• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

تمام المنة - الطهارة (7/7)

الشيخ عادل يوسف العزازي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/5/2012 ميلادي - 5/7/1433 هجري

الزيارات: 25577

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحيض والنفاس والاستحاضة

أولاً: الحيض

 

تعريفه:

الحيض لغة: سيلان الشيء وجريانه[1]، واصطلاحًا: دمٌ يرخيه رَحِمُ المرأة بعد بلوغها في أوقات معتادة[2].

 

قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "فهو دمٌ طبيعي، ليس له سبب من مرض، أو جُرْح، أو سقوط، أو ولادة، وبِما أنَّه دم طبيعي فإنَّه يختلف بحسب حال الأنثى وبيئتها وجوِّها؛ ولذلك تختلف فيه النساء اختلافًا متباينًا ظاهرًا"[3].

 

صفته:

دم الحيض يخرج من الرَّحِم، ويكون أسود مُحْتدمًا؛ أيْ: حارًّا كأنه مُحترق[4]، "وهو دم تغلب عليه السيولة وعدم التجلُّط، وله رائحة خاصَّة تُميِّزه عن الدَّم العادي، وهو يخرج من جميع الأوعية الدمويَّة بالرَّحِم، سواء الشرياني منها أو الوريدي، مُختلطًا بخلايا جدار الرَّحِم المتساقطة"[5].

 

السن لبدء الحيض:

ليس هناك سنٌّ معيَّنة لبدء الحيض، فهو يختلف بحسب طبيعة المرأة وبيئتها وجَوِّها.

 

قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:

"وقد اختلف العلماء - رحمهم الله - هل للسِّن الذي يتأتَّى فيه الحيض حدٌّ معين، بِحَيث لا تحيض الأنثى قبله ولا بَعْدَه، وأنَّ ما يأتيها قبله أو بعده فهو دمُ فساد لا حيض؟ اختلف العلماء في ذلك؛ قال الدارميُّ - بعد أن ذكر الاختلافات -: "كل هذا عندي خطأ؛ لأنَّ المرجع في جميع ذلك إلى الوجود - يعني وجود الدم - فأي قدر وُجِد في أيِّ حال وسنٍّ، وجَبَ جعْلُه حيضًا، والله أعلم"، وهذا الذي قاله الدارميُّ هو الصواب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميَّة[6]، فمتى رأت الأنثى الحيض فهو حيضٌ، وإن كانت دون تِسْع سنين، أو فوق خَمْسين سنة؛ وذلك لأنَّ أحكام الحيض علَّقها الله ورسولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - على وجوده..."[7].

 

مدَّة الحيض:

قال ابن المنذر - رحمه الله -: وقالت طائفةٌ: ليس لأقلِّ الحيض ولا لأكثرِه حدٌّ بالأيام.

 

قال ابن عثيمين - رحمه الله -: "وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميَّة[8]، وهو الصواب؛ لأنَّه يدلُّ عليه الكتاب والسُّنة والاعتبار"[9]، ثم ساق الأدلة على ذلك.

 

قال ابن تيمية - رحمه الله -:

"ومِن ذلك اسم الحيض؛ علَّقَ الله به أحكامًا متعدِّدة في الكتاب والسُّنة، ولم يقدِّر لا أقلَّه ولا أكثرَه، ولا الطُّهر بين الحيضتَيْن، مع عموم بلوى الأُمَّة بذلك واحتياجهم إليه، واللُّغة لم تفرِّق بين قدر وقدر، فمن قدَّر في ذلك حدًّا، فقد خالف الكتاب والسُّنة".

 

وعلى هذا، فما ذهب إليه كثيرٌ من الفقهاء بأن أقلَّ زمن الحيض يوم وليلة، وأكثره خمس عشرة، أو نَحْوها لا دليل عليه.

 

قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "من النِّساء من لا تحيض أصلاً، ومنهن مَن تَحيض ساعات ثم تَطْهُر"[10].

 

مدة الطهر بين الحيضتين:

ذهب كثيرٌ من الفقهاء إلى تحديد مدَّة الطهر بين الحيضتين مع اختلافهم في هذه المدَّة، والصحيح أنه لا حدَّ لمدة الطهر بين الحيضتين، لا لأقلِّه، ولا لأكثره؛ إذْ لا دليل ينصُّ على ذلك؛ (راجع كلامَ ابنِ تيميَّة السابق).

 

حيض الحامل[11]:

الأصل أنَّ الحامل لا تَحيض، والدليل على ذلك من القرآن، والحسِّ:

(1) أمَّا القرآن: فقد ذكر الله عدَّة المطلقات ثلاثة قروء، وأما الحامل فقد جعل عدَّتَها وضْعَ حَمْلِها، فلو كانت تحيض لجعل عدَّتَها ثلاثة قروء.

 

(2) وأما الحس: فقال الإمام أحمد: "إنَّما تَعْرف النِّساءُ الحمل بانقطاع الدَّم"، هذا بناء على الأصل، لكنها قد ترى الدَّم؛ فإذا رأت الحامل الدَّم، فيكون حكمه كالآتي:

(أ) إذا كان قبل الوضع بزمن يسير كنَحْوِ يومٍ أو يومين، ويصاحبه الطَّلْق، فهذا الدم دمُ نفاس.

 

(ب) أمَّا إذا كان الزمن قبل الوضع بكثير، أو كان قبل الوضع بقليل لكن ليس معه طلق، فلا يكون دمَ نفاس، والصحيح أنه دمُ حيض[12]؛ إذْ إنَّه لا يثبت في القرآن والسُّنة ما يمنع من حيض الحامل، وإن كان الغالبُ عدم حيضِهن وقت الحمل.

 

قال ابن تيميَّة - رحمه الله -: "والحامل قد تحيض، وهو مذهب الشَّافعي، وحكاه البيهقيُّ روايةً عن أحمد، بل حَكى أنَّه رجع إليه"[13].

 

وعلى هذا، فيثبت لحيض الحامل ما يثبت لحيض غير الحامل، إلاَّ في مسألتين:

الأولى: يَحْرم طلاق الحائض إذا كانت غير حامل، ويسمَّى طلاقًا بِدْعيًّا، أمَّا طلاق الحامل فهو جائز، حتَّى ولو كانت حائضًا وقت حملها وطلاقها.

 

الثانية: "حيض الحامل لا تنقضي به عدَّة، بِخلاف حيض غيرها؛ لأنَّ عدة الحامل لا تنقضي إلا بوضع الحمل، سواء كانت تحيض أم لا؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 4]" [14].

 

هذا ما كنت رجَّحْتُه في طبعات الكتاب السابقة، ثم بعد مطالعة كتاب "الحيض والنفاس" لأبي عمر دبيان بن محمد الدبيان: ترجَّح من كلام الأطبَّاء أنه لا يُمْكِن للحامل أن تحيض، وأنَّ ما تراه إنَّما هو نَـزيف أو مرض أو جرح، فترجَّح بِهذا قولُ مَن يرون أنَّ الحامل لا تحيض، وهو المشهور من مذهب الحنفيَّة والحنابلة، والقديم من قولَيِ الشَّافعي[15].

 

قال ابن حزم - رحمه الله -: "وكل دمٍ رأَتْه الحامل ما لم تضَعْ آخِرَ ولدٍ في بطنها، فليس حيضًا ولا نفاسًا"[16].

 

علامة الطهر:

يُعرف الطهر من الحيض بخروج "القَصَّة البيضاء"، وهو سائل أبيض يخرج إذا توقف الحيض، فإذا لم يكن من عادتها خروجُ هذا السائل، فعلامة طُهْرها "الْجفاف"؛ بأن تضع قطنة بيضاء في فرْجِها، فإن خرجَتْ ولم تتغيَّر بدم أو صفرة أو كُدْرة، فذلك علامة طهرها.

 

تنبيهات:

(1) التغيُّر في مدَّة الحيض: إذا زادت مدَّة الحيض أو نقصت عن المدة المعتادة، بأن تكون عادتها مثلاً ستَّة أيام فتزيد لسبع، أو عكسه، فالصحيح أنه متَى رأت الدم فهو حيض، ومتى رأت الطُّهر فهو طُهْر.

 

(2) التغيُّر في وقت الحيض: وكذلك إذا تقدَّم أو تأخَّر الحيض عن عادتِها، كأن يكون في أوَّل الشهر فتراه مثلاً في آخره، أو عكس ذلك، فالصَّحيح أنه متَى رأت الدَّم فهو حيض، ومتَى رأت الطُّهر فهو طهر، كالمسألة السابقة تَمامًا، وهذا مذهب الشَّافعي، واختيار شيخ الإسلام ابن تيميَّة، واستصوبَه ابن عثيمين، وقوَّاه صاحب "الْمُغني"[17].

 

(3) حكم الصفرة والكدرة ونحوهما، بأن ترى المرأة دمًا أصفر، أو متكدرًا بين الصُّفرة والسَّواد، أو ترى مجرَّد رطوبة، فهذا له حالان:

الأولى: أن ترى ذلك أثناء الحيض، أو متَّصِلاً به قبل الطُّهر، فهذا يثبت له حكم الحيض؛ لِحَديث عائشة - رضي الله عنها - أن النِّساء كُنَّ يبعثن إليها بالدُّرْجة فيها الكُرْسُف فيه الصُّفْرة، فتقول: "لا تَعْجَلْنَ حتى تَرْين القَصَّة البيضاء"[18].

 

و"الدُّرْجة" شيء تحتشي به المرأة - أيْ: تضعه في فَرْجِها - لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيءٌ؟ و"الكرسف": القطن، و"القَصَّة البيضاء" ماء أبيض يدفعه الرَّحِم عند انقطاع الحيض.

 

الثانية: أن ترى ذلك في زمن الطهر، فهذا لا يُعدُّ شيئًا ولا يثبت له حكم الحيض؛ لحديث أمِّ عطية - رضي الله عنها -: "كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطُّهر شيئًا"[19].

 

فلا يجب عليها وضوء ولا غسل.

(4) تقطُّع الحيض؛ بحيث ترى المرأة يومًا دمًا ويومًا نقاء، ونَحْو ذلك، فهذا أيضًا له حالان:

الأولى: أن يكون هذا مستمرًّا معها كلَّ وقت، فهذا دم استحاضة، وسيأتي بيان أحكام المستحاضة.

 

الثَّانية: أن يكون متقطِّعًا بأن يأتيها بعضَ الوقت ويكون لها وقت طهر صحيح، فقد اختلف العلماء في هذا النَّقاء: هل يكون طهرًا أم يكون حيضًا؟ وأوسط الأقوال في ذلك ما ذهب إليه صاحب "الْمُغني" على النحو الآتي:

أ- إذا نقص انقطاع الدَّم عن يوم[20]، فالصحيح أن تحسب هذه المدَّة من الحيض، ولا يكون طهرًا.

 

ب- أمَّا إذا رأت في مدَّة النقاء ما يدلُّ على الطهر، كأَنْ ترى القصَّة البيضاء مثلاً، فالصَّحيح أن هذه المدَّة تكون طهرًا، سواء كانت قليلة أو كثيرة، أقلَّ من يوم أو أكثر.

 

(5) إذا بلغت المرأة سنَّ اليأس وانقطع دَمُها، ثم عاوَدَها، فهل يعتبر حيضًا أم لا؟ الرَّاجح: أنه مهما أتى بِصِفَتِه من اللَّون والرائحة، فهو دم حيض، وأمَّا إذا كانت صفرة أو كدرة فلا يُعدُّ شيئًا.

 

وإذا رأَتْ مجرَّد قطعة دم غير متصلة، فلا يُعدُّ شيئًا.

 

(6) وكذلك المرأة إذا رأت في وقت طُهْرِها نقطة دمٍ غير متصلة، فإنَّها لا تلتفت إليها، ولا تعدُّ شيئًا، فقد يحدث ذلك نتيجة إرهاق أو حَمْلِ شيء ثقيل أو مرض.

 

ثانيًا: الاستحاضة


معنى الاستحاضة:

دمٌ يسيل من فَرْج المرأة بحيث لا ينقطع عنها أبدًا، أو ينقطع عنها مدَّة يسيرة.

 

أحوال المستحاضة:

الحالة الأولى: أن يكون لها عادة[21] لِحَيض معلوم قبل الاستحاضة.

 

الحالة الثانية: ألاَّ يكون لها عادة لحيض معلوم قبل الاستحاضة، ولكنَّها تستطيع أن تميِّز بين دم الحيض ودم الاستحاضة.

 

الحالة الثالثة: أن لا يكون لَها عادةٌ لحيض معلوم، وليس لها تَمْييز صالِحٌ للدَّم؛ لاشتباهِه عليها، أو مَجيئه على صفات مضطربة.

 

ولكلِّ حالةٍ من هذه الحالات حكمها على النَّحو الآتي:

أوَّلاً: في الحالة الأولى: تَحْتسب المرأة وقت حيضِها المعلوم باعتبار أنَّ هذا الوقت هو مُدَّة الحيض، ثم تعتبر بقية الشَّهر استحاضة[22].

 

وذلك لحديث عائشة - رضي الله عنها - أن فاطمة بنت أبي حبيش - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله، إنِّي أُسْتَحاض فلا أطهر، أفأدع الصَّلاة؟ قال: ((لا، إنَّ ذلك عرق، ولكنْ دَعِي الصلاة قَدْرَ الأيام التي كنْتِ تَحِيضين فيها، ثُمَّ اغتسلي وصلِّي))[23].

 

ثانيًا: وأمَّا في الحالة الثانية: التي ليس لها عادة معلومة، وذلك بأن تستمرَّ معها الاستحاضةُ من أول ما ترى الدَّم، فهذه تعمل بالتمييز بين دم الحيض ودم الاستحاضة إن كانت تستطيع التمييز، وإلاَّ انتقلت إلى الحالة الثالثة، فدم الحيض أسود غليظ، وله رائحة تميِّزه، وهو دمٌ لا يتجلَّط، وما عداه استحاضة.

 

ودليل ذلك ما ثبت في لفظٍ لِحَديث فاطمة بنت أبي حبيش أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لها: ((إذا كان دمُ الحيض، فإنَّه أسود يُعرَف، فأمسكي عن الصَّلاة، فإذا كان الأحمر فتوضَّئِي، وصلِّي؛ إنَّما هو عِرْق))[24].

 

ثالثًا: في الحالة الثالثة: وهي التي ليس لها عادة معلومة، كما أنَّها لا تستطيع أن تميِّز بين الدم، فهذه تعمل بعادة غالب النساء فيكون الحيض ستة أيام، أو سبعة أيام من كل شهر تبدأ من أول المدة التي ترى فيها الدم، ويكون بقية الشهر استحاضة[25].

 

والدليل على ذلك حديث حِمْنة بنت جحش - رضي الله عنها - أنَّها قالت: يا رسول الله، إنِّي أستحاض حيضةً شديدة، فما ترى فيها؟ قال: ((أنعت لك الكُرْسف؛ فإنَّه يذهب الدم))، قالت: هو أكثر من ذلك، قال: ((فاتَّخِذي ثوبًا..)) إلى أن قال: ((إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان، فتحيَّضي ستة أيام، أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي، حتَّى إذا رأيتِ أنَّكِ قد طهرت واستنقأت، فصلِّي أربعًا وعشرين، أو ثلاثًا وعشرين ليلة وأيَّامَها...))[26].

 

ماذا تفعل المستحاضة من أجل الصلاة؟

المستحاضة إذا انقضت مدَّة الحيض (على التفصيل السابق)، فإنَّها تغتسل غسلها من الحيض، ثُمَّ تعصب بِخرقة على فرجها - ويسمَّى هذا تلجُّمًا واستثفارًا - وبذلك يكون لها أحكام الطُّهر: فيباح لها الصَّلاة، والصوم، والطَّواف، وغير ذلك مِمَّا كان مُحرَّمًا عليها بالحيض، إلا أنَّها بالنِّسبة للصلاة، فإنَّها تتخيَّر أحد هذه الأمور:

 

الأول: تتوضَّأ لكلِّ صلاة؛ أي: إنَّها لا تتوضَّأ قبل دخول وقت الصلاة؛ لِما تقدَّم من قوله - صلَّى الله عليه وسلم -: ((وتوضَّئي لكل صلاة))، وفي رواية ((وتتوضأ عند كلِّ صلاة))، وقبل وضوئها تغسل فرْجَها، وتشد خرقة على فرجها.

 

الثاني: تؤخِّر الظهر إلى قبل العصر، ثم تغتسل، وتصلِّي الظهر والعصر، وكذلك تؤخِّر المغرب إلى قبل العشاء، ثم تغتسل، وتصلِّي المغرب والعشاء، وتغتسل للصُّبح وتصلِّي؛ وذلك لِما ثبت في حديث حِمنة بنت جحش أن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لها: ((وإن قَوِيتِ أن تؤخِّري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين، وتجمعين بين الصَّلاتين: الظهر والعصر، وتؤخِّرين المغرب، وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين، فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي)) - قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((وهذا أعجب الأمرَيْن إِلَيَّ))، وثبت في الصحيحَيْن أنَّها كانت تغتسل لكل صلاة[27].

 

الثالث: الاغتسال لكلِّ صلاة، فعن عائشة - رضي الله عنها - "أن أُمَّ حبيبة استحيضت في عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأمرها بالغسل لكلِّ صلاة"[28].

 

ملاحظات:

(1) المستحاضة لا يضرُّها ما ينْزِل منها من دمٍ بعد وضوئها للصلاة مهما كثر؛ لأنَّها معذورة، وعليها أن تعصب على فرجها خرقة تتلجَّم بها.

 

(2) اختلف العلماء في جواز جماع المستحاضة، والصحيح جوازه؛ لأنَّ الشرع لم يَمْنَع من جماعها، وهذا رأي الجمهور.

 

قال الشَّوكانِيُّ - رحمه الله -: "ولم يَرِد في ذلك شرع يقتضي المنع منه، وفي "سنن أبي داود" عن عكرمة قال: "كانت أمُّ حبيبة تستحاض فكان زوجُها يغشاها"[29]"[30].

 

(3) إذا نزَفَت المرأةُ لسببٍ يوجب نزيفها لعمليَّة مثلاً في الرَّحِم، ثم خرج الدَّم، فهذه على حالين:

أ- أن يعلم أنَّها لا يُمْكِن أن تحيض كأن تكون العمليَّة استئصال الرحم، فهذه لا يثبت لها أحكام الاستحاضة؛ فلا تمتنع عن الصَّلاة في أيِّ وقت، ويكون هذا الدم دمَ علَّة وفساد، ويرى الشيخ ابن عثيمين أن تتوضأ لكلِّ صلاة[31].

 

ب- أن يعلم أنَّها من الممكن أن تحيض، فيكون حكمها حكم المستحاضة.

 

(4) الفرق بين دم الحيض والاستحاضة: يُميَّز دمُ الحيض عن دمِ الاستحاضة بأربع علامات:

الأولَى: اللَّون: فالْحَيض أسود، والاستحاضة أحمر.

 

الثانية: الرِّقة: فدم الحيض ثخين، والاستحاضة رقيق.

 

الثالثة: الرائحة: فالحيض منتن الرائحة، والاستحاضة غير منتن.

 

الرابعة: التجمُّد: فدم الحيض لا يتجمد، والاستحاضة يتجمد.

 

(5) إن كان لها عادة وتمييز، فالرَّاجح أنَّها تحتسب بالعادة لا بالتمييز؛ لأنَّ النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عندما ردَّ المرأة إلى العادة لم يسأَلْها: هل تُميِّزين الدَّم أم لا؟ ولأن العادة أضبط للمرأة؛ إذْ من الممكن أن يتقطَّع بأن يكون يومًا أسود ويومًا أحمر[32]، فإن نسيت عادتَها عَمِلَت بالتمييز.

 

(6) إن علمت بِمَوضع الدم لكنها نسيت عدد أيامه؛ بِمَعنى أنَّها علمت مثلاً أنَّه يأتيها في أول الشهر، ثم نسيت هل هو ستَّة أيام، أم سبعة، أم غير ذلك؟ يُقال لها: احتسبي بغالب الحيض (الحالة الثالثة)[33] ولا ترجعي للتَّمييز.

 

(7) والعكس إن عَلِمَت العدد ونسيت الموضع؛ بأن تَذْكر مثلاً أنَّه كان يأتيها ستَّةَ أيام، لكنها نسيت هل كان في أول الشهر أم آخِره؟ فإنَّها تحتسب من أوَّل الشهر عدد ما كانت تأتيها الحيضة، فإن قالت: إنَّه كان يأتيها في نصف الشهر لكنها لا تستطيع التحديد، فإنها تجلس من أول النصف عدد ما كانت تأتيها حيضتها؛ لأنَّ نصف الشهر في هذه الحالة أقرب إلى ضبط وقتها، والله أعلم.

 

ثالثًا: النفاس

معنى النفاس:

هو دمٌ يرخيه الرَّحم بسبب الولادة، إمَّا معها، أو بعدها، أو قبلها بيومَيْن أو ثلاثة مع الطلق[34].

 

وعند الشافعية لا يكون النفاس إلا مع الولادة، أو بعدها، وأما قبل الولادة ولو مع الطلق، فلا يُعدُّ نفاسًا، والله أعلم، وهذا ما رجَّحه الطبُّ، كما أورد ذلك أبو عمر دبيان بن محمد الدبيان في كتابه "الحيض والنفاس".

 

مدَّته: عن أمِّ سلمة - رضي الله عنها - قالت: "كانت النُّفساء تجلس على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أربعين يومًا"[35].

 

قال التِّرمذي: "أجْمَعَ أهل العلم من أصحاب النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومن بعدهم على أن النُّفَساء تدع الصلاة أربعين يومًا، إلاَّ أن ترى الطُّهر قبل ذلك، فتغتسل وتصلِّي"[36].

 

هذا على الغالب أن النفاس يكون أربعين يومًا، لكن ذهب بعض العلماء إلى أنَّه يُمْكِن أن يزيد على ذلك في حالاتٍ نادرة، كما يمكن أن يقلَّ.

 

قال ابن تيمية - رحمه الله -:

"والنفاس لا حدَّ لأقلِّه، ولا لأكثره، فلو قُدِّر أنَّ امرأة رأت الدَّم أكثر من أربعين، أو ستين، أو سبعين وانقطع، فهو نفاس، لكن إن اتَّصل فهو دم فساد، وحينئذٍ فالحدُّ أربعون، فإنَّه منتهى الغالب؛ لِما جاءت به الآثار".

 

والأَوْلَى أن يحدَّ أكثر زمنِه إلى الأربعين؛ وذلك للآثار الواردة في ذلك، ولأنَّ هذا ما يحقِّقه الطبُّ ويثبته؛ إذ إنَّهم يرَوْن أنه لا يمكن أن يزيد على الأربعين[37].

 

قال ابن قدامة - رحمه الله -: فإن زاد دم النُّفَساء على أربعين يومًا، فصادف عادة الحيض، فهو حيض، وإن لم يصادف الحيض، فهو استحاضة[38].

 

وأما أقلُّ مدَّة النفاس، فالصحيح أنه ليس لأقلِّه حدٌّ، فمتى رأت الطهر اغتسلت، والعبرة فيه وجود الدَّم، وعلى هذا يمكن القول:

(1) إذا زاد الدَّم على الأربعين وكان لها عادة بانقطاعه بعد الأربعين، أو ظهرت أماراتٌ على قرب الانقطاع، انتظرت حتَّى ينقطع.

 

(2) إذا صادف زمن الحيض قرب الانقطاع، فتجلس حتى ينتهي زمن حيضها.

 

(3) وإن استمر، فهي مستحاضة ترجع إلى أحكام المستحاضة.

 

(4) إذا طهرت قبل الأربعين فهي طاهر، فتغتسل وتصلِّي وتصوم، ويُجامعها زوجها.

 

ويرى الإمام أحمد أنه لا يقربها زوجها استحبابًا - أيْ: حتَّى تصل إلى الأربعين - وثبت عن عثمان نَحْو ذلك[39].

 

(5) إذا ولدت ولم ترَ الدم - وهذا نادر جدًّا - فإنَّها تتوضَّأ، وتصلِّي، ولا غسل عليها.

 

(6) إذا طهرت قبل الأربعين ثم عاودَها الدم أثناء الأربعين، فقد ذَكَر في "الْمُغني" روايتين:

إحداهُما: أنَّه من نفاسها، فتدع له الصلاة والصوم.

 

والثانية: أنه مشكوك فيه، فتصوم وتصلِّي، ثُم تقضي الصوم احتياطًا، ولا يقربها زوجها.

 

والذي رجَّحَه الشيخ ابن عثيمين اعتبار القرائن في هذا الدَّم، فإن علمت أنه دم نفاس، فهو كذلك، وإن علمت بالقرائن أنَّه ليس دمَ نفاس، فهي في حكم الطَّاهرات، والله أعلم[40].

 

بِم يثبت النفاس:

لا يثبت النفاس إلاَّ إذا وضعت ما تبيَّن فيه خَلْقُ إنسان، فلو وضعت سِقْطًا لم يتبيَّن فيه خلق إنسان، فيرى بعض العلماء أن دمها لا يكون دم نفاس، ويتلخَّص عندهم الأمر كما يلي:

أ- إن كان السِّقْط قبل الأربعين يومًا الأُولى، فالدَّم لا يُحكم عليه أنه دم نفاس، بل هو دم فساد، فتغتسل وتصلِّي وتصوم.

 

ب- إن كان السِّقط بعد ثمانين يومًا، فالدم دم نفاس.

 

ج- إن كان السقط ما بين الأربعين والثمانين يومًا، فيُنظَر في السِّقط، فإن ظهرت فيه أمارات التخليق، فالدم دم نفاس، وإلا فلا.

 

ويرى الشيخ الألبانِيُّ - رحمه الله - أن الدَّم عقب السِّقط يكون نفاسًا في أيِّ مرحلة من مراحل الجنين[41]، وأرى أنَّ ذلك هو الأرجح؛ لعدم وجود دليلٍ على الفرق بين ما كان قبل الأربعين، وما كان بعد الأربعين، شريطة التأكُّد أنه سقط لآدمي، ليس مجرَّد دمٍ مُحتبس، ويُستعان على ذلك بالوسائل الطِّبيَّة، والله أعلم.

 

الأحكام المترتِّبة على الحيض والنفاس:

أولاً: الصلاة:

يَحْرم على الحائض والنُّفساء الصلاة فرضًا ونفلاً، فإن طهرت فلا يجب عليها إعادة هذه الصلاة؛ لِما ثبت في الحديث أن عائشة - رضي الله عنها - سُئِلَت: ما بال الحائض لا تقضي الصلاة؟ قالت: "كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فنؤْمَر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة"[42].

 

ثانيًا: قراءة القرآن:

اختلفت آراء العلماء في قراءة الحائض للقرآن ما بَيْن مُحرِّم ومُجوِّز، والذي يترجَّح - والله أعلم - أنه يَجوز لها قراءة القرآن؛ لعدم ورود حديث صحيحٍ صريح يَمْنعها من قراءة القرآن، وقد ذهب البخاريُّ، وابن جرير، وابن المنذر إلى جوازه، وحُكِيَ عن مالكٍ وعن الشافعي في القديم، حكاه عنهما ابن حجر في "فَتْح الباري".

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "ليس في منعها من القرآن سُنَّة أصلاً؛ فإنَّ قوله: ((لا تقرأ الحائضُ ولا الجنب شيئًا من القرآن)) حديث ضعيف باتِّفاق أهل المعرفة بالحديث، وقد كان النِّساء يَحِضْن في عهد النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلو كانت القراءة محرَّمة عليهنَّ كالصَّلاة، لكان هذا مِمَّا بيَّنَه النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأُمَّتِه، وتعلمه أمَّهات المؤمنين، وكان ذلك مما ينقلونه في الناس، فلما لم يَنْقُل أحدٌ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في ذلك نَهْيًا لم يَجُز أن تجعل حرامًا مع العلم أنه لم ينْهَ عن ذلك، وإذا لم ينْه عنه مع كثرة الحيض في زمنه، علم أنه ليس بِمُحرَّم"[43].

 

وأما الذِّكْر والتسبيح، وقراءة كتب الحديث والفقه، والدُّعاء والتأمين عليه، واستماع القرآن، فلا خلاف في جواز ذلك، والله أعلم.

 

ثالثًا: الصوم:

يَحْرم على الحائض والنفساء الصوم، وعليهما قضاؤه بعد رمضان كما تقدَّم في حديث عائشة - رضي الله عنها - فإن صامت وهي حائض أو نُفَساء، فصومها غير صحيح، وتكون آثِمَة ولم تَبْرأ بذلك ذمَّتُها، فيجب عليها القضاء.

 

رابعًا: تحريم الجماع:

يَحْرم جماعُ الحائض وكذا النُّفَساء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ [البقرة: 222]، ولما نـزلت هذه الآية قال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((اصنعوا كلَّ شيء إلا النكاح))[44]؛ يعني: الجماع.

 

فله تقبيلُها ومباشرتُها دون الفَرْج، فإنْ جامع فهو آثِمٌ، وعليه الكفَّارة[45]، وهي أن يتصدَّق بدينار، أو نصف دينار من الذَّهَب؛ لِما ثبت في الحديث: ((مَن أتى امرأته وهي حائض فليتصدَّق بدينار، أو نصف دينار))[46].

 

والدينار يساوي تقريبًا 4.15 جرام من الذهب.

 

واعتبر بعضُ أهل العلم إخراج الدينار إذا كان الدَّمُ كثيرًا، ونصف الدِّينار إذا كان قليلاً.

 

فإن طَهُرَت من الحيض، فلا يُجامعها زوجها حتَّى تغتسل؛ لأنَّ الله - تعالى - قال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ [البقرة: 222]؛ أيْ: من الدم، ثم قال: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾؛ أيِ: اغتسلن ﴿ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾؛ أيِ: الجماع.

 

خامسًا: الطواف بالبيت:

يحرم عليها الطواف بالبيت، وأما بقية المناسك؛ من السَّعي، ورمي الجمار، والوقوف بعرفات، فلا حرجَ عليها في تأديتها؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعائشة وهي حائض: ((افْعَلي كلَّ شيء يفعله الحاجُّ، غير ألاَّ تطوفي بالبيت حتَّى تغتسلي))[47].

 

والحائض يسقط عنها طواف الوداع، بِخِلاف طواف العمرة والحجِّ، وهو طواف الرُّكن؛ فإنَّها تنتظر حتَّى تطهر ثم تطوف.

 

سادسًا: المكث في المسجد:

اختلف العلماء في جواز مكث الحائض في المسجد، فذهب بعضُهم إلى المنع، مستدلِّين بقوله - تعالى -: ﴿ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ﴾ [النساء: 43]، وبحديث: ((إنِّي لا أُحِلُّ المسجد لِجُنُب ولا لحائض))؛ لكنه حديثٌ ضعيفٌ، وقد تقدَّم الجواب على هذين الدليلين[48].

 

وذهب فريق آخر من العلماء إلى جواز مكث الحائض في المسجد، وهو الراجح؛ لأنَّه لم يثبت دليلٌ صحيح صريح يَمْنع الحائض من المكث في المسجد، مع عموم البَلْوَى، وحاجة الناس لمعرفة هذا الحكم، فلو كان هناك مَنْع لثبَت ذلك.

 

وأيضًا فإنَّ النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لعائشة في إحرامها وهي حائض: ((افعلي كلَّ شيء يفعله الحاجُّ غيرَ ألاَّ تطوفي بالبيت))، فلم يَنْهَها إلاَّ عن الطواف.

 

وأيضًا فقد ثبت في "صحيح البخاريِّ" "أن وليدة سوداء كانت لحي من العرب فأعتقوها، فجاءت إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأسلمَتْ، فكان لها خباء في المسجد، أو حِفْش"[49]، ومعنى "الحفش": البيت الصغير، ومعلومٌ أنَّ المرأة تحيض، ولم يسألها النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هل بلغت اليأس من المَحيض أم لا؟ فتَرْك الاستفصال دليل على عموم الحكم، والله أعلم[50].

 

سابعًا: الطلاق:

يَحْرم على الزوج أن يُطَلِّق زوجته وهي حائض؛ لقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [الطلاق: 1]، بخلاف النفاس، فإنَّه يجوز أن يطلقها في نفاسها؛ لأنَّ النفاس لا يُحْسَب من العدَّة.

 

لكن لو طلَّق وهي حائض: هل يقع الطلاق أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك بعد اتِّفاقهم أنَّه يُسَمَّى طلاقًا بِدْعيًّا، والراجح وقوعه، وسيأتي تفصيل ذلك في أبواب الطلاق - إن شاء الله تعالى.

 

ويجوز طلاق الحائض في الحالات الآتية:

(1) إذا طلَّقَها قبل الدخول؛ لأنه لا عدَّة لها.

 

(2) إذا طلقها وهي حامل؛ لأنَّه لا عبرة بِحَيض الحامل.

 

(3) إذا كان الطلاق على عوض (وهو ما يسمى بالْخُلع).

 

تنبيه:

يَجوز عقد النكاح على الحائض والنفساء؛ إذْ لا دليل يمنع من ذلك.

 

ملاحظات:

أ- يَجوز للمرأة استعمالُ ما يَمْنع الحيض بشرطين:

الأول: ألاَّ يُخْشَى الضَّرر عليها.

 

الثَّاني: أن يكون ذلك بإِذْن الزَّوج.

 

ب- يجوز للمرأة استعمال ما "يَجْلب الحيض" بشرطين:

الأول: ألاَّ تتحيَّل به على إسقاط واجبٍ شرعي، مثل أن تستعمله في رمضان للفِطْر.

 

الثاني: أن يكون ذلك بإذن الزوج.

 

جـ- إذا جامع الرَّجلُ المرأةَ وهي حائض، فعليه الكفَّارة كما تقدَّم، لكن هل يجب على المرأة كفَّارة؟ خلافٌ بين العلماء، والصَّوابُ - والله أعلم - أنَّها إن طاوعَتْه وكان ذلك برِضاها أنَّه يجب عليها الكفارة أيضًا.

 

د- إذا باشر الرَّجلُ زوجته دون الفرج وهي حائض، لا يجب عليه الغسل إلاَّ بالإنـزال، وإن أنـزلَتْ هي وهي حائض أو احتلمت، استحبَّ لها أن تغتسل للجنابة في وقت حيضها، علمًا بأنه يجوز لها أن تؤخر غسلها من الجنابة حتى تطهر من الحيض.

 

هـ- إذا انقطع الدم عن الحائض ولم تغتسل، لم يُبَحْ ما كان مُحرَّمًا إلا الصيام والطلاق، وأما غيرهما فلا يباح إلاَّ بعد الاغتسال.

 

و- إذا طهرت الحائض ولم تجد ماءً لتغتسل، أو وجدَتْه لكنَّها لا تستطيع استعماله، فإنَّها تتيمَّم حتى يزول المانع فتغتسل، فإن تيمَّمَت أُبيح لَها ما كان محرَّمًا عليها، سواء بسواء كما لو اغتسلت.

 

•  •  •  •

آخر كتاب الطهارة، والحمد لله ربِّ العالمين، وأسأل الله أن يَجْعله ذُخْرًا لي في الآخرة، وأن يوفِّقَ به طلاب العلم للتفقُّه في دينهم.

 

وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

ويتلوه - إن شاء الله تعالى -: "كتاب الصلاة".



[1] جاء في "المجموع" (2/ 341) عن صاحب الحاوي قال: للحيض ستة أسماء وردت اللغة بها، وأشهرها الحيض، والثاني: الطمث، الثالث: العراك، الرابع: الضحك، الخامس: الإكبار، السادس: الإعصار، قلت: ويقال للحائض أيضًا: نفست ودرست.

[2] انظر "المجموع" (2/ 342).

[3]"الدماء الطبيعية للنساء"، (ص 5).

[4] "المجموع" (2/ 342).

[5] "الحقائق العِلْميَّة في القرآن الكريم"، د. محمد أحمد ضرغام (ص 6).

[6] انظر "مَجْموع الفتاوى" (19/ 237).

[7]"الدماء الطبيعية"، ص 6، وانظر "الشرح المُمْتع" (1/ 400).

[8] من رسالة في الأسماء التي علَّق الشارعُ الأحكام بها.

[9] "الدماء الطبيعية" (ص 7).

[10] "الشرح الممتع" (1/ 406).

[11] انظر "الدماء الطبيعية للنساء"، للشيخ ابن عثيمين.

[12] ثم تبين أن الراجح أنها لا تحيض، وسيأتي بيانه في آخر البحث.

[13]"الاختيارات الفقهية"، ص 59.

[14] من كتاب "الدماء الطبيعية للنساء"، ص 12، 13 بتصرف.

[15] نقلاً من كتاب "الحيض والنفاس" لأبي عمر الدبيان (1/ 128 - 131).

[16]"المحلَّى" (2/ 258)، المسألة (264).

[17] انظر: "المغني" (1/ 353)، و"الدماء الطبيعية" (ص 14، 15)0

[18] رواه البخاري تعليقًا (1/ 240)، ووصله مالك في "الموطأ" (كتاب الطهارة) رقم (128)، والبيهقي (1/ 355)، وصححه الشيخ الألباني في "الإرواء" (198).

[19] صحيح: رواه أبو داود (307)، وابن ماجَهْ (647)، ورواه البخاري (326) دون قولها: "بعد الطهر".

[20] والمقصود بانقطاعه؛ أيْ: يقطع تمامًا بحيث لا ترى صفرة ولا كدرة ولا حُمْرة، فلا ترى إلاَّ الجفاف، وفي نفس الوقت لا ترى القَصَّة البيضاء.

[21] قال ابن قدامة - رحمه الله -: لا تكون المرأة معتادة حتى تعرف شهرها ووقت حيضها وطُهْرها، وشهر المرأة عبارة عن المدَّة التي فيها حيض وطهر.

[22] مثال ذلك: إذا كان يأتيها الحيض ستَّة أيام في أوَّل الشهر، ثم طرأ عليها الاستحاضة، فصار الدَّم يأتيها باستمرارٍ، فيكون حيضها ستة أيام في أول الشَّهر، ويكون بقية الشهر استحاضة، وهكذا في كلِّ شهر.

[23] البخاري (228)، ومسلم (333)، والترمذي (125)، وأبو داود (298)، والنسائي (1/ 181)، وابن ماجه (624).

[24] حسن: رواه أبو داود (286)، والنسائي (1/ 123)، والحاكم (1/ 174)، والبيهقي (1/ 325)، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع" (765).

[25] وذلك بأن تعرف مدة الحيض لأقرب نسائها، فتحتسب هذه المدة من الشهر حيضًا، وبقية الشهر استحاضة؛ لأنها لا تستطيع تمييز الدم.

[26] حسن رواه أبو داود (287)، والترمذي (128)، وابن ماجه (627)، قال الترمذي: حسن صحيح، وحسنه الشيخ الألباني في "الإرواء" (205).

[27] صحيح: رواه أبو داود (291)، وانظر الإرواء (1/ 314).

[28] البخاري (327)، ومسلم (334).

[29] حسن: رواه أبو داود (309، 310)، والبيهقي (1/ 329)، وأم حبيبة هي حمنة بنت جحش.

[30]"نَيْل الأوطار" (1/ 356).

[31] انظر: "الدماء الطبيعية للنساء".

[32] "الشرح الممتع" (1/ 436، 437).

[33] انظر ص 139.

[34] انظر "الدماء الطبيعية للنساء" (ص 38).

[35] حسن صحيح: رواه أبو داود (311)، والترمذي (139)، وابن ماجه (648)، وحسنه الألباني في "الإرواء" (201).

[36] انظر "سنن الترمذي" عقب الحديث (32).

[37] انظر كتاب "أحكام الحيض و النفاس" لأبي عمر الدبيان.

[38]"الْمُغني" (1/ 392).

[39] رواه الدارمي (1/ 229)، والبيهقي (1/ 341).

[40] "الشرح الممتع" (1/ 450).

[41] نقلاً من "الموسوعة الفقهية" للعوايشة (298).

[42] البخاري (321)، ومسلم (335)، وأبو داود (262)، والترمذي (130)، وابن ماجه (631).

[43] "مَجْموع الفتاوى" (26/ 191)، وانظر "الدماء الطبيعية للنساء"، ص 20، وتقدم نحو هذا بالنسبة للجنب، انظر ص 108.

[44] مسلم (302)، وأبو داود (258)، والترمذي (2977)، وابن ماجَهْ (644).

[45] هذا إن جامعها عالِمًا عامدًا، فإن كان ناسيًا أو جاهلاً بوجود الحيض، أو جاهلاً بتحريمه، أو مكرهًا فلا إثم عليه ولا كفارة؛ انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم" (3/ 204).

[46] صححه الألباني: رواه أبو داود (264)، والترمذي (136)، وابن ماجه (640)، وصححه الألباني في "الإرواء" (1/ 218).

[47] البخاري (294)، (1516)، (1518) ومسلم (1211)، وأبو داود (1782).

[48] انظر "أحكام الجنب".

[49] البخاري (439)، وابن خزيمة (1332)، وابن حزم في "المُحلى" (2/ 253).

[50] وأما ما استدل به القائلون من قوله - صلَّى الله عليه وسلم - للحُيَّض في مُصَلَّى العيد: ((ولْيَعتزلْنَ المصلَّى))؛ رواه البخاري (351)، ومسلم (890)، فليس فيه دليل على منعها من المسجد؛ لأنه يُنظَر ما المقصود بالاعتزال أولاً، ثم ما معنى المصلى المأمور باعتزاله ثانيًا.

أمَّا الأول: فالمقصود أن يَكُنَّ خلف الناس؛ لِما ورد في إحدى روايات البخاري بلفظ: ((حتى تخرج الحُيَّض، فيَكُنَّ خلف الناس، فيكبِّرْن بتكبيرهم...))؛ رواه البخاري (971)، ومسلم (890).

وأما الثاني: فالمقصود بالمصلى: الصلاة نفسها؛ لِما ورد في بعض الروايات: ((فيعتزلن الصلاة))؛ رواه مسلم (890)، وعلم بذلك حتَّى لا يقطع الحُيَّضُ صفوفَ الناس، وأيًّا كان الأمر، فمع هذا الاحتمال لا يصحُّ الحديث دليلاً لمن تمسك بالمنع، ويبقى الحكم على الأصل، وهو الجواز.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تمام المنة - الطهارة (1/7)
  • تمام المنة - الطهارة (2/7)
  • تمام المنة - الطهارة (3/7)
  • تمام المنة - الطهارة (4/7)
  • تمام المنة - الطهارة (5/7)
  • تمام المنة - الطهارة (6/7)
  • تمام المنة - الصلاة (1)
  • تمام المنة - الصلاة (2)
  • ملخص أحكام الغسل من تمام المنة

مختارات من الشبكة

  • الفقه الميسر (كتاب الطهارة – باب المياه)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطهارة من شروط الصلاة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة شرح ديوان أبي تمام ( شرح ديوان الحماسة لأبي تمام )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الطهارة الظاهرة ـ وتسمى بالطهارة الحسية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهمية الطهارة والنظافة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطهارة الباطنة ـ وتسمى بالطهارة المعنوية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فقه الإمام مالك: الطهارة (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل تصح الطهارة من الآنية المحرمة؟(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • أحكام الطهارة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصلاة والحياة: تأملات في الأبعاد والتمثلات (الإقامة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب