• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

القول في بعض صفات الله تعالى كالقول في البعض الآخر

القول في بعض صفات الله تعالى كالقول في البعض الآخر
د. محمد بن عبدالله المقشي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/12/2017 ميلادي - 2/4/1439 هجري

الزيارات: 95996

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القول في بعض صفات الله تعالى

كالقول في البعض الآخر

 

قال أبو محمد ابن قتيبة (ت: 276) في تأويل مختلف الحديث (ص: 322): "والذي عندي -والله تعالى أعلم- أن الصورة ليست بأعجب من اليدين، والأصابع، والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد".

 

وقال عثمان بن سعيد الدارمي (ت: 280) في الرد على الجهمية (ص: 94): "وليس قول رسول الله في نزوله بأعجب من قول الله تبارك وتعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ ﴾ [البقرة: 210] ومن قوله: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22] فكما يقدر على هذا يقدر على ذاك".

 

وقال شيخ المفسرين أبو جعفر ابن جرير الطبري (ت: 310) في جامع البيان (1/189): "وقال بعضهم: الغضب منه [أي: من الله تعالى] معنى مفهوم، كالذي يعرف من معاني الغضب، غير أنه وإن كان كذلك من جهة الإثبات فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم ويحركهم ويشق عليهم ويؤذيهم؛ لأنّ الله جل ثناؤه لا تحل ذاته الآفات، ولكنه له صفة، كما العلم له صفة، والقدرة له صفة، على ما يعقل من جهة الإثبات، وإن خالفت معاني ذلك معاني علوم العباد، التي هي معارف القلوب، وقواهم التي توجد مع وجود الأفعال وتعدم مع عدمها".

 

وقال أيضًا في التبصير في معالم الدين (ص: 145-146): "قيل له [أي: مَن أنكر صفتي المجيء والنزول]: وما برهانك على أن معنى المجيء والهبوط والنزول هو النقلة والزوال، ولا سيما على قول من يزعم منكم أن الله -تقدست أسماؤه- لا يخلو منه مكانٌ.

 

وكيف لم يجز عندكم أن يكون معنى المجيء والهبوط والنزول بخلاف ما عقلتم من النقلة والزوال من القديم الصانع، وقد جاز عندكم أن يكون معنى العالم والقادر منه بخلاف ما عقلتم ممن سواه".

 

وقال (ص: 133-136): "وذلك نحو إخبار الله تعالى ذكره إيانا أنه سميعٌ بصيرٌ، وأن له يدين لقوله: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ [المائدة: 64]، وأن له يميناً لقوله: ﴿ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ [الزمر: 67]، وأن وله وجهاً لقوله: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [القصص: 88]، وقوله: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 27]، وأن له قدماً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حتى يضع الرب قدمه فيها» يعني جهنم. وأنه يضحك إلى عبده المؤمن لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله: «إنه لقي الله عز وجل وهو يضحك إليه»، وأنه يهبط كل ليلةٍ وينزل إلى السماء الدنيا، لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم".

 

وقال أبو الحسن الأشعري (ت: 324) في الإبانة عن أصول الديانة (ص: 136-137): "ويقال لهم: لِمَ أنكرتم أن يكون الله تعالى عنى بقوله: (بِيَدَيَّ) يدين ليستا نعمتين؟

 

فإن قالوا: لأنّ اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة.

قيل لهم: ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة؟

وإن رجعونا إلى شاهدنا، أو إلى ما نجده فيما بيننا من الخلق فقالوا: اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلا جارحة.


قيل لهم: إن عملتم على الشاهد وقضيتم به على الله تعالى، فكذلك لم نجد حيا من الخلق إلا جسما لحما ودما، فاقضوا بذلك على الله - تعالى عن ذلك -، وإلا كنتم لقولكم تاركين ولاعتلالكم ناقضين.


وإن أثبتم حيا لا كالأحياء منا، فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله تعالى عنهما يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين، ولا كالأيدي؟

وكذلك يقال لهم: لم تجدوا مدبرا حكيما إلا إنسانا، ثم أثبتم أن للدنيا مدبرا حكيما ليس كالإنسان، وخالفتم الشاهد ونقضتم اعتلالكم، فلا تمنعوا من إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين من أجل أن ذلك خلاف الشاهد".

 

وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي (ت: 371) في اعتقاد أئمة الحديث (ص: 55): "ويثبتون [أي: أهل الحديث] أن له وجها، وسمعا، وبصرا، وعلما، وقدرة، وقوة، وكلاما".

 

وفي العلو للعلي الغفار (ص: 237-238) ما نصّه: "قال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب البصري الباقلاني (ت: 403) الذي ليس في المتكلمين الأشعرية أفضل منه مطلقا في كتاب الإبانة من تأليفه: "فإن قيل فما الدليل على أن لله وجها؟ قيل: قوله: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾ [الرحمن: 27] وقوله: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75]، فأثبت لنفسه وجها ويدا.

 

فإن قيل: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة إذ كنتم لا تعقلون وجها ويدا إلا جارحة؟

قلنا: لا يجب هذا كما لا يجب في كل شيء كان قديما بذاته أن يكون جوهرا لأنا وإياكم لم نجد قديما بنفسه في شاهدنا إلا كذلك.

وكذلك الجواب لهم إن قالوا: فيجب أن يكون علمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره وسائر صفات ذاته عرضا واعتلوا بالوجود.

 

فإن قيل: فهل تقولون إنه في كل مكان؟ قيل معاذ الله، بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه فقال: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5] وقال: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ﴾ [فاطر: 10] وقال: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الملك: 16]. قال: ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه وفي الحشوش ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها ما لم يكن، ويصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض وإلى خلفنا ويميننا وشمالنا، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله إلى أن قال: وصفات ذاته التي لم يزل ولا يزال موصوفا بها الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والوجه واليدان والعينان والغضب والرضا. وقال مثل هذا القول في كتاب التمهيد له.

 

وقال في كتاب الذب عن أبي الحسن الأشعري: كذلك قولنا في جميع المروي عن رسول الله في صفات الله إذا صح من إثبات اليدين والوجه والعينين، ونقول: إنه يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام، وإنه ينزل إلى السماء الدنيا كما في الحديث، وإنه مستو على عرشه. إلى أن قال: وقد بينّا دين الأئمة وأهل السنة أن هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف ولا تحديد ولا تجنيس ولا تصوير كما روي عن الزهري وعن مالك في الاستواء، فمن تجاوز هذا فقد تعدى وابتدع وضل".

 

فهذا النَفَس نفس هذا الإمام [أي: الباقلاني] وأين مثله في تبحره وذكائه وبصره بالملل والنحل، فلقد امتلأ الوجود بقوم لا يدرون ما السلف، ولا يعرفون إلا السلب ونفي الصفات وردّها، صم بكم غتم عجم، يدعون إلى العقل ولا يكونون على النقل. فإنا لله وإنا إليه راجعون".

 

وفي العلو للعلي الغفار أيضا (ص: 246): "قال الحافظ الإمام أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله الأندلسي الطلمنكي المالكي (ت: 429) في كتاب الوصول إلى معرفة الأصول، وهو مجلدان: أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4] ونحو ذلك من القرآن أنه علمه، وأن الله تعالى فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء.

 

وقال أهل السنة في قوله: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]: إن الاستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز، فقد قال قوم من المعتزلة والجهمية لا يجوز أن يسمى الله عز وجل بهذه الاسماء على الحقيقة ويسمى بها المخلوق، فنفوا عن الله الحقائق من أسمائه وأثبتوها لخلقه، فإذا سئلوا ما حملهم على هذا الزيغ؟ قالوا: الاجتماع في التسمية يوجب التشبيه. قلنا هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها، لأن المعقول في اللغة أن الاشتباه في اللغة لا تحصل بالتسمية، وإنما تشبيه الأشياء بأنفسها أو بهيئات فيها كالبياض بالبياض والسواد بالسواد والطويل بالطويل والقصير بالقصير، ولو كانت الأسماء توجب اشتباها لاشتبهت الأشياء كلها لشمول اسم الشيء لها وعموم تسمية الأشياء به.

 

فنسألهم أتقولون إن الله موجود؟ فإن قالوا: نعم. قيل لهم: يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبها للموجودين. وإن قالوا موجود ولا يوجب وجوده الاشتباه بينه وبين الموجودات. قلنا: فكذلك هو حي عالم قادر مريد سميع بصير متكلم يعني ولا يلزم اشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات".

 

وقال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني (ت:449) في عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص: 165): "وكذلك يقولون [أي: أصحاب الحديث] في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة والعزة والعظمة والإرادة والمشيئة والقول والكلام والرضا والسخط والحياة واليقظة والفرح والضحك وغيرها من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه ولا تكييف له ولا تشبيه ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه، بتأويل منكر يُستنكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله".

 

وفي عقيدة السلف أصحاب الحديث أيضاً (ص: 197-198) أنّ إسحاق بن راهويه سئل عن حديث النزول أصحيح هو؟ قال: نعم. فقال له بعض قواد عبد الله [أي: ابن طاهر]: يا أبا يعقوب أتزعم أن الله ينزل كل ليلة؟ قال: نعم. قال كيف ينزل؟ فقال له إسحاق: أَثْبِته فوق حتى أصف لك النزول. فقال الرجل: أَثْبَتّه فوق. فقال إسحاق: قال الله عز وجل: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22] فقال الأمير عبد الله: يا أبا يعقوب، هذا يوم القيامة. فقال إسحاق: أعز الله الأمير، ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم".

 

وقال الحافظ ابن عبد البر (ت: 463) في التمهيد (7/152-153): "وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا» عندهم [أي: الصحابة] مثل قول الله عز وجل: ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ﴾ [الأعراف: 143] ومثل قوله ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22] كلهم يقول: ينزل ويتجلى ويجيء بلا كيف، لا يقولون: كيف يجيء، وكيف يتجلى، وكيف ينزل، ولا من أين جاء، ولا من أين تجلى، ولا من أين ينزل؛ لأنه ليس كشيء من خلقه وتعالى عن الأشياء ولا شريك له وفي قول الله عز وجل ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ﴾ [الأعراف: 143] دلالة واضحة أنه لم يكن قبل ذلك متجليا للجبل، وفي ذلك ما يفسر معنى حديث التنزيل".

 

وقال في التمهيد (7 / 143): "وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «ينزل تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا» فقد أكثر الناس التنازع فيه، والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون ينزل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصدقون بهذا الحديث، ولا يكيفون، والقول في كيفية النزول كالقول في كيفية الاستواء والمجيء، والحجة في ذلك واحدة".

 

وقال محيي السنة البغوي (ت: 516، أو 510) في تفسيره معالم التنزيل (2 / 67): "ويد الله صفة من صفات ذاته كالسمع، والبصر والوجه، وقال جل ذكره: ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلتا يديه يمين» والله أعلم بصفاته، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم".

 

وقال أبو الحسن ابن الزاغوني (ت: 527) في كتابه الإيضاح في أصول الدين: فأما قولهم[أي: من ينفي صفة الوجه]: إذا ثبت أنها صفة إذا نُسبت إلى الحي ولم يعبر بها عن الذات، وجب أن تكون عضوا وجارحة ذات كمية وكيفية، فهذا لا يلزم من جهة أنّ ما ذكروه ثبت بالإضافة إلى الذات في حق الحيوان المحدث، لا من خصيصة صفة الوجه، ولكن من جهة نسبة الوجه إلى جملة الذات فيما ثبت للذات من الماهية المركبة بكمياتها وكيفياتها وصورها، وذلك أمر أدركناه بالحس من جملة الذات، فكانت الصفة مساوية للذات في موضعها بطريق أنها منها، ومنتسبة إليها نسبة الجزء إلى الكل.

 

فأما الوجه المضاف إلى الباري تعالى فإنا ننسبه إليه في نفسه نسبة الذات إليه، وقد ثبت أن الذات في حق الباري لا توصف بأنها جسم مركب من جملة الكمية وتتسلط عليه الكيفية ولا يعلم له ماهية، فالظاهر في صفته التي هي الوجه أنها كذلك لا يوصل لها إلى ماهية ولا يوقف لها على كيفية ولا تدخلها التجزئة المأخوذة من الكمية، لأن هذه إنما هي صفات الجواهر المركبة أجساما، والله يتنزه عن ذلك.

 

ولو جاز لقائل أن يقول ذلك في السمع والوجه والبصر وأمثال ذلك في صفات الذات لينتقل بذلك عن ظاهر الصفة منها إلى ما سواها بمثل هذه الأحوال الثابتة في المشاهدات، لكان في الحياة والعلم والقدرة أيضا كذلك، فإن العلم في الشاهد عرض قائم بقلب يثبت بطريق ضرورة أو اكتساب، وذلك غير لازم مثله في حق الباري لأنه مخالف للشاهد في الذاتية غير مشارك في إثبات ماهية ولا مشارك لها في كمية ولا كيفية، وهذا الكلام واضح جلي". بيان تلبيس الجهمية (1/ 37-38).

 

وقال أيضًا: "واليد المطلقة في لغة العرب وفي معارفهم وعاداتهم المراد بها إثبات صفة ذاتية للموصوف، لها خصائص فيما يقصد به، وهي حقيقة في ذلك، كما ثبت في معارفهم الصفة التي هي القدرة، والصفة التي هي العلم، كذلك سائر الصفات من الوجه والسمع والبصر والحياة وغير ذلك، وهذا هو الأصل في هذه الصفة وأنهم لا ينتقلون عن هذه الحقيقة إلى غيرها مما يقال على سبيل المجاز إلا بقرينة تدل على ذلك". بيان تلبيس الجهمية (1/ 40).

 

 

وقال أيضًا: "وإن قالوا: إن المحل الذي أضيفت إليه اليد وهو ذات الباري لا يصلح لإثبات اليد الحقيقة، فهذا محال من جهة أنا قد اتفقنا على أن ذات الباري تقبل إضافة الصفات الذاتية على سبيل الحقيقة كالوجود والذات والعلم والقدرة والإرادة وغير ذلك من صفات الإثبات". بيان تلبيس الجهمية (1/43).

 

وقال أبو القاسم التيمي الأصبهاني الملقب بقوام السنة (ت: 535) في الحجة في بيان المحجة (1/362): "إن جاز أن يقال إنه لم يتكلم بحرف وصوت، لأنه يؤدي إلى إثبات الأدوات، وجب أن لا يثبت له العلم، لأنه لا يوجد في الشاهد علم إلا علم ضرورة أو علم استدلال، وعلم الله يخرج عن هذين القسمين".

 

وقال أبو الفتح الشهرستاني (ت: 548) في الملل والنحل (1 / 92): "اعلم أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون الله تعالى صفات أزلية من العلم، والقدرة، والحياة، والإرادة والسمع، والبصر، والكلام، والجلال، والإكرام، والجود، والإنعام، والعزة، والعظمة، ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل، بل يسوقون الكلام سوقا واحدا، وكذلك يثبتون صفات خبرية مثل اليدين، والوجه ولا يؤولون ذلك إلا أنهم يقولون: هذه الصفات قد وردت في الشرع، فنسميها صفات خبرية".

 

وقال الإمام يحيى ابن أبي الخير العِمراني شيخ الشافعيين باليمن (ت: 558) في الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (2 / 568- 569):

"ويقال للأشعري: قد أقررتَ بأن لله سمعاً وبصراً وعلماً وقدرة وحياة وكلاماً لتنفي عنه ضد هذه الصفات، فلما كان السمع الذي أثبتّه لله هو السمع المعهود في لغة العرب، وهو إدراك المسموعات، وكذلك ضده المنفي عنه هو المعهود في كلام العرب وهو الصمم، وكذلك البصر الذي أثبتَّه لله هو المعهود في كلام العرب وهو إدراك المبصرات، والعلم هو إدراك المعلومات، وجب أن يكون الكلام لله هو الكلام المعهود في كلام العرب، وهو ما كان بحرف وصوت، كما أن ضده المنفي عنه وهو الخرس المعهود عندهم، فأما إثبات كلام لا يفهم ولا يعلم فمحال ولا يلزم على ما قلنا إذا أثبتنا لله كلاما بحرف وصوت أن يثبت له آلة الكلام، لأنه لا يتأتى الكلام بذلك إلا من له آلة الكلام، لأنا قد أثبتنا نحن والأشعري لله السمع والبصر والقدرة وإن لم نصفه بأن له آلة ذلك، وعلى أن الله سبحانه قد أخبر أن السموات والأرض ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ [فصلت: 11]، وأخبر أن جهنم تقول ﴿ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴾ [ق: 30]، وأخبر أن الجوارح تنطق يوم القيامة بالشهادة. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذراع المشوية أخبرته أنها مسمومة، وشيء من هذا كله لا يوصف بأن له آلة الكلام، فبطل قوله بذلك".

 

وقال موفق الدين ابن قدامة (ت: 620) في رسالة تحريم النظر في كتب الكلام (ص: 57): "طائفة المتكلمين والمبتدعة تمسكوا بنفي التشبيه توسلا إلى عيب أهل الآثار وإبطال الأخبار، وإلا فمن أي وجه حصل التشبيه، إن كان التشبيه حاصلا من المشاركة في الأسماء والألفاظ فقد شبهوا الله تعالى حيث أثبتوا له صفات من السمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة والحياة مع المشاركة في ألفاظها، ولله تسعة وتسعون اسما ليس فيها ما لا يسمى به غيره إلا اسم (الله) تعالى و(الرحمن)، وسائرها يسمى بها غيره سبحانه وتعالى، ولم يكن ذلك تشبيها ولا تجسيما".

 

وقال أيضًا في تحريم النظر في كتب الكلام (ص: 62-64): "أما قوله: إن الصوت اصطكاك في الهواء أو قرع في الهواء، فهذيان محض، ودعوى مجردة لا يشهد بصحتها خبر ولا معه فيها أثر ولا أقام به حجة ولا هو فيه على محجة...ثم نقول: بل الصوت هو ما يتأتى سماعه. وهذا هو الحد الصحيح الذي يشهد له العرف؛ فإن الصوت أبدا يوصف بالسماع، فتعلق السماع بالصوت كتعلق الرؤية بالمرئيات، ثم ثبت بالخبر الصحيح إضافة الصوت إلى الله تبارك وتعالى...

 

ثم لو ثبت أن الصوت في المشاهدات يكون من اصطكاك الأجرام فلِمَ يكون كذلك في صفات الله سبحانه وتعالى...

الثاني: أنكم رجعتم إلى التشبيه الذي نفيُه معتمدكم في ردّ كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وجعلتم الله تعالى مقيسا على عباده ومشابها لهم في صفاته وأسمائه. وهذا هو عين التشبيه فبعدا لكم.

 

الثالث: أنّ هذا باطل بسائر صفات الله تعالى [التي] سلمتموها من السمع والبصر والعلم والحياة، فإنها لا تكون في حقنا إلا من أدوات، فالسمع من انخراق، والبصر من حدقة، والعلم من قلب، والحياة في جسم. ثم جميع الصفات لا تكون إلا في جسم.

فإن قلتم: إنها في حق الباري كذلك فقد جسمتم وشبهتم وكفرتم. وإن قلتم: لا تفتقر إلى ذلك، فلِمَ احتيج إليها ههنا".

 

وقال عماد الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي الشافعي الصوفي، المعروف بابن شيخ الحزامية (ت: 711هـ) في النصيحة في صفات الرب جل وعلا (ص:22-24) [تحقيق: زهير الشاويش]: "والذي شرح الله صدري في حال هؤلاء الشيوخ الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء، والنزول بنزول الأمر، واليدين بالنعمتين والقدرتين، هو علمي بأنهم ما فهموا في صفات الرب تعالى إلا ما يليق بالمخلوقين، فما فهموا عن الله استواء يليق به ولا نزولاً يليق به، ولا يدين تليق بعظمته بلا تكييف ولا تشبيه، فلذلك حرفوا الكلام عن مواضعه وعطلوا ما وصف الله تعالى نفسه به.

 

ونذكر بيان ذلك إن شاء الله تعالى. لا ريب أنا نحن وإياهم متفقون على إثبات صفات الحياة والسمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة والكلام لله.


ونحن قطعا لا نعقل من الحياة إلا هذا العرض الذي يقوم بأجسامنا. وكذلك لا نعقل من السمع والبصر إلا أعراضا تقوم بجوارحنا.


فكما أنهم يقولون: حياته ليست بعرض، وعلمه كذلك، وبصره كذلك، هي صفات كما تليق به لا كما تليق بنا. فكذلك نقول نحن: حياته معلومة وليست مكيفة، وعلمه معلوم وليس مكيفا، وكذلك سمعه وبصره معلومان، ليس جميع ذلك أعراضا، بل هو كما يليق به.


ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله، ففوقيته معلومة أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر فإنهما معلومان ولا يكيفان. كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به، واستواؤه على عرشه معلوم غير مكيف بحركة أو انتقال يليق بالمخلوق، بل كما يليق بعظمته وجلال صفاته، معلومة من حيث الجملة والثبوت، غير معلومة من حيث التكييف والتحديد، فيكون المؤمن بها مبصرا بها من وجه، أعمى من وجه، مبصرا من حيث الإثبات والوجود، أعمى من حيث التكيف والتحديد.


وبهذا يحصل الجمع بين الإثبات لما وصف الله تعالى نفسه به، وبين نفي التحريف والتشبيه والوقوف، وذلك هو مراد الرب تعالى منا في إبراز صفاته لنا لنعرفه به ونؤمن بحقائقها وننفي عنها التشبيه ولا نعطلها بالتحريف والتأويل.


ولا فرق بين الاستواء والسمع، ولا بين النزول والبصر، الكل ورد به النص.

فإن قالوا لنا في الاستواء: شبّهتم؟ نقول لهم في السمع: شبهتم ووصفتم ربكم بالعرض.


فإن قالوا: لا عرض، بل كما يليق به. قلنا في الاستواء والفوقية: لا حصر، بل كما يليق به. فجميع ما يلزمونا به في الاستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والتعجب من التشبيه نلزمهم به في الحياة والسمع والبصر والعلم.


فكما لا يجعلونها هم أعراضا. كذلك نحن لا نجعلها جوارح ولا ما يوصف به المخلوق.

وليس من الإنصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيحتاجوا إلى التأويل والتحريف.

فإن فهموا في هذه الصفات ذلك فيلزمهم أن يفهموا في الصفات السبع صفات المخلوقين من الأعراض.


فما يلزمونا في تلك الصفات من التشبيه والجسمية، نلزمهم به في هذه الصفات من العرضية، وما ينزهوا ربهم به في الصفات السبع، وينفون عنه عوارض الجسم فيها، فكذلك نحن نعمل في تلك الصفات التي ينسبونا فيها إلى التشبيه سواء بسواء.


ومن أنصف عرف ما قلنا واعتقده وقَبِل نصيحتنا ودان لله بإثبات جميع صفاته هذه وتلك، ونفى عن جميعها التشبيه والتعطيل والتأويل والوقوف، وهذا مراد الله منا في ذلك؛ لأن هذه الصفات وتلك جاءت في موضع واحد، وهو الكتاب والسنة، فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل، وحرفنا هذه وأوّلناها كنا كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض".

 

وقال أيضًا (ص: 25-26): "وأما مسألة الصفات فتُساق مساق مسألة العلو، ولا نفهم منها ما نفهم من صفات المخلوقين، بل يوصف الرب تعالى بها كما يليق بجلاله وعظمته، فينزل كما يليق بجلاله وبعظمته، ويداه كما تليق بجلاله وعظمته، ووجهه الكريم كما يليق بجلاله وعظمته، فكيف ننكر الوجه الكريم ونحرّف وقد قال في دعائه «أسألك لذة النظر إلى وجهك»، وإذا ثبت صفة الوجه بهذا الحديث وبغيره من الآيات والنصوص، فكذلك صفة اليدين والضحك والتعجب، ولا يفهم من جميع ذلك إلا ما يليق بالله عز وجل وبعظمته لا ما يليق بالمخلوقات من الأعضاء والجوارح، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

 

فإذا ثبت هذا الحكم في الوجه، فكذلك في اليدين والقبضتين والقدم والضحك والتعجب، كل ذلك كما يليق بجلال الله تعالى وعظمته، فيحصل بذلك إثبات ما وصف الله تعالى نفسه به في كتابه وفي سنة رسوله، ويحصل أيضا نفي التشبيه والتكييف في صفاته، ويحصل أيضا ترك التأويل والتحريف المؤدي إلى التعطيل، ويحصل أيضا بذلك عدم الوقوف بإثبات الصفات وحقائقها على ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته لا على ما نعقله نحن من صفات المخلوقين".

 

وقال العلامة سليمان الطوفي (ت: 716) في قواعد وجوب الاستقامة والاعتدالكما في أقاويل الثقات لمرعي الكرمي (ص: 201): "قال أبو الطيب: حضرت عند أبي جعفر الترمذي وهو من كبار فقهاء الشافعية، وأثنى عليه الدارقطني وغيره، فسأله سائل عن حديث «إن الله ينزل إلى سماء الدنيا» وقال له: فالنزول كيف يكون؟ يبقى فوقه علو؟


فقال أبو جعفر الترمذي: النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فقد قال في النزول كما قال مالك في الاستواء، وهكذا القول في سائر الصفات".

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728) في الرسالة التدمرية (1/31-35): "القول في بعض الصفات كالقول في بعض.

فإن كان المخاطَب ممن يقر بأن الله حي بحياة، عليم بعلم، قدير بقدرة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام، مريد بإرادة، ويجعل ذلك كله حقيقة وينازع في محبته ورضاه وغضبه وكراهته، فيجعل ذلك مجازا ويفسره إما بالإرادة وإما ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات، فيقال له: لا فرق بين ما نفيتَه وبين ما أثبتَّه، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر.


فإن قلتَ: إن إرادته مثل إرادة المخلوقين، فكذلك محبته ورضاه وغضبه، وهذا هو التمثيل.

وإن قلت: إن له إرادة تليق به، كما أن للمخلوق إرادة تليق به. قيل لك: وكذلك له محبة تليق به، وللمخلوق محبة تليق به، وله رضا وغضب يليق به، وللمخلوق رضا وغضب يليق به.


وإن قلت: الغضبُ غليان دم القلب لطلب الانتقام. فيقال لك: والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة.

فإن قلت: هذه إرادة المخلوق. قيل لك: وهذا غضب المخلوق.


وكذلك يلزم القول في كلامه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته، إن نفى عنه الغضب والمحبة والرضا ونحو ذلك مما هو من خصائص المخلوقين، فهذا منتف عن السمع والبصر والكلام وجميع الصفات.


وإن قال: إنه لا حقيقة لهذا إلا ما يختص بالمخلوقين فيجب نفيه عنه. قيل له: وهكذا السمع والبصر والكلام والعلم والقدرة.


فهذا المفرّق بين بعض الصفات وبعض، يقال له فيما نفاه كما يقوله هو لمنازعه فيما أثبته، فإذا قال المعتزلي: ليس له إرادة ولا كلام قائم به، لأنّ هذه الصفات لا تقوم إلا بالمخلوقات، فإنه يبين للمعتزلي أن هذه الصفات يتصف بها القديم، ولا تكون كصفات المحدثات، فهكذا يقول له المثبتون لسائر الصفات من المحبة والرضا، ونحو ذلك.


فإن قال: تلك الصفات أثبتها بالعقل، لأن الفعل الحادث دل على القدرة، والتخصيص دل على الإرادة، والإحكام دل على العلم، وهذه الصفات مستلزمة للحياة، والحي لا يخلو عن السمع والبصر والكلام أو ضد ذلك.

 

قال له سائر أهل الإثبات: لك جوابان:

أحدهما: أن يقال: عدم الدليل المعيَّن لا يستلزم عدم المدلول المعيَّن، فهب أن ما سلكته من الدليل العقلي لا يُثبت ذلك فإنه لا ينفيه، وليس لك أن تنفيه بغير دليل، لأن النافي عليه الدليل، كما على المثبت. والسمع قد دل عليه، ولم يعارض ذلك معارض عقلي ولا سمعي، فيجب إثبات ما أثبته الدليل السالمُ عن المعارِض المقاوم.

 

الثاني: أن يقال: يمكن إثبات هذه الصفات بنظير ما أثبتَّ به تلك من العقليات، فيقال: نفع العباد بالإحسان إليهم يدل على الرحمة، كدلالة التخصيص على المشيئة، وإكرام الطائعين يدل على محبتهم، وعقاب الكفار يدل على بغضهم، كما قد ثبت بالشاهد والخبر من إكرام أوليائه وعقاب أعدائه، والغايات المحمودة في مفعولاته ومأموراته - وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة - تدل على حكمته البالغة كما يدل التخصيص على المشيئة وأَوْلَى، لقوة العلة الغائية، ولهذا كان ما في القرآن من بيان ما في مخلوقاته من النعم والحكم أعظم مما في القرآن من بيان ما فيها من الدلالة على محض المشيئة".

 

وقال في مجموع الفتاوى (5/ 199): "فمن ظن أن قول الأئمة: إن الله مستو على عرشه حقيقة يقتضي أن يكون استواؤه مثل استواء العبد على الفلك والأنعام، لزمه أن يكون قولهم: إن الله له علم حقيقة وسمع حقيقة وبصر حقيقة وكلام حقيقة يقتضي أن يكون علمه وسمعه وبصره وكلامه مثل المخلوقين وسمعهم وبصرهم وكلامهم".

 

وقال كما في شرح حديث النزول (ص: 24): "ومثال ذلك: أنه إذا قال: النزول والاستواء ونحو ذلك من صفات الأجسام، فإنه لا يُعقل النزول والاستواء إلا لجسم مركب، واللّه سبحانه منزه عن هذه اللوازم، فيلزم تنزيهه عن الملزوم.


أو قال: هذه حادثة، والحوادث لا تقوم إلا بجسم مركب.

وكذلك إذا قال: الرضا والغضب والفرح والمحبة ونحو ذلك هو من صفات الأجسام.


فإنه يقال له: وكذلك الإرادة، والسمع، والبصر، والعلم، والقدرة من صفات الأجسام، فإنا كما لا نعقل ما ينزل ويستوي ويغضب ويرضى إلا جسم، لم نعقل ما يسمع ويبصر ويريد ويعلم ويقدر إلا جسمًا.


فإذا قيل: سمعه ليس كسمعنا، وبصره ليس كبصرنا، وإرادته ليست كإرادتنا، وكذلك علمه وقدرته.

قيل له: وكذلك رضاه ليس كرضانا، وغضبه ليس كغضبنا، وفرحه ليس كفرحنا، ونزوله واستواؤه ليس كنزولنا واستوائنا.


فإذا قال: لا يعقل في الشاهد غضب إلا غليان دم القلب لطلب الانتقام، ولا يُعقل نزول إلا الانتقال، والانتقال يقتضى تفريغ حيز وشغل آخر، فلو كان ينزل لم يبق فوق العرش رب.


قيل: ولا يُعقل في الشاهد إرادة إلا ميل القلب إلى جلب ما يحتاج إليه وينفعه، ويفتقر فيه إلى ما سواه ودفع ما يضره، واللّه سبحانه وتعالى كما أخبر عن نفسه المقدسة في حديثه الإلهي: «يا عبادي، إنكم لن تبلغوا نَفْعِي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضُرِّي فتضروني» فهو منزه عن الإرادة التي لا يعقل في الشاهد إلا هي.


وكذلك السمع لا يعقل في الشاهد إلا بدخول صوت في الصّمَاخ، وذلك لا يكون إلا في أجوف، والله سبحانه أحد صمد منزه عن مثل ذلك.

بل وكذلك البصر والكلام لا يعقل في الشاهد إلا في محل أجوف، والله سبحانه أحد صمد منزه عن ذلك".

 

وقال في شرح حديث النزول (ص: 23-24): "فمن نفي النزول والاستواء، أو الرضى والغضب، أو العلم والقدرة، أو اسم العليم أو القدير، أو اسم الموجود، فرارًا بزعمه من تشبيه وتركيب وتجسيم، فإنه يلزمه فيما أثبته نظير ما ألزمه لغيره فيما نفاه هو وأثبت المثبت.


فكل ما يستدل به على نفي النزول والاستواء والرضى والغضب، يمكن منازعه أن يستدل بنظيره على نفي الإرادة والسمع والبصر والقدرة والعلم.


وكل ما يستدل به على نفي القدرة والعلم والسمع والبصر، يمكن منازعه أن يستدل بنظيره على نفي العليم والقدير والسميع والبصير.


وكل ما يستدل به على نفي هذه الأسماء، يمكن منازعه أن يستدل به على نفي الموجود والواجب، ومن المعلوم بالضرورة أنه لا بد من موجود قديم واجب بنفسه يمتنع عليه العدم، فإن الموجود إما ممكن ومحدث، وإما واجب وقديم. والممكن المحدث لا يوجد إلا بواجب قديم، فإذا كان ما يستدل به على نفي الصفات الثابتة يستلزم نفي الموجود الواجب القديم، ونفي ذلك يستلزم نفي الموجود مطلقًا، علم أن من عطل شيئًا من الصفات الثابتة بمثل هذا الدليل كان قوله مستلزمًا تعطيل الموجود المشهود".

 

وقال في العقيدة الأصفهانية (ص: 26): "ومنهم من جعل حبه ورحمته هي إرادته ونفى أن تكون له صفات هي الحب والرضا والرحمة والغضب غير الإرادة.


فيقال لهذا القائل: لِم أثبت له إرادة وإنه مريد حقيقة، ونفيت حقيقة الحب والرحمة ونحو ذلك؟


فإن قال: لأنّ إثبات هذا تشبيه، لأن الرحمة رقة تلحق المخلوق والرب ينزه عن مثل صفات المخلوقين. قيل له: وكذلك يقول من ينازع في الإرادة أن الإرادة المعروفة ميل الإنسان إلى ما ينفعه وما يضره، والله تعالى منزه عن أن يحتاج إلى عباده، وهم لا يبلغون ضره ولا نفعه، بل هو الغني عن خلقه كلهم.


فإن قلت: الإرادة التي نثبتها لله ليست مثل إرادة المخلوق، كما أنا قد اتفقنا وسائر المسلمين على أنه حي عليم قدير، وليس هو مثل سائر الأحياء العلماء القادرين.


قال لك أهل الإثبات: وكذلك الرحمة والمحبة التي نثبتها لله ليست مثل رحمة المخلوق ومحبة المخلوق.

فإن قلت: لا أعقل من الرحمة والمحبة إلا هذا، قال لك النفاة: ونحن لا نعقل من الإرادة إلا هذا.


ومعلوم عند كل عاقل أن إرادتنا ومحبتنا ورحمتنا بالنسبة إلينا، كإرادته ورحمته ومحبته بالنسبة إليه، فلا يجوز التفريق بين المتماثلين، فيثبت له إحدى الصفتين وتنفى الأخرى، وليس في العقل ولا في السمع ما يوجب التفريق، إذ أكثر ما يقال: إني أثبت الإرادة بالعقل؛ لأن وجود التخصيص في المخلوقات دل على الإرادات.


فيقال لك: انتفاء الدليل المعين لا يقتضي انتفاء المدلول، فهب أن مثل هذا الدليل لا يثبت في الرحمة والمحبة، فمن أين نفيت ذلك. ثم يقال: بل السمع أثبت ذلك أيضا.


وقد يسلك في إثبات ذلك نظير الطريق العقلي الذي أثبت به الإرادة فيقال: ما في المخلوقات من وجود المنافع للمحتاجين وكشف الضر عن المضرورين والإحسان إلى المخلوقات وأنواع الرزق والهدى والمسرات هو دليل على رحمة الخالق سبحانه".

 

وقال في الرسالة التدمرية (1/76-78): "وإن كان القائل يعتقد أن ظاهر النصوص المتنازع في معناها من جنس ظاهر النصوص المتفق على معناها، والظاهر هو المراد في الجميع، فإن الله لما أخبر أنه بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير، واتفق أهل السنة وأئمة المسلمين على أن هذا على ظاهره، وأن ظاهر ذلك مراد، كان من المعلوم أنهم لم يريدوا بهذا الظاهر أن يكون علمه كعلمنا، وقدرته كقدرتنا، وكذلك لما اتفقوا على أنه حي حقيقة، عالم حقيقة، قادر حقيقة، لم يكن مرادهم أنه مثل المخلوق الذي هو حي عليم قدير.


فكذلك إذا قالوا في قوله تعالى: ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54] ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [المائدة: 119] وقوله: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: 54] أنه على ظاهره، لم يقتض ذلك أن يكون ظاهره استواء كاستواء المخلوق، ولا حبًا كحبه، ولا رضًا كرضاه،.


فإن كان المستمع يظن أن ظاهر الصفات تماثل صفات المخلوقين، لزمه أن لا يكون شيء من ظاهر ذلك مرادًا، وإن كان يعتقد أن ظاهرها ما يليق بالخالق ويختص به لم يكن له نفي هذا الظاهر ونفْي أن يكون مرادا إلا بدليل يدل على النفي، وليس في العقل ولا السمع ما ينفي هذا إلا من جنس ما ينفي به سائر الصفات، فيكون الكلام في الجميع واحدا.


وبيان هذا أن صفاتنا منها ما هي أعيان وأجسام وهي أبعاض لنا كالوجه واليد، ومنها ما هو معان وأعراض وهي قائمة بنا، كالسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة.


ثم إن من المعلوم أن الرب لما وصف نفسه بأنه حي عليم قدير لم يقل المسلمون: إن ظاهر هذا غير مراد لأن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا، فكذلك لما وصف نفسه بأنه خلق آدم بيديه، لم يوجب ذلك أن يكون ظاهره غير مراد لأن مفهوم ذلك في حقه كمفهومه في حقنا، بل صفة الموصوف تناسبه، فإذا كانت نفسه المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين، فصفاته كذاته ليست كصفات المخلوقين، ونسبة صفة المخلوق إليه كنسبة صفة الخالق إليه، وليس المنسوب كالمنسوب ولا المنسوب إليه كالمنسوب إليه، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر» فشبه الرؤية بالرؤية، ولم يشبّه المرئي بالمرئي".

 

وقال كما في الفتاوى الكبرى (6 / 624-625): "الوجه الرابع عشر: أن يقال له: هؤلاء الذين سميتَهم أهل الحق وجعلتهم قاموا من تحقيق أصول الدين بما لم يقم به الصحابة هم متناقضون في الشرعيات والعقليات، أما الشرعيات فإنهم تارة يتأولون نصوص الكتاب والسنة، وتارة يبطلون التأويل، فإذا ناظروا الفلاسفة والمعتزلة الذين يتأولون نصوص الصفات مطلقا ردّوا عليهم وأثبتوا لله الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر ونحو ذلك من الصفات.

 

وإذا نظروا من يثبت صفات أخرى دل عليها الكتاب والسنة كالمحبة والرضاء والغضب والمقت والفرح والضحك ونحو ذلك تأولوها، وليس لهم فرق مضبوط بين ما يتأول وما لا يتأول، بل منهم ما يحيل على العقل، ومنهم ما يحيل على الكشف، فأكثر متكلميهم يقولون: ما عُلم ثبوته بالعقل لا يتأول، وما لم يعلم ثبوته بالعقل يتأول.

 

ومنهم من يقول: ما علم ثبوته بالكشف والنور الإلهي لا يتأول، وما لم يعلم ثبوته بذلك يتأول.

 

وكلا الطريقين ضلال وخطأ من وجوه:

أحدها: أن يقال: عدم الدليل ليس دليل العدم؛ فإن عدم العلم بالشيء بعقل أو كشف [لا] يقتضي أن يكون معدوما، فمن أين لكم ما دلت عليه النصوص أو الظواهر ولم تعلموا انتفاءه أنه منتف في نفس الأمر؟

 

الوجه الثاني: إن هذا في الحقيقة عزل للرسول واستغناء عنه وجعله بمنزلة شيخ من شيوخ المتكلمين أو الصوفية، فإن المتكلم مع المتكلم والمتصوف مع المتصوف يوافقه فيما علمه بنظره أو كشفه دون ما لم يعلمه بنظره أو كشفه، بل ما ذكروه فيه تنقيص للرسول عن درجة المتكلم والمتصوف، فإن المتكلم والمتصوف إذا قال نظيره شيئا ولم يعلم ثبوته ولا انتفاءه لا نثبته ولا ننفيه، وهؤلاء ينفون معاني النصوص ويتأولونها وإن لم يعلموا انتفاء مقتضاها، ومعلوم أن من جعل الرسول بمنزلة واحد من هؤلاء كان في قوله من الإلحاد والزندقة ما الله به عليم، فكيف بمن جعله في الحقيقة دون هؤلاء! وإن كانوا هم لا يعلمون أن هذا لازم قولهم، فنحن ذكرنا أنه لازم لهم، لتبين فساد الأصول التي لهم، وإلا فنحن نعلم أن من كان منهم ومن غيرهم مؤمنا بالله وبرسوله لا ينزل الرسول هذه المنزلة.

 

الوجه الثالث: أن يقال ما نفيتموه من الصفات وتأولتموه من يقال في ثبوته من العقل والكشف نظير ما قلتموه فيما أثبتموه وزيادة وقد بسطت هذا في غير هذا الموضع وبينت أن الأدلة سمعا وعقلا على ثبوت رحمته ومحبته ورضاه وغضبه ليست بأضعف من الأدلة على إرادته، بل لعلها أقوى منها، فمن تأول نصوص المحبة والرضا والرحمة وأقر نصوص الإرادة كان متناقضا.


الوجه الرابع: إن ما ذكرتموه هو نظير قول المتفلسفة والمعتزلة فإنهم يقولون تأولنا ما تأولناه لدلالة أدلة العقول على نفي مقتضاه، وكل ما يجيبونهم به يجيبكم أهل الإثبات من أهل الحديث والسنة به.

 

الوجه الخامس: إن أهل الإثبات لهم من العقل الصريح والكشف الصحيح ما يوافق ما جاءت به النصوص، فهم مع موافقة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة يعارضون بعقلهم عقل النفاة وبكشفهم كشف النفاة، لكن عقلهم وكشفهم هو الصحيح، ولهذا تجدهم ثابتين فيه، وهم في مزيد علم وهدى كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17]، وأولئك تجدهم في مزيد حيرة وضلال، وآخر أمرهم ينتهي إلى الحيرة ويعظمون الحيرة، فإن آخر معقولهم الذي جعلوه ميزانا يزنون به الكتاب والسنة يوجب الحيرة، حتى يجعلوا الرب موجودا معدوما ثابتا منفيا، فيصفونه بصفة الإثبات وبصفة العدم، والتحقيق عندهم جانب النفي بأنهم يصفونه بصفات المعدوم والموات، وآخر كشفهم وذوقهم وشهودهم الحيرة، وهؤلاء لا بد لهم من إثبات فيجعلونه حالا في المخلوقات أو يجعلون وجوده وجود المخلوقات، فآخر نظر الجهمية وعقلهم أنهم لا يعبدون شيئا، وآخر كشفهم وعقلهم أنهم يعبدون كل شيء، وأضل البشر من جعل مثل هذا الكشف ميزانا يزن به الكتاب والسنة".

 

وقال الحافظ الذهبي (ت: 748) في رسالته إثبات صفة اليد (ص: 42-44) [ضمن مجموع رسائل بتحقيق: عبد الله البراك] بعد ذكره للآيات والأحاديث والآثار: "فإن قيل: لا تكون اليد حقيقة إلا جارحة وجسما.


قيل: فما تقولون في يدي الله تعالى؟

فإن قالوا: نقول: بمعنى القدرة.

قيل: فالقدرة لا تكون [إلا] عرضا، ولا تُعقل إلا عرضًا.

فإن قالوا: إنما تكون عرضًا فينا.

قلنا: إنما تكون جارحة فينا...


ولِمَ قلتم أيضًا: إن اليد إنما تكون حقيقة هذه الجارحة، بل إنما اليد لفظ مشترك، وهي بحسب ما تضاف إليه ومن جنس ما توصف بها، فإن كان الموصوف بها حيواناً كانت جارحة، وإن كان تمثالاً من صفراء وحجر كانت صفراء وحجر، وإن كان تمثالاً عرضاً في حائط كانت عرضاً في حائط، وإن كان ليس كمثله شيء وليس بجسم كانت ليس كمثلها شيء وليست بجسم.

 

فإن قلت مثلاً: عندي صنم من نحاس له يدان ورجلان، هل بقي يفهم أن يديه ورجليه جوارح من لحم ودم؟!

وإذا قلتَ: عندي نحت من خشب له رجلان هل يسبق إلى الذهن إنهما جارحتان أيضًا؟!

وإذا قلتَ: ما أجسر يد زيد على الكتابة هل الظاهر من هذا الكلام أن يديه غير جارحتين؟

 

أم هل إذا قلت: إن الله عز وجل ليس كمثله شيء وليس بجسم ولا عرض وخلق آدم بيده، هل يفهم ذو لب أن يديه الكريمتين جسم أو عرض أو جارحة أو شبهها شيء؟!

 

وكذلك إذا قلت: قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الله، وإن الله ليس بأعور، أو حتى يضع رب العزة فيها قدمه يعني جهنم، أوعجب ربنا من شاب ليس له صبوة فكما أنه سبحانه وتعالى لا يُتصور في الذهن، ولا يمثل في العقل، فكذلك يداه وسائر صفاته لا تصور في الذهن، ولا تمثل في العقل.


وإذا كان كذلك فصفة كل شيء بحسبه، فإن سبق إلى ذهننا كيفية الموصوف وتصوّرناه تصورنا صفاته، وإن لم يسبق إلى ذهننا ولم نتصوره لم يسبق إلى ذهننا فننفيه ولم نتصوره، هذا لا شك فيه.

 

فإن قيل: قد صار العرف أنّ اليد هي الجارحة المعهودة.

قلنا: وكذلك قد صار العرف أنّ العلم والسمع والبصر أعراضٌ قائمةٌ بأجسام، فما الفرق؟".

 

وقال أيضًا في كتاب الأربعين في صفات رب العالمين (ص: 104): "ليس يلزم من إثبات صفاته شيء من إثبات التشبيه والتجسيم، فإن التشبيه إنما يقال: يد كيدنا، وأما إذا قيل: يد لا تشبه الأيدي - كما أن ذاته لا تشبه الذوات، وسمعه لا يشبه الأسماع، وبصره لا يشبه الأبصار، ولا فرق بين الجميع - فإن ذلك تنزيه".

 

وقال الحافظ ابن القيم كما في مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: 31-32): "وقالت طائفة أخرى: ما لم يكن ظاهره جوارح وأبعاضا، كالعلم والحياة والقدرة والإرادة والكلام لا يتأول، وما كان ظاهره جوارح وأبعاضا كالوجه واليدين والقدم فإنه يتعين تأويله لاستلزام إثباته التركيب والتجسيم.

 

قال المثبتون: جوابنا لكم هو عين الذي تجيبون به خصومكم من الجهمية والمعتزلة نفاة الصفات، فهم قالوا لكم: لو قام به سبحانه صفة وجودية كالسمع والبصر والعلم والقدرة والحياة لكان محلا للأعراض ولزم التركيب والتجسيم والانقسام، كما قلتم: لو كان له وجه ويد وإصبع لزم التركيب والانقسام. وحينئذ فما هو جوابكم لهؤلاء نجيبكم به.

 

فإن قلتم: نحن نثبت هذه الصفات على وجه لا تكون أعراضا ولا نسميها أعراضا، فلا يستلزم تركيبا ولا تجسيما.

قيل لكم: ونحن نثبت الصفات التي أثبتها الله لنفسه ونفيتموها أنتم عنه على وجه لا يستلزم الأبعاض والجوارح، ولا يُسمى المتصف بها مركبا ولا جسما ولا منقسما.


فإن قلتم: هذا لا يعقل منها إلا الأجزاء والأبعاض، قلنا لكم: وتلك لا يعقل منها إلا الأعراض.

فإن قلتم: العرض لا يبقى زمانين، وصفات الرب تعالى باقية دائما أبدية فليست أعراضا.

 

قلنا: وكذلك الأبعاض هي ما جاز مفارقتها وانفصالها، وذلك في حق الرب تعالى محال، فليست أبعاضا ولا جوارح، فمفارقة الصفات الإلهية للموصوف بها مستحيل مطلقا في النوعين، والمخلوق يجوز أن تفارقه أبعاضه وأعراضه.

فإن قلتم: إن كان الوجه عين اليد وعين الساق والإصبع فهو محال، وإن كان غيره يلزم التميز ويلزم التركيب.

 

قلنا لكم: وإن كان السمع هو عين البصر وهما نفس العلم وهي نفس الحياة والقدرة فهو محال، وإن تميز لزم التركيب، فما هو جوابكم؟ فالجواب مشترك.

فإن قلتم: نحن نعقل صفات ليست أعراضا تقوم بغير جسم متحيز وإن لم يكن لها نظير في الشاهد.

 

قلنا لكم: فاعقلوا صفات ليس بأبعاض تقوم بغير جسم وإن لم يكن له في الشاهد نظير. ونحن لا ننكر الفرق بين النوعين في الجملة، ولكن فرق غير نافع لكم في التفريق بين النوعين وإن أحدهما يستلزم التجسيم والتركيب والآخر لا يستلزمه.

ولما أخذ هذا الإلزام بخناق الجهمية قالوا: الباب كله عندنا واحد ونحن ننفي الجميع.

 

فتبين أنه لا بد لكم من واحد من أمرين: إما هذا النفي والتعطيل، وإما أن تصفوا الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله وتتبعوا في ذلك سبيل السلف الذين هم أعلم الأمة بهذا الشأن نفيا وإثباتا، وأشد تعظيما لله وتنزيها له عما لا يليق بجلاله، فإن المعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات فيكون ردها من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ولا يترك تدبرها ومعرفتها فيكون ذلك مشابهة للذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، بل هي آيات بينات دالة على أشرف المعاني وأجلها، قائمة حقائقها في صدور الذين أوتوا العلم والإيمان، إثباتا بلا تشبيه، وتنزيها بلا تعطيل، كما قامت حقائق سائر صفات الكمال في قلوبهم كذلك، فكان الباب عندهم بابا واحدا، وعلموا أن الصفات حكمها حكم الذات، فكما ذاته لا تشبه الذوات فكذا صفاته لا تشبه الصفات".

 

وقال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير (ت: 840) في إيثار الحق على الخلق (ص: 127-128):

"وَمَا الْمَانِع للْمُسلمِ من إثباتها [أي: صفة الرحمة] صفة حمد ومدح وثناء كَمَا علمنَا رَبُّنَا مَعَ نفي صِفَات النَّقْص الْمُتَعَلّقَة برحمة المخلوقين عَنهُ تَعَالَى، كَمَا أثبتنا لَهُ اسْم الْحَيّ الْعَلِيم الْخَبِير المريد مَعَ نفي نقائص المخلوقين فِي حياتهم المستمرة لجَوَاز التألم بأنواع الآلام ثمّ للْمَوْت الَّذِي لا بد مِنْهُ لجَمِيع الاحياء من الأنام، وَكَذَلِكَ ينزه سُبْحَانَهُ عَمَّا فِي علمهمْ النَّاقِص بِدُخُول الْكسْب وَالنَّظَر فِي مباديه وَالِاسْتِدْلَال والاضطرار فِي منتهاه الَّذِي يسْتَلْزم الجسمية وَالْبَيِّنَة الْمَخْصُوصَة والحدوث ويعرض لَهُ التَّغَيُّر وَالنِّسْيَان وَالْخَطَأ والشغل بِبَعْض المعلومات عَن بعض، وَكَذَلِكَ تنزه إرادته عَمَّا فِي إرادتنا من استلزام الْحَاجة إِلَى جلب الْمَنَافِع وَدفع المضار وَنَحْو ذَلِك، وَكَذَلِكَ كل صفة يُوصف بهَا الرب سُبْحَانَهُ ويوصف بهَا العَبْد، وأن الرب يُوصف بهَا على أتم الْوَصْف مُجَرّدَة عَن جَمِيع النقائص، وَالْعَبْد يُوصف بهَا محفوفة بِالنَّقْصِ، وَبِهَذَا فسر أهل السّنة نفي التَّشْبِيه وَلم يفسروه بِنَفْي الصِّفَات وتعطيلها كَمَا صنعت الباطنية الْمَلَاحِدَة".

 

وقال أيضًا في إيثار الحق على الخلق (ص: 129-130): "وَكَذَلِكَ محبَّة الله تَعَالَى لأنبيائه وأوليائه الَّتِي هِيَ أعظم فضل الله الْعَظِيم عَلَيْهِم وأشرف مَا يرجونه من مواهبه الْعِظَام، وَقد نَص الله تَعَالَى على ذَلِك فِي غير آيَة من كِتَابه الْكَرِيم كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54] وَقَوله تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146] وَكَذَلِكَ كَون الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين، وأكبر من ذَلِك أَن الله تَعَالَى اتخذ إبراهيم صلى الله عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا وَسلم خَلِيلًا بِالنَّصِّ القرآني، وَاتخذ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلِيلًا بِالنَّصِّ النَّبَوِيّ، والخلة فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة أرفع مَرَاتِب الْمحبَّة.

 

وَلم تزل هَذِه النُّصُوص مقررة مُجَللَة معتقدة مَعَ تَنْزِيه الله تَعَالَى من نقائصها، مثل تنزيهه من نقائص علم المخلوقين وإرادتهم فِي الْعَلِيم المريد وَغَيرهمَا، حَتَّى فَشَتْ الْبِدْعَة وَاجْتمعت كلمة الْمُعْتَزلَة والأشعرية على تقبيح نِسْبَة الرَّحْمَة والحلم والمحبة والخلة إِلَى الله تَعَالَى إِلَّا بِتَأْوِيل مُوجب لنفي هَذِه الْأَشْيَاء عَن الله بِغَيْر قرينَة، وَمُوجب تَحْرِيم اطلاقها إِلَّا مَعَ الْقَرِينَة، فَيجوز عِنْدهم أَن تَقول إِن الله غير رَحِيم وَلَا رَحْمَن وَلَا حَلِيم وَلَا يحب الْمُؤمنِينَ وَلَا الصابرين وَلَا المتطهرين وَلَا اتخذ ابراهيم خَلِيلًا بِغَيْر قرينَة وَلَا تَأْوِيل، كَمَا يجوز أَن تَقول فِي الْجِدَار إنه لَيْسَ بمريد، وَلَا يجوز ذَلِك الإثبات إِلَّا بالتأويل والقرينة الدَّالَّة عَلَيْهِ.

 

وَالْمُسلم بالفطرة يُنكر هَذِه الْبدع، وبالرسوخ فِي علم الحَدِيث يعلم بِالضَّرُورَةِ حدوثها، وَأَن عصر النُّبُوَّة وَالصَّحَابَة بَرِيء مِنْهَا، مثل مَا يعلم أَن الْمُعْتَزلَة أبرياء من مَذْهَب الأشعرية، وَأَن الأشعرية أبرياء من مَذْهَب الْمُعْتَزلَة، وَأَن النُّحَاة أبرياء من مَذْهَب الشعوبية وأمثال ذَلِك فَيجب تَقْرِير ذَلِك وَأَمْثَاله مِمَّا وصف الله تَعَالَى بِهِ ذَاته الْكَرِيمَة على جِهَة التمدح وَالْحَمْد وَالثنَاء".

 

وقال تقي الدين المقريزي (ت: 845) في المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (4 / 188): "اعلم أن الله تعالى لما بعث من العرب نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسولا إلى الناس جميعا، وصف لهم ربهم سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه الكريمة في كتابه العزيز الذي نزل به على قلبه صلّى الله عليه وسلّم الروح الأمين وبما أوحى إليه ربه تعالى، فلم يسأله صلّى الله عليه وسلّم أحد من العرب بأسرهم، قرويهم وبدويهم عن معنى شيء من ذلك، كما كانوا يسألونه صلّى الله عليه وسلّم عن أمر الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك مما لله فيه سبحانه أمر ونهي، وكما سألوه صلّى الله عليه وسلّم عن أحوال القيامة والجنة والنار، إذ لو سأله إنسان منهم عن شيء من الصفات الإلهية لنقل كما نقلت الأحاديث الواردة عنه صلّى الله عليه وسلّم في أحكام الحلال والحرام، وفي الترغيب والترهيب، وأحوال القيامة والملاحم والفتن، ونحو ذلك مما تضمنته كتب الحديث، معاجمها ومسانيدها وجوامعها، ومن أمعن النظر في دواوين الحديث النبويّ، ووقف على الآثار السلفية، علم أنه لم يرد قط من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، وعلى اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم، أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن معنى شيء مما وصف الربّ، سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم، وعلى لسان نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم، بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات، نعم ولا فرّقَ أحد منهم بين كونها صفة ذات أو صفة فعل، وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام والجلال والإكرام والجود والإنعام والعز والعظمة، وساقوا الكلام سوقا واحدا.


وهكذا أثبتوا رضي الله عنهم ما أطلقه الله سبحانه على نفسه الكريمة من الوجه واليد ونحو ذلك، مع نفي مماثلة المخلوقين، فأثبتوا رضي الله عنهم بلا تشبيه، ونزهوا من غير تعطيل، ولم يتعرّض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا، ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت".

 

وقال العلامة صالح بن مهدي المقبلي (ت: 1108) في العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ (ص:222- 223): "كما أنّ المتكلمين خاطروا في النظر في ماهية الصفات في حق الله تعالى، وتكلفوا ما لا يعنيهم من عدم الاقتصار على المدلول اللغوي العربي الذي يحمل عليه كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنهم قد اقتحموا أطمَّ من ذلك، وسلكوا أصعب المسالك، واقتصروا على إثبات قليل من الصفات، كقادر وعالم ونحوهما، ونفوا سائر الصفات وجعلوها مجازات كصفة الرضا والغضب والمحبة والرحمة والحلم، وغير ذلك مما وصف به تعالى نفسه، وكرّر التمدح به، ومما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم...


وقالوا في رحيم – مثلاً: يلزم رقة القلب، كقول بعض المعتزلة: يلزم من إثبات كونه سميعاً الصماخ، ومن إثبات كونه بصيراً الحدقة حتى رجعوا بمدلولهما إلى العلم مع كثرة تمدّحه تعالى بهما في كتابه العزيز، وقد اتفقت كلمة الجمهور على سقوطه.


والسبب في ذلك كله مجاوزة الحد، وتعاطي ما ليس لهم من النظر في ماهية الصفات، وإلا فالسامع مثلاً من أدرك الصوت، والمبصر من أدرك الأجسام والألوان مثلاً، والراحم من له الحالة التي من اتصف بها كان من شأنه أن يفعل أفعالاً مخصوصة، ونحو ذلك، ورقّةُ القلب والحدقة والصماخ من عوارض المحل فينا، ولذا يفهم معناها من لا يخطر بباله هذه العوارض.


وقد اكتفى السلف الصالح بالمدلول اللغوي وجروا في أسمائه تعالى عليه، ولم يخطر لهم ببال استحالته.

وعلى الجملة فلا مانع من الحقيقة عقلاً ولا شرعاً إلا الخيال المذكور، وسببه النظر فيما لا يعني، فنشأ عنه هذا الخيال، وترتب على ذلك الدعوى على الواضع أن تلك العوارض جزء ماهية مفهوم هذه الصفات، والفلاسفة يصفون الله تعالى بالعلم وغيره من الصفات لفظاً ويعطلون معناها عند تفسيرها".

 

وقال العلامة محمد السفاريني الحنبلي (ت: 1188) في لوامع الأنوار البهية (1/ 100-101): "ومن الناس من يجعل رحمة الله وحبّه تعالى عبارة عما يخلقه من النعمة، وهذا ظاهر البطلان.


فإن قيل: إن إثبات هذا تشبيه; لأن الرحمة رقة تلحق المخلوق، والرب منزه عن مثل صفات المخلوقين، فالجواب: إنّ الذي يلزم من هذه الصفات يلزم من غيرها، فإن الإرادة في حق المخلوق ميله إلى ما ينفعه، ودفع ما يضره، والله تعالى منزه عن الاحتياج إلى عباده، وهم لا يبلغون ضره ولا نفعه، بل هو الغني عن كل ما سواه.


فإن قيل: الإرادة التي نثبتها لله ليست مثل إرادة المخلوقين، كما أنا قد اتفقنا وسائر المسلمين على أنه تعالى حي عليم قدير، وليس هو مثل سائر الأحياء العلماء القادرين.

فالجواب: أنا نقول: وكذلك الرحمة والمحبة التي نثبتها لله تعالى ليست مثل رحمة المخلوق ومحبة المخلوق.


فإن قيل: لا نعقل من المحبة والرحمة إلا هذا. قال لك نفاة الصفات: ونحن لا نعقل من الإرادة إلا هذا. وقلنا نحن - معشر أهل الأثر -: لا يخفى على عاقل فهيم، ولا مؤمن سليم أن إرادتنا ومحبتنا، ورحمتنا بالنسبة إلينا، وإرادته تعالى ومحبته ورحمته بالنسبة إليه، فكما أنّ ذاته لا تشبه ذواتنا، وحياته لا تشبه حياتنا، فرحمته ومحبته ورضاه وغضبه كذلك، فلا يجوز التفريق بين المتماثلين، فكيف تثبت له إحدى الصفتين، وتنفي عنه الأخرى، مع ورود الجميع في الكتاب العزيز والسنة الصحيحة!


وليس في العقل، ولا في السمع ما يوجب التفريق، إذ غاية ما يقال: إنا نثبت الإرادة بالعقل; لأن وجود التخصيص في المخلوقات دل على الإرادة، فيقال: أولا انتفاء الدليل المعين لا يقتضي انتفاء المدلول، فهب أن مثل هذا الدليل لا يثبت في الرحمة والمحبة، فمن أين نفيتم ذلك مع أن السمع أثبت ذلك؟ ويقال ثانيا في إثبات ذلك بالطريق العقلي نظير الذي أثبتم به الإرادة: ما في المخلوقات من وجود المنافع للمحتاجين، وكشف الضر عن المضرورين، والإحسان إلى المخلوقات، وأنواع الرزق والهدى والمسرات دليل على رحمة الخالق سبحانه،...وكذلك إثبات حكمته تعالى ومحبته التي تنبني عليها حكمة خلقه وأمره، مما يعلم بالسمع وبالعقل أيضا، كما تعلم إرادته تعالى بهما".

 

وقال العلامة ابن عابدين (المتوفى: 1252) في رد المحتار (1 / 7): "وهل وصفه تعالى بالرحمة حقيقة أو مجازا عن الإنعام أو عن إرادته؛ لأنها من الأعراض النفسانية المستحيلة عليه تعالى فيراد غايتها؟

 

المشهور الثاني. والتحقيق الأول، لأن الرحمة التي هي من الأعراض هي القائمة بنا، ولا يلزم كونها في حقه تعالى كذلك حتى تكون مجازا كالعلم والقدرة والإرادة وغيرها من الصفات، معانيها القائمة بنا من الأعراض، ولم يقل أحد إنها في حقه تعالى مجاز".

 

وقال العلامة المفسر شهاب الدين الألوسي (المتوفى: 1270) في روح المعاني (1 / 62-63): "كون الرحمة في اللغة رقة القلب إنما هو فينا، وهذا لا يستلزم ارتكاب التجوز عند إثباتها لله تعالى لأنها حينئذ صفة لائقة بكمال ذاته كسائر صفاته، ومعاذ الله تعالى أن تقاس بصفات المخلوقين، وأين التراب من رب الأرباب.

 

ولو أوجب كون الرحمة فينا رقة القلب ارتكاب المجاز في الرحمة الثابتة له تعالى لاستحالة اتصافه بما نتصف به، فليوجب كون الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر ما نعلمه منها فينا ارتكاب المجاز أيضا فيها إذا أثبتت لله تعالى، وما سمعنا أحدا قال بذلك، وما ندري ما الفرق بين هذه وتلك، وكلها بمعانيها القائمة فينا يستحيل وصف الله تعالى بها، فإما أن يقال بارتكاب المجاز فيها كلها إذا نسبت إليه عز شأنه، أو بتركه كذلك وإثباتها له حقيقة بالمعنى اللائق بشأنه تعالى شأنه. والجهل بحقيقة تلك الحقيقة كالجهل بحقيقة ذاته مما لا يعود منه نقص إليه سبحانه، بل ذلك من عزة كماله وكمال عزته، والعجز عن درك الإدراك إدراك، فالقول بالمجاز في بعض، والحقيقة في آخر لا أراه في الحقيقة إلا تحكما بحتا".

 

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت: 1393) في أضواء البيان (2 / 29-30): "جميع الصفات من باب واحد، لأن الموصوف بها واحد، ولا يجوز في حقه مشابهة الحوادث في شيء من صفاتهم، فمن أثبت مثلا أنه سميع بصير، وسمعه وبصره مخالفان لأسماع الحوادث وأبصارهم، لزمه مثل ذلك في جميع الصفات، كالاستواء واليد، ونحو ذلك من صفاته جل وعلا، ولا يمكن الفرق بين ذلك بحال".

 

وقال أيضًا في رسالة الأسماء والصفات نقلا وعقلا (ص: 24): "أن يعلم طالب العلم أنّ جميع الصفات من باب واحد؛ إذ لا فرق بينها البتة، لأن الموصوف بها واحد، وهو جل وعلا لا يشبه الخلق في شيء من صفاتهم البتة.

 

فكما أنكم أثبتم له سمعاً وبصراً لائقين بجلاله لا يشبهان شيئاً من أسماع الحوادث وأبصارهم، فكذلك يلزم أن تجروا هذا بعينه في صفة الاستواء والنزول والمجيء إلى غير ذلك من صفات الجلال والكمال التي أثنى الله بها على نفسه.


واعلموا أنّ ربّ السموات والأرض يستحيل عقلاً أن يصف نفسه بما يلزمه محذور أو يلزمه محال أو يؤدي إلى نقص، كل ذلك مستحيل عقلاً؛ فإنّ الله لا يصف نفسه إلاّ بوصف بالغ من الشرف والعلو والكمال ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين على حد قوله: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]".

 

وقال العلامة محمد سالم عدود الشنقيطي (ت: 1430) في منظومته التي طبعت باسم "مجمل اعتقاد السلف":

وما نقولُ في صِفاتِ قُدسهِ
فرعُ الذي نقولهُ في نَفسهِ
فإن يقُلْ جهميهُم كيفَ استوى
كيفَ يجيْ فقل كيفَ هُوَا
لا فَرقَ بينَ ما سَميُّهُ يُعَدْ
وصفاً لنا كعِلمٍ أو جُزءاً كَيَدْ[1]
البابُ في الجميعِ واحدٌ فلا
تكُن مُعطِّلا ولا مُمثِّلا
يأتي يجيْ يكشفُ عن ساقٍ يضعْ
قَدَمَهُ على جهنَّمَ، يَسَعْ
بفضلهِ الخلقُ يَداهُ بالعطَا
مبسوطتانِ كَيفَ شاءَ بَسَطا
كلتاهُمَا في يُمنِها يمينُ
فهو بذا مِن خَلقِهِ يَبِينُ
يَرى ولا يَراهُ مِنا ذو بَصَر
حتى يموتَ مثلَ ما جَا في الخَبَر
يَسمعُ يُبصرُ يُحبُّ يَعجبُ
يَضحكُ يَرضى يَستجيبُ يَغضبُ


[1] قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي في شرحه لهذه المنظومة: "فالقول في بعض الصفات كالقول في بعضها، فلذلك قال: (لا فرق بين ما سميه يعد وصفاً لنا كعلم أو جزءاً كيد) فالباب في الجميع واحد، فبعض الصفات يشترك معه بعض صفات المخلوق في الاسم كالعلم والإرادة والقدرة، وبعضه يشترك معه بعض أبعاض المخلوق في الاسم كالوجه والعين واليد والقدم والساق ونحو ذلك؛ لكن لا فرق فيما يتعلق بإثباته لله سبحانه وتعالى؛ لأن الجميع في حقه صفة.

وهذه المسألة ذكرها كثير من الذين ساروا على طريقة السلف من المتأخرين، وورد الكلام فيها عن عدد من السابقين كـابن خزيمة والدارقطني وأهل تلك الطبقة".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إثبات صفات الله وأفعاله عز وجل
  • من أسس وقواعد الإيمان بصفات الله
  • المنهج في فهم صفات الله
  • أقسام صفات الله عز وجل
  • صفات الله العلا
  • القول في صفات الله تعالى كالقول في ذاته
  • مبحث في صفات الله تعالى الواردة من الكتاب والسنة.. (بين عقيدة أهل السنة والجماعة والفرق المعطلة)
  • موقف الفرق المعطلة والمشبهة من صفات الرب جل في علاه

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة القول الحسن في جواب القول لمن (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة القول الحسن في جواب القول لمن(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • نسبة القول أو الفعل إلى الله تعالى وهو قول أو فعل الملائكة بأمره(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القول الأكمل في معنى قول الناس غدا أجمل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القول ببدعية صيام الست من شوال: قول باطل(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • النهي عن قول المملوك: ربي وربتي وقول السيد: عبدي وأمتي ونحوهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رقية المريض بقول: باسم الله أَرقيك، وقول: باسم الله يبريك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قرة العيون بإشراقات قوله تعالى {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • قول على قول (قصيدة تفعيلة)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • تفسير قوله تعالى: {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم...}(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب