• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

بين القسطلاني والحنابلة - الجزء الأول: عنايته بتحرير معتمد مذهب الحنابلة

عبدالله بن محمد السحيم

عدد الصفحات:14
عدد المجلدات:1

تاريخ الإضافة: 12/5/2018 ميلادي - 26/8/1439 هجري

الزيارات: 14136

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحميل ملف الكتاب

 

بين القَسطلَّانيِّ والحنابلة

ورقةٌ تبحث عناية القسطلاني الشَّافعي (ت923هـ) في شرحه

«إرشاد السَّاري لشرح صحيح البخاريِّ»

بتحرير معتمد مذهب الحنابلة، وعناية الحنابلة بشرحه

الجزء الأوَّل/ عنايته بتحرير معتمد مذهب الحنابلة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حقَّ حمده، وصلاةً وسلامًا دائمين على خير خلقه، ورضي الله عن صحابته أجمعين، وعن الصَّفوة الخيِّرة المتَّبعة لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أما بعد.

-1-

جرت عادة شرَّاح كتب الحديث ودواوين السُّنَّة بذكر أقوال المذاهب الأربعة –وغيرها أحيانًا- عند ذكر المسائل الفقهيَّة المتعلِّقة بالحديث، وقد جرى على هذه الجادَّة المعهودة: شهاب الدِّين القسطلاني الشافعي (ت 923هـ) رحمه الله، وذلك في شرحه الشَّهير «إرشاد السَّاري لشرح صحيح البخاري»، وكان له نفَسٌ خاصٌّ في إيراد المسائل الفقهيَّة، ومن ذلك: أن عُني بذكر مذهب الحنابلة، مجتهدًا في نقل (المعتمد) من المذهب حين ذِكره، وتعدُّ هذه الخصيصة المهمَّة ممَّا امتاز به هذا الشَّرح الجليل عن سواه من شروح البخاريِّ -التي اعتمدها القسطلاني[1]-، حيث أتاح له تأخُّر زمنه اطَّلاعه على مصادر لم تكن ألِّفت في زمن مَن تقدَّمه مِن شرَّاح «الصَّحيح»، وحين أُلِّفت صارت أسسًا علميَّة في بناء الطَّوْر الأخير من أطوار المذهب الحنبليِّ «دور استقرار المذهب وتدوين المعتمد»، فاعتمد القسطلاني مصادر أصيلة، وكتبًا متينة، يقرِّر من خلالها مذهب الحنابلة، وكان من أبرز هذه المصادر: كتب مصحِّح المذهب ومنقِّحه الشَّيخ العلَّامة أبي الحسن علاء الدِّين علي بن سليمان المرداويِّ[2](ت 885هـ) رحمه الله رحمةً واسعةً، لاسيما «التَّنقيح المشبع، في تحرير أحكام المقنع»، و«الإنصاف في معرفة الرَّاجح من الخلاف»، وهما ما قد عرفتَ جلالةً واعتمادًا عند فقهاء الحنابلة منذ تأليفها وحتى يوم النَّاس هذا.

 

-2-

ولئن حفظَت لنا كتب التَّراجم طرفًا من حظوة كتاب «الإنصاف في معرفة الرَّاجح من الخلاف» لدى العلماء إبَّان حياة مصنفه رحمه الله، حيث يقول الحافظ السَّخاوي واصفًا ذلك: «قَدِم [أي: المرداويُّ] بأخَرَة القاهرةَ، وأذِن له قاضيها العزُّ الكنانيُّ في سماع الدَّعوى، وأكرمه، وأخذ عنه فضلاء أصحابه بإشارته، بل وحضَّهم على تحصيل "الإنصاف" وغيره من تصانيفه»[3]، والعزُّ الكنانيُّ (ت876هـ) كان حينها قاضي القاهرة، وشيخ الحنابلة فيها، وحين ترجم له السَّخاوي أطنب في ذكره بترجمةٍ حافلةٍ مليحةٍ[4].


إلَّا أنَّها -أعني: كتب التَّراجم- لم تدوِّن ما حظي به كتاب «تنقيح المقنع» من المكانة والاعتماد إذ ذاك، ليأتي الشِّهاب القسطلاني رحمه الله ليسدَّ الثَّغرة ويدلي بالشَّهادة، بعد أن عرف مكانة هذين الكتابين، ورتبة مؤلِّفهما، حيث يضيف القسطلاني شهادةً تاريخيَّة مهمَّة، بتنصيصه أثناء شرحه لـ«صحيح البخاري» في عدَّة مواضع على أنَّ مدار الفتوى عند الحنابلة في زمانه على قول المرداويِّ، وعلى كتابه «تنقيح المقنع»، فمن ذلك قوله (3/ 57) في إجزاء الزَّكاة إذا أخرجت في العتق والحجِّ: «لكن جزم المرداويُّ بصحَّته في العتق والحجِّ، وعلى قوله الفتوى عند الحنابلة»، وقوله (3/ 211) في قطع التَّلبية في الحجِّ: «والذي رأيته في "تنقيح المقنع" [ص191] -وعليه الفتوى عند الحنابلة- ما نصُّه: "ويقطع التَّلبيةَ مع رمي أوَّل حصاة منها"»، وقوله (3/ 213) في ركوب الهدي: «والذي رأيته في "تنقيح المقنع" [ص195] من كتب الحنابلة -وعليه الفتوى عندهم-: "وله ركوبها عند الحاجة فقط، بلا ضررٍ، ويضمن نقصها"».

 

وأبو الحسن المرداويُّ أدركته المنيَّة عام (885هـ) رحمه الله رحمةً واسعةً، وتوفي الشِّهاب القسطلاني عام (923هـ) رحمه الله، فبين وفاتيهما (38) عامًا، والقسطلاني فرغ من شرح أبواب العبادات من «صحيح البخاري» سنة (907هـ)، أي: بعد وفاة المرداوي بـ(22) عامًا فقط، وهذا يشعر أن المردوايَّ لم يكد يجف حبره ومداده حين فراغه من «تنقيحه»، حتى طار في النَّاس كلَّ مطارٍ، واعتمده الحنابلة، و"قنعوا" به، واتَّـخذوه أصلًا يُرجع إليه، ويُفتى به.

 

-3-

وحين أدرك القسطلاني ما بين كتب المذهب من التَّفاوت غاية الإدراك، وعلم ما قام به العلَّامة المرداويُّ من إرساء قواعد المذهب، وتشييد استقراره، اعتمد كتابا المرداوي. - المتقدِّم ذكرهما: التنقيح، والإنصاف- مصدرًا أوليًّا ينقل منهما المذهب، ويوثِّق المعتمد، ويناقش من تقدَّمه من الشُّراح الذين نقلوا روايات أخر -سوى المعتمد- في مذهب الحنابلة، ليضيف بذلك إضافةً نفيسةً معتبرةً على من تقدَّمه من الشَّراح، وليكون بذلك أقربهم -سوى ابن رجبٍ- إلى معتمد مذهب السَّادة الحنابلة.

 

وقد نقل القسطلانيُّ مذهبَ الحنابلة في مسائل كثيرةٍ جدًّا، وذلك على أوجه متعدِّدةٍ، فذكر مذهب الحنابلة ذِكرًا مجرًّدًا غير معزوٍّ إلى كتابٍ ولا قائلٍ في (100) مسألة فقهيَّة، ونقل أقوال "الإمام أحمد" أو رواياتٍ عنه في (15) مسألة، في حين أنَّه نقل عن المرداويِّ في (51) موضعًا، منها (27) موضعًا من «التَّنقيح المشبع»، و(11) موضعًا من «الإنصاف»، و(13) موضعًا ينقلها عن "المرداويِّ" -من غير أن يسمِّيَ كتابه-، ومجموع ذلك (166) مسألة فقهيَّة -فيما وقفت عليه بعد بحثٍ وتتبُّعٍ-، على أنَّ القسطلاني ربَّما نقل مذهب الحنابلة من كتبٍ أخرى غير كتب المرداوي -كما سيأتي بيانه مفصَّلًا بإذن الله-.

 

ولا تتوقَّف عناية القسطلاني عند هذا، بل ربَّما راجع في مسألةٍ فقهيَّةٍ واحدةٍ أكثر من كتابٍ من كتب المرداويِّ، يوازن بينها ويقارن، كقوله (3/ 246) عن حكم ترك المبيت بمِنى: «قال المرداوي من الحنابلة في "تنقيحه" [ص191]: وفي ترك مبيت ليلةٍ دم، وقال في "شرح المقنع" [أي: الإنصاف 9/ 248]: فيه ما في حلق شعرةٍ -وهو مدٌّ من طعامٍ[5]-، قال: وهو إحدى الرِّوايات؛ لأنَّها ليست نسكًا بمفردها، بخلاف المبيت بمزدلفة، قاله القاضي وغيره، وقال: لا تختلف الرِّواية أنَّه لا يجب دم»، فنافي الخلاف هنا هو القاضي أبو يعلى رحمه الله، أمَّا المردواي فقد أثبت في «الإنصاف» روايةً ثانيةً عن الإمام أحمد في وجوب الدَّم على من ترك مبيت ليلةٍ: «وعنه: عليه دم...»، وجزم بها في «التَّنقيح» -كما نقله القسطلاني آنفًا-، وهي معتمد المذهب كما في «المنتهى» (2/ 167)، فذكر القسطلاني ما في «الإنصاف» ليبيِّن قوَّة الرِّواية الثانية.

 

وتمتدُّ مراجعات القسطلاني لكتب المذهب ومصادره، مع الموازنة والنَّظر، حيث ينقل روايةً في المذهب، أو قولًا قال به صاحبٌ، ثم يبيِّن أنَّها خلاف الصحيح من المذهب، كقوله (3/ 394): «حكى في "الرِّعاية"[6] من كتب الحنابلة: أنَّه لا قضاء على من جامع يعتقده ليلًا، فبان نهارًا، لكنَّ الصَّحيح من مذهبهم -وجزم به الأكثر-: أنَّه يجب القضاء والكفَّارة»، وقد تكرَّر نحو هذا الصَّنيع من القسطلاني رحمه الله في (16) مسألة، ينقل فيها الصَّحيح أو الأصحَّ من مذهب الحنابلة.

 

-4-

وإذا كان من المتقرِّر طريقةً ومنهاجًا أنَّ "شروح دواوين السُّنَّة" يقع فيها من نسبة الأقوال إلى المذاهب نسبةً متعقَّبة غير صائبةٍ أحيانًا، فمن ذلك قول المرداويِّ في «الإنصاف» (10/ 242) في باب قسمة الغنائم: «وقيل: الرَّضْخ من أصل الغنيمة، وحكاه النوويُّ في "شرح مسلم" عن أحمد، ولم نره في كتب الأصحاب كذلك»[7]، فقد تنبَّه القسطلاني لهذا الشَّأن، فما إن يرى شارحًا من الشُّراح ينسب إلى الحنابلة قولًا غير المعتمد، إلَّا وينقل ذلك ويتعقَّبه، معتمدًا في ذلك على كتب العلامة المرداوي، ليؤكِّد بذلك أنَّ هذه القضية -معتمد المذهب- كانت حاضرةً بجلاءٍ في خطَّة القسطلاني أثناء تأليفه لهذا الشَّرح الحفيل، وأنَّ لشخصيَّته النَّاقدة أثرٌ في منقولاته الكثيرة، فمن ذلك:

أ- أنَّه نقل (2/ 186) مذهب المالكيَّة والحنابلة من «شرح التِّرمذي» للحافظ العراقيِّ في مسألة: حكم جلوس الخطيب بين الخطبتين، فقال: «نقل الحافظ العراقي في شرح الترمذي: اشتراطها عن مشهور مذهب أحمد، وقال المَازَري -من المالكية-: يشترط القيام لهما، والجلوس بينهما»، ثم تعقَّبه القسطلاني بقوله: «لكنَّ الذي شهره الشَّيخ خليل: السُّنية، وكذا مشهر مذهب الحنابلة علاء الدين المرداوي في "تنقيح المقنع" [ص118]».

 

ب- ونقل (3/ 211) مذهب الإمام أحمد في قطع الحاجِّ التَّلبيةَ، فقال: «نقل البِرماوي[8] والحافظ ابن حجر[9]: أنَّ مذهب الإمام أحمد رحمه الله: لا يقطعها حتى يرميها، فيكون الحديث مستندًا له»، ثم تعقَّب نقلهما عن الإمام بقوله: «والذي رأيته في "تنقيح المقنع" [ص191] -وعليه الفتوى عند الحنابلة- ما نصُّه: "ويقطع التَّلبية مع رمي أول حصاة منها"، فلعل ما نقله البِرماوي وصاحب "الفتح" قولٌ له أيضًا»، وهو كذلك، كما نقله المرداوي في «الإنصاف» (9/ 197).

 

ج- ونقل (3/ 213) عن النوويِّ في «شرح مسلم» (9/ 74) أنَّ مذهب الإمام أحمد رحمه الله في حكم ركوب الهدي: «له ركوبها من غير حاجة بحيث لا يضرها»، ثم تعقَّبه بقوله: «والذي رأيته في "تنقيح المقنع" [ص195] من كتب الحنابلة -وعليه الفتوى عندهم-: "وله ركوبها عند الحاجة فقط، بلا ضرر، ويضمن نقصها"».

 

د- ونقل في (4/ 437) نقلًا عن النوويِّ في «شرح مسلم» (9/ 202)، تضمَّن أن مذهب الإمام أحمد رحمه الله وجوب الوفاء بالشَّرط مطلقًا، حيث قال: «قال أحمد: يجب الوفاء بالشَّرط مطلقًا؛ لحديث: "أحق الشروط..."، قاله النَّووي في "شرح مسلم"»، ثم تعقَّبه بقوله: «لكن رأيت في "تنقيح" المرداويِّ من الحنابلة تفصيلًا في ذلك، يأتي -إن شاء الله تعالى- في "باب الشُّروط في النكِّاح" من كتابه، مع بقيَّة ما في الحديث من المباحث»، وهذا الموضع الذي أحال عليه في (8/ 19) من «الإرشاد».

 

هـ- ومنها ما نقله (8/ 143) في تفسير «الإغلاق» الذي يمنع وقوع الطَّلاق، فقال: «وقيل: العمل في الغضب، وتمسَّك بهذا التَّفسير بعض متأخِّري الحنابلة القائلين: بأنَّ الطَّلاق في الغضب لا يقع، ولم يوجد عن أحدٍ من متقدِّميهم»، وهذا نصُّ الحافظ ابن حجر في «الفتح» (9/ 389) أيضًا، ومعتمد المذهب أن الإغلاق في الحديث هو الإكراه، كما في «شرح منتهى الإرادات» (3/ 75)، و«كشاف القناع» (5/ 235)، وينظر: «إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان» لابن القيِّم (ص6).

 

و- ونقل (3/ 246) حكم مبيت أصحاب السِّقاية وغيرهم بمكَّة ليالي منى، فقال: «قال في "الفتح" [3/ 579]: والمعروف عن أحمد اختصاص العبَّاس بذلك، وعليه اقتصر صاحب "المغني"»، فتعقَّبه القسطلاني بقوله: «لكن قال في "التَّنقيح" [ص190]: وإن دفع من مزدلفة غير سقاةٍ ورعاةٍ قبل نصف الليل: فعليه دمٌ إن لم يعُد -نصًّا-، إليها ليلًا، ولو بعد نصفه. ا.هـ»، ثمَّ قال على إثره مباشرة موجِّهًا ومؤيِّدًا: «ومقتضاه العموم».

 

وما نقله ابن حجر عن الموفَّق في «المغني» (5/ 325) نصُّه: «وتخصيص العبَّاس بالرُّخصة لعذرهِ دليلٌ على أنَّه لا رخصة لغيره»[10]، وكان هذا في سياق تقريره لأصل المسألة، وأنَّ الواجب هو المبيت بمنى لا بعموم مكَّة، ولكن هذا لا يعني أنَّ حكم العبَّاس لا يعمُّ غيره من أهل الأعذار، إذ بحَث الموفَّق حكم مبيت أهل الأعذار بمنى في مواضع أخر، ولذا فمعتمد المذهب: أنَّه لا مبيت بمِنى ولا مزدلفة على سقاةٍ ورعاةٍ، ولم يخصَّ بالعبَّاس، كما هو مقرَّر في «المنتهى» (1/ 590) و«الإقناع» (1/ 393).

 

وما تعقَّبه القسطلانيُّ به غير مطابقٍ تمام المطابقة؛ لأنَّه نقل حكم المبيت في مزدلفة، والخروج منها قبل نصف الليل، والبحث مع ابن حجر إنَّما هو في حكم المبيت بمنى، لكن ما نقله القسطلاني صحيح -في الجملة-؛ لاتِّحادهما في الحكم، ولذا قال القسطلاني على إثره: «ومقتضاه العموم»، والله أعلم.

 

-5-

على أنَّ أبا العبَّاس القسطلاني رحمه الله لم يلتزم هذه الجادَّة الحميدة في كلِّ مسألةٍ ينقل فيها مذهب الحنابلة، بل خالفها من جهتين:

- أولاهما: نقله المذهب من كتبٍ حنبليَّةٍ لم تكن مدار معرفة المعتمد عند الحنابلة، فنقل (19) موضعًا من كتبٍ غير كتب المعتمد، منها (15) موضعًا من «المغني» لابن قدامة، و(5) مواضع من «الرِّعاية» لابن حمدان، وغيرهما[11]، فنتج عن ذلك أن نسب إلى المذهب خلاف ما تقرَّر فيه، أو اضطرَّ إلى تفسير ظاهر كلام الحنابلة بما لا يقولون به، فمن أمثلة ذلك:

أ- قوله (1/ 247) في شرح أمر النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «من توضَّأ فليستنثر»، في حكم الاستنثار بعد الاستنشاق في الوضوء: «وظاهر الأمر فيه للوجوب، فيلزم من قال: بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به -كأحمد وإسحاق وغيرهما- أن يقول به في الاستنثار، وظاهر كلام صاحب "المغني" من الحنابلة أنهم يقولون بذلك، وأنَّ مشروعية الاستنشاق لا تحصل إلا بالاستنثار»، فجعل المذهب هو "ظاهر" كلام الموفَّق في «المغني»، وهو متابعٌ في هذا للحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 262)، مع أنَّ المرداوي قال في «الإنصاف» (1/ 327): «يستحبُّ الانتثار على الصَّحيح من المذهب، والرِّوايتين، وعليه الأصحاب، ويكون بيساره، وعنه: يجب»، ومعتمد المذهب: "الاستحباب"، كما في «الإقناع» (1/ 31).

 

ب- وقوله (5/ 360) في حكم التَّبريك –الوارد في الصَّلاة الإبراهيمية- في الصَّلاة: «وظاهر كلام صاحب "المغني" [2/ 230] من الحنابلة وجوبها في الصلاة، فإنَّه قال: "وصفة الصَّلاة [على النَّبي صلَّى الله عليه وسلم][12] كما ذكرها الخِرَقي"، والخرقي إنَّما ذكر ما اشتمل عليه حديث كعب، ثم قال: "وإلى هنا انتهى الوجوب"»[13].

 

مع أنَّ الموفَّق رحمه الله قال بعد هذا مباشرةً: «والأَولى أن يأتيَ بالصَّلاة على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على الصِّفة التي ذكر الخرقي»، ثم قال أيضًا: «قال القاضي أبو يعلى: ظاهر كلام أحمد أنَّ الصَّلاة واجبةٌ على النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم حسب»، والمتقرِّر في معتمد المذهب أنَّ الرَّكن منه: «اللهم صلِّ على محمدٍ»، فحسب، وما زاد على ذلك فهو سنَّةٌ.

 

وثانيهما: نقلُه المذهب نقلًا مجرَّدًا، من غير التَّنصيص على المعتمد والأصحِّ في المذهب، ومن غير عزوٍ إلى كتابٍ ولا صاحبٍ، وذلك في (100) مسألة –كما تقدَّم قريبًا-، مع أنَّ كتب «المعتمد» كانت على مرأى منه، وفي متناول يده رحمه الله.

 

-6-

جدولٌ إجماليٌّ لإحصائيَّاتٍ حنبليَّة من «إرشاد السَّاري»

نقل القسطلاني عن علماء الحنابلة

نقل القسطلاني عن كتب الحنابلة

المذهب غير معزوٍّ إلى كتاب ولا قائل

فقه   الإمام   أحمد

عن علماء الحنابلة

بعض الحنابلة -بلا تعيين-

عن المرداويِّ
-ولم يعيِّن-

التَّنقيح المشبع

الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف

كتب حنبلية متفرقة

مع التَّصحيح

نقل مجرد

15

19

11

13

27

11

9

16

100

45

51

116

221 موضعًا

 

تنبيهان:

♦ إذا ذكر القسطلاني الكتاب ومؤلفه -مثال: «ذكره ابن قدامة في المغني»- فأثبته في قائمة الكتب فقط.

♦ إذا نقل القسطلاني نقلًا عن كتابٍ، وفي أثناء النقل نقول عن كتبِ وعلماء الحنابلة، كقوله: «قال في الإنصاف: ... وقدمه في الرعايتين والحاوي وذكر في الفروع ...»، فلا أعدُّ إلَّا الكتاب النَّاقل.

 

-7-

وقد كان لهذا الشَّرح حظوة عالية رفيعة عند كثيرٍ من متأخِّري الحنابلة -كما نال الحظوة اللائقة به عند غيرهم-، واعتبروه في مصافِّ الشُّروح الكبار، حتَّى قال الشيخ عبد الله (ت 1242هـ) بن الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب (ت 1206هـ) رحمهما الله: «ثمَّ إنَّا نستعين على فهم كتاب الله بالتَّفاسير المتداولة المعتبرة...، وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المبرَّزين: كالعسقلاني، والقسطلاني، على "البخاري"»[14]، ونقَل علماء الدَّعوة النَّجدية من «الإرشاد» في مواضع عدَّةٍ[15].

 

والمطالع لتراث الحنابلة يلحظ من خلاله اهتمامًا كبيرًا بهذا الشَّرح من جهتين، أولاهما: النَّقل منه، والاعتماد عليه، والثِّقة بقوله، وثانيهما: رواية الكتاب، وإقراؤه وتدريسه، واقتناء نسخه الخطيَّة، مع إنارة حواشيها بالتَّعليق والتَّقييد، وهذا ما سنبسط ذكره في «الجزء الثَّاني» من هذه المقالة –بإذن الله وحسن توفيقه وتيسيره-، وعسى أن يكون قريبًا، والحمد لله ربِّ العالمين حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.



[1] مثل: «فتح الباري» لابن حجر، و«عمدة القاري» للعيني، وهذا القيد احترازٌ عن «فتح الباري» لابن رجب الحنبليِّ، فإنَّه لا نظير له في هذا الباب، إلَّا أنَّه -مع تقدُّم زمنه- لم يكمل، مع أنَّ القسطلاني قد ذكره في مقدمة «الإرشاد» (1/ 43) ضمن الشُّروح التي وقف عليها، لكن لم ينقل منه إلا في موضعٍ أو اثنين، وبقيَّة نقوله عن ابن رجب إنَّما هي من كتبه الأخرى، كـ«شرح الأربعين»، و«لطائف المعارف»، وغيرهما.

[2] قال ابن بدران في «المدخل» (ص436): «وبالجملة، فهذا الفاضل يليق بأن يطلق عليه: مجدِّد مذهب أحمد في الأصول والفروع».

[3] «الضوء اللامع» (5/ 226).

[4] في «ذيل رفع الإصر» (ص12).

[5] والجملة المفسِّرة «وهو مدٌّ من طعامٍ» من تفسير القسطلاني لكلام المرداوي.

[6] كتاب «الرِّعاية» لأبي عبد الله ابن حمدان الحرَّاني (ت695هـ)، وهو المسمَّى أحيانًا «الرِّعاية الصغرى»، مطبوع تامًّا في مجلَّدين، ألفه اختصارًا لكتاب «الهداية» لأبي الخطَّاب الكلوذاني (ت510هـ)، مع زيادات وإفادات، ولعلَّ النصَّ المنقول هنا من «الرَّعاية الكبرى»، ونقله المرداوي في «الإنصاف» (7/ 439).

[7] ومما يتَّصل بهذا من الفوائد: أن الإمام البخاريَّ رضي الله عنه نقل في «الصَّحيح» (1/ 85 ح377) عن الإمام أحمد رضي الله عنه مسألة فقهيَّة واحدةً في حكم علوِّ الإمام على المأموم، واستغربه ابن رجب في «فتح الباري» (2/ 453)، وقال: «هذا خلاف مذهبه المعروف عنه، الذي نقله عنه أصحابه في كتبهم».

[8] في «اللامع الصَّبيح بشرح الجامع الصَّحيح» (6/ 155).

[9] في «فتح الباري» (3/ 533).

[10] وهذا القول وصفه ابن حجر بالجمود، قال: «فقيل: يختصُّ الحكم بالعباسِ، وهو جمودٌ»!.

[11] كنقله من «الحاويين» (3/ 245)، و«المبهج» (3/ 420).

[12] ما بين المعكوفين من «المغني»، وحذفه القسطلاني اختصارًا؛ لإغناء السِّياق عنده عنه.

[13] ذكر ابن حجر في «فتح الباري» (11/ 152) عشرة أقوالٍ في حكم الصَّلاة على النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ليس منها قول صاحب «المغني»، فهذا من زيادات القسطلاني عليه.

[14] كما في «الدُّرر السنية» (1/ 228).

[15] منها في «الدُّرر السنية» (6/ 263)، (10/ 316)، (15/ 309)، (15/ 312).





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أدعية الاستفتاح: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيني وبين فتاة علاقة عاطفية وعرف أهلها ما بيننا(استشارة - الاستشارات)
  • الصناعة الحديثية في إرشاد الساري للإمام القسطلاني لرزان محمد ماجد عرفة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة نيل الأماني في توضيح مقدمة القسطلاني(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة حاشية القسطلاني على الشمائل(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كتاب إرشاد الساري شرح صحيح البخاري (نسخة كاملة 10 أجزاء)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (الجزء الأول)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب