تحقيق تخريج مسألة ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع )

تحقيق تخريج مسألة ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع )

للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي

514- وسئل أبو زرعة عن حديث رواه محمد بن أبي بكر المقدمي، عن الحارث بن وجيه، عن مالك بن دينار، عن أنس بن مالك، في قوله الله عز وجل:(تتجافى جنوبهم عن المضاجع)[1]، قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون بين المغرب والعشاء. فقال أبو زرعة: هذا يروى: عن مالك بن دينار، عن سالم.

رجال الإسناد:

• محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء المقدَّمي، أبو عبدالله الثقفي (ت 234هـ).

روى عن إسماعيل بن علية، وحماد بن زيد، وابن مهدي، والقطان، وغيرهم. روى عنه البخاري، ومسلم، وأبو يعلى، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم.

وثقه ابن معين، وأبو زرعة، وابن قانع.

وقال ابن معين في رواية: صدوق. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، محله الصدق.

قال الذهبي، وابن حجر: ثقة.

انظر تهذيب الكمال 24/534، الكاشف 2/160، التهذيب 9/79، التقريب (5761).

• الحارث بن وجيه الراسبي، أبو محمد البصري، من الثامنة.ضعيف، متفق على تضعيفه. انظر تهذيب الكمال 5/304، التهذيب 2/162، التقريب (1056).

• مالك بن دينار السَّاميّ، أبو يحيى البصري الزاهد (ت 135تقريباً) روى عن أنس بن مالك، والحسن البصري، وعطاء، وعكرمة، وغيرهم. روى عنه الحارث بن وجيه، وابن أبي عروبة، وعاصم الأحول، وغيرهم.

قال النسائي: ثقة. وقال ابن سعد: ثقة قليل الحديث. وقال الدار قطني: ثقة، ولا يكاد يحدث إلا عن ثقة. وذكره  ابن حبان في الثقات.

وقال الأزدي: يعرف وينكر.

قال ابن حجر: صدوق عابد.

قلت: الذي يظهر  أنه ثقة، أما قول الأزدي فلا يلتفت إليه، لأنه كما قال الذهبي: جرح خلقاً بنفسه لم يسبقه أحد إلى التكلم فيهم، وهو المتكلم فيه. (الميزان 1/55).

والغريب من الحافظ ابن حجر اعتبار قوله في إنـزال مالك هذا عن درجة الثقة بناءً على قول الأزدي، وهو القائل فيه: لاعبرة بقول الأزدي لأنه هو ضعيف، فكيف يعتمد في تضعيف الثقات. (هدى الساري ص405).

انظر سؤالات البرقاني (497)، التهذيب 10/15، التقريب (6435).

• أنس بن مالك الأنصاري، صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسألة 502.

• سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب القرشي، أبو عبدالله المدني (ت 106هـ). ثقة ثبت عابد فاضل، أحد الفقهاء السبعة، كان يشبه بأبيه في الهدي والسمت. انظر تهذيب الكمال 10/45، السير 4/457، التهذيب 3/436، التقريب (2176).

تخريج الحديث:

روى مالك بن دينار هذا الحديث، واختلف عليه:

1- فرواه الحارث بن وجيه، عن مالك بن دينار، عن أنس.

2- وروي عن مالك بن دينار، عن سالم بن عبدالله بن عمر.

الوجه الأول:

أخرجه ابن جرير في تفسيره 21/100، من طريق يزيد بن حيان.

والثعلبي في تفسيره (ج 3ق 280/أ)، من طريق موسى بن محمد الحرشي وابن عدي في الكامل 2/612، من طريق الصلت بن مسعود.

والشجري في أماليه 1/210، من طريق أبي أزهر بن جميل.

كلهم عن الحارث بن وجيه، عن مالك بن دينار، عن أنس، نحوه.

وزاد السيوطي في الدر المنثور 6/546 نسبته إلى عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد - ولم أجده في المطبوع منه -، وإلى ابن مردويه.

وقال ابن عدي - وساق له حديثاً آخر -: وهذان الحديثان بأسانيدهما عن مالك بن دينار لا يحدث بهما عنه غير الحارث بن وجيه، وللحارث بن وجيه غير ما ذكرت من الروايات شيء يسير، ولا أعلم له رواية إلا عن مالك بن دينار.

الوجه الثاني:

روي عن مالك بن دينار، عن سالم بن عبدالله بن عمر:

ذكره أبو زرعة هنا، ولم أقف على من أخرجه، أو ذكره غيره.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أنه اختلف على مالك بن دينار في هذا الحديث:

1- فرواه الحارث بن وجيه، عن مالك بن دينار، عن أنس.

2- وروي عن مالك بن دينار، عن سالم بن عبدالله بن عمر.

وتقدم أن الحارث بن وجيه ضعيف، وقد نص ابن عدي على أنه انفرد بهذا الحديث عن مالك بن دينار. ويفهم من كلام أبي زرعة أنه قد أخطأ فيه.

وقد نص أبو زرعة على أن الصحيح هو الوجه الثاني، وهو ما كان من رواية مالك بن دينار عن سالم بن عبد الله بن عمر، لكني لم أقف على من أخرج هذا الوجه أو ذكره.

وقد روي الحديث من طرق أخرى عن أنس، كما سيأتي، لكنها من غير طريق مالك بن دينار، عن أنس.

وعلى هذا فلا أستطيع الجزم بصحة ما ذهب إليه أبو زرعة؛ لأني لم أقف على من خالف الحارث بن وجيه، ولم يذكره أبو زرعة، حتى يتضح وجه خطئه من عدمه، لاحتمال أن يكون من خالفه أضعف منه، أما قول ابن عدي بانفراده، فهذا لا يعني بالضرورة خطأه، وخاصة أنه قد ورد عن أنس من طرق أخرى، والله أعلم.

أما روايته عن أنس فقد روي عنه من طريق غير الطريق المتقدمة:

1- فقد أخرجه أبو داود 2/79، كتاب الصلاة، باب وقت قيام النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم 1321- ومن طريقه البيهقي في الكبرى 3/19-، وابن جرير 21/100. من طريق يزيد بن زريع.

وأبو داود 2/79، الموضع السابق، رقم 1322 - ومن طريقه البيهقي في الكبرى 3/19 - ورواه ابن جرير 21/100، من طريق ابن أبي عدي.

وأبو داود 2/79، الموضع السابق رقم1322 - ومن طريقه البيهقي في الكبرى3/19 - ورواه ابن جرير 21/100، 26/196، من طريق يحيى بن سعيد.

والحاكم 2/467- وعنه البيهقي في شعب الإيمان 3/133، رقم 3110-، ورواه الآجري في فضل قيام الليل، رقم 45، من طريق محمد بن عبدالله الأنصاري.

والبيهقي في الكبرى 3/19، وفي الصغرى 1/294، رقم 811، من طريق عبد الوهاب ابن عطاء.

وابن أبي شيبة 2/197، وابن جرير 21/100. من طريق محمد بن بشر [2].

وابن جرير 21/101، 100، من طريق حفص بن غياث.

والثعلبي في تفسيره (3/ق280/أ)، من طريق المسيب.

كلهم عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، نحوه[3].

وزاد السيوطي في الدر المنثور 6/546 نسبته إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن المنذر ومحمد بن نصر، وهو في مختصر قيام الليل (71).

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

وقلت: وإسناده ضعيف؛ فيه قتادة وهو مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالتحديث، أما سعيد ابن أبي عروبة وإن كان كثير التدليس، وقد اختلط، لكنه من روايته عن قتادة، وهو من أثبت الناس فيه (انظر التقريب 2365). إضافة إلى أنه من رواية يزيد بن زريع، ويحيى ابن سعيد، وعبد الوهاب بن عطاء، وغيرهم عنه، ممن روى عنه قبل اختلاطه (انظر الكواكب النيرات 190- 212). ولكن له طريقاً حسناً بمعناه سيأتي.

2- وأخرجه ابن جرير 21/101، من طريق سفيان عن رجل، عن أنس، نحوه.

3- وقد وروي تفسير آخر للآية عن أنس:

أ‌- فقد أخرجه الترمذي في سننه5/346، كتاب التفسير، سورة السجدة، رقم 3196، وفي العلل الكبير 2/891، رقم 395.

وابن جرير الطبري في تفسيره 21/101.

كلاهما عن عبدالله بن أبي زياد، عن عبد العزيز الأويسي، عن سليمان ابن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أنس، إن هذه الآية: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: 16] نـزلت في انتظار هذه الصلاة التي تدعى العتمة.

وزاد السيوطي في الدر المنثور 6/545 نسبته إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه، ومحمد بن نصر- ولم أجده في المطبوع من كتاب تعظيم قدر الصلاة، أو مختصر قيام الليل -.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وقال في العلل: سألت محمداً عنه فعرفه من حديث عبدالعزيز.

وقال ابن كثير في تفسيره 3/467: رواه ابن جرير بإسناد جيد.

قلت: إسناده حسن؛ عبدالله بن الحكم بن أبي زياد صدوق (التقريب 3280)، وبقية رجاله ثقات.

ولا منافاة بين هذا التفسير والتفسير السابق؛ فانتظارهم لصلاة العشاء لا يعني أنهم لم يكونوا يصلون في هذا الوقت، بل المتوقع منهم فعل ذلك، والله أعلم.

ب- وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير 2/344، من طريق الحكم، عن رجل، عن أنس، قال: نـزلت ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: 16] في صلاة العشاء.

وذكره أبو حاتم كما في الجرح 3/131.

وزاد السيوطي في الدر المنثور 6/545 نسبته إلى ابن مردويه.

قلت: إسناده ضعيف؛ لجهالة الحكم، والرجل المبهم، (انظر الميزان 2/342)، ثم إنه معارض بما ورد خلافه عن أنس، والله أعلم.

وبمجموع الطرق المتقدمة فلعل الحديث يرتقي إلى الصحيح لغيره عن أنس، والله أعلم.