الإسلام أفضل من شريعة موسى وأنها شريعة عظيمة، وأن الرسول متمكن منها لا يزعزعه شيء عن الدأب في بيانها والدعوة إليها. ولذلك فرع عليه بأمره باتباعها بقوله: فاتبعها، أي دم على اتباعها، فالأمر لطلب الدوام "[12].

والأصل أن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم أمر لكافة الأمة إلا ما دل الدليل على التخصيص، قال ابن القيم تحت عنوان: بناء الشريعة على مصالح العباد في المعاش والمعاد: " فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها.

وهي نوره الذي به أبصر المبصرون وهداه الذي به اهتدى المهتدون وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قرة العين وحياة القلوب ولذة الأرواح، فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم، وهي العصمة للناس وقوام للعالم وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، فإذا أراد سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم رفع إليه ما بقي من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة "[13]. 

خصائص الشريعة:
لقد ختمت الشرائع الإلهية بالشريعة الإسلامية التي أنزلت على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمر بتبليغها إلى الناس كافة، ووجه جعلها خاتمة للشرائع الإلهية كمال هذه الشريعة، وتمامها، ووفائها بجميع حاجات البشر في كل مكان وزمان[14]، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [15]، قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله: " إن قول الله سبحانه لهذه الأمة: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

يتضمن توحيد المصدر الذي تتلقى منه هذه الأمة منهج حياتها ونظام مجتمعها، وشرائع ارتباطاتها ومصالحها إلى يوم القيامة، كما يتضمن استقرار هذا الدين بكل جزئياته الاعتقادية والتعبدية والتشريعية، فلا تعديل فيها ولا تغيير؛ فقد اكتمل هذا الدين وتم وانتهى أمره.. إن هذه الآية تقرر - بما لا مجال للجدال فيه - أنه دين خالد، وشريعة خالدة. وأن هذه الصورة التي رضيها الله للمسلمين ديناً هي الصورة الأخيرة.. إنها شريعة ذلك الزمان وشريعة كل زمان؛ وليس لكل زمان شريعة، ولا لكل عصر دين.. إنما هي الرسالة الأخيرة للبشر، قد اكتملت وتمت، ورضيها الله للناس ديناً. فمن شاء أن يبدل، أو يحور، أو يغير أو يطور! إلى آخر هذه التعبيرات التي تلاك في هذا الزمان، فليبتغ غير الإسلام ديناً.. ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ "[16].

والشريعة بما أنها خاتمة الشرائع الإلهية فإن لها خصائص عامة تميزها عن غيرها، وفهمها يساعد على إدراك مقاصدها ومعرفة دقائقها وأسرارها، ويمكننا بيان بعضها:

أولاً: مراعاتها للمصالح:

أحكام الشريعة الإسلامية شاملة لجميع المصالح الدنيوية والأخروية والفردية والجماعية، فالشريعة لا تعرف الدنيا بدون الآخرة ولا الآخرة بدون الدنيا، ولا تعرف الجماعة بدون فرد ولا فرداً بدون جماعة، فالفرد جزء وعضو، والجماعة كل وجسد فكل من الفرد والجماعة في حاجة إلى الآخر، فالشريعة تسلك مسلك الموازنة بين مصالحهما[17]، ولا نعلم أن أحداً خالف في أن جميع أحكام الله تعالى متكفلة بمصالح العباد في الدارين، وأن مقاصد الشريعة ليست سوى تحقيق السعادة الحقيقية لهم، بل قد تم إجماع الفقهاء على ذلك، كما ذكره الآمدي[18] وغيره[19].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما "[20]، وقال ابن القيم: " الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها "[21]. والأدلة على مراعاة الشريعة مصالح العباد كثيرة من الكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [22]، وقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [23]، وقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [24]، ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام: " الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان "[25]، وقوله عليه الصلاة والسلام: " لا ضرر ولا ضرار "[26].

ثانياً: عموم الشريعة:
ومقتضاها أن الشريعة عامة لجميع المكلفين، بمعنى لا يختص الخطاب بحكم من أحكامها بمكلف دون آخر ما دام شرط التكليف موجوداً، ولا يستثنى من الدخول تحت أحكامها أي مكلف ويدل على ذلك عدة أمور، منها النصوص المتضافرة، كقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [27]، وقوله: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [28]، فهذه النصوص تدل على أن البعثة عامة لا خاصة لأنه لو كان بعض الناس مختصاً بما لم يخص غيره لم يكن مرسلاً للناس جميعاً، ومنها أن الأحكام إذا كانت موضوعة لمصالح العباد، فالعباد بالنسبة إلى ما تقتضيه من المصالح سواء، لأنهم مطبوعون بطابع النوع الإنساني المتحد في ضرورياته وحاجياته، وما يكمل ذلك، فلو وضعت على الخصوص، لم تكن موضوعة لمصالح العباد بإطلاق، ولا يستثنى من ذلك إلا ما خصه الدليل برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما خص به بعض أصحابه[29].

وإذا كان الخطاب في بعض جوانبه موجهاً إلى المؤمنين، كالخطاب الذي يبدأ ب (يا أيها الذين آمنوا) فهذا إنما خص المؤمنين من باب التشريف لا التخصيص، كما حقق ذلك كثير من أهل العلم ومنهم الشوكاني، إذ قال رحمه الله: " إن المسلمين والمؤمنين خصصوا من باب خطاب التشريف لا خطاب التخصيص "[30]، وهذا الذي نص عليه كثير من أهل العلم في مسألة خطاب الكفار بفروع الشريعة، والتحقيق فيها دخولهم في الخطاب، فيدل ذلك على عموم الشريعة وخطابها للناس كافة.

ثالثاً: موافقتها للعقل:
جاءت أحكام الشريعة الإسلامية موافقة للعقل غير مناقضة له، ولأجل ذلك ذهب العلماء إلى أنه لا يجوز وقوع التناقض بين الشريعة والعقل[31]، قال ابن القيم: " إن ما علم بصريح العقل الذي لا يخالف فيه العقلاء لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، ولا يأتي بخلافه.. ونحن نعلم قطعاً أن الرسل لا يخبرون بمحال العقول، وإن أخبروا بمحارات العقول، فلا يخبرون بما يحيله العقل، وإن أخبروا بما يحار فيه العقل ولا يستقل بمعرفته "[32].

والحق أن العقل البشري وإن كانت عنده القدرة على إدراك المصالح والحكم التي جاءت بها الشريعة إلا أن إدراكه ليس دقيقاً، ولذلك لا يمكن أن يستقل بالحكم دون الشريعة[33]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والعقل الصريح دائماً موافق للرسول لا يخالفه قط، فإن الميزان مع الكتاب، والله قد أنزل الكتاب بالحق والميزان، لكن قد تقصر عقول الناس عن معرفة تفصيل ما جاء به، فيأتيهم الرسول بما عجزوا عن معرفته وحاروا فيه، لا بما يعلمون بعقولهم بطلانه، فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم تخبر بمحارات العقول لا تخبر بمحالات العقول "[34].

رابعاً: إمكانية تعليل أحكامها:
يمثل التعليل الأساس للتفكير التشريعي، إذ هو في الحقيقة استجلاء لمراد الشارع من الحكم، وطريق كاشف عن طابع معقولية الأحكام من جهة أن الله ذكر السبب الموجب للحكم[35]. وهذا طريق قد سلكه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم والعلماء من بعهدهم، فقد انطلقوا في فهمهم للشريعة وفقههم لها معتمدين على التعليل وحكمة المشروعية والمصلحة العامة، مستندين على النصوص المتوافرة من الكتاب والسنة الدالة على مسلك التعليل للأحكام[36]، وهي أكثر من تحصر في هذا الموضع، وحسبنا ذكر البعض منها، كقوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [37]، وقوله: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ﴾ [38]، وقوله:﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [39]، وقوله: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [40]، وكقوله عليه الصلاة والسلام: " من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "[41].

خامساً: جمعها بين الثبات والمرونة في أحكامها:
جمعت الشريعة في أحكامها بين نوعين: نوع ثابت لا يعتريه تغيير ولا تبديل باعتبار الأزمنة أو الأمكنة، ونوع يخضع لظروف الزمان والمكان والأحوال وتغيير الأعراف، والعادات التي تعتبر المصلحة تابعة لها مع المحافظة على مبادئ الشرع وقواعده[42].

قال ابن القيم: " الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.

والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زماناً ومكاناً وحالاً، كمقادير التعزيرات، وأجناسها، وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة، فشرع التعزير بالقتل لمدمن الخمر في المرة الرابعة، وعزم على التعزير بتحريق البيوت على المتخلف عن حضور الجماعة لولا ما منعه من تعدي العقوبة إلى غير من يستحقها من النساء والذرية، وغزر بحرمان النصيب المستحق من السلب، وأخبر عن تعزير مانع الزكاة بأخذ شطر ماله، وغزر بالعقوبات المالية في عدة مواضع "[43].

ومن الحقائق المسلمة أن الشريعة الإسلامية قد وسعت العالم الإسلامي كله، على تنافي أطرافه، وتعدد أجناسه، وتنوع بيئاته الحضارية، وتجدد مشكلاته الزمنية، وأنها - بمصادرها ونصوصها وقواعدها - لم تقف مغلولة اليدين أمام وقائع الحياة المتغيرة، منذ عهد الصحابة فمن بعدهم، وهذا دليل على أن الله أودعها مرونة تتسع لمواجهة كل جديد وعلاجه، وهذه الخاصية - أي المرونة - قد أحاطت بها عوامل متعددة جعلتها خصيصة لازمة لها لا تنفك عنها بحكم جعلها الشريعة الخاتمة، ومن أهم هذه العوامل ما يلمسه الدارس لهذه الشريعة من اتساع منطقة العفو أو الفراغ التي تركتها النصوص قصداً، لاجتهاد المجتهدين في الأمة ليملؤوها بما هو أصلح لهم، وأليق بزمانهم وحالهم، مراعين بذلك المقاصد العامة للشريعة، مهتدين بروحها ومحكمات نصوصها[44].

 


[1] القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ج1ص946، لسان العرب، ابن منظور، ج8ص175، تاج العروس، الزبيدي، ج1ص63.
[2] تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، ج25ص348.
[3] نظرات في الشريعة، عبد الكريم زيدان، ص60.
[4] الإسلام عقيدة وشريعة، محمود شلتوت، ص22.
[5] المائدة، آية 48.
[6] الجاثية، آية 18.
[7] الجن، آية 16.
[8] مجموع الفتاوى، ج11ص218.
[9] المرجع السابق، ج19ص308. وانظر أيضاً: مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، يوسف البدوي، ص53.
[10] نظرات في الشريعة، مرجع سابق، ص61.
[11] الجاثية، آية 18.
[12] تفسير التحرير والتنوير، مرجع سابق، ج25ص348.
[13] إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، ج3ص3.
[14] نظرات في الشريعة، مرجع سابق، ص13.
[15] المائدة، آية 3.
[16] في ظلال القرآن، سيد قطب، ج2ص833.
[17] المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، يوسف حامد العالم، ص46.
[18] قال - رحمه الله - في الإحكام في أصول الأحكام ج3ص357: " وذلك لأن الأحكام إنما شرعت لمقاصد العباد، أما إنها مشروعة لمقاصد وحكم؛ فيدل عليه الإجماع والمعقول ".
[19] ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، د. محمد سعيد رمضان البوطي، ص69.
[20] مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج20ص48.
[21] إعلام الموقعين عن رب العالمين، مرجع سابق، ج3ص3.
[22] الأنبياء، آية 107.
[23] النحل، آية 90.
[24] الأنفال، آية 24.
[25] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، رقم 58.
[26] أخرجه مالك في الموطأ، رقم 1429، والحاكم في المستدرك، رقم 2345، والبيهقي في السنن، رقم 11116، والدارقطني في السنن، رقم 83، وصححه الشيخ الألباني في الإرواء، ج3ص408، رقم 896.
[27] الأنبياء، آية 107.
[28] الأعراف، آية 158.
[29] المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص42.
[30] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي الشوكاني، ج1ص222.
[31] مقاصد الشريعة الإسلامية، د. عبد الله النعيم ود. جمال الدين الشريف، ص11.
[32] الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، ابن قيم الجوزية، ج3ص829.
[33] مقاصد الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص12.
[34] مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج17ص444.
[35] بين علمي أصول الفقه والمقاصد، الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة، ص43.
[36] موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر، تحرير الأستاذ الدكتور عبد الحليم عويس، ج1ص111.
[37] البقرة، آية 179.
[38] الحج، آية 39.
[39] المائدة، آية 32.
[40] المائدة، آية 8.
[41] أخرجه البخاري، كتاب الصوم، رقم 1905.
[42] المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص44.
[43] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ابن القيم، ج1ص330.
[44] مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، د. يوسف القرضاوي، ص151.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أيسر القواعد لبلوغ ما نبل من المقاصد
  • مدخل إلى علم المقاصد (3 /5)
  • مدخل إلى علم المقاصد (5/5)
  • بين (مقاصد الشريعة) و(مقاصد النفوس)!
  • الحاجة لفقه المقاصد
  • نظرية المقاصد في فقه الوقف
  • أنواع المقاصد باعتبار القطع والظن
  • فهم المقاصد ووجوب الاجتهاد في اللغة

مختارات من الشبكة

  • أنواع المقاصد باعتبار مدى الحاجة إليها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • متن في المقاصد (غنية القاصد لعلم المقاصد) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مقاصد الشريعة الإسلامية في أحكام الأسرة والنكاح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع المقاصد باعتبار تعلقها بعموم الأمة وخصوص أفرادها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المقاصد الجزئية والمقاصد الخاصة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أنواع المقاصد باعتبار تعلقها بعموم التشريع وخصوصه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد العقيدة: مدخل تأصيلي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صدور كتاب (المدخل إلى مقاصد القرآن) للدكتور عبدالكريم حامدي.(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • مقاصد الأوقاف الشرعية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سد مداخل الشيطان(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- علم المقاصد
أبو سلمان الأثري - السعودية 07-06-2009 10:38 AM

الجمد الله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
نشكركم على هذا المقال في علم المقاصد ونود أن أشير أن علم المقاصد والذي اسسه الشاطبي من خلال كتابه الموافقات ومن ثم وضع أصوله بان عاشور في كتابه مقاصد الشريعة أن هذا العلم مهم جدا يحتاج إليه المفتي خاصة لأن تعلمه مقاصد الشريعة يعطيه التصور الفقهي لكل مسألة ينظر إليها فهذا العلم يعطي ناظره المقصد الشرعي لكل واقعة تنزل عليها المسألة ولذا تميزت فتاوى أهل المغرب بنوازل فيها اشارات لعلم المقاصد وهو ما تميز به المذهب المالكي ففي فهم علم \اصول الفقه والدلالات وفهوم كل باب من علم اصول الفقه ودراسة علم المقاصد وكما قيل كل باب من أبواب الفقه له مقصد شرعي وكذلك آيات الأحكام لها مقصد شرعي عند تفسيرها والله أعلم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب