• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

كتاب الوكالة

كتاب الوكالة
د. عبدالحسيب سند عطية

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/1/2013 ميلادي - 27/2/1434 هجري

الزيارات: 48380

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كتاب الوكالة


الكتاب والكتابة في اللغة: جمع الحروف.

 

واصطلاحًا: طائفة من المسائل الفقهية اعتبرت مستقلة، شملت أنواعًا أو لم تشمل.

 

وقوله: "كتاب الوكالة"؛ أي: هذا كتاب في بيان أحكام الوكالة.

 

تعريف الوكالة: الوكالة - بفتح الواو وكسرها -: اسم من التوكيل، وهو الاعتماد والتفويض، ومنه قوله -تعالى- في سورة الطلاق: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]؛ أي: من اعتمد عليه، وفوَّض أمره إليه كفاه.

 

والوكالة: معناها: إقامة الغير مقام نفسه في تصرف معلوم.

 

حكم الوكالة: جائزة شرعًا.

 

أدلة مشروعيتها: الكتاب، والسُّنة، والإجماع، والمعقول:

 

أما الكتاب:

فقد شُرعت بآيات كثيرة؛ منها قوله -تعالى- في سورة الكهف: ﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ﴾ [الكهف: 19]؛ فهذا من باب التوكيل، وقد قصَّه الله -تعالى- عن أصحاب الكهف من غير نكير فكان شريعة لنا؛ لأنه لم يَرِد في شرعنا ما ينسخه، والأصل: أن شرع مَن قبلنا شرع لنا ما لم يرِدْ ناسخ.

 

وأما السنة:

فهو ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكَّل حكيم بن حِزَام بشراء الأضحية، وكذا عُرْوَة البارقي، كما وكَّل عمر بن أم سَلَمة بالتزويج.

 

وأما الإجماع:

فإن الأمة قد أجمعت على جوازها من بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا من غير نكير.

 

وأما المعقول:

أما الدليل من المعقول، فهو حاجة الناس إلى التوكيل، وقد عبَّر عن ذلك صاحب الهداية بقوله: "لأن الإنسان قد يعجز عن المباشرة بنفسه، على اعتبار بعض الأحوال، فيحتاج إلى أن يوكل غيره، فيكون بسبيلٍ منه دافعًا للحاجة".

 

ركن الوكالة:

وأما ركنها، فالألفاظ التي تثبت بها الوكالة - "الصيغة" - كلفظ: وكَّلتُ، وأشباهه.

 

شرطها: أن يكون الموكِّل ممن يملك التصرف، وتلزمه الأحكام، وأن يكون الوكيل ممن يعقل العقد ويقصده، وذلك كما سيأتي توضيحه عند شرح نص الهداية.

 

صفة عقد الوكالة: عقد الوكالة من العقود الجائزة؛ بمعنى أنه يجوز لكل واحد من المتعاقدين فسخه بدون رضا صاحبه، وذلك على خلاف العقود اللازمة كالبيع والإجارة؛ حيث لا يملك أحد المتعاقدين فيهما فسخ العقد بدون رضا الآخر.

 

أثر عقد الوكالة:

جواز مباشرة الوكيل ما فوِّض إليه.

 

"النص"

ما يجوز فيه التوكيل وما لا يجوز:

قال: "كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكِّل به غيره؛ لأن الإنسان قد يعجز عن المباشرة بنفسه على اعتبار بعض الأحوال فيحتاج إلى أن يوكل غيره، فيكون بسبيل منه دفعًا للحاجة، وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكَّل بالشراء حكيم بن حزام، وبالتزويجعمر بن أم سلمة - رضي الله عنهما".

 

"ش":

قال: المقصود بالقائل هو الإمام القُدُوري، وهو: أحمد بن محمد بن أحمد القُدُوري - "بضم القاف والدال" - نسبة إلى قرية من قرى بغداد يقال لها: قُدُورة، وقيل: نسبة إلى بيع القُدُور، انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق، من أهم مصنفاته: المختصر المنسوب إليه، والمسمَّى بمختصر القُدُوري.

 

توفي - رحمه الله - ببغداد سنة ثمان وعشرين وأربعمائة "428" من الهجرة.

 

ومختصر القدروي: هو من مختصرات الكتب التي ألِّفت في فروع الحنفية، ويطلق لفظ الكتاب عليه عند الإطلاق في فقه الحنفية، وتوجد منه نسخ، منها ما هو مطبوع، ومنها ما هو مخطوط في دار الكتب المصرية، وهذا الكتاب من تأليف الإمام أبي الحسن أحمد بن جعفر القُدُوري - السابق ترجمته.

 

العقد في اللغة: الربط، ضد الحل، ويطلق على العهد والميثاق، وعلى كل ما يفيد الالتزام عملاً كان أو تركًا.

 

أما العقد شرعًا: فمعناه ارتباط القبول بالإيجاب ارتباطًا يظهر أثرُه في المعقود عليه.

 

وقول المصنف: "كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكِّل به غيره".

 

يضع الضابط فيما يجوز فيه التوكيل، وما لا يجوز.

 

والمراد بقوله: "على اعتبار بعض الأحوال"، هو: كأن يكون الموكِّل مريضًا، أو شيخًا فانيًا، أو رجًلا ذا وجاهة، لا يتولى الأمورَ بنفسه.

 

وقول المصنف: "لأن الإنسان قد يعجز عن المباشرة بنفسه على اعتبار بعض الأحوال"؛ يعد دليلاً عقليًّا على مشروعية الوكالة؛ حيث إن الحاجة قد تدعو إليها، فإذا لم يُجِزها الشارع لزم الحرج، وهو منتفٍ بنصوص الشرع.

 

قال -تعالى-: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78].

واسم كان في قوله: "فيكون"، محذوف تقديره: الإنسان، وخبرها شبه الجملة، وهو قوله: "بسبيل منه"، والضمير في: "منه" يراد به التوكيل.

 

ومعنى الكلام: فيكون الإنسان بسبيل من التوكيل؛ أي: متيسر له التوكيل.

 

وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكَّل بالشراء حكيم بن حزام، وكنيته أبو خالد، ولد قبل الفيل باثنتي عشرة أو ثلاث عشرة سنة على اختلاف في ذلك، وقد أسلم يوم الفتح، وكان من وجهاء قريش وأشرافها، وعاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، ومات بالمدينة في خلافة معاوية - رضي الله عنه - سنة أربع وخمسين "54" هـ، وهو ابن مائة وعشرين سنة.

 

ونص الحديث: "عن حكيم بن حزام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه دينارًا يشتري له به أضحية، فاشترى له أضحية بدينار، فباعها بدينارين، ثم اشترى أضحية بدينار، وجاءه بدينار وأضحية، فتصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدينار، ودعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى ترابًا ربح فيه.

 

"وبتزويج عمر بن أم سلمة"؛ أي: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكَّله بتزويج أمه أم سلمة من النبي - صلى الله عليه وسلم.

 

وقول المصنف: "وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكَّل بالشراء"، إلى قوله: "رضي الله عنهما"؛ إنما هو بمثابة ذكر للدليل النقلي على مشروعية الوكالة، فبعد أن ذكر الدليل العقلي، ذكر الدليل النقلي.

 

الوكالة بالخصومة:

"ص" قال: "وتجوز الوكالة بالخصومة في سائر الحقوق"؛ لِمَا قدمنا من الحاجة؛ إذ ليس كل أحد يهتدي إلى وجوه الخصومات.

 

وقد صح أن عليًّا - رضي الله عنه - وكَّل فيهما عَقيلاً، وبعدما أسنَّ وكَّل عبدالله بن جعفر - رضي الله عنهما".

 

"ش": المراد بالخصومة هنا: الدعوى القضائية، وما يتعلق بها من إثبات ودفوع، وغير ذلك مما يلزم لإثبات الحق وإظهاره.

 

والمراد بسائر الحقوق جميعها، فيجوز التوكيل بالخصومة في الحقوق وبإثباتها.

 

وقول المصنف: "لِما قدمنا من الحاجة"، إنما يشير إلى قوله السابق: "لأن الإنسان قد يعجز عن المباشرة بنفسه على اعتبار بعض الأحوال، فيحتاج إلى أن يوكل غيره".

 

والتوكيل بالخصومة في سائر الحقوق إنما جاز لِما ذكرناه سابقًا من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكَّل في الشراء، وإذا جاز التوكيل في الشراء جاز في غيره؛ لأن كل عقد يجوز أن يتولاه الموكل بنفسه يجوز أن يوكل فيه غيره.

 

وعَقيل: هو عَقِيل بن أبي طالب، أخو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ويذكر أن عليًّا كان يختار عقيلاً؛ لأن الأخير كان يتمتع بالذكاء وحضور الجواب، وبعدما أسن عقيل وأصبح كبير السن، وكَّل الإمام عليٌّ عبدَالله بن جعفر بن أبي طالب، وجعفر بن أبي طالب هو الملقَّب بجعفر الطيَّار؛ نظرًا لأنه قطعت يداه يوم مؤتة عندما كان يحمل الراية، فلما قطعت يداه وخشي سقوط الرايةَ احتضنها بعَضُدَيه حتى استشهد.

 

ويفسر العلماء عدول الإمام علي عن توكيل عقيل بعدما أسن إلى توكيل عبدالله بن جعفر بأنه توقير من الإمام عليٍّ لعقيل، أو لأن الإمام عليًّا استشعر انتقاصًا في ذهن عقيل.

 

الوكالة بإيفاء الحقوق واستيفائها:

"ص": "وكذا بإيفائها واستيفائها إلا في الحدود والقصاص؛ فإن الوكالة لا تصح باستيفائها مع غَيبة الموكل عن المجلس؛ لأنها تندرئ بالشبهات، وشبهة العفو ثابتة حال غيبة الموكل، بل الظاهر الندب الشرعي، بخلاف غيبة الشاهد؛ لأن الظاهر عدم الرجوع، وبخلاف حالة الحضرة لانتفاء هذه الشبه، وليس كل أحد يحسن الاستيفاء، فلو منع عنه ينسد باب الاستيفاء أصلاً، وهذا الذي ذكرناه قول أبي حنيفة - رحمه الله.

 

وقال أبو يوسف - رحمه الله -: لا تجوز الوكالة بإثبات الحدود والقصاص بإقامة الشهود أيضًا، ومحمد - رحمه الله - مع أبي حنيفة - رحمه الله.

 

وقيل مع أبي يوسف - رحمه الله - وقيل: هذا الاختلاف في غَيبته دون حضرته؛ لأن كلام الوكيل ينتقل إلى الموكل عند حضوره، فصار كأنه متكلم بنفسه.

 

له أن التوكيل إنابة، وشبهة النيابة يتحرز عنها في هذا الباب، كما في الشهادة على الشهادة، وكما في الاستيفاء.

 

ولأبي حنيفة - رحمه الله - أن الخصومة شرط محض؛ لأن الوجوب مضاف إلى الجناية، والظهور إلى الشهادة، فيجري فيه التوكيل كما في سائر الحقوق، وعلى هذا الخلاف التوكيل بالجواب من جانب من عليه الحد أو القصاص، وكلام أبي حنيفة - رحمه الله - فيه أظهر؛ لأن الشبهة لا تمنع الدفع، غير أن إقرار الوكيل غير مقبول عليه؛ لِما فيه من شبهة عدم الأمر به.

 

"ش": بعد أن فرغ المصنف من الكلام عن التوكيل بالإجراءات اللازمة لإظهار الحق تناول في هذه المسألة الكلام عن التوكيل بإيفاء هذا الحق أو استيفائه.

 

والمراد بإيفاء الحقوق: إعطاؤها لأصحابها، والمراد باستيفائها: أخذها ممن عليهم.

 

والشبهة في اللغة معناها: الالتباس وعدم التمييز، ومنه قوله -تعالى-: ﴿ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ﴾ [البقرة: 25]؛ أي: يشبه بعضه بعضًا لونًا، لا طعمًا وحقيقة.

 

والشبهة شرعًا: ما التبس أمره، فلا يُدْرَى أحلال هو أم حرام، وحق هو أم باطل؟

 

ودرأ الحد: دفعه، ومعنى درأ الحدود بالشبهات: الامتناع عن إقامة الحد على المرتكب للجريمة، ما دامت هناك شبهة أو سبب يمنع من إقامة الحد.

 

ونص الهداية أشار إلى حصول خلاف بين أبي حنيفة والشافعي حول التوكيل بإيفاء الحقوق أو باستيفائها، وقبل أن نتناول هذا الخلاف بالشرح نود أن نوضح أن هناك أمرًا متفقًا عليه بين فقهاء الحنفية، وهو أن التوكيل بإيفاء الحدود والقصاص أو استيفائها لا يصح مع غيبة الموكل عن المجلس.

 

أما المختلف فيه، فهو جواز التوكيل بإثبات الحدود والقصاص بإقامة الشهود.

 

وقد علل صاحب الهداية لِمَا اتفق عليه الحنفية بقوله: "تندرئ بالشبهات.." إلخ؛ أي: لأن الحدود والقصاص تُدرأ بالشبهات؛ أي: تندفع بها، وقد ذكرنا معنى درأ الحدود والقصاص بالشبهات، والأصل في درأ الحدود والقصاص بالشبهات قولُه - صلى الله عليه وسلم -: ((ادرؤوا الحدود بالشبهات))، والمقصود بالشبهة في هذا الحكم: شبهة العفو من صاحب الحق، ويلاحظ أن شبهة العفو تُسقط القصاص، ولا تسقط الحدود؛ لأن الحدود لا عفو فيها".

 

وشبهة العفو عن القصاص ممن له حق القصاص شبهةٌ راجحة إذا كان غائبًا؛ لأنه ربما يكون قد عفا عن الجاني ولم يشعر به الوكيل، والعفو عن الجاني حال غيبة الموكل عن مجلس الحكم هو الظاهر؛ لأن مَن له حق القصاص مندوبٌ إلى ذلك؛ لقوله -تعالى-: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [البقرة: 237].

 

رأي الإمام الشافعي في استيفاء الحدود والقصاص مع غيبة الموكل:

يرى الإمام الشافعي أنه يجوز للوكيل استيفاءُ القصاص مع غيبة الموكل؛ لأن القِصاص خالص حق العبد، فيستوفيه بالتوكيل كسائر حقوقه؛ دفعًا للضرر عن نفسه، وقياسًا على غياب الشاهد في الحدود والقِصاص، فإن الشاهد في الحدود والقصاص إذا غاب عن مجلس الحكم، فإنه لا يمنع الاستيفاء، مع أن غَيبته تورث الشبهة كغَيبة الموكل، وفضلاً عن كل ما سبق فإن الموكل إذا كان حاضرًا فليست هناك حاجةٌ إلى التوكيل؛ إذ الموكل يستوفيه بنفسه.

 

رد الحنفية على ما استدل به الشافعي:

رد الحنفية على قول الشافعي بأن القِصاص خالص حق العبد فيستوفيه بالتوكيل كسائر حقوقه بقولهم: سائر حقوق العبد لا تندرئُ بالشبهات.

 

وقد أشار صاحب الهداية إلى الرد على باقي أدلة الشافعي، بقوله: "... بخلاف غيبة الشاهد؛ لأن الظاهر عدم الرجوع"؛ أي: لا تقاس غيبة الموكل عن الاستيفاء بغيبة الشاهد بالحد أو القصاص، بحجة أن كلاًّ منهما يُورِث الشبهة؛ وذلك لأن الشبهة في غَيبة الشاهد هي الرجوع عن الشهادة، ورجوع الشاهد عن الشهادة ليس قريبًا في الظاهر، بل هو أمر مستبعَد حدوثه، فصار بمنزلة ما لا وجود له، فلا يصير شبهةً يدار باعتبارها حُكمٌ.

 

يقول الإمام ابن الكمال في هذا المعنى: "... بخلاف غيبة الشاهد بالحد والقِصاص، فإنه يستوفي ذلك مع غيبته؛ لأن الشبهة فيه ليس إلا الرجوع، وليس قريبًا في الظاهر... والرجوع ليس غالبًا، بل من نحو ثمانمائة عام لا يعرف إلا ما وقع عند علي - رضي الله تعالى عنه.

 

والله سبحانه أعلم: هل نَدَر عند غيره أم لا؟ وهو بمنزلة ما لا وجود له، فلا يصير شبهة يدار باعتبارها حُكم".

 

ثم قال صاحب الهداية - مستطردًا في الإجابة عن باقي أدلة الشافعي -: "... وبخلاف حالة الحضرة لانتفاء هذه الشبهة، وليس كل أحد يُحسن الاستيفاء، فلو منع عنه ينسد باب الاستيفاء أصلاً"؛ أي: إن أمر الاستيفاء حال غيبة الموكل يختلف عن حال حضرته، حيث يجوز الاستيفاء حال حضرة الموكل؛ لأن شبهة العفو عندئذٍ منتفية يقينًا، ولا يقال بعدم وجود حاجة إلى التوكيل بالاستيفاء في حالة حضرة الموكل، بل الحاجة إلى التوكيل هنا موجودةٌ حتى مع وجود الموكل؛ لأن كل أحد لا يُحسن الاستيفاءَ؛ إما لقلة هدايته، أو لأن قلبه لا يحتمل ذلك، ومعنى ذلك أن الحاجة إلى التوكيل قائمةٌ حتى مع حضرة الموكل، وبالتالي جاز التوكيل بالاستيفاء عند حضوره استحسانًا لئلا ينسد باب الاستيفاء إلى الموكل بالكلية[1].

 

ومعنى قول المصنف: "وهذا الذي ذكرناه"؛ يعني: ما ذكره المصنف من القول بجواز التوكيل بإثبات الحدود والقصاص، فإنه لما قال: وتجوز الوكالة بالخصومة في سائر الحقوق، وكذا إيفاؤها واستيفاؤها، ثم وأستثني إيفاء الحدود والقصاص واستيفاءهما، وبالتالي بقي إثبات الحدود والقصاص داخلاً في قوله: "وتجوز الوكالة بالخصومة في سائر الحقوق"، فقال: "وهذا الذي ذكرناه قول أبي حنيفة، وبه قال الأئمة الثلاثة - رحمهم الله".

 

فهذا النص يشير إلى خلاف الحنفية حول التوكيل بإثبات الحدود والقِصاص، وها نحن نبين هذا الخلاف.

 

آراء الحنفية في التوكيل بإثبات الحدود والقصاص:

يرى الإمام أبو حنيفة جواز التوكيل بإثبات الحدود والقصاص.

 

أما الإمام أبو يوسف، فإنه يرى عدم جواز التوكيل، وهو رأي زُفَر أيضًا، وقول الإمام مضطرب، تارة مع أبي حنيفة، وتارة مع أبي يوسف، والأظهر أنه مع أبي حنيفة.

 

ويقال: إن الاختلاف الحاصل بين أبي حنيفة وأبي يوسف حول التوكيل بإثبات الحدود والقصاص، إنما هو مقصور على حالة ما إذا كان الموكل غائبًا، أما إذا كان الموكل قد وكل بإثباتها وهو حاضر، فإن التوكيل في هذه الحالة جائزٌ بالاتفاق بين أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن كلام الوكيل في هذه الحالة ينتقل إلى الموكل، فصار الموكل كأنه متكلم بنفسه.

 

وقد عبر صاحب الهداية - عن كل هذه المعاني والآراء السابقة - بقوله: "وقال أبو يوسف - رحمه الله -: ولا تجوز الوكالة بإثبات الحدود والقصاص بإقامة الشهود أيضًا"، ومحمد - رحمه الله - مع أبي حنيفة - رحمه الله.

 

وقيل مع أبي يوسف - رحمه الله - وقيل: هذا الاختلاف في غيبته دون حضرته؛ لأن كلام الوكيل ينتقل إلى الموكل عند حضوره، فصار كأنه متكلم بنفسه.

 

دليل أبي يوسف:

عبر صاحب الهداية عن دليل أبي يوسف بقوله: له أن التوكيل إنابة، وشبهة النيابة يتحرز عنها في هذا الباب، "كما في الشهادة على الشهادة، وكما في الاستيفاء".

 

فالضمير في قوله: "له"، يعود على أبي يوسف؛ أي: لأبي يوسف أن التوكيل إنابةٌ؛ أي: بدلٌ عن خصومة الموكل بنفسه، والإنابة فيها شبهة لا محالة، وشبهة النيابة يتحرز عنها في باب الحدود والقصاص، حتى لا تثبت "الحدود والقصاص" بالشهادة على الشهادة، ولا بكتاب القاضي إلى القاضي، ولا بشهادة النساء مع الرجال، وصار كالتوكيل بالاستيفاء حال غيبة الموكل، فإن فيه شبهة العفو التي تمنع الاستيفاء.

 

وهذا دليل أبي يوسف فهو يبنيه على وجود الشبهة، ويقيس الشبهة في هذه المسألة على الشبهة في الشهادة على الشهادة، وشبهة العفو في الاستيفاء عند غيبة الموكل.

 

دليل أبي حنيفة:

أورد صاحب الهداية دليل أبي حنيفة في قوله: "ولأبي حنيفة - رحمه الله - أن الخصومة شرط محض؛ لأن الوجوب مضاف إلى الجناية، والظهور إلى الشهادة، فيجري فيه التوكيل كما في سائر الحقوق".

 

المفردات الواردة بالنص:

• "الخصومة": يقصد بها إجراءات التقاضي اللازمة لإثبات الحق وإظهار من رفع الدعوى بالحق، وإقامة الدليل عليها، وحضور مجلس القضاء لمتابعتها، وتقديم المستندات، وإبداء الدفوع والاعتراضات، وغير ذلك مما يلزم لإثبات الحق وإظهاره.

 

• "شرط محض"؛ أي: حق خالص لصاحب الخصومة، ولا علاقة لحق رفع الدعوى بإثبات الحق أو إظهاره.

 

• "لأن الوجوب" المراد بالوجوب هنا: الثبوت؛ أي: ثبوت الضمان ولزومه على الجاني، فالوجوب هنا بمعنى: الثبوت واللزوم.

 

• "مضاف إلى الجناية"؛ أي: مسبَّب عن الجناية، فـ"إلى" هنا بمعنى: عن؛ حيث إن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض في المعنى.

 

والجناية في اللغة معناها: التعدي.

 

وشرعًا: عبارة عن التعدي الواقع في النفس والأطراف.

 

• والمراد بقوله: "والظهور مضاف إلى الشهادة"؛ أي: ظهور الحق أو الضمان مضاف إلى الشهادة، أي مسبَّب عن الشهادة، فالجناية سبب في ثبوت الضمان أو الحق، والشهادة سبب في إظهارهما.

 

ومعنى دليل أبي حنيفة: "أن الخصومة - وهي إقامة الدعوى - حقٌّ مجرد، ولا علاقة له": ثبوتُ الحق، أو الضمان، أو ظهورهما، ومجرد إقامة الدعوى في حد ذاته حقٌّ من الحقوق، يجوز للموكل مباشرتُه، فيجوز التوكيل به كسائر الحقوق.

 

"ص" قال صاحب الهداية - وعلى هذا الخلاف -: "التوكيل بالجواب من جانب من عليه الحد أو القصاص، وكلام أبي حنيفة - رحمه الله - فيه أظهر؛ لأن الشبهة لا تمنع الدفع، غير أن إقرار الوكيل غيرُ مقبول عليه؛ لِما فيه من شبهة عدم الأمر به".

 

"ش": وعلى هذا الخلاف؛ أي: مثل هذا الخلاف المذكور بين أبي حنيفة - رحمه الله - وأبي يوسف - رحمه الله - في المسألة السابقة خلافٌ بينهما أيضًا في التوكيل بالجواب "الإقرار أو الاعتراف" من جانب مَن عليه الحد أو القصاص.

 

أي إذا وكل من عليه الحد أو القصاص رجلاً بالجواب عنه في دفع ما يطالب عليه "التهمة" فإن أبا حنيفة يجوِّز ذلك حتى مع غيبة الموكل؛ لأن رفع ما يطالب على المرء "الاتهام" حق من حقوقه، يجوز للمرء مباشرتُه بنفسه، فيجوز التوكيل به كسائر الحقوق.

 

وأما أبو يوسف، فإنه لا يجوِّز هذه الوكالة؛ وذلك لِما في الوكالة من شبهة الإنابة، وشبهة الإنابة يتحرز عنها في باب الحدود والقصاص، وأما قول محمد فمضطرب.

 

الرأي الراجح فيما سبق ودليل الرجحان:

رجَّح صاحب الهداية رأي الإمام أبي حنيفة في المسألتين السابقتين، وذكر أن رجحان رأي أبي حنيفة في مسألة التوكيل بالجواب من جانب مَن عليه الحد أو القصاص - أظهرُ من مسألة التوكيل بإثبات الحد أو القصاص.

 

يقول صاحب الهداية:

"وكلام أبي حنيفة - رحمه الله - فيه أظهر؛ لأن الشبهة لا تمنع الدفع، غير أن إقرار الوكيل غيرُ مقبول عليه؛ لِما فيه من شبهة عدم الأمر به".

 

"ش" أي: إن رجحان ما رآه أبو حنيفة - رحمه الله - من جواز التوكيل بالجواب من جانب من عليه الحد أو القصاص أظهر؛ فالضمير في كلمة "فيه" يعود على مسألة التوكيل بالجواب.

 

وعلَّل صاحب الهداية لهذا الرجحان بقوله: لأن الشبهة لا تمنع الدفع؛ أي: إن شبهة الإنابة على تقدير كونها معتبرة لا تمنع إسقاط الحد أو القصاص عمَّن وجب عليه؛ فالتوكيل بالجواب من جانب من عليه الحد أو القصاص إنما يكون لدفعهما، والشبهة لا تمنع من دفعهما، بدليل أنه يقع العفو عن القصاص بالشهادة على الشهادة، وبشهادة النساء مع الرجال، والشبهة فيهما متحقِّقة، فالشبهة لا تمنع إسقاط الحد أو القصاص مَّن وجبا عليه، ولكنها تمنع من ثبوتها عليه؛ لأن الحدود تُدْرأ بالشبهات.

 

ومعنى قول المصنف: "غير أن إقرار الوكيل غير مقبول عليه؛ لِما فيه من شبهة عدم الأمر به".

 

يعني: إذا أقر هذا الوكيلُ في مجلس القضاء بوجوب القصاص على موكله لا يصح استحسانًا؛ لِما في هذا الإقرار من شبهة عدم الأمر به، فإقرار الوكيل هذا يثبت له لزوم القصاص على الموكل، ولكن لَمَّا كان ينطوي على شبهة - وهي عدم الأمر بهذا الإقرار - فإن هذا الإقرار لا يقبل ولا يعمل به في مواجهة الموكل؛ نظرًا لِما قلناه من أن الشبهة لا تمنع الدفع، ولكنها تمنع الإثبات.

 

لزوم التوكيل بالخصومة:

"ص" "وقال أبو حنيفة - رحمه الله -: لا يجوز التوكيل بالخصومة إلا برضا الخصم إلا أن يكون الموكل مريضًا أو غائبًا مسيرة ثلاثة أيام فصاعدًا، وقالا: يجوز التوكيل بغير رضا الخصم"، وهو قول الشافعي - رحمه الله - ولا خلاف في الجواز، إنما الخلاف في اللزوم.

 

هذه المسألة تدور حول قضية، وهي: هل يشترط رضا الخصم بالتوكيل أم لا؟


بمعنى لو أن هناك نزاعًا بين محمد وعلي، وتم رفع هذا النزاع إلى القضاء، وكَّل أحدهما عن نفسه، هل يلزم هذا التوكيل الطرف الآخر أم لا؟

 

النص المذكور يوضح أن ثمة خلافًا بين الإمام وصاحبيه في هذه المسألة؛ فالإمام أبو حنيفة - رحمه الله - يرى عدم لزوم هذا التوكيل للطرف الآخر، سواء كان هذا التوكيل من جانب المدعي أو من جانب المدعى عليه، وسواء كان الموكل رجلاً أم امرأة - بِكرًا كانت أم ثيبًا - شريفا كان أم وضيعًا إلا برضا الخصم "الطرف الآخر"، واستثنى من ذلك حالة العذر، وقد مثَّل لها بقوله: إلا أن يكون الموكل مريضًا أو غائبًا مسيرة ثلاثة أيام فصاعدًا.

 

أما الصاحبان، فإنهما يقولان بلزوم التوكيل بالخصومة من غير رضا الخصم، وهو قول الشافعي، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله[2].

 

وقبل أن نوضح دليل كل رأي، نود أن نلفت النظر إلى أن تعبير المصنف بالجواز يريد به اللزوم؛ لأن جواز التوكيل بالخصومة لا خلاف عليه بين الإمام وصاحبيه، وإنما الخلاف في مدى لزوم هذا التوكيل من أحد طرفي الدعوى لخصمه الآخر، فعند أبي حنيفة لا يلزم، وعندهما يلزم[3].

 

ولذا استدرك المصنف على تعبيره بلفظ الجواز بقوله: ولا خلاف في الجواز، وإنما الخلاف في اللزوم.

 

دليل الصاحبين:

ذكر صاحب الهداية دليل الصاحبين، فقال: لهما أن التوكيل تصرُّف في خالص حقه، فلا يتوقف على رضا غيره؛ كالتوكيل بتقاضي الديون.

 

أي إن التوكيل بالخصومة تصرف في خالص حق الموكل؛ لأنه وكل عن نفسه بالجواب[4]، أو بالخصومة[5]؛ لدفع الخصم عن نفسه، وكلاهما حقه لا محالة، والتصرف في خالص حق الإنسان لا يتوقف على رضا غيره، كالتوكيل بتقاضي الديون - "أي بقبضها" - أو إيفائها - "إعطائها لأصحابها" - فكما لا يتوقف توكيل المَدِين في إيفاء الدين على رضاء الدائن، ولا توكيل الدائن بقبض الدين على رضاء المَدِين؛ لأن التوكيل بالإيفاء والقبض تصرُّف في خالص حق الموكل، فإن التوكيل بالخصومة لا يتوقف على رضا الخصم، بجامع أن كلاًّ منهما تصرُّف في خالص حق الموكل.

 

دليل أبي حنيفة:

ذكر صاحب الهداية دليل أبي حنيفة، فقال: وله أن الجواب مستحق على الخصم؛ ولهذا يستحضره، والناس متفاوتون في الخصومة، فلو قلنا بلزومه يتضرر به، فيتوقف على رضاه، كالعبد المشترَك إذا كاتبه أحدهما يتخير الآخر، بخلاف المريض والمسافر؛ لأن الجواب غير مستحق عليهما هنالك.

 

فمعنى قول أبي حنيفة:

"إن الجواب مستحق على الخصم"؛ يعني: أن الجواب عما يدعيه المدعي حقٌّ واجب للمدعي على المدعى عليه؛ ولهذا فإن المدعي يطلب حضور المدعى عليه إلى مجلس القضاء قبل أن يثبت للمدعي شيءٌ على المدعى عليه للإجابة على دعوى المدعي.

 

ومعنى قوله: "والناس متفاوتون في الخصومة"؛ أي: إن الناس متفاوتون في الخصومة من جهة الدعوى والإثبات، ومن جهة الدفع والجواب، فرُبَّ إنسان يصور الباطل في صورة الحق، ورب إنسان لا يمكنه تمشية الحق على وجهه، فيحتمل أن الوكيلَ ممن له حِذْق في الخصومات، فيتضرر بذلك الخصم فيشترط رضاه، وقد أشار إلى ذلك كله قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم ألحنُ بحجته من بعض، فمن قضيتُ له بشيء فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار)).

 

ومعنى قوله: فلو قلنا بلزومه يتضرر به، فيتوقف على رضاه؛ كالعبد المشترك إذا كاتبه أحدُهما يتخير الآخر.

 

أي إذا قلنا بلزوم التوكيل من غير رضا الخصم؛ فإنه قد يترتب على ذلك ضررٌ بالخصم، وما دام الأمر كذلك فإن لزوم التوكيل يتوقف على رضا الخصم، وذلك قياسًا على العبد المشترك إذا كاتبه أحد الشريكين على مال[6]، فإن الآخر بالخيار في قبول هذه المكاتبة أو رفضها، ولا تلزمه مكاتبة الشريك الآخر؛ وذلك نظرًا لِما ينطوي عليه هذه المكاتبة من الضرر بالشريك الآخر.

 

وقول المصنف: بخلاف المريض والمسافر؛ لأن الجواب غير مستحق عليهما هنالك، ثم كما يلزم التوكيل عنده من المسافر يلزم إذا أراد السفر لتحقق الضرورة.

 

أي هذا الحكم - وهو عدم لزوم الوكالة في الخصومة لأحد الطرفين إلا برضاه - يختلف عن حكم المريض والمسافر فإن توكيلهما بالخصومة يلزم الخصم جبرًا، ولا يتوقف على رضاه.

 

أما المريض فلعجزه بالمرض، وأما المسافر فلغيبته.

 

فأصبح الجواب غير مستحق عليهما؛ لأنه لو لم يسقط عنهما الجواب لزم الحرج، وهو منتفٍ بالنص، قال -تعالى-: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78].

 

الرأي الراجح:

الناظر في النص يرى أن صاحب الهداية رجَّح رأي الإمام أبي حنيفة، لكنني أرى أن رأي الصاحبين هو الأرجح؛ لأن ما استدلوا به أقرب إلى المنطق في التطبيق العملي؛ ولذا فهو الذي يجري عليه العمل الآن في المحاكم.

 

وقول صاحب الهداية:

"ثم كما يلزم التوكيل عنده من المسافر يلزم إذا أراد السفر؛ لتحقق الضرورة".

معناه: أنه كما يكون التوكيل لازمًا للخصم إذا كان مسافرًا؛ فإنه يكون لازمًا له إذا كان الموكل حاضرًا وأراد السفر؛ نظرًا لوجود نفس العلة السابقة، وهي لزوم الحرج المنتفي بالشرع كما سبق أن ذكرنا.

 

غير أن الفقهاء يقولون: إن على القاضي ألا يصدق الموكل في دعواه السفر حتى يتحرى عن صدقه، كأن ينظر القاضي إلى زيِّه وعُدَّة سفره، كما يسأله عمن يريد أن يخرج معهم، فيسأل رفقاءه عن ذلك.

 

"ص": "ولو كانت المرأة مخدَّرة لم تجرِ عادتها بالبروز، وحضور مجلس الحكم، قال الرازي - رحمه الله - يلزم التوكيل؛ لأنها لو حضرت لا يمكنها أن تنطق بحقها؛ لحيائها، فيلزم توكيلها، قال: وهذا شيء استحسنه المتأخرون".

 

"ش" المرأة المخدَّرة: هي التي لا يراها غير المحارِم من الرجال، أو هي التي لم تجرِ عادتها بالبروز كما ذكر المصنف، والمراد بالرازي؛ هو: أبو بكر الجصَّاص، أحمد بن علي، صاحب التصانيف الكثيرة في الأصول والفروع، وأحكام القرآن، انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة ببغداد بعد الشيخ أبي الحسن الكرخي.

 

ومعنى قول المصنف: "إن المرأة إذا كان من شأنها المكث في البيت، ووكلت بالخصومة؛ فإن وكالتها تلزم الخصم من غير رضاه"؛ وذلك نظرًا للعلة التي ذكرها المصنف، وهي أنها لو حضرت لا يمكنها أن تنطق بحجتها وتجادل الخصم لحيائها، فيترتب على عدم التوكيل ولزومه إضاعةُ حقها.

 

كما يرى الفقهاء أنها لو وكَّلت ووجب عليها اليمين، فإن القاضي يبعث إليها ثلاثة من العدول، ويستحلفها أحدهم، ويشهد الآخران على حلفها، وكذا المريضة إذا وجب عليها يمين؛ لأن النيابة لا تجري في الأيمان.

 

والمراد بقول المصنف: "قال: وهذا شيء استحسنه المتأخرون".

 

قال - أي: قال أبو بكر الرازي - وهناك من يرى أن القائل هو المصنف أبو بكر الميرغيناني، ومعنى: "وهذا شيء استحسنه المتأخرون"؛ أي: إن القول بلزوم توكيل المخدرة استحسنه المتأخرون من فقهاء الحنفية.



[1] وهذا في القصاص، وأما في الحدود، فإن الذى يلي استيفاءها هو الإمام، وقد لا يُحسن الإمامُ ذلك، فجاز توكيل الجلاد، وإلا انسد باب استيفاء الحدود أيضًا.

[2] قال الإمام السرخسي - رحمه الله -: إذا علم القاضي التعنتَ من المدعي في إباء التوكيل يقبل التوكيل بغير رضاه.

[3] وقد تفرع على ذلك قولهم : هل ترتد الوكالة برد الخصم أم لا؟ فعند أبي حنيفة ترتد، خلافًا للصاحبين.

[4] إذا كان الموكل مدعى عليه.

[5] إذا كان الموكل هو المدعي.

[6] وذلك بأن يقول السيد لعبده: إذا أتيت لي بكذا من المال؛ فأنت حر، وهذا معنى المكاتبة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من شروط الوكالة
  • عزل الوكيل
  • بطلان الوكالة
  • إقرار الوكيل عن موكله وحدود الوكالة المطلقة
  • الوكالة وأحكامها في الفقه الإسلامي
  • الوكالة وبعض أحكامها
  • أحوال بطلان عقد الوكالة
  • ضابط: حقوق العقد تتعلق بالموكل
  • أحكام الوكالة والسمسرة

مختارات من الشبكة

  • تسهيل المسالك بشرح كتاب المناسك: شرح كتاب المناسك من كتاب زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • زيادات الإمام النووي واستدراكاته على الإمام الرافعيمن بداية كتاب الحجر إلى نهاية الوكالة في الخصومة من كتاب الوكالة من خلال كتاب روضة الطالبين جمعا ودراسة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • إقرار الوكيل عن موكله حال حضوره وسكوته، ومحل الوكالة، وحدود الوكالة المطلقة على الخصومة (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • زيادات الإمام النووي واستدراكاته على الإمام الرافعي من بداية فصل: في حكم البيع والشراء المخالفين أمر الموكل من كتاب الوكالة إلى نهاية كتاب الشفعة من خلال كتاب روضة الطالبين (جمعا ودراسة)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • هذا كتابي فليرني أحدكم كتابه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الأصول في النحو(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب الصيام من كتاب العمدة في الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي (600 هـ) (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • كتاب: النظرية الجمالية في العروض عند المعري ـــ دراسة حجاجية في كتاب "الصاهل والشاحج" للناقدة نعيمة الواجيدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إتحاف العباد بشرح كتاب الزاد: شرح كتاب الصلاة إلى باب الأذان والإقامة من زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قضاء الأرب من كتاب زهير بن حرب: شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (الجزء الثاني) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب