• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

عقد التأمين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن (3)

د. عباس حسني محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/5/2011 ميلادي - 25/6/1432 هجري

الزيارات: 22737

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عقد التأمين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن (3)


الفصل الثالث

عقد التأمين والغرر

المطلب الأول: الغرر في الفقه الإسلامي:

18- المقصود بالغرر لغة[1]:

الغرر ينطق كالضرر وهو لغة يقصد به الخطر وهو مشتق من الغرة وهي الغفلة والغر هو الغافل واغتر بالشيء خدع به.

 

19- الغرر شرعا:

المعنى الشرعي قريب من اللغوي وهو أن يكون محل العقد مجهولا أو معجوزا عنه أي غير مقدور على تسليمه كعبد آبق أو البعير شارد أو كالطير في الهواء أو السمك في الماء أو أي غائب مجهول مكانه فيكون المتعاقد غافلاً عن محل العقد. وعن أبي هريرة قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر)[2].

والحديث انتقل من التخصيص إلى التعميم لأن بيع الحصاة نوع من الغرر ويقصد به أن يقول بعتك من هذه الثياب ما تقع عليه الحصاة التي أرميها أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما تقع عليه الحصاة أو بعتك وأنت بالخيار إلى أن أرمي هذه الحصاة وبعد رميها يصير البيع لازما.

 

فهذا النوع من البيوع فيه جهالة من ناحية محل العقد فهو من بيوع الغرر. والعلة من النهي هنا هو أن بيع الغرر يؤدي عادة إلى النزاع وإلى إشاعة العداوة والبغضاء بين المتعاقدين ومن صور بيع الغرر بيع حبل الحبلة وهو من بيوع الجاهلية كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها والغرر هنا ناتج من الجهالة الفاحشة في الأجل. وعن عبد الله بن عمر (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة)[3] وهذا اللفظ عام فهو يشمل بيع الجاهلية آنف الذكر ويشمل أيضا أن يبيع ما في بطن الحبلة والجهالة هنا ترجع إلى المبيع ذاته وليس إلى الأجل.

ومن صور بيع الغرر أيضا حديث: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة وبيع المنابذة[4].

والملامسة هي لمس الرجل ثوب الآخر بيده ليلا أو نهارا ولا يقلبه إلا بذلك، والمنابذة أن ينبذ بثوبه (أي يطرحه) إلى الرجل وينبذ الآخر إليه بثوبه ويكون ذلك بيعا من غير نظر إلى الثوبين.

 

20- الغرر والقمار:

قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90][5] وروى عقبه بن نافع عن ابن عمر قال: (الميسر هو القمار) وقال الضحاك عن ابن عباس قال: (الميسر هو القمار كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة)[6].

وقال مالك عن داود بن الحصين أنه سمع سعيد بن المسيب يقول (كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين). فالقمار أو الميسر لا يقتصر على اللعب بل هو يشمل البيوع أيضا. إذ كانوا يبيعون اللحم بالشاة والشاتين دون معرفة قدر اللحم فهذه جهالة فاحشة وهو ميسر أهل الجاهلية. ومن ميسر الجاهلية أيضا الضرب بالقداح على الأموال والثمار وهذا يؤدي إلى الجهالة الفاحشة في هذه الأموال.

 

ومن هنا نستطيع أن نقول أن القمار إنما هو غرر فاحش بطبيعته وهو يؤدي عادة إلى العداوة والبغضاء بين الناس كما ذكر ذلك القرآن الكريم ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾ [المائدة: 91][7] فالقمار نوع من الغرر لأن الغرر قد يكون يسيرا وقد يكون فاحشا والقمار غرر فاحش ولذلك يؤدي إلى العداوة والبغضاء بين الناس.

 

21- عقود لا تتأثر بالغرر:

إن المتتبع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجد أن هناك عقودا لا تتأثر بالغرر مهما كان فاحشا فالحق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبرم عقودا وفيها غرر فاحش مما يدل على أن الغرر لا يؤثر على هذا النوع من العقود لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبرم عقودا باطلة.

 

ومن هذه العقود عقد هوازن[8] فإنه لما قدم وفد هوازن على النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين بعد أن كان قد هزمهم وأخذ منهم سبيا وأموالا كثيرة فطلبوا بعد إسلامهم استرداد السبي والأموال فخيرهم صلى الله عليه وسلم بين السبي وبين المال فاختاروا السبي فخطب المسلمين المنتصرين (الذين وزعت عليهم السبي) فقال: (إني رددت على هؤلاء سبيهم فمن شاء طيب ذلك ومن شاء فإنا نعطيه عن كل رأس عشر قلائص من أول ما يفيء الله علينا) فهذه معاوضة عن الإعتاق كعوض الكتابة بإبل مطلقة في الذمة إلى أجل متفاوت غير محدود فهنا الغرر الفاحش وقع في الإبل موضوع العقد لأنها لم توصف وصفا نافيا للجهالة ووقع أيضا في الأجل لأنه لم يحدد.

 

ومن هذا أيضا ما رواه ابن عمر في حديث حنين[9] من أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل المشركين حتى ألجأهم إلى قصرهم وعاملهم على الأرض والزرع والنخل فصالحوه على أن يخلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلقة (وهي السلاح) ويخرجون منها فهذه مصلحة على مال متميز غير معلوم أي فيه غرر فاحش.

 

وعن ابن عباس[10] قال: صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلة النصف في صفر والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمين وعارية ثلاثين درعا وثلاثين بعيرا وثلاثين من كل صنف من السلاح يغزون بها. فهذه مصالحة على ثياب مطلقة معلومة الجنس ولكنها غير موصوفة بصفات السلم أي فيها غرر فاحش.

 

22- تقسيم العقود من ناحية التأثر بالغرر إلى عقود معاوضات مالية وعقود معاوضات غير مالية:

هذا التقسيم أساسه القصد من العقد (فالقصود في العقود معتبرة وتؤثر في صحة العقد وفساده وحله وحرمته[11] وباستقراء العقود التي أبرمها النبي صلى الله عليه وسلم وفيها غرر فاحش نجد أنها جميعها من عقود المعاوضات غير المالية أي أن المال ليس المقصود الأعظم منها بل هو أمر ثانوي.

والفقه الإسلامي يقسم بكل دقة عقود المعاوضات إلى عقود معاوضات مالية وعقود معاوضات غير مالية فالمالية هي مبادلة مال بمال كالبيع والسلم والصرف والقرض والصلح عن إقرار ويدخل فيها أيضا مبادلة المال بمنفعة المال لأن المنفعة تعتبر مالا عند الفقهاء ما عدا الأحناف[12] ومثال هذه العقود الإجارة والاستصناع والمزارعة والمساقاة والمضاربة.

 

وأما عقود المعاوضات غير المالية فهي مبادلة مال بما ليس بمال ولا منفعة مال كعقد الزواج وعقد الخلع وعقد الكتابة وعقود الصلح عن القصاص والجزية والصلح مع أهل الحرب فهذه العقود يدخلها عنصر آخر هام غير المال ولذلك فإنه إذا وقع الغرر الفاحش في المال (المقابل لذلك العنصر الهام غير المالي) فإنه لا يضر هذه العقود كما رأينا في عقود الصلح التي أبرمها النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل الحرب وكعقد هوازن آنف الذكر.

وبالمثل فإن عقد الزواج عند بعض الفقهاء مبادلة مال بما ليس بمال وهو منافع البضع ولذلك فإن المهر يجوز عدم تحديده.

ويلاحظ أن بعض الفقهاء قد رأى بحق أن المهر إنما هو أثر من آثار عقد الزواج[13] وليس عوضا في عقد الزواج لأن العقد قد يبرم بدون ذكر المهر ويعتبر صحيحا.

وعلى كلا الرأيين يكون عقد الزواج بعيداً عن المعاوضة المالية لأن المال ليس عوضا هاما فيه أو ليس عوضا على الإطلاق.

 

وعقد الخلع هو عقد بين الزوجين تدفع بموجبه الزوجة مبلغا من المال مقابل أن يطلقها زوجها فقصد الزوجة هنا من دفع المال هو الحصول على الطلاق وهو المقصد الهام في العقد ولذلك جاز هنا وقوع الغرر الفاحش في المال المقابل لهذا المقصد غير المالي والهام في العقد.

وكذلك الحال في عقد الكتابة فإن المال ليس المقصود الأعظم من العقد ولكن المقصود هو تخلص الفرد من الرق ولذلك فإن مال الكتابة يجوز فيه الغرر الفاحش ويقال مثل هذا بالنسبة للصلح عن القصاص فإن المقصود هو أن يفتدي الجاني نفسه من المجني عليه أو وليه ولذلك فإن ما يدفعه يجوز فيه الغرر الفاحش وبالنسبة للصلح مع أهل الحرب فقد رأينا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتصالح مع أهل الحرب بموجب عقود فيها غرر فاحش مما يقطع بعدم تأثر هذه العقود بالغرر.

ومن هذا يبين لنا أن العقود التي تتأثر بالغرر الفاحش إنما هي عقود المعاوضات المالية فقط. أما عقود المعاوضات غير المالية فإنها لا تتأثر بالغرر ومن باب أولى عقود التبرعات كالهبة والإبراء فإن المقصود منها هو نية التبرع أو النزول عن المال للغير بلا مقابل وهذا عكس تحقيق الربح ولذلك فهي لا تتأثر بالغرر من باب أولى.

 

وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:

(ولا يقاس على بيع الغرر كل عقد على غرر لأن الأموال إما أن لا تجب في هذه العقود أو ليست هي المقصود الأعظم فيها وما ليس هو المقصود الأعظم إذا وقع فيها غرر لم يفض إلى المفسدة المذكورة في البيع بل يكون إيجاب التحديد في ذلك فيه من العسر والحرج المنفى شرعا يزيد على ضرر ترك تحديده)[14].

والمالكية[15] قريبون من رأى ابن تيمية يجيزون هبة المجهول لأن التبرعات إحسان صرف كما يقولون والجهالة فيها لا تفضي إلى المنازعة وأما الأحناف فهم يشترطون عدم الغرر في جميع العقود حتى التبرعية ولكنهم يغتفرون في التبرعية مالا يغتفرونه في غيرها كالإبراء من المجهول[16] وهم يفتحون باب العرف لتصحيح عقود معاوضات مالية فيها غرر يسير.

وأما الشافعية[17] فهم أشد الجميع فيشترطون عدم الغرر في جميع عقود المعاوضات المالية وغير المالية والتبرعات.

 

23- لا تلازم بين الانعدام والغرر:

خلط الأحناف[18] والشافعية[19] بين الانعدام والغرر وجعلوا بينهما تلازما لا ينفك أبدا فذهبوا إلى عدم جواز التعاقد على المعدوم لأنه من قبيل الغرر واستندوا في ذلك إلى أحاديث صحيحة[20] حملوها على غير وجهها الصحيح فقد فهم الأحناف من هذه الأحاديث أن المعدوم بصفة عامة لا يصلح أن يكون محلا للتعاقد سواء أوجد فيه الغرر أم انتفى.

 

وقد توسع ابن تيمية[21] وابن القيم[22] من الحنابلة فأجازوا بيع المعدوم في جميع أنواع العقود بشرط ابتفاء الغرر الفاحش في عقود المعاوضات المالية وهذا يحصل بوصف المعدوم وصفا نافيا للجهالة ومن ثم فإن عقد الإجارة وهو بيع للمنفعة عقد صحيح أصلا وليس على خلاف القياس كما يزعم الأحناف والشافعية مستندين إلى أن المنفعة معدومة وقت التعاقد بالإضافة إلى أنها ليست بمال عند الأحناف. ولا جدال في أن المنفعة تكون معدومة وقت التعاقد ولكن العقد عليها صحيح ما دامت قد وصفت وصفا نافيا للجهالة وإذا كان التعاقد على ملك المنفعة فهو يشتمل هنا[23] على حق انتفاع المتعاقد بنفسه واستغلال المنفعة بالتصرف فيها.

وإذا اقتصر العقد على انتفاع المتعاقد بنفسه فإنه يبين هل العين للسكنى أم للتجارة مثلا.

ومن هذا يبين أنه يمكن تحديد المنفعة تحديدا ينفي الغرر رغم أن المنفعة وقت التعاقد تكون معدومة.

 

هذا وقد فرق الأحناف[24] بين الغائب الكائن وبين المعدوم فأجازوا بيع الغائب الكائن حتى ولو لم يوصف ولكنهم جعلوا للمشتري في هذه الحالة خيار الرؤية أي الحق في الفسخ حينما يرى المبيع الغائب واتفق بعض الحنابلة مع الأحناف في صحة خيار الرؤية. ولا ريب أن خيار الرؤية ينفى الغرر الفاحش الناتج عن عدم وصف الغائب الموجود.. هذا ومما يؤكد صحة الرأي الذي يقول ببيع المعدوم هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح عقد السلم[25] وهو عقد على معدوم وقت التعاقد ولكنه موصوف وصفا نافيا للجهالة.

وخلص من هذا إلى أن الرأي الصحيح في الفقه الإسلامي أنه يجوز التعاقد على المعدوم في جميع أنواع العقود لأنه لا تلازم بين الانعدام والغرر.

هذا ويشترط في حالة المحل المعدوم أن يوصف وصفا نافيا للجهالة إذا كان العقد من المعاوضات المالية وإذا كان العقد تبرعا أو معاوضة غير مالية فإنه لا يشترط وصفه وصفا نافيا للجهالة ويكفى تسميته لأن الغرر لا يؤثر على هذين النوعين من العقود طبقا للرأي الصحيح الذي نأخذ به هنا وهو رأي ابن تيمية.

 

24- مقرار الغرر المؤثر:

ذهب ابن تيمية إلى أن الغرر اليسير لا يؤثر على عقود المعاوضات المالية أي لابد أن يكون الغرر فاحشا وبنى على هذا جواز بيع المغيبات والمدفونات في الأرض كالجزر والفجل. ويجوز أيضا بيع الحب والثمر في قشره كالجوز واللوز في قشره الأخضر والحب في سنبله والبازلاء في قشرها الأخضر. لأن الغرر هنا يسير فيعفى عنه.

ومالك يجوز أيضا بيع هذه الأشياء لأن رأيه أن الغرر اليسير لا يؤثر. ولكن الشافعي لا يجيز هذه الأشياء في قوله الجديد.

وأبو حنيفة يجوز الغرر اليسير على أساس العرف فقط أي إذا تعارف الناس على عقود معاوضات مالية فيها غرر يسير فهي جائزة عنده للعرف ولذلك فهو يجوز بيع الباقلاء واللوز والجوز في قشورها لأن العرف جرى بذلك. والرأي الصحيح هنا هو أن الغرر اليسير يجب أن يعفى عنه في جميع العقود حتى عقود المعاوضات المالية وذلك لأن توقي الغرر اليسير يؤدي إلحاق الحرج والمشقة بالناس وهذا مخالف لأصل شرعي وهو أن الحرج مرفوع شرعا.

 

وأما الغرر الفاحش فلا خلاف في أنه يؤثر على عقود المعاوضات المالية ولكنه لا يؤثر على عقود المعاوضات غير المالية والتبرعات من باب أولى وهذا على الرأي الصحيح عند ابن تيمية ويوافقه في ذلك المالكية. وهو قريب من رأي أحمد. كما أسلفنا.

 

25- مسألة بيع كالئ بكالئ:

إذا اتفق المتعاقدان في عقد معاوضة مالية على بيع معدوم بمعدوم وقت التعاقد أو بيع دين في الذمة بدين في الذمة فالغالبية العظمى من فقهاء الإسلام يرون عدم صحة هذا حتى ولو وصف المعدوم وصفا نافيا للجهالة وهم يحتجون بحديث ضعيف رواه الدارقطني والطبراني فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ[26]. وعن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع كالئ بكالئ أي دين بدين[27].

 

ويقول الشوكاني في نيل الأوطار عن هذا الحديث: (إن الحاكم صححه على شرط مسلم وتفرد به موسى بن عبيد الربذي وقال فيه أحمد بن حنبل لا يحل الرواية عنه عندي ولا أعرف هذا الحديث من غيره وقال أيضا ليس هذا حديث يصح ولكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع الدين بالدين. وقال الشافعي أهل الحديث يوهنون هذا الحديث وفسروا الكالئ بالكالئ بالنسيئة بالنسيئة فلا يجوز بيع معدوم بمعدوم).

 

وقد ذهب ابن عمر والأوزاعي والثوري ومالك والأحناف والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يصح بيع الدين بالدين أي بيع المعدوم بالمعدوم رغم إقرارهم بأن الحديث ضعيف لا يحتج به.

 

وأما المالكية فقد تخففوا عن غيرهم في بيع الكالئ بالكالئ.

فقد ذهب المالكية إلى اشتراط كون الثمن حالا في السلم لأنه إذا كان متعلقا بالذمة وتأخر المدة الطويلة وكان المسلم فيه مؤجلا إلى أجل بعيد فإن هذا من باب بيع الكالئ بالكالئ وهو غير جائز إلا أنهم مع هذا ذهبوا إلى أن قبض الثمن في مجلس السلم ليس بشرط فيجوز تأخيره اليوم واليومين بالشرط أي مع اشتراط ذلك خلافا لأبي حنيفة والشافعي في قولهما أن من شرط صحة السلم التقابض في المجلس ويرى المالكية أن تأخير اليوم واليومين لا يدخل في حكم الكالئ بالكالئ[28]. ولكن الحقيقة أن اشتراط ذلك يوما أو يومين إنما هو من قبيل بيع الدين بالدين.

ولا يكتفي المالكية بهذا بل إنهم ذهبوا أيضا إلى أن بيع المعدوم بالمعدوم بغير شروط جائز فقد قرروا أنه إذا لم يشترط الأجل (الأكثر من يومين) في رأس مال السلم وكان المتعاقد آخره فعلا مدة طويلة فإن السلم لا يفسد لأن العقد ليس به شرط الكالئ بالكالئ وهو في نفس الوقت لا يفسده التفرقة قبل القبض فلا مانع إذن من التأجيل.

 

وقال ابن وهب (من المالكية أيضا) أنه إذا تعمد أحد المتعاقدين تأخير رأس مال السلم لم يفسد وإن لم يتعمده أحدهما فسد ذلك لأنه في حالة ما إذا تعمد أحدهما هذا رغم أن حق الآخر قد تعلق بالعقد فإننا لو قلنا بفساد السلم هنا فإننا نمكن أحد المتعاقدين من الانفراد بإفساد العقد[29] وهذا مبنى على قول المالكية بأن الغرار من الأداء في الصرف لا يبطل الصرف وأما إذا لم يغر أحدهما فقد رضيا بإفساد العقد فيجب أن يفسد.

 

ولابن القيم هنا رأي يخالف أصوله لأنه يرى أصلا جواز بيع المعدوم طالما انتفى عنه الغرر فهو يقرر بصراحة أنه لا تلازم بين الانعدام والغرر ومع هذا فهو يقرر (أن إباحة السلم على وفق القياس والمصلحة وشرع على أكمل الوجوه وأعدلها فشرط فيه قبض الثمن في الحال إذ لو تأخر لحصل شغل الذمتين بغير فائدة ولهذا سمي سلما ليسلم الثمن فإذا أخر الثمن دخل في حكم الكالئ بالكالئ بل هو نفسه وكثرت المخاطرة ودخلت المعاملة في حد الغرر)[30].

وأما ابن تيمية فهو يرى - كما أسلفنا - جواز التعاقد على المعدوم مع انتفاء الغرر الفاحش وطبقا لأصوله لا يوجد ما يمنع من بيع الكالئ بالكالئ لأن بيع المعدوم عنده لا غرر فيه ما دام قد وصف وصفا نافيا للجهالة.

 

26- نقد كلام الشوكاني في بيع الكالئ بالكالئ:

ذكر الشوكاني أن الحديث ضعيف وهذا حق نص عليه علماء الحديث ولكنه حكى الإجماع على الحكم الذي جاء به الحديث وهذا الإجماع مبهم ولا دليل عليه ولم يبين لنا في أي عصر من العصور تم هذا الإجماع ولقد سبق أن بينا أن الشرعية لم تمنع بيع المعدوم بالمعدوم وإنما نهت عن الغرر الفاحش وأن الرأي الصحيح هنا أنه لا تلازم بين الغرر وبين الانعدام فقد يكون الشيء موضوع التعاقد معدوما وليس فيه غرر وذلك بأن يوصف وصفا نافيا للجهالة. وقد يكون الشيء موجودا وفيه غرر فاحش لأنه لم يوصف. وأما هذا الإجماع الذي حكاه الشوكاني فلا دليل عليه ولم يبين لنا في أي زمن تم هذا الإجماع المزعوم والذي يستند إلى حديث ضعيف باعتراف الذين قالوا بمنع بيع المعدوم بالمعدوم.

 

27- نقد رأي الأحناف والشافعية وجمهور الحنابلة في مسألة بيع الكالئ بالكالئ:

من الواضح أن هذه المذاهب الفقهية الثلاثة تتفق مع أصولها إذ تمنع بيع كالئ بكالئ لأنها تمنع أصلا بيع المعدوم بالموجود فمن باب أولى لا بد أن تمنع بيع المعدوم بالمعدوم. ولكننا سبق أن بينا أن أصلهم في بيع المعدوم غير صحيح.

 

28- نقدر رأي المالكية في مسألة بيع كالئ بكالئ:

من الواضح أن المالكية رغم أخذهم بحكم الحديث الضعيف آنف الذكر فإنهم قد توسعوا أكثر من المذاهب الأخرى من عدة نواحي فأجازوا بيع المعدوم بالمعدوم في ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أجازوا بيع الدين بالدين إذا كان أجل أحد الدينين قريبا أي اشترط له اليوم واليومين.

الحالة الثانية: أن منهم من أجاز عملا بيع الدين بالدين لأجل طويل عن طريق عدم اشتراط ذلك ثم يتأجل العاجل أجلا طويلا من الناحية العملية بعد ذلك فإن هذا يصح عند بعضهم.

الحالة الثالثة: لجأوا إلى مبدأ سد الذرائع لتصحيح بيع الدين بالدين فعلا وذلك إذا فر أحد المتعاقدين وتعمد تأخير رأس مال السلم وذلك على رأي ابن وهب كما مر.. ومن هذا يتضح أن المالكية أقرب إلى تصحيح بيع الكالئ بالكالئ رغم أن الأصل عندهم هو المنع.

 

29- نقد رأي ابن القيم:

من الغريب حقا أن ابن القيم - رحمه الله تعالى - قد أخذ بحكم الحديث آنف الذكر رغم أنه ضعيف لا يحتج به وهو في نفس الوقت يتعارض مع أصوله لأنه يقول في شأن بيع المعدوم:

ليس في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كلام أحد من الصحابة أن بيع المعدوم لا يجوز بلفظ عام ولا بمعنى عام وإنما في السنة النهي عن بيع الأشياء التي هي معدومة كما في النهي عن بعض الأشياء الموجودة فليست العلة في المنع العدم ولا الوجود بل الذي وردت به السنة النهي عن بيع الغرر وهو ما لا يقدر على تسليمه سواء أكان موجودا أم معدوما كبيع العبد الآبق والبعير الشارد وإن كان موجودا إذ موجب البيع تسليم المبيع فإذا كان البائع عاجزا عن تسليمه فهو غرر ومخاطره وقمار[31].

ومن هذا الكلام الواضح لابن القيم يتبين لنا أنه يرى بحق عدم وجود أدنى غرر في بيع المعدوم في حد ذاته أي أنه لا تلازم بين الغرر والانعدام إنما التلازم بين الغرر وتجهيل الشيء محل التعاقد سواء أكان موجودا أم كان معدوما كما يصرح هو نفسه بهذا. ومن هنا نستطيع أن نقرر أن ابن القيم رحمه الله قد جاء متناقضا مع أصوله حينما قرر أن بيع المعدوم بالمعدوم فيه غرر كبير ومخاطرة.

 

30- الرأي الصحيح هنا هو رأي ابن تيمية رحمه الله تعالى:

وهو أن بيع المعدوم بالمعدوم صحيح طالما أن الغرر الفاحش منتف. بل إنه يبدو لي - والله تعالى أعلم بالصواب - أن بيع المعدوم بالمعدوم فيه من الضمان ومنع  التنازع ما ليس في بيع المعدوم بالموجود؛ ذلك أننا إذا تعمقنا قليلا فإننا سنجد أنه في حالة بيع المعدوم بالموجود إذا لم يستطع المتعاقد الوفاء بالشيء (المعدوم وقت التعاقد) فإن النزاع سيشتد لأنه في هذه الحالة يكون أحد المتعاقدين قد حصل على كل ما يريده (وهو الموجود العاجل) والآخر لم يحصل على شيء وعليه أن يطالب الآخر برد ما أخذه بدون مقابل وهو معرض في هذه الحالة لاعساره وبالتالي يضيع حق المطالب.

 

وأما في حالة بيع الدين بالدين أو المعدوم بالمعدوم فإنه إذا تأخر أحدهما في الوفاء فإن الثاني يستطيع أن يطالب بحبس الدين الذي عليه حتى يستوفي حقه ويستطيع أن يطلب الفسخ إذا تأخر في الوفاء ولا ضرر على أحد منهما في أي الحالين وإذا استحال تنفيذ التزام أحدهما على الأقل فإن العقد سيعتبر مفسوخا من تلقاء نفسه ولن يوجد نزاع بينهما لأن كليهما لم يحصلا على شيء من العقد. ومن هذا يتضح أن رأي ابن تيمية هو الصحيح وأن ما قرره ابن القيم -رحمه الله تعالى- من أن بيع الدين بالدين فيه غرر ومخاطرة كبيرة إنما هو رأي غير صحيح فضلا عن أنه يتناقض مع أصوله كما أسلفنا.

ومن هذا كله يتبين لنا أن الرأي الصحيح هو صحة بيع المعدوم بالموجود وصحة بيع المعدوم طالما انتفى الغرر الفاحش في عقود المعاوضات المالية، وأما عقود المعاوضات غير المالية والتبرعات فالغرر الفاحش لا يؤثر فيها أصلا كما قدمنا.

 

المطلب الثاني: الغرر في القانون:

31- الغرر في القانون المدني المصري:

عرفت القوانين الوضعية - ومن بينها القانون المدني المصري - الغرر في العقود وقد فرق القانون المصري بين الانعدام والغرر (كرأي ابن تيمية) ولذلك فهو يجيز بصفة عامة التعامل في الأشياء المستقبلة أي الغير موجودة وقت العقد[32]. وأوجب القانون المصري بصفة عامة أن يكون محل الالتزام معنيا بذاته[33].

فإذا لم يكن معينا بذاته وجب أن يكون معينا بنوعه ومقداره وإلا كان العقد باطلا كما نص أيضا على أنه يكفي أن يكون المحل معينا بنوعه ومقداره فقط إذا تضمن العقد ما يستطاع به تعيين مقداره وإذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الشيء من حيث جودته ولم يمكن استخلاص ذلك من العرف أو من أي طرف آخر التزم المدين بأن يسلم شيئا من صنف متوسط.

ويكفى في المحل المعدوم وقت التعاقد أن يكون ممكن الوجود وأما إذا كان مستحيلا فإن العقد يكون باطلا. ولكن القانون لم يعرف التقسيم الذي عرفه الفقه الإسلامي وهو تقسيم عقود المعاوضات إلى مالية وغير مالية فالغرر في القانون بصفة عامة يؤثر على جميع عقود المعاوضات سواء أكانت مالية أم غير مالية.

 

32- تناقض القانون بالنسبة لعقود التبرع:

وأما بالنسبة لعقود التبرع فقد وقف القانون موقفاً شاذا فيه تناقض مع طبيعة هذه العقود إذ اشتط في محل التعاقد أن يكون موجودا وذلك بالنسبة لعقد الهبة. وأنه لمن الغريب حقا أن يمنع القانون هبة المال المستقبل[34] ويجيز التعامل بعوض في المال المستقبل رغم أن الهبة الأصل فيها عدم وجود مقابل لها فلا خطر من انعدام الشيء الموهوب وقت التعاقد ولا خسارة تعود على الموهوب له إذا لم يوجد الشيء عند التنفيذ بعكس الحال في عقود المعاوضات المالية. فكان الأليق وقد أجاز القانون التعامل بعوض في الأموال المستقبلة (المعدومة وقت التعاقد) أن يجيز التعامل بغير عوض من باب أولى.

 

وقد زعمت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني أن بطلان هبة المال المستقبل إنما هو تطبيق لأحكام الشريعة الإسلامية في مبدأها العام الذي يقضي بعدم جواز التعامل في المعدوم[35]. وإني أرى أن هذا الكلام محض مغالطة لأنه لو صح هذا لكان الواجب تحريم التعامل في المعدوم بعوض وبغير عوض ولكن القانون المدني أباح صراحة التعامل بعوض في المال المستقبل ومنعه في الهبة وهذا أمر بعيد عن الشريعة تماما إذ أن الفقهاء الذين اعتبروا التعاقد في المعدوم حرام إنما اعتبروا ذلك بصفة مطلقة أي سواء أكان العقد بعوض أم بغير عوض وتخففوا في حالة عقود التبرع[36] إلى حد ما وأما الفقهاء الذين أجازوا مطلقا سواء في عقود المعارضة أم في عقود التبرع.

 

فالأصل في الشريعة هو التساهل في عقود التبرع بعكس الحال في عقود المعاوضات المالية ومن هذا يتضح أن مسلك القانون مخالف تماما لمسلك الشريعة على أي المذاهب في هذه المسألة.

وكان الأجدر أن يقال هنا أن القانون قد جرى وراء التشريع الفرنسي الذي يمنع المال المستقبل (م 942 مدني فرنسي).

هذا ويلاحظ أنه إذا كان القانون يخشى الاستغلال فكان يكفيه نص المادة 129 مدني[37].

 

33- تناقض القانون مع نفسه فيما يتعلق بالغرر:

الواقع من الأمر أن الذي يتصفح القانون المدني المصري وغيره من القوانين الوضعية يجد أن فيه تناقضا واضحا بين قواعده العامة وبين أحكامه بشأن بعض العقود فالمواد من 132 إلى 134 من القانون المدني المصري جاءت واضحة في منع الغرر في جميع العقود بدون استثناء.. وهذه المواد إنما هي من القواعد العامة للقانون لأنها واردة بالفصل الأول من الباب من الكتاب الأول وهو عن الالتزامات بوجه عام ورغم هذه القواعد العامة نجد أن الكتاب الثاني (وهو الخاص بالعقود بالمسماة) قد احتوى على باب خاص بعقود الغرر وهو الباب الرابع، وقد نص في الفصل الأول هذا الباب على عقود المقامرة والرهان وقد أباح القانون من هذه العقود عقود المقامرة والرهان التي يجريها المتبارون في الألعاب الرياضية وعقود المقامرة الخاصة بأوراق النصيب. وهذه العقود فيها غرر فاحش وهي من عقود المعارضة المالية لأنها لا تخرج عن كونها مبادلة مال بمال.

ويلاحظ فوق ما تقدم أن القانون الوضعي لا يعرف التفرقة بين المعاوضة المالية وغير المالية فأحكامه العامة تبطل الغرر سواء أكان العقد معاوضة مالية أم كان معاوضة غير مالية.

 

وخصص الفصل الثاني لعقد المرتب مدى الحياة وهو عقد فيه غرر فاحش أيضا لأن المرتب مرتبط بأجل المتعاقد وهو غير معلوم بطبيعة الحال وهذه العقود قد تكون تبرعية وقد تكون من عقود المعاوضات المالية، والقواعد العامة للقانون تمنع الغرر في جميع أنواع العقود سواء أكانت تبرعية أم بعوض مالي أو غير مالي بل هي تتشدد في عقود التبرع وتمنع بالنسبة لها التعاقد في المعدوم وذلك على عكس الفقه الإسلامي[38] الذي يتخفف في عقود التبرع.

وخصص القانون الفصل الثالث لعقد التأمين وهو يقوم على الغرر الفاحش لأن المبلغ الذي ستدفعه شركة التأمين غير معلوم المقدار وهو معلق على حصول أمر احتمالي.

ومن هذا كله يتضح أن القانون المدني المصري (شأنه شأن التشريعات الموضعية الحديثة) قد جاء متناقضا مع نفسه بالنسبة للغرر وهو أشد تناقضا بالنسبة للانعدام في عقود التبرع الذي منعته قواعده العامة وأباحته القواعد الخاصة بعقود الغرر آنفة الذكر.

 

المطلب الثالث: أثر الغرر على التأمين:

34- عقد التأمين التجاري باطل للغرر الفاحش:

يبين مما سبق أن عقد التأمين هو عقد بيع مال بمال وفيه غرر فاحش فهو إذن باطل لأننا نعلم أن الغرر الفاحش يؤثر على عقود المعاوضات المالية وعلى رأسها عقد البيع.

ويلاحظ فوق ما تقدم أن التأمين التجاري يدخل تحت بيع كالئ بكالئ وهو طبقا لرأي جميع الفقهاء - ماعدا ابن تيمية - باطل لأنه بيع دين مقسط بدين احتمالي معلق.

ولكننا لا نرى الأخذ بهذا السبب لأن حديث بيع كالئ بكالئ ضعيف ولا يحتج به.

ويكفي هنا أن العقد باطل للغرر الفاحش طبقا لصريح النص النبوي وبإجماع الفقهاء في تفسير هذا النص فقد أجمع في جميع العصور على أن الغرر الفاحش مبطل لعقود المعاوضات المالية ولم يختلفوا إلا بالنسبة لعقود المعاوضات غير المالية.

 

35- رد على صاحب رسالة الغرر وأثره في العقود:

جاء في رسالة الغرر وأثره في العقود[39] في الفقه الإسلامي:

أن التأمين ليس قمارا وإن كان فيه غرر لأن المقامر لا يتحصن من خطر وإنما يوقع نفسه في الخطر وأما المستأمن فهو يحاول التحصن عن خطر محتمل لا يقوى على تحمله.. ويبدو أن صاحب هذه الرسالة قد تأثر بأقوال شراح القانون في هذه المسألة[40]، فالحق أن التأمين مغامرة بصرف النظر عما إذا كان الباعث على التأمين هو التحصن من الخطر أو الوقوع في الخطر وتفصيل ذلك أنه ورد عن ابن عمر أنه قال: الميسر هو القمار وقال الضحاك عن ابن عباس قال: الميسر هو القمار وكانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة وقال مالك عن داود بن الحصين أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين[41] فالقمار قد يأخذ صورة البيع أي عقد المعاوضة المالية والحقيقة أن الذي يميز القمار عن غيره هو لجوء المتعاقدين إلى الاعتماد على الحظ في تحديد ما سيحصل عليه كل منهما في النهاية وهذا أمر ظاهر في عقد التأمين فالمشترط (المستأمن) يدفع الأقساط مقابل أن يقوم المؤمن (شركة التأمين) بدفع المقابل للمستأمن أو للغير فإذا كان المؤمن محظوظا لم يمت المستأمن حتى يدفع الأقساط كاملة. ومما يلاحظ هنا أن شركة التأمين محظوظة دائما لأنها تتخذ وضع من يدير بيتا للقمار لأنها تستخدم فن الإحصاء قبل أن تقدم على قبول أي نوع من أنواع التأمين كما أنها تلجأ إلى نظام إعادة التأمين لتوزيع الخسائر على شركات التأمين المختلفة.

وإذا كان المستحق للتأمين محظوظا مات المستأمن أو تحقق الخطر قبل أن يفي المستأمن بالأقساط كلها وعلى الشركة في هذه الحالة أن تدفع مبلغ التأمين كاملا فالعقد يعتمد على مجرد الحظ وهذا هو عين القمار.

 

وأما الزعم بأن المستأمن يتحصن من الخطر فإن التحصن من الخطر يكون بحسن التوكل على الله تعالى ومقتضاه أن يبتعد المسلم عن الحرام لا أن يتحصن به لأن من تحصن بالحرام مثله كمثل العنكبوت.. قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 41] [42].

وتعاطي الحرام لا يكون إلا في حالة الضرورة وبقدر ولا يوجد هنا ضرورة وفضلا عن ذلك فإنه توجد صور شرعية للتأمين كما سنرى إن شاء الله تعالى.



[1] انظر مختار الصحاح (غر).

[2] رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

[3] رواه البخاري ومسلم.

[4] رواه البخاري ومسلم.

[5] من سورة المائدة.

[6] يراجع تفسير ابن كثير لآية المائدة آنفة الذكر.

[7] من سورة المائدة.

[8] يراجع في هذا الفتاوى الكبرى لابن تيمية جزء 3 ص 431 وما بعدها.

[9] رواه البخاري.

[10] رواه أبو داود.

[11] اعلام الموقعين لابن القيم جزء ص69.

[12] وقد صحح الأحناف عقود بيع المنافع (كالإجارة) على أساس العرف فهي صحيحة على خلاف الأصل عندهم.

[13] مقال للشيخ أحمد إبراهيم بمجلة القانون والاقتصاد السنة الرابعة العدد السادس.

[14] الفتاوى الكبرى لابن تيمية جزء 3 ص 432.

[15] الفروق للقرافي جزء 1 ص194.

[16] المبسوط للسرخسي جزء 12 ص195 – 196، البدائع جزء ص 138.

[17] شرح صحيح مسلم للنووي جزء 9ص 158 وما بعدها.

[18] المبسوط للسرخسي جزء 12 ص 194، الفتح والعناية جزء 5 ص192 وما بعدها.

[19] حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب جـ2، ص188 وما بعدها.

[20] عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة فنهى البائع والمشتري.

وفي رواية نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن الحب حتى يشتد (رواه البخاري ومسلم).

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع حبل الحبلة فكان بيعا في الجاهلية).

رواه البخاري ومسلم.

[21] الفتاوى الكبرى لابن تيمية جزء 3 ص422.

[22] اعلام الموقعين لابن القيم.

[23] عند المالكية وبعض الحنابلة والشافعية.

[24] البدائع للكاساني جزء 5 ص 92 ، حاشية ابن عابدين جزء 4 ص 592 وما بعدها.

[25] هذا عند الحنابلة والمالكية والشافعية وأما عند الثوري والأوزاعي والأحناف فإنه لا بد أن يكون جنس المسلم فيه موجودا حال العقد إلى حين التسليم. ورأي الأحناف لا يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم إلى المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم وأجل معلوم ولم يذكر الوجود ولو كان شرطا لذكره ولنهاهم عن السلف سنتين لأنه يلزم منه انقطاع المسلم فيه في وسط السنة.

(يراجع في هذا المغنى لابن قدامة جزء 4 ص236).

[26] رواه الدارقطني.

[27] أخرجه الطبراني.

[28] المنتقى شرح الموطأ لابن الباجي جزء 4 ص300.

[29] المنتقى جزء 4 ص301 (لابن الباجي).

[30] اعلام الموقعين لابن القيم جزء 2 ص104.

[31] اعلام الموقعين لابن القيم جزء 2 ص113.

[32] نصت المادة 131 مدني على أنه يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا.

[33] مادة 133 مدني.

[34] نصت المادة 492 على أنه تقع هبة الأموال المستقبلة باطلة.

[35] الوسيط للسنهوري جزء 5 المجلد الثاني ص117 هامش.

[36] فأجاز أبو حنيفة الإبراء من الدين المجهول.

[37] نصت المادة 129 مدني على الآتي: (إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا ا لمتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامحا جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو ينقص التزامات هذا المتعاقد).

[38] انظر ما سبق فقرة 64.

[39] رسالة الدكتوراه للدكتور الصديق محمد الأمين الضرير 648.

[40] انظر في نفس المعنى الذي ذكره الدكتور الضرير العقود الصغير لمحمد علي عرفة: عقد التأمين ص317.

[41] يراجع في هذا كله تفسير ابن كثير جزء 2 ص91 (من سورة المائدة).

[42] من سورة العنكبوت.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عقد التأمين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن (1)
  • عقد التأمين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن (2)
  • عقد التأمين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن (4)
  • عقد التأمين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن (5)
  • عقد التأمين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن (6)
  • عقد التأمين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن (7)
  • التأمين الاجتماعي في الإسلام (1)
  • التعامل بالتأمين في بلاد الغرب

مختارات من الشبكة

  • تكييف عقد المقاولة في الفقه بحسب التزام المقاول(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • عقد التأمين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن(كتاب - آفاق الشريعة)
  • عقد التأمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم اشتراط عقد معاوضة في عقد معاوضة(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • حكم اشتراط عقد تبرع في عقد تبرع (صيغة القروض المتبادلة)(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • العقد الباطل والعقد الفاسد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أوصاف عقد الزواج(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • نظر المحكمة في دعوى نص العقد فيها على التحكيم دون موافقة طرفي العقد على نظرها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • حقيقة العقد في الفقه الإسلامي والقانون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تكييف العقد المطبوع مسبقا(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب