• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي (3)

العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي (3)
د. عباس حسني محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/3/2012 ميلادي - 3/5/1433 هجري

الزيارات: 35888

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العقد في الفقه الإسلامي

دراسة مقارنة بالقانون الوضعي تكشف تفصيلاً عن تفوق التشريع الإسلامي

 

الباب الثاني

أركان العقد[1]


الفصل الثاني:

الركن الثاني للعقد: العاقدان أو العاقد الفرد


المبحث الأول

العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي

المطلب الثالث

ولاية العاقدين

96 - تعريف الولاية:

الولاية بفتح الواو وكسرها مصدر ولي فيقال ولي الشيء إذا ملك أمره.


والولاية في اصطلاح الفقهاء هي سلطة شرعية على النفس أو على المال يترتب عليها نفاذ التصرف فيها شرعاً. و لا يكون الشخص ذا ولاية إلا إذا كان له أهلية أداء فمالك الشيء لا ولاية له في التصرف فيه إلا إذا كان له أهلية أداء كاملة، أو كان له أهلية أداء ناقصة (كالصبي المميز) وقد أذن له ولية في التصرف الدائر بين النفع والضرر كالبيع وإذا كان التصرف نافعاً نفعاً محضاً كقبول هبة فإن له التصرف بدون إذن وليه. وقد يكون الشخص متمتعاً بأهلية أداء كاملة ومع ذلك فإنه لا ولاية له في التصرف في الشيء موضوع التعاقد كمن يتصرف بالبيع في مال غيره ممن ليست له عليه ولاية وهو الفضولي.


97 - أقسام الولاية:

الولاية إما ذاتية وإما متعدية. والولاية المتعدية إما شرعية وإما مستمدة من غير الشارع - بتخويل من الشارع بطبيعة الحال - وإما عامة وإما خاصة وإما ولاية على النفس وإما ولاية على المال أو على كليهما معاً.


والولاية الذاتية هي ولاية الشخص على نفسه ما دام أهلاً للتعاقد فالذاتية لا تنفك عن أهلية الأداء أبداً.


والولاية المتعدية هي ولاية الشخص على غيره كولاية الأب والجد الصحيح وهذه ولاية مستمدة من الشارع. فهي شرعية: [بمعنى أن الشارع فوض لهما التصرف في مال الولد لوفور شفقتهما وذلك وصف ذاتي لهما فلو عزلا أنفسهما لم ينعزلا بالإجماع لأن المقتضي للولاية: الأبوة والجدودة وهي موجودة مستمرة لا يقدح العزل فيها لكن إذا امتنعا من التصرف تصرف القاضي][2].


والولاية المتعدية المستمدة من الغير فهي إما عامة وإما خاصة فالعامة كولاية الحاكم على المحكومين فهي مستمدة من بيعة الأمة وكولاية القاضي فيما له من الولاية العامة فهو ولي له وولايته مستمدة من الإمام أو الحاكم والولاية المتعدية الخاصة كولاية الوصي والوكيل وناظر الوقف فالوصي يستمد من الموصي والوكيل من الموكل وناظر الوقف من الواقف.


هذا وقد تكون الولاية المتعدية ولاية على نفس الغير فقط أو على ماله فقط أو عليهما معاً.


والولاية على النفس فقط تتنوع فمنها ولاية الحضانة للأم على طفلها ومنها ولاية ضم الصغير بعد بلوغه أقصى سن الحضانة لأقرب عاصب ليقوم بتأديبه وتعليمه والعناية بأمره وتزويجه والولاية على النفس فقط يتولاها الأقرب فالأقرب من العصبات وهذا لا يكون إلا في حالة فقدان الأب والجد الصحيح لأن ولايتهما تشملان النفس والمال معاً. وعند تعدد العصبات من درجة واحدة كالأخوة يقدم الشقيق فإذا لم يوجد عاصب مطلقاً انتقلت الولاية على النفس إلى غيرها من الأقارب وذوي الأرحام[3] وإذا لم يوجد «فالسلطان هو ولي من لا ولي له»[4] والولاية على المال فقط  تكون للوصي، وأما الولاية على النفس والمال معاً فهي ولاية قوية فللأب أن يبيع مال الصغير بقيمته أو بغبن يسير منقولاً كان أو عقاراً ولكن تصرفه لا ينفذ إذا كان مضراً بالصغير كالبيع بغبن فاحش أو إلى مفلس.


وقد اتفق الفقهاء على تقديم الأب في الولاية فإذا لم يوحد الأب فقد اختلفوا: فالحنفية[5]يجعلون الولاية على المال بعد الأب لوصيه المختار أي الذي اختاره بنفسه فإذا لم يوجد وصي مختار فتكون للجد الصحيح ثم لوصي الجد المختار ثم بعد ذلك للقاضي لأنه ولي من لا ولي له. وللقاضي أن يعين وصياً من قبله إذا كان مشغولاً. ويختلف الشافعي[6]عن الحنفية في أنه يرى أن الجد مقدم على الوصي الذي اختاره الأب لأن الجد أشفق على حفيده من وصي الأب.


ومالك وأحمد[7] لا يعتبران الجد مطلقاً في الولاية على المال ويجعلان هذه الولاية بعد الأب لوصيه ثم للقاضي أو وصيه.


98 - شروط الولاية[8]:

يشترط للولاية على الصغير وممن في حكمه أن يكون بالغاً عاقلاً حراً وأن يكون مسلماً وأن يكون أميناً فلا تثبت ولاية للصبي والمجنون والعبد وهذا أمر بدهي لأنه لا ولاية على أنفسهم فمن باب أولى لا تكون لهم ولاية على غيرهم. ولا تثبت ولاية غير المسلم على المسلم لقوله تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141]، ولا تثبت الولاية المالية لغير العدل لأنه غير أمين على الصغير[9] ويشترط جمهور الفقهاء الذكورية في الولاية وأجاز أبو حنيفة جعل الولاية للأنثى في بعض الأحوال[10].


99 - الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة[11]:

فالقاضي أو الحاكم وهو ولي عام لا يتصرف مع وجود الولي الخاص وأهليته ولو أذنت المرأة للولي الخاص أن يزوجها بغير كفء ففعل صح أما للحاكم فلا يصح منه هذا في الأصح وللولي الخاص استيفاء القصاص والعفو على الدية ومجاناً وليس للإمام العفو مجاناً وهذا عند الشافعية. وذكر الحنفية الآتي: [وللولي الخاص استيفاء القصاص والصلح والعفو مجاناً والإمام لا يملك العفو][12].


100 - ولاية الوكيل على العقد:

يعتبر الوكيل ذا ولاية صحيحة على التصرفات التي صرح له بها الموكل. ولقد سبق التشريع الإسلامي النظم الوضعية كلها (قديمها وحديثها)[13]في معرفة نظام الوكالة في أرقي صورها. فقد ابتدع التشريع الإسلامي نظام الوكالة فجعل كل عقد أو تصرف شرعي تجوز فيه الوكالة الكاملة فيجوز للمرء أن يوكل غيره في كل ما يجوز أن يتولاه من التصرفات الشرعية من عقود وغيرها ولم يستثن التشريع الإسلامي شيئاً من العقود ولا التصرفات إلا الأعمال التي يشترط الشارع أن يتولاها ذو الشأن بنفسه مثل أداء اليمين والشهادة والصلاة والصيام وغير ذلك من المسائل التي لا يجيزها الشارع إلا من الشخص نفسه.


والوكالة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ﴾ [التوبة: 60]، فجوز العمل عليها وذلك بحكم النيابة عن المستحقين وأيضاً قوله تعالى: ﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ﴾ [الكهف: 19]، وهذه وكالة، وقد ثبتت الوكالة في الصحيح من السنة المطهرة فثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل أبا هريرة بحفظ زكاة رمضان[14] وأنه استعمل رجلاً (أي وكيلاً) على خبير[15]وثبت أيضاً في الصحيح عن عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً ليشتري به أضحية[16] أي وكله في شرائها.


وأجمع العلماء على جواز الوكالة في جميع التصرفات لا يشترط فيها أن يقوم بها الشخص بنفسه: جاء في المغني لابن قدامة: [وكل من صح تصرفه في شيء بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه رجلاً أو امرأة أو عبداً مسلماً أو كافراً].

وجاء في أيضاً [وأجمعت الأمة على جواز الوكالة في الجملة][17].


والوكيل له ولاية صحيحة في إبرام العقد عن الموكل صاحب الشأن بموجب التوكيل الصادر منه، وغني عن البيان أنه يشترط في الموكل أن يكون ذا أهلية للعقد الذي يعقده وكيله عنه لأن الوكيل يستمد الولاية من الموكل فإن كان هذا لا ولاية له في إنشاء العقد بنفسه كأن يكون صغيراً أو مجنوناً فإن الذي يتولى إبرام العقود هو النائب الشرعي أو القضائي ولا يتصور الوكيل هنا. أما السفيه وذو الغفلة فهما يملكان توكيل غيرهما في كل ما يملكان التصرف فيه بأنفسهما من غير توقف على إذن القيم عليهما فيصح منهما التوكيل بالنكاح والطلاق والوقف على النفس والذرية ومن بعدهما على الفقراء والوصية بما يزيد عن الثلث ويشترط في الوكيل أن يكون عاقلاً مميزاً على الأقل واختلف الفقهاء في جواز توكيل ناقص أهلية الأداء (مثل الصبي المميز) في التصرفات الدائرة بين النفع والضرر ومن باب أولى في التصرفات الضارة ضرراً محضاً.


فقد ذهب أبو حنفية وأصحابه إلى أنه يجوز توكيل الصبي المميز غير البالغ في كافة التصرفات وهذا يتفق مع أصولهم في الحجر على الصغير المميز فهو عندهم ليس لعدم صلاحية عبارته للعقود والتصرفات بصفة عامة بل لحفظ أمواله وعجزه عن إدارتها بمقتضى صغره فضم إليه من يعينه وهو الولي  أو الوصي وهم يحتجون هنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب أم سلمه قالت: إن أوليائي غيب يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: «ليس فيهم من يكرهني» ثم قال لعمرو بن أم سلمه: «قم فزوج أمك مني» فزوجها منه صلى الله عليه وسلم ولقد قالوا: إنه كان في ذلك الوقت صبياً مميزاً لم يبلغ الحلم [18].


ولكن هذه الحجة في الحقيقة واهية في هذا المقام لأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، وجاء في تفسير هذه الآية الكريمة: [ علم الله تعالى شفقة رسول صلى الله عليه وسلم فجعله أولى بهم من أنفسهم وحكمه فيهم مقدم على اختيارهم لأنفسهم] [19]ولذلك فإن أمره إلى عمرو بن أم سلمه بتزويج أمه منه لا يعتبر - والله أعلم - دليلاً على صحة عبارة الصبي المميز.


ومن جهة أخرى فإنه ليس من المؤكد أن ابن أم سلمه كان غير بالغ في هذا الوقت، ويذهب المالكية والشافعية إلى أنه من شروط الوكيل [ أن لا يكون ممنوعاً بالشرع من تصرفاته في الشيء الذي وكل فيه ][20] وعلى هذا فالصبي المميز لا يملك أن يكون وكيلاً إلا فيما أذن له  فيه من التجارة من وليه أو وصيه وما لا يملكه لنفسه لا يملكه بصفته وكيلاً عن غيره. هذا وبناء على القول بأن عقد الصبي المميز يكون صحيحاً موقوفاً على إذن وليه أو وصيه (وهو قول الحنفية وجمهور المالكية والحنابلة) فإن توكيل الصبي المميز يكون صحيحاً موقوفاً على إذن الولي أو الوصي.


ويذهب الشافعية إلى بطلان عقود الصبي المميز وإلى بطلان توكيله وذلك هو مقتضى قاعدتهم: بأن كل شيء حجر على الصغير فيه فهو باطل إذا تولاه لنفسه أو لغيره فإن الشافعية لا يجيزون تصحيح عقد الصبي بإجازة الولي اللاحقة[21] فهم لا يقولون بالعقد الموقوف.


101 - مدى انصراف أثر العقد - الذي يبرمه الوكيل - إلى الموكل:

يتفق الفقهاء في أن حكم العقد الذي يبرمه الوكيل ينصرف إلى الموكل وليس إلى الوكيل الذي أبرم العقد بإرادته وعبارته ويختلفون بالنسبة إلى حقوق العقد[22] فيذهب الجمهور إلى أن حقوق العقد تنتقل بمجرد العقد الذي أبرمه الوكيل إلى الموكل وأما الحنفية فهم يقرون أن الحقوق تنتقل إلى الوكيل ثم يقوم الوكيل بعد ذلك بنقلها إلى الموكل، ولذلك فإن الحنفية وإن كانوا يتفقون مع الجمهور في أن حكم العقد ينتقل إلى الموكل إلا أنه لا ينتقل إلى الموكل إلا عبر ذمة الوكيل فهو عند أبي حنفية يدخل في ملك الوكيل ثم ينتقل إلى الموكل بعد ذلك ولذلك فإن الحقوق لا تنتقل إلى الموكل وإنما يقوم الوكيل باستيفائها من الغير ثم ينقلها بعد ذلك إلى الموكل، ويتفرع عن هذا أن المسلم لو وكل ذمياً في شراء خمر أو خنزير فاشتراه له لم يصح الشراء عند الجمهور وقال أبو حنيفة يصح ويقع للذمي لأن الخمر مال لهم  لأنهم يتولونها ويتبايعونها فصح توكيلهم فيها كسائر أموالهم ويستثني الحنفية حالة ما إذا كان الوكيل صبياً مميزاً غير بالغ (وهم يجيزون هذه الوكالة كما سلف البيان) فإن الحقوق تنصرف إلى الموكل مباشرة مراعاة لحالة الوكيل.


وكذلك الحال بالنسبة إلى عقد النكاح فإن الحقوق ترجع إلى الموكل ولا ترجع إلى الوكيل وهذا هو الحكم عندهم بالنسبة إلى العقود التي لا تتم إلا بالقبض كالهبة والرهن وغيرهما فهم في هذه العقود المستثناة يتفقون مع الجمهور[23].


102 - تصرف من لا ولاية له: الفضولي واختلاف الفقهاء فيه:

الفضولي في اللغة هو اسم لكل شخص يتصرف في حق لغيره بغير إذن شرعي منه كالأجنبي يبيع ملك الغير أو يزوج من ليست تحت ولايته والمعنى في الاصطلاح لا يختلف عن المعنى في اللغة.


وتصرف الفضولي موقوفة عند أبي حنيفة (في حالة البيع دون الشراء) وعند مالك وأحمد في رواية عنه بإطلاق أي أنها تنعقد صحيحة موقوفة على إجازة من له حق الإجازة إن وجد[24]وقد حكى الشافعية هذا الرأي باعتباره قولاً مرجوحاً في المذهب[25].


وعند الشافعي وأحمد في رواية أخرى وعند أبي حنفية (وفي حالة الشراء) فإن تصرفات الفضولي باطلة لا تصححها إجازة صاحب  الشأن[26].


هذا ويستدل أصحاب الرأي الأول بما يأتي:

1- ما روى في الصحيح من أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع ديناراً إلى عروة البارقي وأمره أن يشتري له شاة فاشترى له شاتين ثم باع أحدهما بدينار وجاء بدينار وشاة للرسول عليه الصلاة والسلام فقال له: «بارك الله في صفقة يمينك»[27]ولا ريب أن عروة في بيعه لإحدى الشاتين كان فضولياً وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا التصرف بل وأثنى عليه بدعائه له بالبركة.


2- يؤيد الحنفية رأيهم بأن [تصحيح عقد الفضولي - مع عدم نفاذه - فيه مصلحة للمالك وللمشتري من الفضولي من غير ضرر ولا مانع شرعي... أما تحقق ما ذكرنا فإن المالك يكفي مئونة طلب المشتري ووفور الثمن ونفاق سلعته وراحته منها ووصوله إلى البدل المحبوب ويكفي المشتري وصوله إلى حاجة نفسه بالاستيلاء على المبيع والفضولي يصون كلامه عن الإلغاء والإهدار بل يحصل له الثواب إذا نوى الخير لله تعالى وإعانة أخيه والرفق به ولما كان هذا التصرف خيراً لكل من جماعة عباد الله من غير ضرر كان الإذن في هذا العقد ثابتاً دلاله إذ كل عاقل يأذن في التصرف النافع له بلا ضرر يشينه أصلاً... فلا يقال هنا إذا ثبت الإذن دلالة ينبغي أن ينفذ العقد لأننا نقول الثابت دلالة ما لا ضرر فيه وذلك هو الانعقاد موقوفاً على إذن المالك فيثبت بهذا القدر وأما نفاذه بلا رأيه ففيه إضرار به إذ ربما لا يريد بيعه فيثبت الضرر][28].


ويستدل أصحاب الرأي الثاني (الشافعي ومن معه) بالآتي:

1- ما روى عن حكيم بن حزام قال قلت يا رسول الله: إن الرجل ليأتيني فيريد مني البيع وليس عندي ما يطلب أفأبيع منه ثم أبتاعه من السوق؟ قال «لا تبع ما ليس عندك»[29] فهذا يدل بمقتضى ما فيه من نهى عن أن يبيع الإنسان ما لا يملك لا ينعقد لأنه لا ينعقد صحيحاً تصرف صدر فيه نهى عن الشارع إذ النهي يقتضي الفساد[30].


2- ويرى الشافعي أيضاً أن الفضولي يتصرف بغير ولاية لإبرام العقد وبالتالي فإنه لا تتوافر لدية القدرة الشرعية التي تمكنه من تنفيذ أحكام العقد لأن الولاية مثل الأهلية شرط لصلاحية العبارة لإبرام العقد ولا ولاية إلا إذا كان العاقد ذا شأن في العقد بصفة مباشرة - بأن يكون هو المالك - أو بصفة غير مباشرة بأن تكون له نيابة عن صاحب الشأن بولاية أو بوكالة لأن شرط انعقاد العقد أن يكون كل عاقد قادراَ على تمكين من تعاقد معه من كل أحكام العقد المتعلقة به، فإذا لم يتوافر لدى العاقد هذه القدرة المشترطة شرعاً فإن العقد لا ينعقد ويصبح مثل بيع على معدوم أو على غير مقدور التسليم كبيع البعير الشارد، والعبد الآبق، والسمك في الماء والطير في الهواء ذلك أن الفضولي إنما هو شخص يتصرف من غير ولاية له أي بغير قدرة على تنفيذ أحكام العقد قبل الطرف الآخر[31].


103 - الترجيح بالنسبة لتصرف الفضولي:

الصواب في رأيي أن تصرف الفضولي صحيح موقوف على إجازة صاحب الشأن سواء بالبيع أو الشراء وهذا ما ذهب إليه المالكية وأحمد في رواية والشافعية في قول مرجوح وأما ما ذهب إليه أبو حنيفة من قصر صحة تصرف الفضولي على البيع دون الشراء فهو تحكم بغير دليل، والحديث الذي يحتج به الحنفية حجة عليهم لأن عروة البارقى اشترى شاتين وقد أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشتري شاة أي واحدة وهذا الحديث المروى في الصحيح حجة قوية على صحة تصرف الفضولي وهي حجة تدحض قول الشافعية ببطلان تصرف الفضولي ولا اجتهاد مع النص لأن الشافعية أسسوا رأيهم على أن القياس هو بطلان تصرف الفضولي لأن الفضولي لا ولاية له وبالتالي فإن تصرفه لا ينعقد وهذا صحيح ولكن النص يمنع القياس لأنه الأقوى وهذا يعتبر من قبيل استحسان السنة في اصطلاح الحنفية إذ ثبت من السنة ما يوجب رد القياس كما روى في السنة عن صحة الصيام مع الأكل أو الشرب ناسياً فإن القياس كان يوجب الإفطار ولكن السنة ردت هذا القياس. ولكن هناك فارقاً بين صحة تصرف الفضولي وصحة صيام من أكل أو شرب ناسياً لأن الأول من المعاملات والثاني من العبادات والأصل في العبادات الحظر والتوقيف على عكس الأصل في المعاملات فهو الإباحة ولذلك فإنه لولا حديث صحة صيام من أكل أو شرب ناسياً فما كان يجوز تصحيح هذا الصيام استحساناً بغير نص وأما في حالة تصرف الفضولي فإنه على فرض عدم وجود حديث عروة ما كان ليمتنع القول بصحة تصرف الفضولي استحساناً بشرط أن يكون موقوفاً على إجازة صاحب الشأن لأن هذا القول - مع مخالفته للقياس في نطاق المعاملات المباحة أصلاً - يحقق مصالح الشريعة ولا يتعارض معها لأن تصحيح تصرف الفضولي مع جعله موقوفاً على الإجازة يحقق تحصيل مصالح كانت ستفوت قطعاً لو أبطل تصرف الفضولي ولا ضرر على الغير من هذا لأن الأمر بيده في النهاية فإن هو وجد أن تصرف الفضولي لمصلحته غير مفيد له أو هو غير راغب فيه فهو يملك دائماً رفض هذا التصرف فيعتبر كأن لم يكن بالنسبة له. فتصحيح تصرف الفضولي بني على أصل عظيم من أصول الشريعة وهو التعاون على البر والتقوى وتقديم النفع للغير وهذا الأصل أقوى من مخالفة تصرف الفضولي للقياس الفقهي في مسألة تنتمي إلى المعاملات التي أصلها الإباحة لا الحظر فهذا باب هام من أبواب الاستحسان.


ولذلك ليس غريباً أن يرجح الشافعية بطلان تصرف الفضولي لأن الإمام الشافعي رفض الاستحسان وإن كان قد استحسن فعلاً في بعض الأحيان.


104 - حكم عقد الفضولي قبل الإجازة من صاحب الشأن:

يعتبر عقد الفضولي قبل الإجازة من صاحب الشأن عقداً موقوفاً أي صحيحاً غير نافذ لأن حكمه وحقوقه معلقة على شرط الإجازة من صاحب الشأن فهو عقد معلق على الشرط. ومما يلاحظ هنا أن الفقهاء الذين أجازوا عقد الفضالة وهم الجمهور (الحنفية والمالكية والشافعية في الرأي المرجوح والحنابلة في رواية لأحمد) يذهبون جميعاً إلى عدم جواز تعليق عقود التمليكات ولذلك فإن صحة عقد الفضولي تأتي على خلاف القياس من وجهين عند هؤلاء الفقهاء:

الوجه الأول:

هو أن من لا ولاية له لا يملك إنشاء العقد وقد صح عقد الفضولي استحساناً من هذه الوجهة.


الوجه الثاني:

أن عقد الفضولي هو عقد معلق على شرط الإجازة وهذا مخالف لأصلهم في عدم جواز تعليق التمليكات ولكن الأصح هو جواز تعليق عقود التمليكات وهذا رأي ابن تيمية وابن القيم، والحق أن الفقهاء عندما رفضوا تعليق عقود التمليكات لم يستندوا إلى نص في الكتاب والسنة الصحيحة وإنما كان مجرد صياغة فقهية تقوم على زعم أن التعليق يلحق غرراً فاحشاً بالعقد وعقود التمليك يفسدها الغرر الفاحش[32] وهذا الرأي - رغم أنه رأي الكثرة الغالبة - غير صحيح في نظري لأن التعليق في حد ذاته ليس فيه أدنى غرر إذا كانت أركان العقد قد بينت بياناً كافياً نافياً للجهالة وكل ما في الأمر أن العقد قد ينعقد وقد لا ينعقد وهذا ليس غرراً طالما أن جميع عناصر العقد قد حددت تحديداً كافياً وهذا هو الحاصل في حالتي خيار المجلس وخيار الشرط فإن العقد يتم صحيحاً في أثناء انعقاد المجلس ولكنه يكون موجوداً على خطر الزوال إذا اختار أحد العاقدين الفسخ قبل انفضاض المجلس فهو معلق على شرط استعمال الخيار وكذلك الحال بالنسبة إلى خيار الشرط، وقد أوجب الشارع خيار المجلس في عقود المعاوضات المالية كما أباح فيها خيار الشرط، وعقود المعاوضات المالية هي أشد العقود تأثراً بالغرر إن لم تكن هي الوحيدة على رأى بعض الفقهاء[33] ولا ريب أن إيجاب الشارع لخيار المجلس وإباحته لخيار الشرط لهو دليل قوي على جواز تعليق عقود التمليكات بأنواعها، ولكن الغالبية العظمى من الفقهاء يذهبون إلى أن خيار المجلس وخيار الشرط يعتبر استثناء يعمل به لورود النص به وما عداه يبقى على أصل  المنع وهذا التوجه بعيد ولا دليل عليه من النصوص الشرعية، ولذلك كله فإن الرأي الصحيح هنا - في نظري والله أعلم - هو رأي القلة الذين ذهبوا إلى جواز تعليق عقود التمليكات ومن ثم فإن صحة عقد الفضولي - على هذا الرأي - جاءت على خلاف القياس من وجه واحد فقط وهو وجه الولاية في إنشاء العقد.


ويلاحظ هنا أن القول بأن عقد الفضولي عقد معلق على الإجازة يختلف تماماً عن قولنا بأن عقد الفضولي - قبل الإجازة - غير لازم فللفضولي أن يفسخه وللعاقد الآخر له أيضاً أن يفسخه ولكن العقد غير اللازم يعتبر عقداً نافداً أي يجوز تنفيذه في أي وقت كما يجوز لكل من المتعاقدين [أو لأحدهما فقط إن كان عدم اللزوم من طرف واحد] أن يستقل بفسخ العقد من ثم فإن للمتعاقد في عقد غير لازم أن يتصرف في المعقود عليه فوراً إذا كان قد تسلمه، وهذا لا يمكن في حالة عقد الفضولي حتى لو تسلم المتعاقد الآخر المعقود عليه.


ومن جهة أخرى فإن عقد الفضولي ليس من الضروري أن يكون غير لازم بالنسبة للفضولي بل الأصل أن عقد الفضولي - منذ إبرامه يكون لازماً بالنسبة له فلا يستطيع أن يفسخ العقد قبل الإجازة من صاحب الشأن والسبب في ذلك هو تعلق حق الغير بهذا العقد، والفقه الإسلامي يحتفي بحق الغير فتنقلب العقود غير اللازمة إلى عقود لازمة إذا تعلق بها حق الغير وذلك مثل عقد الوكالة لمصلحة الغير كمن وكل غيره في أداء دين للغير فإن هذا العقد - وهو أصلاً غير لازم - ينقلب إلى عقد لازم مراعاة لحق الغير[34] فعقد الفضولي الأصل فيه أنه لازم بالنسبة له رغم عدم نفاذه فهو لا يستطيع أن يفسخه حتى يقوم صاحب الشأن بإبداء رأيه بالإجازة أو بالفسخ، وكذلك العاقد الآخر لا يستطيع أن يفسخه إلا إذا كان قد اشترط لنفسه الخيار ومن هذا يتضح أن وصف عقد الفضولي بأنه غير لازم يعتبر وصفاً غير صحيح[35].


105 - حكم عقد الفضولي بعد الإجازة من صاحب الشأن:

إذا لم يجز صاحب الشأن تصرف الفضولي فإن تصرفه يعتبر كأن لم يكن، وإذا أجازه فإن العقد يعتبر نافذاً بعد أن كان موقوفاً غير نافذ.


ولكن تثور هنا مشكلة وقت نفاذ العقد فهل يعتبر العقد نافذاً منذ إبرامه من الفضولي أي ينعطف أثر الإجازة إلى الماضي أو لا يكون لها أثر إلا من وقت حصولها فلا يوجد العقد إلا منذ تاريخ الإجازة؟


ولما كان الغالبية العظمى من الفقهاء يذهبون إلى عدم جواز تعليق عقود التمليكات فأنهم يعتبرون العقد المبرم من الفضولي نافذاً - بالإجازة - منذ تاريخ إبرام الفضولي للعقد أي ينعطف[36]أثر الإجازة إلى الماضي و لا يكون لها أثر إلا من وقت حصولها فلا يوجد العقد إلا منذ تاريخ الإجازة؟


ولما كان الغالبية العظمي من الفقهاء يذهبون إلى عدم جواز تعليق عقود التمليكات فإنهم يعتبرون العقد المبرم من الفضولي نافذاً - بالإجازة - منذ تاريخ إبرام الفضولي للعقد أي ينعطف أثر الإجازة إلى الماضي وهذا تمشياً مع رأيهم بعدم جواز تعليق هذه العقود وهم يظنون أنهم يمسحون بذلك فترة التعليق قبل الإجازة وهذا غير صحيح في الواقع لأن العقد قبل الإجازة كان معلقاً فعلاً. هذا وعلى قول الفقهاء ينقلب الفضولي بالإجازة وكيلاً منذ إبرامه للعقد.


وأما العقود التي التقبل التعليق عند الجمهور مثل العتاق والوكالة والكفالة والطلاق والإمارة فإنها تنعقد من وقت الإجازة لا من وقت العقد فلا يوجد انعطاف بالنسبة لها. وغني عن البيان أنه طبقاً لرأي ابن تيمية وابن القيم اللذان ذهبا بحق إلى جواز تعليق عقود التمليكات فطبقاً لهذا الرأي فإن هذه العقود لا تعتبر نافذة أيضاً إلا من تاريخ الإجازة فلا تنعطف بالإجازة شأنها شأن سائر العقود وهذا هو الأصح في نظري لأن القول بانعطاف هذه العقود إلى وقت إبرام الفضولي لها فيه تناقض واضح مع كونها معلقة فعلاً قبل الإجازة ومعرضة لاعتبارها لم تكن إذا لم يجزها صاحب الشأن.


106 - مدى ولاية العاقد الواحد على صيغة العقد كاملة:

سبق أن ذكرنا[37]أن التشريع الإسلامي سبق جميع الشرائع في معرفه العقد بالإرادة المنفردة وهو العقد الذي ينعقد كاملاً بموجب الإيجاب وحده دون حاجة إلى قبول.


ولكننا نبحث هنا أمراً آخر وهو أن يتولى عاقد واحد صيغة عقد ينعقد بإيجاب وقبول أي يتولى هو وحده إصدار الإيجاب وإصدار القبول أيضاً.


وهذه الولاية قد يكون سببها النيابة الشرعية أو القضائية أو الاتفاقية أي الوكالة، وهناك صورة أخرى وهي أن يكون العاقد فضولياً بالنسبة للطرفين. والأصل عند الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة هو عدم جواز تعاقد الشخص مع نفسه عن طرفي العقد واستثنوا شراء الأب مال ولده لنفسه وبيع ماله من ولده وجعل المالكية والشافعية الجد كالأب لوفور شفقتهما وخالف في الجد الإمام أحمد وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك في قول عنه وأحمد في رواية ثانية إلى جواز ذلك للموضى المعين من الأب وزاد مالك وأحمد إلى جواز ذلك في الوكيل أيضاً في شراء مال الصغير وخالف في كل ذلك زفر من الحنفية فهو يرى عدم جواز تعاقد الشخص مع نفسه في جميع الحالات بدون استثناء[38].


وذهب الحنفية والحنابلة إلى جواز ذلك في النكاح فيجوز للوكيل أن يكون وكيلاً عن الزوجين معاً وزاد الحنفية بأنه يجوز للجد أن يزوج حفيدته من حفيده وخالف زفر من الحنفية في ذلك أيضاً لأنه يرى بصفة مطلقة عدم جواز تعاقد الشخص مع نفسه. هذا ويستدل الحنفية ومن نحا نحوهم - على جواز تعاقد الشخص مع نفسه في النكاح بقوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ﴾ [النساء: 127]، فقد نزلت هذه الآية الكريمة في يتيمة في حجر وليها وهي ذات مال والخطاب هنا للولي الذي يريد أن يتزوج اليتيمة التي في ولايته ونكاح اليتيمة يكون إلى وليها فإذا كان لنفسه فهو يتولى العقد من الجانبين وسياق الآية يدل على جواز ذلك لأن الله تعالى عاتب من أراد أن ينكح اليتيمة التي في ولايته ولا يعطيها حقها وهذا العتاب لا يتصور إلا إذا أجيز للولي أن ينكح اليتيمة (تحت ولايته) نفسه بعبارته.


واستدل الحنفية أيضاً بما رواه البخاري من أن عبد الرحمن بن عوف قال لأم حكيم [أتجعلين أمرك إلي قالت: نعم قال: قد تزوجتك][39] واستدلوا بما رواه عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «أترضى أن أزوجك فلانة» قال: نعم  وقال للمرأة: «أترضين أن أزوجك فلاناً» قالت: نعم «فزوج أحدهما من صاحبه»[40].


واستدل زفر بأصول الحنفية على منع تعاقد الشخص مع نفسه بصفته وكيلاً عن الطرفين وقد علمنا أن من أصولهم أن حقوق العقد تتعلق بالوكيل فلا يجوز أن يتعلق به حكمان متضادان لتضارب مصالح طرفي العقد فلا يجوز أن يكون موجباً وقابلاً في وقت واحد[41]هذا وإذا كان العاقد الواحد فضولياً وليس وكيلاً عن الطرف الآخر كأن يكون وكيلاً عن أحد العاقدين وفضولياً بالنسبة إلى العاقد الآخر فإن أبا حنيفة ومحمد يبطلان الفضالة في هذه الحالة وبالأولى إذا كان فضولياً من الجانبين.


وذهب أبو يوسف إلى جواز الفضالة في هذه الحالة ويكون العقد موقوفاً على إجازة صاحب الشأن الذي كان العاقد فضولياً بالنسبة له أو على الطرفين إذا كان فضولياً بالنسبة لهما معاً. ويستند أبو يوسف في هذا الحكم إلى القياس على الخلع والنكاح في نظره يشبه الخلع، ولا خلاف في أن الزوج له أن يقول بغير إذن زوجه خالعت امرأتي على كذا وهي غائبة فإذا بلغها وأجازت نفذ الخلع عليها مع أنه كان فضولياً بالنسبة لها فالفقهاء إذن يتفقون على انعقاد الخلع بعبارة الزوج عن نفسه وبصفته فضولياً بالنسبة للمرأة والنكاح في نظر أبي يوسف مثل الخلع فيجوز فيه ما لا يجوز في الخلع ويستدل أبو حنيفة ومحمد بأن الأصل في العقد ألا ينعقد إلا بإيجاب وقبول - ما دام ليس من عقود الإرادة المنفردة - ولكن عبارة الشخص الواحد تقوم مقام العبارتين (الإيجاب والقبول) إذا وجد ما يدل شرعاً على أنها تقوم مقامهما هذا ولا يتأتى بإقامة الطرف الغائب مصدر العبارة مقامه بوكالة أو بولاية شرعية فإذا لم يوجد ما يدل على هذه الولاية فالعبارة الصادرة من الفضولي ليست إلا شطراً للعقد فهي لا تعدو أن تكون إيجاباً فقط والإيجاب لا ينعقد به عقد يتولاه طرفان بل يبطل بمجرد تفرق المجلس وعلى ذلك إذا كان العاقد الواحد فضولياً بالنسبة لأحد الطرفين فلا ينعقد عقد أصلاً لا نافذاً ولا موقوفاً إذ لا يجوز أن تقوم عبارة الفضول بمقام عبارتين لعدم إذن العاقد الثاني وقت صدور العبارة.


ويرى أبو حنيفة ومحمد أيضاً أنه لا يقاس النكاح على الخلع إذا تولاه الرجل في غيبة الزوجة بغير إذنها لأن الخلع في حق الرجل يعتبر يميناً فإذا خالعها في غيبتها بغير إذنها فهو يعتبر أنه قد علق طلاقها على قبولها بدل الخلع والطلاق يقبل التعليق عند الفقهاء بلا خلاف على عكس عقد النكاح فهو لا يقبل التعليق. هذا ويبدو لي أن رأي أبي يوسف أصح من رأي الإمام وصاحبه محمد ما دام الإمام يرى صحة إبرام عقد النكاح بعبارة الوكيل عن الطرفين أو أحدهما فهنا تقاس الفضاله في النكاح على الوكالة في النكاح.


ومعلوم أن الفضالة تنقلب بالإجازة إلى وكالة فما دام الإمام قد صحح النكاح بعبارة الوكيل وحده عن طرفين فما الذي يمنع من صحة النكاح بعبارة الفضولي وحده عن الطرفين أو عن نفسه وعن الطرف الثاني ما دام عقد الفضولي يعتبر موقوفاً على إجازة صاحب الشأن فإذا أجازه انقلب الفضولي إلى وكيل ولهذا فإن رأي أبي يوسف أصح من رأي الطرفين (الإمام ومحمد) وإن كان استدلال أبي يوسف بالخلع ضعيفاً في نظري والأولى الاستدلال بالنكاح ذاته الذي يبرمه الوكيل بعبارته وحدها.



[1] الركن في اللغة هو الجانب القوى الذي يمسكه وهو عند جمهور الفقهاء ما لابد منه لتصور العقد ووجوده سواء أكان جزءاً من ماهيته أم خارجاً عنها وعلى هذا فأركان العقد عند الجمهور (ما عدا الحنفية) هي العاقد ومحل العقد وصيغة العقد وأما عند الحنفية فركن العقد هو ما كان جزءاً من ماهية الشيء فقط فالركن عندهم هو صيغة العقد التي تتكون من الإيجاب والقبول أو الإيجاب وحده إذا كان العقد بالإرادة المنفردة.

[2] نقلاً عن الأشباه والنظائر للسيوطي ص 172.

[3] انظر حاشية ابن عابدين 3 / 317.

[4] من حديث مرفوع أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.

[5] بدائع الصنائع 5 / 155.

[6] روضة الطالبين 4 / 187.

[7] بداية المجتهد 2 / 13، والمغني لابن قدامة 6 / 464.

[8] يراجع في شروط الولاء البدائع 5 / 153 وما بعدها، جواهر الإكليل شرح مختصر خليل 1 / 275، 2 / 325 روضة الطالبين 7 / 62.

[9] المغني لابن قدامة 6 / 466.

[10] الاختيار شرح المختار 3 / 198.

[11] نقلاً عن الأشباه والنظائر للسيوطي ص  171.

[12] نقلاً عن الأشباه والنظائر للسيوطي لابن نجيم ص 160.

[13] لم يعرف القانون الروماني فكرة النيابة الاتفاقية (الوكالة) أو غيرها وغاية الأمر أنه سلم بأن رب الأسرة يمكن أن يصير مالكاً أو دائناً عن طريق أولاده أو رقيقه بمقتضى ما له من سلطه ومن حق ملكية على أولاده ورقيقه وما يملكون ولأن الملكية والدائنية كانت تثبت عندهم لرب الأسرة وليس للأولاد ولا الرقيق ورؤي مقابل ذلك أن يلتزم رب الأسرة بتصرفات أولاده ورقيقه طبقاً للحدود التي يقرها القانون ولم يتعد أمر النيابة في القانون الروماني هذا الحد فكان  من يوكل آخر في تولي عقد يهمه مع الغير لا تنصرف إليه آثار العقد وإنما تنصرف إلى الوكيل الذي يؤدي حساباً عن وكالته إلى الموكل وينقل بدوره آثار العقد إلى الموكل الذي لا تقوم بينه وبين الغير الذي تعاقد مع الوكيل أي علاقة مباشرة ثم تطور الأمر بعد في القانون بعد ظهور الشريعة الإسلامية بقرون عديدة فنقل القانون الوضعي عن الشريعة الإسلامية فكرة الوكالة بصورتها الراقية المعروفة الآن والتي ابتدعها التشريع الإسلامي وسنعود إلى هذا الموضوع في حينه إن شاء الله تعالى عند الكلام عن العاقد في القانون.

[14] رواه البخاري انظر التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم للشيخ منصور على ناصف 3 / 201.

[15] رواه البخاري عن أبي هريرة انظر المرجع السابق 3 / 201.

[16] البخاري في بدء الخلق.

[17] المغني لابن قدامة 5 / 72.

[18] يراجع في هذا البدائع 6 / 20.

[19] تفسير ابن كثير اختصار وتحقيق محمد على الصابوني 3 / 82.

[20] العبارة بين القوسين نقلاً عن بداية المجتهد لابن رشد 2 / 301 وفي نفس المعنى المغني لابن قدامة 5 /72.

[21] مغني المحتاج للشربيني 2 / 15.

[22] يقصد الفقهاء بحكم العقد الأثر المترتب على العقد والذي يثبت لكل من العاقدين قبل الآخر فحكم عقد البيع هو نقل ملكية المبيع إلى المشتري والثمن إلى البائع وحكم عقد الزواج هو حل البضع لكل من الزوجين وهكذا وأما حقوق العقد فهي كل ما يؤكد تنفيذ حكم العقد أي مجموع المطالبات والالتزامات المرتبطة بتنفيذ العقد مثل تسليم الشيء المبيع وقبض الثمن فالحكم في البيع يتم بمجرد تمام العقد والتسليم يكون بعد ذلك (إلا في بيع الأموال الربوية).

[23] يراجع في هذا كله حاشية ابن عابدين 7 / 288، والزيلعي 4 / 256، مواهب الجليل للحطاب 5 / 181 وما بعدها، المجموع للنووي 3/589، المغني لابن قدامة 5 /118.

[24] البدائع 5 / 148 وما بعدها، بداية المجتهد 2 / 191، المغني لابن قدامة4 / 116.

[25] المنثور في القواعد للزركشي (794 هـ) 1 / 302.

[26] مغني المحتاج للشربيني 3 / 157 - كشاف القناع للبهوتي 3 / 157 - البدائع 5 / 148 وما بعدها.

[27] رواه البخاري 6 ص 464، 465.

[28] نقلاً بتصرف عن فتح القدير 5 / 310.

[29] رواه الترمذي في البيوع باب كراهية بيع ما ليس عندك وأبو داود في الإجارة باب الرجل يبيع ما ليس عنده وقال الترمذي: حسن صحيح.

[30] يراجع في بيع الفضولي عند الشافعية شرح المنهاج للجلال المحلي 2 / 160.

[31] مغني المحتاج للشربيني 3 / 157 وما بعدها، شرح المنهاج للمحلي 2 / 160 وما بعدها.

[32] وذلك على خلاف في التفاصيل بينهم لأن منهم من رأى أن الغرر يفسد عقود التمليك بأسرها من معاوضات مالية وغير مالية وتبرعات ومنهم من ذهب بحق إلى أن الغرر لا يفسد إلا المعاوضات المالية فقط ولكن يلاحظ هنا أن هؤلاء الفقهاء رفضوا تعليق عقود التمليك بأسرها على أساس الغرر والجهالة وبصرف النظر عن اختلافهم بشأن تأثير الغرر على بعض عقود التمليك دون بعضها الآخر وسنعود إلى تفصيل هذه المسألة في موضعها من البحث إن شاء الله تعالى حين الكلام عن شروط في العقد .

[33] ذهب ابن تيمية وابن القيم وجمهور المالكية وجمهور الحنابلة إلى أن عقود المعاوضات المالية هي وحدها التي تتأثر بالغرر.

[34] انظر فتح القدير 6 / 120، حاشية ابن عابدين 5 / 536.

[35] قارن ما ذكره أستاذنا الكبير الشيخ محمد أبو زهرة من أن عقد الفضولي عقد غير لازم فللفضولي أن يفسخ وللعاقد الآخر أيضاً أن يفسخه [الملكية ونظرية العقد للشيخ محمد أبي زهرة ص 360 ].

[36] يعبر الفقهاء عن الأثر الرجعي لأمر ما بالانعطاف وهو تعبير أبلغ لأنه وجيز بالنسبة إلى تعبير القانوني [انظر المنثور في القواعد للزركشي 1 / 203 وما بعدها].

[37] يراجع بند 2 من هذا البحث.

http://www.alukah.net/Sharia/0/33239/

[38] يراجع في ذلك كله البدائع 5 / 136، 2 / 232، المغني 5 / 97 وما بعدها.

[39] رواه البخاري كتاب النكاح الباب 37.

[40] رواه أبو داود بسند صالح. انظر التاج الجامع للأصول للشيخ منصور على ناصف 2  /271.

[41] يراجع في هذا كله البدائع 2 / 232 وتبين الحقائق للزيلعي 2 / 132.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي (1)
  • العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي (2)

مختارات من الشبكة

  • من أركان عقد الصرف: العاقدان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أركان البيع .. العاقدان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منع الاتجار بالأشخاص(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مدى حرية العاقد في إنشاء العقود في الفقه الإسلامي (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مدى حرية العاقد في إنشاء العقود في الفقه الإسلامي (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مدى حرية العاقد في إنشاء العقود في الفقه الإسلامي (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مدى حرية العاقد في إنشاء العقود في الفقه الإسلامي (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فرد في جماعة (3) إدماج الفرد في المجتمع(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فرد في جماعة (2) عن مصلحة الفرد أتحدث(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من مات وعليه صوم أو حج أو اعتكاف أو نذر استحب لوليه قضاؤه(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
2- شكر
علي نجم - المغرب 12-03-2013 12:02 PM

جزاكم الله خيرا

1- شكر وطلب
علي نجم - المغرب 12-03-2013 04:12 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكر الله لكم ولفضيلة الدكتور هذه السلسلة الطيبة
ولو تكرمتم
بودي التواصل مع الدكتور

سكرتير التحرير:

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكرا لكم ولا يوجد لنا تواصل مباشر مع الدكتور عباس حسني ولا تتوفر لدينا عناوينه.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب