• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

حكم الاستعانة بالجن في المباحات (6)

حكم الاستعانة بالجن في المباحات (6)
د. عبدالقادر بن محمد الغامدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/6/2012 ميلادي - 3/8/1433 هجري

الزيارات: 44342

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الاستعانة بالجن في المباحات

من أجاز الاستعانة بالجن في الرقية وعلاج المرضى،

وأدلتهم، والجواب عنها


من أجاز الاستعانة بالجن في الرقية وعلاج المرضى:

هذا القول لا أعلم قائلاً به من العلماء المتقدمين، وقال به بعض المعاصرين[1]، وهذا لا يكفي، ففي كلام كثير من الفقهاء المتأخرين كثير من البدع لا يقول بها أئمتهم وكبار أصحابهم، ولكن البعض يستدلون عليه بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية وإباحته ما أباحه من أنواع الاستعانة، ولا يظهر ذلك من كلامه، كما سيأتي بيانه إن شاء الله، بل كل من وقفت له على قول من العلماء الربانيين وغيرهم: متفقون على تحريمه، وقد نقلت أقوالهم في المباحث السابقة، ولكن ينبغي أن نفرق هنا بين هذه المسألة وبين ما أجازه أهل القول الأول.

 

ومن الفروق بين الصورتين هذه وما أجازه أصحاب القول الأول كشيخ الإسلام ومن وافقه: أن من يأمر غيره في المسألة الأولى هم الإنس، وفي هذه الصورة على عكس ذلك غالباً إما من بداية الأمر أو في المئال، فيكون الإنسي هو الذي تعلَّق قلبه بالجن رغبا في أموال الإنس أو رهبا من الجن، وهو الذي يحتاج إلى الجن وتعوَّد أو سيتعود على تلك الحاجة والأسئلة؛ وهذه من الصور التي لا يمكن معاونة الجن فيها للإنس بدون ذل الإنسي لهم، حالاً أو مئالاً، والتجارب في التاريخ من شواهد ذلك.

 

فالفرق بين الصورتين أن الذريعة إلى المحرم في العلاج والرقى ونحوه قريبة، وفي هذه الأزمان بسبب جهل الرقاة أو جلهم: قريبة جداً، وفي الصورة التي أجازها من أجازها من أهل العلم بضوابطها التي سبق ذكرها بعيدة - في رأيهم-،كالحال مع الإنسي. وبعبارة أخرى: إن إلحاق الاستعانة بالجن المتكررة في الرقى والعلاج بالاستعانة بهم على مباحات أخرى بتلك الضوابط إلحاق مع الفارق الكبير لمن خبر الأمر، وهو مظنة الفتنة والاستدراج في هذه دون الأخرى، ومن لم يكن عنده الخبرة الكافية تجده يتكلم في المسألة كلاماً بعيداً عن الصواب، ومثل هذا لا يجوز له الفتوى في المسألة.

 

وشيخ الإسلام رحمه الله جعل الاستعانة بهم كالاستعانة بالإنس، وهذا ليس على إطلاقه عند الشيخ بل بتلك الضوابط - ولا يصح عقلاً ولا نقلاً أن تكون الاستعانة بالجن كالاستعانة بالإنس من كل وجه - لذلك شيخ الإسلام يقول أحياناً: (استمتاع الإنس بالجن والجن بالإنس يشبه استمتاع الإنس بالإنس) وهو يفرق بين التشبيه والتمثيل؛ بأن التمثيل لا يطلق إلا إذا كان التشابه من كل وجه بخلاف التشبيه، ويقول: (كاستعانة الإنس بعضهم ببعض في ذلك)[2]، بل الاستعانة بالإنس على مباحات لا تجوز أحياناً إذا كانت ذريعة إلى محرم، ولا نجد من الإنس من يُعين شخصاً على الرقية إعانة مستمرة بغير مقابل، بل العلاج عموماً لا تجد من يعمل فيه من غير مرتَّب، ولا تجد اليوم من يلازم طبيباً لينال منه خبرته من غير طلب شهادة، ولا تكاد تجد عالماً تام العلم بالشريعة متفرغاً لذلك حتى يقال: لعل الجني أو الإنسي يريد الاستفادة من علمه، أو يتقرب إلى الله بخدمته [3]، بل جلهم من العامة، وهؤلاء لا يرخص لهم في ذلك، فهذا المجال لا تعاون فيه إلا بأسباب معيَّنة دون غيرها، وهي غير موجودة هنا، فتكون الاستعانة في أمور أخرى أسبابها معلومة ومتوقعة، وغالب أهل الرقى ليسوا من طلاب العلم؛ فلماذا يحرص الجن على هذا الصنف؟! ما مصلحته منهم.

 

وقد يستدل المجيزون للاستعانة بالجن وسؤالهم المتكرر في الرقى والعلاج بعدة شبه، وهي:

الشبهة الأولى: استخدام سليمان عليه السلام للجن، وهذا لا دلالة لهم فيه، فقد سبق تبيين أن هناك فرقاً بين فعل هؤلاء، وما فعله سليمان عليه السلام، يقول شيخ الإسلام – رحمه الله -: (فإنه لا يستطيع أحد أن يسخر الجن مطلقاً لطاعته ولا يستخدم أحدا منهم إلا بمعاوضة، إما عمل مذموم تحبه الجن، وإما قول تخضع له الشياطين، كالأقسام والعزائم فان كل جني فوقه من هو أعلى منه، فقد يخدمون بعض الناس طاعة لمن فوقهم، كما يخدم بعض الإنس لمن أمرهم سلطانهم بخدمته، لكتاب معه منه وهم كارهون طاعته، وقد يأخذون منه ذلك الكتاب ولا يطيعونه، وقد يقتلونه أو يمرضونه.

 

فكثير من الناس قتلته الجن، كما يصرعونهم، والصرع لأجل الزنا وتارة يقولون إنه آذاهم، إما بصب نجاسة عليهم، وإما بغير ذلك، فيصرعون صرع عقوبة وانتقام، وتارة يفعلون ذلك عبثا كما يعبث شياطين الإنس بالناس، والجن أعظم شيطنة وأقل عقلا وأكثر جهلا، والجني قد يحب الإنسي كما يحب الإنسي الإنسي، وكما يحب الرجل المرأة، والمرأة الرجل، ويغار عليه ويخدمه بأشياء، وإذا صار مع غيره فقد يعاقبه بالقتل، وغيره، كل هذا واقع ثم الذي يخدمونه تارة يسرقون له شيئا من أموال الناس، مما لم يذكر اسم الله عليه، ويأتونه إما بطعام وإما شراب وإما لباس وإما نقد وإما غير ذلك، وتارة يأتونه في المفاوز بماء عذب وطعام وغير ذلك، وليس شيء من ذلك من معجزات الأنبياء، ولا كرامات الصالحين، فإن ذلك إنما يفعلونه بسبب شرك وظلم وفاحشة، وهو لو كان مباحا لم يجز أن يفعل بهذا السبب، فكيف إذا كان في نفسه ظلما محرما، لكونه من الظلم والفواحش ونحو ذلك، وقد يخبرون بأمور غائبة مما رأوه وسمعوه ويدخلون في جوف الإنسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)[4].

 

وسليمان عليه السلام كان يستعمل الجن استعمال الملوك من غير أن يتقرب إليهم أو يذل لهم، وهذا في الحقيقة ليس استعانة بالجن مكروهة بل هو استخدام الملوك لخدمهم، وهو كأمر الأب لبنيه، فلا يقال يكره أن يأمرهم ويخدموه. وأما هؤلاء فلا يمكن للجن أن يعينوهم إعانة مطلقة بدون شرك أو كفر أو محرم، فلا يمكن ذلك بدون أن يقدم للجن شيئاً ممنوعا في الشرع، وإن كان في بداية الأمر قد لا يطلبون شيئاً استدراجاً.

 

الشبهة الثانية: من يستدل على قوله بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية، أو بشيء من أدلة المجيزين السابقة، فهذا في الحقيقة لا يسعفهم، فقد بينت أن فهمهم لتلك الأدلة غير مسلم لهم، وأنهم وضعوها في غير محلها، والشيخ لم يتعرض لمسألة الرقية والعلاج هذه في كلامه ذلك، ومما يبين ضعف هذا الاستدلال أن في نفس كلام الشيخ ما يضعف دعواهم، يبين ذلك الأمثلة التي ذكرها الشيخ وأجاز الاستعانة فيها وهي تختلف تماما عن مسألة الرقية والعلاج، بل مسألة الرقى تشبه – والله أعلم- ما منع منه من صور الاستعانة مما سيأتي ذكره.

 

ومما يبين ذلك أنه إن قال قائل: لا فرق في كلام الشيخ بين المسألتين، وحجتك الوحيدة على ذلك أن الجميع من المباحات، فيقال له: فيلزمك أن تنسب إلى الشيخ أنه يجيز: الاستعانة بهم في أن يطيروا به للحج، ويحملوه من مدينة إلى مدينة، ونحو ذلك، فكل هذه من المباحات في الأصل، فإما أن تنسب جواز كل هذا وغيره من الأمثلة التي لا تحصى إلى الشيخ بجامع أنها استعانة على مباحات، وإما أن تنسب إلى الشيخ أنه يحرم الاستعانة بهم على المباحات كلها، لعدم الفارق، فتكون قد خالفت كلامه الصريح، وإما أن تعترف أنه يفرق بين أنواع المباحات، ويدل على ذلك هذا القول النفيس له في مسألة سد الذرائع؛ يقول – رحمه الله-: (إن الله سبحانه ورسوله سدا الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها، والذريعة: ما كان وسيلة وطريقاً إلى الشيء، لكن صارت في عرف الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل محرم، ولو تجردت عن ذلك الإفضاء لم يكن فيها مفسدة، ولهذا قيل: الذريعة: الفعل الذي ظاهره أنه مباح، وهو وسيلة إلى فعل المحرم، أما إذا أفضت إلى فساد ليس هو فعلاً كإفضاء شرب الخمر إلى السكر، وإفضاء الزنا إلى اختلاط المياه، أو كان الشيء نفسه فساداً، كالقتل والظلم، فهذا ليس من هذا الباب، فإنا نعلم أنه إنما حرمت هذه الأشياء لكونها في نفسها فساداً بحيث تكون ضرراً لا منفعة فيه، أو لكونها مفضية إلى فساد بحيث تكون هي في نفسها فيها منفعة، وهي مفضية إلى ضرر أكثر منها فتحرم، فإن كان ذلك الفساد فعل محظور سميت ذريعة، وإلا سميت سبباً ومقتضياً، ونحو ذلك من الأسماء المشهورة.

 

ثم هذه الذرائع إذا كانت تفضي إلى المحرم غالباً فإنه يحرِّمها مطلقاً، وكذلك إن كانت قد تفضي وقد لا تفضي، لكن الطبع متقضٍ لإفضائها، وأما إن كانت إنما تفضي أحياناً، فإن لم يكن فيها مصلحة راجحة على هذا الإفضاء القليل وإلا حرمها أيضاً. ثم هذه الذرائع منها ما يفضي إلى المكروه بدون قصد فاعلها، ومنها ما تكون إباحتها مفضية للتوسل بها إلى المحارم، فهذا القسم الثاني يجامع الحيل بحيث قد يقترن به الاحتيال تارة، وقد لا يقترن، كما أن الحيل قد تكون بالذرائع وقد تكون بأسباب مباحة في الأصل ليست ذرائع) [5]، ومن عرف واقع الرقاة وما تفضي إليه الاستعانة بالجن، وواقع المجتمع قطع بالمفاسد الكبيرة المترتبة على ذلك. ثم إنه لا يجوز الاستدلال في الأحكام الشرعية بأقوال العلماء بل بأدلتهم، فليس أحد غير الرسول صلى الله عليه وسلم قوله حجة غير الصحابي الذي لا مخالف له، والأدلة على تحريم الاستعانة بالجن في الرقى كثيرة.

 

يقول الشيخ ابن باز - رحمه الله -: ومما ينبغي التنبيه عليه: الحذر من سؤال الجن، والاعتماد على أقوالهم، يقول: هذا سحرته أخته أو أخت زوجته أو أمه أو فلانة أو فلان. كل هذا باطل، كل هذا كذب ولا يجوز الاعتماد على ذلك، ولا يجوز للراقي سؤالهم ولا الاعتماد على قولهم؛ لأن فيهم الكذاب وفيهم المجهول وفيهم الفاسق وفيهم الكافر، فلا يجوز الاعتماد عليهم ولا سؤالهم، وإنما يرقيه، وإذا كان به جن تكلم مع الجني وعظه وذكَّره وحذره من البقاء في الإنسي، وأنَّ هذا ظلم وأنه لا يجوز له والواجب عليه الخروج، وأن يتق الله وإن كان مسلما أن يراقب الله ويحذر مغبة الظلم.

 

وأما أن يصدقه بأنه دخلت بسبب فلان وأن فلانة فعلت وفلانة فعلت أختك أو أمك أو زوجة أخيك أو جارك أو فلان، كل هذا يجب الحذر منه، وأن لا يصدق هؤلاء الكذابون من الجن. ولكن الراقي يعظهم ويذكرهم ويأمرهم بالخروج، وأنه وقع في الظلم، إذا كان مسلماً يتقي الله ولا يظلم أخاه، وإن كان غير مسلم كذلك يجب الحذر من الظلم ولأن عاقبته وخيمة، فيذكره ويحذره من البقاء في المسلم، وأن هذا ظلم يجب الحذر منه. وبكل حال الواجب على الراقين أن يتقوا الله وأن يراقبوا الله، وأن يرقوا بالآيات القرآنية والأدعية النبوية والأدعية المباحة، وأن يحذروا مما حرم الله من الأسباب المحرمة، وأن يحذروا الكذب، وتصديق الجن أو سؤالهم أو الاعتماد عليهم.كل ذلك يجب الحذر منه)[6]. وقد صدق الشيخ رحمه الله وإن كان كلامه هذا في سؤال الجن لا في الاستعانة بهم فإذا كان السؤال في باب الرقى لا يعتمد عليه فكيف بالاستعانة.

 

والمقصود أن هذا باب خطير، وجميع أدلة أصحاب القول الثاني في المسألة وهم المانعون من الاستعانة بالجن في المباحات مطلقاً هي منصبة في الواقع في الرد على أصحاب هذا القول وقد سبق ذكرها، وهي كافية ومقنعة ولله الحمد. ولهذا يجب المنع من هذا النوع من الاستعانة، فلو لم يكن إلا قاعدة "سد الذرائع" لكفى بها دليلاً هنا كافياً.

 

الشبهة الثالثة: وقد يستدلُّ من يجيز الاستعانة بالجن على الرقية والعلاج بكون بعض أهل العلم أجاز حل السحر بالسحر، فالجواب أن قول من أجاز حل السحر بالسحر قول ظاهر الضعف، بل شاذ بمرَّة ولا يظن صحته، بل الواجب لمن عرف مكان الساحر الإخبار عنه ليقام فيه حد الله، كما أن هذا فيه تشجيع للسحرة وإعطاؤهم مكانة، ويفضي إلى افتتان العوام بهم، ومفاسد لا تحصى. ومصلحة علاج بعض الناس وفك سحرهم أمام المفاسد العامة بسبب إتيان السحرة وتعظيمهم كقطرة في بحر لجي - فيما يظهر لي -، إضافة إلى أن الأحاديث التي تنهى عن إتيان السحرة مع تصديقهم أو مع غيره، وأن النشرة من عمل الشيطان عامة لا مخصص لها، وآراء العلماء لا تخصص بمجردها النصوص.

 

ثم يقال: هل المستدل بهذا على جواز الاستعانة بالجن يجيز حل السحر عند ساحر؟ فيقال: لا جامع بينها وبين هذه المسألة؛ لأن الاستعانة فيها بالساحر، وليس بالجني، وهل أحد يجيز استعانة الساحر بالجني!! ومسألتنا في حكم الاستعانة بالجن فهو قياس على غير أصل صحيح ومع الفارق الكبير!.

 

الشبهة الرابعة: وقد بلغني أن بعض المجيزين يستدلون بما جاء في قصة عائشة -رضي الله عنها- وهي ما روته عمرة بنت عبد الرحمن عنها: (أنها أعتقت جارية لها على دبر منها، ثم أن عائشة مرضت بعد ذلك ما شاء الله، فدخل عليها سنديٌّ فقال: إنك مطبوبة [7]، فقالت: من طبني؟ فقال: امرأة من نعتها كذا وكذا، وفي حجرها صبي قد بال، فقالت عائشة: ادع لي فلانة، لجارية لها تخدمها، فوجدوها في بيت جيران لها في حجرها صبي قد بال، فقالت: حتى أغسل بول الصبي، فغسلته ثم جاءت فقالت لها عائشة سحرتِني؟ قالت: نعم، فقالت: لم؟ قالت: أحببت العتق، فقالت عائشة: أحببت العتق، فوالله لا تعتقين أبداً، فأمرت عائشة ابن أخيها أن يبيعها من الأعراب ممن يسيء ملكتها ثم قالت: ابتع لي بثمنها رقبة)[8].

 

وهذا الأثر لا يصح الاستدلال به في هذا الباب لأمور منها: أن هذا الرجل المتطبب لم يُذكر في جميع الطرق أنه استعان بالجن، بل هو متطبب كما في الرواية الأخرى: (فقدم إنسانٌ المدينة يتطبب) أي: يتعاطى علم الطب[9]، وأما قوله لها: إنه سحرتها جارية في حجرها صبي ووجد كما قال؛ فلا يلزم منه أن هذا من إخبار الجن، بل قد يكون نوع من الكشف، ولذلك قال ابن عبد البر تعليقاً على هذا الأثر: (وفيه أن الغيب تدرك منه أشياء بدروب من التعليم فسبحان من علمه بلا تعلم، ومن يعلم الغيب حقيقة، لا كما يعلمه من يخطئ مرة ويصيب أخرى تخرصاً وتظنناً)، ومعلوم أن أكثر الطب فراسة، يقول ابن القيم رحمه الله: (وللأطباء فراسة معروفة من حذقهم في صناعتهم، ومن أحب الوقوف عليها فليطالع تاريخهم وأخبارهم، وقريب من نصف الطب فراسة صادقة، يقترن بها تجربة، والله سبحانه أعلم) [10] ولا يلزم منها صلاح صاحبها.

 

ومع هذا فعائشة رضي الله عنها لم تسأل الجن، وكذلك بني أخيها، إنما سألوا هذا الإنسي المتطبب، ولهذا لم يستدل أحد من العلماء بها على شيء من هذا، بل يذكرون القصة عند مسائل قتل الساحر[11]، وبيع المدبر، وصدق بعض المنامات كما فعله ابن القيم في كتاب الروح، والنشرة، ونحو ذلك. فإن قيل: يحتمل أن الجن هم من أخبره بذلك، فيقال - مع بعد هذا الاحتمال-: هذا الرجل السندي ليس بصحابي، وليس من طلاب العلم، فإن استدل بسكوت أم المؤمنين، وعدم إنكارها عليه رضي الله عنها، فهو قول صحابي لا مخالف له، ولكن هذا يحتاج إلى مقدمتين؛ الأولى: الجزم أنه استعان في ذلك بالجن، وهذا لا سبيل إلى القطع به، لطروق الاحتمالات. والثاني: إثبات أن عائشة رضي الله عنها، علمت أنه استعان بالجن، وهذا أيضاً لا يمكن الجزم به، فلا يحتج به في محل النزاع، ولولا أن هذا الاحتمال طُرق وذُكر لما تعرضت له؛ لبعده؛ لأنه لم يتعرض له أحد من أهل العلم فيما أعلم، وليس كل ما يتطرق في الأذهان يُذكر في مسائل العلم، بل تجد أن كثيراً من الاحتمالات التي يفرضها بعض المعاصرين لا يذكرها المتقدمون، وأيضاً فإن عائشة رضي الله عنها لم يكن هذا سبب شفائها بل ما أكرمها الله به من الرؤيا التي جاءت في نفس القصة.

 

الشبهة الخامسة: قد يستدل بعض من يجيز الاستعانة بالجن في الرقى والعلاج بحديث ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة، فليناد: يا عباد الله احبسوا، فإن لله عز وجل حاضراً سيحبسه) وقد سبق الكلام عن الحديث.

 

فيقال: لا حجة فيه على ما يريد المستعينون بالجن في الرقى والعلاج ولله الحمد، لكن فيه دلالة لمن يجيزون الاستعانة بالجن في المباحات التي لا تفضي إلى محرم، وأيضاً هذه حالة نادرة، مرة في العمر أو نحوها، وأيضاً ليس فيها رقية ولا علاج واستعمال لهم استعمالا متكرراً،، والمطلوب الأدلة على هذا الأخير، والناس يفرقون في الإنس بين الاستعانة بالإنسي في ضياع في سفر وبين الاستعانة به في الرقية والعلاج باستمرار، فهذه الأخيرة لا بد فيها من مقابل، وأيضا ليس الإنس هنا كالجن من وجوه كثيرة وأحمد يفرق بين الصورتين لذلك منع من الاستعانة بهم في الرقى كما سبق واستعمل الحديث في بعض سفره، والله أعلم.

 


[1]- انظر فتوى د. محمد البوطي، على الرابط:

http://www.shamela.net/vb/showthread.php?t=77662

[2]- السابق (13/89).

[3]- وإن كان هذا الفعل وهو إخراج من به مس من الشيطان من أفضل الأعمال، ويعتبر فاعله من المجاهدين الصالحين إذا أخلص ونصح، خاصة في هذه الأزمان بل هو من فروض الكفايات، ولا يلزم من ذلك تركه للعلم، بل حاجته للعلم والعلماء متكررة، فيجعل لذلك جزءا من وقته، وقد أجاب شيخ الإسلام عن مشروعية دفع الجن عن الإنس بقوله : (وأما قول السائل هل هذا مشروع، فهذا من أفضل الأعمال، وهو من أعمال الأنبياء والصالحين، فإنه ما زال الأنبياء والصالحون يدفعون الشياطين عن بني آدم بما أمر الله به ورسوله، كما كان المسيح يفعل ذلك، وكما كان نبينا يفعل ذلك) ثم ذكر أحاديث فيها إخراج النبي صلى الله عليه وسلم الجن من بعض الناس ثم قال : (ولو قدر أنه لم ينقل ذلك لكون مثله لم يقع عند الأنبياء لكون الشياطين لم تكن تقدر تفعل ذلك عند الأنبياء وفعلت ذلك عندنا ؛ فقد أمرنا الله ورسوله من نصر المظلوم والتنفيس عن المكروب ونفع المسلم بما يتناول ذلك) الفتاوى (19/56-59)، وأما التفرغ لذلك لمن يستطيعه من الصالحين، وأهل الحسبة فهو من النوازل المحتاجة إلى مزيد البحث، ويظهر لي أنه أشبه بتفرغ أهل الحسبة فبعضهم على الأسواق، وبعضهم على الشواطئ ونحو ذلك، وكتفرغ بعض المسلمين للجهاد، وهذا من الجهاد الذي تحتاجه الأمة اليوم بكثرة.

ولا بد للراقي لمن به مس أن يكون عنده من العلم والورع، وسلوك العدل ما يأمن معه من الانحراف، إما بسبب المدح أو الشهرة أو الطمع في الدنيا، أو بسبب الجهل، ولا يكون قصده مجرد كسب المال، بل نيل الثواب، يقول شيخ الإسلام : (وأما من سلك في دفع عداوتهم - أي الجن - مسلك العدل الذي أمر الله به ورسوله، فإنه لم يظلمهم بل هو مطيع لله ورسوله، في نصر المظلوم، وإغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب، بالطريق الشرعي التي ليس فيها شرك بالخالق ولا ظلم للمخلوق، ومثل هذا لا تؤذيه الجن؛ أما لمعرفتهم بأنه عادل، وإما لعجزهم عنه، وإن كان الجن من العفاريت وهو ضعيف فقد تؤذيه؛ فينبغي لمثل هذا أن يحترز بقراءة العوذ مثل: آية الكرسي والمعوذات والصلاة والدعاء ونحو ذلك مما يقوى الإيمان، ويجتنب الذنوب التي بها يسلطون عليه، فانه مجاهد في سبيل الله،وهذا من أعظم الجهاد، فليحذر أن ينصر العدو عليه بذنوبه، وإن كان الأمر فوق قدرته فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فلا يتعرض من البلاء لما لا يطيق).

[4]- النبوات (1/279)

[5]- الفتاوى الكبرى (3/156-257)

[6]- انظر: مجلة الدعوة - صفحة - 23 - باختصار - العدد 1683 من ذي القعدة 1419 هـ بواسطة الرابط التالي: http://sahab.ws/4667/news/2112.htm. وانظر: القول المعين ص130.

[7]- أي: مسحورة، انظر العين (7/407).

[8]- رواها مالك في الموطأ عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة [ في تهذيب الكمال (35/241) عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية والدة أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري وكانت في حجر عائشة وابنها محمد من رجال مسلم ] انظر : حديث مصعب (1/122)، والاستذكار (8/ 158) وهذا إسناد صحيح، ومعرفة السنن والآثار (7/525) (6077) من طريق الربيع عن الشافعي عن مالك، وأحمد في المسند (6 / 40) قال : من طريق سفيان عن يحيى عن ابن أخي عمرة ولا أدري هذا أو غيره عن عمرة (24172)، وعبد الرزاق في المصنف (10/183) من طريقين أحدهما(18749) عن مالك، والآخر(18750) عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن أبي الرجال مختصرا، وهذه أسانيد صحيحة. والحاكم (4/ 245) من طريق آخر عن محمد بن عبدالرحمن وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. والرواية عند أحمد وعبدالرزاق في الرواية الثانية والحاكم: (اشتكت عائشة فطال شكواها فقدم إنسان المدينة يتطبب فذهب بنو أخيها يسألونه عن وجعها فقال: والله إنكم تنعتون نعت امرأة مطبوبة، قال: هذه امرأة مسحورة...). ففيها أن بني أخيها هم الذين ذهبوا إلى المتطبب، وفي هذه الرواية أنه دخل على عائشة ولا تعارض بين الروايتين، ويجمع بأنهم ذهبوا إليه، ثم جاء إليها والله أعلم.وعند مالك إكمال الأثر: (فقالت عمرة: فلبثت عائشة ما شاء الله من الزمان، ثم إنها رأت في النوم: أن اغتسلي من ثلاثة آبُر يمد بعضها بعضا فإنك تشفين، قالت عمرة: فدخل على عائشة إسماعيل بن عبد الله بن أبي بكر، وعبد الرحمن بن سعد بن زرارة، فذكرت لهما عائشة الذي رأت، فانطلقوا إلى قناة فوجدوا آبر ثلاثة يمد بعضها بعضاً، فاستقوا من كل بئر منها ثلث شجب حتى ملأوا الشجب ثم أتوا به عائشة فاغتسلت فشفيت).

[9]- في لسان العرب في مادة (طبب) (1/553): المتطبب الذي يتعاطى علم الطب، وفي العين (7/407) والمتطبب الطبيب.ا.هـ

[10]- المدارج (365) منزلة الفراسة.

[11]- ويستدلون بهذه على أن عائشة رضي الله عنها لا توجب قتل الساحر إذا لم يفعل ما يقتل، خلافاً لحفصة رضي الله عنها فقد صح عنها أنها سحرتها جارية واعترفت الجارية فقتلتها، قال الإمام أحمد: صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الساحر؛ يعني عمر وحفصة وجندب رضي الله عنهم. قال ابن عبدالبر في الاستذكار (8/158): (وعند مالك في هذا الباب عن عائشة خلاف لحفصة إلا أنه رماه بآخرة من كتابه فليس عند يحيى وطائفة معه من رواة الموطأ، وأثبت حديث حفصة لأنه الذي يذهب إليه في قتل الساحر). وفي تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان ص323: (ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر إلا إن عمل في سحره ما يبلغ الكفر، وبه قال ابن المنذر وهو رواية عن أحمد والأول - وهو قتل الساحر - أولى للحديث، ولأثر عمر الذي ذكره المصنف وعمل به الناس في خلافته من غير نكير فكان إجماعاً، قال : وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال :كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر (ش) هذا الأثر رواه البخاري كما ذكره المصنف لكنه لم يذكر قتل السحرة) ولكن مع هذه الرواية عن عائشة - رضي الله عنها - لا يصح الإجماع، وإن كان الصحيح قتل الساحر ومن غير استتابة، إلا أن يقال أن هذه الجارية ذهبت للسحرة وليست هي الساحرة وهو محتمل فيصح الإجماع والله أعلم، والآثار السابقة تدل على أن دم الساحر هدر لأن حفصة وجندب رضي الله عنهما لم يستأذنا الحاكم، لكن هذا في حالة ما إذا ثبت أنه ساحر ولا بد من ثبوت ذلك عند القاضي، لئلا يقتل أحد من شاء ويدعي أنه ساحر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حكم الاستعانة بالجن في المباحات (1)
  • حكم الاستعانة بالجن في المباحات (2)
  • حكم الاستعانة بالجن في المباحات (3)
  • حكم الاستعانة بالجن في المباحات (4)
  • حكم الاستعانة بالجن في المباحات (5)
  • حكم الاستعانة بالجن في المباحات (7)

مختارات من الشبكة

  • حكم الاستعانة بالجن في المباحات (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الاستعانة بالجن في العلاج(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • إرشاد الخلان لحكم الاستعانة بالجان لمحمد زكريا النشار(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من مقتضيات التوحيد الاستعانة بالله وحده(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحريم الاستعانة بغير الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستعانة بالله عز وجل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستعانة بالوسائل التكنولوجية في ميدان التعليم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الاستعانة بالله تعالى: آثارها وثمارها(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الاستعانة في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آيات عن الاستعانة والاستعاذة بالله(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب