• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

مدخل لدراسة قضايا الأعيان

مدخل لدراسة قضايا الأعيان
حمزة شلهاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/7/2019 ميلادي - 18/11/1440 هجري

الزيارات: 23504

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مدخل لدراسة قضايا الأعيان [1]

 

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

فهذا بحث مقتضب حول قضايا الأعيان، كان السبب في خروجه بعد الله عز وجل الأستاذ الدكتور أحمد كافي[2] - حفظه الله -، الذي كلفني بالبحث في السنة النبوية الخاصة، وقد حفزني هذا العنوان كثيرًا؛ إذ كنت في بداية الأمر أعتقد أنه ما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، إلا أني وجدت هذا الموضوع كُتبت فيه كتابات كثيرة، كما أنه لا يشكل بين الباحثين فيه إشكالات كما يطرحها البحث في قضايا الأعيان، وانطلاقًا مما ذكرت رأيت أن أبحث في هذا الموضوع، إلا أني وجدتني أمام موضوع شائك يصلح أن يكون بحث دكتوراه، فرأيت أن أمهد للبحث في هذا الموضوع بمدخل يستفز الباحثين للاستفاضة في هذا الموضوع، خصوصًا الباحثين المغاربة؛ لأني وجدت من المشارقة من بحث بعض جوانب هذا الموضوع.

 

الدراسات السابقة في هذا الموضوع:

أول ما رأيت أن أبدأ به هذا البحث هو الدراسات السابقة التي تناولت هذا الموضوع بالاستقلال، ولم أجد دراسة مستقلة للأقدمين في هذا الموضوع، إلا أن هذا لا يعني أنهم لم يتطرقوا له في كتبهم، فالحديث عن قضايا الأعيان مبثوث في أغلب العلوم الشرعية، الفقه وأصوله، والحديث، والتفسير، وأشهر مَن تناول هذا الموضوع الأصوليون وبالضبط في بابي العام والخاص، وفي الفقه أغلب الذكر لقضايا الأعيان يكون في فقه الخلافيات.

 

أما الحديث فلأن هذه القضايا العينية هي في أصلها أحاديث نبوية، وقد أبدع ابن حبان في هذا الباب؛ حيث رتَّب صحيحه الذي سماه "التقاسيم والأنواع" ترتيبًا بديعًا ربطه بعلم الأصول؛ حيث قسم السنن إلى خمسة أقسام هي:

فأولها الأوامر التي أمر الله عباده بها، والثاني النواهي التي نهى الله عباده عنها، والثالث إخباره عما احتيج إلى معرفتها، والرابع الإباحات التي أبيح ارتكابها، والخامس أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي انفرد بفعلها، وكل قسم من هذه الأقسام يشتمل على أنواع، وكل نوع يشتمل على أحاديث، والذي يهمنا من هذا التقسيم أنه جعل أنواعًا منها ترتبط بقضايا الأعيان أذكر منها:

النوع الخامس والستين من قسم الأوامر: وهو الأمر بالشيء الذي خرج مخرج الخصوص، والمراد منه إيجابه على بعض المسلمين إذا كان فيهم الآلة التي من أجلها أمر بذلك الفعل موجودة.

 

النوع الخامس والعشرون من قسم النواهي: وهو الزجر عن الشيء الذي خرج مخرج الخصوص لأقوام بأعيانهم عن شيء بعينه يقع لخطاب عليهم وعلى غيرهم ممن بعدهم إذا كان السبب الذي من أجله نهى عن ذلك الفعل موجودًا.

 

النوع العاشر من قسم المباحات، وهو إباحة الشيء لأقوام بأعيانهم من أجل علة معلومة، لا يجوز لغيرهم استعمال مثله.

 

وقد ذكر تحت هذه الأنواع الأحاديث التي تنطبق عليها صفة كل نوع، ومن بين علماء الحديث كذلك الذين تعرضوا لقضايا الأعيان الإمام ابن حجر العسقلاني في الفتح؛ حيث ناقش على ما يزيد على ثلاثين مسألة عدَّها من قضايا الأعيان وناقشها؛ مثال من فتح الباري لابن حجر: "(قَوْلُهُ بَابُ الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ)، ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ سَهْلٍ فِي الْوَاهِبَةِ مُطَوَّلًا وَهُوَ ظَاهر فِيمَا ترْجم لَهُ لقَوْله فِيهِ: أتقرأهن عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ قَالَ نَعَمْ فَدَلَّ عَلَى فَضْلِ الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ لِأَنَّهَا أَمْكَنُ فِي التَّوَصُّل إِلَى التَّعْلِيم وَقَالَ بن كَثِيرٍ إِنْ كَانَ الْبُخَارِيُّ أَرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَفْضَلُ مِنْ تِلَاوَتِهِ نَظَرًا مِنَ الْمُصْحَفِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا قَضِيََّةُ عَيْنٍ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التِّلَاوَةَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ يُحْسِنُ وَمَنْ لَا يُحْسِنُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ سِيَاقَ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ لِاسْتِثْبَاتِ أَنَّهُ يَحْفَظُ تِلْكَ السُّوَرَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَعْلِيمِهِ لِزَوْجَتِهِ..."[3].

 

وفي التفسير نجد ذكر قضايا الأعيان ومناقشتها في بعض كتب التفسير التي عنيت بآيات الأحكام؛ مثل: تفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير.

 

مثال من تفسير القرطبي: "ولا حجة فيما روِي عن أبي طلحة أنه خطب أم سليم، فقالت: إن أسلم تزوجته، فأسلم فتزوجها، فلا يعلم مهر كان أكرم من مهرها، كان مهرها الإسلام فإن ذلك خاص به..." [4].


هذا فيما يخص دراسة قضايا الأعيان عند الأقدمين، أما عند المحدثين فقد أحصيت ما كتب حول قضايا الأعيان في الدراسات الآتية، وللإشارة فكل هذه الدراسات حديثة جدًّا أقدمها كتب في القرن العشرين:

• وقائع الأعيان في غير العبادات، للباحث عادل السعوي، وهي رسالة دكتوراه.

 

• الأثر الفقهي المترتب على الخلاف في وقائع الأعيان (دراسة فقهية موازنة)، للباحثة هدى أبو بكر سالم باجبير، وهي رسالة ماجستير في الفقه، قدِّمت لقسم الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في عام 1421هـ.

 

• قضايا الأعيان (دراسة أصولية تطبيقية)، للباحث مصطفى بن عايد محمود إسعيفان، وَهي رسالة قدمت استكمالًا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الفقه وأصوله، من كلية الدراسات العليا، بالجامعة الأردنية، في عام 2003م.

 

• وقائع الأعيان وأثرها في الفقه الإسلامي، للباحث أحمد الذياب.

 

• وقائع الأعيان في العبادات، الدكتور السيد أبو المجد عرابي محمد، كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، مكتبة المتنبي.

 

• وقائع الأعيان في العبادات، دراسة فقهية، ماجستير، هناء بنت عبدالرحمن بن حمد الماضي، إشراف د. أحمد بن علي بن أحمد موافي.

 

• الأحكام الخاصة في السنة النبوية، قضايا الأعيان، محمد الخيمي، دار الفكر، 1435هـ - 2014م.

 

وهناك بعض الكتب الأصولية التي أشارت إلى مسألة قضايا الأعيان، وَتناولتها بالبحث، لكن على سبيل الإجمال لا التفصيل والتمحيص، وَمن ذلك:

♦ مسألة تخصيص العام بالسبب، أو العبرة بعموم الحكم لا بخصوص السبب، تأليف الدكتور محمد العروسي عبدالقادر.

 

♦ أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام، تأليف الدكتور محمد العروسي عبدالقادر.

 

♦ أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية، تأليف الدكتور محمد سليمان الأشقر.

 

وهذه الكتب الثلاثة بُحِثَتْ فيها مسألةُ وقائع الأعيان من الجانب الأصولي فقط، من غير إسهاب ولا تفصيل في معنى واقعة العين أو حكاية الحال، وَلم تُبَيَّنْ تقسيماتُها ولا ضوابطُها، كما أنها لم تذكر المسائل الفقهية إلا على سبيل الإشارة.

 

المقصود بقضايا الأعيان:

بالرجوع إلى ما كتبه القدماء عن قضايا الأعيان لا تجدهم تعرضوا لها بالتعريف، وذلك ربما لوضوح المصطلح، أو لشيوعه عندهم، وهذا ما أشار إليه الباحث مصطفى عايد محمود إسعيفان في رسالته قضايا الأعيان دراسة أصولية تطبيقية: "بعد اطلاعي على ما استطعت من كتب الفقه والأصول، لم أجد كثيرًا من العلماء من قام بتعريف هذا المصطلح، ولعل السبب في ذلك راجع إلى وضوح المصطلح وشيوعه بينهم مما أغنى عن تعريفه"[5].

 

إلا أن هذا لا يعني أن لا يوجد من تعرض لها بالتعريف، فنجد مثلا تعريف الحافظ العلائي (761هـ) في تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم[6]: "الفعل المحتمل وقوعه على وجوه مختلفة، فلا عموم له في كلها، وإذا حمل بعضها وخصص به الحكم، كان ذلك كافيًا في إعمال الحديث وعدم إلغائه".

 

تعريف تقي الدين الحصني (829هـ) في القواعد: "الوقائع التي ليس فيها سوى مجرد فعله عليه الصلاة والسلام، أو فعل الذي رتب عليه الحكم، ويحتمل ذلك الفعل وقوعه على وجوه متعددة، فلا عموم له في جميعها، وإذا حمل ذلك الفعل على صورة منها، كان ذلك كافيًا في العمل به؛ إذ ليس له صيغة تعم"[7].

الذي يتأمل هذه التعاريف يجدها تتفق في أن قضايا الأعيان لا عموم لها، بمعنى أنها خاصة بشخص أو جماعة ما.

 

تعريفات المعاصرين لقضايا الأعيان:

تعريف هناء بنت عبدالرحمن بن حمد الماضي:

"الحادثة المتعلقة بشخص معين، أو بحالٍ معينة، وَقضى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بحكم لم يتكرر في أشخاص آخرين، أو أحوال مشابهة"[8].

 

تعريف محمد الخيمي:

"حكم لشخص مخصوص في واقعة على خلاف ما دلَّ عليه الدليل العام، على وجه يمتنع معه إلحاق أحد بذلك الشخص، إما لوجود دليل الخصوصية، وإما للإجمال القائم في الواقعة، والذي يتعذر معه تعميم الحكم على غير صاحب الواقعة".

 

تعريف مصطفى عايد محمود إسعيفان:

"أحكام الوقائع التي حكم فيها الشارع لأشخاص معينين أو في حالات معينة لهم، لا عموم فيها ولا تتعداها إلا بدليل"[9].

 

وخلاصة القول في تعريف قضايا الأعيان أنها أحكام قولية أو فعلية، استنبط العلماء أنها خاصة بأشخاص معينين لا تتعداهم.

 

الإشكالات المطروحة في قضايا الأعيان:

إذا كانت قضايا الأعيان كما سبق في تعريفها أحكام خاصة بأشخاص معينين، ولا تعمم هذه الأحكام على غير أصحاب الواقعة، فما جدوى البحث في هذا الموضوع؟

إن الإشكال المطروح في قضايا الأعيان ليس في وجودها من عدمها، فهي موجودة عند جمهور العلماء، "وإنما ثمة قضايا ووقائع وأحوال اختلفت آراء العلماء فيها لوجود بعض الملابسات، فمنهم من يرى أنها عامة، تأخذ مثيلاتها من الوقائع والأحوال حكمها، ومنهم من يرى خصوصيتها في الواقعة نفسها، ولا يلحق غيرها بها، ومن هنا جرى اختلاف بين العلماء في حكم كثير من الوقائع والأحوال، فما يراه بعضهم واقعة عين أو حكاية حال لا يتعدى حكمه إلى غيره، لا يوافقهم عليه آخرون، فيرون أن حكم تلك الواقعة حكم عام، يتنزل على جميع الوقائع والأحوال المشابهة لها"[10].

 

أمثلة على وقائع الأعيان:

وقائع الأعيان تنقسم إلى قسمين رئيسين:

1- وقائع أعيان متفق على خصوصيتها بأصحابها أو أحوالها.

2- ووقائع أعيان اختلف الفقهاء في كونها واقعة عين.

 

أما القسم الأول فهو قليل جدًّا، وقد حصرت الباحثة هناء الماضي في رسالتها الوقائع المتفق عليها في خمسة مسائل:

المسألة الأولى: إجزاء عناق أبي بردة بن نيار في الأضحية:

عَنِ البَرَاءِ قَالَ: ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْدِلْهَا» قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا جَذَعَةٌ - قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ - قَالَ: «اجْعَلْهَا مَكَانَهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»[11].

 

المسألة الثانية: رضاع سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة وهو كبير:

جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ، فَقَالَ: أَرْضِعِيهِ، فَقَالَتْ: وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ، فَتَبَسَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتِ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ، وَفِي لَفْظٍ فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالِ، وَأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ، فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ[12].

 

المسألة الثالثة: جعل شهادة خزيمة بن ثابت بشهادة رجلين:

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَاعَ مِنْ أَعْرَابِيٍّ فَرَسًا فَاسْتَتْبَعَهُ لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ الْفَرَسِ، فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشْيَ وَأَبْطَأَ الْأَعْرَابِيُّ، فَطَفِقَ رِجَالٌ يَعْتَرِضُونَ الْأَعْرَابِيَّ يُسَاوِمُونَهُ فِي الْفَرَسِ حَتَّى زَادُوهُ عَلَى ثَمَنِهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَطَفِقَ الْأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيدًا يَشْهَدُ أَنِّي قَدْ بِعْتُكَ فَمَنْ جَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ: وَيْلَكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِيَقُولَ إِلَّا الْحَقَّ حَتَّى جَاءَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ فَاسْتَمَعَ الْمُرَاجَعَةَ، فَقَالَ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَايَعْتَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَ تَشْهَدُ؟ قَالَ: بِتَصْدِيقِكَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ[13].

 

المسألة الرابعة: عدم مؤاخذة البدريين على ذنوبهم:

"...وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"[14].

 

وقائع الأعيان المختلف فيها:

قبل الحديث عن هذا النوع من قضايا الأعيان، رأيت أن أصدره بالأسباب التي أدت إلى هذا الاختلاف، وهي كثيرة جدًّا تختلف باختلاف المتكلمين فيها، الفقهاء أو الأصوليين، أو المحدثين، لكن يمكن أن نجمل اختلافهم في الأسباب الآتية:

السبب الأول: الاختلاف الواقع في بيان مدى عموم الخطاب الوارد من الشارع الحكيم لواحد من الأمة، سواء كان المخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من أفراد الأمة، فهل يكون الخطاب خاصًّا بالمخاطب وحده دون الأمة، أم هو شامل لجميع الأمة؟

 

فهذا الأمر اختلف فيه الأصوليون والفقهاء، فذهب فريق منهم إلى أن خطاب الواحد لغةً خاص به، ولا يعمم الخطاب إلا بدليل، بينما ذهب فريق آخر إلى أن خطاب الواحد خطاب لجميع الأمة؛ لأن الأصل هو عموم الخطاب.

 

السبب الثاني: الاختلاف الواقع في بيان مدى عموم الحكم المعلق على علة معينة في واقعة خاصة، ويمكن أن تتعدى هذه العلة إلى غير تلك الواقعة، فهل يعم حكمها جميع مثيلاتها لاتحاد العلة في الواقعتين، أم هو خاص بتلك الواقعة دون غيرها؟

 

اختلف الأصوليون في هذا النوع من المسائل أيضًا، فمنهم من يرى أنها واقعة حال، خاصة بشخص تلك الواقعة، ومنهم من يرى أنها واقعة حال تعم جميع من اشترك في العلة التي بُني الحكم عليها.

 

وهناك أمثلة كثيرة تحتاج إلى التفصيل على سبيل المثال القاعدتين المنقولتين عن الإمام الشافعي رحمه الله في وقائع الأعيان، وهما:

القاعدة الأولى: "ترك الاستفصال في حكايات الأحوال مع قيام الاحتمال منزلًا منزلة العموم في المقال".

القاعدة الثانية: "وقائع الأعيان إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، وسقط بها الاستدلال".

 

فالاختلاف هنا هو اختلاف في فَهمها، أهما متناقضتان أم أن لهما المعنى نفسه؟

فالمفهوم من القاعدة الأولى أن قضايا الأعيان تحمل على العموم، وفي القاعدة الثانية أن قضايا الأعيان المختلف حولها يسقط بها الاستدلال، بمعنى أنها لا تتعدى غيرها.

 

أمثلة على قضايا الأعيان المختلف حولها:

سأذكر مثالًا واحدًا يتبيَّن من خلاله كيف تؤثر الأحاديث المختلف فيها - أهي قضية عين أم أنها عامة؟ - على الأحكام؟

 

أحكام المحرم إذا مات:

اتفق الفقهاء على أن الميت غير المحرم يغطي رأسه ويطيب، ونقل النووي وغيره الإجماع على حرمة تخمير الرأس في حق المحرم الحي، واختلفوا في المحرم إذا مات هل يأخذ أحكام الميت من تغطية رأسه وتطييبه، أم يأخذ حكم المحرم الحي، فيحرم ذلك في حقه؟ على قولين:

القول الأول: يرى أصحابه أن المحرم الميت كالمحرم الحي فيأخذ أحكامه، فلا يغطي رأسه ولا يطيب، ولا يؤخذ شعره وظفره، ولا يلبس مخيطًا.

 

وعمدة ما استدل به هذا الفريق هو حديث ابن عباس في الأعرابي الذي وقصته ناقته محرمًا فمات، فقال فيه النبي صلى الله عيه وسلم: "اغسلوه بماء وسدر، وكفِّنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا[15]"، وهو نص صريح في المسألة.

 

لكن هذا الدليل رد عليه أصحاب القول الثاني الذين يرون أنه يفعل بالمحرم الميت ما يفعل بالميت الحلال، فيُغطَّى رأسه ويطيب، فقالوا: إن هذا الحديث لا يعتمد عليه في تعميم الحكم، وردوه بدعوى الخصوصية، وأنها قضية عين فلا يتعدى حكمه إلى غيره إلا بدليل منفصل، ودليل الخصوصية قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا".

 

لكن أصحاب القول الأول ردوا بأن الحديث عام في كل محرم يموت، وليس خاصًّا بالمحرم الذي وقصته ناقته، والعموم فيه حاصل من طريقين:

الأول: أن خطاب الواحد خطاب لغيره.

الثاني: أنه عام لعموم علته الظاهرة، وهي الإحرام، فيكون للحكم عموم معنوي، وإن كان لفظ الحديث خاصًّا.

هذا مثال واحد فقط من بين عشرات الأمثلة، والحمد لله رب العالمين.



[1] حمزة شلهاوي (أستاذ مادة التربية الإسلامية، وباحث في سلك الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، عين الشق – الدار البيضاء - المغرب).

[2] أستاذ جامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ابن مسيك – الدار البيضاء – المغرب.

[3] فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، (9 /78)، دار المعرفة - بيروت، 1379.

[4] للتنبيه، فالتعبير عن قضايا الأعيان لا يكون بهذا الاصطلاح فقط، وإنما يعبر عنه باصطلاحات كثيرة كلها تصب في معنى واحد، ومن هذه الاصطلاحات؛ قضية في عين، قضية عينية، واقعة عين، حادثة عين، قصة عين، قضية خاصة، حكاية حال، قضية حال، واقعة حال، وغيرها.

[5] قضايا الأعيان دراسة أصولية تطبيقية، مصطفى عايد محمود إسعيفان، ص 14.

[6] ص 295، نسخة للشاملة.

[7] القواعد للحصني، دراسة وتحقيق: د. عبدالرحمن بن عبدالله الشعلان، د. جبريل بن محمد بن حسن البصيلي، (3/78)، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997م.

[8] وقائع الأعيان في العبادات، دراسة فقهية، (1 /4).

[9] قضايا الأعيان (دراسة أصولية تطبيقية)، ص 16.

[10] وقائع الأعيان في العبادات دراسة فقهية، هناء الماضي، ص 4.

[11]صحيح البخاري، كتاب الأضاحي، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة: "ضحِّ بالجذع"، رقم الحديث 5557.

[12] صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب: رضاعة الكبير، رقم الحديث 1453.

[13] سنن أبي داود، أول كتاب الأقضية، باب: إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد، رقم الحديث: 3607.

[14] صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس، رقم الحديث 3007.

[15] سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب: المحرم يموت، كيف يصنع به؟ رقم الحديث 3238.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • في تطهير الأعيان المتنجسة

مختارات من الشبكة

  • شرح كتاب المدخل الموسوعي لدراسة التفسير الموضوعي (المحاضرة الثالثة عشر) (الجزء الثاني)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المدخل الموسوعي لدراسة التفسير الموضوعي (المحاضرة الثالثة عشر) (الجزء الأول)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المدخل الموسوعي لدراسة التفسير الموضوعي (المحاضرة الثانية عشر)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المدخل الموسوعي لدراسة التفسير الموضوعي (المحاضرة الحادية عشر)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المدخل الموسوعي لدراسة التفسير الموضوعي (المحاضرة العاشرة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المدخل الموسوعي لدراسة التفسير الموضوعي (المحاضرة التاسعة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المدخل الموسوعي لدراسة التفسير الموضوعي (المحاضرة الثامنة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المدخل الموسوعي لدراسة التفسير الموضوعي (المحاضرة السابعة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المدخل الموسوعي لدراسة التفسير الموضوعي (المحاضرة السادسة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المدخل الموسوعي لدراسة التفسير الموضوعي (المحاضرة الخامسة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 


تعليقات الزوار
1- وفقك الله
أبو يحيى - تونس 17-05-2022 08:18 PM

بارك الله في عمرك ووفقك لنفع الأمة.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب