وقف الخصومة

فقه التقاضي

الحلقة الخامسة والأربعون

وقف الخصومة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصَحْبه، ومَن اهتدى بهداه.

أمَّا بعدُ:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيَّاكم الله مستمعي الأفاضل في برنامجكم "فقه التقاضي"، وقد ذكَرت في حلقات مضَت جملة مما تضمَّنه نظام المرافعات السعودي الصادرُ عام 1421هـ مما له علاقة بنظر الدعوى.

وفي هذه الحلقة أُعرِّج على ما تضمَّنه الباب السابع من نظام المرافعات الذي حمَل عنوان (وَقْف الخصومة وانقطاعها وتَرْكها)، وعالَج هذه الأمور الثلاثة في ثلاثة فصول، وفيما يلي أُعرِّج عليه بإيجاز يناسب الوقت المُتاح.

ففي الفصل الأول المُخصَّص للحديث عن وقف الخصومة، جاء في المادة الثانية والثمانين: "يجوز وقْفُ الدعوى بناءً على اتفاق الخصوم على عدم السَّير فيها مدة لا تزيد على ستة أشهر من تاريخ إقرار المحكمة اتِّفاقهم، ولا يكون لهذا الوقف أثرٌ في أيِّ ميعاد حَتمي قد حدَّده النظام لإجراءٍ ما،

وإذا لَم يعاود الخصوم السَّيْر في الدعوى في العشرة الأيام التالية لنهاية الأجَل، عُدَّ المدَّعي تاركًا دعواه".

وبيَّنت اللائحة التنفيذية للمادة أنه عند موافقة المحكمة على وقف الدعوى، يجب تدوين الاتفاق في الضبط، مع إفهام الخصوم بمضمون المادة.

وأنه يجوز السير في الدعوى قبل انتهاء المدة المُتفق عليها عند طلب أحد الخصوم، وموافقة خَصمه، أو إذا رأى ناظر الدعوى أنْ لا مصلحة في الوقف.

وأنه يجوز للقاضي العدولُ عن وَقْف الدعوى واستئناف النظر فيها في أيِّ وقتٍ إذا ظهَر له ما يقتضي ذلك، كمخالفة وَقْف الدعوى للمصلحة العامة.

كما بيَّنت اللائحة أن تاركَ الدعوى في هذه المادة يُطبَّق عليه مقتضى المادة (53)، التي نصَّت على أنه: "إذا غاب المُدَّعي عن جلسة من جلسات المُحاكمة، ولَم يتقدَّم بعُذرٍ تقبلُه المحكمة، تُشطب الدعوى، وله بعد ذلك أن يطلبَ استمرار النظر فيها حسب الأحوال، فإذا غاب المُدعي ولَم يتقدَّم بعُذرٍ تقبلُه المحكمة، تُشطب الدعوى ولا تُسمَع بعد ذلك إلاَّ بقرارٍ يُصدِره مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة".

وأمَّا المادة الثالثة والثمانون، فقد أتاحَت للمحكمة المُختصة أن تُوقفَ النظر في الدعوى وقفًا مؤقَّتًا لتُعلِّق الحكم فيها على الفصل في قضيَّة مرتبطة بها؛ سواءً أكانت القضية المرتبطة لدى القاضي نفسه، أم لدى غيره، ونصُّها: "إذا رأَت المحكمة تعليق حُكمها في موضوع الدعوى على الفصل في مسألة أخرى، يتوقَّف عليها الحكم - فتأمر بوقف الدعوى، وبمجرَّد زوال سبب التوقُّف يكون للخصوم طلب السير في الدعوى.

وواضحٌ مما سبَق أيها المستمعون الأفاضل أنَّ النظر القضائي لا يَسلك مسلك الجمود في إجراءاته، بل إنه يتكيَّف وَفْق الإجراءات والمُستجدات التي يُبديها المتخاصمون، كما أنَّ لدى المحكمة من المُرونة التي كفَلها النظام للتعاطي مع الدعاوى، حين يظهر للمحكمة وجودُ ارتباط قوي بين دعويين مختلفتين، فإنَّ للمحكمة ولاية التوقُّف المؤقَّت؛ كي تتَّضح الأمور وتنجلي؛ إذ إنَّ الهدف السامي للمحكمة أن تُصدر حكمًا مُنضبطًا يرفع الخصومة، ويُعيد الحق لصاحبه دون لبسٍ، أو الْتِباس بقضيَّة أخرى؛ ولذا فقد يقَع أحيانًا شيء من الالتباس حيالَ حُكمين صادرين، ويكون بينهما تعارُض أو تداخُل، وربما كان السبب في ذلك خفاءَ الأمر على المحكمة، أو عدمَ إبداء طرفي الخصومة كلَّ ما لَدَيهما من أقوال ودفوعات مؤثِّرة وقت نظر الدعوى.

ومع ذلك، فإنَّ للمحكمة من السبل ما تَرفع به هذا اللبس بإجراءات تتَّخذها في سبيل ذلك.

وأمَّا الفصل الثاني من الباب السابع من نظام المرافعات، فقد تعرَّض لانقطاع الخصومة بسببٍ طارئ، وبيَّن سبيل معالجة ذلك.

جاء في المادة الرابعة والثمانين: "ما لَم تكن الدعوى قد تهيَّأت للحكم في موضوعها، فإن سير الخصومة ينقطع بوفاة أحد الخصوم، أو بفَقْده أهليَّةَ الخصومة، أو بزوال صفة النيابة عمَّن كان يُباشر الخصومة عنه، على أن سَيْر الخصومة لا يَنقطع بانتهاء الوكالة، وللمحكمة أن تَمنح أجلاً مناسبًا للموكِّل إذا كان قد بادَر فعيَّن وكيلاً جديدًا خلال الخمسة عشر يومًا من انتهاء الوكالة الأولى، أمَّا إذا تهيَّأت الدعوى للحكم، فلا تَنقطع الخصومة، وعلى المحكمة الحكم فيها".

وبيَّنت المادة الخامسة والثمانون أنه: "تُعَدُّ الدعوى مهيَّأة للحكم في موضوعها، إذا أبدى الخصوم أقوالهم وطلباتهم الختاميَّة في جلسة المرافعة، قبل وجود سبب الانقطاع".

وبيَّنت اللائحة التنفيذية للمادة أنه لكي تَعُد الدعوى مهيَّأة للحكم في موضوعها، يجب أن تكون الأقوال الختامية المقدَّمة، قد تناوَلت جميع موضوع الدعوى؛ من تقديم جميع الطلبات، والدفوع، والبيِّنات، وأن تكون مرصودة في الضبط، ولَم يَبق لدى الخصوم ما يرغبون تقديمه، بحيث يكون باب المرافعة قد أُغلِق.

وبيَّنت المادة السادسة والثمانون الأثر المترتب على انقطاع الخصومة، ونصُّها: "يترتَّب على انقطاع الخصومة وَقْفُ جميع مواعيد المُرافعات التي كانت جارية في حقِّ الخصوم، وبُطلان جميع الإجراءات التي تَحصل أثناء الانقطاع".

وأوضَحت اللائحة التنفيذية أنَّ الانقطاع لا يؤثِّر على الإجراءات السابقة له، بل تبقى محفوظة صالحة للبناء عليها؛ ولذا جاء في المادة السابعة والثمانين: "يُستأْنَف السير في الدعوى بناءً على طلب أحد الخصوم بتكليفٍ يَبلغ حسب الأصول إلى مَن يخلف مَن قام به سببُ الانقطاع، أو إلى الخصم الآخر، وكذلك يُستأْنَف السير في الدعوى إذا حضَر الجلسة المحدَّدة للنظر بها خلفُ مَن قام به سبب الانقطاع".

ولذا بيَّنت اللائحة التنفيذية أنه إذا حصَل الانقطاع قبل الجلسة المحدَّدة لنظر القضية، وحضَر وارث المتوفَّى، أو مَن يقوم مقامَ مَن فقَد الأهليَّة، أو مَن زالت عنه صفة النيابة، وباشَر الدعوى في الجلسة المحدَّدة - فإن الدعوى لا تَنقطع بذلك.

وأما الفصل الثالث من الباب السابع، فقد عالَج موضوع تَرْك الخصومة.

ففي المادة الثامنة والثمانين: "يجوز للمدَّعي تَرْك الخصومة بتبليغ يوجِّهه لخَصمه، أو تقرير منه لدى الكاتب المُختص بالمحكمة، أو بيان صريح في مذكرة موقَّع عليها منه، أو مِن وكيله، مع اطِّلاع خَصمه عليها، أو بإبداء الطلب شفويًّا في الجلسة وإثباته في ضبطها، ولا يتمُّ الترك بعد إبداء المدَّعى عليه دفوعه، إلاَّ بموافقة المحكمة".

وواضح من المادة أن موافقةَ المحكمة على الترك شرطٌ في ذلك، إذا كان المدَّعى عليه قد أبدى دفوعه وجوابه عن الدعوى؛ وذلك حفظًا لحقِّ المدعى عليه الذي قد يكون تَرْكُ الخصومة مُضِرًّا به.

وبيَّنت اللائحة التنفيذية أن تَرْك الخصومة هو: تنازُل المدَّعي عن دعواه القائمة أمام المحكمة، مع احتفاظه بالحق المدَّعى به، بحيث يجوز له تجديدُ المطالبة به في أيِّ وقتٍ.

وأنه لا يتمُّ تَرْك الخصومة، إلاَّ بعد إشعار المحكمة وإبلاغ المدَّعى عليه.

وأنه يُدوَّن طلب المدَّعي تَرْكَ دعواه في دفتر الضبط، ثم تُعاد المعاملة للجهة الواردة منها.

وأوضحَت المادة التاسعة والثمانون ما يترتب على الترك، ونصُّها: "يترتَّب على الترك إلغاءُ جميع إجراءات الخصومة، بما في ذلك صحيفة الدعوى، ولكن لا يَمسُّ ذلك التركُ الحقَّ المدَّعى به".

وبيَّنت اللائحة التنفيذية أنه لا يترتَّب على ترْك الدعوى إلغاءُ ما دُوِّن في الضبط من أدلَّة، وأنَّ على ناظر القضية الرجوعَ إليها عند الاقتضاء.

مستمعي الأفاضل:

كانت هذه لمحات حول الباب السابع من نظام المرافعات الشرعية المُخصَّص للحديث عن وَقْف الخصومة، وانقطاعها وتَرْكها.

وإلى لقاء قادمٍ - بإذن الله تعالى - أُواصل فيه الحديث عن التقاضي وإجراءاته.

أسأل الله تعالى أن يُمِدَّني وإيَّاكم بعونه وتوفيقه، والحمد لله ربِّ العالمين.

• المرجع: نظام المرافعات ولائحته.