• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

المنتقى المشبع من الشرح الممتع (23)

الشيخ تركي بن عبدالله الميمان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/9/2011 ميلادي - 16/10/1432 هجري

الزيارات: 8629

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الجنائز: جمْع جنازة، وهي بفتْح الجيم وكسرها، بمعنًى واحد، وقيل: بالفتح اسم للميِّت، وبالكسر اسمٌ لما يحمل عليه الميِّت، وهو: النَّعْش.

 

(تُسن عِيادة المريض) والمراد: من مَرِض مرضًا يحبسه عنِ الخروج مع الناس، فأمَّا إذا كان لا يحبسه فإنَّه لا يحتاج إلى عِيادة، وإنْ كان المريض غيرَ مسلِم فلا يُعاد إلا إذا اقتضتِ المصلحة ذلك، وقوله: "تسن" ظاهره أنَّه سُنة في حق جميع الناس، ولكن ليس هذا على إطلاقِه، فإنَّ عيادة المريض إذا تعيَّنت برًّا أو صِلة رحم، صارتْ واجبةً، لا من أجل المرض؛ ولكن لأجْل القَرابة، أمَّا مَن لا يعدُّ ترك عيادته عقوقًا أو قطيعة، فإنَّ المؤلف يقول: إنَّه سنة، وقـال بعضُ العلماء: إنه واجب كِفائي؛ أي: يجب على المسلمين أن يعودوا مَرْضاهم، وهذا هو الصحيح؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - جعَلها من حقِّ المسلم على المسلم.

 

مسألة: الاتِّصال بالهاتف لا يُغني عن العيادة، لا سيَّما مع القَرابة، أمَّا إنْ كان بعيدًا يحتاج لسفَر فتُغني.

 

(وتذكيره التوبة والوصية)، وأهمُّ شيء أن يُوصي بما يجب عليه مِن حقوق الله وحقوق العباد، فقد يكون عليه زكاةٌ أو حجٌّ أو كفَّارة أو ديون لم يؤدِّها، ويذكِّره بوصية التطوع، وأحسن ما يُوصي به للأقارب غيرِ الوارثين.

 

ويُسن إذا عاد مريضًا أن يرقيَه، لا سيَّما إذا كان المريضُ يتشوَّف لذلك.

 

(وإذا نُزِل به)؛ أي: نزَل به "ملَكُ الموت" يقبض رُوحَه.

 

(سُنَّ تعاهد بلِّ حلْقه بماء أو شراب)؛ وذلك مِن أجل أن يسهِّلَ عليه النطق بالشهادة.

 

(وتُندَّى شفتاه بقُطنة)؛ لأنَّ الشفة يابسة، والحلْق يابس؛ فيحتاجان إلى تندية.

 

(وتلقينه لا إله إلا الله مرَّة) ينبغي في هذا أن يُنظر إلى حال المريض، فإنْ كان قويًّا يتحمل، أو كافرًا، فإنَّه يُؤمَر فيقال: قل: لا إله إلا الله، اختم حياتَك بلا إله إلا الله، وما أشْبه ذلك، وإنْ كان مسلمًا ضعيفًا فإنَّه لا يؤمر، وإنَّما يذكر الله عندَه حتى يسمع فيتذكَّر.

 

(ولم يزِدْ على ثلاث)؛ لأنَّه لو زاد على ذلك ضجِر، ولأنَّ الثلاث عدد معتبر في كثيرٍ من الأشياء.

 

(إلاَّ أن يتكلَّم بعدَه)؛ أي: المريض المحتضر.

 

(فيُعيد تلقينه برِفْق ويقرأ عنده "يس") لقول النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اقرؤوا على موتاكم يس))؛ أي: مَن كان في سياق الموت، ويقرؤها جهرًا، إلا إذا كان يخشَى على المريض مِن الانزعاج، أو كان في شكٍّ من كون الإنسان في النَّزْع فلا يرفع صوته بها.

 

(ويُوجِّهه إلى القِبلة)؛ أي: يجعل وجهَه نحو القِبلة، والذي يظهر مِن عمل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والصحابة أنَّهم لا يتقصَّدون أن يوجَّه المحتضر إلى القِبلة، وإنما وردتْ أحاديث وإنْ كانت ضعيفة فربَّما تصِل إلى درجة الحسن فتكون مقبولةً.

 

(فإذا مات سُنَّ تَغميضُه)؛ لفِعل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأبي سَلَمة، "فإنه لمَّا دَخَل على أبي سَلمة ورأى بصرَه قد شخص، قال: ((إنَّ الرُّوح إذا قُبض اتبعه البَصر))، وينبغي عند التغميض أن يدعوَ بما دعا به النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأبي سَلَمة، فيقول: ((اللهمَّ اغفرْ لفلان، وارفعْ درجتَه في المهديِّين، وأفْسِح له في قبْره، ونوِّر له فيه، واخلفْه في عقبه)).

 

(وشد لحييه)؛ أي: ربطهما، واللحيان: هما العَظْمان اللذان هما منبت الأسنان، فليشدهما بحبلٍ أو خيط أو لفافة؛ وذلك لدرْء تشويه الميِّت مِن وجه، وحِفظ باطنه مِن دخول الهوام عليه.

 

(وتليين مفاصله) والمراد: مفاصِل اليدين والرِّجلين، وذلك بأن يردَّ الذراع إلى العضُد، ثم العضُد إلى الجَنب ثم يردّهما، وكذلك مفاصل الرِّجلين: بأن يردَّ الساق إلى الفخِذ، ثم الفخِذ إلى البطن، ثم يردّهما؛ لأنَّه إذا لُيِّنت المفاصل صارتْ لينةً عند الغسل والتكفين وربْط الكفن، فيسهل على الغاسل والمكفِّن التغسيل والتكفين.

 

(وخلع ثيابه)؛ لقول الصحابة حين مات النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "هل نجرِّد رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما نجرِّد موتانا؟"، فيَنبغي أن تخلع ملابسه، ولأنَّ الثِّياب لو بقيت لحمِي الجسم، وأسْرع إليه الفساد.

 

(وستْره بثوب) يكون شاملاً للبدن كلِّه؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "حِين تُوفِّي سُجِّي ببُرد حِبَرة"، والبرد: ثوب يلتحِف به يشمل كلَّ الجسد، والحبرة: برود يمانيَّة معروفة في ذلك العهْد.

 

(ووضْع حديدةٍ على بطنه) أو نحوها مِن الأشياء الثقيلة؛ لقول أنس - رضي الله عنه -: "ضعوا على بطنه شيئًا من حديد"، وهذا الأثَر فيه نظر؛ ولئلاَّ ينتفخ البطن، وفي عصرِنا الآن نَستغني عن هذا، وهو أنَّه يُوضَع في الثلاجة، فلا يحصُل الانتفاخ.

 

(ووضعه على سَرير غسله) ويختلف سريرُ الغسل عندَ الناس، فمنهم مَن يكون السرير مختومًا؛ أي: ألواح، ومنهم مَن يكون السير غير مختوم؛ أي: عبارة عن قِطع من الخشب مصفوف بعضها إلى بعضٍ مع بعض الفتحات، كما هو موجودٌ الآن.

 

(متوجهًا)؛ أي: إلى القِبلة، ولا أعلم في هذا دليلاً مِن السُّنة.

 

(منحدرًا نحو رِجليه)؛ أي: يكون رأسه أعلى مِن رِجليه؛ لئلاَّ يبقى الماء في السَّرير، ولأجل أن يسهل خروج ما كان مستعدًّا للخروج من بطْنه.

 

(وإسراعُ تجهيزه) لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أسْرِعوا بالجنازة، فإن تكُ صالحةً فخير تقدمونها إليه، وإن تكُ سِوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم)).

 

(إنْ مات غيرَ فجأة)؛ لاحتمال أن تكونَ غشية لا موتًا.

 

(وإنفاذ وصيته)؛ أي: وإسراع إنفاذ وصيته، والوصية بالواجِب يجب المبادرة بإنفاذها، وبالتطوع يُسنُّ، لكن الإسراع بذلك مطلوب.

 

(ويجِب الإسراع في قضاء دَينه) سواء كان الدَّين لله كالزَّكاة، أو للآدمي كالقَرْض؛ لحديث أبي قتادة في الرَّجل الذي جيء به إلى الرسولِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسأل: هل عليه دَين؟ قالوا: نعَمْ، ديناران، فتأخَّر ولم يصلِّ عليه، فقال أبو قتادة: الدِّيناران عليَّ يا رسولَ الله، قال: ((حقُّ الغريم وبرِئ منهما الميِّت؟))، قال: نعم، فتقدَّم فصلَّى.

 

(فصل)

(غسل الميِّت)؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الذي وقصَتْه ناقته يوم عرفة: ((اغسلوه بماءٍ وسدر))، والأصل في الأمْر الوجوب.

 

(وتكفينه) لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "كفِّنوه في ثوبيه" وهذا أمْر، والأصْل في الأمر الوجوب.

 

(والصلاة عليه)؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ [التوبة: 84]، فلمَّا نُهي عن الصلاة على المنافقين، دلَّ على أنَّ الصلاة على المؤمنين شريعةٌ قائمة؛ ولأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يُصلِّي على الأموات باستمرار، وكان يقول: ((صلُّوا على صاحبِكم)).

 

(ودفْنه فرْض كِفاية)؛ لأنَّ الله تعالى امتنَّ به على العباد، فقال - تعالى -: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴾ [المرسلات: 25 - 26]، ولقوله - تعالى -: ﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ [عبس: 21]، وهذا على سبيلِ المنَّة؛ لأنَّ الله أكْرمه بدفنه وستره، ولم يجعله كسائرِ الجِيَف، وإذا كانتْ هذه الأشياء تحتاج إلى مالٍ فيُؤخذ مِن تركة الميِّت، ثم على مَن تلزمه نفقتُه، فإنْ لم يمكن فعلَى عموم المسلمين.

 

(وأَوْلى الناس بغسلِه وصيُّه)؛ أي: الذي أوْصَى أن يُغسِّلَه؛ لأنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - أوْصى أن تُغسِّله امرأتُه.

 

(ثم أبوه)؛ لأنَّ الأبَ أشدُّ شفقةً على ابنه مِن الابن على أبيه (ثم جَده) مِن قِبل الأب (ثم الأقْرَب فالأقرب مِن عَصباته)؛ أي بعدَ الأب والجد والأبناء، وإن نزلاَ، ثم الإخوة وإن نزَلوا، ثم الأعمام وإنْ نزلوا، ثم الولاء على هذا الترتيب، وهذا الترتيب يحتاج إليه عندَ المشاحة.

 

(ثم ذوو أرْحامه) وهم: كلُّ قريب ليس بذي فرْض ولا عَصبة.

 

(وأنثى وصيّتها) كما سبق بالنِّسبة للرجل.

 

(ثم القُرْبى فالقُربى مِن نسائها) ولم يقل: ثم الأقرب فالأقرب مِن العَصبات؛ لأنَّ النساء ليس فيهنَّ عصبة إلا بالغَير أو مع الغير، وعلى هذا: الأولى بتغسيل المرأة إذا ماتت: وصيتُها، ثم أمُّها وإنْ علت، ثم ابنتها وإن نزلت، ثم أختها مِن أب أو أم أو الشقيقة، ثم عمَّاتها فخالاتها... إلى آخِره.

 

(ولكلٍّ من الزَّوجين غسل صاحبه)؛ لحديثِ أبي بكر - رضي الله عنه -: "أنَّه أوْصى أن تغسله زوجتُه أسماء بنت عميس"، ولأنَّه يُروَى عن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال لعائشة - رضي الله عنها -: ((لو متِّ قبْلي لغسلتك)).

 

(وكذا سيِّد مع سريته) المراد: مع أمَته، ولو لم تكُن سُرِّيته، فلو قُدِّر أنها مملوكة، لكن لم يتسرَّها؛ أي: لم يجامعها، ثم مات، فلها أن تُغسِّله، وله أن يغسلها.

 

(ولرجل وامرأة غسلُ مَن له سبع سنين فقط)؛ أي: من ذكَر أو أنثى؛ لأنَّ إبراهيم ابن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - غسَّلتْه النساء؛ ولأنَّ عورة من دون السبع لا حُكم لها.

 

(وإن مات رجل بيْن نِسوة أو عكسه يُمِّم كخنثى مشكل) أفاد المؤلِّف: أنه متَى تعذَّر غسل الميِّت فإنه يُيمَّم، وتعذره له صورٌ، منها: أولاً: هاتان الصورتان، ثانيًا: إذا كان الميِّت خنثى مشكلاً، ثالثًا: لو عدم الماء، رابعًا: لو تعذَّر تغسيله لكونه محترقًا، وقال بعضُهم: إنَّ مَن تعذر غسله لا يُيمَّم، أما على القول بأنَّه ييمم فإنَّه يَضرِب رَجلٌ أو امرأة التراب بيديه، ويمسح بهما وجهَ الميت وكفَّيه.

 

(ويحرم أن يُغسِّل مسلمٌ كافرًا أو يدفنه)؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ [التوبة: 84]، فإذا نهَى عن الصلاة على الكفَّار، وهي أعظمُ ما يُفعل بالميت وأنفع ما يكون له، فما دونها من باب أولى؛ ولأنَّ الكافر نجِس، وتطهيره لا يرفع نجاسته، وكذلك يحرُم أن يُكفِّنه أو يتبع جنازته.

 

(بل يُوارَى لعدم)؛ أي: يجب مواراة الكافر، ويشمل ذلك ما إذا وورِي بالتراب، أو ووري بقعرِ بئر، أو نحوها؛ وقوله: "لعدم"، أي: لعدم مَن يواريه، فإنْ وجد من يقوم بهذا، فإنَّه لا يحلُّ للمسلم أن يساعدَهم في هذا، بل يكِلُ الأمر إليهم.

 

(وإذا أخذ في غسله ستَر عورتَه) وجوبًا، وهذا فيمَن له سبع سنين فأكثر. (وجرَّده)؛ لقولِ الصحابة حين أرادوا تغسيلَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "هل نُجرِّد رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما نجرِّد موتانا؟".

 

(وستْرُه عن العيون) وهذا مستحَبٌّ، وهذا غير ستْر العورة؛ لأنَّ سترها واجب.

 

(ويُكره لغير مُعِينٍ في غسله حضوره)؛ أي: يُكره أن يحضرَه شخص إلا مَن احتيج إليه لمعونته.

 

(ثم يرفع رأسه إلى قُرْب جلوسه، ويعصر بطنه برِفق)؛ لأجل أن يخرج منه ما كان متهيئًا للخروج.

 

(ويُكثر مِن صبِّ الماء حينئذٍ)؛ لأجل إزالة ما يخرُج مِن بطنه حينئذٍ (ثم يلفُّ على يدِه خرقةً فينجيه)؛ أي: فيغسل فرْجه مما خرَج منه.

 

(ولا يحلُّ مسُّ عورة مَن له سبع سِنين) فإذا تَمَّ السبع فإنَّه لا ينجيه إلا بخِرقة.

 

(ويُستحب ألاَّ يمسَّ سائره إلا بخِرقة)؛ لأجل أن يكون ذلك أنقى للميت.

 

(ثم يُوضِّئه ندبًا)؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "ابدأنْ بميامنِها ومواضع الوضوء منها"، وليس على سـبيلِ الوجوب، لأمْر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يُغسلَ الرجل الذي وقصتْه ناقتُه بعرفة فمات، فقال: ((اغسلوه بماء وسِدر))، ولم يقل: وضِّئوه.

 

(ولا يُدخِل الماءَ في فيه ولا في أنفِه)؛ لأنَّ الميت لو صبَّ الماء في فمِه، لانحَدر لبطنِه، وربَّما يحرِّك ساكنًا.

 

(ويُدخل إصبعيه)؛ أي: ملفوفًا عليهما خِرقة.

 

(مبلولتين بالماء بين شفتَيه فيمسح أسنانَه، وفي منخريه فينظِّفهما) وهذا يقوم مقامَ المضمضة والاستنشاق.

 

(ولا يدخلهما الماء)؛ لأنَّه لو أدخل الماء نزَل إلى بطنه، فيحرِّك ما كان ساكنًا.

 

(ثم ينوي غسله)، وهذا فيه نظَر، بل النيَّة تتقدَّم الفعل، ولعلَّ هذه نيَّة أخرى ينوي بها عمومَ الغسل.

 

(ويُسمي)، وهذا فيه نظر؛ لأنَّ التسمية تكون بعدَ الاستنجاء قبل أن يُوضِّئه.

 

(ويغسل برغوة السِّدر رأسَه ولحيته فقط) أفاد المؤلِّف أنَّه لا بدَّ أن يعدَّ الغاسل سدرًا يدقه ويضعه في إناءٍ فيه ماء، ثم يضربه بيديه حتى يكونَ له رغوة، وهذه الرغوة يغسل بها رأسه ولحيته، وأمَّا الثفل الباقي فإنَّه يغسل به سائر الجسد، والدليل على استحباب السِّدر في تغسيل الميِّت: قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اغسلوه بماءٍ وسِدر)).

 

(ثم يغسل شِقَّه الأيمن ثم الأيْسَر)؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ابدأْنَ بميامنها)).

 

(ثم كله ثلاثًا)؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - للنِّساء اللاتي يغسلْنَ: ((اغسلْنَها ثلاثًا)).

 

(يمرُّ في كلِّ مرة يدَه على بطنه) مِن أجل أن يخرج ما كان متهيئًا للخروج.

 

(فإن لم يُنقَّ بثلاث زِيد حتى ينقى)؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - للاتي يغسلْنَ ابنتَه: ((اغسلْنَها ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، أو أكثر مِن ذلك إن رأيتُنَّ ذلك))، وهذا يرجع إلى رأي الغاسل.

 

(ولو جاوز السَّبْع)؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أو سبعًا أو أكثر مِن ذلك إن رأيتُنَّ ذلك))، لكن يَنبغي قطْع الغسل على وتْر.

 

(ويَجعل في الغسلةِ الأخيرة كافورًا)؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اجعلْنَ في الغسلة الأخيرة كافورًا أو شيئًا مِن كافور)).

 

(والماء الحار والأشنان) وهو شجَرٌ معروف ينبت في البر، يُؤخَذ ويُيبَّس ويُدقّ، ويكون مِن جنس الرمل حبيبات تُغسل به الثياب والجلد مِن أجل النظافة، ومثله الصابون، بل هو أقْوى منه تنظيفًا.

 

(والخلال)؛ أي: خلال الأسنان، إذا كان بأسنانه طعامٌ فإنه يستعمل؛ تنظيفًا لأسنانه.

 

(ويقص شاربه ويقلّم أظفاره) وتُؤخَذ إذا طالت، فإذا كانتْ عادية، أو كان الميِّت أخذها عن قُرب فإنَّها لا تؤخذ.

 

(ولا يسرِّح شعرَه)؛ لأنَّ هذا يؤدِّي إلى تقطُّع الشعر.

 

(ثم ينشّف بثوبٍ)؛ لأنَّه إذا بقي رطبًا عند التكفين أثَّر ذلك في الكفن.

 

(ويضفر شعرَها ثلاثة قرون، ويُسدل وراءَها)؛ لأنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أمَر النِّساء اللاتي يغسلْنَ ابنته، أن يضفرْنَ شعرَها ثلاثة قرون ويسدلْنَه وراءَها".

 

(وإن خرَج منه شيء بعدَ سَبع حُشي بقُطن)؛ مِن أجل أن يتوقف.

 

(فإن لم يستمسكْ فبطين حر) وهو: الذي ليس مخلوطًا بالرمل.

 

(ثم يغسل المحل ويُوضَّأ، وإن خرَج بعدَ تكفيه لم يُعَد الغسل)؛ لأنَّ في ذلك مشقَّة.

 

(ومُحرِم ميِّت كحي)؛ أي: في أحكامه؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فإنَّه يُبعَث يومَ القيامة ملبيًا)).

 

(يغسل بماءٍ وسِدر)؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الذي وقصتْه راحلته: ((اغسلوه بماءٍ وسِدر)).

 

(ولا يقرب طيبًا) لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ولا تحنطوه)).

 

(ولا يلبس ذكرٌ مخيطًا)؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فإنَّه يُبعَث يوم القيام ملبيًا)).

 

(ولا يغطَّى رأسه)؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ولا تُخمِّروا رأسه)).

 

(ولا وجْه أُنثى)؛ أي: لو ماتتْ أنثى مُحرِمة فإنَّ وجهها لا يُغطَّى، وهذا إن لم يُمرَّ بها حول رِجال أجانب، وأما رأسها فيُغطَّى؛ لأنه يجب تغطيته حالَ الحياة.

 

(ولا يُغسَّل شهيد) والصحيح: أنَّ تغسيل الشهيد حرام؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أمَر بقتلى أُحد أن يُدفنوا بدمائهم ولم يغسلهم"؛ ولأنَّ التغسيل واجب، فلا يترك إلا لمحرَّم، والمراد بالشهيد هنا: شهيد المعرَكة الذي قاتل لتكونَ كلمة الله هي العليا.

 

(ومقتول ظلمًا)؛ لأنَّه شهيد؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قُتل دون دمِه فهو شهيد، ومَن قُتِل دون ماله فهو شهيد))، والصحيح: أنَّ المقتول ظلمًا يُغسَّل كغيره من الناس؛ لأنَّه داخل في عمومات الأدلَّة الدالة على وجوب الغسل.

 

(إلا أن يكون جنبًا)؛ أي: إلا أن يكون الشهيد جنبًا، فإنَّه يغسل، ولكن ظاهِر الأخبار أنه لا فَرْق بين الجُنب وغيره، فإنَّ الرسول لم يغسل الذين قُتِلوا في أحد.

 

(ويُدفَن في ثيابه)؛ أي: الشهيد؛ لأنَّه يُبعَث يوم القيامة على ما ماتَ عليه من القتْل.

 

(بعد نزْع السِّلاح والجلود عنه)؛ لأنَّه ورد عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أنَّه أمَر بقتْلى أُحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يُدفَنوا في ثيابهم بدمائهم".

 

(وإن سُلبها)؛ أي: الثياب.

 

(كُفِّن بغيرها) وجوبًا؛ لأنَّه لا بد من التكفين للميِّت؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كفِّنوه في ثوبيه)).

 

(ولا يُصلَّى عليه)؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يصلِّ على شُهداء أُحد.

 

(وإنْ سقط)؛ أي: الشهيد.

 

(عن دابته) بغير فِعل العدوِّ (أو وجد ميتًا ولا أثَر به)؛ أي: ليس به أثَر جراحة ولا خنْق ولا ضرب يحتمل أنَّه مِن فعل العدو (أو حُمِل)؛ أي: مِن أرض المعركة (فأكل)؛ لأنَّ كونه يأكُل يدلُّ على أنَّ فيه حياةً مستقرة؛ إذ إنَّ الذي في حُكم الميت لا يأكل، والأقرب: أنَّه إذا أكل سواء حُمل أم لم يحمل، فإنَّ أكله دليلٌ على أنَّ فيه حياة مستقرة، فيغسل ويُكفَّن؛ لقصة سعد بن معاذ - رضي الله عنه - فإنَّه جُرِح في أكحله عامَ الأحزاب، وبقي الجرح ملتئمًا حتى حَكم في بني قريظة، ولما حكَم فيهم انبعث الدَّمُ ومات. وهذا دليلٌ على أنَّ الشهيد إذا طال بقاؤه، فإنه يُغسَّل ويكفَّن ويُصلَّى عليه، وألحق العلماءُ بذلك ما إذا وُجِد منه دليل الحياة المستقرة، مثل: الأكل.

 

(أو طال بقاؤه عرفًا غُسِّل وصُلِّي عليه)، والذي يترجَّح عندي: أنه إذا بقي متأثرًا كتأثر المحتضر أنه لا يغسل، أما إذا بقِي متألمًا لكن بقِي معه عقله فإنه يُغسَّل ويُصلَّى عليه، وظاهِر كلام المؤلِّف أنه لو شرِب فإن ذلك لا يُسقط حُكمَ الشهادة.

 

(والسَّقط إذا بلغ أربعةَ أشهر)؛ أي: إذا تَمَّ له أربعة أشهر؛ لأنَّه قبل ذلك ليس بإنسان؛ لحديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - حيث بيَّن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أنَّ الجنين يكون في بطْن أمِّه أربعين يومًا نُطفة، ثم يكون علقةً مِثل ذلك، ثم يكون مضغة مثلَ ذلك"، فهذه أربعةُ أشهر، "ثم يُرسَل إليه الملَك، فينفخ فيه الرُّوح، ويُؤمَر بأربع كلمات".

 

(ومَن تَعذَّر غسلُه يُمِّم)؛ أي: مَن امتنع تغسيله، فإنَّه ييمم، ويكون التعذر: إما بعدم الماء، وإما بتعذُّر استعماله في هذا الميِّت، بأن يكون قد تمزَّق، أو يكون محترقًا، وكيفية التيمم: أن يضرب الحيُّ يديه على الأرض، ثم يمسح بهما وجهَ الميِّت وكفَّيه، والراجح: أنه لا يُمَّم إذا تعذَّر غسله؛ لأنَّ هذه ليستْ طهارةَ حدَث، وإنَّما هي طهارةُ تنظيف.

 

(وعلى الغاسل ستْرُ ما رآه إن لم يكُن حسنًا)، إمَّا مِن الناحية الجسديَّة، وإما مِن الناحية المعنويَّة، فقد يرَى وجهَه مظلمًا متغيرًا - والعياذ بالله.

 

(فصل)

(يجب تكفينه)؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الذي وقصتْه راحلته: ((كفِّنوه في ثوبيه))، والأصل في الأمْر الوجوب، والوجوب هنا كفائي.

 

(في ماله)؛ أي: مال الميِّت؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كفِّنوه في ثوبيه))، فأضاف الثوبين إلى الميِّت.

 

(مُقدَّمًا على دَين) وهو: كل ما ثبَت في الذِّمَّة.

 

(وغيره)؛ يعني: الوصية والإرْث؛ لأنَّ التكفين مما تتعلَّق به حاجةُ الشخص خاصة، فيُقدَّم على كلِّ شيء.

 

(فإنْ لم يكُن له مال، فعلَى مَن تلزمه نفقتُه)؛ أي: الميِّت حالَ حياته، وهم الأصول والفروع، سواء كانوا وارثين أم لا، أمَّا غير الأصول والفُروع، فلا تجِب النفقة، إلاَّ على مَن كان وارثًا بفرْض أو تعصيب.

 

(إلاَّ الزوج لا يلزمه كفَنُ امرأته)؛ لأنَّ الإنفاق على الزَّوْج مقابل الاستمتاع، وهي إذا ماتتِ انقطع الاستمتاع بها، والقول الثاني: أنَّه يلزمه أن يكفِّن امرأته، وهذا القول أرْجح، فإن لم يوجد مَن تلزمه النفقة، أو وجد وكان فقيرًا، ففي بيت المال، فإنْ لم يوجد بيت مال منتظِم، فعلى مَن علِم بحاله مِن المسلمين؛ لأنَّه فرْض كِفاية.

 

(ويُستحبُّ تكفين رجل في ثلاث لفائف بِيض)؛ لأنَّ هذا هو كفَن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنَّه: "كُفِّن في ثلاث لفائف بِيض سحولية، ليس فيها قميصٌ ولا عِمامة".

 

(تجمَّر)؛ أي: تبخَّر، ولكن تُرش أولاً بماء، ثم تبخَّر؛ مِن أجْل أن يعلق الدخان فيها.

 

(ثم تبسط بعضها فوقَ بعض)؛ أي: تمدُّ الأولى على الأرْض، ثم الثانية، ثم الثالثة.

 

(ويجعل الحنوط فيما بينها)؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الذي وقصتْه راحلتُه: ((ولا تُحنِّطوه))، فدلَّ هذا على أنَّ مِن عادتهم تحنيط الأموات، والحنوط: أخلاط مِن الطِّيب تُصنع للأموات، (ثم يُوضَع عليها)؛ أي: على اللفائف.

 

(مستلقيًا) لأنَّه أثبت، وأسهل لإدراجه فيها؛ إذ لو وُضِع على جنبه انقلَب، وصار في إدراج هذه اللفائف شيءٌ مِن الصعوبة.

 

(ويجعل منه)؛ أي: مِن الحنوط (في قطن بيْن أليتيه)؛ لئلاَّ يخرج شيء مِن دُبره، وإذا خرَج يُبعد الرائحةَ الكريهة.

 

(ويشد فوقها)؛ أي: فوق الحنوط الذي يُوضَع في القطن (خرقةً مشقوقة الطَّرف كالتبَّان) والتبان: السروال القصير الذي ليس له أكمام.

 

(تجمع)؛ أي: الخرقة المشقوقة (أليتيه ومثانتَه).

 

(ويجعل الباقي) مِن الحنوط الذي وُضِع في القطن.

 

(على منافذ وجهِه)، وهي: العينان، والمنخران، والشفتان.

 

(ومواضع سجوده)، وهي: الجبهة والأنْف والكفَّان والرُّكبتان وأطراف القدَمين، وكل هذا على سبيلِ الاستحباب.

 

(وإن طُيِّب كله فحسن)؛ لأنَّه يكون أطيب، وهذا لم يعرفْ في عهد الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لكن فعَلَه بعضُ الصحابة.

 

(ثم يردُّ طرف اللفافة العُليا) (ويجعل أكثرَ الفاضل على رأسه)؛ أي: إذا كان الكفن طويلاً، فليجعل الفاضل مِن جهة رأسه؛ أي: يرده على رأسه (ثم يعقدها)؛ أي: اللفائف، لئلا تتفرَّق، أمَّا بالنسبة لعدَد العقد فيفعل ما يحتاج إليه.

 

(وتحل في القبر)؛ لقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إذا أدخلتُم الميِّت القبر، فحلوا العقد"، ولو فرض أنه نسِي أن تحلَّ ثم ذكروا عن قُرب، فإنَّ القبر ينبش مِن أجل أن تحلَّ هذه العقد.

 

(وإن كُفِّن في قميص) هو الذي نلبسه؛ أي: الدرع ذو الأكمام.

 

(ومِئزر) ما يؤتزر به، ويكون في أسفل البَدن (واللفافة) عامَّة.

 

(جاز)؛ أي: إذا كُفِّن في هذه فلا بأس.

 

(وتُكفَّن المرأة في خمسة أثواب: إزار) ما يُؤتزر به ويكون في أسفل البَدن.

 

(وخمار) ما يُغطَّى به الرأس، (وقميص) الدرع ذو الأكمام، (ولفافتين) يعمَّانِ جميع الجسد، وقد جاء في هذا حديثٌ مرفوع إلا أنَّ في إسناده نظرًا، وعلى هذا فنقول: إنْ ثبَت الحديث بتكفين المرأة في هذه الأثواب الخمسة، فهو كذلك، وإنْ لم يثبت فالأصْلُ تساوي الرِّجال والنساء في جميعِ الأحكام.

 

(والواجب) في الكفَن (ثوب) واحِد (يستُر جميعه)؛ أي: جميع الميِّت، وهذا يدلُّ على أنَّه لا بدَّ أن يكون هذا الثوب صفيقًا لا تُرَى من ورائه البشرة، فإذا لم يُوجَدْ شيء، فإنه يُكفَّن بحشيش ونحوه، فإنْ لم يوجد فإنَّه يدفن على ما هو عليه.

 

(فصل)

الصلاة على الميِّت فرْضُ كِفاية؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمَر بالصلاة على الميِّت فقال في قصة الرجل الذي عليه الدَّين: ((صلُّوا على صاحبِكم))، وتسقُط بمكلَّف؛ لأنَّ الصلاة على الجنازة فرض، والفرْض لا يقوم به إلا المكلَّف، وأما كيفية الصلاة على الميت فبيَّنها المؤلِّف بقوله: (السنة أن يقوم الإمامُ عندَ صدره)؛ أي الرجل، والصحيح: أنه يقِف عند رأس الرجل لا عندَ صدْره؛ لأنَّ السُّنة ثبتت بذلك.

 

(وعندَ وسطها)؛ أي: المرأة؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "قام على امرأة ماتتْ في نفاسها عندَ وسطها"، وهذا مستحب.

 

تنبيه: لا يُشترط أن يكون رأس الميِّت عن يمين الإمام، فيجوز أن يكونَ عن يسارِه ويمينه.

 

(ويكبِّر أربعًا) التكبيرات عندَ الفقهاء هنا كلها أرْكان؛ لأنَّها بمنزلة الركعات، فكل تكبيرة عن رَكْعة (يقرأ في الأولى بعدَ التعوذ الفاتحة)، وهي رُكن؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا صلاةَ لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))، وصلاة الجنازة صلاة؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ [التوبة: 84].

 

(ويُصلِّي على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في التكبيرة الثانية كالتشهُّد)؛ أي: كما يُصلِّي عليه في التشهد، وإنِ اقتصر على قوله: "اللهمَّ صلِّ على محمد" كفَى، كما يكفي ذلك في التشهُّد.

 

(ويدعو في الثالثة) بالدُّعاء المأثور عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إنْ كان يعرِفه، وإلا فبأيِّ دعاء دعَا جاز (فيقول: اللهمَّ اغفرْ لحيِّنا وميِّتنا، وشاهِدنا وغائِبنا، وصغيرِنا وكبيرِنا، وذكرنا وأُنثانا إنَّك تعلَم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كلِّ شيء قدير) تتمَّة للدعاء، ولكنَّها من زيادات بعض الفقهاء؛ لأنَّها لم ترد في الحديث.

 

(اللهمَّ مَن أحييتَه منَّا فأحيه على الإسلام والسُّنة، ومَن توفيتَه منَّا فتوفه عليهما) هذه الصِّيغة لم ترِد، والوارد: ((اللهم مَن أحييته منَّا فأحيه على الإسلام، ومَن توفيتَه منَّا فتوفه على الإيمان)).

 

مسألة: الدعاء الوارد عنِ النبي - عليه الصلاة والسلام - أوْلى بالمحافظة عليه مِن الدعاء غير الوارد، وإنْ كان الأمر واسعًا.

 

(اللهمَّ اغفرْ له وارحمه) هذا الدعاء الخاص، وبدأ بالدُّعاء العام؛ لأنَّه أشمل، وقد وردتِ السُّنة بكل مِن الدعاء العام والخاص.

 

(وعافِه واعفُ عنه، وأكرِم نُزَله، وأوسِع مُدخلَه)؛ أي: أوْسِع مكان دخوله، والمراد به القبر.

 

(واغسله بالماء والثَّلْج والبَرد) المراد: غسل آثار الذُّنوب، وآثار الذُّنوب نار محرِقة، فيكون المضاد لها الماء والبُرودة.

 

(ونقِّه مِن الذُّنوب والخَطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيض من الدَّنَس) والوارد في الحديث بلفظ ((ونقِّه مِن الخطايا)) فقط.

 

(وأبدِلْه دارًا خيرًا مِن داره، وزوجًا خيرًا من زوجه)، وفي الحديث زيادة ((وأهلاً خيرًا من أهله)) لكن حذفَها المؤلف - رحمه الله.

 

(وأدْخِله الجنَّةَ، وأعِذْه من عذاب القبْر وعذاب النار، وأفْسِح له في قبْرِه، ونوِّر له فيه، وإنْ كان صغيرًا قال: اللهمَّ اجعلْه ذخرًا لوالديه)؛ أي: مذْخورًا لوالديه يرجِعان إليه عندَ الحاجة.

 

(وفرطًا) الفرَط: السابق السالِف، فيقال: إنَّه فرَط لوالديه في الآخرة يتقدمهما؛ ليكونَ لهما أجرًا.

 

(وأجرًا، وشفيعًا مجابًا)؛ لأنَّ الشفيع قد يجاب وقد لا يجاب.

 

(اللهمَّ ثقِّل به موازينَهما، وأعظِم به أجورَهما، وألْحِقه بصالح سلَف المؤمنين، واجعلْه في كفالة إبراهيم)؛ لأنَّ الصِّغار من الوِلْدان يكونون في كفالة إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - وقد رآهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حينما عُرِج به عندَ إبراهيم وسأل عنهم، فقيل له: هؤلاء وِلدان المؤمنين.

 

(وقِه برحمتك عذابَ الجحيم) قال بعضُ العلماء: ما مِن إنسان إلا ويلج النار، ومِن ذلك الصِّغار؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴾[مريم: 71].

 

(ويقِف بعد الرابعة قليلاً) ظاهِره أنه لا يدْعو، وهو أحدُ الأقوال، والقول بأنَّه يدعو بما تيسَّر أولى من السكوت؛ لأنَّ الصلاة عبادةٌ ليس فيها سكوت إلا لسبب.

 

(ويُسلِّم واحدةً عن يمينه) وإن سلم تلقاءَ وجهه فلا بأس، لكن اليمين أفضل، والصحيح: أنَّه لا بأسَ أن يُسلِّم مرةً ثانية.

 

(ويرفع يديه مع كلِّ تكبيرة) هذا هو القول الصحيح؛ لورود السُّنة بذلك بسند جيِّد؛ ولأنَّه صحَّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - موقوفًا، وله حُكم الرفع؛ لأنَّ مثله لا يثبُت بالاجتهاد.

 

(وواجبها)؛ أي: ما يجِب فيها، وليس المراد الواجِب الاصطلاحي الذي هو قسيم الرُّكن أو الشرط.

 

(قيام)؛ أي: واجِب إذا كانتْ فريضة، فإذا أُعيدت صلاة الجنازة كان القيام سُنَّة؛ لأنَّ المعادة ليستْ فريضة.

 

(وتكبيرات أرْبع)؛ أي: أركان؛ لأنَّ كلَّ تكبيرة منها كالركعة، وله الزِّيادة إلى تِسع تكبيرات، لكن الثابت في صحيح مسلم إلى خمس، ففيه "أنَّ زيد بن أرقم - رضي الله عنه -: صلَّى على جنازة فكبَّر عليها خمسًا، وأخبر أنَّ ذلك مِن فِعل النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم".

 

(والفاتحة) قراءتها رُكن؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا صلاةَ لِمَن لم يقرأ بفاتحةِ الكتاب))، وقرأ ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - الفاتحة وجهَر بها، وقال: "ليعلموا أنها سُنة"؛ أي: أنها مشروعة، وليس المعنى إنْ شئت فاقرأها، وإنْ شئت فلا تقرأها، وإذا انتهَى المأموم مِن قراءة الفاتحة قبلَ تكبيرة الإمام للثانية فإنَّه يقرأ سورةً أخرى؛ لورودِه عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

(والصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -)؛ أي: مِن واجبات الصلاة على الميِّت، وهو رُكن على المشهور مِن المذهب.

 

(ودعوة للميِّت) هذا مِن الأركان؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا صليتُم على الميِّت فأخْلِصوا الله الدعاء)).

 

(والسلام)؛ أي: رُكن؛ لقول عائشة - رضي الله عنها -: "كان يختم الصلاةَ بالتسليم".

 

(ومَن فاته شيءٌ مِن التكبير قَضاه على صِفته)؛ لعمومِ قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما فاتَكم فأتمُّوا)).

 

(ومَن فاتتْه الصلاة عليه صلَّى على القبر) لقِصَّة المرأة التي كانتْ تقمُّ المسجد، فلمَّا سأل عنها أخبروه أنَّها ماتتْ، فقال: ((هلاَّ كُنتم آذنتموني؟ فقال: دلُّوني على قبرِها)) فخرَج بنفسه وصلَّى على قبرها.

 

مسألة: يُصلِّي على القبر، فإنْ كان رجلاً وقف عند رأسه، وإنْ كانت أنثى وقفَ عندَ وسط القبر.

 

(وعلى غائبٍ بالنيَّة)؛ أي: غائب عن البلد، ولو دون المسافَة، أمَّا في البلد فلا يشرع أن يُصلَّى عليه صلاة الغائب.

 

(إلى شهر)؛ أي: يُصلَّى على الغائب وعلى القبر إلى نهاية شهر؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "صلَّى على قبر إلى شهر"، والصحيح: أن يُصلَّى على الغائب والقبر، ولو بعدَ شهر، إلا أنَّ بعض العلماء قيَّده بقيْد حسن، قال: بشرْط أن يكونَ هذا المدفون مات في زمن يكون فيه هذا المصلِّي أهلاً للصلاة، ولا يُصلَّى على الغائب إلا على مَن لم يُصلَّ عليه، حتى وإنْ كان كبيرًا في عِلمه أو جاهه أو غير ذلك، وهذا القول أقربُ إلى الصواب.

 

(ولا يُصلِّي الإمام على الغالِّ) إذا أطلق الفقهاء الإمام، فالمراد به: الإمام الأعظَم؛ أي: رئيس الدولة، والغال: هو مَن كتَم شيئًا مما غنمه في الجهاد. ولا تسقط الصلاةُ عن بقيَّة المسلمين؛ لما رُوي عن زيد بن خالد - رضي الله عنه - قال: "تُوفِّي رجل مِن جُهينة يوم خيبر فذُكر ذلك لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((صلُّوا على صاحبِكم)) فتغيَّرتْ وجوه القوم، فلما رأى ما بهم، قال: ((إنَّ صاحبَكم غلَّ في سبيل الله))، ففتشْنَا متاعه، فوجدْنا فيه خرزًا مِن خرز اليهود لا يُساوي درهمين".

 

(ولا على قاتل نفسه) لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – "أُتي برجلٍ قد قتل نفسَه بمشاقص فلم يُصلِّ عليه"، ولكن يُصلِّي عليه بقيةُ الناس؛ لأنَّه مسلم، وكل مَن في امتناعه عن الصلاة نكال فإنَّه يُسنُّ له ألاَّ يصلي على الغال ولا على قاتل نفسه.

 

والصحيح: أنَّ ما ساوى هاتَين المعصيتين، ورأى الإمامُ المصلحةَ في عدم الصلاة عليه، فإنَّه لا يُصلِّي عليه.

 

(ولا بأسَ بالصلاة عليه في المسجِد) لحديث عائشة - رضي الله عنها - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلَّى على سهْل بن بيضاء في المسجد".

 

(فصل)

(يُسن التربيع في حمْله) لحديث ابنِ مسعود - رضي الله عنه - وفيه: "مَن اتَّبع جنازة فليحملْ مِن جوانب السرير كلها فإنَّه مِن السُّنة"، وصفة التربيع: أن يأخذ بجميع أعمدةِ النعش.

 

(ويباح بين العمودين)؛ أي: بأن يكون أحد العمودين على كتفه الأيمَن والآخَر على كتفه الأيسر، هذا إذا كان النعش صغيرًا، أما إذا كان واسعًا فيجعل عمودًا على يدِه اليمنى، وعمودًا على يدِه اليسرى، واستدلوا: بأنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - حمل جنازة سعد بن معاذ بيْن العمودين.

 

والذي يظهر لي في هذا: أنَّ الأمر واسع، وأنَّه ينبغي أن يفعل ما هو أسهل.

 

(ويسن الإسراع بها)؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أسْرِعوا بالجنازة؛ فإنْ تكُ صالحةً فخيرٌ تقدِّمونها إليه، وإن تكُ سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رِقابكم)).

 

(وكَوْنُ المشاة أمامَها والرُّكبان خلفَها)؛ لورودِ السُّنة عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بذلك، وجاءتِ السُّنة بتخيير الماشي بين أن يكونَ أمامَها أو عن يمينها أو عن شِمالها أو خلفها، حسب ما تيسَّر، وأمَّا السيَّارات فإنَّ الأولى أن تكونَ أمام الجنازة؛ لأنَّ ذلك أكثر طُمأنينةً للمشيعين وأسهل لأهلِ السيَّارات.

 

مسألة: حمل الجنازة بالسيَّارة لا يَنبغي إلا لعُذر.

 

(ويُكره جلوس تابعها حتى توضَع)؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا تبعتُم جنازةً، فلا تجلسوا حتى تُوضَع)).

 

(ويُسجَّى قبر امرأة فقط) عندَ إدخالها القبر؛ مِن أجل ألا تُرى؛ ولما رُوي عن علي - رضي الله عنه -: "أنَّه مرَّ بقوم يدنون ميتًا رجلاً، وقد سجوه فجذبه، وقال: إنَّما يُصنع هذا في النِّساء".

 

مسألة: يدخل مِن عند رجليه، ثم يدخل رأسه سلاًّ في القبر، هذا هو الأفضل.

 

(واللحْدُ أفضل مِن الشق) اللحد: أن يُحفَر للميِّت حفرةٌ في قاع القبْر من جِهة القِبلة، ويجوز مِن جهة خلف القِبلة، والشق: أن يُحفر للميِّت في وسط القبر حُفرة، ثم يُوضع لَبِن على جانبي الحُفرة التي بها الميت؛ مِن أجل ألاَّ ينهد الرمل، ثم يوضع الميِّتُ بين هذه اللبنات.

 

مسألة: التعمُّق سُنة، فيعمق في الحفر، والواجب: ما يمنع السِّباع أن تأكله، والرائحة أن تخرُج منه.

 

(ويقول مدخلُه: بسم الله وعلى مِلَّةِ رسول الله)، وقد جاءتِ السُّنة بذلك، والذي يتولَّى إدخالَه وصيُّه، وإن لم يكن له وصيٌّ فنبدأ بأقاربه، وإنْ لم يكن له أقارب، فأي واحِد مِن الناس، ولا يشترط فيمَن يتولى إدخالَ الميتة في قبرها أن يكونَ مِن محارمها.

 

(يضعه في لحدِه على شقِّه الأيمن)، وعلَّلوا ذلك: بأنَّها سُنَّة للنائم، والنَّوم والموت كلاهما وفاة.

 

(مستقبل القبلة)؛ أي: وجوبًا؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الكعبة قِبلتكم أحياءً وأمواتًا))؛ ولأنَّ هذا عملُ المسلمين الذي أجمعوا عليه.

 

مسألة: يُسنُّ لِمَن حضر الدفن أن يحثوَ ثلاث حثيات؛ لفعل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

(ويرفع القبر عن الأرْض قدْر شبر)، والشبر: ما بين رأس الخنصر والإبهام. (مسنّمًا)؛ أي: يجعل كالسنام بحيث يكون وسطه بارزًا على أطرافه.

 

والدليل: أنَّ هذا هو صِفة قبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – وصاحبيه.

 

(ويُكره تجصيصه)؛ أي: يوضع فوقَه جصّ؛ لأنَّ هذا داخل في تشريفه، وقد قال عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - لأبي الهَيَّاج الأَسَدي: "ألاَ أبعثك على ما بعثَني عليه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ألاَّ تدَع صورةً إلا طمستَها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيتَه".

 

(والبناء) عليه؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهَى عن ذلك؛ أي: عن تجصيصها، وعن البناء عليها، والأصل في النهي التحريم؛ ولأنَّ هذا وسيلةٌ إلى الشرك، فالصحيح: أنَّ تجصيصها والبناء عليها حرام.

 

(والكتابة) قال شيخُنا عبدالرحمن بن سعدي: المراد بالكتابة: ما كانوا يفعلونه في الجاهلية مِن كتابات المديح والثناء؛ لأنَّ هذه هي التي يكون بها المحظور، أمَّا التي بقدْر الإعلام، فإنها لا تُكره.

 

(والجلوس والوطء عليه)، والصواب: أنَّه محرَّم؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لأن يجلسَ أحدكم على جمرةٍ فتخرق ثيابَه فتمضي إلى جلدِه، خيرٌ له مِن أن يجلسَ على القبر))، وكذلك الوطء؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهى عن ذلك.

 

(والاتكاء إليه)؛ لأنَّ في هذا امتهانًا للقبر.

 

(ويحرُم فيه دفْنُ اثنين فأكثر)، والدليل على ذلك: عمَل المسلمين من عهد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى يومنا هذا، والراجح عندي: القول الوسَط، وهو الكراهة.

 

(إلاَّ لضرورة) وذلك بأن يَكثُر الموتى، ودليل ذلك: ما صنَعه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في شُهداءِ أُحد حيث أمرهم أن يدفنوا الرَّجلين في قبْر واحد، ويقول: ((انظروا أيهم أكثر قرآنًا فقدِّموه في اللحد)).

 

(ويُجعَل بيْن كلِّ اثنين حاجِز من تراب)؛ ليكونَا كأنهما منفصلان، وهذا على سبيلِ الأفضلية.

 

(ولا تُكرَه القراءة على القبر) والصحيح: أنَّه مكروه، سواء كان ذلك عندَ الدفن أو بعدَه؛ لأنَّه لم يعمل في عهد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعهد الخلفاء الراشدين.

 

(وأي قُربة فعَلَها وجعل ثوابها لميِّت مسلِم أو حي نفَعَه ذلك)، فإنْ كان ميتًا ففعل الطاعة عنه قد يكون متوجِّهًا؛ لأنَّ الميِّت محتاج ولا يمكنه العمل، لكن إن كان حيًّا قادرًا على أن يقومَ بهذا العمل، ففي ذلك نظَر؛ وهذا لم يعهد عن الصحابة ولا عنِ السَّلف الصالح، وإنما الذي عُهِد منهم هو جعْل القُرَب للأموات، اللهمَّ إلا ما كان فريضةً كالحج، فإنَّ ذلك عُهد على عهْد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لكن بشرْط أن يكون المحجوج عنه عاجزًا عجزًا لا يُرجَى زواله، والدليل على أنَّ ذلك نافع، أنَّ بعض هذه المسائل وقَع في عهد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأجازها، فمِن ذلك: حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنَّ أمِّي افتلتتْ نفسها، وإنها لو تكلَّمتْ لتصدَّقت، أفأتصدَّق عنها؟ قال: ((نعم))".

 

يبقى النظر: هل عملُ العامَّة اليوم على صواب؟ وعمَل العامة أنهم لا يعملون شيئًا إلا جعلوه لوالديهم وأعمامِهم وأخوالهموما أشبه ذلك، مع أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يرشدِ الأمة إلى هذا، فإنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا ماتَ الإنسان انقطَع عمله إلا مِن ثلاث: صدقةٍ جارية، أو عِلم يُنتفع، أو ولدٍ صالح يدْعو له))، فعُدول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن العملِ إلى الدعاء، يدلُّ: على أنَّه ليس مِن المشروع أن تجعل الأعمالَ للأموات، وإنْ كنت تريد أن تنفعَهم فادعُ الله لهم، ونحن لا ننكر أنَّ الميِّت ينتفع، لكن نُنكر أن تكونَ المسألة بهذا الإفراط.

 

(وسُنَّ أن يُصلح لأهل الميِّت طعامٌ يُبعَث به إليهم)، ولكن السنة تدلُّ على أنه ليس بسُنة مطلقًا، وإنما هو سُنة لمن انشغَلوا عن إصلاح الطعام بما أصابهم مِن مصيبة؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين جاء نعيُ جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه -: ((اصْنَعوا لآل جعفرٍ طعامًا؛ فقدْ أتاهم ما يشغلهم)).

 

(ويُكرَه لهم فعلُه للناس)؛ أي: لأهل الميِّت أن يصنعوا طعامًا ويدْعوا الناس إليه؛ لأنَّ الصحابة - رضي الله عنهم -: "كانوا يعدُّون صُنعَ الطعام والاجتماعَ لأهل الميِّت مِن النياحة".

 

(فصل)

(تسن زيارة القبور) وهذه الزِّيارة زيارةٌ للدعاء لهم، وليستْ لدعائهم، وسُنة الزيارة ثابتة: بالسُّنة والإجماع، فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كنتُ نهيتُكم عن زيارةِ القُبور، فزُورها؛ فإنَّها تُذكِّركم الآخرة)).

 

(إلا لنساء) والصحيح: أنَّ زيارة المرأة للقبور مِن كبائر الذنوب؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "لَعَن زائراتِ القبور"، واللعن لا يكون إلاَّ على كبيرة، والذي يترجَّح عندي أنه لا استثناءَ لزِيارة النساء لقبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقبْرَيْ صاحبيه، وإذا مرَّتِ المرأة بالمقبرة بدون قصْد الزيارة فلا حرَج أن تسلِّم على أهل القبور وتدْعو لهم، وإذا خرجتْ لقصد الزيارة فيصدق عليها اللعن.

 

(ويقول إذا زارها: السلام عليكم) يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من مسلم يمرُّ بقبر أخيه كان يعرِفه في الدنيا فيسلِّم عليه، إلا ردَّ الله عليه رُوحَه حتى يردَّ عليه السلام))، وقد صحَّحه ابن عبدالبر وأقرَّه ابن القيم، فلا يبعد أنَّك إذا قلت لأهل المقبرة: "السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين" أنَّهم يسمعون.

 

(دارَ قوم مؤمنين)؛ أي: يا دار، والمراد: أهلها.

 

(وإنَّا إنْ شاء الله بكم لاحِقون، يَرْحَم الله المستقدِمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تَحرِمْنا أجرهم) بالحزن عليهم وبأجْر الزِّيارة؛ أي: لا تحرمنا أجْرَ الزِّيارة.

 

(ولا تفتِنَّا بعدهم)؛ لأنَّ الإنسانَ قد يفتن بعدَ موت أقاربه وأصحابه ومشايخه وغير ذلك.

 

(واغفرْ لنا ولَهم، وتُسنُّ تعزيةُ المصاب بالميِّت)، وأحسن لفظ قيل في التعزية: ما اختارَه الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - عندَما جاءه رسولٌ من إحدى بناته يقول: إنَّ عندها طفلاً يُحتضر، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لها: ((إنَّ لله ما أخَذ، وله ما أعْطَى، وكل شيءٍ عنده بأجلٍ مسمًّى، فمُرْها فلتصبرْ ولتحتسبْ)).

 

(ويجوز البُكاء على الميِّت)؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكَى على ابنه إبراهيم، وقال: ((العين تدْمَع، والقلْب يحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا، وإنَّا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون))، "وبَكى عند قبر إحدى بناتِه وهي تُدفَن"، وهذا في البُكاء الذي تمليه الطبيعة، ولا يتكلَّفه الإنسان.

 

(ويَحرُم الندب) الندب: هو تَعداد محاسن الميِّت بحرف الندبة، وهو "وا"، فيقول: " واسيِّداه!"، وهكذا، وسُمِّي ندبًا، كأنَّ هذا المصاب ندبَه ليحضر بحرف موضوع للندبة.

 

(والنياحة) وهي: أن يَبكي ويندب برنَّة تشبه نوح الحمام؛ لأنَّ هذا يُشعِر بأنَّ هذا المصاب يتسخَّط من قضاء الله وقدَره؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((النائحة إذا لم تَتُبْ قبل موتها، تُقام يوم القيامة وعليها سربال مِن قَطِران، ودِرْع من جرَب))، وإنَّما خصَّ النائحة؛ لأنَّ النياحة غالبًا في النساء لضعفهنَّ.

 

(وشقّ الثوب ولطْم الخد)، وكذلك لطم غير الخد، فكلُّ هذا مِن المحرَّم.

 

(ونحوه) مثل: نتْف الشَّعر، ومثل أن يقول: يا ويلاه، يا ثبوراه! وما أشبهه؛ لأنَّ هذا كله يدلُّ على تسخطه مِن المصيبة، وقد تبرَّأ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن أمثال هؤلاء، فقال: ((ليس منَّا مَن لطَم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوَى الجاهليَّة)).

 

تم الانتهاء من انتقاء المجلد الخامس ولله الحمد





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (1)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (2)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (3)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (4)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (5)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (6)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (7)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (8)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (9)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (10)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (11)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (13)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (12)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (14)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (15)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (16)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (17)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (18)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (19)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (21)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (22)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (24)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (25)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (26)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (27)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (28)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (31)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (32)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (33)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (34)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (35)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (36)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (37)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (38)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (39)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (40)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (41)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (42)
  • المنتقى المشبع من الشرح الممتع (43)

مختارات من الشبكة

  • شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستقنع" (4)(مقالة - ملفات خاصة)
  • شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستقنع" (3)(مقالة - ملفات خاصة)
  • شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستقنع" (2)(مقالة - ملفات خاصة)
  • شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستنقع" (5)(مقالة - ملفات خاصة)
  • شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستنقع" (1)(مقالة - ملفات خاصة)
  • مختصر كتاب المناسك من الشرح الممتع على زاد المستقنع (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مختصر كتاب المناسك من الشرح الممتع على زاد المستقنع(مقالة - ملفات خاصة)
  • إتحاف العباد بشرح كتاب الزاد: شرح كتاب الصلاة إلى باب الأذان والإقامة من زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تسهيل المسالك بشرح كتاب المناسك: شرح كتاب المناسك من كتاب زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • العناية بشروح كتب الحديث والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب