• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

التعبير القرآني

التعبير القرآني
د. فارس العزاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/1/2013 ميلادي - 17/3/1434 هجري

الزيارات: 53359

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التعبير القرآني


القرآن هو تلك الكلمة التي تَحمل في حروفها معانيَ لا يُمكن حصرها أو الوقوف عندها، ويظهر لنا أن التلفُّظ بهذه المُفرَدة لا يعدُّ لفظًا غير مفيد بتعبير النحاة؛ لأننا نستطيع مِن خلال مُختلف التقديرات النحوية أن نُشكِّل جملةً مفيدة، سواء كانت اسميةً أو فعلية، ولو بشيء مِن التكلُّف، وليَعذرْنا أهل اللغة حينما نؤسِّس لأمثال هذه التأصيلات التي قد تبدو غريبة حسب ظنِّنا عليهم، ولكنها في الواقع لا تتجاوز الحقيقة القرآنية الخالدة، وعليه؛ فإن الوقوف على القرآن مِن حيث كونه كلمة بحروفها المختلفة، ومن حيث خطابه الذي تُمثِّله آياته وسورُه - يُعطينا الصورة المثلى عن هذا المفهوم المُطلَق، ولا يغيب عن الذهن أن قِراءتنا للقرآن من حيث كونه مفهومًا أو مضمونًا - لا يمكن أن تحيط بالقرآن؛ لقصور العقل البشري عن إدراكه، وهذه خاصية من خواصِّه، وصفة مِن صفاته.

 

وما أجمل تعبير الأنصاري - رحمه الله - حينما حاول الاقتراب مِن القرآن لبيان هداياته المنهجية؛ إذ يقول: "الله - جل جلاله - خالق الكون كله، هل تستطيع أن تَستوعِب بخيالك امتداد هذا الكون في الآفاق؟ طبعًا لا أحد له القدرة على ذلك إلا خالق الكون - سبحانه وتعالى - فالامتداد الذي يَنتشِر عبر الكون مجهولُ الحدود، مُستحيل الحصْر على العقل البشَريِّ المحدود، هذه الأرض وأسرارها، وتلك الفضاءات وطبقاتها، وتلك النجوم والكواكب وأفلاكها، وتلك السماء وأبراجها، ثم تلك السموات السبع وأطباقها، إنه لضرْب في غَيب رهيب، لا تحصره ولا ملايينُ السنوات الضوئية، أين أنت الآن؟ اسأل نفسك، أنت هنا في ذرَّة صغيرة جدًّا تائهة في فضاء السماء الدنيا: الأرض، وربُّك الذي خلقكَ، وخلَق كل شيء، هو محيط بكل شيء قدرة وعلمًا، هذا الرب الجليل العظيم، قَدَّر برحمته أن يُكلِّمك أنت - أيها الإنسان - فكلَّمكَ بالقرآن، كلام الله رب العالمين، أوَتدري ما تسمع؟ الله - ذو الجلال - ربُّ الكون يُكلمك ﴿ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ [طه: 13]... ذلك هو القرآن، كلام مَن أحاط بمواقع النجوم خَلقًا، وأمرًا، وعِلمًا، وقدرةً، وإبداعًا"[1]، أفبَعد هذا كله يأتي مَن يدَّعي الإحاطة بالقرآن على وجه الإدراك؟! لقد عجز الإنسان عن إدراك هذا الكون الفسيح والإحاطة به، وبما أن القرآن هو الكتاب الذي يُعادل الوجود الكونيَّ، وبما أنَّ دَور الإنسان يتمثَّل في الكشف عن مناهج الهداية الربانية في إطار منهجية القرآن المَعرفيَّة، وجعلها مصدر هداية في هذا الكون؛ مِن أجل معرفة قواعد التسخير له، فكذلك الكون يقود إلى القرآن في كونه مجالاً لتنزيل الآيات فهمًا وتطبيقًا[2].

 

تعريف القرآن:

اختلفت تعابير العلماء في وضع تعريف للقرآن، والحقيقة أن هذه التعريفات غير قادرة على الإحاطة بالقرآن تعريفًا ومفهومًا، وغاية ما تبلغه هو تقريب القرآن للأفهام، مِن هنا، وبِناءً على ذلك؛ فإن الذي يُهمُّنا عند حديثنا عن القرآن من حيث كونه مفهومًا - بيان الصِّفة المتَّفَق عليها في تعريف القرآن؛ وهو كلام الله - تعالى - المُنزَّل على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - المُعجِز والمُتعبَّد بتلاوته، وقوام هذا المفهوم مبنيٌّ على قضية الإعجاز، وقد اشتمل القرآن على أنواع مُتعدِّدة من الإعجاز، إلا أن أهمَّها ما كان ظاهرًا ومقصودًا في وقت التنزيل، ومعلوم أن العرب - وقت التنزيل - كانوا قد وصلوا إبان تنزيله إلى أعلى درجات الفصاحة والبلاغة والبيان شِعرًا ونَثرًا، فنزل القرآن مُتحديًا لهم بمثل ما نبَغوا فيه، فكان الإعجاز المقصود هو الإعجاز البياني، ولا يَمنع ذلك مِن أن القرآن قد جاء بنَوع آخَر مِن الإعجاز قصد به تحدي مَن كان يعيش في الجزيرة العربية من غير العرب، وهم أهل الكتاب مِن اليهود والنصارى، وهذا الإعجاز هو الإعجاز الإخباري الذي أظهر أخبار وقصص الأمم السالفة، وهو أمر كان يختصُّ به أحبار اليهود ورهبان النصارى - بخلاف عامتهم - على ما فيه مِن الاختلالات والتحريفات الإخبارية، فجاء القرآن بقراءة استرجاعية لقصص مَن خلَوا مِن الأمم السابقة، فأخبَر بها خالصة نقيَّةً، وجعَلها مَرجعًا لهذه الأمة تَستكشِف المنهجيَّة السننية مِن خلالها.

 

وما يُهمُّنا في هذا الإطار التأكيد على الإعجاز البيانيِّ، الذي مِن خلاله نُظهر القيمة المنهجية للتعبير القرآني مؤيَّدًا بنماذج وأمثلة بيانية.

 

وبِناءً على ذلك، فإن مِن مُقتضى فهم العبارة القرآنية في إطارها البياني معرفةَ الإعجاز البياني مفهومًا ومضمونًا:

مفهوم الإعجاز:

الإعجاز في اللغة: إثبات العجْز، وهو الضعف والقصور عن فعْل الشيء، وفي الاصطلاح هو: أمر خارق للعادة، مَقرونٌ بالتحدِّي، سالم عن المعارضة، والمراد بإعجاز القرآن إظهار صدْق النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوى الرسالة؛ بإظهار عجْز العرب عن معارضته في معجزته الخالدة - القرآن - وعجز الأجيال بعدهم عن ذلك[3].

 

والإعجاز القرآني مقصود به - أولاً - الإعجاز البياني الذي تتحقَّق به السلامة مِن المُعارضة، ويقع به التحدِّي، وعليه؛ فإن المُخاطَب - بفتح الخاء - إذا أدرك القيمة البيانية للقرآن وعجز عن مُجاراتها إذا كان مِن أهل البلاغة والبيان، فليس أمامه إلا الهداية والاستسلام لواضع البيان القرآني، وهو الله - عز وجل - ومِن خلال استعراض الجوانب البيانية في القرآن الكريم مما يتعلَّق بوجوه هذا الإعجاز؛ كالفصاحة، والبلاغة، والنظْم، والأسلوب، يتَّضح أن أفانين القول التي وردَت في القرآن مِن فاتحته إلى خاتمته لا تَخلو آية من آياته عن نكتة لطيفة، أو حكْمة طَريفة، أو بيانٍ مُفحِم، أو عبارة تأخُذ بالألباب وتُحيِّر العقول بجمالها وبلاغتها[4]؛ قال القاضي أبو بكر الباقلاني: "والذي يَشتمِل عليه بديع نظمه المُتضمِّن للإعجاز وجوه، منها ما يرجع إلى الجملة؛ وذلك أن نظْم القرآن على تصرُّفِ وجوهه، واختلاف مذاهبه - خارج عن المعهود مِن نظام جميع كلامهم، ومُبايِن للمألوف مِن ترتيب خطابهم، وله أسلوب يختصُّ به ويَتميَّز في تصرُّفه عن أساليب الكلام المعتاد، وليس للعرب كلام مُشتمِل على هذه الفصاحة والغراب والتصرُّف البديع، والمعاني اللطيفة، والفوائد الغزيرة، والحِكَم الكثيرة، والتناسُب في البلاغة، والتشابُه في البراعة، على هذا الطول، وعلى هذا القدر، وقد جاء القرآن على كثرته وطوله مُتناسِبًا في الفصاحة"[5]، والحق أن الإعجاز البياني راجع إلى جهتَين لا ثالث لهما[6]:

الأولى: بلوغ القرآن الغاية القُصوى مما يُمكن أن يَبلغه الكلام العربي البليغ مِن حصول كيفيات في نظمِه مُفيدةً معانيَ دقيقةً، ونُكَتًا مِن أغراض الخاصة مِن بُلَغاء العرب، مما لا يُفيده أصل وضْع اللغة.

 

الثانية: ما أبدعه القرآن مِن أفانين التصرُّف في نظْم الكلام مما لم يكن معهودًا في أساليب العرب، ولكنه غير خارج عما تسمَح به اللغة.

 

أمثلة ونماذج بيانيَّة[7]:

أولاً: الجملة الاسمية والفِعلية:

يُراد بالجملة الاسمية الجملة التي صدْرُها اسم، نحو: محمد حاضر، والجملة الفعلية هي الجملة التي صدْرُها فعل، نحو: حضر محمد، وكان محمد مسافرًا، وظننتُ أخاك مسافرًا، ولكلٍّ مِن الجملة الاسمية والفعلية دلالة بلاغية بيانية؛ فالجملة الاسمية دالَّة على الثُّبوت؛ لوجود الاسم فيها، باعتبار أن الجملة الاسمية في ذاتها ليستْ دالةً على الثبوت، وإنما باعتبار ما تضمَّنتْه مِن اسم، والجملة الفعلية دالة على الحدوث والتجدُّد، وإنما ذلك مِن جِهَة كَون الفعل أحد مُكوِّناتها؛ فالحدوث والتجدُّد هو للفعْل، وليس للجملة الفعلية؛ وإنما قيل: إن الجملة الاسمية دالة على الثبوت، والجملة الفعلية دالة على الحدوث والتجدُّد مِن باب التجوُّز لا الحقيقة[8].

 

المثال الأول:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، يقول العلماء: الأصْل في الحمد أنها مفعول مُطلَق لفعل محذوف تقديره: أَحمَد، فتكون الجملة؛ من حيث الأصل: أحمد الحمدَ لله، وهذا معناه أن أصْل الجملة فِعليَّة وليست اسميةً، ومعلوم أن الفعْل يُراد به الحدوث، بخلاف الاسم الذي يراد به الثبوت واللزوم، وبما أن الفِعل مُرتبط بالحدث، فإن هذا فيه الإشارة إلى احتمال انتهاء الفعل بعد انتهاء زمنِه، وهذا لا يَتناسب مع مقصود صاحب الخطاب مِن جعْل الحمد ثابتًا مُستمِرًّا، وعندها عمد إلى جعل الجملة اسمية؛ لتحقيق هذا المقصد.

 

المثال الثاني:

﴿ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ ﴾ [الذاريات: 25]، السلام - مِن حيث هو - مصدر في أصله، ومقصود به التحية، والمصدر قد يكون عمدةً؛ أي: أحد أركان الجملة، وقد يكون فضلة، وكِلتا الصيغتَين ورَدتا في هذه الآية الكريمة، وسياق الآية ورَد في الحوار بين الملائكة وإبراهيم - عليهم السلام - فقالت الملائكة: سلامًا، وهو مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره: سلَّمْنا، فتكون الجملة مع فعله المُقدَّر: سلَّمْنا سلامًا، وكان جواب إبراهيم: سلام، وهو مبتدأ لخبر محذوف تقديره: عليكم، فتكون الجملة: سلام عليكم، وهنا تظهر البلاغة القرآنية في إطار الجملتَين الاسمية والفعلية، فقد غايَر القرآن بين الصيغتَين؛ لتغايُر الدلالتَين، فالصيغة الأولى منصوبة: سلامًا، والثانية مرفوعة: سلام، والمرفوع أبلَغ مِن المنصوب؛ لأن الأول في سياق الجملة الاسمية، وهي دالة على الثبوت واللزوم والاستمرار، بخلاف الثانية؛ لأنها في سياق الجملة الفعلية، وهي دالة على الحدوث، مِن هنا قرَّر العلماء أن إبراهيم - عليه السلام - ردَّ على سلام الملائكة بعبارة أفضل منها؛ زيادةً في الإكرام، وهذا تصديق قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء: 86].

 

المثال الثالث:

﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ [يوسف: 18]، جاء بالصبر مرفوعًا؛ أي: بتقدير الجملة الاسميَّة؛ لأنه وطَّن نفسه على الصبر الطويل الدائم الذي لا يُعرف له نهاية، والذي قد يَستغرِق ما بَقي مِن عمره، ولم يقل: (فصبرًا) بالنصب بتقدير الفعل؛ أي: لأصبِر صبرًا؛ لأنه يدلُّ على الصبر الحادث الذي يتغيَّر، لا الصبر الدائم الثابت، فثمَّة فرْق بين الاستعمالَين والمعنيَين.

 

المثال الرابع:

﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]، جاء بالطلقة الثالثة بالرفع؛ وذلك لأنها الطلقة الأخيرة، والحكم معها يكون على وجه الدوام؛ إما الإمساك بالمعروف أو التسريح الذي لا رجْعة فيه؛ فانظر كيف لم يقلْها بالنصب؛ وذلك لأن النصب موقوت.

 

المثال الخامس:

﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة: 1]، أتى بلفظ ﴿ ويل ﴾ مرفوعًا، ولم يقل: "ويلاً" بالنصب؛ ذلك لأنه بالرفع جملة اسمية، وبالنصب جملة فعلية، فأخبر أن لهم عذابًا دائمًا لا ينقطع أو دعا عليهم به، ولو قال: ويلاً، بالنصب، لكان إخبارًا بالعذاب غير الدائم.

 

ثانيًا: بِنيَة الكلمة القرآنية:

عند الوقوف على المُفرَدَة القرآنية، يُمكنِنا إدراك الخصوصية التي تَمتاز بها عن غيرها من الألفاظ العربية، مع العلم أنها لا تَخرج عن مُقتضى لغة العرب؛ من حيث اللفظ والمعنى، ولكن طريقة تكوينها ووضعها في سياقها القرآني يَجعل لها مِن التفرُّد والخصوصية ما ليس لغيرها من ألفاظ العربية؛ ولهذا لا يُمكننا تغيير المُفرَدة بغيرها، وإن كانت مُرادِفة لها مِن حيث المعنى؛ لأن ذلك يُفضي إلى إخراجها مِن إطار الإعجاز البيانيِّ الذي يَمتاز به القرآن الكريم؛ ولهذا فإن النظر إلى المُفرَدة القرآنية لا بدَّ أن يراعي النسَق والنظْم الذي يَحكُم المُفرَدة والألفاظ القرآنية، ولسوف نُدلِّل على ذلك ببعض الأمثلة؛ مِن أجل استحضار هذا الأصل:

المثال الأول:

﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ﴾ [المزمل: 8]، في هذه الآية أتى بالفعل، ولم يأتِ بمصدره، بل يأتي بمصدر فعل آخَر يُلاقيه في الاشتقاق، فيجمع بين معنى الفِعل ومعنى المصدَر مِن أقرب طريق وأيسرِه؛ حيث استخدم الفعل ﴿ تَبَتَّلْ ﴾ ولم يأتِ بمصدره؛ وإنما جاء بمصدر فعْل آخَر هو (بتَّل)؛ وذلك أن مصدر (تبتَّل) هو (التبتُّل)، والأصل في الجملة أن تكون: وتبتَّل إليه تبتُّلاً، وليس تبتيلاً، فجمَع بين الفعل ومصدر فعْل آخَر؛ لمُراعاة المعنيَين: معنى الفعل ومعنى المصدر، ومعنى الفعل (تبتَّل) يُراد به التدرُّج والتكلُّف بعدم التعجُّل، ومعنى المصدر (تبتيلاً) هو المبالغة والتكثير، والمعنى العام لهذه الآية أن العبد يبدأ بالتدرُّج في العبادة ولا يُكثر منها؛ خشية الملَل والانقطاع، فإذا ترسَّخت في قلبِه وقوي بها إيمانه، زاد منها وأكثر، ولا شكَّ أن في هذا معنى تربويًّا يَلزم استحضاره واعتباره، وهو أن الإنسان يبدأ بالقِلة قبل الكَثرة، وصغار العِلم قبل كباره.

 

المثال الثاني:

﴿ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 60]، الأصْل في هذه الآية - إذا أردْنا جعْلَها في إطار الجملة العربية مِن حيث القياس - هو: ويريد الشيطان أن يُضلَّهم إضلالاً بعيدًا، لكنه أراد أن يأتي بفعل ومصدر فعْل آخَر؛ جامعًا بين معنى الفعل ومعنى المصدر؛ لأنَّ (يُضِلُّ) مصدره (إضلال)، بينما (ضلالاً) الذي ساقه في الآية فعْلُه (يَضِلُّ) وليس (يُضِلُّ)، وقد قصد بالجمْع بينهما هنا بيان إرادة الشيطان إضلالهم، ثم الاستمرار في الضلال؛ بجعل الإنسان وسيلة إضلال للآخَرين، بمعنى أن الشيطان يُريد منه المشاركة في الضلال، وأن يذهب فيه كل مذهَب، فيطمئن عند ذلك أنه يقوم بمهمَّته نيابةً عنه.

 

المثال الثالث:

﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 1]، في هذه الآية من سورة الفاتحة، جمع بين مُفردتَين مِن أصْل واحد، وهو الرحمة، ومقصوده الاحتياط للمعنى؛ وذلك لأن (الرحمن) جاءت على وزن فَعْلان، وهي دالة على التجدُّد والحدوث، وهذه الصيغة عند العرب دالة على كون الصِّفة ليسَت ثابتة، بل تزول وتتحوَّل، بينما (الرحيم) جاء على صيغة فَعيل الدالة على الثبوت، ولو اقتصر القرآن على لفظ (الرحمن) لأفْضى ذلك إلى القول بأن (الرحمن) صِفة طارئة قد تَزول، ولو اقتصر على لفظ (الرحيم) لقيل: إن هذه صفة ثابتة، ولكن ليست دالة على استمرار الرحمة وتجدُّدها؛ فدفعًا لهذا الاستدراك - لو حصل - جمع بين الوصفَين؛ للدَّلالة على ثبوت صفة الرحمة وتجدُّدها في فعل الباري - عز وجل.

 

ثالثًا: التقديم والتأخير:

يجري الكلام العربي - من حيث الأصل - على وضع الكلمة في موضِعها الذي وُضعت فيه؛ ذلك لأن النحاة جعلوا للكلام رُتَبًا، فإذا وُضعت الكلمة في غير مرتبتِها، دخلت في إطار التقديم والتأخير، ولا شك أن لذلك غرضًا ومقصدًا، وقد ذكر علماء العربية أن العرب يُقدِّمون في الرتبة ما هو أهمُّ بيانًا ولو كان على خلاف الأصل، وقد تجلَّى ذلك في كتاب الله بصورة واضحة جليَّة، وإليك بعض الأمثلة:

المثال الأول:

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، في هذه الآية تقديم وتأخير، والأصل فيها نَعبدُك ونستعينك، ولكن لما كان مقصود القرآن جعْل العبادة خاصة بالله - عز وجل - والبراءة من غيره من المعبودات، جاء التقديم والتأخير؛ ليدلَّ على الحصر والقصر والاختصاص، وقد أصَّل العلماء قاعدة: تقديم المعمول يُفيد الحصر.

 

المثال الثاني:

﴿ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ﴾ [الملك: 29]، هنا قدم الفعل ﴿ آمَنَّا ﴾ على الجار والمَجرور (به) وأخر ﴿ تَوَكَّلْنَا ﴾ عن الجار والمجرور (عليه)؛ وذلك أن الإيمان لما لم يكن مُنحصِرًا في الله - تعالى - قدَّمه على الجارِّ والمجرور، ومعلوم أن الإيمان بالله لا بد معه مِن الإيمان برسله وكتبه وملائكته واليوم الآخِر وغيره مما تتوقَّف صِحَّة الإيمان عليه، بخلاف التوكُّل؛ فإنه لا يكون إلا على الله وحده؛ لتفرُّده بالقدرة والعلم، فتقديم الجار والمجرور فيه إفادة الاختصاص بالتوكُّل على الله؛ لأنه - سبحانه - هو المُتفرِّد بالنفع والضر.

 

المثال الثالث:

﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾ [الأنعام: 59]، قدم الظرْف ﴿ عِنْدَهُ ﴾ الذي يُمثِّل الخبر، على المبتدأ ﴿ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ﴾؛ وذلك لاختصاصه - سبحانه - بعِلم الغيب، ألا ترى كيف أكَّد ذلك الاختصاص بأسلوب آخَر هو أسلوب القصر فقال: ﴿ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾؟

 

في هذه الأمثلة نبَّهْنا على القيمة البيانية التي يتضمَّنها ويُمثِّلها التعبير القرآني، وفيه الغُنيَة عن غيره لطالب العلم؛ لأن مقصودنا التنبيه بالجزء على الكل، وليس الحصر بذكر جميع الموضوعات البيانية الدالة على الإعجاز القرآني، والحق أن على المسلم المعاصر أن يُدرك القيمة المنهجية والمعرفية التي يُمثِّلها القرآن المجيد، ليس فقط في إطار الإعجاز البياني فحسب، بل كذلك الوقوف على بقية الأنواع من الإعجاز التشريعي منها والإخباري وغيرهما، ولا زال القرآن يُعطي البشرية مِن علومه ومعارفه؛ ليُدلِّل ويُبرهِن على كونه متَّصفًا بالتصديق والهيمنة على غيره مِن الكتب، وإنما شأن المسلم المعاصر أن يتعرَّض لهذا القرآن بالتلاوة والتعلُّم والتذكُّر والتدبُّر والترتيل؛ فبه تتحقَّق الهداية، وبه تسُود الأمةُ غيرَها مِن الأمم؛ قال - تعالى -: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 44].



[1] مجالس القرآن؛ فريد الأنصاري، ص25.

[2] انظر: الجمع بين القراءتين: قراءة الوحي وقراءة الكون؛ د. طه جابر العلواني، ص29.

[3] الواضح في علوم القرآن؛ د. مصطفى ديب البغا ومحيي الدين ديب مستو، ص150.

[4] مباحث في إعجاز القرآن؛ د. مصطفى مسلم، ص163.

[5] مباحث في علوم القرآن؛ مناع القطان، ص260.

[6] التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، ج1ص104، وقد ذكر - رحمه الله - جهة ثالثة متعلقة بالمعاني الحكمية والإشارية مما له صلة بالحقائق العقلية والعلمية، وهو يشير فيما يظهر إلى الإعجاز العلمي، وليس هذا موضوع الإعجاز البياني.

[7] ينظر تفصيلاً: التعبير القرآني، وبلاغة الكلمة في التعبير القرآني، ومن أسرار البيان القرآني، ولمسات بيانية في نصوص من التنزيل؛ جميعها للأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي.

[8] الجملة العربية: تأليفها وأقسامها؛ د. فاضل صالح السامرائي، ص157.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صدر حديثاً ( الآلة والأداة في التعبير القرآني) لشذى الشماع
  • صدر حديثاً: التعبير القرآني والدلالة النفسية للدكتور عبدالله الجيوسي
  • إنسانية التعبير
  • من روائع البيان القرآني
  • المصطلح القرآني مدخل علمي لشهود حضاري
  • من جمال التعبير القرآني: الحياة الدنيا كما يصورها القرآن الكريم
  • من جمال التعبير القرآني: بين سيدنا يوسف عليه السلام وإخوته: نظرات في الآية (77) من سورة يوسف

مختارات من الشبكة

  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثامن عشر: التعبير الحقيقي والتعبير الخيالي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • علل التعبير القرآني عند السمين الحلبي (ت 756هـ) في كتابه الدر المصون(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • القرائن الدلالية للمعنى في التعبير القرآني(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • علل التعبير القرآني في تفسير أبي السعود(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • توظيف اللغة الصامتة في التعبير القرآني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التحبير في قواعد التعبير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تحبير الكلام في تعبير الأحلام لفيصل اليوسف(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • جماليات التعبير بالحركة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من أسرار التعبير بحروف الجر على خلاف مقتضى الظاهر فيما اتفق عليه الشيخان (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المنهج النبوي في التعبير بلغة الجسد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب