• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

دلالة الأحداث في لقاء موسى والخضر عليهما السلام

مصطفى محمد ياسين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/7/2008 ميلادي - 24/7/1429 هجري

الزيارات: 83135

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دلالة الأحداث في لقاء موسى والخضر عليهما السلام

 

انفردتْ سورة الكهف من بين سور القرآن الكريم بِذلك اللقاء الذي لم يتكرَّر لا في مثل شخوصه، ولا في مثل أحداثه، ولا في مثل مناسبته!!


فيمَا يُروَى عن السَّبَب: (أن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيُّ الناس أعلم؟ قال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العِلمَ إليه، فأوحى الله إليه إنَّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله بمكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثَمَّ)).. وقد كان!!


ويقصّ علينا القرآن الكريم في بيانٍ ساحر إصرارَ موسى على إتمام اللقاء مهما كلفه ذلك، وكيف سارت رحلته.


قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ﴾ [الكهْف: 60 - 63].


وفي ظلال الآيات السابقة نستطيع أن نتبيَّن الملامح الآتية:

أنَّ موسى عليه السلام كان حريصًا أن يَلقَى الرَّجل الذي هو أعلم منه، كما بدا في إصراره على أن يجد المكان ﴿ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ [الكهف: 60]!!


وكانت علامة المكان آيةً من آيات الله؛ فقد أعاد الله الحياة إلى الحوت، ثم اتَّخذ الحوت طريقه إلى الماء (بيئته الطبيعية)، وأُنسِي التابع أن يذكر الواقعة لسيده وكأنَّها إشارةٌ إلى نسيان موسى أن يستثني وهو يخبر الناس أنه أعلمهم؛ إذ لم يردَّ العلم إلى الله، وكان من ذلك أنهما جاوزَا المكان، ثم أصابهما التعب والجوع الذي ذكَّرهما بالغداء.


فما كان من التَّابع إلا أن استعاد في ذاكرته انسِراب الحوت في البحر ﴿ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾ [الكهف: 64] حتى لا يضيع الموقع منهما!!


ووصلا إلى المكان ﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ [الكهف: 65]، ذلك العبد الصالح، آتاهُ الله رحْمةً من عنده، وعلَّمه من لدنه علمًا، إذًا هما (الرحمة والعلم) من الله سبحانه وتعالى لم يكتسبا بالتحصيل البشري.


هل الخَضِرُ نَبِي؟

يقول ابن الخطيب في (أوضحِ التَّفاسير): إنَّه نبيٌّ.


ويقول شوقي ضيف في (الوجيز): "حيث بشَّرني ربّي قول موسى بأني سألقى هنالك عبدًا صالحًا عالمًا، ولقد آتى اللهُ هذا العبدَ الصَّالح رحمةً من عندِه لعلَّها النّبوَّة، وعلَّمه من لدنه علم الغيوب".


أمَّا ابْنُ كثيرٍ فلا يقول شيئًا عن الخضِر: أنبيٌّ هو أم لا، ويقول: "يُخْبِر تعالى عن قيل موسى عليه السلام لذلك الرجل العالم الصالح الذي خصَّه الله بعلم لم يطَّلع عليه موسى".


وأمَّا القرطُبيّ فيقول: "والخضِر نبيّ عند الجمهور، وقيل هو عبد صالحٌ غير نبي، والآية تشهد بنبوَّتِه".


وفي تفسيره للآية ﴿ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ﴾ [الكهف: 65]: الرحمة هنا في هذه الآية (النبوة)، وعلى أية حال فإنه أرسل بمهمَّة أنْجزها برفقة موسى عليه السلام.


ويُمهِّد الحوار في البداية للرفقة: ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 66 - 69]، وجاء الشرط: ﴿ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 66-70].


وكان ذلك الحوار مخبرًا عن صعوبة الأحداث، وتأثيرها في نفس موسى، وتوقع العبد الصالح أنَّ موسى لن يصبر على ما يرى، فلا يستطيعُ أن يلوذ بالصمت؛ لذا اشترط العبد الصالح عليه ذلك الشرط.


فهل وفَى موسى بِالشَّرط مع كل ما كان؟

وكانت الأحداث كما رواها القرآن الكريم:

فلقد ركبا سفينةً فخرقها العبد الصالح..؟

ويعتَرِضُ موسى. ويذكّره الخضر: ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 72].

وجاءت الحادثة الثانية: ﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ ﴾ [الكهف: 74]؟

وجاءت الحادثة الثالثة: ﴿ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ﴾ [الكهف: 77]!!

واعترض موسى عليه السلام على قتْل الغلام ووصفه: ﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴾ [الكهف: 74]!!

وهزأ من إقامة الجدار في قريةٍ أبَى أهلُها أن يضيفوهما!!

وقال موسى: ﴿ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾ [الكهف: 77].


ولم يصبر موسى على ما رآه، وهكذا لم يلتَزِمْ بالشرط الذي اشترطه عليه العبد الصالح: ﴿ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 70]


وأنهى العبد الصالح الرفقة: ﴿ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 78]!


لقد أفقدته الوقائع- التي حدثت أمام عيني موسى عليه السلام صبره!


فاعترض، ونسي ما تعهد به!!


ولقد قدَّمت الأحداث الثلاث نماذج من السلوك الذي يراه موسى وغيره من البشر، ويراه القانون الإلهي في الشرائع التي تحكم السلوك الإنساني في الأرض معه، أعمالاً تستحق الإنكار، وبعضها يستحق العقوبة!!


وهكذا أنكر موسى عليْه السلام ما كان من العبدِ الصالح بناء على ما يحكم السلوك الإنساني، المنظِّم لأحوال الناس والجماعات الإنسانيَّة!


ولكن التَّأويل الذي جاء به العبد الصالح أعطى تفسيرًا آخَرَ للأحْداث..


وقد أخبر أنَّ ما فعله إنَّما هو عن أمر الله ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82]!


ولننظر في الأحداث.


لقد خرقت السفينة؛ ليصير بها عيب، يزهِّد الملك فيها، فلا يأخذها، وبذلك تسلم لأصحابها المساكين!!!


وقتل الغلام؛ لئلا يكون سببًا في فتنة والديه ﴿ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾ [الكهف: 80]، حتى يولد لهما من هو أفضل منه ﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ ﴾ [الكهف: 81].


وأقيم الجدار؛ حتى يسلم الكنز الذي تحته ولا ينكشف؛ حتى يكبر الغلامان اللذان كان أبوهما رجلاً صالحًا ويستخرجا كنزهما!


وإن هذه الأسباب قد غابت عن موسى عليه السلام وأنَّى له أن يعرفها، وتغيب هي وأمثالُها عن منطق الناس وتقديراتهم في عالم الشهادة؛ فلا يعلم حكمة تدبيرها إلا الله!


وإذ كشف التَّأويل عن حكمة التَّدبير الإلهيّ فإنَّ الحقَّ سبحانه وتعالى يعلّمنا بأنَّ ما يقع في الكون من أحداث يتَّسم بالعدل والحكمة والرَّحْمة! مهما بدا في ثناياها من الألم والقَسوة، وفي تحليلنا للأحداث يتراءى لنا فعلان:


فهنالك الفعل الإنساني وهو يتمثل في:

• رغبة الملك في الاستيلاء على السفينة دون وجه حق.

• سلوك الغلام الذي سيُرهق والديه طغيانًا وكفرًا.

• بُخل أهل القرية وشُحّهم الذي منعهم من إطعام موسى والخضر عليهما السلام.


وتلك الأفعال الإنسانيَّة قابلها الفعل الذي جاء عن أمر الله:

• حرق السفينة.

• قتل الغلام.

• إقامة الجدار.


وننظر فنجد:

أن الفعل الإنساني قد اتَّسم بالظلم.

ونَجد الفعل عن الأمر الإلهي ينتصر للمظلوم من الظالم!!


ذلك فَهْم لدلالة الأحداث كما تقع في الكون ويفسّرها المنطق الإنسانيّ وحتَّى من الوجهة الشرعية المرعيَّة، وكما هي في التَّدبير الإلهيّ المحكم لإدارة الكون على إرادة الخالق العظيم سبحانه وتعالى، كما أبان عنْها التَّأويل الذي جاء به الخضر عليه السلام وعن أمر ربِّه سُبحانه وتعالى.


يقول ابنُ كثير في تفسيره: ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82]، أي: هذا الذي فعلتُه في الأحوال الثلاثة إنَّما هو من رحمة الله بأصحاب السفينة، ووالِدَي الغلام، وولدَي الأبِ الصالح، وما فعلته عن أمري، ولكني أُمِرت به!!


نَعَم، هو من رحمة الله بالضعفاء والمساكين والصغار وإنقاذ للناس من عواطف الأبوة التي تصيب أصحابَها بالكفر؛ فهُم يُمالئون أبناءَهم على ضلالهم وكفرهم!!!


والإنسان على الأرض له من الحرّيَّة والإرادة ما يَجعله مسؤولاً عن أفعاله؛ لذا جاءت الشرائع السماوية تنظم العلاقة بين العباد في الأرض فتقول: (افْعَل ولا تَفْعَل)، وترتّب عقوبات على المُخالفات والممنوعات في حياة البشر، لكن أحداث الكون - ما كان منها على الأرض، وما كان في خارجِها - ليست كلها من صنع الإنسان وتدبيره!


وأحداث الكون فيها ما هو (خير)، وفيها ما هو (شرّ) للعباد على ما يظهر ويبدو لهم!


وقد كان من مُقتَضَيات الإيمان: أن يؤمن المسلم بالقضاء والقدر خيره وشره.


ذلك (الشر) وهو في ظاهره هكذا، في نَظَرِ المؤمن وغير المؤمن، لكن المؤمن كما في التَّصوّر الإسلامي الذي سنشْرَحُه لا يرى في ذلك إلا الخير مهما بدت قسوتُه وآلامه..


ويقودنا ذلك إلى نظرية الإسلام في إيضاحه وتفسيره لقضية الشر ما علمنا من أمره وما غاب عنا من تدبير وحكمة في ثناياه..


ونَحنُ بذلك نوضح التصور الإسلامي، وننقض ما يجيء به الفلاسفة، يقول التصور الفلسفي: "إنَّ الشَّرَّ في الكون لا يتَّفق مع الرحْمة الإلهيَّة".


ونظريَّة الإسلام تقدّم تفسيرًا مقنعًا "تطمئنّ به نفسُ المؤمن وترضى به عن ربِّها، بل وتَجد فيه الكرم الإلهي، والإكرامَ الرَّبَّانيّ الَّذي يُنْقِذُها من الآثام، ويَجعل لها طريقًا إلى الجنة، ويَجعل هذا (الشَّرَّ) أمرًا مقبولاً في المحاكمة العقليَّة للتدبير الإلهي للكون، فتسجد الهامات البشرية مسبحة: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الملك: 1]!!


إن قصور التصور المادي الفلسفي هو سبب الفشل في إدراك الإنسان لحقيقة حسن التدبير الإلهي والعدالة فيما يراه من الأحداث (خيرها) و(شرها)؛ ذلك أنَّ الحياة الدنيا وعيش الإنسان على الأرض هذه المدة المحدودة من الزمن - ليس هو نهاية المطاف في رحلة الإنسان من الوجود إلى الخلود؛ فالحياة الدنيا مرحلةُ اختبار، وكما كان لها ما قبلها، فهي أيضًا لها ما بعدها!


وأساس الوجود هو الإيمان بالله، واتّباع منهاجه، وتصور الوجود خارج إطار التصور الإسلامي هو تصور خاطئ يقود إلى النار!!


وقبل أن أثبت "نظرية الإسلام" في (قضية الشر في الكون) فإني أعرض رأيًا للأستاذ العقاد - يرحمه الله - يستحقّ الإثبات والتنويه به في معرض (القضية).


يقول العقاد في كتابه "الله" بعد أن استعرض آراء الفلاسفة الغربيين: ". وبعد؛ فهذه خلاصات موجزة لمدارس الفلسفة البريطانية والأمريكية في العصر الحاضر، وهي كما رأى القراء فكرة تقوم على قُطْبَين أو تتسم بسمتين:

الأولى: عجز الفلاسفة المحدثين عن التوفيق بين قدرة الله تعالى على كل شيء ووجود الشر والألم في خليقته كما يوجدان في هذا العالم.

والثانية: محاولة الخروج من هذه المشكلة بتعميم قوانين التطور وإدخال الحقيقة الإلهية في نطاقها.


وليس في وسع أحد أن ينكر وجود الشر والألم في هذا العالم بأسره؛ لأن الأديان والفلسفات وشرائع الإنسان جميعًا تتلاقى في تحريم الشرور والمعاقبة عليها ومعالجة الخلاص منها، ولكن المطلوب من الفيلسوف - إذا تعذَّر عليه فهم العالم مع اعتقاد القدرة الإلهية - أن يُمثِّله (العالم) لنا في صورة أقربَ إلى العقل وأصحَّ في النظر وأثبت في البرهان!!


وذلك ما لم يصنعه واحد من أولئك الفلاسفة، ولا اقتربَ من صُنْعِه، بل لعلهم عرضوا على العقل الإنساني حلولاً لا يقبلها ببرهان، ولا يقبلها باعتقاد، ولا يقبلها بتخمين!!


ونحن لا نَزعم أننا نحيط بحكمة الله فيما يلقاه الأحياء من العذاب والبلاء وفيما يقع منهم أو يقع عليهم من الإيلام والبلاء، ولكننا نبحث عن صورة للعالم أقرب إلى العقل من صورته هذه، فلا تكمل هذه الصورة عندنا، ولا نرى فيما افترضه الفلاسفة إلا إشكالاً يُضاف إلى إشكال!!" ا.هـ.


ويقدم العقاد "توفيقًا" فلسفيًّا لوجود الشر: "ونحن ننظر إلى حيز واحد من التحفة الفنية الخالدة، فلا نرى فيها إلا بقعة تقبح في نظرٍ أو قطعة من الحجر والطين، ولا نقيس التحفة الفنية، مع ذلك، على البقعة الشائهة في الحيز المحدود، ولو طال أجل هذا النوع الإنساني أضعاف مطاله، ما كان في تلك البقعة الشائهة غير ذرة هباء؛ لأنه بقعة ضئيلة في صورة تتناول الدهور التي لا نحصيها والمكان الذي لا نستقصيه.


فمن أين لنا أن نقيس جمال الصورة الأبدية على بقعة الحاضر كما تمثلناه، وكيف نحصر الآزال والآباد في لمحة من حاضر عابر، وكيف نستوعب بالحواسّ ما تضيق به الحواس بل تضيق به العقول" ا.هـ.


ولقد أحسن العقاد في الدفاع عن العقيدة الإلهية بل والإسلام في تصوّره ذاك، وهو يصدر عن فلسفة جمال الكون وحسن تدبيره ذلك الجمال الذي لا تفسده جزيئات صغيرة لا ندرك نحن البشر مغزى وجودها..


ولكن التصوّر الإسلامي الذي ينبع من نصوص الإسلام، يوضح (قضية الشر)، ما أصاب منهما المؤمن في نفسه، وما أصاب غيره ممن في الكون بمثل ما قاله العقاد؛ حيث يعجز الإنسان عن إدراك تدبير الله، وذلك ما أبانت عنه أحداث اللقاء بين موسى والخضر عليهما السلام.


وبقية التَّصوّر، إنَّما يأتي من استقراء النّصوص ما تعلق منها بالمؤمن.. بالإسلام.. وبالكافر في الدنيا وعلى مرِّ العصور!!


التفسير الإسلامي لوجود الشر..


انتهتْ إلى الإسلام رسالات السماء من شرائع وعقائد كما أنزلت من عند خالق الكون ومالكه ومدبّره سبحانه وتعالى!!


وجاء القرآن الكريم بما كان وبما هو مطلوب وبما سيكون!!


وكلّ تصوّر للحياة الإنسانية خارج عقائده وشرائعه لا يغني عن الإنسان شيئًا بل هو البوار والخسران المبين؛ لأن الوجود الإنساني لا ينتهي بالحياة الدنيا وما فيها من الملذات والشهوات!


ويأتي على مقدّمة الإخبار القرآني: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].


ويقول سبحانه وتعالى، خالق الكون ومالكه ومدبره: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، ولكن أغلب الناس لا يعملون بهذا التوجيه الإلهي.


ما كان مِن شأن العذاب الواقع..


ينقسم العباد دائمًا، كما يقص علينا القرآن الكريم، وكما نشاهد في واقع الحياة في قضية الإيمان بالله التي يجيء بها الرسل إلى فريقَيْنِ: مؤمن، وكافر!


ولقد أنذر العباد بأنَّ عاقبة الكفر وخيمة وبشروا بالجنة إذا آمنوا.


ولكن طبع الإنسان المشاكس والعنِيد قد صدَّ كثيرين عن الاستجابة لداعي السماء، فكان عذاب الله الشديد!


واختلفت صور العذاب الأرضي..


ومما كان من أسباب العذاب
:

قال سبحانه: ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف: 59].


ومن صور التعذيب
:

أهلك الحق فرعون وجنده غرقًا في البحر: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ ﴾ [الشعراء: 61-66]!!


وهذا قارون: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81].


وهؤلاء قوم عاد: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [فصلت: 15، 16]


ذلك هو بعضُ العِقاب الإلهي على الكفر..


وهنالك الابتلاء؛ ليميز الله المؤمن الصابر من غيره.. قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155-157].


ويجعل الإسلام في كل ما يصيب المؤمن من الأذى والألم والمصائب عامة سببًا في حط الذنوب عنه، وغفرانِها له، حتى يجد نفسه ولا ذنبَ له!


يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال البلاء في المؤمن والمؤمنة في نفسه وولده، حتى يلقى الله ما عليه خطيئة))!!


ومن العقوبات التي تعم العباد ما كان من صمتهم على المنكر وعدم إدانته:

قال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي، بيده لتأمرن بالمعروف ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر أو ليوشِكَنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)).


ويقول سبحانه وتعالى في الذين ينهون عن المنكر: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164].

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: 165].


وهكذا نجد أنفسنا أمام فلسفة إسلامية واضحة المعالم في تفسير الشر الذي يصيب الإنسان مؤمنًا أو كافرًا في رحلته على الأرض وعالمها، كما عرضناها في الأفكار السابقة:

1- تدبير الكون على العدل والحكمة ومكافأة المؤمنين، كما دلتنا عليه أحداث اللقاء بين موسى والخضر عليهما السلام.

 

2- معاقبة الكافرين بالله الضالين والمعرضين عن منهاجه وآياته جزاء كفرهم، كما فعل بالأقوام السابقة التي ذكرها القرآن الكريم.

 

3- تخليص المؤمنين من ذنوبهم، وغفرانها لهم؛ ليَنجوا من تَبِعَاتها.

 

4- اختبار وابتلاء المؤمنين لتبين صدق إيمانهم!!


والله أعلم.


المراجع:

• القرآن الكريم.

• تفسير القرطبي.

• تفسير ابن كثير.

• أوضح التفاسير، ابن الخطيب.

• الوجيز، شوقي ضيف.

• رياض الصالحين، شرح صبحي الصالح.

• الله، لِعَبَّاس محمود العقاد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كليم الله موسى عليه السلام (3)
  • الحديث العطر والروض النضر من قصة موسى والخضر
  • موسى والخضر عليهما السلام
  • آداب المتعلم في قصة موسى والخضر عليهما السلام
  • فوائد من قصة موسى والخضر عليهما السلام
  • أحكام وآداب وفوائد من قصة موسى والخضر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خاتم النبيين (17) الأحداث بين بدر وأحد، وعددها 15 حدثا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما الموقف من أحداث الساعة وتطورات الأحداث؟(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • أنواع الدلالات وما تدل عليه من معان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أهمية دراسة السيرة النبوية وعلاقتها بفهم القرآن الكريم وعلومه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة موسى عليه السلام (9) موسى والخضر(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • أسماء الله كلها حسنى(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • دلالة الاقتضاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدلالة الصوتية في اللغة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • بيعة العقبة الثانية: أحداث ودلالات (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيعة العقبة الثانية: أحداث ودلالات (2)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب