• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

استحلال الحرام وتحريم الحلال بسلطان الرضا

د. علي عبدالقادر عثمان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/9/2010 ميلادي - 9/10/1431 هجري

الزيارات: 374927

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

استحلال الحرام وتحريم الحلال بسلطان الرضا

 

المقدمة:

الحمد لله وكَفَى، وصلاةً وسلامًا عن النبي المُصطَفى، وأشهد أن لا اله إلا الله واهِب النِّعَم، يُحِلُّ الطيِّبات، ويُحَرِّم الخبائث، ويُنعِم بفضله على مَن يَشاء من عباده، وأشهد أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وحبيبه، أرسَلَه ربُّه ليُؤمِن به الناس، ووَصَفَه بأنه هادٍ ومُبَشِّر ونذير، وأنَّه النبي الأمي الذي يُؤمِن بالله وكلماته وأمَر باتِّباعه، ومدَح عِبادًا اتَّبَعُوه فقال سبحانه وتعالى فيهم: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].

 

فإنَّ الله قد أتَمَّ شِرعَةَ الإسلام وأكمَلَها؛ لتكون صالحة للناس على اختِلاف بيئاتهم وأحوالهم وأزمنتهم، وأحكَم شِرعَتَها، فليس ينزل بأحدٍ من الناس نازِلةٌ إلا وفي كتاب الله سُبُل الهُدَى فيها، فضمَّنها سبحانه وتعالى مبادئ صلاحها لهذا، وشرع مبدأ الاجتِهاد، وحرس اجتِهاد نبيِّه، فما ترَكَه الوحي بغير تَعدِيلٍ أو تبديلٍ فقد أقرَّه، وما لم، فقد عَلِمنا ما ارتَضاه من الأمر فيه، ولم يأذن لبشرٍ أن يُحِلَّ ويُحَرِّم، ولا أن يَستَحِلَّ ما حرَّم سبحانه وتعالى ووصَفَه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بأنَّه يُحِلُّ ويُحَرِّم كما سبق في الآية، فبأمره سبحانه وتعالى فعَل، وليس لغير النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن يفعل.

 

ومن الشُّبَه القويَّة التي قد يلتَبِس على كثيرٍ أمرُها (الاستِحلال والتحريم بسلطان الرضا)، ظنًّا أنَّ الحق الذي أُعطِي لهم في هذا مُطلَق غير مُقَيَّد بشيء، فقد أُمِر الناس بالوَفاء بعقودهم، وبالبرِّ في أَيْمانِهم، وبالوفاء بنذورهم إذا نذروا، وبشُرُوطهم إن اشتُرِط عليهم، وليس يجب شيءٌ من السابق على أحدٍ إلا إذا اختارَه ورَضِيَه، فالإكراه المُنافِي للرضا لا يصحُّ عقدٌ معه، فكلُّ مَن تَعاقَد فقد رضِي ولم يُجبَر مُكلَّفٌ على قسَم أو نذْر، فإذا فعل فباختِياره ورِضاه كان ما فعَل، وإذا تَشارَط العاقِدان، فلا يستقرُّ شرطٌ إلا برِضا المُشتَرِط والمُشتَرَط عليه.

 

وقد يحتجُّ في ذلك بما أعطَتْه الشريعة السَّمْحَاء للناس من حريَّةٍ في إنشاء عقودهم، واشتِراط ما شاؤوا من شُروط ما تراضَوْا على ذلك.

وذلك ماضٍ ما لم يكن تعاقُدهم أو اشتراطهم، أو نذرهم أو قسَمهم، أو ما تَصالَحوا عليه - فيما حُرِّم عليهم فيَجعَلُونه حلالاً بأحد الأمور السابقة، أو أُحِلَّ لهم فيجعلونه بذلك حرامًا.

 

وهذه الأمور ليسَتْ من عادات الناس المَحْضَة، بل فيها ما يَتَّصِل بالتعبُّد كالنكاح، ومنها ما يمسُّ اعتِقاد الناس، خاصَّة ما يتَّصل باستِحلال الحرام بهذه الوسائل، أو تحريم الحلال بها، وسيأتي في هذه الورقات أنَّ الله وصَف أناسًا بأنهم مُشرِكون بسبب طاعتهم لأُناسٍ منهم في هذا الجانب.

 

وفي القرآن وَصْفٌ للنَّسِيء بأنَّه زيادة في الكفر؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 37]؛ وذلك لأنَّ فاعِلِيه أدخلوا أنفُسَهم في دائرةٍ لا يحقُّ لبَشَرٍ أن يُدخِل نفسه فيها؛ لأنها حقٌّ خالِص للإله الواحِد سبحانه وتعالى وعليه فقد استقرَّ عندي ما استقرَّ عند مَن سبق ممَّن صحَّتْ عقيدتهم، أنَّه لا سلطان لشيء سوى الوحي في التحليل والتحريم، كما استقرَّ كذلك أنَّ سلطان العقد، والصلح، والشَّرْط واليمين والنذر، والصلح، وغيرها قاصِرٌ أن يجعل الحلال حرامًا أو الحرام حلالاً.

وتأتي هذه الدِّراسة مُحَقِّقة لهدفها وسبَبِها المقصودَيْن منها رأيت أن يأتي في: مقدمة، وثلاثة مباحث، وخاتمة.

 

المبحث الأوَّل: الاستِحلال والتحريم.

المقصود لغة.

المقصود شرعًا.

سلطان التحليل والتحريم للشرع.

لحوق الحُكم.

حُكم التحليل والتحريم.

حلال طيِّب وحرام خبيث.

 

المبحث الثاني: الرضا.

لا سلطان للعقد في التحليل والتحريم.

لا سلطان للشرط في التحليل والتحريم.

 

المبحث الثالث: تطبيقات.

لا سلطان للصلح في التحليل والتحريم.

لا سلطان للحكم في التحليل والتحريم.

لا سلطان للأَيْمان والنُّذور في التحليل والتحريم.

 

ثم كانت خاتمة لهذه الدِّراسة حاوَلتُ فيها أنْ أُبِينَ عن أهمِّ ما خَرَجتُ به من دِارسة هذه المسألة، ثم كان ثبت بالمصادر والمراجع التي استَعنتُ بها في بحثي هذا، ثم جاء فهرس للموضوعات التي درستُ.

 

وقد جعلتُ درسي لهذه المسائل ردًّا على الزعم القائل: إنَّ الشريعة قد مكَّنَتْ ناسًا بسُلطان أمورٍ شرعَتْها - كالعقد والشرط وغيرهما - أن يَتجاوَزُوا سُلطَانها بسُلطَانها، فأردتُ أن تأتي الدراسة عمليَّةً في الردِّ على هذا وإبطاله.

 

كما أردتُ أن يُصبِح جليًّا عندنا، بل مُسلَّمًا لدينا أنَّ الشِّقاق واللَّجاج والاختِلاف مردُّه عدم درس المسائل، والاعتِماد على اتِّضاح الأمور من وجهة نظر الزاعِمين، ولو فكَّر هؤلاء لاتَّهموا زعمَهم.

 

ولم أجعل الاستِيعابَ في المسائل همِّي، بقدر ما جعلتُ ذلك الهمَّ في استِجلاء أساس الدِّراسة وهو التَّسلِيم بأنَّ الحلال والحرام لا مَصدرَ لهما إلا الوحي، فكنتُ أَعمِد إلى ذلك دون إسهاب أو تفريع.

 

وقد عَمَدتُ إلى أقوال العُلَماء في تأييد فكرة البحث الأساس، وعَزَوتُ إليهم أقوالهم، وكنت أكتَفِي بقولة أحدِهم خاصَّة عند تعدُّد الأقوال في المسألة الواحدة، واستَشهَدتُ بآي القرآن مَعزُوَّة إلى سُوَرِها، وأحاديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وقد خرَّجتُها.

 

فاللهَ أسألُ أن يفتح علينا بفضله فتوح العارفين.

♦ ♦ ♦

 

المبحث الأول: الاستِحلال والتحريم:

المقصود بهما لغةً:

الاستِحلال[1]: مصدر من الفِعل السُّداسي (استحلَّ)، وهو أن يجعل الحرام حلالاً، فمَن استحلَّ الخمر رآها حلالاً، ومَن ألحد في مكَّة الحرام فقد استحلَّ حرمتها وانتَهكَها.

 

واستحلَّ الشيء عدَّه حلالاً، والتحليل ضد التحريم، وقد حلَّله تحليلاً، وبمعناه جاء الخبر: ((مَن باع الخمر فليُشَقِّص الخنازير))[2].

والمعنى: أنَّ مَن استحلَّ بيع الخمر، فليستحلَّ ذبح الخنازير، وبيْع لحومها وأكلها، فإنهما في التحريم سواء.

 

والتحريم[3]: من الفعل المضعَّف (حرَّم)؛ أي: حظَر ومنَع، وهو جعل الشيء محرَّمًا ممنوعًا.

والتحريم ضد التحليل، والتحريم يأتي بمعنى الإحرام، والاستِثناء منه إباحة؛ كقوله بعد ذكر ما حرَّم مستثنيًا: ﴿ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [الأنعام: 146].

 

ويُقال: فلان لا يحلِّل ولا يحرِّم إذا كان لا يمتَنِع عن فعل الحرام، ولا يقف عند ما أُبِيح له.

فالاستِحلال والتَّحرِيم يَدُور معناهما على إرادة تغيير حُكم الشيء ممَّا وُضِع عليه في الشَّرْع إلى ما يُرِيده الفاعل بهوى نفسه ورِضاها، فيستحل أن يفعل ما نُهِي عنه، ويمتَنِع عن فعْل ما أُبِيح له فعلُه تديُّنًا في الفعل والامتِناع.

 

أمَّا المقصود بهما شرعًا فكالآتي:

الاستِحلال: اعتِبار الشيء الحرام حلالاً، وهو مُختَلف في حُكمه من مُستَحِلٍّ للحرام وهو يَعلَم، ومن مُستَحلٍّ مُشتَبِه أو مُجتَهِد في استِحلاله للحرام، وكذلك مختلف فيه بين مُستَحِلِّ الحرام البيِّن، أو مُستَحِلِّ الحرام المشتبَه فيه.

 

فالاستِحلال: استِنزال الشيء المحرَّم محلَّ الحلال[4].

والتَّحريم: اعتِبار الشيء الحلال حرامًا، وهو لا يختَلِف عن الاستِحلال في الحُكم، خاصَّة لو ارتَبَط الأمر بالاعتِقاد.

 

وقد يُطلَق الاستِحلال على اتِّخاذ الشيءِ حلالاً كاستِحلال الفُرُوج بالنِّكاح، واستِحلال اللحوم بالذَّبْح، وقد يكون واجبًا إذا اتَّخذ معنى جعل الشخص في حِلٍّ كاستِحلال المُغتَاب والاستِحلال للمَغصُوب منه.

 

وقد يكون الاستِحلال كفرًا؛ وذلك متى اعتَقَد المستحِلُّ أن المحرَّم المعلوم التحريم حلالٌ، وبذلك يُعلَم أنَّ الفُقَهاء كانوا يستَعمِلون الكلمتَيْن بالمعنى اللُّغوي لهما.

 

فالحلال والاستِحلال، والحرام والتحريم، يتميَّز معناهما بتَأثِير الاعتِقاد، ففَرْقٌ بين الذنب يرتَكِبه المسلم، وبين ذات الذنب يستحلُّه المسلِم، فبالاستِحلال يَصِير المُستَحِلُّ كافِرًا، بينما فعل الذنب بغير استِحلال يجعل الفاعل عاصِيًا فقط، وليس كافرًا مهما كانتْ عظَمَة هذا الذنب.

 

يقول ابن تيميَّة - رحمه الله -: "اتَّفق الصحابة مثل عمر بن الخطاب وعليُّ بن أبي طالب وغيرهما على أنَّ (شاربي الخمر) إنْ أَقَرُّوا بالتحريم جُلِدوا، وإن أصرُّوا على الاستِحلال قُتِلوا"[5].

يقول صالح آل الشيخ: "الاستِحلال: أن يعتَقِد أنَّ هذا العمل منه حلالٌ له، وليس بذنب، وأنَّه ليس بمحرَّم"[6].

 

وقد كان الناس قبلَ الإسلام يَستَحِلُّون أشياءَ بزَعْمِهم، ويُحَرِّمون بهذا الزعم أشياء أخرى، حتى استحلُّوا الميتة في بطون الأمَّهات، وحرَّموا السائبة، فردَّ عليهم القرآن: ﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، ﴿ وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116] وقوله جل جلاله: ﴿ مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة: 103]، وقوله جل جلاله: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 119].

 

وقد جعل الإسلام المُستَحِلَّ كافِرًا زائِدًا في الكفر، وكذلك متى قال لغيره: إنَّ الحرام حلالٌ فافعله؛ ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 37].

 

ويقول جلَّ جلاله: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 59].

 

وقوله جلَّ جلاله: ﴿ وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 139].

 

فالحلال ما أحلَّه الله جل جلاله في كتابه، أو جاء حِلُّه على لسان رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم فقد أُوتِي الكتابَ ومثلَه معه، ومثله يُقال: إنَّ الحرام ما حرَّمَه الله في كتابه، أو على لسان نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم[7].

 

ومُؤدَّى ذلك أنَّه لا مجالَ للعقل فيه، فلا يُقاس على الحلال أو الحرام، يقول الشعبي: "إذا أخذتُم بالقياس أحللتُم الحرام، وحرَّمتم الحلال"[8].

 

ويقول ابن تيميَّة: "ويَروُون عن أبي حنيفة أنَّه قال: لا تأخذوا بمقاييس زُفَر، فإنَّكم إذا أخذتم بمقاييس زُفَر حرَّمتم الحلال، وحلَّلتم الحرام، وكان يقول: مِن القياس قياسٌ أقبح من البول في المسجد"[9].

 

فالحلال والحرام تَشرِيعٌ تنزَّل به نصُّ القرآن، أو وحي الله تعالى لنبيه صلَّى الله عليه وسلَّم وعليه سُمِّي القرآن فرقانًا؛ فبَهديِه تقرَّر عند الناس التفريق بين الحلال والحرام، يقول البغوي: "وسُمِّي الكتاب فُرقانًا؛ لأنَّه يُفرِّق بين الحلال والحرام، وآياته بيِّنات لذلك"[10].

 

واعتَبَر ابن كثيرٍ الحلال والحرام[11] تفسيرًا لقوله تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 39].

واعتَبَر ابن جرير الطبري أنَّ التفريق بين الحلال والحرام تفسيرًا[12] لقوله جل جلاله: ﴿ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، والسابق يؤكِّد أنَّه لا يُؤخَذ الحلال والحرام إلا مِن الوحي، سواء كان قرآنًا أم سنَّة.

يقول الزجَّاج: "فليس لأحدٍ أن يُحَرِّم ما أحلَّ الله، ولم يجعل لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُحَرِّم إلا ما حرَّم الله عليه"[13].

 

وما قد يُسنَد مِن ذلك لأحد الصحابة - رضي الله عنهم - فهو نقل منهم عنه[14] صلَّى الله عليه وسلَّم فقط كانوا يتحرَّجون أن يقولوا على الله بغير علم، أو يقولوا ما ليس حقًّا[15].

 

وفتاوى الصحابة في الحلال والحرام مِن هذا القَبِيل، فقد اعتَبَر الصحابةُ قولَ عائشة - رضي الله عنها -: "يحلُّ له كلُّ شيء إلا الجِماع"[16].

 

وقد أخرج البخاريُّ من حديث عائشة - رضي الله عنها – أيضًا: "إنما نزل أوَّل ما نزل سُوَر من المفصَّل فيها ذِكْر الجنَّة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أوَّل شيءٍ "لا تشربوا الخمر"، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: "لا تزنوا"، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا"[17].

 

فالمسلِمون لم يَبْنُوا أحكامهم إلا على أساس الكتاب والسنَّة، وكانوا يَتَشدَّدون في الأسانيد، خاصَّة إذا ارتبط الأمر بالحلال والحرام، وإن تخفَّفوا ففي غير هذا الباب.

 

وقد جاء أنَّهم ما كانوا يَحكمون على الراوي في التفسير بأنَّه ضعيفٌ؛ لكونه محكومًا عليه بذلك في باب الحلال والحرام، ودليلُ ذلك وجودُ أصحاب رِوايات في التفسير وغيره، وقد حُكِم عليهم بالضعف في أحاديث الأحكام.

 

وكما كان السابِقون يَتَشدَّدون في الحُكم على الرُّواة في هذا الباب، فإنهم لا يَقبَلُون القول في هذا المجال إلا مِن الشارع، فليس في الإسلام سُلطة الأمر والنهي إلا مِن الشَّارِع، وقد أخرج الترمذيُّ من حديث عديِّ بن حاتم الطائي قال: "أتيتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وفي عنقي صليبٌ مِن ذهب، فقال: ((ما هذا يا عدي؟ اطرَح عنك هذا الوَثَن)) وقرأ الآية[18]، ثم قال: ((أمَا إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنَّهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلُّوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرَّموه))"[19].

 

فحقُّ التحليل والتحريم؛ أي: حق التشريع خالصٌ للوحي بنوعَيْه، بل جعل الوحي في ذلك يحرس اجتهاد مَن ينزل عليه، ولو خالَف اجتهاده الأوليُّ عدَّله الوحي له، فلمَّا امتَنَع عن الانتِفاع بالمباح لتطييبِ خَواطِر أزواجه الطاهرات، فجاء امتِناعُه على هيئة التحريم لم يسكتِ الوحي، بل نزل بالتعديل، فجاء قوله جل جلاله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التحريم: 1].

 

فالسُّلطان في التحليل والتحريم للوحي وحدَه ليس لغيره، ومَن يحلِّل أو يحرِّم من غير دليلٍ مِن كتاب أو سنَّة، فقد جعل نفسَه لله تعالى نِدًّا، وكذلك مَن أطاعَه فيهنَّ، فمَن أطاع مخلوقًا في التحليل والتحريم فقد اتَّخَذَه إلهًا، يقول الله جل جلاله: ﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 121].

 

وقد كانوا يُجادِلونهم، ويقولون لهم: كيف تأكلون ما قتلتُم، ولا تأكلون ما قَتَل لكم ربُّكم في شأن الميتة؟


الحكم والطاعة فيه:

فالتشريع - التحليل والتحريم خاصَّة - من خصائص الله جلَّ جلاله وذلك حقٌّ خالِص له سبحانه وتعالى لا شريكَ له فيه، فمَن شرع من دون الله، أو ألزَم الناس بغيْر شرْع الله، فقد نازَع الله فيما اختَصَّ به نفسَه، وهو بمُنازَعَتِه هذا مُشرِك بالله جل جلاله ويلزم هذا الحُكم مَن أطاعَه فيما صنع.

 

فالطاعة في هذا المجال شرْك محرَّم مؤثِّم، وليس أمرًا ممدوحًا، حتى ولو كان المُطَاع أميرًا أو حاكمًا، أو عالِمًا.

 

والحُكم في الأرض ينبَغِي أن يكون تابِعًا للتحليل والتحريم، والكلُّ لله جل جلاله فكما لا يستحلُّ أحد محرمًا شرعيًّا، فكذلك لا ينبغي أن يستحلَّ أن يحكم بغير ما أنزل الله - جل جلاله.

 

يقول: جل جلاله: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40]، ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [يوسف: 67].

 

وفيه قوله تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].

وفيه قوله - تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].

فالحُكم لله تعالى كلُّه، سواء كان قدريًّا أم شرعيًّا؛ يقول سبحانه: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ ﴾ [الشورى: 21].

 

والآية نصٌّ في اعتِبار المخلوقين الذين يشرعون شركاءَ لله جل جلاله فليس لأحدٍ كائنًا مَن كان أن يشرِّع من لدن رأسه، ولا أن يحكمَ إلا بما يأذن به الشارع.

 

يقول القرطبي: "وما لم يحرِّمه الله فليس لأحدٍ أن يحرِّمه، ولا أن يَصِير بتحريمه حرامًا، ولم يثبت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال لِمَا أحلَّه الله: هو عليَّ حرام، وإنما امتَنَع مِن ماريَّة ليمين"[20].

وإذا لم يثبتْ هذا عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فنفي ثبوته عمَّن هو دونه أَوْلَى مِن وليِّ أمر أو حاكم، أو غير ذلك.

 

يقول عبدالقادر عودة: "ولا يملك وليُّ الأمر أن يُحِلَّ ما حرَّمه الله جل جلاله أو يُبِيح ما لم يُبِحْه الله، فإذا فعل فعمَلُه باطل، ولا أثر له"[21].

 

فمَن أَباح يملك أن يحرِّم، ومَن حرَّم يملك أن يُبِيح، وسبحانه رَضِيَ أن يكون هو الفاعل لهذا بغير شريك؛ يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ الله هو القابض الباسط المسعِّر))[22].

 

يقول عبدالقادر عودة: "فليس لوليِّ أمرٍ أن يُبِيح ما قد حرَّمتِ الشريعة، فهو لم يحرِّمها حتى يبيحها، ولم تُعطِه الشريعة إلا حقَّ العفو عن الجريمة أو العقوبة، ولا يعفو قبلَ وقوع الجرائم؛ لأنَّ ذلك تحليلٌ لها لا يملكه"[23].

 

ويقول ابن حزم: "واتِّباع مَن دون النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في التحليل والتحريم عبادةٌ، وكلُّ مَن قلَّد مفتيًا يُخطِئ ويُصيب، فلا بُدَّ له من أن يستحلَّ حرامًا أو يحرِّم حلالاً، وبرهان ذلك تحريم بعضِهم ما يحلُّه سائرهم، ولا بُدَّ أنَّ أحدَهم مُخطِئ"[24].

 

وإذا أخطأ أو تورَّط وفعَل، فليس حُكمُه مُحِلاًّ ما كان حرامًا، أو مُحَرِّمًا ما كان حلالاً، يقول ابن قُدامة: "وحُكم الحاكم لا يُزِيل الشيء عن صفته في قول جمهور العلماء؛ منهم مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، ومحمد بن الحسن، وقال أبو حنيفة: إذا حَكَم الحاكم بعقد، أو فسخ، أو طلاق، نفذ حُكمه ظاهرًا وباطنًا"[25].

 

ويقول: "ولأنَّه حكم بشهادة زور، فلا يحلُّ له ما كان محرَّمًا عليه كالمال المطلَق"[26].

 

وللخِلاف ثمرته، بحيث لو استَشهدَتِ امرأة شاهدي زور بين يدي قاضٍ، فحَكَم لها بشهادتهما بطلاق أو نِكاح، ولأنَّ ذلك قد يحرِّم الحلال على صاحِبِه، وقد يحلُّ الحرام، كما أنَّه قد يُفضِي إلى أنَّ المرأة تجمع بين اثنَيْن على حسب الظاهر والباطن"[27].

 

وبهذا يكون الإسلام قد أغلَقَ هذا الباب في وجْه كلِّ أحد وجعَلَه خالِصًا لله - جل جلاله.

 

ولذلك هدفُه الذي لا يخفَى، فلو تُرِك لأحدٍ أن يُحِلَّ أو يُحَرِّم، لأحلَّ لنفسه ما لا يُحِلُّ لغيره؛ إرضاءً لهوًى في نفسه، وفعْل الواحد مع نفسه تفعله الجماعات، فهي أعداد أفراد.

 

يقول السَّمَرْقَنْدِيُّ: "كانتِ اليَهود يقولون: ليس علينا في مال العرب مَأْثَمٌ، ويُقال: مَن لم يكن على دِيننا فماله لنا حلال، بمنزلة مذهب الخوارج أنَّهم يستحلُّون مال مَن كان على خلاف مذهبهم"[28].

 

وقد جاء في بعض أوجُه التفسير لاعتِداء جماعة من بني إسرائيل: أنه استِحلال الحِيتان بعد أن كانت مُحرَّمة في سبتهم[29].

 

فبِرَدِّ الأمر لله تعالى وحدَه يختَفِي الغرَض والميل والهوى، فهو - سبحانه - يُحِلُّ ما يشاء، ويحرِّم ما يشاء بغيْر غرض، ولا مُعَقِّب.

 

يقول الطبري: "أحلَّ الله الكَنز لِمَن كان قبلنا، وحرَّمه علينا، فالله يحلُّ مِن أمره ما يشاء ويحرِّم، ويحلُّ لأمَّة ويحرِّم على أخرى..."[30].

 

حكم التحليل والتحريم:

وليس لأحدٍ أن يقول في شيء: حلال وحرام، إلا مِن جِهَةِ العلم، وجِهَةُ العلم في تحديد ذلك نصُّ الكتاب والسنَّة، أو الإجماع، أو القياس على هذه الأصول.

وحُكم معرِفَة الحلال والحرام فرضٌ على الكفاية يلزم علماء الأُمَّة، ولا يلزَم العامَّة فيها.

 

وتقتَضِي معرفة الحلال والحرام معرفةَ اختِلاف ذلك بين الشرائع، فلا مانع شرعًا أو عقلاً أن تختَلِفَ شرائع الأنبياء فيه، وقد جاء بذلك القرآنُ: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48].

 

فشريعتنا تختَلِف عن شريعة آدَم في حُكم تزوُّج الإنسان بأختِه التي لم تشرْكه في البطن، وتختَلِف عن شريعة يعقوب التي يجوز فيها الجمْع بين الأختين... وهكذا.

 

وكلُّ مؤمن يعلم أنَّه مُكَلَّف، وهذا العلم يلزمه أن يكون المكلف عالِمًا بالحلال حتى يأتيه، وعالِمًا بالحرام حتى يتجنَّبه، وإلا لا يُعَدُّ مُستَبرِئًا لدينه.

وليس يُنكِر أحدٌ أنَّ الحرام لا يَصِير حلالاً بتغيُّر اسمه، فليس يقرُّ في عقلٍ أنَّ المِلْح يَصِير حلوًا بتسميته (سُكَّرًا).

 

كما لا يُنكِر أحدٌ خطأَ القول: إنَّ الحلال قد يكون حرامًا بتغيُّر اسمه، وهذا يُؤَدِّي إلى أنَّ الحلال أو الحرام لا يتغيَّران باختِلاط كلٍّ منهما بالآخَر: "سُئِل النخعي عن رجلٍ يأتيه المالُ من الحلال والحرام، فقال: لا يحرُم عليه إلا الحرام بعينه"[31].

 

وهذا ما تؤيِّده الأدلَّة؛ فقد جاء ذمُّ اليهود في القرآن بأنهم آكِلُون للسُّحت، وأنهم مُستَحِلُّون للرِّبا، ومع ذلك فقد كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يَرْهن دِرْعَه عندهم.

 

وتابع لهذا السابق أن يعلم أنَّ دائرة الحلال مُتَّسِعة، فالأصل المباح، بينما دائرة الحرام ضيِّقة محصورة.

وليس يخفَى أنَّ التحريم لا يتعلَّق بذات الدرهم أو الدينار، وإنما التعلُّق بجهة الكسْب.

وأمرُ التحليل والتحريم - كما سبق وفصَّلتُ - شرعيٌّ إلهيٌّ ليس من مُدرَكات العُقول، ولا من مهامِّ المخلوقين.

 

يقول الشاطبي: "... وإلاَّ فلو كان التَّشرِيع من مدركات الخلْق، لم تنزل الشرائع، ولم يبقَ الخلاف بيْن الناس، ولا احتِيج إلى بعْث الرسل - عليهم السلام"[32].

 

فدَوْرُ العقل كاشِفٌ عن الحُكم الشرعي، وليس خالِقًا له، وكما يكشف الحكم يعرف علَّته، والحِكمة مِن الأمر به، وفي هذا تكلِيفٌ بما يُطاق.

 

ارتباط الاستِحلال والتحريم بالاعتِقاد، وأثر ذلك في الحكم:

سبَق أن أشَرتُ على صفحات هذه الدراسة أنَّ فرقًا بين تَعاطِي المعصية، وبين استِحلالها؛ فمُتَعاطِي المعصِيَة إذا غلبَتْه نفسُه بغير استِحلال، عاصٍ يُعاقَب على معصيته أيًّا كانت، فلا زال العاصي مسلِمًا ولو بلغت معصيتُه مُوجِب الحد، فالمعلوم أنَّ الصلاة على الميِّت لا تجب إلا على مَن مات مسلمًا، وإذا ثبت أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى على مَن أُقِيم عليها حدُّ الزِّنا، فإنَّ فعله هذا يكون دليلاً على أنها لا زالت مُسلمةً رغم عِظَمِ الكبيرة التي فعلت[33]، أمَّا مَن يَتعاطِي المعصية، ويرى أنها حلال لا بأس به، وربما أمَرَ غيرَه بتعاطِيها - فهذا كافِرٌ باستِحلاله لا بفِعْله.

 

فكلُّ معصِيَة تُفعَل شهوة وغلَبَة للهوى بغيْر استِحلال لا تُخرِج صاحِبَها عن الإسلام، وإن كانت كبيرة، وأمَّا الاستِحلال للفعل فهو مُخرِج عن الملَّة، ومَرَدُّ التفريق بين الحالين الاعتِقادُ.

 

ففَرْقٌ كبيرٌ يجب مُراعاتُه بين فعْل الحرام مع اعتِقاد حِلِّه، وبين فعْله مع اعتِقاد حرمته، فاعتِقاد الحلِّ مُكَفِّر ولو لم يفعله المُعتَقِد، بينما الفعل مع اعتِقاد عدم الحِلِّ معصِيَة فقط، لا يُحكَم معه بكفْر الفاعل، يقول شيخ الإسلام: "هذا له حُكم أمثالِه من أهل الذنوب؛ لأنَّه ما حرَّم الحلال، ولا أحلَّ الحرام، وإنما فعَل الحرام من جهة العصيان، وجعل الحلال حرامًا مِن جهة العصيان، لا مِن جهة تبديل الدِّين"[34].

 

ويقول ابن حزم: "فمَن أحلَّ ما حرَّم الله تعالى وهو عالِمٌ بأنه تعالى حرَّمَه، فهو كافِرٌ بذلك الفعْل نفسه، وكلُّ مَن حرَّم ما أحَلَّ الله تعالى فقد أحَلَّ ما حرَّمه - جلَّ جلالُه - لأنَّه تعالى حرَّم على الناس أن يُحَرِّموا ما أحلَّ"[35].

 

وقد زاد ابن حَزْم في قوله السابق عن مُؤدَّى قول شيخ الإسلام أنَّ الكفر لا يُوصَف به مَن استَحَلَّ الحرام فقط، بل هو لاحِقٌ بِمَن حرَّم الحلال كذلك، وليس يَخْفَى على أحدٍ من المسلمين أن مَن استحلَّ محرَّمًا بالإجماع فقد كفر؛ لحديث معاوية بن قُرَّة أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أرسل أباه (قُرَّة) ليَقتُل رجلاً عرَّس بامرأة أبيه[36].

 

وبهذا يَثبُت أنَّ مَن أنكر آية، أو رَدَّها فهو كافِرٌ، يقول شيخ الإسلام: "ومَن خالَف ما ثبَت بالكتاب والسنَّة، فإنَّه يكون إمَّا كافرًا، وإمَّا فاسِقًا وإمَّا عاصيًا، إلا أن يكون مؤمنًا مجتهدًا مخطِئًا، فيُثاب على اجتهاده، ويُغفَر له خطؤه، وكذلك إن كان لم يبلغْه العلم الذي تقوم عليه به الحُجَّة"[37].

 

فالاستِحلال بغير تأوُّل مُكَفِّر، أمَّا الاستِحلال بالتأويل فليس بِمُكَفِّر، فالخوارج ليسوا كفَّارًا في رأي جمهور العلماء، مع أنهم كانوا يعتَقِدون كفرَ كثيرٍ من الصحابة أو التابعين، وقد كانوا يستحلُّون دماءَهم وأموالَهم بهذا التأويل، ولا يُعتَبر المتأوِّل مرتدًّا[38].

 

وبعدُ، فالمؤمن مَن يعتَقِد أنَّ الحلال ما أحلَّ الله تعالى وأنَّ الحَرام ما حرَّم الله تعالى وذلك مُرتَبِط بإرادته تعالى وذلك مُطَّرِدٌ ماضٍ حتى فيما لا يعلم المعتَقد له حِكمة للتحريم، فسبحان الله يُرِيد ما يقع في ملكه، وإن لم يرضَه كلَّه، فهو - سبحانه - يُرِيد الإيمان ويرضاه، لكنَّه لا يرضى الكفر، وقد وُجِد الكفر بإرادةٍ منه تعالى بغير رِضًا؛ يقول تعالى: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7].

 

وبعد ذلك يعرف المؤمن أنَّ الحلال والحرام مُرتَبِط بالأمر والنهي، ولا ارتِباط له برِضا أو غيره، يقول البقاعي: "فعُرِف بذلك أنَّ العبرة في الحلال والحرام بأمْره ونهيه لا بإرادته"[39].

 

فالله تعالى هو الذي يشرِّع الحلال والحرام، وهذا فرْع عن وحدانيَّته تعالى فالذي يخلق ويرزق ينبغي أن يكون هو الذي يُحِلُّ ويحرِّم، وبهذا يرتَبِط التشريع بالعقيدة[40].

 

يقول سيِّد قطب: "فالذين آمنوا يقتَضِيهم عقد الإيمان أن يتلقَّوا التحريم والتحليل مِن الله وحدَه، ولا يتلقَّوا في هذا شيئًا من غيره - سبحانه"[41].

 

فلا تحليل ولا تحريم إلا مِن جهة الإله، ولا طاعة لأحدٍ في الأمرَيْن إلا لله، وإلا عُدَّ المطيع مُشركًا بالله تعالى وعُدَّ الآمر نِدًّا له.

 

يقول القرآن: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].

 

فالآية صيَّرت الأحبار والرُّهبان بأمرهم ونهيهم أربابًا، وصيَّرت مَن أطاعوهم مشركين، فصِحَّة الاعتِقاد ترتَبِط بالباب إيمانًا وعملاً بغير تبديلٍ لحُكم أو اتِّباع لِمُضِلٍّ.

 

حلال طيب وحرام خبيث:

الحلال والحرام حُكْمان شرعيَّان، جاء في الأصول أنهما تابعان للأمر والنهي، وهما ليسَا سواء؛ فالحلال مأمور به، بينما الحرام منهي عنه، ولا يأمر الشارع إلا بالطيِّب، ولا ينهى إلا عن الخبيث.

يقول البقاعي: "فعرفت بذلك أنَّ العِبَرَ في الحلال والحرام بأمره ونهيه..."[42].

 

والقرآن يَنفِي استِواءَهما؛ ففيه: ﴿ قُلْ لاَ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ﴾ [المائدة: 100]، يقول السَّمَرْقَندِيُّ عند تعرُّضِه لتفسير هذه الآية: "لا يستوي الحلال والحرام..."[43]، وكثرة الحرام ليسَتْ بالأمر المُعجِب حيثُ تنزل الآية

 

واعتِقاد التسوِيَة بينهما شيءٌ لا يَصِحُّ دينًا، يقول الجويني: "وإثبات التخيير واعتِقاد التسوِيَة بين التحليل والتحريم أمرٌ يُناقِض وضْعَ الشريعة على القطع، وهذا معلومٌ على الضرورة"[44]، وما دامَا ليسَا سواءً، فلا بُدَّ أنْ يُعلَم أنَّ الحلالَ طيِّبٌ كلُّه، وأنَّ الحرام خبيث كلُّه، يقول الغزالي: "اعلم أنَّ الحرامَ كلَّه خبيث، لكن بعضه أخبثُ مِن بعض، والحلال كله طيِّب، ولكن بعضه أطيبُ من بعض"[45].

 

وربما ارتَبَط الطيِّب بالحلال قبْلَ إحلاله، والخبيث بالحرام قبْل تحريمه، وقد يُفهَم ذلك من قوله جل جلاله: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]، يقول ابن قيِّم الجوزيَّة: "فهذا صَرِيحٌ في أنَّ الحلال كان طيبًا قبل حِلِّه، وأنَّ الحرام كان خبيثًا قبْلَ تحريمه، ولم يُستَفد طِيبُ هذا وخُبثُ هذا من نفْس الحل والتحريم"[46].

 

ولا بُدَّ أن يكون هناك فرْق واضح بين الاستِطابة الناتجة عن تحليل الشَّرْع، والاستِطابة الناتجة عن هوى النفوس، وكذلك الفرْق بين الاستِحباب شرعًا وطبعًا.

 

فالخبيث ما استَخبَثَه الشرع وإن استطابَتْه النفس؛ لأنَّ نُفُوس العُصَاة تشتَهِي المحرَّم وإلا لم تفعَلْه، ولقد فرَّقَتْ شريعة الإسلام الإلزام لأتباعها بين المُستَخبَث والمُستَطاب؛ فألزمَتْهم بأن يتخبَّثوا ما استَخبَثَتْ، لكنَّها لم تُلزِمهم أن يَستَطِيبوا ما استَطابَتْ هوًى لا شرعًا، فليس أحدٌ يَقُول بتحريم أن يعاف الإنسان الحلال، ولكن الكلَّ يَقُول بحُرمة أن يَستَطِيب الإنسان الحرام ولو بهواه.

 

فالخمر خبيث حرام، يجب استِقذارها وإن شَرِبها ناسٌ، والضبُّ حلال طيِّب، ولا تجب استِطابَتُه، وقد عافَه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاستِطابَةُ الحرام تحليلُه، وهذا غير جائز[47].

 

يقول الشافعي: "وليس يَحِلُّ بالحاجة محرَّم إلا في الضرورات مِن خوف تلَف النفس، فأمَّا غير ذلك فلا يَحِلُّ لحاجةٍ فيه، فالحاجة فيه وغير الحاجة سواء..."[48].

 

فميزان الاستِطابة والاستِخباث شرعيٌّ لا نفسي أو بشري، وهو إنْ كان الطيِّب والخبيث وصفًا للمُحَلَّل والمحرَّم شرعًا، غير أنْ إطلاق الحُكم في ذلك لله ربِّ العالمين، خاصَّة فيما لا يستطيع المكلَّف أن يتعرَّف على عِلَّة التحريم أو حِكمته.

 

فالشرع حرَّم ذبيحة المُشرِك فاستَخبَثَها بذلك التحريم، ولو زكَّى المسلم أو الكتابي ذاتَ البَهِيمة التي كان المُشرِك ذبَحَها، لاستَطابَها الشرع وأحلَّها للمتعبِّدين، فكما يقول الرازي: "والتحليل والتحريم ليسَا بصفات للمُحَلاَّت ولا المحرَّمات، وإنما هي عبارة عن قول الشارع فيما شرع"[49].

 

وهذا يُبرِز الخلاف الذي كان بيْن مالك والشافعي، حيث يرى الشافعي - خلافًا لمالك - أنَّ التحليل والتحريم في المآكِل والمشارب مُرتَبِط بالاستِطابة والاستِخباث، خاصَّة من العرب الذين نزلتْ فيهم الرِّسالة، وأمَّا الإمام مالك فيرى أنَّ كلَّ حيوان حلال، إلا ما ورد نصٌّ بتحريمه، ولو كانت النُّفوس تستخبثها؛ كحشرات الأرض، والديدان، والهوام، وبُغاث الطير، وجوارحها، والكلب"[50].

 

والأصل الذي اعتَمَد عليه الإمامُ مالك هو قوله جل جلاله: ﴿ قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 145].

 

فما حرَّمه الشَّرع خبيثٌ، ولو ظنَّه الناس طيبًا، وما أحلَّه الشرع طيبٌ، ولو ظنَّه الناس خبيثًا، فمالك يرى حلَّ الديدان، وحشرات الأرض والهوامُّ، ولا يستَطِيبها صاحبُ فطرة سَلِيمَة، لكنَّها طيِّبة ما لم يَثبُت الدليل المحرِّم، وكونها طيِّبة بهذا الشرْط لا يُناقِض القول بعَدَمِ استِطابَتِها من أصحاب الفِطَر السليمة؛ لأنَّ فرقًا يجب أن يكون واضحًا بين الاستِطابة الشرعيَّة والاستِطابة النفسيَّة التي قد تَعاف الحلالَ - كما سبق وذكرتُ.

 

وهذا يُؤكِّد ما قاله الجويني: "التحليل والتحريم لا يتعلَّقان بالأعيان، وإنما يتعلَّقان بأفعال المكلَّفين، فالمحرَّم فعْل المكلَّف في العين"[51]، وبذلك يَثبُت أنَّ العين الواحِدة لا تحلُّ ولا تحرُم بذاتها، وإنما حلُّها وحرمتها مُرتَبِطان بالحُكم على فعْل المكلَّف فيها.

 

وهذا ما أبَان عنه أهلُ العلم في تفسيرهم ارتِباطَ التحليل والتحريم بالأعيان، فقد جاء: "فليس في المقدور أن نعلِّق التحريم بالأعيان المذكورة[52]، فأَوْجَبَ ذلك أنَّ التحريم متعلِّق بفعْل من الأفعال التي تتَّصل بهذه الأعيان، وذلك كتحريم الاستِمتاع بالمحرَّمات في النِّكاح، وتحريم الأكْل في المحرَّمات في الأطعمة"[53].

 

وإذا حُرِّم الشيء شرعًا، فقد وجب على الناس السمع والطاعة، سواء علموا سببَ التحريم أو لم يعلموا، وإنما وجَب عليهم أن يردُّوا العلمَ لله فيما لم يَقِفُوا فيه على سرٍّ، وليس لهم أن يُطالِبوا بالتخيير بين حلال وحرام، فليس يستوي الخبيث والطيِّب، يقول الجويني: "من المُستَحِيل التخيير بيْن التحليل والتحريم... وكذلك لا يُتَصوَّر التخيير بين مُحَرَّمَيْن"[54].

 

فإذا تردَّد الأمرُ عند الناس بين التحليل والتحريم، فالأَخْذُ بالقول المحرِّم أَوْلَى؛ احتِياطًا للحرمة، فالمأثم لاحقٌ بمُرتَكِب المحرَّم، ولا مأثم في ترك المباح - كما مضى - أمَّا إذا تعارَض دليل الحِلِّ والحُرْمة، فإنهما يَتَدافَعان، وعندها يجب العلم بالأصل.

ولا يَخفَى على المتمرِّس أنَّ الشرع - كما قعَّد الفقهاء وبرهنوا عليه - قد جعل الإباحةَ هي الأصل[55].

 

ولم يجعلِ التحريم هو الأصل إلا في الأبْضاع، وهذا أقرَبُ للاحتِياط وأَوْلَى[56]؛ لأنَّ هذه الحال لا يَصلُح فيها أرْشٌ أو عِوَض، فلا يحرم شيء غيرها إلا تيقنَّا أنَّه حرام، بينما لا يحلُّ بُضعٌ إلا إذا تيقنَّا من دليل الحلِّ، والفرق لا يخفَى.

 

يقول الكاساني: "فالأصل في الأبضاع والنُّفوس هو الحُرْمة، والإباحة تَثبُت بهذا الشَّرْط، فعند عدم الشَّرْط تَبقَى الحُرْمة على الأصل"[57].

ويقول النووي: "فمَن ورث مالاً، ولم يعلم من أين كسبه مورثُه أمِن حلال أم من حرام، ولم تكن علامة - فهو حلالٌ بإجماع العلماء، فإن علم أنَّ فيه حرامًا وشكَّ في قدره، أخرج قدرَ الحرام بالاجتهاد..."[58].

وهذان القولان السابقان فيهما التفريق.


والتحليل والتحريم مُرتَبِطٌ بالمصلحة والمفسدة، فالأمر حلال ما غلبَتْ مَصلَحتُه على مَفسَدتِه، وهو حرامٌ غير مشروع متى غلبَتْ مفسدته على مصلحته[59].

 

وليس يُفيد طريق التحليل ما علم أنه حرام، أو غلب ذلك على الظن، فنِكاح المرأة المتزوِّجة حرامٌ، ولا يحلُّه تمام أرْكان العقد عليها؛ وعليه فإنَّ النذر أو القسَم، أو الصُّلح، أو غيرها، لا يجعل الحرام حلالاً، كما لم يجعل العقْد المكتَمِل الأركان المتزوِّجة حلالاً، وهذا ما سيكون له تفصيل في الدِّراسة.

فالدِّراسة تُرِيد أن تُؤكِّد أن الحلَّ والحرمة بالشرع فقط، ولا طريقَ لذلك إلا النص[60].

 

فقد أخرج البزَّار والطبراني من حديث أبي الدرداء أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما أحلَّ الله فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سَكَت عنه فهو عفوٌ، فاقبَلُوا مِن الله، فإن الله لم يكن لينسى))[61].

♦ ♦ ♦

 

المبحث الثاني: الرضا وسلطانه:

الرضا: مصدرٌ من الفِعْل (رضي) الذي قد يَتَعدَّى بنفسه أو بالباء، أو بـ(عن) أو بـ(على)، فيُقَال: رضيت الشيء، ورضيت به، وعنه وعليه؛ ويعني: سرور القلب، وطِيب النفس، وهو ضد السخط، والكراهية[62].

 

والرضا في الاصطِلاح: ارتِياح النفْس وانبِساطها لعمل شيءٍ ترغب فيه وتقصده دون أن يَشُوب هذا القصْد إكراهٌ[63].

والرِّضا أمر باطِن لا يَطَّلِع عليه؛ وعليه فقد تعلَّق الحُكم بسبب ظاهر وهو الصِّيغة، ويُشتَرَط فيها الجزم؛ ليستدلَّ بها على الرضا.

 

يقول السنهوري مُعَرِّفًا الرضا: يكون بتحرُّك الإرادة إلى شيء مُعَيَّن وتعلُّقها به، فالرضا مظهر لوجود الإرادة، ولا يَصدُر عن شخص معدوم الإرادة؛ كالمجنون والطفل غير المميِّز[64].

 

فالرضا دليل الإرادة، وهو مبدأ أساس في تصحيح العقود، والسؤال: ما صلة الرضا بالاختِيار؟


يميِّز فُقَهاء الشريعة بيْن الاختِيار والرِّضا؛ فهم يرَوْنَ إمكان فَوات الرضا مع بَقاء الاختِيار، ولا يمكن بحالٍ أن يُوجَد رضا بغير اختِيار.

فالرضا يَنعَدِم بالإكراه غير الملجئ، بينما يَبقَى الاختِيار الصحيح، وإن فسد كلاهما بالإكراه الملجئ[65].

 

شروط الرضا المُعتَبَر:

1 - معلوميَّة المحلِّ ليكون الرضا عليه.

2 - توفُّر الإرادة الذي هو دليلُها من جائز التصرُّف.

3 - مشروعيَّة الباعِث على العقد أو العمل.

4 - وجوده خاليًا من عيوبه عند التعاقُد.

 

وأمَّا عيوب الرضا:

♦ الإكراه، الغلط.

لا سلطان للعقد في التحليل والتحريم:

ليس يَعنِيني هنا تفصيلُ القول في العقد ومسائله، ولكن ما يَعنِيني هو إبراز فكرة البحث ومُؤدَّاها: أنَّ سلطان العقد قاصر أن يُستَحَلَّ بسببه الحرام، أو يُحَرَّم به الحلال.

 

فالعقد وهو أخصُّ مِن التصرُّف والاتِّفاق - ارتِباط بين الإيجاب والقَبُول على الهيئة الشرعيَّة مِن إرادتين، يُنشِئ التزامًا من كلٍّ منهما تجاه الأخرى، فهو تصرُّف قولي مُلزِم لطرفَيْه، وليس منه ما ينهى التِزامًا أو يعدل[66].

 

والعقد وإن كان مِن العادات التي تقع من المسلِم وغيره، وهو وإنْ كان مُعامَلة في عامَّة أمرِه، إلا أنَّه قد يتَّخذ جانبًا تعبُّديًّا كما في الزواج.

 

وقد شُرِع تيسيرًا للناس في مصالحهم، وهو نظام مَبناه على الإرادة والرضا، فمتى وقَع من أهله على محلِّه برضا طرفَيْه كان صحيحًا، يقول د. صوفي أبو طالب: "تقوم الشريعة الإسلامية على مَبادِئ مُخالِفة لمبادئ القانون الرُّوماني، فهي لا تَعرِف الشكليَّة والرسميَّات، والرضا وحدَه كافٍ لنشأة الالتِزام التعاقدي[67].

 

ومع التسليم بأنَّ الشريعة اعتدَّتِ بالرضا، وجعلَتْه أساسًا في العقد، لكنَّها لم تترك ذلك بغير ضَوابط، بل رسمت أُطُرًا رضيتْها، وهي:

1 - اعتِبار العدل واجبًا في جميع المعاملات.

2 - تحريم المعاوَضة على المحرَّم شرعًا.

3 - تحقُّق مَقصُودات المعامَلات المشروعة.

4 - تقديم ما ثبَت بالشرع على كلِّ اعتِبار.

5 - الميل إلى تصحيح المعامَلات ما تحقَّقت الضوابط.

 

وبعد وجود هذه الضوابط والأُطُر، واشتِراط تحلِّي المعاملات بها، ولَمَّا كان العقد بابها، فإنَّ حُكم الحرام لذاته غير مشروع أصلاً، وإذا فعَلَه المكلف وقع باطلاً.

 

فكلُّ عقدٍ على شيءٍ محرَّم يقع باطلاً، يقول ابن تيميَّة: "ويدخل في المنكَرات ما نهى الله عنه ورسوله من العقود المحرَّمة؛ مثل: عقود الرِّبا، والميسر، ومثل بيع الغرر، وحبَل الحَبَلة..."[68].

 

فالعقد ذاتُه لا يَكون مباحًا إلا إذا اتَّفق مع مُقَرَّرات الشريعة، فهل سُلطان الرضا فيه كافٍ ليُحلَّ بالعقد الحرام، أو يحرم به الحلال؟ كيف والعقد ذاته حرام؟!


وقد تشوَّف الشرع أن تأتيَ العقود صحيحة؛ حتى يترتَّب عليها مُقتَضاها، ومع ذلك أعطَى لسلطان المتعاقِدين الحقَّ في فسخها وإن جاءت صحيحةً؛ اعتِبارًا منه لسلطان الرضا بشرْطه، لكنَّه أَوْجَبَ على المتعاقدين فَسْخَ العقد إذا جاء مُخالِفًا للشريعة وإن تَراضَيَا عليه.

 

بل اعتبرَتْه كأنَّه لا عقد، ولا تُرَتِّب عليه شيئًا، بل لم ترضَ عن تصحيحه، يقول ابن حزم: "من الباطل ألاَّ يصحَّ عقدٌ حين عقده، ثم يصحُّ في غير حين عقده إلاَّ أن يأمر بذلك الذي لا يسأل عمَّا يفعل، فنسمع ونطيع لله - تعالى"[69]؛ وعليه فلا أثرَ للعقد إذا كان باطِلاً، فالشافعي لا يرَى الطَّلاق لاحِقًا بِمَن تزوَّجت بعقدٍ غيرِ صحيح[70]، ويقول ابن حزم: "ولا عِدَّة من نِكاح فاسِد، برهان ذلك أنها ليستْ مطلَّقة ولا متوفًّى عنها"[71].

 

فمُؤَدَّى ذلك وغيره يُقَرِّر أن الرضا مع أهميَّته في تصحيح العقد لا يستَطِيع أن يُقِيم عقدًا لا يَرضاه الشرع.

 

فالرضا ليس على إطلاقه، فالتَّراضِي على المحرَّم لا يجعله مباحًا حلالاً، فلا يحلُّ الربا ولو تراضَى به كلُّ الناس[72] وتعاقَدوا عليه تعاقُداتٍ ظاهرة، وهو حرام لعَن الله آكِلَه ومُؤكِلَه، وجعَلَه يمحق بركة المال.

 

يقول القرافي: "وإذا كان العقد نفسه - وبطبيعة تكوينه - يُؤَدِّي إلى التفاوُت بين البلدَيْن كان مَعِيبًا بخلل ينعَدِم معه الرضا بمعناها الخاص، وكان محرَّمًا شرعًا، وإن توافَر فيه الرضا بمعناه العام كعقود الربا والجهالة، ولا يُعتَدُّ فيها برضا المتعاقدين"[73].

 

ونقل ابن قدامة عن الإمام أحمد عدم قبوله لتزوُّج المرأة بالعِنِّين وإن رضِيَتْ، ويرى أنَّ الولي من حقِّه أن يمنَعَها، يقول: "ما يُعجِبني أن يُزوِّجها بعِنِّين، وإن رضِيَت الساعة تكرَهه إذا دخلتْ عليه؛ لأنَّ من شأنِهنَّ النِّكاح، ويُعجِبهنَّ من ذلك ما يُعجِبنا؛ لأنَّ الضرر في هذا دائم، والرِّضا غير موثوق بدَوامِه"[74].

 

وما ننتَهِي إليه: أنَّ الرضا ليس مَناطَ المشروعية وحدَه، وإن كان ضروريًّا في تصحيح العقد المشروع، فالرضا بالحرام لا يجعله ولا يجعل التعاقُد عليه حلالاً، يقول شيخ الإسلام: "فليس كلُّ ما طابَتْ به نفسُ صاحبه يخرج عن الظلم، وليس كلُّ ما كرهه باذِلُه يكون ظلمًا"[75].

 

وقد جاء في كتاب الله - عزَّ وجلَّ - قوله: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، فليس يصحُّ من مُسلِمٍ أن يُقدِم على فِعْل أو عمل ما نُهِي عنه.

 

فيلزم الحرْص أن يكون العمل مُوافِقًا للشريعة من كلِّ حال، وكذلك كل تصرُّف أو تعاقُد؛ لأنَّ ما جاء على خِلاف الشريعة فهو باطِل[76].

 

يقول الشاطبي: "فمَن ناقَض قصْدَ الشارع في تصرُّفه، فعمله في المُناقَضة مردودٌ شرعًا"[77]، ويقول شيخ الإسلام: "وهذا الفِعْل محرَّم بغير عقْد، فكيف يُباح بعقد؟!"[78]، ثم ضرب المثل بتزوُّج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، فلو كان عقد على ذلك، فهو عقد على فاحشة محرَّمة باتِّفاق المسلمين، ولا يليق أن تستحلَّ الفواحش بالعُقُود.

 

فالمعصِيَة لا يُتَصوَّر استِحقاقُها بالعقد، ومِن ثَمَّ لا يصحُّ استِحلالها به؛ فالغِناء والزنا وغيرهما من المعاصي حرام، لا يقول بحلِّ شيء من ذلك بالعقد عليه مسلمٌ، فما حرَّمه الشرع لا يصحُّ أبدًا أن يكون محلاًّ لعقد صحيح.

 

يقول شيخ الإسلام: "إنَّ الله تعالى إنما حرَّم علينا المحرَّمات من الأعيان كالدم والميتة، ولحم الخِنزير؛ لما في ذلك من المفاسد، وحرَّم علينا تملُّكها أو استِئجارها"[79]، وقد سَدَّت هذه الشريعةُ الغرَّاء كلَّ باب يُؤَدِّي إلى ذلك، فأبطلتِ العقود التي محلُّها الحرام، بل وأبطلتِ العقود التي تجمع بيْن الحلال والحرام سدًّا للذريعة.

 

يقول ابن نجيم: "فإذا جُمع حلال وحرام في صفقة واحدة، فإن كان الحرام ليس بمال كالجمع بين المذكَّاة والميتة، والجمْع بيْن الحُر والعبد - فإنَّه يَسرِي البطلان إلى الحلال؛ لقوَّة بطلان الحرام"[80]، ويقول ابن جزي: "إذا اشتَملَتِ الصفقة على حرام وحلال، فالصفقة كلها باطلة"[81]، ويقول ابن حزم: "وكلُّ صفقة جمعَتْ حرامًا وحلالاً، فهي باطلة كلُّها لا يصحُّ منها شيء"[82].

 

فالمركَّب من المشروع وغير المشروع غير مشروع، فلا أقلَّ مِن أن يكون غير المشروع وحدَه بالتعاقُد عليه غير مشروع، فالعُقود التي جُعلَتْ أسبابًا للانتِفاع والتمليك، ومَبناها على الرضا المُتَّفَق مع أمر الشارع ونهيه لا تؤدِّي أثرَها إذا جاءت باطلة، وتبطل متى جاءَتْ بهوى صاحبها بعيدًا عن مُراد الشرع.

 

يقول الشاطبي: "إنَّ كلَّ عملٍ كان المُتَّبَع فيه الهوى بإطلاقٍ من غير التفاتٍ إلى الأمر أو النهي... فهو باطلٌ باتِّفاق..."[83].

 

فإذا كان العقد الذي عَدَّه بعضُ أهل العلم هو الطريق المُبَاح ليأكل بعضنا مال بعض بالحقِّ، وبغيره يكون أكلُ المال بالباطل، تصديقًا لقوله جل جلاله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].

 

فيقع باطلاً إذا خالَف الشرع ولو تَوافَرت أركانُه وشروطُه، فهل يستَطِيع الإنسان برِضاه فقط أن يُحِلَّ الحرام لنفسه أو لغيره؟!


جاء في الحديث عن عديِّ بن ثابت، عن يَزيدَ بن البراء، عن أبِيه قال: "لقيت عمِّي ومعه راية، فقلت: أين تريد؟ فقال: بعثَني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى رجل نَكَح امرأةَ أبيه، فأمرَنِي أن أضربَ عنقه، وآخُذ ماله"[84].

 

وضرْب العنق وأخْذ المال لا يكون بالمعصية - كما سبق وفصَّلتُ - فالزنا وإن كان كبيرةً، لكن الإسلام جعَل له حدًّا، ولم يمنَع أتباعَه أن يصلُّوا على مَن مات محدودًا به، فلَزِم أن يكون ذلك في مُقابِل الاستِحلال، فقد استَحلَّ هذا الابن زوجةَ أبِيه ليتَّخِذها مَوطُوءة، فاستَحَقَّ ما جاء في الخبر، ليس يفرق أن يَؤُول السابق بالاستِحلال بالعقد وبدونه[85]، فالاستِحلال مُكَفِّر، يُبِيح دمَ فاعله.

 

وإذا لم يرضَ الشرع أن يستحلَّ الإنسان لنفسه الحرام، فلأن يَرفُض أن يحلَّ لغيره من باب أَوْلَى، بلا فَرْق بين أن يكون الإحلال بعقدٍ أو بلفظٍ، فإحلال الجارِيَة لغير سيِّدها منه غير مشروع، يقول السرخسي: "ودعوى الاستِحلال ليس بشيء؛ لأنَّ هذا المحلَّ غيرُ قابِل للإحلال، والإحلال ليس بعقْد، بل هو بمنزلة الرضا، فكأنه ادَّعى أنه زنَى بها برضاء مولاها"[86].

 

وهذا الاستِحلال المكفِّر يُشتَرط ألاَّ يكون بتأوُّل؛ لأنَّ المتأوِّل لا تُرَدُّ شهادته، فلا زال في نظر المسلمين عدلاً، فلا يُستَحلُّ دمُه باعتِباره كافرًا.

 

يقول الشافعي - رحمه الله -: "كلُّ مَن تأوَّل فأتى شيئًا مُستَحِلاًّ، كان فيه حدٌّ، أو لم يكن لم تُردَّ شهادتُه بذلك؛ ألاَ ترى ممَّن حُمِل عنه الدِّين، ونُصِبَ علَمًا في البلدان مَن قد استَحَلَّ المتعة، ومنهم مَن يَستَحِلُّ الدينار بعشرة دنانير يدًا بيد، ومنهم... ومنهم..."[87].

 

فلا يستحلُّ مُسلِم حرامًا بعقد، ولا يحلُّ لغيره ذلك بعقد أو بلفظ، فكما يقول الماوردي: "وأمَّا المعاملات المُنكَرَة؛ كالربا والبيوع الفاسدة، وما منع الشرع منه مع تراضي المتعاقِدَيْن به إذا كان مُتَّفِقًا على حظره، فعلى والي الحسبة إنكارُه، والمنع منه، والزجْر عليه في التأديب مُختَلِف بحسب الأحوال، وشدَّة الحظر"[88].

 

فالرِّضا بمثْل هذه العقود وإن عمَّتْ بها البلوى لا يُبيحها، ولا زال على الناس واجِب الإنكار الدِّيني لها، وإن فشَتْ وأُعلِنَتْ، وليس للناس أن يتمسَّكوا بعموم أقوال لا تُغنِي من الحق شيئًا؛ كالحاجات والضرورات، وقولهم: إنَّ العقد شريعة المتعاقِدين، وهذه المقولة الأخيرة قد تكون كَلمةَ كفْر، ويُعتَبَر اعتِقادها والعمل بها كذلك، ففيها نقضٌ لعُرَى الإسلام بحيث يكون الناس أشرَّ من الجاهلية الأولى[89]، ولا يُنكِر مُنكِر أنَّنا لو قَبِلنا هذه المَقُولة على اتِّساعها، وفضفضة معناها، فقد أبحنا للناس بها أن يستحلُّوا بعقودهم ما تَراضَوْا به، ولو كان نِكاح الأمَّهات والبَنات، وقد يَشتَهِي الناس بهواهم أمثالَ هذا، وقد كان، وما زِنا المحارم إلا دليل عليه، وما أكل الخنزير واستِطابة الخبيث إلا مِن ورائه، فلا ننخَدِع ببَرِيق العِبارة واحتِمال إمضائها على وجْه مُباح بأنَّ الشريعةَ الغرَّاء قد أعلَتْ مِن قَدْرِ الإرادة، وهذا وإن كان صحيحًا، لكنها لم تُبِح للإرادة البشريَّة أن تهدمَها، وإلاَّ ما جُعِلت عقوبة على المرتدِّ، فقد أراد الردَّة، وما جُعِلت عقوبة على الزنا، وإن أعطى الزاني الزانية برضاه ورضاها؛ وذلك لأنَّ احتِرام أمر الشرع واجتِناب نهيه يجب أن يكون مُقدَّمًا على هوى النفوس.

 

يقول السرخسي: "فتُشرَع العقودُ على وجه ترفع به حاجة الناس، ويكون ذلك مُوافِقًا لأصول الشَّرْع"[90].

 

لا سلطان للشرْط في التحليل والتحريم:

يُقال هنا ما قد يُقال في مبدأ مبحث العقد: إنَّ الغرض هو إبراز صِلَةِ الموضوع بغرض الدِّراسة.

فالشرط وجمعه الشروط، والشرائط، والأشراط ترتُّب أمرٍ على أمرٍ آخَر بأداة مثل: إن، وإذا...

يقول ابن نجيم: "الشرط: تعليق حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخري"[91].

 

والشَّرْط: ما يَلزَم من عدمه عدم الماهيَّة، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، فهو ما يَتوقَّف الشيءُ على وجوده، وليس من حقيقته[92].

 

والشَّرْط سواء كان عقليًّا أم عاديًّا ينبغي أن تَتَحقَّق فائدته للمُشتَرِط، فهو أَوْلَى من العُرْفِ وأحقُّ، لا نلجأ للآخَر إلا إذا تغيَّب الأوَّل، وواجِبٌ علينا دينًا أن نَفِي بالشرط الذي يُوافِق كتاب الله جل جلاله وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وإلا وجَب ردُّ ما يخالفهما[93].

 

فليس يجوز شرعًا مُخالَفة الأَوامِر الإلهيَّة باشتِراط ما يُناقِضها؛ فقد أكَّد أنَّ مَن يُناقِض الشريعة بشرْط أو عقد أو غيرهما، فعمله في المناقضة باطل مردود.

 

يقول الشيخ علي الخفيف: "ولما كانت حاجاتُ الناس ورغباتهم في تَعاقُدهم لا تنتَهِي عند الحدود المقبُولة، وكانت شروطهم تابِعَة لرغباتهم، رأى الشارع ألاَّ يَترُك الأمرَ فوضى، فحَدَّد لهذه الشروط الحدودَ التي يجب أن تنتَهِي عندها، فإذا تجاوزَتْها أصبَحَتْ باطِلَةً غير مُستَحَقَّة لِمَن اشتَرطَها، ولا مُلزِمة لِمَن قبلها"[94].

 

وعليه؛ فلا بُدَّ من ضوابِط للاشتِراط؛ لتكونَ للشروط فائدتُها حتى لا تَصِير لغوًا بغير فائدة.

وأهمُّ هذه الضوابط وأخطرُها قيمةً ألا تُحلَّ هذه الشروط حرامًا، أو تحرِّم حلالاً.

 

فالحلال والحرام كلاهما حُكم شرعي، لا يُغَيِّره متعبِّد بهواه أو بشرْطه؛ فقد جاء في الحديث أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((المسلمون عند شروطهم، إلا شرْطًا أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالاً))[95].

فإذا أراد الله - جلَّ جلالُه - وأحَلَّ شيئًا أو حرَّمه، فليس أحد مُغيِّرًا إرادته بشرْط أو بصُلح، أو بقسَم أو بنذْر، أو بغيره.

 

يقول ابن حجر: "إنَّ كلَّ شرْط وقع في رفْع حدٍّ من حدود الله فهو باطل، وكلَّ صلح وقَع فيه فهو مردود"[96]، ويقول الشيخ أحمد إبراهيم: "إن كلَّ عقد وكلَّ شرْط لم ينهَ عنه الشارع، فهو جائزٌ يجب الوفاء به، فالأصل في الشروط والعقود الصحَّة، حتى يقومَ الدليل على البطلان، كأنْ يكون الشرط قد تضمَّن ما حرَّمه الله - تعالى"[97].

 

وما ذلك إلا لكَوْن تحريم الحلال بالشروط، وتحليل الحرام به شيئًا لا يقرِّب إلى الله تعالى وفي ذلك انتِهاك لحُرمات الله تعالى فلا يجوز اشتراطه، ولا يصحُّ.

 

والشرْط الذي يجوز اشتراطُه هو الصحيح الذي لا يُحلُّ حرامًا ولا يحرِّم حلالاً، ولا خالَف مُقتَضَى العقد، ويكون فيه نفعٌ لأحدِ المتعاقدين، وقد توافرتِ النصوص الشرعيَّة التي تأمُر بالوفاء به على هذه الهيئة، وإلا عدَّتْه باطلاً مُخالِفًا لما في كتاب الله جل جلاله جاء في الحديث: ((ما بال أقوامٍ يَشتَرِطون شروطًا ليستْ في كتاب الله! ما كان من شرْط ليس في كتاب الله جل جلاله فهو باطل، وإن كان مائةَ شرْط، كتاب الله أحقُّ، وشرْط الله أوثق))[98].

 

فالشرْط المُخالِف لكتاب الله جل جلاله لا قيمة له ولا اعتِبار، ولو كان في تافه أو في مسألة جزئيَّة ثانويَّة، فلو اشترطتِ امرأة على زوجها ألاَّ يَنسب ولده منها إليه، فاشتِراطُها باطل، وليس لها أن تُطالِب به؛ وذلك لِمَا في التزامه من مُخالَفة كتاب الله - جل جلاله.

 

فالشرط لازِم متى كان مُتَّسِقًا مع كتاب الله تعالى بل هو مُلزِم بينما لا يلزم، ولا يلزم متى خالَفَه، وليس يَخفَى على مُكلَّف أنَّ الشرط في قوَّته بمنزلة العقد، وأنَّه العهْد الذي أُمِرْنا بالوفاء به، وإذا كان مِن آيات النفاق إخلافُ الموعد وليس بمشروط، فكيف الوعد المؤكَّد المشروط؟!


فالعادة - التي قيل عنها: إنها مُحَكَّمة - ليستْ في قوَّة الشرط[99]، فتَحكِيمه وإمضاؤه من باب أَوْلَى متى تحقَّق شرطه.

ونَخلُص أنَّ الشرط مثل العقد، سلطانه قاصِرٌ أن يُحَلَّل به الحرام، أو يُحَرَّم به الحلال، فسلطان أمْر الشرع ونهيه حاكِمٌ عليهما، وقد ألزَمَهما أن يكون سلطانهما مُنبَثِقًا منه لا يندُّ عنه، ويردُّ إذا فعل.

♦ ♦ ♦


المبحث الثالث: تطبيقات:

لا سلطانَ للصلح في التحليل والتحريم:

الصلح لغة: المصلحة؛ وتعني: المسالمة بعد المخالفة، وهي الموافقة خلاف المخاصمة، والصلح يختصُّ بإزالة النِّفار بين الناس[100].

 

وأمَّا الصلح اصطلاحًا: عقد يرفع النِّزاع، ويقطع الخصومة[101] ويُوافِق بين المختلفين، وهو أعمُّ مِن التخارج؛ لأنه يَشمَل المُصالَحة في الميراث وغيره، وهو عقدٌ يقوم على التَّراضِي بيْن الطرفَيْن المُتَخاصمَيْن، فهو يُزِيل الخصومة ويقطعها بالتراضِي.

 

والصلح يقوم على الإقرار أو الإنكار، أو السُّكوت، وكلُّ ذلك مُرتَبِط بالرضا، وهو مشروعٌ بالكتاب والسنَّة والإجماع، والرِّضا في الصلح ليس على إطلاقه، وإنما قَيْدُه أن يكون في إطار ما شرَع الله ورَضِي، وشرْع الله تعالى أمرُه ونهيُه.

 

فالصلح لا قِيمةَ لرضا المُتَصالِحين فيه إذا اعتَمَد على تحريم الحلال، أو تحليل الحرام.

يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضِي الله عنه -: ((الصلح جائزٌ بين المسلمين، إلا صلحًا حرَّم حلالاً، أو أحلَّ حرامًا))[102].

 

فالصلح الذي قال عنه القرآن: إنَّه خير، لا قُدرةَ له ولا سلطان فيه أن يُستَحَلَّ به محرَّم، أو يُحَلَّل به حرام، "وقد عُلِم مِن الخبر امتِناع كلِّ صلح يكون سببًا في التحليل والتحريم؛ كأن يصالح على نحوِ خمر، فهذا أحلَّ الحرام، وكأن يُصالِح زوجتَه على ألاَّ يطلقها، فهذا حرَّم الحلال..."[103]، فالصلح إذا جاء موضوعُه تحليلاً للحرام، أو تحريمًا للحلال باطل مردود؛ لأنه يُناقِض الشرع.

 

ولا يصحُّ أن يَتَذرَّع أحدٌ من الناس بالإصلاح بين الناس كمَقصِد من مَقاصِد الشرع فيستحلُّ بسببه ما حرَّم الله تعالى ولو لغيره، وهذه ذريعةٌ أخرى، حيث يظنُّ المُصلِح أنه على صوابٍ ما لم يُفد ممَّا صنع، وقد جاء في القرآن: ﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 121]، وقد كانت طاعتهم في أمورٍ لا تُفِيد المطيع أو المطاع، فلو كان صلحٌ يَقضِي بتَحلِيل درْهم من ربا، أو بتَحلِيل خمرٍ لشارب، أو باستِرقاق حُرٍّ من الناس، أو بتحريم وطء الحليلة، أو بتَحرِيم الانتِفاع بالمال على وجه حلال مشروع، فإنَّه يكون صلحًا باطلاً، ظاهرًا وباطنًا.

 

فالصلح - وإن كان مندوبًا إليه - فسُلطانه قاصِرٌ أن يحلَّ حرامًا أو يحرِّم حلالاً، ولو كان برِضا المتصالِحين، فلا يصحُّ صلحٌ على حقٍّ بجنسه على سبيل المُعاوَضة بأقلَّ أو أكثر؛ لإفضائه إلى الربا الحرام، فالصلح على أخذ عشرين صاعًا من بُرٍّ بأقل ممَّا له، يُعَدُّ ذريعةً لأكْل الربا من المتنازل له عن الباقي، خاصَّة في المُعاوَضات، أمَّا التصالُح على هذا من باب الهِبة أو الإبراء فلا مانع منه؛ إذ هو إحسانٌ وإسقاط، والقرآن يقول: ﴿ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [التوبة: 91].

 

وهذا يُؤكِّد فكرة هذه الورقات الأساس أنَّ التراضِي بالحرام لا يُحلُّه، وأنَّ التراضي على تحريم الحلال لا يُحرِّمه، ولو اتَّخذ شكل التعاقُد كما في الصلح، بل ولو أشهد على تصالحهما، وتقابَضَا ما أشهَدَا عليه، وحديث العسيف[104] شاهدٌ؛ فقد ردَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم تراضِي الطَّرَفين، وحَكَم بينهما بما يُرضِي الله جل جلاله وقال لهما: ((لأقضِينَّ بينكما بكتاب الله))، وردَّ الوليدةَ والغَنَم على صاحبها، وأمر بجَلْد العسيف وتغريبه عامًا، وأرسل أنيسًا ليرجمَ المرأة إنْ هي اعترفَتْ، وقد رجَمَها لَمَّا اعترفت.

 

فالصُّلح على الإسْقاط لا يكون إلا مِن صاحب الحق[105]؛ وعليه فلا صلحَ جائز في إسقاط الحقوق الربَّانيَّة كالحدود، ولو اختَلَط حقُّ العبد مع حقِّ الله في حدِّ القذف[106]، فالرِّضا في الصلح هو الرِّضا بشروطه الشرعية، لا بإطلاق لفظه، ولو تُرِك الناس وما يتراضَون عليه، لاستحلُّوا دماءَ بعضِهم، وأموالهم وأعراضهم، وقد يُبنَى هذا على تصالُح بينهم، فليس يَلِيق ولا يصحُّ أن يتَصالح ناسٌ على أن يُجامِع رجلٌ زوجةَ آخَرَ؛ لأن الآخر جامع زوجَه، وإن تَراضَى الناس على ذلك، وربَّما حاولوا أن يُبَرِّروه.

 

لا سلطان للحُكم في التحليل والتحريم:

تَدُور كلمة (الحُكم) في اللغة حولَ معنى القضاء، وأصلها المنع، فإذا حكَم فقد منَع من خلافه[107]، فالحكم هو: القضاء، والإبرام، والإتقان والمنع والإحاطة.

 

والقضاء: لغة يمانيَّة للفَتْح أو الحُكم، وهو الحكم والفصل.

والقضاء شرعًا: إلْزامٌ على الغير ببيِّنة أو إقرار؛ وذلك لفصل الخصومات وقطع المُنازَعات[108].

 

وهو مشروعٌ بالقرآن والسُّنَّة والإجماع، لا يُخالِف في ذلك أحدٌ، فهو فرض كفاية؛ لأنَّ أمر الناس لا يَستَقِيم بدونه، وإذا غاب في جَماعة شاعَتْ فيهم الفوضى والفِتَن، واستَحَلَّ الناس أموالَ الناس؛ لتغيُّبِ سلطان الضمير الديني.

 

ولم أُرِد هنا تفصيل القول في الحُكم المتعلِّق بأعمال القُضَاة، وإنما أردتُ أن أُجَلِّي عن غرض الدراسة الأساس؛ وهو أنَّه لا سلطانَ في التحليل والتحريم إلا للشرع، وقد يَشتَبِه على مَن لا فِقه له أنَّ حكمه قد يكون فاعِلاً، وحكم القاضي قاصِرٌ على ذلك، وقد بوَّب البيهقي في "سننه" بابًا أسماه (باب لا يُبِيح حكم القاضي على المقتضى له والمقضيِّ عليه، ولا يجعل الحلالَ على واحدٍ منهما حرامًا، ولا الحرام على واحدٍ منهما حلالاً)[109].

 

فالذي يتَّفِق ومُقَرَّراتِ الشرع أنَّ حُكم القاضي وإن لم يتوقَّف على رضا الخصمين[110]، لا يُطلق العِنان فيه لرضا القاضي، فهو مُوَقِّع عن الله - تبارك وتعالى - وقد حَدَّتِ الشريعة من سلطانه، فلم تجعله يستبدُّ باختِلاق عقوبة حديَّة، ولم تَترُكْ له أن يستبدِلَ بالعقوبة الحديَّةِ غيرَها، كما لم تجعل له سلطانَ العفو عن العقوبة، أو وقف تنفيذها، فليس له إلاَّ أن يُغَلِّظ عقوبةً تعزيريَّة[111] بأشدَّ منها، وقد يُراجَع في ذلك.

 

فإذا لم تجعل له الحقَّ في اختِلاق العقوبة، فإنها لم تحلَّ له أن يُشَرِّع من باب أَوْلَى.

 

يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنما أنا بَشَر، وإنكم تختَصِمون إليَّ، ولعلَّ بعضكم أن يكون أَلْحَنَ بحُجَّتِه من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمَن قضَيْتُ له بشيءٍ مِن حقِّ أخيه، فلا يأخُذَنَّه؛ فإنما أقطع له قطعةً من النار))[112].

 

فإذا كان هذا مِن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وهو المعصوم، فكيف غيره؟!


إنَّ الإسلام - عقيدة وشريعة - ليس فيه سُلطة دِينيَّة تُحِلُّ وتُحَرِّم بوجهٍ من الوجوه، فهو دِين قد وضَع حدودًا، ورسم حقوقًا، وكلَّف الحاكم والقاضي أن يُقِيمَا الحدود، وليس لأحدِهما سلطانٌ إلهيٌّ، فحكم القاضي لا يُغيِّر حُكمًا شرعيًّا في الباطن[113]، فأيُّ حكم لقاضٍ يُخالِف كتابًا أو سنَّة، أو شيئًا أجمعَتْ عليه الأمَّة، فإنَّه يُرَدُّ، ولا يُعمَل به في استِحلال محرَّم أو تحريم حلال، وإن رضي به المُتَخاصِمان؛ لأنَّ رضاهما لا يُخالِف حكمًا شرعيًّا، وحكم القاضي بخلاف هذا لا ينفذ، أمَّا إذا خالَف حكم القاضي قانونًا وضعيًّا فإنه يَلزَم، وينفذ متى وافق حُكمَ الشرع.

 

فلم يكن قضاء القاضي مُوجِبًا شيئًا من تمليك ولا تحريم ولا تحليل[114] يقول ابن حزم: "لا يُحلُّ قضاءُ القاضي ما كان حرامًا قبلَ قضائه، ولا يُحرِّم ما كان حلالاً قبل قضائه، إنما القاضي منفِّذ عن المُمتَنِع فقط، لا مزيَّة له سوى هذا"[115]، فإذا خالَف قضاءُ القاضي قواعدَ الشريعة ومُقرَّراتِها نُقِض[116] وقد جاء: "قضاء القاضي ثلاثة أقسام: قسم يُرَدُّ بكل حال، وهو ما خالَف النص أو الإجماع"[117]، فالقضاء الذي يُحِلُّ أو يحرِّم من هذا النوع الذي يجب أن يُرَدَّ بكل وجه.

 

وإمضاء حُكم القاضي لا ينبَنِي عليه حكمُ القاضي ونقضه[118]، وإنما ينبَنِي على اتِّفاق الحُكم مع المقرَّرات الشرعيَّة.

 

لا سلطان للأَيْمَان والنُّذور في التحليل والتحريم:

اليمين لغة[119]: القوَّة، والقَسَم، والبَركة، واليد اليُمنَى، والجِهة اليمني، وجمعه أيمان، ويغلُب استعماله في الحَلِف.

 

وأمَّا اليمين شرعًا: فهو تقوِيَة أحد طرفي الخَبر بذِكْر الله، أو صفة من صفاته[120].

 

والنذر لغة[121]: التِزام الشيء، وهو الإيجاب، وهو الوَعْدُ بخيرٍ أو شرٍّ، وهو النَّحْب، وفيه يَجعل الفاعل الشيءَ على نفسه واجِبًا، فهو التِزام ما ليس بلازم.

 

وأمَّا النذر اصطلاحًا: فهو إلزام مُكَلَّف مختار نفسَه لله تعالى بالقول شيئًا غيرَ لازم عليه بأصل الشرع[122]، والربط بين الشيئين (اليمين، والنذر) بجامِع الكفَّارة، فهي واحِدَة في كليهما، ويَزِيد على ذلك أنَّ كليهما لا يكون بدون رضا صاحبهما، فلا يُقسِم ولا ينذر إلا إذا رضي، فربط الأمرَيْن بموضوع الدراسة بيِّنٌ لا يحتاج إلى برهان، وهما وإن كان الرضا أساسًا فيهما، لكنَّه ليس كافيًا للإلزام بحُكم يُحلِّل به الحرام، أو يُحَرِّم به الحلال، يقول الزيلعي: "وحكم اليمين البر"[123].

 

ولا يبرُّ إنسانٌ بشرٍّ أو بفِعْل حرام، فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((مَن حَلَف على يمينٍ يقتطع بها مالَ امرئ هو عليها فاجِرٌ، لَقِي الله وهو عليه غضبان))[124].

 

والآية تقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 77].

 

وعلى هذا، فلم يرضَ أن نحلِفَ على شيءٍ محرَّم؛ لنستحلَّه، ولم يرضَ أن نبرَّ بقسمنا فيما ليس في البرِّ به برٌّ، فقد جاء في الصحيح: أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((مَن حلَف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها، فليُكَفِّر عن يمينه، وليفعل الذي هو خير))[125].

 

وقد نزل القرآن يُعلِّم أبا بكر - رضي الله عنه - ألاَّ يُقسِم على ترك برٍّ كان يَصنَعه، ففي القرآن: ﴿ وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22].

 

فقد رُوِي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها نزلَتْ في شأن مِسطَح بن أَثاثَة حين حلَف أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ألاَّ يُنفِق عليه لِمَا كان منه من الخوض في أمر عائشة - رضِي الله عنها - وقد كان يُنفِق عليه، وكان ذا قربة منه، فأمَرَه الله تعالى بالحِنث في يمينه، والرجوع إلى الإنفاق عليه، ففَعَل - رضِي الله عنه[126].

 

وليس يخفى أنَّ الله تعالى أمَر نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم بالكفَّارة والرجوع عمَّا حرَّم على نفسه، فقال له: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التحريم: 1]، يقول الجصَّاص: "وأمر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالكفَّارة والرُّجوع عمَّا حرَّم على نفسه، فثبَت بذلك أنَّه غير منهيٍّ عن الحنث في اليمين إذا لم يكن الفعل معصية"[127]، وقال: "وذلك لأنَّه منهيٌّ عن أن يحلف على ترْك طاعة..."[128].

 

ولا يُعَدُّ التحريم تحريمًا إلا للزوجة، يقول القرطبي: "إنْ كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حرَّم ولم يحلِف، فليس ذلك بيمين عندنا، ولا يُحرِّم قول الرجل: هذا عليَّ حرامٌ، شيئًا حاشا الزوجة"[129].

 

فلا يستحلُّ أحدٌ من الناس شيئًا حرَّمَه الشرع بأن يحلِف أنَّه فاعله، أو يحرِّم شيئًا بأن يحلف أنه ليس فاعله.

 

فحِفْظُ اليمين في هذه المواقِف ألاَّ يبرَّ بالإصرار على ما أقسَم عليه، فالبرُّ أن يرى غيرَها الأَخْيَرَ فيفعله، وذلك أبر بيمينه مِن الإصرار على مُناقَضة الشَّرْع وأوامره.

 

وإذا كان هذا التفصيل في الأَيْمَان، فمعناه وزيادة في النُّذور؛ حيث كرِهَهَا الشرع، وقد حذَّر منها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: ((إيَّاكم والنذر، فإنَّ الله لا يُنعِم نِعمةً على الرِّشا، وإنما هو شيء يُستَخرَج به من البخيل))[130].

 

فالنذر قسمان كما يقول أبو حيَّان: "محرَّم، وهو كلُّ نذْر في غير طاعة الله - عزَّ وجلَّ - ومُعظَم نذور الجاهلية كانتْ على ذلك، ومباح مشروط وغير مشروط"[131]، والنذر يمينٌ حقيقةً، ومِن أجل ذلك قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((كفَّارةُ النذر كفَّارةُ اليمين))[132]، ولا يَخفَى أنَّ النذر عبادة، مدَح الله تعالى المُوفِين بها، ولا يجوز أن تكون لغيره - سبحانه - فالنذر لغير الله شِرْك، وإذا كان النذر لله تعالى فيُشتَرط ألاَّ يكون معصِيَة؛ كشرب خمر أو ما ماثَل[133].

 

روَتْ عائشة - رضي الله عنها - أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((مَن نذَر أن يُطِيع الله فليطعْه، ومَن نذر أن يعصي الله فلا يعصِه))[134].

 

يقول ابن بطَّال: "وإن كان النذر واليمين ممَّا لا ينبغي الوفاءُ به؛ كيمينه ألا يكلِّم إنسانًا - فعليه الكفَّارة في الإسلام، وكذلك يقول الشافعي وأبو ثور فيمن نذر معصية أنَّ عليه كفَّارة يمين"[135].

 

أمَّا إذا كان النذر في طاعَة، وليس فيه معصِيَة ظاهرة فلا مانِع من إمضائه؛ فذلك رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد رضِي وقوعَه بين يديه، فقد جاءتِ امرأة إليه، وقالت: يا رسولَ الله، إني نذرتُ أن أضرِب بيْن يديك بالدفِّ إذا رجعتَ من سفرك سالِمًا، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أوفِ بنذرِك))[136].

 

أمَّا إذا كان في النذر معصِيَةٌ لله جل جلاله أو تعذيب للنفس، فإنَّه لا يجوز الوفاء به؛ فقد سُئِل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن امرأة نذرت أن تحجَّ حافِيَةً حاسِرَة، فقال: مُرُوها فلتختَمِر ولتركب، ولتَصُمْ ثلاثة أيام[137].

 

وكذلك موقفه صلَّى الله عليه وسلَّم مِن أبي إسرائيل، الذي نذَر أن يقوم فلا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلَّم، ويصوم، فقال: ((مُرُوه فليتكلَّم وليستظل، وليقعد، وليتم صَومَه))[138]، وفي هذا بيانٌ بتحريم الوفاء بالنَّذْر إذا كان في معصية، بل وبيان بتحريم نذْر المعصية نفسه.

 

فليس لمسلِم أن يَنذِر ذبْحَ ولده، أو التعدِّي على حُرمة جارِه، ويفعل مُتذرِّعًا بنذره أو بيمينه، ومَن نذر فلا يفعل، وعليه كفَّارة يمين، كما في اليمن على فِعْل المعصية، وقد سُئِل ابن عباس - رضي الله عنه - عن امرأةٍ نذرت أن تَذبَح ولدَها، فقال: ((كفِّري يمينك))[139].

 

أمَّا نذر الطاعة والقسَم عليه فهو واجِب يلزم الوفاء به، وقد سُقتُ مدحَ القرآن للفاعِلين، وأبعد مِن هذا أنَّه يلزم الوفاء عن نذر الميت؛ ففي الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ امرأة من جُهَينَة جاءَتْ إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: إنَّ أمِّي نذرتْ أن تحجَّ فلم تحجَّ حتى ماتت، أفأحجُّ عنها؟ قال: ((نعم حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمِّكِ دَيْن أكنتِ قاضيتَه؟))، فقالت: نعم، فقال: ((فدَيْن الله أحقُّ بالوفاء))[140]، وفي رواية: ((أوفوا الله)).

والوَفاء بالنذر عن الغير مُقيَّد بجواز أداء صاحِبِه له، فلا يحتاج إلى تنبيه أنَّه لا يجوز الوَفاء عن الغَيْر بنذر المعصية؛ إذ لم يَجُزْ ذلك لِصاحب النذر، فالنِّيابة فيه من باب أَوْلَى.

♦ ♦ ♦

الخاتمة:

الحمد لله الذي بنعمته تَتِمُّ الطيِّبات، وأشهد أن لا إله إلا الله حرَّم الخبائث وأحلَّ الطيِّبات، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الذي خُتِمَتْ به النبوَّات.

وبعد:

فقد بان لي جليًّا أنَّه ما من مسألة فقهيَّة يَدرسها دارسٌ إلا ويُقِرُّ بكمال هذه الشريعة الغرَّاء، فقد أحكَمَها مَن رَضِيَها للناس.

 

ومسألة التحريم والتحليل إحدى هذه المسائل، وقد أُسنِدَتْ للوحي، سواء أكان قرآنًا أم سنَّة.

 

والمسألة ليستْ فقهيَّة خالِصة، بل هي عقديَّة فقهيَّة؛ فالفقيه العالِم بأحكام الله جل جلاله عالِم بوحدانيَّته، مُقِرٌّ بأنَّه لا شريكَ له في أمره، فسبحانه له الخلق والأمر، والمُطِيع مَن أخذ أحكامه، وسلَّم بها، وإن لم يعلم عِلَّةً لها.

 

والحرام والحلال حُكمان شرعيَّان لا طريقَ لهما إلا ببيانٍ من الوحي، ولا يَجُوز أن يُتبَع فيهما مخلوقٌ إلا رسول، واتِّباع غير الرسول فيهما شرْك بالله العظيم؛ يقول جل جلاله ﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 121].

 

فالحلال ما أحلَّ اللهُ جل جلاله والحرام ما حرَّم، وذلك ماضٍ حتى فيما لا نعلم له حِكمةً أو عِلَّة، فالطاعة للأمر الإلهيِّ هي المقصود.

 

والحرام بهذا الوصْف لا يحلُّه العقد ولا الشرْط، ولا الصُّلح ولا حُكم القاضي، ولا اليمين والنذر، وكذلك الحلال لا يُحَرِّمه شيءٌ من ذلك.

 

كما بانَ أنَّ الحرام إذا فعَلَه العبد وهو مُقِرٌّ بكونه حرامًا، فإنَّه لا يخرج الفاعل من الإسلام، أمَّا إذا استحلَّه الفاعل فيكون كافرًا بالاعتِقاد لا بذات الفعل.

 

♦ قصَدَتِ الشريعة في الباب أن تُفَرِّق بين هوى الناس ورغبتهم وبين حُكمها، ولم تَقبَل أن يهوى الناس الحرامَ أو يرغبوا فيه، فاشتِهاء الحرام غير جائز ولو كان صغيرًا، لكنَّها لم تُلزِم المتعبِّدين أن يشتهوا أو يرغبوا في كلِّ ما أُحِلَّ لهم.

فعِيافة الحلال جائزة، لكن الرغبة في الحرام غيرُ جائزة.

 

♦ أمرتِ الشريعةُ بالوَفاء بالعُقود، ومَدَحَت المُوفِين بالشُّروط والعهود، وأمَرَتْ بالفصْل في الخصومة، وحثَّتْ على التَّصالُح، ورغَّبَتْ في حِفْظ الأَيْمان والبرِّ بها، وقَبِلَتْ مدح المُقِلِّ في الحَلف، واشتَرَطَتْ لكلِّ ما سبق أن يكون بهداها، فلا عقد يصحُّ إذا خالَفَها، ولا شرْط يجوز في هدمها، ولا صُلحَ يجوز بحلِّ ما حرَّمَتْ، ولا وَفاء بنذر ما حرَّمت، ولا قَسَم في معصِيَة.

 

وقد بان للدارس جليًّا أنَّ كلَّ مقولة يجب أن تُعرَض على مُقرَّرات الشريعة قبْل إقرارها، ونشرها والدعوة إليها، ولا يَصِحُّ أن نغترَّ بعبارات قبل أن نتدبَّرَها، فابن القيِّم قد أشار إلى بعضها كقوله: "عبارة الواقِف كنصِّ الشارع"، والدراسة عالجتْ مقالة: "العقد شريعة المتعاقدين".

 

فليستْ مسألة ولا معضلة إلا ولها في الإسلام درْس وعلم، وكل ذلك يحتاج إلى جهْد وفَهْم، وكلَّما تمكَّن الناس من ذلك عرَفوا قدر هذه الشريعة وشموليَّتها، ووَفاءَها بحاجات الناس ومصالحهم على اختلافها.

 

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.

♦ ♦ ♦

 

ثبت المصادر والمراجع:

1 - القرآن الكريم.

2 - أدلة التشريع المتعارِضة ووجوه الترجيح، بحق منشور بمجلة كلية الشريعة، جامعة الأزهر.

3 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل؛ للألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1405 هـ - 1985 م.

4 - إعلام الموقعين؛ لابن القيم، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، دار الجيل، بيروت؛ 1973.

5 – الأم؛ للشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت د.ت.ط.

6 - تفسير الخازن، المسمى لباب التأويل، مع تفسير البغوي، بيروت د.ت.ط.1.

7 - تفسير القرطبي، طبعة دار الشعب، د.ت.ط.

8 - تفسير ابن كثير، تحقيق سامي بن محمد سلامة، دار طيبة ط 2، 1420 هـ - 1999 م.

9 - تلخيص الحبير؛ لابن حجر العسقلاني، تحقيق: عبدالله هاشم اليماني، المدينة المنورة، 1384 هـ - 1964 م.

10 - الثمر الداني؛ للأزهري، المكتبة الثقافية بيروت، لبنان، د.ط. أو ت.

11 - حاشية قليوبي وعميرة، طبع مكتبة صبيح، ط 2، د.ت.

12 – الرسالة؛ للإمام الشافعي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الرسالة، د.ت.

13 - سنن الترمذي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

14 - سنن ابن ماجه؛ للقزويني، دار الفكر، بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، أحمد شاكر، 1407 هـ - 1987 م.

15 - سنن النسائي، دار المعرفة، بيروت، ط 5، 1420 هـ.

16 - السنن الكبرى؛ للبيهقي، نشر مجلس دائرة المعارف بحيدر آباد، ط1، 1344 هـ.

17 - شرح النووي على صحيح مسلم للنووي، دار إحياء التراث، بيروت، ط 2، 1392 هـ.

18 - صحيح البخاري؛ للبخاري، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، 1407 هـ - 1987 م.

19 - صحيح مسلم؛ لمسلم بن الحجاج، دار الجيل، بيروت، د.ت.ط.

20 - فتح الباري شرح صحيح البخاري؛ لابن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت 1379 هـ.

21 - لسان العرب؛ لابن منظور، بيروت، د.ت.

22 – المحلى؛ لابن حزم الظاهري، تحقيق الشيخ: أحمد محمد شاكر، مكتبة ابن تيميَّة.

23 - مسند الإمام أحمد، طبع المكتب الإسلامي، د.ت.

24 - معالم التنزيل؛ للبغوي، تحقيق: عثمان جمعة وسليمان مسلم، طيبة للنشر.

25 – المغني؛ لابن قدامة، تحقيق: د. عبدالمحسن التركي، د. عبدالفتاح الحلو، دار هجر، ط.1.

26 – الموافقات؛ للشاطبي، تحقيق دراز، دار الشروق، د.ت.

27 – الموطأ؛ للإمام مالك، دار القلم، دمشق، ط1، 1991، 1413 هـ.

28 - نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية؛ للزيلعي، دار الحديث، مصر، 1357 هـ.

29 - الهداية شرح بداية المبتدي؛ للميرغناني، د.ت، ط 2.

 


[1] انظر: "الوسيط"، "الصحاح"، و"تاج العروس"، كله في مادة (ح. ل. ل).

[2] أخرج الحديثَ الإمام أحمد، والحميدي، والدارمي، وأبو داود، وخرَّجه الألباني في "السلسلة الضعيفة".

[3] انظر: "الوسيط"، "الصحاح"، و"تاج العروس"، كله في مادة: (ح. ر.م).

[4] "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" 12/ 420، لملا على قاري.

[5] "مجموع الفتاوى" 1/ 424.

[6] "شرح العقيدة الطحاوية" 1/ 349.

[7] انظر: "قواطع الأدلَّة" 4/ 21، وانظر: "المحصول" 5/ 78.

[8] انظر: "المحصول" 5/ 78.

[9] "مجموع الفتاوى" 34/ 124 - 125.

[10] "تفسير البغوي" 1/ 199.

[11] انظر: "تفسير ابن كثير" 4/ 471.

[12] انظر: "جامع البيان" 2/ 448.

[13] "تفسير القرطبي": 10/ 6659.

[14] انظر: "تفسير الطبري" 4/ 377.

[15] انظر: السابق 1/ 86، وانظر: "تفسير ابن كثير" 1/ 13.

[16] الحديث: الأثر لعائشة - رضي الله عنها - وهو وصفٌ منها لما يحلُّ للزوج من زوجته الحائض، انظر: "معاني الآثار" 3/ 206.

[17] الحديث صحيح، أخرجه البخاري بمعناه من حديث عائشة - رضي الله عنها - وهو دلِيلٌ على التدرُّج في الأحكام؛ مُراعَاةً لطاقة المتلقِّي.

[18] المقصود الآية رقم (37) "التوبة".

[19] الحديث: من رواية عدي بن حاتم الطائي، وقد أورَدَه أصحاب السنن كما أورده أحمد في "مسنده" 3/ 410.

[20] "تفسير القرطبي" 10/ 6659.

[21] "التشريع الجنائي الإسلامي" 1/ 281.

[22] الحديث أخرجه أبو داود في كتاب (البيوع) - باب التسعير، وأخرجه كذلك الترمذي، وابن ماجه، والدارمي، والإمام أحمد في "مسنده".

[23] "التشريع الجنائي الإسلامي" 1/ 281.

[24] "الإحكام في أصول الأحكام" 6/ 283.

[25] "المغني" 14/ 37.

[26] السابق 14/ 38.

[27] انظر: "المغني" 14/ 37، 38.

[28] "بحر العلوم" 1/ 282.

[29] "لنكت والعيون" 1/ 75، للماوردي.

[30] "تفسير الطبري" 18/ 90.

[31] "عمدة القاري" 9/ 55.

[32] "الاعتصام" 1/ 50.

[33] الحديث أخرجه أبو داود في "سننه" 2/ 184 كتاب الجنائز - باب الصلاة على مَن قتلَتْه الحدود.

[34] "التمهيد بشرح كتاب التوحيد" 2/ 94.

[35] "الإحكام في أصول الأحكام" 2/ 249.

[36] الحديث أخرجه النسائي - كتاب النكاح - باب نكاح ما نكح الآباء، وكذلك أخرَجَه الترمذي، وابن ماجه، وأحمد في "مسنده" 4/ 292.

[37] "مجموع الفتاوى" 1/ 20.

[38] انظر: "التشريع الجنائي في الإسلام" 4/ 280.

[39] "نظم الدرر" 7/ 489.

[40] انظر: "في ظلال القرآن الكريم" 1/ 136.

[41] "في ظلال القرآن الكريم" 2/ 307.

[42] "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" 7/ 489.

[43] "بحر العلوم" 2/ 7.

[44] "البرهان" 2/ 864.

[45] "الإحياء" 2/ 410.

[46] "التفسير القيِّم" 65.

[47] انظر: زاد المعاد" 5/ 104.

[48] "الأم" 3/ 28.

[49] "المحصول" 1/ 153.

[50] انظر: "الحاوي الكبير" 15/ 308.

[51] "الاجتهاد" 1/ 6.

[52] يَقصِد بالأعيان المذكورة في قوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23]، وقوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ﴾ [المائدة: 3].

[53] "المعتمد" 1/ 307.

[54] "الاجتهاد" 1/ 40.

[55] انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 269.

[56] "الفرق بين الفرق" 1/ 68.

[57] "بدائع الصنائع" 2/ 274.

[58] "المجموع" 9/ 428.

[59] انظر: "مجموع الفتاوى" 11/ 623 وما بعدها.

[60] انظر: "تفسير الأُلوسي" 6/ 53، 6/ 391.

[61] الحديث لم أقف عليه رغم اجتهادي في ذلك، وقد نقلته من كتب المفسرين.

[62] انظر: "لسان العرب"، "القاموس" في مادة (ر. ض. ي).

[63] انظر: "كشف الأسرار" 3/ 384، "حاشية الخرشي" 5/ 169، "كشاف القناع" 3/ 171.

[64] "نظرية العقد" 148.

[65] انظر: "التلويح والتوضيح" 2/ 789، و"السبب الباعث على التعاقد" 255.

[66] "النظرية العامة للالتزامات" 80 - 81، للسنهوري، و"نظرية العقد" 71، لمحي الدين إسماعيل.

[67] "بين الشريعة الإسلامية والقانون الروماني" 160 - 161.

[68] "مجموع الفتاوى" 28/ 73.

[69] "المحلى" 8/ 437.

[70] انظر: "الأم" 5/ 36.

[71] "المحلى" 10/ 303.

[72] انظر: "بدائع الصنائع" 4/ 186، "الفروق" 1/ 141، "المغني" 10/ 67.

[73] "الفروق" 1/ 141.

[74] "المغني" 10/ 67.

[75] "مجموع الفتاوى" 20/ 79.

[76] انظر: "أصول الفقه الإسلامي" 237.

[77] "الموافقات" 2/ 231.

[78] "نظرية العقد" 171.

[79] "مجموع الفتاوى" 29/ 46، وانظر: 30/ 209.

[80] "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" 1/ 347.

[81] "القوانين الفقهية" 263.

[82] "المحلى" 9/ 16.

[83] "الموافقات" 2/ 132.

[84] الحديث أورَدَه البيهقيُّ في "معرفة السنن والآثار" 13/ 482.

[85] انظر: "معرفة السنن والآثار" 13/ 482.

[86] "المبسوط" 20/ 153.

[87] "سنن البيهقي الكبرى" 10/ 2010.

[88] "الأحكام السلطانية" 253.

[89] انظر: "مجلة البحوث الإسلامية" 148، العدد العاشر سنة 1404 هـ.

[90] "المبسوط" 15/ 75.

[91] "الأشباه والنظائر" 201.

[92] انظر: "الموافقات" 4/ 184، "الفروق" 1/ 62، "إرشاد الفحول" 6، "قواعد الأحكام" 2/ 105، "التعريفات": 131.

[93] انظر: "مجموع الفتاوى" 19/ 348 - 349، 31/ 39 - 40، وانظر: "تفسير القرطبي" 3/ 2030.

[94] "أحكام المعاملات الشرعية" 209.

[95] الحديث صحيحٌ أخرجه البخاري - كتاب الإجارة - باب أجر السمسرة، وأبو داود في كتاب الأقضية - باب في الصلح.

[96] "فتح الباري" 5/ 382.

[97] "الالتزامات" 208.

[98] الحديث صحيح متفق عليه؛ فقد أخرجه البخاري في كتاب الشروط - باب المكاتب، ومسلم من كتاب العتق - باب الولاء لِمَن اعتق.

[99] انظر: "المجموع" 55/ 388، وانظر: "نهاية المحتاج" 17/ 255.

[100] انظر: "لسان العرب"، "المصباح المنير"، "الوسيط"، كله في مادة: (ص. ل. ح).

[101] انظر: "اللباب في شرح الكتاب" 1/ 215، وانظر: "كشاف القناع" 10/ 399، "درر الحكام" 10/ 340، "مطالب أولي النُّهَى" 9/ 24.

[102] الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي وقال: حسن صحيح، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" برقم 2309، وأخرجه ابن حبَّان في "صحيحه" من رواية أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.

[103] "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" 20/ 465.

[104] الحديث صحيح متفق عليه، أخرجه البخاري - كتاب الصلح - باب إذا اصطلحوا عل صلح جور... ومسلم - كتاب الحدود - مَن اعترف على نفسه بالزنا.

[105] انظر: "تكملة حاشية رد المحتار" 2/ 347.

[106] انظر: السابق 2/ 378.

[107] انظر: "لسان العرب"، و"القاموس"، "الوسيط"، كله في مادة (ح. ك. م).

[108] انظر: "أنيس الفقهاء" 1/ 228، "التعريفات" 1/ 226.

[109] "سنن البيهقي" 2/ 173.

[110] انظر: "أسني المطالب" 15/ 336.

[111] انظر: "التشريع الجنائي في الإسلام" 2/ 271.

[112] الحديث صحيح متفق عليه؛ أخرجه البخاري - كتاب الشهادات - باب مَن أقام البينة بعد اليمين، ومسلم - كتاب الأقضية - باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة.

[113] "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" 3/ 151.

[114] انظر: "شرح معاني الآثار" 4/ 155.

[115] "عمدة القارئ شرح صحيح البخاري" 35/ 276.

[116] انظر: "حاشية رد المحتار" 3/ 253.

[117] السابق 4/ 484.

[118] انظر: "منح الجليل" 17/ 477.

[119] انظر: "لسان العرب"، "القاموس"، "الوسيط"، كله في مادة (ي. م. ن).

[120] "التوقيف على مهمات التعاريف" 1/ 751، للمناوي، "رد المحتار" 13/ 489.

[121] انظر: "لسان العرب"، "القاموس المحيط"، "الوسيط"، كله في مادة (ن. ذ. ر).

[122] انظر: "فيض القدير" 2/ 401، "طرح التثريب" 6/ 188.

[123] "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" 8/ 223.

[124] الحديث صحيح متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب الخصومات، من باب كلام الخصوم بعضهم في بعض، ومسلم - كتاب الأيمان - باب وعيد من اقتطع حق مسلم.

[125] الحديث صحيح متفق عليه؛ أخرجه البخاري - كتاب الأيمان والنذور - باب لا تحلفوا بآبائكم، ومسلم بنفس الكتاب - باب ندب من حلف يمينا.

[126] انظر: "أحكام القرآن" 6/ 114.

[127] "أحكام القرآن" 6/ 114.

[128] السابق 8/ 147.

[129] "تفسير القرطبي" 10/ 6658.

[130] الحديث أورده المفسِّرون، ولم أقف عليه في كتب الأحاديث المعتمدة.

[131] انظر: "تفسير البحر المحيط" 3/ 68.

[132] "حكام القرآن" 3/ 256.

[133] انظر: "حاشية رد المحتار" 2/ 476.

[134] الحديث صحيح أخرجه البخاري - كتاب الأيمان - باب النذر في الطاعة.

[135] "شرح ابن بطال" 11/ 163.

[136] الحديث أخرجه أحمد في "مسنده"، والترمذي في "سننه"، وابن حبان في "صحيحه" والبيهقي.

[137] الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وقد جاء في رواية: ((إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا، فلتحجَّ راكبة ولتكفِّر عن يمينها)).

[138] الحديث أخرجه أبو داود، والنسائي.

[139] الأثر أورده الجصاص في "أحكام القرآن" 6/ 117.

[140] الحديث صحيح متفق عليه؛ أخرجه البخاري - كتاب الصوم - باب مَن مات وعليه صوم، ومسلم في كتاب الصيام - باب قضاء الصيام عند الميت.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أيها الراضي ( قصيدة )
  • الرضا عن الله
  • حكم مستحل المعاصي

مختارات من الشبكة

  • التعريف بالبلد الحرام(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • حكم الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص....)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد الحرام 21/5/1433 هـ - التحذير من أكل المال الحرام(مقالة - موقع الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط)
  • الكسب الحرام: فساد ودمار (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • استحلال المعازف والغناء(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • علامات الساعة الصغرى: استحلال الخمر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم القتال في الحرم(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)

 


تعليقات الزوار
1- بارك الله فيكم
حماس - الأردن 25-12-2010 08:48 PM

بارك الله فيكم على هذا الموقع الطيب
بصراحة استفدت منه جداً
وقمت بنسخ موضوع طلب مني البحث فيه
وهو "الطيب والخبيث "
فسامحونا
ودعواتكم لطلبة العلم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب