• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / أخلاق ودعوة
علامة باركود

نقد قانون (الوصية الواجبة) في التشريع المصري ومن سار على دربه

نقد قانون (الوصية الواجبة) في التشريع المصري ومن سار على دربه
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/1/2013 ميلادي - 26/2/1434 هجري

الزيارات: 43035

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نقد قانون (الوصية الواجبة) في التشريع المصري ومن سار على دربه


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:

 

فقد كَثُر في أيامِنا الحديثُ عمَّا يزعمه البعض من قانون (الوصية الواجبة)، ويحاولون جاهدين إيجاد مستندٍ شرعي لهذا الحكم، وأعظم أدلتهم في ذلك قولُه -تعالى-: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 180]، لكن جمهور المفسِّرين والفقهاء على أن الآية منسوخةٌ بآية المواريثِ من سورة النساء؛ فأحببتُ أن أرجعَ إلى كتب المفسِّرين، وأَنقُلَ نص ما كتبوه في ذلك؛ تدليلاً على صحة ما ذهب إليه الجمهور من نسخ الآية..

 

لكن قبل أن نبدأ في هذا الأمر لنا بعض الوقفات:

• الآية التي استشهد بها المجوِّزون (للوصية الواجبة) وإن كانت منسوخة، لكن أهل العلم متفقون على أن يُوصِي لهم الجدُّ قبل وفاته بالثلث من تركته أو أقل، وهذا في حال أن يكون له مال كثير، وهذه الوصية أوجبَها بعض العلماء واستحبَّها كثيرون، لكن ليس فيها تحديدٌ بمقدار الوصية؛ فالأمر راجع للموصي، أما أن نقول: إن الأحفاد - من الابن أو البنت اللذينِ توفِّيا في حياة أبيهما - يرثون كما لو كانوا الأبناء على قيد الحياة؛ فهذا ضابطٌ لم نجدْ أحدًا من أهل العلم قال به، ومَن قال به من المعاصرين يلزمه الدليل الشرعي.

 

• قواعد الميراث تتفق تمامًا مع القول ببطلان (الوصية الواجبة)؛ فأحفاد الأبناء ليسوا من أهل الفروض، ومَن أثبت لهم نصيبًا فعليه أن يأتي بقاعدة وراثية تؤكد ذلك.

 

• قانون (الوصية الواجبة) مخالفٌ للشرع، وغيرُ موجِب للطاعة؛ لأن فيه مشاركةً لله -تعالى- في التشريع، وتعديًا على حقوق الورثة، وقد نَسبُوا هذا القول لابن حزم - رحمه الله - وهو محض تقوُّل عليه؛ لأن ابن حزم قد أوجب الوصية للأقارب الذين لا يرثون، وهذا يشمل العم والخال وجميع الأقارب، وهم لا يجعلون لهؤلاء نصيبًا في التركة، وأيضًا: لم يُوجِب ابن حزم نسبة معينة أو نصيبًا مفروضًا، وهم قد فعلوا ذلك بإعطائهم نصيبَ أمِّهم أو أبيهم، وأيضًا: فإن ابن حزم يرى أنهم يُعطَوْن في حال أن يُوصِي الجدُّ، وهم يجعلون لهؤلاءِ الأحفاد نصيبًا ولو لم يوصِ الجد، فاختلف ما قاله ابن حزم عمَّا نسبوه إليه؛ فالواجبُ على القضاة ألا يحكموا بمثل هذا، وليَعلَمُوا أنهم بحكمهم هذا يخالفون شرع الله -تعالى- ويأخذون المال ممن جعله الله -تعالى- حقًّا له، ويعطونه لمن لا يستحقه، وفي هذا مضادَّة لحكم الله وشرعه، وقد اعترض كثيرٌ من علماء الأزهر على قانون (الوصية الواجبة)، وأفتَوا بخلافه، ونُشرتْ أبحاثٌ في مجلة الأزهر وغيرها في الردِّ على هذا القانون، وبيان مخالفته للشرع.

 

• لا نُنكِر أن بعضَ السلف قال بأن الآية محكمةٌ، لكنهم قلَّة لا تقوم أبدًا أمام الكثرة من أهل التفسير الذين أقروا بأن الآية منسوخة، وعلى قول مَن قال: إنها محكمة وليست منسوخة، لا يوجد في أي قول من أقوالهم أن الأحفاد يرثون كما لو أن آباءهم على قيد الحياة؛ كما يقول أصحاب (الوصية الواجبة)، كلُّ ما في الأمر أنهم يرجِّحون قول مَن أوجب على الوالدين أن يُفرض لهم شيء من التركة قلَّ أو كَثُر في حدود لا تتجاوز الثلث، لكن ماذا نصنع لو لم يفرضِ الجدُّ لهم، هل من دليلٍ على أنهم يأخذون نصيبَ الآباء فرضًا وجبرًا.

 

• من القواعد الأصولية المقرَّرة أن "ما تطرَّق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال"، والآية لو قلنا بأن العلماء مختلفون فيها هل هي منسوخة أو غير منسوخة؟ فعلى الأصل الفقهي يَسقُط بها الاستدلال، ونرجع إلى قواعد الميراث الواضحة أن الأحفاد لا يَرِثُون؛ لأنهم ليسوا من أهل الفروض.

 

• جمهور العلماء - ومنهم الأئمة الأربعة - على أن الوصية مستحبَّة، إلا إذا تعلَّق بذمة الإنسان حقٌّ لله؛ كزكاة، أو حج، أو كفارة، أو حق للعباد في دَينٍ، أو وديعة، أو غير ذلك - فتجب الوصية حينئذٍ كوسيلةٍ للخروج من الحق الواجب، وذهب جماعة من السلف - كعطاء، والزهري، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وطاوس - إلى وجوبِ الوصية على مَن ترك مالاً، وبهذا قال ابن حزم أيضًا، وبالنظر في أدلَّة الفريقين يتَّضِح رجحان مذهب الجمهور؛ ولهذا قال ابن عبد البر - رحمه الله -: "أجمعوا على أن الوصية غير واجبة، إلا على مَن عليه حقوق بغير بيِّنة، وأمانة بغير إشهاد، إلا طائفة شذَّت فأوجبتْها".

 

والقائلون بإيجاب الوصية جعلوا ذلك عامًّا في الأقارب غير الوارثين، ولم يخصوه بأحفاد المتوفَّى؛ كما ذهب إليه قانون الوصية المصري.

 

• وحاصل ما عليه هذا القانون أن الوصيةَ تَجِبُ لأهلِ الطبقة الأولى من أولادِ البنات، ولأولادِ الأبناء من أولادِ الظهور وإن نزلتْ طبقاتُهم، وصية بمثلِ ما كان يستحقُّه أبوهم ميراثًا في تركة أبيه لو كان حيًّا عند موت الجدِّ، في حدود الثُّلُث، بشرط أن يكون الحفيدُ غيرَ وارث، وألا يكونَ الجدُّ الميت قد أعطاه بغير عِوَض عن طريق تصرُّف آخر قدر ما يجب له.

 

• واستند القانون إلى قولِ مَن أوجب الوصية من السلف، وإلى قول ابن حزم - رحمه الله - والحق أن المتقدِّمين من السلف لم يَقصُروا الوصيةَ على الأحفاد، ولم يقدِّروها بنصيب الأب لو كان حيًّا، وثَمَّة مؤاخذات عدَّة على هذا القانون؛ نذكر منها:

♦ أنه قد يوجد من الأقارب غيرِ الوارثين مَن لا يقلُّ حاجةً عن الأحفاد، وهؤلاء لم يعتبرهم القانون المذكور، ومن ذلك ما إذا مات الرجل عن (أمٍّ، وإخوةٍ لأم، وأمٍّ لأبٍ)؛ فإن الجدَّة أمَّ الأب في هذا المثال محجوبةٌ بالأم، وقد تكون محرومةً لا عائلَ لها.

 

أن هذا القانون يترتَّب على تطبيقِه وجودُ حالات شاذَّة لا يمكن قَبولها؛ ومن ذلك:

أ- أن بنت البنت قد تأخذُ أكثر مما ترثُه بنت الابن، فلو مات شخصٌ عن (بنتٍ، وبنت بنت، وبنت ابن)، وترك 30 فدانًا؛ فإن مقدارَ (الوصية الواجبة) لبنت البنت هنا هو ثُلُث التركة، وهو 10 أفدنة - نصيب أمها لو كانت حية - وتأخذ البنت وبنت الابن الباقي فرضًا وردًّا بنسبة 1:3، فيكون نصيب بنت الابن خمسةَ أفدنة؛ أي: نصف ما أخذت بنت البنت.

 

ب- أن تأخذ بنت الابن أكثر من البنت، وذلك فيما إذا مات شخصٌ عن (بنتين، وبنت ابن، وأخت شقيقة)، وترك 18 فدانًا؛ فإن مقدارَ الوصية لبنت الابن ثلث التركة، وهو 6 أفدنة، أما الباقي فيقسم بين البنتين والأخت الشقيقة، فتأخذ البنتان الثُّلُثَين 8 أفدنة، لكلٍّ منهما 4 أفدنة، وتأخذ الأخت الشقيقة الباقي وهو 4 أفدنة.

 

• وهذا الشذوذ والاختلاف دليلٌ على نقص البشر، وتصديق لقوله -تعالى-: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، وقد تولَّى الله - سبحانه وتعالى - قسمة الميراث بنفسه - سبحانه وتعالى - وهو أعلم بحال خَلقِه وما يصلحهم؛ فالواجب الاقتصار على ذلك، والصواب هو مذهب جمهور العلماء ولا شك، وقانون (الوصية الواجبة) خارجٌ عن قول الجمهور، وخارج أيضًا عن قول مَن أوجب الوصية للأقارب غير الوارثين، وهذا الأخير مذهبٌ مرجوح كما سبق، وقولُنا بعدم وجوب هذه الوصية لا يتنافَى مع حثِّنا لصاحب المال ألا ينسى أقاربه المحتاجين، وبالأخص حفدته ممن لا يرثون، فيستحبُّ أن يوصي لهؤلاء بما لا يزيد عن ثلث التركة.

 

والآن مع أقوال المفسرين التي تُثبت نسخَ آية البقرة:

• قال ابن كثير (ج1 ص 274 - تفسير القرآن العظيم لابن كثير - المكتبة التوفيقية بتعليق هاني الحاج):

"اشتملتْ هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين، وقد كان ذلك واجبًا على أصحِّ القولين قبل نزول آية المواريث، فلما نزلتْ آية الفرائض نسخت هذه، وصارت المواريث المقدَّرة فريضةً من الله يأخذها أهلوها حتمًا من غير وصية، ولا يحتمل مِنَّة الموصِي؛ ولهذا جاء في الحديث الذي في السنن - (ت 2121، س 6247، جه 2712) - وغيرها عن عمرو بن خارجة، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب وهو يقول: ((إن الله قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقه، فلا وصية لوارث)).

 

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ابن علية، عن يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين، قال: جلس ابن عباس فقرأ سورة البقرة حتى أتى هذه الآية: ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 180]؛ فقال: نسخت هذه الآية"؛ وكذا رواه سعيد بن منصور عن هشيم عن يونس به، ورواه الحاكم في مستدركه - (2273) - وقال: صحيح على شرطهما، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: ﴿ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 180]؛ قال: كان لا يَرِثُ مع الوالدين غيرهما إلا وصية للأقربين؛ فأنزل الله آية الميراث، فبيَّن ميراث الوالدين، وأقرَّ وصية الأقربين في ثلث مال الميت.

 

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج بن محمد، أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: ﴿ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [البقرة: 180]؛ نسختْها هذه الآية: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [النساء: 7]، ثم قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عمر، وأبي موسى، وسعيد بن المسيب، والحسن، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، وعكرمة، وزيد بن أسلم، والربيع بن أنس، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حيان، وطاوس، وإبراهيم النخعي، وشريح، والضحاك، والزهري؛ أن هذه الآية منسوخةٌ نسختْها آية الميراث، والعجب من أبي عبدالله بن عمر الرازي - رحمه الله - كيف حكى في تفسيره الكبير - (566) - عن أبي مسلم الأصفهاني أن هذه الآية غير منسوخة، وإنما هي مفسَّرة بآية المواريث.

 

ومعناه: كُتِب عليكم ما أوصى الله به من توريث الوالدين والأقربين، من قوله: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ [النساء: 11]، قال: وهو قول أكثر المفسِّرين والمعتبرين من الفقهاء، قال: ومنهم مَن قال: إنها منسوخة فيمَن يرث، ثابتة فيمَن لا يرث؛ وهو مذهب ابن عباس، والحسن، ومسروق، وطاوس، والضحاك، ومسلم بن يسار، والعلاء بن زياد، قلت: وبه قال أيضًا سعيد بن جبير، والربيع بن أنس، وقتادة، ومقاتل بن حيان، ولكن على قول هؤلاء لا يسمى هذا نسخًا في اصطلاحنا المتأخِّر؛ لأن آية المواريث إنما رفعت حكم بعض أفراد ما دلَّ عليه عمومُ آية الوصاية؛ لأن الأقربين أعمُّ ممن يرث ومَن لا يرث، فرُفِع حكمُ مَن يرث بما عُيِّن له، وبقي الآخر على ما دلَّت عليه الآية الأُولى، وهذا إنما يتأتَّى على قول بعضهم إن الوصاية في ابتداء الإسلام إنما كانت ندبًا حتى نُسِخت، فأما مَن يقول: إنها كانتْ واجبةً - وهو الظاهر من سياق الآية - فيتعيَّن أن تكون منسوخةً بآية الميراث؛ كما قاله أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء؛ فإن وجوبَ الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخٌ بالإجماع، بل منهيٌّ عنه؛ للحديث المتقدم: ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث))؛ فآية الميراث حكم مستقل، ووجوب من عند الله لأهل الفروض والعصبات، رفع بها حكم هذه بالكلية، بقي الأقارب الذين لا ميراث لهم يستحبُّ له أن يُوصِي لهم من الثلث استئناسًا بآية الوصية وشمولها؛ ولما ثبت في الصحيحين - خ (2738) م (1627) - عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما حقُّ امرئٍ مسلم له شيءٌ يوصي فيه، يبيت ليلتينِ إلا ووصيتُه مكتوبةٌ عنده)) قال ابن عمر: ما مرَّتْ عليَّ ليلةٌ منذ سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك إلا وعندي وصيتي.

 

والآيات والأحاديث بالأمرِ بين الأقارب والإحسان إليهم كثيرةٌ جدًّا.

 

وقال عبد بن حميد - (771) - في مسنده: أخبرنا عبيدالله، عن مبارك بن حسان، عن نافع قال: قال عبدالله: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يقول الله -تعالى-: يا ابن آدم، ثنتان لم يكنْ لك واحدةٌ منهما: جعلتُ لك نصيبًا في مالِك حين أخذتُ بكَظْمِك لأطهِّرَك به وأزكِّيك، وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك)).

 

وقوله: ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ﴾؛ أي: مالاً؛ قاله ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، وأبو العالية، وعطية العوفي، والضحاك، والسدي، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، وقتادة، وغيرهم، ثم منهم مَن قال: الوصيةُ مشروعةٌ، سواء قلَّ المال أو كَثُر؛ كالوراثة، ومنهم مَن قال: إنما يوصي إذا ترك مالاً جليلاً، ثم اختلفوا في مقداره؛ فقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبدالله بن يزيد المقري، أخبرنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: قيل لعليٍّ - رضي الله عنه -: إن رجلاً من قريش قد مات، وترك ثلاثمائة دينار - أو أربعمائة - ولم يوصِ؛ قال: ليس بشيء، إنما قال الله: إن ترك خيرًا.

 

وقال أيضًا: وحدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، حدثنا عبدة يعني ابن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن عليًّا دخل على رجلٍ من قومه يعوده، فقال له: أوصِ، فقال له عليٌّ: إنما قال الله: إن ترك خيرًا الوصية، إنما تركت شيئًا يسيرًا؛ فاتركه لولدك.

 

وقال الحكم بن أبان: حدَّثني عن عكرمة، عن ابن عباس: ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ﴾؛ قال ابن عباس: مَن لم يترك ستِّين دينارًا لم يتركْ خيرًا.

 

قال الحكم: قال طاوس لم يتركْ خيرًا مَن لم يتركْ ثمانين دينارًا.

 

وقال قتادة: كان يقال ألفًا فما فوقها.

 

وقوله: ﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾؛ أي: بالرفق والإحسان، كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن أحمد، حدثنا إبراهيم بن عبدالله بن يسار، حدثني سرور بن المغيرة، عن عباد بن منصور، عن الحسن قوله: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ﴾ [البقرة: 180]؛ فقال: نَعَم، الوصية حقٌّ على كل مسلم أن يُوصِي إذا حضره الموت بالمعروف غير المنكر، والمراد بالمعروف أن يوصي لأقرَبيه وصيةً لا تُجحِف بورثته من غير إسراف ولا تقتير؛ كما ثبت في الصحيحين - (خ 2742 م 1628) - أن سعدًا قال: يا رسول الله، إن لي مالاً، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأُوصِي بثلثي مالي؟ قال: ((لا))، قال: فبالشطر، قال: ((لا))، قال: ((الثلث، والثلث كثير؛ إنك أن تَذَر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تَدَعهم عالةً يتكفَّفون الناس)).

 

وفي صحيح البخاري - (2743) - أن ابن عباس قال: "لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الثلث، والثلث كثير)).

 

وروى الإمام أحمد - (567) - عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن ذيَّال بن عبيد بن حنظلة: سمعت حنظلة بن حذيم بن حنيفة، أن جده حنيفة أوصى ليتيمٍ في حجره بمائةٍ من الإبل؛ فشقَّ ذلك على بنيه، فارتفعوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال حنيفة: إني أوصيتُ ليتيم لي بمائة من الإبل كنا نسميها المطيَّبة؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا لا لا، الصدقة خَمسٌ، وإلا فعَشرٌ، وإلا فخمس عشرةَ، وإلا فعشرون، وإلا فخمس وعشرون، وإلا فثلاثون، وإلا فخمس وثلاثون؛ فإن كثُرت فأربعون))، وذكر الحديث بطوله.

 

• قال القرطبي (ج 1 ص 748 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - دار الغد العربي مصر):

اختلف العلماء في هذه الآية: هل هي منسوخة أو محكمة؟ فقيل: هي محكَمة، ظاهرُها العموم، ومعناها الخصوص في الوالدين اللذينِ لا يرثان - كالكافرين والعبدين - وفي القرابة غير الوَرَثة؛ قاله الضحاك، وطاوس، والحسن، واختاره الطبري، وعن الزهري أن الوصية واجبة، فيما قلَّ أو كَثُر، وقال ابن المنذر: أجمع كلُّ مَن يُحفَظ عنه من أهل العلم، على أن الوصية للوالدين اللذينِ لا يرثان والأقرباء الذينَ لا يرثون جائزةٌ، وقال ابن عباس، والحسن أيضًا، وقتادة: الآية عامَّة، وتقرَّر الحكم بها برهة من الدهر، ونسخ منها كل مَن كان يرث بآية الفرائض، وقد قيل: إن آية الفرائض لم تستقلَّ بنسخها، بل بضميمة أخرى، وهي قوله - عليه السلام -: ((إن اللهَ قد أعطى لكل ذي حق حقَّه؛ فلا وصية لوارث))؛ رواه أبو أمامة؛ أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح؛ فنسخ الآية إنما كان بالسُّنَّة الثابتة، لا بالإرث على الصحيح من أقوال العلماء، ولولا هذا الحديث لأمكن الجمع بين الآيتينِ، بأن يأخذوا المال عن المورث بالوصية، وبالميراث إن لم يوصِ، أو ما بقِي بعد الوصية، لكن منع من ذلك هذا الحديثُ، والإجماع، والشافعي وأبو الفرج وإن كانا منعا من نسخ الكتاب بالسنة؛ فالصحيح جوازه، بدليل أن الكل حكمُ الله - تبارك وتعالى - ومِن عنده، وإن اختلفت في الأسماء، وقد تقدم هذا المعنى، ونحن وإن كان هذا الخبر بلغنا آحادًا، لكن قد انضم إليه إجماع المسلمين أنه لا تجوز وصيةٌ لوارث؛ فقد ظهر أن وجوب الوصية للأقربين الوارثين منسوخٌ بالسنَّة، وأنها مستند المُجْمِعين، والله أعلم.

 

وقال ابن عباس والحسن: نسختِ الوصية للوالدينِ بالفرضِ في سورة النساء، وثبتتْ للأقربين الذين لا يَرِثُون - وهو مذهب الشافعي، وأكثر المالكيين، وجماعة من أهل العلم - وفي البخاري عن ابن عباس قال: "كان المالُ للولد، وكانت الوصية للوالدينِ؛ فنسخ الله من ذلك ما أحبَّ؛ فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس، وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع".

 

وقال ابن عمر، وابن عباس، وابن زيد: "الآية كلها منسوخة، وبقيت الوصية ندبًا"، ونحو هذا قول مالك - رحمه الله - وذكره النحاس عن الشعبي والنخعي، وقال الربيع بن خثيم: لا وصية، قال عروة بن ثابت: قلت للربيع بن خثيم: أوصِ لي بمصحفِك، فنظر إلى ولده، وقرأ: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [الأنفال: 75]، ونحو هذا صنع ابن عمر - رضي الله عنهما.

 

قال الزرقاني في مناهل العرفان (ج2 ص 184 - مناهل العرفان في علوم القرآن لمحمد عبدالعظيم الزرقاني - طبعة دار الفكر سنة 1996 - الطبعة الأولى بتحقيق مكتب البحوث والدراسات):

"﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 180]؛ فإنها تُفِيد أن الوصية للوالدين والأقربين فرضٌ مكتوب، وحق واجب على مَن حضرهم الموت من المسلمين، وقد اختلف في نسخ هذه الآية وفي ناسخها؛ فالجمهور على أنها منسوخة، وأن ناسخها آيات المواريث، وقيل: إنها منسوخة بالسُّنة، وهي قوله: ((لا وصية لوارث))، وقيل: منسوخة بإجماع الأمة على عدم وجوب الوصية للوالدين والأقربين، وقيل: إنها مُحكَمة لم تُنسَخ، ثم اختلف هؤلاء القائلون بالإحكام؛ فبعضهم يحملُها على مَن حُرِم الإرث من الأقربين، وبعضهم يحملُها على مَن له ظروف تقضي بزيادة العطف عليه؛ كالعَجَزة، وكثيري العيال من الورثة، ورأيي أن الحقَّ مع الجمهور في أن الآية منسوخة، وأن ناسخها آيات المواريث، أما القول بإحكامها، فتكلُّف ومشي في غير سبيل؛ لأن الوالدين - وقد جاء ذكرهما في الآية - لا يُحرَمان من الميراث بحال، ثم إن أدلة السنة متوافرة على عدم جواز الوصية لوارث، محافظة على كتلة الوارثين أن تتفتَّت، وحماية للرحم من القطعية التي نرى آثارها السيئة بين مَن زيَّن الشيطان لمورثهم أن يزرع لهم شجرة الضَّغِينة قبل موته، بمفاضلته بينهم في الميراث عن طريق الوصية.

 

وأما القول بأن الناسخ السُّنة، فيدفعه أن هذا الحديث آحادي، والآحادي ظني، والظني لا يقوى على نسخ القطعي وهو الآية، وأما القول بأن الناسخ هو الإجماع فيدفعه ما بينَّاه من عدم جواز نسخ الإجماع والنسخ به، نعم إن نسخ آية الوصية بآيات المواريث فيه شيء من الخفاء والاحتمال، ولكن السنة النبوية أزالتِ الخفاء، ورفعت الاحتمال؛ حين أفادتْ أنها ناسخة؛ إذ قال بعد نزول آية المواريث: ((إن اللهَ أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث))، وفي هذا المعنى ينقلُ عن الشافعي ما خلاصته: "إن الله -تعالى- أنزل آية الوصية، وأنزل آية المواريث؛ فاحتمل أن تكون الوصيةُ باقيةً مع المواريث، واحتمل أن تكون المواريث ناسخة للوصية، وقد طلب العلماء ما يرجح أحد الاحتمالين؛ فوجدوه في سنة رسول الله: ((لا وصية لوارث))، وهذا الخبر، وإن كان آحاديًّا لا يقوى على نسخ الآية؛ فإنه لا يضعف عن بيانها وترجيح احتمال النسخ على احتمال عدمه فيها.

 

هذا ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الشعبي والنخعي ذهبا إلى عدمِ نسخ آية الوصية؛ مستندين إلى أن حكمها هو الندب لا الوجوب، فلا تعارضَ بينها وبين آية المواريث، كما لا تعارضَ بينها وبين حديث: ((لا وصية لوارث))؛ لأن معناه: لا وصية واجبة، وهو لا ينافي ندب الوصية، وحيث لا تعارض؛ فلا نسخ، ولكن هذا الرأي سقيمٌ فيما نفهم؛ لأنه خلاف الظاهر المتبادر من لفظ: ﴿ كُتِبَ ﴾ المعروف في معنى الفرضية، ومن لفظ: ﴿ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ المعروف في معنى الإلزام، ومن شواهد السنة الناهية عن الوصية لوارث.

 

وقال السيوطي في الدر المنثور (ج1 ص 422 - 425/ الدر المنثور لعبدالرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي - نشر دار الفكر ببيروت سنة 1993):

"روى ابن المنذر، والحاكم وصحَّحه، والبيهقي في سننه، عن محمد بن سيرين قال: خطب ابن عباس فقرأ سورة البقرة فبيَّن ما فيها حتى مرَّ على هذه الآية: ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [البقرة: 180]؛ فقال: نُسخت هذه الآية.

 

وأخرج أبو داود والنحاس معًا في الناسخ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في الوصية للوالدين والأقربين قال: كان ولدُ الرجل يَرِثُونه، وللوالدين الوصية؛ فنسختها: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ﴾ [النساء: 7].

 

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان لا يرثُ مع الوالدين غيرُهما إلا وصية الأقربين؛ فأنزل اللهُ آيةَ الميراث؛ فبيَّن ميراث الوالدين، وأقرَّ وصية الأقربين في ثلث مال الميت.

 

وأخرج أبو داود في سننه وناسخه، والبيهقي عن ابن عباس في قوله: ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [البقرة: 180]؛ قال: فكانت الوصية لذلك حين نسختْها آية الميراث.

 

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: نسخ مَن يرث، ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون.

 

وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي عن ابن عمر أنه سئل عن هذه الآية: ﴿الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [البقرة: 180]؛ قال: نسختْها آية الميراث.

 

وأخرج ابن جرير عن قتادة عن شريح في الآية قال: كان الرجل يُوصِي بماله كله، حتى نزلتْ آية الميراث.

 

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في الآية قال: كان الميراث للولد، والوصية للوالدين والأقربين؛ فهي منسوخة.

 

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: الخير المالُ، كان يقال: ألف فما فوق ذلك؛ فأمر أن يوصي للوالدين والأقربين، ثم نسخ الوالدين، وألحق لكلِّ ذي ميراث نصيبَه منها، وليست لهم منه وصية؛ فصارت الوصيةُ لِمَن لا يرث من قريب أو غير قريب.

 

وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه عن عمرو بن خارجة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطبهم على راحلته، فقال: ((إن الله قد قسم لكل إنسان نصيبَه من الميراث، فلا تجوز لوارثٍ وصيةٌ)).

 

وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والبيهقي في سننه عن أبي أمامة الباهلي: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حَجَّة الوداع في خطبته يقول: ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث)).

 

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وصية لوارث أن تجيزه الورثة)).

 

قال الشوكاني في فتح القدير (ج1 ص 178 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير لمحمد بن علي الشوكاني - دار الفكر - بيروت):

"اختلف أهلُ العلم في هذه الآية، هل هي محكمة أو منسوخة؟ فذهب جماعة إلى أنها محكمة، قالوا: وهي وإن كانتْ عامة؛ فمعناها الخصوص، والمراد بها من الوالدين مَن لا يرث - كالأبوين الكافرين، ومن هو في الرقِّ - ومن الأقربين مَن عدا الورثة منهم، قال ابن المنذر: أجمع كل مَن نحفظُ عنه من أهل العلم على أن الوصيةَ للوالدين اللذين لا يرثان والأقرباء الذين لا يرثون جائزةٌ، وقال كثير مِن أهل العلم: إنها منسوخةٌ بآية المواريث، مع قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وصية لوارث))، وهو حديث صحَّحه بعض أهل الحديث، وروي من غير وجه.

 

قال البغوي في تفسيره (ج1 ص146 - معالم التنزيل للحسين بن مسعود الفراء البغوي - نشر دار المعرفة ببيروت/ سنة 1407- 1987/ الطبعة الثانية بتحقيق خالد العك ومروان سوار):

"قوله -تعالى-: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ ﴾؛ أي: فُرِض عليكم، ﴿ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ﴾؛ أي: جاء أسبابُ الموت وآثارُه من العلل والأمراض، ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ﴾؛ أي: مالاً، نظيره قوله -تعالى-:

﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ ﴾ [البقرة: 272]، الوصية للوالدين والأقربين، كانتِ الوصيةُ فريضةً في ابتداء الإسلام للوالدين والأقربين على مَن مات وله مال، ثم نُسِخت بآية الميراث.

 

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن مخمش الزيادي، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر، أخبرنا محمد بن أحمد بن الوليد، أخبرنا الهيثم بن جميل، أخبرنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبدالرحمن بن غُنم، عن عمرو بن خارجة، قال: كنتُ آخذًا بزمام ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه، فلا وصية لوارث)).

 

فذهب جماعةٌ إلى أن وجوبَها صار منسوخًا في حق الأقارب الذين يرثون، وبقي وجوبها في حق الذين لا يرثون من الوالدين والأقارب؛ وهو قول ابن عباس، وطاوس، وقتادة، والحسن، قال طاوس: "مَن أوصى لقومٍ سمَّاهم، وترك ذوي قرابته محتاجين؛ انتزعتْ منهم، وردَّت إلى ذوي قرابته"، وذهب الأكثرون إلى أن الوجوب صار منسوخًا في حق الكافة، وهي مستحبَّة في حق الذين لا يرثون.

 

أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا طاهر بن أحمد، أخبرنا إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما حق امرئ مسلم له شيءٌ يوصي فيه، يبيت ليلتينِ إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه)).

 

قوله -تعالى-: ﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ يريد: يوصي بالمعروف، ولا يزيد على الثلث، ولا يوصي للغني ويدع الفقير، قال ابن مسعود: "الوصية للأخلِّ فالأخلِّ"؛ أي: الأحوج فالأحوج.

 

أخبرنا أحمد بن عبدالله الصالحي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الخيري، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن رُحَيم الشيباني، أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غَرْزَة، أخبرنا عبيدالله بن موسى وأبو نعيم، عن سفيان الثوري، عن سعيد بن إبراهيم، عن عامر بن سعيد، عن سعد بن مالك، قال: جاءني النبي -صلى الله عليه وسلم- يعودني فقلت: يا رسول الله، أوصِي بمالي كله؟ قال: ((لا))، قلت: فالشطر، قال: ((لا))، قلتُ: فالثلث، قال: ((الثلث، والثلث كثيرٌ، إنك أن تَدَعَ ورثتَك أغنياء خيرٌ من أن تَدَعَهم عالةً يتكفَّفون الناس بأيديهم))؛ فقوله: ((يتكفَّفون الناس))؛ أي: يسألون الناس الصدقة بأكفِّهم.

 

وعن ابن أبي مليكة أن رجلاً قال لعائشة - رضي الله عنها - إني أريد أن أوصي، قالت: كم مالك؟ قال: ثلاثة آلاف، قالت: كم عيالك؟ قال: أربعة، قالت: إنما قال الله: ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ﴾، وإن هذا شيء يسير؛ فاتركه لعيالك.

 

وقال علي - رضي الله عنه -: "لأن أوصي بالخُمس أحبُّ إليَّ مِن أن أوصي بالربع؛ ولأن أوصي بالربع أحبُّ إليَّ من أن أوصي بالثلث".

 

وقال الحسن البصري - رضي الله عنه -: "يوصي بالسدس، أو الخمس، أو الربع"، وقال الشعبي: إنما كانوا يوصون بالخمس أو الربع.

 

قال صاحب زاد المسير (ج1 ص 182 - زاد المسير في علم التفسير لعبدالرحمن بن علي بن محمد الجوزي - نشر المكتب الإسلامي ببيروت - سنة 1404 - الطبعة الثالثة):

قوله -تعالى-: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ﴾ [البقرة: 180]؛ قال الزجاج: المعنى: (وكتب عليكم)، إلا أن الكلام إذا طال استغنى عن العطف بالواو، وعلم أن معناه معنى الواو، وليس المراد: (كتب عليكم أن يوصي أحدكم عند الموت)؛ لأنه في شغل حينئذٍ، وإنما المعنى: (كتب عليكم) أن توصوا وأنتم قادرون على الوصية، فيقول الرجل: إذا أنا متُّ؛ فلفلان كذا، فأما الخير ها هنا فهو المال في قول الجماعة، وفي مقدار المال الذي تقع هذه الوصية فيه ستة أقوال:

أحدها: أنه ألف درهم فصاعدًا؛ روي عن علي، وقتادة.

 

والثاني: أنه سبعمائة درهم فما فوقها؛ رواه طاوس عن ابن عباس.

 

والثالث: ستون دينار فما فوقها؛ رواه عكرمة عن ابن عباس.

 

والرابع: أنه المال الكثير الفاضل عن نفقة العيال؛ قالت عائشة لرجل سألها: إني أريد الوصية، فقالت: كم مالك؟ قال: ثلاثة آلاف، قالت: كم عيالك؟ قال: أربعة، قالت: هذا شيء يسير، فَدَعْهُ لعيالك.

 

والخامس: أنه من ألف درهم إلى خمسمائة؛ قاله إبراهيم النخعي.

والسادس أنه القليل والكثير؛ رواه معمر عن الزهري.

 

فأما المعروف، فهو الذي لا حيف فيه.

 

فصل: وهل كانت الوصية ندبًا أو واجبة؛ فيه قولان:

أحدهما: أنها كانتْ ندبًا.

والثاني: أنها كانتْ فرضًا، وهو أصح؛ لقوله -تعالى-: ﴿ كُتِبَ ﴾؛ ومعناه: فُرِض، قال ابن عمر: نُسِخت هذه الآية بآية الميراث، وقال ابن عباس: نسختْها: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ﴾ [النساء: 7]، والعلماء متَّفقون على نسخ الوصية للوالدين والأقربين الذين يرثون، وهم مختلفون في الأقربين الذين لا يرثون، هل تجب الوصية لهم؟ على قولين، أصحهما: أنها لا تجب لأحد.

 

قال الواحدي في تفسيره (ج1 ص 148 - الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لعليِّ بن أحمد الواحدي أبي الحسن - نشر دار القلم - الدار الشامية/ دمشق - بيروت - الطبعة الأولى بتحقيق صفوان عدنان داوودي):

"﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ ﴾ الآيةَ، كان أهل الجاهلية يُوصُون بمالِهم للبُعَداء رياءً وسمعة، ويتركون أقاربهم فقراء؛ فأنزل الله -تعالى- هذه الآية: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ ﴾؛ فرض عليكم وأوجب إذا حضر أحدكم الموت؛ أي: أسبابه ومقدماته، ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ﴾ مالاً، ﴿ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾؛ يعني: لا يزيد على الثلث، ﴿ حَقًّا ﴾؛ أي: حق ذلك حقًّا ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ الذين يتقون الشرك، وهذه الآية منسوخةٌ بآية المواريث، ولا تجب الوصية على أحد، ولا تجوز الوصية للوارث.

 

وفي الوسيط في تفسير القرآن المجيد (ج1 ص 259 - الوسيط في تفسير القرآن المجيد - للإمام المفسر أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي - طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالأزهر - سنة 1406 تحقيق محمد حسن أبو العزم الزفيتي):

"وكان السبب في نزول هذه الآية أن أهل الجاهلية كانوا يوصون بمالهم للبعداء رياءً وسمعة، فصرف الله -تعالى- بهذه الآية ما كان يصرف للبعداء إلى الأهل والأقرباء؛ فعمل بها ما كان العمل صلاحًا، ثم نسختْها آية المواريث في سورة النساء، وكانت الوصية للوالدين والأقربين فرضًا على مَن مات وله مال، حتى نسخ حكم الآية، ولا يجب على أحد وصية لأحد قريب ولا بعيد، وإذا أوصى، فله أن يوصي لكل مَن يشاء من الأقارب والأباعد إلا الوارث.

 

وقال صاحب ناسخ القرآن ومنسوخه (ج1 ص 21 - ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه - لهبة الله بن عبدالرحيم بن إبراهيم - نشر مؤسسة الرسالة ببيروت - سنة 1405 - الطبعة الثالثة بتحقيق د. حاتم صالح الضامن):

"فإن احتجَّ الحنفي بأن قوله -تعالى-: ﴿ وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ ﴾ [البقرة: 240]، وقوله -تعالى-: ﴿ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾؛ رفع بقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وصية لوارث))، وبأن قوله -تعالى-: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ﴾ [المائدة: 3]؛ رفع عمومُه بقوله: ((أحلَّتْ لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال))، وبأن قوله -تعالى-: ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ﴾ [النساء: 15]؛ رفع بقوله: ((الثيِّب بالثيِّب جلد مائة ورجم بالحجارة، والبِكْر بالبِكْر جلد مائة وتغريب عام))، أجاب الشافعي - رحمه الله - عن الأول بأن الوصية للوارث نسخ.

 

وقال الكرمي في الناسخ والمنسوخ (ج1 ص 36 - قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن - لمرعي بن يوسف بن أبي بكر الكرمي - نشر دار القرآن الكريم بالكويت - سنة 1400بتحقيق سامي عطا حسن):

"وأجاب عن آية الوصية بأنها نسختْ بآية المواريث، ويؤيِّده قول الإمام مالك: إن آية المواريث نَسَختْ آية الوصية للوالدين؛ فعلى هذا إنما نسخ القرآن بقرآن مثله، والسنة إنما هي مبينة للآية الناسخة، قلت: ودليل المانع قوي، وهو الحق - إن شاء الله تعالى.

 

وفي الناسخ والمنسوخ للمقري (ج1 ص 40 - الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة بن نصر المقري - نشر المكتب الإسلامي ببيروت - سنة 1404 - الطبعة الأولى بتحقيق زهير الشاويش ومحمد كنعان):

"قوله -تعالى-: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 180]، نُسِخت بالكتاب والسنة؛ فالكتاب قوله -تعالى-: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ [النساء: 11] الآيةَ، والسنة قوله - عليه السلام -: ((ألا لا وصية لوارث))".

 

وفي تفسير الجلالين (ص 37 - تفسير الجلالين بهامش المصحف الشريف بالرسم العثماني - طبعة دار المعرفة ببيروت - توزيع دار الحديث بالقاهرة - مراجعة مروان سوار):

"في قوله -تعالى-: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ... ﴾ الآيةَ، وهذا منسوخٌ بآية الميراث، وبحديث: ((لا وصية لوارث))؛ رواه الترمذي".

 

وقال السيوطي في الإتقان (ج3 ص 65 - الإتقان في علوم القرآن للحافظ جلال الدين عبدالرحمن السيوطي - تحقيق محمد أبو الفضل - مكتبة دار التراث القاهرة):

"قوله -تعالى-: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ... ﴾ الآيةَ، منسوخة، قيل: بآية المواريث، وقيل بحديث: ((لا وصية لوارث))، وقيل: بالإجماع؛ حكاه ابن العربي".

 

وفي البرهان في علوم القرآن (ج2 ص 31 - البرهان في علوم القرآن لمحمد بن بهادر بن عبدالله الزركشي أبي عبدالله - دار المعرفة - بيروت - 1391 - بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم):

"وقيل: بل إحداهما تنسخ الأخرى، ثم اختلفوا، فقيل: الآيتان إذا أوجبتا حكمين مختلفين، وكانت إحداهما متقدِّمةً الأخرى؛ فالمتأخِّرة ناسخة للأولى؛ كقوله -تعالى-: ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [البقرة: 180]، ثم قال بعد ذلك: ﴿ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ﴾ [النساء: 11]، وقال: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ﴾ [النساء: 11]؛ قالوا: فهذه ناسخة للأولى، ولا يجوز أن يكون لهما الوصية والميراث، وقيل: بل ذلك جائز، وليس فيهما ناسخ ولا منسوخ، وإنما نسخ الوصية للوارث بقوله - عليه السلام -: ((لا وصية لوارث))".

 

وفي أحكام القرآن للشافعي (ج1 ص 149 - أحكام القرآن للشافعي - دار الكتب العلمية - بيروت - سنة 1400 بتحقيق عبدالغني عبدالخالق):

"أنا أبو سعيد محمد بن موسى، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع قال: قال الشافعي: قال الله - عز وجل -: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 180]؛ قال: فكان فرضًا في كتاب الله - عز وجل - على مَن ترك خيرًا - والخير المال - أن يوصي لوالديه وأقربيه، وزعم بعض أهل العلم بالقرآن أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة.

 

واختلفوا في الأقربين غير الوارثين، فأكثر مَن لقيت من أهل العلم وممن حفظتُ عنه قال: الوصايا منسوخة؛ لأنه إنما أمر بها إذا كانت إنما يورث بها، فلما قسم الله الميراث كانتْ تطوعًا، وهذا إن شاء الله كله كما قالوا.

 

واحتج الشافعي - رحمه الله - في عدم جواز الوصية للوارث بآية الميراث، وبما رُوِي عن النبي من قوله: ((لا وصية لوارث))، واحتج في جواز الوصية لغير ذي الرحم بحديث عمران بن الحصين: أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له، ليس له مال غيرهم؛ فجزأهم النبي ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين، وأَرَقَّ أربعة.

 

ثم قال: والمُعتِق عربي، وإنما كانت العرب تملك مَن لا قرابة بينها وبينه، فلو لم تَجُزِ الوصية إلا لذي قرابة؛ لم تَجُزْ للمملوكين، وقد أجازها لهم رسول الله".

 

وفي نواسخ القرآن (ج1 ص 58 - نواسخ القرآن لأبي الفرج ابن الجوزي - دار الكتب العلمية - بيروت - 1405 - الطبعة الأولى):

"قوله -تعالى-: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 180]؛ اختلف المفسِّرون في هذه الوصية، هل كانت واجبة أم لا؟ على قولين:

الأول: أنها كانتْ ندبًا لا واجبة، وهذا مذهب جماعة، منهم: الشعبي والنخعي، واستدلوا بقوله: ﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾؛ قالوا: المعروف لا يقتضي الإيجاب، وبقوله: ﴿ عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾، والواجب لا يختص به المتَّقُون.

 

والثاني: أنها كانت فرضًا، ثم نسخت، وهو قول جمهور المفسرين، واستدلوا بقوله: ﴿ كُتِبَ ﴾، وهو بمعنى فُرِض؛ كقوله -تعالى-: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ [البقرة: 183]، وقد نصَّ أحمد - في رواية الفضل بن زياد - على نسخ هذه الآية؛ فقال: الوصية للوالدين منسوخة، وأجاب أربابُ هذا القول أهلَ القول الأول، فقالوا: ذكر المعروف لا يمنع الوجوب؛ لأن المعروف بمعنى العدل الذي لا شطط فيه ولا تقصير؛ كقوله -تعالى-: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233]، ولا خلافَ في وجوب هذا الرزق والكسوة؛ فذِكْر المعروف في الوصية لا يمنع وجوبها، بل يؤكده، وكذلك تخصيص الأمر بالمتقين دليلٌ على توكيده؛ لأنها إذا وجبتْ على المتقين، كان وجوبها على غيرهم أَولَى، وإنما خصهم بالذكر؛ لأن فعل ذلك من تقوى الله -تعالى- والتقوى لازمة لجميع الخلق.

 

فصل: ثم اختلف القائلون بإيجاب الوصية ونسخِها بعد ذلك في المنسوخ من الآية، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن جميع ما في الآية من إيجاب الوصية منسوخٌ، قاله ابن عباس - رضي الله عنهما.

 

أخبرنا عبدالوهاب الحافظ، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: أخبرنا ابن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كامل قال: أبنا محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي الحسين بن الحسن بن عطية قال: حدثني أبي، عن جدِّي، عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾؛ قال: نسختِ الفريضةُ التي للوالدين والأقربين الوصيةَ.

 

أخبرنا ابن ناصر قال: أبنا ابن أيوب قال: أبنا ابن شاذان قال: أبنا أبو بكر النجاد، قال: أبنا أبو داود السجستاني قال: أبنا الحسين بن محمد، وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيدالله البقال، قال: أبنا علي بن محمد بن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي، قال: حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا حجاج، قال: بنا ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ﴾ [البقرة: 180]؛ نسختها: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ ﴾ [النساء: 7] الآيةَ.

 

أخبرنا عبدالحق بن عبدالخالق بن يوسف، قال: أبنا محمد بن مرزوق، قال: أبنا أبو بكر الخطيب قال: أبنا ابن رزق، قال: أبنا أحمد بن سليمان، قال: بنا أبوداود، قال: بنا أحمد بن محمد - هو المروزي - قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾؛ فكانتِ الوصية كذلك حتى نسختْها آية الميراث.

 

أخبرنا أبو بكر العامري قال: أبنا علي بن الفضل، قال: أبنا ابن عبدالصمد، قال: أبنا ابن حموية، قال: بنا إبراهيم بن حريم، قال: بنا عبدالحميد، قال: أبنا النضر بن شميل، قال: أبنا ابن عون، عن ابن سيرين، قال: كان ابن عباس يخطب، فقرأ هذه الآية: ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾؛ فقال: هذه نسخت.

 

قال عبدالحميد: وحدثنا يحيى بن آدم، عن ابن حماد الحنفي، عن جهضم، عن عبدالله بن بدر الحنفي، قال: سمعت ابن عمر يسأل عن هذه الآية: ﴿ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ نسختْها آية المواريث.

 

قال عبدالحميد: وحدثنا يحيى بن آدم، عن محمد بن الفضل، عن أشعث عن الحسن: ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾؛ قال: نسختها آية الفرائض.

 

قال عبدالحميد: وأخبرني شبابة عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كان الميراث للولد، والوصية للوالدين والأقربين؛ فهي منسوخة، وكذلك قال سعيد بن جبير: ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ﴾؛ قال: نسخت.

 

القول الثاني: أنه نسخ منها الوصية للوالدين، أخبرنا عبدالوهاب، قال: أبنا أبو ظاهر الباقلاوي، قال: ابنا ابن شاذان، قال: أبنا عبدالرحمن بن الحسن، قال: بنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم، عن الورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ﴾؛ قال: كان الميراث للولد، والوصية للوالدين والأقربين، ثم نسخ منه الوالدين.

 

أخبرنا إسماعيل، قال: أبنا أبو الفضل البقال، قال: أبنا بن بشران، قال: إسحاق الكاذي، قال: أخبرنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا أسود بن عامر، قال: بنا إسرائيل، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: كانت الوصية للوالدين؛ فنسختها آية الميراث، وصارت الوصية للأقربين.

 

قال أحمد: وحدثنا أبو داود، عن زمعة، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: نسخت الوصية عن الوالدين، وجعلت للأقربين.

 

قال أبو داود: وحدثنا حماد بن مسلمة، عن عطاء بن أبي ميمونة، قال: سألت العلاء بن زياد ومسلم بن يسار عن الوصية، فقالا: هي للقرابة.

 

القول الثالث: أن الذي نُسخ من الآية الوصيةُ لمن يرث، ولم ينسخ الأقربون الذين لا يرثون؛ رواه عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو قول الحسن، والضحاك، وأبي العالية.

 

أخبرنا أبو بكر العامر، قال: أبنا علي بن الفضل، قال: أبنا ابن عبدالصمد، قال: أبنا عبدالله بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن حريم، قال: بنا عبدالحميد، قال: بنا مسلم بن إبراهيم، عن همام بن يحيى، عن قتادة، قال: أمر أن يوصي لوالديه وأقربيه، ثم نسخ الوالدين، وألحق لكل ذي ميراث نصيبَه منها، وليست لهم منه وصية؛ فصارت الوصية لمن لا يرث من قريب أو غير قريب.

 

أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال: أبنا أبو الفضل البقال، بنا أبو الحسن بن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا هشيم، قال: أبنا يونس، عن الحسن، قال: كانت الوصية للوالدين والأقربين؛ فنسخ ذلك، وأثبتت لهما نصيبهما في سورة النساء، وصارت الوصية للأقربين الذين لا يرثون، ونسخ من الأقربين كل وارث.

 

قال أحمد: وحدثنا عبدالوهاب، عن سعيد، عن قتادة: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ﴾ [البقرة: 180]؛ قال: أمر اللهُ أن يوصي لوالديه وأقربائه، ثم نسخ ذلك في سورة النساء؛ فألحق لهم نصيبًا معلومًا، وألحق لكلِّ ذي ميراث نصيبَه منه، وليست لهم وصية؛ فصارت الوصية لمن لا يرث من قريب أو بعيد.

 

أخبرنا أبو بكر العامري، قال: أبنا علي بن الفضل، قال: أبنا عبدالصمد، قال: أبنا ابن حموية، قال: أبنا إبراهيم، قال: بنا عبدالحميد، قال: بنا يحيى بن آدم، قال: بنا إسماعيل بن عياش، قال: بنا شرحبيل بن مسلم، قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعتُ رسول الله يقول: ((إن الله قد أعطى كلَّ ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث))".

 

وفي تفسير أبي السعود (ج1 ص 197 - إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لمحمد بن محمد العمادي أبي السعود - دار إحياء التراث العربي - بيروت):

"ومعنى ﴿ كُتِبَ ﴾ فُرِض، وكان هذا الحكم في بَدْء الإسلام، ثم نسخ عند نزول آية المواريث بقوله - عليه السلام -: ((إن الله قد أعطى كل ذي حقه، ألا لا وصية لوارث))؛ فإنه وإن كان من أخبار الآحادِ، لكن حيث تلقَّتْه الأمة بالقبول؛ انتظم في سلك المتواتر في صلاحيته للنسخ عند أئمَّتنا، على أن التحقيق أن الناسخ حقيقة هي آية المواريث، وإنما الحديث مبيِّن لجهة نسخها ببيان أنه -تعالى- كان قد كَتَب عليكم أن تؤدُّوا إلى الوالدين والأقربين حقوقَهم، بحسب استحقاقهم من غير تبيينٍ لمراتب استحقاقهم، ولا تعيين لمقادير أنصبائهم، بل فوَّض ذلك إلى آرائكم؛ حيث قال: ﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾؛ أي: بالعدل؛ فالآن قد رفع ذلك الحكم عنكم لتبيين طبقات استحقاق كل واحد منهم، وتعيين مقادير حقوقهم بالذات، وأعطى كل ذي حق منهم حقه الذي يستحقه بحكم القرابة من غير نقص ولا زيادة، ولم يدعْ ثَمَّة شيئًا فيه مدخل لرأيكم أصلاً، حسبما يعرب عنه الجملة المنفية (بلا النافية للجنس)، وتصديرها بكلمة التنبيه، إذا تحققتَ هذا ظهر لك أن ما قيل من أن آية المواريث لا تعارضه، بل تحققه وتؤكده، من حيث إنها تدل على تقديم الوصية مطلقًا، والحديث من الآحاد، وتلقِّي الأمة إياه بالقبول لا يلحقه بالمتواتر، ولعله احترز عنه مَن فسَّر الوصية بما أوصى به الله - عز وجل - من توريث الوالدين والأقربين بقوله -تعالى-: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ ﴾ [النساء: 11]، أو بإيصاء المحتضر لهم بتوفير ما أوصى به الله -تعالى- عليهم بمعزل من التحقيق.

 

وكذا ما قيل من أن الوصية للوارث كانتْ واجبة بهذه الآية من غير تعيين لأنصبائهم، فلما نزلت آية المواريث بيانًا للأنصباء؛ فُهِم منها بتنبيه النبي أن المراد هذه الوصية التي كانت واجبة، كأنه قيل: إن الله -تعالى- أوصى بنفسه تلك الوصية، ولم يفوِّضها إليكم؛ فقام الميراث مقام الوصية؛ فكان هذا معنى للنسخ، لا أن فيها دلالة على رفع ذلك الحكم؛ فإن مدلول آية الوصية حيث كان تفويضًا للأمر إلى آراء المكلَّفين على الإطلاق، وتسنى الخروج عن عُهدةِ التكليف بأداء ما أدى إليه آراؤهم بالمعروف؛ فتكون آية المواريث الناطقة بمراتب الاستحقاق وتفاصيل مقادير الحقوق، القاطعة بامتناع الزيادة والنقص؛ بقوله -تعالى-: ﴿ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ﴾ [النساء: 11] ناسخة لها، رافعة لحكمها مما لا يشتبه على أحد".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المادة الثانية من الدستور المصري بين التنظير والتطبيق

مختارات من الشبكة

  • نقد النقد الحديثي المتجه إلى أحاديث صحيح الإمام البخاري: دراسة تأصيلية لعلم (نقد النقد الحديثي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تساؤلات حول النقد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مظاهر النقد الأدبي وخصائصه في العصر الجاهلي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الوصية في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما الفرق بين أسس وسمات ومقاييس النقد؟(استشارة - الاستشارات)
  • نقد الأركونية: تفكيك منهج (نقد العقل الإسلامي) عند محمد آركون (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مصطلح نقد السرد بين النقدين الفرنسي والعربي (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • "أجمل الأيام" للرابع الابتدائي: بين النقد التعليمي والنقد اللغوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • في النقد الأدبي: ما الأدب؟ ما النقد؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • النقد من أجل النقد(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 


تعليقات الزوار
1- منقول
وليد سلام - egypt 25-03-2015 03:37 PM

"بسم الله الرحمن الرحيم"
الوصية الواجبة
هي وصية أوجبها القانون بشروط معينة لفرع من يموت في حياة احد أبويه وفرع من يموت مع احد أبويه حقيقة أو حكما وقد صدر بها القانون رقم 71 لسنة 1946 ونص عليها في مواده : 76،77،78 وتكون هذه الوصية لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات ولأولاد الأبناء من أولاد الظهور وهي نتاج عمل اجتهادي عمد إليه الكثير من الفقهاء المجتهدين والمفكرين الإسلاميين وذلك بهدف القضاء على مشكلة اجتماعية كانت تضرب بجذورها في أعماق المجتمع وتسبب الكثير من المآسي الدامية لمن مات آباؤهم أو أمهاتهم في حياة أجدادهم أو جداتهم ومن ثم كانت الوصية الواجبة بمثابة بلسم يداوي جراح هؤلاء الأيتام.
السند الشرعي لهذه الوصية الأصل عند جمهور الفقهاء أن الوصية لاتكون واجبة إلا إذا كان الإنسان مدينا بحق لله تعالى، كما لو كان عليه واجب (فرض) زكاة أو حج مثلا أو كان مدينا بدين لآدمي لايمكن أداؤه إلا عن طريق الوصية وأما ما عدا ذلك فلا تجب الوصية لا لأجنبي ولا لقريب إذ أن وجوبها قد نسخ بآيات المواريث ،أما الإمام احمد بن حنبل وابن حزم وداود الظاهري وغيرهم ، فقد ذهبوا إلى أن الوصية كانت واجبة بالنسبة للوالدين والأقارب عامة غير أن هذا الوجوب قد نسخ بالنسبة للأقارب الوارثين ولم ينسخ بالنسبة للأقارب غير الوارثين ودليلهم قوله تعالى "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين" ولم يستمر هذا الوجوب على اطلاقه بالنسبة لكل الأقارب وإنما قصر على غير الوارثين منهم أما الأقارب الوارثون فقد نسخ الوجوب بالنسبة لهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث). وللوصية شرطان :
1- ألا يكون الفرع وارثا فان كان وارثا لا يستحق شيئا من الوصية الواجبة
2- ألا يكون المورث قد أعطى هذا الفرع بغير عوض قدر نصيب أصله المتوفى في حدود الثلث فان كان قد أعطاه اقل من ذلك وجب لهذا الفرع وصية بقدر ما يكمل نصيب هذا الأصل في حدود الثلث أيضا ،هذا ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن كل قانون يضعه الإنسان لابد وان يظهر القصور والتناقض في بعض جوانبه إن لم يكن في كلها أحيانا ، وقانون الوصية الواجبة لم يسلم من التناقض في بعض جوانبه أيضا. فمثلا إذا توفي شخص عن ابن وبنت وبنت ابن توفي أبوها في حياة المورث وترك ما قيمته 54000جنيه فبنت الابن هنا محجوبة بالابن ولكن لها وصية واجبة مقدارها ثلث التركة لا مقدار نصيب أبيها المتوفى لأنها لو أخذت نصيب أبيها المتوفى لأخذت سهمين من خمسة أي أكثر من الثلث وإذا أخذت بنت الابن الثلث هنا كان مقدار ما تأخذه هو 18000جنيه فإذا خصمنا هذا المبلغ من جملة التركة كان الباقي 36000 جنيه وإذا قسمنا هذا الباقي على الابن والبنت كان للبنت 12000جنيه وكان للابن 24000 جنيه ، ومن ثم يتضح لنا أن بنت الابن هنا أخذت عن طريق الوصية الواجبة مبلغا اكبر مما أخذته البنت وهذا هو التناقض بعينه ، إذ المعهود في الشريعة أن يأخذ الأقرب درجة إلى الميت النصيب الأكبر، أما أن يأخذ الأقرب النصيب الأقل ويأخذ الأبعد درجة النصيب الأكبر فهذا ضرب من الشذوذ ويتسامى عنه شرع الله

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب