• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآية ( 28 )

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/6/2011 ميلادي - 14/7/1432 هجري

الزيارات: 30029

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة (4)

[28]


فصل:

وإذا كان النقض في اللغة العربية هو إفساد ما أبرم، سواء كان الإبرام حسيًا أو معنويًا فإن نقض عهد الله أو عهوده الفطرية والشرعية نقض لما أبرم إبرامًا معنويًا وإفساد له، علمنا أنهم بإفساد هذا المبرم إفسادًا معنويًا قد تسببوا إلى جميع أسباب الفساد والإفساد الحسي والمعنوي، فإنه بخروجهم عن سنة الله وإفسادهم ما أبرمه الله من العهد الفطري فسدت عقولهم ومن فسد عقله فسدت جميع تصوراته، ومن فسدت جميع تصوراته فلا عجب أن يعبد ما ينحت، بل لا عجب أن يصور من التمر تمثالًا يعبده، فإذا جاع أكله دون أي تفكير أو اعتبار كما فعل ذلك عمر بن الخطاب حين الجاهلية لما كان مشركًا، وهو عمر المشهور في الجاهلية بشجاعته وفراسته، لكن فساد التصور جعله يتردى بعقليته إلى هذه الحال المضحكة التي لم يشعر بسخافتها إلا بعد الإسلام الذي استنارت به بصيرته طولا عجب ممن فسدت جميع تصوراته أن يفقد الاتكال على الله وأن يقتل أولاده خشية أن يطعموا معه، كما أوضح القرآن ذلك ونهى عنه، وها نحن الآن نرى الذي يتبجحون بالعلم والتنور والمدنية ينادون بتحديد النسل خشية من عدم كفاية الأرزاق والأعمال في الأرض.

 

ويروجون هذه السخافة بين الناس بدون تروٍّ، فيا لها من سخافة أشنع من سخافة الأوائل الأميين. ومن أفسد المبرم من عهده الله الشرعي فاخل بالواجبات ولم يبال بانتهاك المحرومات، فما هذا إلا لفساد عقله وفساد جميع تصوراته، لأنه في الجملة لا ينكر الله ولا ينكر فضله، فكيف يعصيه ويخونه في عهده الشرعي، ولكن فساد التصور يجعله مع هذا يحرم ما أحل الله ويبيح ما حرم الله، فيكون على أشنع حالة من الكفر والعياذ بالله ثم ينجر بذلك إلى قطع ما أمر الله به أن يوصل فيحصل الشر المستطير في الفرقة والشقاق وموالاة الكفرة ومجانبة المسلمين أو معاداتهم، فتتفرق الصفوف، وتتبدد الطاقات، ويستعلي أعداء الإسلام على أهله بسبب المنافقين الذين قطعوا ما أمر الله به أن يوصل من الميثاق الإسلامي الذي يربط المسلمين بعضهم ببعض على اختلاف أممهم وشعوبهم فيجعلهم كالجسد الواحد يتألم بعضهم لبعض، ويساعد بعضهم بعضًا، ويزور بعضهم بعضًا، ويغضب كل منهم لغضب الآخر، ويثور لكرامته، ويرخص النفس والنفيس في سبيله لأجل الحب في الله، والبغض في الله الذي هو لباب الدين وثمرته. فما أعظم جناية المنافقين على المجتمع الإسلامي بضلالهم العظيم وفسقهم المبين الذي جر على الأمة جميع أنواع الوبال.

 

هذا زيادة على الإفساد في الأرض، فما أعظم نعمة الله علينا في تشخيص طبائع الكافرين والمنافقين وتصوير نماذجهم وتوضيح آثارهم الهدامة للمجتمع الإسلامي الذي ما زال يواجه شرهم منذ عهد النبوة إلى زماننا هذا، الذي تفاقم فيه شرهم وازاداد رجسهم وفسادهم، لكن باختلاف في الاسماء والمظاهر، ولا أعظم من فسادهم في فتنة الناس عن ملة إبراهيم عليه السلام وتوجيههم إلى ما يخالفها من مخططات الماسونية التي تولى كبرها طواغيت اليهود والنصارى، والتي برز بسببها من يخدم دولة اليهود من حيث يشعر أو من حيث لا يشعر، ذلك أن استباحة ما حرم الله كفر صريح يحرم أهله مدد الله ونصره، زد على ذلك أنواع الشر والفسوق والعصيان الذي لا يمكن معه تحقيق جهاد ولا ثبات في مواطن الجهاد والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

وقوله تعالى: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [28].

هذه الآية الكريمة متصلة بما قبلها من الآيات ومرتبطة بها ارتباطًا وثيقًا والتساؤل فيها موجه إلى الفاسقين ومبني على ما عدد من قبائحهم السابقة لتزايد السخط الموجب مشافهتهم بالتقريع والتوبيخ، لضلالهم بالأمثال التي هي من أشد أسباب الهداية تأثيرًا، وبنقضهم العهود الموثقة، وقطعهم ما أمر الله به أن يوصل، فيوجه الله هذا الاستفهام الإنكاري التعجبي، لأن معهم من الآيات لذي العقول ما يصرفهم عن الكفر ويدخلهم في الإيمان، فيقول سبحانه: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ﴾ يعني: بأي صفة  من صفات الكفر تأخذون، وبأي شبهة تعتمدون، وحالكم في تلك الموتتين والحياتين تأبى عليكم ذلك، ولا تدع لكم عذراً ولا لشكواكم مجالاً وذلك أنكم: كنتم أمواتاً فأحياكم.

 

يعني: أنكم كنتم قبل هذه النشأة الأولى أمواتًا قد انبثت أجزاؤكم في الأرض وفي سائر طبقاتها الجامدة والسائلة والغازية الهوائية وغيرها، لا نفرق بينها وبين أجزاء سائر النبات والحيوان في ذلك، إذ لا حياة فيها ولا روح، فخلقكم أطوارًا من سلالة من طين حتى كنتم بالطور الأخير في أحسن تقويم، وفضلكم على غيركم من المخلوقات بالعقل.

وليس معنى إماتتهم الأولى خروج أرواحهم من أجسادهم كما زعمه بعض المؤولين، لأن هذا الخطاب ليس موجهًا إلى أهل القبور بعد إحيائهم في قبورهم، لأن التوبيخ هنالك يكون توبيخًا على ما سلف من إجرامهم، وليس له معنى هنا، إذ التوبيخ هنا توبيخ استعتاب واسترجاع.

 

وقد حكى المفسر الكبير أبو جعفر بن جرير الطبري روايات كثيرة عن الصحابة والتابعين اختار منها روايتين مناسبتين للمقام:

إحداهما: عن ابن مسعود وناس من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم قالوا في قوله تعالى: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً... ﴾ إلخ يقول: لم تكونوا شيئاً فخلقكم ثم يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة.

ثانيهما: عن ابن عباس في قول الله عنهم: ﴿ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ [غافر: 11] قال: كنتم ترابًا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم فهذه إحياءة، ثم يميتكم فترجعون للقبور فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه إحياءة أخرى.

فهما ميتتان وحياتان، فهو كقوله تعالى: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ انتهى. وهذا هو الصحيح الذي لا يرد عليه من الإيرادات ما يؤبه له أبدًا.

 

وهنا قول آخر وجيه يؤيد قول من فسر الميتة الأولى بالنطفة وهو:

أن الموتة الأولى مفارقة نطفة الرجل جسده إلى رحم المرأة، فهي ميتة من حين فراقها للجسد الذي خرجت منه إلى أن يحييها الله بنفخ الروح فيها برحم المرأة فتخرج بشرًا سويًا، ثم تموت بعد استيفاء أجلها المقدر فهذه الموتة الثانية، ثم تحيا حين النفخ في الصور فهذه الحياة الثانية.

ووجه مناسبة القول هذا: تعليلهم بأن كل شيء من ابن آدم حي ما لم يفارق جسده الحي، وكل ما فارق جسده الحي مات، فكذلك نطفته حية بحياته، فإذا خرجت منه ماتت حتى يحييها الله ثانية في رحم المرأة.

 

وفي قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ أي: يقبض أرواحكم التي فيها قوام حياتكم، فتنحل أبدانكم بمفارقتها إياها وتعود إلى أصلها ميتة منبثة في طبقات الأرض حتى ينعدم وجودها ما عدا (عجب الذنب) ثم إنه سبحانه وتعالى لمحييكم حياة ثانية كما أحياكم بعد الموتة الأولى حياة تكون أرقى وأكمل من الحياة السابقة إن أنتم حققتم طاعة الله والإيمان به، لأنكم في الحياة الثانية ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ فينبكم بما عملتم ويحاسبكم على ما اقترفتم.

وإذا كان هذا مبدؤكم وذلك منتهاكم  فكيف تكفرون به وتنكرون أن يكون القرآن من عنده، وتنكرون أن يضرب لكم أمثالاً تهتدون بها، وتستنكرون أن يبعث فيكم رسولاً منكم مع أنه لو أرسله من غير جنسكم لتغير موقفكم ومنطقكم.

حقًا إن الكفر بالله مع قيام هذه الدلائل الواضحة في أنفسهم وفي الأكوان مما تقدم شيء قبيح يمتنع وجوده من عاقل يحترم نفسه، إذ لا حجة له على مقابلة هذه النعم بالكفر والإعراض والمكابرة، فمن عظيم هداية الله في وحيه المبارك أنه يواجه البشر بحقائق واضحة ناصعة لابد لهم من التسليم بها والاعتراف بأحقيتها وإسلام وجوههم للخالق الجبار والرزاق الوهاب القهار.

 

لقد كانوا موتى بين أطباق التراب فأحياهم ويسر لهم معائشهم كما فصلناه ثم يميتهم أخرى موتة يشاهدونها في آبائهم وإخوانهم وأقرانهم لا يمكن لهم إنكارها. إما إحياؤهم ثانية وحشرهم إلى الله فهو أمر واضح حقيقي يدلل الله عليه في آياته الكونية بما لا ينكره إلا المعاندون؛ لأنه إذا تقرر خلق الله لهذه الخليفة ابتداءً فإعادتها أسهل عليه كما نص على ذلك في الآية (27) من سورة الروم: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم: 27] فكيف يكفر بالله من كان وجوده من الله وساكن في ملك الله، يرفع في فضل الله ويتمتع بضيافة الله.

 

وها هنا مسائل:

الأولى: قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ ما السر في تراخي الإرجاع إلى الله عن الحياة الثانية، حياة البعث؟

الجواب: أن هذا التراخي بتقييد النص عبارة عن تأخير الحساب والجزاء وطول زمن الموقف والانتظار، كما ورد في حديث الشفاعة العظمى وغيره من الأحاديث، فلذا ساغ الإتيان بكلمة (ثم) التي هي للتراخي والترتيب بعد ذكر الحياة الثانية، والله أعلم.

 

الثانية: لقائل أن يقول: كيف يحتج عليهم بالحياة الثانية قبل الإيمان بالوحي الذي هو دليل ومثبتها؟

والجواب من وجهين:

أحدهما: أن تمثيل إحدى الحياتين بعد الموت بالأخرى داحض لحجة من يزعم عدم إمكانية الثانية؛ لأن ما جاز في أحد المثلين جاز في الآخر.

وثانيهما: أنه احتجاج على مجموع الناس بما عليه الكثير منهم، ولا عبرة بالشذاذ المنكرين للبعث؛ لأن الاحتجاج بالحياة الأولى بعد الموتة الأولى كاف للتعجب من كفرهم بالله وإنكارهم أن يضرب الأمثال لهداية الناس زعمًا أن هذا لا يليق بعظمته. ومن عادة كل مبطل ينكر آيات الله  أن يسلك مسلك التلبيس في زعمه تعظيم الله تغريرًا للسامعين وترويجًا لما يريد من باطله، ولكن الله سبحانه يدلل لنا في آياته إلى أن من وجد هذا الإنسان وجعله في أحسن تقويم وركب صورته من تلك الذرات الصغيرة والنطفة المهينة والعلقة الدموية أو الدودية والمضغة اللحمية لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها والكلام مع أنه مسوق لإبطال شبهات منكري الأمثال والقرآن الذي جاء بها فهو أيضًا محتو على تقرير التوحيد وتفيد أنواع الكفر بالله بأحسن عبارة وأفحم حجة وألطف منطق يدخل القلوب. كما أنه يحتوي على تقرير الإيمان بالبعث وعدم استحالته بل سهولته كما نص الكلام عليه والتذكير بآية الروم رقم (27) تلك الآية المصرح بها أن الإعادة أهون على الله من البدء، يعني: بدء الخليقة.

 

وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [29].

بعد ما ذكر الله الناس بآياته النفسية مخبراً لهم أنه أحياهم وهم أموات، وأنه مميتهم ثانية ومحييهم ثانية للبعث والنشور، أخذ يذكرهم بآياته الكونية في الآفاق، ويذكرهم بسوابغ نعمه عليهم، تلك النعم التي لا حصر لها على الإطلاق ليصور في هذه الآية عظيم قدرته وشمول نعمته بقوله سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ﴾.

 

وأي رب عظيم ومنعم كريم يستحق الحب والتعظيم والإجلال سواه، بل يجب أن تكون محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم أعلى وأغلى من محبة الإنسان لنفسه وولده وأهله ووالده والناس أجمعين، وأن يفدي دينه ويفدي رسالته بالأموال والأرواح، وأن يقدم مراده على مراد النفس ومحبوباتها أجمعين. إنه يستحق الحمد الصحيح والشكر العملي الصحيح. صدق الله العظيم: ﴿ قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ﴾ [عبس: 17] الله الذي خلق للناس  جميع ما في الأرض وهيأه لهم وأعده لمنافعهم، كيف ينصرفون عنه إلى غيره؟!!

 

وللانتفاع بما في الأرض عدة طرق:

أحدها: تسخير جميع ما فيها واستثماره.

ثانيها: الانتفاع بجميع ما فيها من الماديات انتفاعًا جسديًا.

ثالثها: الانتفاع بكل مادة ودابة انتفاعاً حربياً يقدرون به على نيل الغايات وقمع الاعتداءات.

رابعها: الانتفاع العلمي الذي يقدرون به على تسخير كل دابة ومادة يرتفع بها مستوى حياتهم وتنتعش اقتصادياتهم ويعلو مجدهم ويرتفع شأنهم ويزول البؤس من محيطهم.

خامسها: الانتفاع الروحي في النظر والاعتبار.

 

ومن هذه الآية الكريمة أخذ علماء الإسلام قاعد أصولية وهي: أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يقوم دليل التحريم، لأن الله أباح لنا الانتفاع بعموم ما في الأرض برها وبحرها وما على ظهرها وما في باطنها من كل دابة ومادة على الإطلاق وما لا نقدر على الانتفاع به حسياً ننتفع به معنويًا.

وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تحريم أكل الطين، لأنه خلق لنا ما في الأرض دون نفس الأرض، وهذا التفريق غير مسلَّم لولا ورود النص عنه صلى الله عليه وسلم بتحريم أكل التراب لضرره.

 

وقال الرازي: إن لقائل أن يقول: إن في جملة الأرض ما يطلق عليه أنه في الأرض فيكون جامعاً للوصفين. ولا شك أن المعادن داخله في ذلك وكذلك عروق الأرض وما يجري مجرى البعض لها، ولأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه. ا. هـ.

وذكر الزمخشري ما هو أوضح من هذا فقال: فإن قلت هل لقول من زعم أن المعنى: خلق لكم الأرض وما فيها وجه صحة؟ قلت: إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء كما تذكر السماء ويراد بها الجهات العلوية جاز ذلك فإن الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية. ا. هـ.

وأما التراب فلو حرم أكله كما ورد في السنة فإنه يتنفع به في أمور كثيرة نافعة مباحة غير الأكل.

 

ويؤخذ مما تقدم عدة فوائد:

أحدها: أنه لا يجوز إهمال تسخير الماديات واستثمارها، فإن المسلمين مسئولون عن تعطيل مواهبهم في ذلك حتى سبقهم المبطلون فكانوا كمن سمح للصوص بالسبق إلى الأسلحة، فإن هذه أسلحة مادية خطيرة من سبق إليها تحكم في مصير الآخر. قال الله تعالى في سورة الجاثية: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ ﴾ [الجاثية: 13] فما فائدة هذا التسخير إذا لم نقم بتصريفه واستثماره.

ثانيها: لا يجوز تحريم شيء مما وهبه الله لنا إلا بدليل مما استثنى الله تحريمه فإن جريمة تحريم الحلال كجريمة إباحة الحرام، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [المائدة: 87].

ثالثها: كل ما امتن الله علينا بخلقه وجب علينا فرض كفاية كتعلم العلم الذي نستطيع بسببه الانتفاع به من معرفة طريق استخراجه أو تصفيته أو تكييفه بغيره ونحو ذلك من ضروريات التسخير والاستثمار.

 

وقوله تعالى: ﴿ ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ يخبر سبحانه وتعالى عن تصرفه بالعوالم العلوية بعد أن خلق لنا العالم السفلي وهيأه لمصالحنا ﴿ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء ﴾ يعني أقبل إليهن أو علا عليهن وارتفع فدبرهن بعزته وعدل خلقهن بتسوية لا اعوجاج فيها، فهو كقوله سبحانه: ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ﴾ [الأعلى: 2] فإنه هيأهن وخلقهن ودبرهن وقومهن. والتسوية في كلام العرب التقويم والإصلاح والتوطئة، كما قال يقال: سوى فلان لفلان هذا الأمر إذا قومه وأصلحه، فتسوية الله لسمواته تقويمه إياهن على مشيئته وتدبيرهن على إرادته وتفتيقهن بعد أن كانت رتقاً كما حكاه ابن جرير عن الربيع بن أَنَس.

 

والسماء في الحقيقة سبع وإن عبر عنها بواحدة، ولا تعارض بين هذه الآية والآية التي في سورة فصلت: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [فصلت: 11- 12]. فإن في آية سورة البقرة إجمال وفي آيات سورة (فصلت) تفصيل.

 

والغرض من الجميع تقرير التوحيد بإثبات عظم قدرة الله الذي خلق الأكوان العلوية والسفلية بما فيها من كل دابة ومادة وقدر فيها أقواتها وأرزاقها وأوحى في كل سماء أمرها في ستة أيام - الأرض في أربعة أيام والسماء في يومين - إذ من المعلوم الحسي والعقلي الذي لا جدال فيه أن خلق هذه الأكوان العظيمة أكبر من خلق الناس أولاً، وثانياً: أن خالقها لا يعجزه إعادة الناس للحشر والمعاد، لأنه لا يعجزه شيء، فسياق الآيات كلها يدور على تركيز العقيدة وحماية الفطرة من غزو الشياطين الفكري.

واعلم أنه لا يجوز الشرود بمعنى الاستواء الذي هو العلو والارتفاع اللائق بجلال الله والمخالف لعلو المخلوقين وارتفاعهم إلى تأويلات لم يعرفها الرسول المبلغ الناصح الأمين - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه ولم يلجأ إليها هو أو أصحابه فرارًا مما تخوف منه المتأخرون الذين فسدت فطرتهم، والذين لم يأتوا بتأويل إلا وألزموا فيه بإلزامات  محرجة تضطرهم إلى التكلف فيلتزمونها بادئ الأمر بإمرارها على ظاهرها بدون تأويل ويستريحون.

ولنا عودة طويلة إلى مثل ذلك في سورة الأعراف عند الكلام على الاستواء إن شاء الله، ولو أن السادة الأشعرية والماتريدية ونحوهم - رحمهم الله تعالى- عاشوا في مثل هذا العصر الذي تكلم فيه الحديد وأتت الآلات الإلكترونية المسماة بالعقول الإلكترونية بالعجائب والغرائب.

 

أقول: لو أنهم - رحمهم الله - شاهدوا ذلك لما ضاقوا ذرعًا في إثبات صفات الله على ظاهرها كما يليق بجلاله، لأن مقصدهم شريف وهو التنزيه فصعب على أذهانهم إثبات سمع بلا جارحة، وعين بلا جارحة، واستواء أو نزول بلا حركة وانتقال، أو كلام بلا لسان ولا شفة ولم يسعهم ما وسع المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وغفلوا عن كفاية هديه وتبليغه في ذلك وكمال نصحه للأمة وإشفاقه عليها، خضوعًا منهم لقواعد يونانية لا يجوز إخضاع آيات القرآن لها، ولكن يشفع لهم حسن القصد إن شاء الله، ولو شاهدوا ما شاهدناه في هذا العصر من عجائب ما أقدر الله المخلوق على صنعته لاستراحوا وأراحوا - رحمة الله عليهم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (1 : 16)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 17 : 24 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 25 : 27 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 30 : 36 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 37 )
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (38: 41)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 40 : 44 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 45 : 47 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 49 : 50 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 61 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (64)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 67 : 74 )
  • الهداية في القرآن من خلال سورة البقرة
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (81: 82)
  • تفسير سورة البقرة.. الآية (91)

مختارات من الشبكة

  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تيسير الوصول في تفسير آمن الرسول: الآية (285 - 286) من سورة البقرة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (284)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري)

 


تعليقات الزوار
1- جزى الله الشيخ خير الجزاء
عدنان اسماعيل - كولومبيا 17-06-2011 04:05 PM

جزى الله الشيخ خير الجزاء. أعجبني تفسيره للقرآن الكريم وخاصة لكلمة فسواهن.كلامك سلس ويفهم من قبل القارئ.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب