• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة البقرة.. الآية (87)

تفسير سورة البقرة (25)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/3/2012 ميلادي - 7/4/1433 هجري

الزيارات: 31611

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآية (87)

 

قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87].

 

يكرر الله امتنانه على بني إسرائيل بإرساله موسى وإيتائه الكتاب، موضحاً موافقهم المشينة تجاه النبوات، والحقيقة التي يجب معرفتها والاعتبار بها هي إرسال موسى إلى فرعون، موسى الذي نشأ وليداً في بيت فرعون وتربى على النعمة، والترف والدلال. كيف يقف أمام فرعون أعظم الطواغيت وأبطش الفجرة، مخاطباً له بمنطق التسفيه والتهديد؟

 

نعم لقد تربى موسى تربيتين: تربية مادية مائعة في بيت فرعون، لو بقي عليها ما صلح لحمل رسالة الله ولا للصمود أمام هذا الطاغية، ولكنه حصل على تربية ثانية روحية هيأ الله لها أسباباً جعلته يهرب من فرعون خائفاً يترقب، ويذهب إلى (مدين) فيعيش عيشة الخفض والخشونة أجيراً عند شعيب عليه السلام يرعي الأنعام، ويتلقي المفاهيم الطيبة والتربية الروحية التي صنعه الله بها على عينه عند نبيه شعيب، يمكث عشر سنين حتى إذا سار بأهله فاجأته المواهب الإلهية بعد الإعداد الذي أعده الله لها فيناديه من جانب الطور الأيمن الغربي: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14] ثم يأمره بإلقاء عصاه فيلقيها فتكون حية تسعى ثعباناً مبيناً مرعباً، ويأمره أن يأخدها بلا خوف مطمئناً له أنه سيعيدها كما كانت ليقوي رباطة جأشه، ثم يأمره بالذهاب إلى فرعون ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 24]. وفرعون بطشه معروف عتيد في ملكه، قوي في جنده عنود في كفره، ظلوم غشوم متسلط، ولكن فوق هذا سلطان الله وقوة الله وحصانة الله.

 

يقول موسى لربه: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ [القصص: 33، 34] قال: ﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ﴾ [القصص: 35]. والسلطان مشترك بين الحجه الباهرة والقوة القاهرة، وكلاهما حصلت لموسى وهارون أمام أعظم الطواغيت وأفظع الجبابرة.

 

هنالك تأتي ثمرة الدور الثاني من حياة موسى وتربيته الروحية، موسى الذي بتربيته المادية يهرب من فرعون خائفاً يترقب يعود إليه بالتربية الروحية مخاطباً له بأصرح خطاب وأبشع تهديد قائلاً: ﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ ﴾ [الإسراء: 102] يجري بينه وبين موسى حوار عظيم ينكر فيه رب العالمين ويقرعه موسى بالقوارع العظيمة ويريه الآيات الكبرى فلا يستطيع حراكاً أمام هذا التحدي، ذلك أن الله شل حركته وأبطل كيده ولم يجعله يقدر إلا على التكذيب ورمي موسى بالسحر ثم الاستعانة عليه بالسحرة.

 

انظروا أيها المسلمون كيف شل الله حركة هذا الطاغوت أمام موسى فلم يستعمل معه حتى غليظ الكلام، فضلاً عن التهديد، أين ذهب بطشه؟ اين ذهبت غطرسته؟ أين ذهبت قوته وجبروته أمام موسى وهارون؟ إنه سلطان الله الذي خسأه وأرهبه وكبته وجمده، إنها حصانة الله التي لا يغلبها غالب والتي جعلته يتسول السحرة ويخضع لهم لما قالوا: ﴿ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴾ [الأعراف: 113] - فيقول - ﴿ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [الأعراف: 114] يتنازل فرعون بسلطته وسلطانه طالباً دحض موسى على يد السحرة والمشعوذين كأنه لا يملك سوى ذلك، بل تردى إلى ما هو أسفل من ذلك حيث قال: ﴿ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾ [الشعراء: 40].

 

الذي يزعم أن ربهم الأعلى يعلن أن يتبع السحرة! فهل يصبح الرب تابعاً للمربوب؟ نعم إن هذا الطاغية القائل: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38] والقائل: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، قد أعلن على رؤوس الأشهاد استعداده لاتباع المحنطين من أراذل قومه أو مربوبيه على زعمه، انظروا معشر المسلمين إلى اضطراب هذا الطاغوت وتناقصه، وكيف شل الله حركته عن أنبيائه: موسى وهارون، ورد كيده إلى مسابقة فاشلة بينهما وبين السحرة، وهو ذو البطش والظلم الشديد، إن موقفه مع موسى وأخيه ليس موقف المختار الطاغي، لا هو موقف عكسي أرغمة الله عليه واضطره إليه، ولهذا اتجه موقفه مع السحرة - لما لآمنوا - موقف الجبار العنيد، وموقفه مع موسى موقف الخوار الرعديد، وكل هذا من حصانة الله على أنبيائه، وأهل طاعته، الداعين إليه، ودفاعه عنهم، فهذا رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ليدافع عن موسى من جهة، ويدعو قومه من جهة أخرى، كما قص الله علينا خبره في سورة المؤمن وقد حفته حصانة الله: ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ﴾ [غافر: 45] كما وقى موسى من قبل، فإن الطاغوت فرعون كان حريصاً على قتل موسى، والفتك به من أول وهلة وكان صدره يطيش بالغيظ والغضب، ولكن الله رد كيده في نحره، وجعله أضحوكة للعارفين، ولكن الجماهير التي لا عقل لها، في المحسوس والمنقول، لم تشعر بذلة فرعون أمام موسى، ولا باضطرابه وتناقضاته، ولو كان عندها إحساس ولو كإحساس الحيوان لشعرت، وكيف لا تشعر بتناقض طاغوت، يزعم أنه ربهم الأعلى وإلههم الوحيد، ثم يعلن أنه من أتباع السحرة؟ لو كان عند الجماهير عقول صحيحة لشعروا بواقع الأمر الظاهر، ولكن الجماهير من قديم الزمان لعبة للدجالين، وطمعه للأكالين، وعبيد للطواغيت، ولذا تجد أصنام اليهود، من طواغيت الشيوعية الثوريين، في عهد مزدك وما قبله وما بعده، إلى يوم القيامة، أنهم كبش الفداء، دائماً يؤخذ كل شيء باسمهم، ويقتل البريء بحجه مصالحهم، وتخرب البلاد وتفقر العباد، تحت شعارهم، وليس لهم سوى المقامع والسياط: (لندع جماهير فرعون ومن بعده) ونرجع إلى موسى، فقد كرر الله سبحانه وتعالى قصته في القرآن في أكثر من سبعة مواضع ليعتبر المؤمنون الدعاة إلى الله، وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه والصالحون من أمته، الداعون إلى الله، فلا تخيفهم أية قوة، ولا يرهبهم أي طاغوت، وقد قال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود: 120] إن في قصة إبراهيم وموسى عبراً عظيمة، ولهذا كررها الله في القرآن بضع مرات، لتنشحن قلوب الدعاة إلى الله بالقوة المعنوية التي تهزأ بالقوى المادية، مهما تضخمت، فيسيروا في طريق الله قدماً غير هيابين ولا وجلين، واثقين بأن الحصانة الإلهية التي حفت بإبراهيم وموسى ستحفهم، وأن الإله العظيم الذي لطف بهما، ودافع عنهما، سيلطف بكل سالك مسلكهما إليه، ويدافع عنه، وهو العلي العظيم، الرؤف الرحيم، سيدفع عن الدعاة كيد الطغاة حسبما اقتضته حكمته، وقد تقضي حكمة الله بتسليط بعض الطواغيت على بعض المؤمنين، ليرفع من شأنهم في الدنيا، مع رفعه درجاتهم في الآخرة كما جرى لأناس في الأولين وللشهيد (سيد قطب) في الآخرين)، فإن عدوه اختار قتله، والإساءة إلى سمعته، ولكن الله رفع شأنه وجعل له الذكر الحسن فانتشرت كتبه بعد قتله انتشاراً لا يمكن حصوله لو بقى حياً، ولكن حكمة الله البالغة، ورحمته الواسعة، اقتضت تسليط الطاغوت عليه ليعرفه من لا يعرفه، وليصلي عليه جماعات المسلمين مئات الملايين في مشارق الأرض ومغاربها، ويدعون له ويشفعون له، وتنكشف لهم حقيقة الطواغيت وخبث سريرتهم وإفكهم، في دعايتهم ولتشترى كتبه وتصانيفه وتنتشر في جميع الآفاق، وقد انتشرت بفضل الله حتى تكرر طبعها بشكل منقطع النظير، وترجمت إلى عدة لغات وانتفع بها الخلق كثير، انكشف لهم بها حقائق لم تكن لتنكشف لولا قتله، ولا يبعد أن يكون قاتله قد ندم على قتله إن كان قد أحس بأنه أحياه من حيث يقصد إماتته، والله عليم حكيم.

 

فقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ يعني: أعطيناه، و(الكتاب) هو التوراة وهو من أمهات الكتب السماوية، وقوله: ﴿ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ﴾ يعني: وأردفنا وأتبعنا بعضهم خلف بعض، كما يقفو الرجلُ الرجلَ، إذا سار في إثره من ورائه يقال: (قفوت فلاناً) إذا صار خلاف قفاه، فصار اشتقاق (قفينا) من القفا، و(الرسل) جمع رسول، وهم انبياء الله المرسلون، وفي قوله سبحانه: ﴿ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ﴾ ما يفيد أنه أتبع بعضهم بعضاً، على منهاج واحد، وشريعة واحدة، لأن كل من بعثه الله نبياً بعد موسى عليه السلام، إلى زمن عيسى، فإنما بعثه بالأمر لبني إسرائيل أن يقيموا التوراة بالعمل بما فيها، والدعوة إليه والعمل بما كان يعمله، فلهذا عبر الله بهذا التعبير، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ يعنى: آتيناه المعجزات البينات الواضحات من إحياء الموتي، وإبراء الأكمه والأبرص، ونحو ذلك من الشواهد على صدق نبوته، وزدناه بتأييدنا له بروح القدس، وهو جبريل، أو الإنجيل أو الروح الذي يحيى به الموتى، ذلك أن (الروح) مشترك يين روح الوحي وبين ملك يقال له الروح، وبين جبريل والروح التي في الإنسان وغيره، والأصح أنه جبريل، لأن الإنجيل وإن كان روحاً تحيا به القلوب، لكن ليس هو المقصود من روح القدس، بل روح القدس معنى زائد على الإنجيل. والحاصل أن اليهود يحتجون على إعراضهم عن القرآن وعدم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وعنادهم له، أن لديهم كفاية من الهداية والنبوات، وأنهم ليسوا بحاجة إلى دين جديد ووحي جديد، هكذا يحتجون بهذا الكلام ويتبجحون، ولكن الله فضحهم في هذه الآية الكريمة وأوضح سوء تصرفاتهم مع أنبيائهم المنبئة عن خبث سرائرهم، وقبح طباعهم، فأبان الله سبحانه أنه مرادف عليهم إرسال الرسل، بعد موسى عليه والسلام، كيوشع، وداود، وسليمان، وزكريا، ويحيى، وغيرهم، إلى دور عيسى الذي زوده بمعجزات باهرة قاهرة، تشهد على نبوته، فماذا كان منهم لقاء تلك النبوات؟ هل انصقلت قلوبهم؟ هل صفا وجدانهم؟ هل حسنت سريرتهم؟ هل تغيرت أحوالهم من سيئ إلى أحسن؟ أو من سيئ إلى أسوأ؟


إن الله سبحانه وتعالى يفضحهم ويبين موقفهم المشين من أولئك الأنبياء بياناً لا يقدرون على إنكاره، وهو أنه كلما جائهم رسول من رسل الله بغير الذي تهواه أنفسهم، استكبروا عليهم تجسراً وبغياً وعناداً وإصراراً على الأنانية، واتباع الأهواء استكباراً يزيد عن استكبار إمامهم إبليس، فكذبوا البعض منهم، وقتلوا البعض، فلهذا قال تعالى: ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ إذن ما فائدة إرسال الرسل إذا لم يوفروا ويطاعوا وينصروا؟ ثم ما معنى تبجحاتهم باكتفائهم بهداية أنبيائهم وهم لها رافضون؟ إن محاولة إخضاع هداية النبوات للاهواء البشرية المختلفة المتجددة، لا تكون إلا في قلوب فأسدة، قد فسدت فطرتها، فاتجهت إلى غير الله. من عبادة الأهواء والشياطين، ذلك أن الأنبياء الذين يحملون رسالة الله يجب أن يطاعوا، وأن يخضع لهم، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [النساء: 64] لا أن يخضع الدعاة وما جاءوا به من الحق للأهواء البشرية، والنزوات الأنانية فإن ما جاءت به رسل الله، يجب أن يكون هو المرجع للبشرية، وأن تتكيف به في جميع شئونها تصوراً وقولاً وعملاً، يعنى: تكون جميع تصوراتها نابعة منه، وأقوالها مستندة إليه وأفعالها مرتكزة عليه، لا أن تعكس الأمر فتكيفه على حسب الأهواء المتقلبة، وحاجات النفوس المتجددة، فإنها حينئذ تخرج به عن حقيقة الهداية التي جاءت رسل الله من أجلها.

 

ولا يمكن للإنسانية أن تهتدي بأهوائها، أو تقليد آبائها أو زعمائها وسادتها المتقلبين، بل الإنسانية لا تهتدي إلا بوحي السماء الذي لا يعرف الميل مع الهوى، فهو الميزان الثابت الذي لا يتأرجح مع الغضب والفقر والغنى والعز والذل والصحة والمرض، أما غيره من المصادر الإنسانية، فهي عماية وضلال، لأنها تنقلب وتتأرجح مع الشهوة والهوى، والغضب والرضى، والأطماع والنزوات، وسائر أغراض النفس، التي تريد إخضاع الحق للهوى، والله يقول: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ [المؤمنين: 71]، ولكن آفة بني إسرائيل منذ القدم، هي تحكيم الأنانيات والهوى والشهوات، وجعلها تتحكم في وحي الله ورسالته، ولهذا قص الله علينا معشر المسلمين، من أخبار بني إسرائيل، تمردهم على وحي الله ورسله، ليفضحهم من جهة، ويحذرنا من سلوك شيء من مسالكهم من جهة أخرى، لقد كشف الله باطلهم، وأوهى حججهم، وبين موقفهم السيئ من أنبيائهم، نعم لقد كان في بعض أوئلهم خير، حيث اتبعوا الأنبياء، وجاهدوا معهم لنشر دين الله، الإسلام، وإقامة حكمه على المتمردين منه، كما جرى من أصحاب يوشع ابن نون، والصادقين من قوم داود، ولكن خلف فيهم خلوف، صاروا مثل السوء وأئمة السوء إلى يوم القيامة، مما قضى الله بسلب الإمامة والقيادة منهم، وتسليمها لبني إسماعيل. والله سبحانه إذ يوبخهم في هذه الآية الكريمة، ويفضح أكاذيبهم فيما يزعمون، ليعلم أمة الرسالة الجديدة والتوحيد أن ليس عند هؤلاء إلا المزاعم الباطلة، وأنهم قابلوا أنبياءهم أسوا المقابلة، من التكذيب والقتل، لما بلغت قلوبهم من شديد القساوة التي وصفها أقسى من الحجر، وكما أن في هذه الآية تبكيتاً لهم وتكذيباً وفضيحة، فإن فيها تحذيراً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من سلوك ما يوجب قسوة القلب، وهو عدم الخشوع لذكر الله ووحيه، وعدم الانطباع والتأثر به، كما قال تعالى في الآية (16) من سورة الحديد: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16]، فإن هذه سنة اجتماعية في سيرة البشر المعهودة من قديم الزمان، ذلك أنهم بادئ الأمر يتعظون بالمواعظ ويحسن تدبرهم للوحي، فإذا طال عليهم الأمد أو ازداد عليهم الرغد، قست قلوبهم وذهبت منها آثار المواعظ، ففسقوا عن أمر الله، وقد عمل الله على حماية هذه الأمة المحمدية من مجموع ذلك لا من بعضه، وذلك بحفظ القرآن عن التحريف، وإقامة طائفة على الحق داعية إليه، لأن تحريف الأوائل يضر جداً بقدسية الأواخر وسيرتهم، فأصلح الله سلف هذه الأمة، وعصمها من التحريف، فلم يبق من قسوة القلوب سوى التمادي في الشهوات أو التكالب عل الحكم والأنانية الذي يحصل بسببه الاعتداء على ورثة الأنبياء، وهم الدعاة الصادقون، فأجرى الله تحذيره لهذه الأمة من تقليد اليهود في قتل الدعاة، سواء كان قتلاً حسياً بإزهاق الروح الدم، أو قتلاً معنوياً بإخراسهم وكبتهم، وفرض الرقابة على منابرهم ومؤلفاتهم، أو الجناية على ضمائرهم في شرائها بثمن، أو توظيف لتكون (نجوة) للمفرخين، فإن القتل المعنوي أفتك في المجتمع من القتل الحسي.

 

وفي قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ ملاحظة عظيمة في نظم القرآن للتفريق بين الجريمتين، جريمة التكذيب، وجريمة القتل، فقد أتى بجريمة التكذيب بصيغة الماضي (فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ ﴾، وأتى بجريمة القتل بصيغة المضارع ﴿ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ ولم يقل (وفريقاً قتلتم) وذلك لأمرين:

أحدهما: لاستحضار صوره هذه الجريمة الفظيعة في النفوس وتصويرها في القلوب وتمثيلها في المسامع وتجسيمها، حتى تبقى متمثلة في الخيالات، وإن مرت عليها القرون الطويلة، لأنها جريمة لا تتلاشى سمعتها، ولا تنفى آثارها، فجدتها لا تخلق ولا تبلى، وشخب دمها لا يزول عن الأبصار، فالتعبير القرآني يجسم صورة هذه الجريمة البشعة لتبقى كنكتة في قلوب المتأخرين إلى يوم القيامة.

 

وثانيهما: أن تعبير الله عن هذه الجريمة بصيغة المضارع (تقتلون)، لما يعلمه في سابق علمه من استمرارهم على قتل الأنبياء إذا لم يكتفوا بالجحود، وقد علموا فعلاً على قتل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث وضعوا السم في الشاة، ولكن الله عصمه مما يريدون، وأبقى حياته مدة استكمال وحيه، والمتمم لرسالته، والمتبقي لها خالدة إلى يوم القيامة، ثم توفاه وهو يتذوق ألم السم حيث قال صلى الله علية وسلم عند موته: ((ما زالت أكله خيبر تعاودني، فهذا أوان انقطاع أبهري))[1]، وهذا نص صريح أن نبينا قتيل لليهود، ولكن الله عصمه وأبقاه إلى انقطاع الوحي، فيأويح من يزعم مؤاخاة اليهود ويقول إنهم إخوان لنا في العروبة والمواطنة، وإننا لا نعادي إلا الصهاينة، من قال هذا أو يقوله فهو محاد لله ورسوله، لا يبقى معه من الإسلام حبة خردل، وكذلك من يزعم مؤاخاة أعوان اليهود، من النصارى والدروز والنصيرية، فإن الجميع منهم قد ثبتت معاونتة لليهود معاونات معنوية، وتشجيعية، وأدبية، فكثير من كنائس النصارى ضبطت أوكاراً للتجسس الإسرائيلي، كما أن معظم الدروز في طليعة جيشهم، ومعروف ما قام به ((حي القصاع)) في دمشق من إقامة الزينة، وحشد الأنوار، وإظهار الفرح، باحتلال (الجولان) والاستعداد لاستقبالهم، هذا أمر واقع مشهود، لا ينكره إلا المغالط المكابر، والكفر ملة واحدة.



[1] أخرجه البخاري معلقاً (4428) وللحديث شواهد ذكر بعضها الحافظ ابن حجر.

انظر: فتح الباري (7/ 737) وتغليق التعليق (4/ 162). وانظر: سنن أبي داود (4512).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (79 - 80)
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (81: 82)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 83 )
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (84: 85)
  • تفسير سورة البقرة.. الآية (86)
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (88: 90)
  • تفسير سورة البقرة.. الآية (91)
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (92: 98)
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (99 : 100)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 101 : 103 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 104 : 110 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 111 : 113 )

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
2- رداً على التعقيب
شمس - السعودية 04-03-2012 10:12 PM

الأخت عائشة..
موسى عليه السلام تربى في بيت الفرعون الذي لم يكن له ذرية فأرادت امرأته آسية عليها رضوان الله أن تتخذه ولداً فمما لايستغرب أن تكون له كل مميزات الابن الذي حاز المال والملك فما العجيب في أن يتربى تربية مادية مائعة؟

1- تعقيب
عائشة الحكمي 01-03-2012 05:25 PM

جزيتم خيرًا ونفع بكم الأمة على هذه الإضاءات.

لكن في النَّفس شيئًا من هذا التعبير في حق الكليم - عليه الصَّلاة والسَّلام- من أنه تربَّى: "تربية ماديَّة مائعة"!!

بوركتم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب